
واقع أحداث مدينة الخليل ضد سكانها اليهود في سياق ثورة البراق 1929
The Events of Hebron Against Jewish Residents In The Context
Of The Al-Buraq Revolution 1929
د.طارق عبد الفتاح الجعبري/جامعة الخليل، فلسطين
Dr. TAREQ A. JABARI/ HEBRON University,Palestine
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 69 الصفحة 79.
Abstract:
The study deals with analysis and interpretation of the events of the Al-Buraq Revolution in 1929 in Hebron, as they are among the most important stations of this revolution. The Al-Buraq Revolution was one of the most important political events in Palestine in the early twentieth century. Its events in Hebron are worthy of study, as they contained major events, including the killing of more than sixty Jewish residents of the city. The problem of the study focused on the causes of the Hebron’s turn against its Jewish inhabitants, who had given them safety over decades, and what were the events, introductions, results, and the interpretation of the role of the English security forces. The study aimed to identify the causes and most important results of the Al-Buraq Revolution. And standing on the events of the Buraq revolution in the city of Hebron and the role of the British in the conflict. The researcher used the historical analytical method and the descriptive method. The study concluded that the penetration of the Zionist movement among the Jews of Hebron was the direct cause of the people of Hebron turning against them. And many families from Medina participated in protecting most of the Jewish families, in fulfillment of the covenant of safety and the right of neighbor. The British forces played a major role in facilitating and encouraging the Arabs to kill the Jews in Hebron.
Key words: Hebron. Al-Buraq Revolution. Palestine
ملخص :
تناولت الدراسة بالتحليل والتفسير أحداث ثورة البراق عام 1929 في مدينة الخليل، باعتبارها من أهم محطات هذه الثورة. وكانت ثورة البراق من أهم الأحداث السياسية في فلسطين في مطلع القرن العشرين. وطبيعة أحداثها في الخليل جديرة بالدراسة كونها احتوت على أحداث جسام ومنها مقتل ما يزيد عن ستين يهوديا من سكان المدينة. وكانت مشكلة الدراسة تركزت حول أسباب انقلاب أهل الخليل على سكانها اليهود الذين منحوهم الأمان على مدار عشرات السنوات، وطبيعة الأحداث والمقدمات والنتائج وتفسير دور الإنجليز فيها. وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على أسباب ثورة البراق وأهم نتائجها. والوقوف على طبيعة أحداث ثورة البراق في مدينة الخليل ودور الإنجليز في مسار هذه الأحداث. وكانت أسئلة الدراسة التي حاولت الإجابة في الأسباب والنتائج للحدث وتحقيق أهداف الدراسة. واستخدم الباحث المنهج التحليلي التاريخي والمنهج الوصفي. وخلصت الدراسة إلى نتائج عدة أهمها أن تغلغل الحركة الصهيونية بين يهود الخليل كان السبب المباشر لانقلاب أهل الخليل عليهم. وساهمت عائلات كثيرة من المدينة في حماية معظم عائلات اليهود وفاء لعهد الأمان وحق الجار. وكان لقوات الإنجليز حدور كبير في تسهيل وتشجيع العرب على قتل اليهود في الخليل.
الكلمات المفتاحية: الخليل. ثورة البراق. فلسطين.
الإطار المنهجي للدراسة :
تناولت الدراسة أحداث ثورة البراق عام 1929 في مدينة الخليل باعتبارها من أهم محطات وعلامات هذه الثورة. وحيث أن ثورة البراق كانت من أهم الأحداث السياسية في فلسطين في مطلع القرن العشرين. كانت طبيعة أحداثها في الخليل جديرة بالدراسة كونها احتوت على أحداث جسام ومنها مقتل ما يزيد عن ستين يهوديا من سكان المدينة. وكانت مشكلة الدراسة تمحور حول أسباب انقلاب أهل الخليل على سكانها اليهود الذين منحوهم الأمان على مدار عشرات السنوات، وطبيعة الأحداث والمقدمات والنتائج وتفسير دور الإنجليز فيها. وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على أسباب ثورة البراق وأهم نتائجها. والوقوف على طبيعة أحداث ثورة البراق في مدينة الخليل ودور الإنجليز في مسار هذه الأحداث .وكانت أسئلة الدراسة التي حاولت على الإجابة في الأسباب والنتائج للحدث وطبيعته في المدينة. وطرح الباحث أسئلته كالآتي : ما هي أسباب وأحداث ثورة البراق وأهم نتائجها؟ وما هي طبيعة أحداث ثورة البراق في مدينة الخليل؟ وما هو دور الإنجليز في مسار هذه الأحداث؟ واستخدم الباحث المنهج التحليلي التاريخي والمنهج الوصفي في سعيه نحو تحقيق أهداف الدراسة والإجابة على أسئلتها. وحرص الباحث على تعدد مصادره من المصادر العربية والأجنبية وخاصة الإسرائيلية. مجتهدا في تحليل وتركيب وتفسير الأحداث وتتبع تطوراتها.
مقدمة:
الحديث عن أحداث سنة 1929م والتي عرفت بثورة البراق، والدور البريطاني في تطور الاضطرابات في مدينة الخليل، يقودنا إلى البحث الجدي في طبيعة التدخل المباشر للانتداب البريطاني في تطور الصراع العربي الفلسطيني الصهيوني من بداية هذا القرن[1]. وخاصة أن ثورة البراق كان لها من الأهمية الكبرى استناداً لوقائعها ونتائجها[2].مما عمل على اعتبارها إحدى المفاصل الرئيسة في الصراع الفلسطيني الصهيوني. ومازال هناك الكثير لبحثه ودراسته في تاريخ الصراع ضد الصهيونية، حتى يتم إدراكه في الوعي الوطني، حيث يلقي كل طرف ظلال رؤاه ومنطقه ومفهومه في تاريخ النزاع وأحداثه. ومن هنا رأيت من الأهمية دراسة أحداث سنة 1929م، متتبعاً وقائع أحداث مدينة الخليل والدور البريطاني الميداني التي جاءت تباعاً لأحداث البراق في القدس. وفي هذه الأحداث قتل في الخليل وحدها ستون يهوديا، وتم إعدام ثلاثة فلسطينيين اثنين منهم من الخليل. ونحاول الإجابة على العديد من الأسئلة في هذه الأحداث. ومنها الانقلاب العنيف من قبل أهل الخليل على الجالية اليهودية التي منحته الأمان طوال قرون من الزمن أو أحداث القتل التي طالت اليهود بشكل قاسي مع مقابلة لموقف الكثير من أهالي المدينة الذين قاموا بدفاع وحماية اليهود المجاورين لهم، مما حال من إبادة اليهود بشكل كلي في المدينة[3]. ولم تعن المراجع والمؤلفات التاريخية العربية كثيرا بتفاصيل أحداث مدينة الخليل سنة 1929م، وإنما تم تناوله في الأغلب كملحق ثانوي في ثورة البراق.
تكمن أهمية الدراسة كونها تمثّل مرتكز السياسة الإسرائيلية نحو الخليل وتهويدها[4]، وفيها المبرر للاعتداءات التي لا تتوقف في المدينة على الأراضي والمقدسات والسكان. وقد استعرضت في هذا البحث ما أوردته المراجع التاريخية العربية والأجنبية خاصة الإسرائيلية حول الأحداث، ومستفيداً من روايات المعمرين من أهل المدينة. وكان منهجي ربط وتحليل العناصر والعوامل المتشابكة في الحدث، مفنداً بعضها ومدعماً أخرى حسب ما توافر لدي من مادة تاريخية. واجتهدت أن أبدأ بتعريف مختصر لمدينة الخليل وأهميتها التاريخية والدينية. كما قمت بوصف أحوال المدينة ما قبل الأحداث وخلالها وما بعدها. ثم تطرقت بالتفصيل لتسلسل الأحداث ابتداء في القدس والمنتهية بالخليل مع وصف لمجريات قتل وملاحقة اليهود في المدينة. ثم تتبعت سياسة الانتداب البريطاني في فلسطين والذي أدى إلى خلق أجواء التوتر والصراع والصدامات. أما دور الإنجليز المباشر في أحداث الخليل فقد جمعت الروايات وقارنتها وقلبتها يميناً وشمالاً، حيث ظهرت بعض الملامح والنتائج حول دورهم الواضح في تصعيد الأحداث. ومن أهم الدراسات السابقة التي تناولت أحداث الخليل خاصة كتاب (سيفر حبرون)[5] للمؤلف اليهودي (عوديد أبيشار)، من الروايات اليهودية التي تضمنت ووجدت عناية فائقة ومتابعة لأدق التفصيلات. فقد عني بتحليل وسرد تفصيلات الأحداث حسب الرواية اليهودية باذلاً جهداً طيبا. مستفيدا من روايات أهل الخليل وبعض وثائقهم في تدعيم رأيه.
الأهمية الدينية والتاريخية
مدينة الخليل من أقدم وأهم المدن الفلسطينية تاريخياً، حيث يمتد عمرها إلى الألف الخامس قبل الميلاد، عندما سكنها الكنعانيون وأطلقوا عليها اسم (قرية أربع)[6]، وبدأ نجم المدينة يسطع عندما سكنها نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن ثم دفن فيها. بعدها تواكبت القبائل العربية لسكن فها كبني عدي ومن ثم لخم وجذام[7]. وحازت المدينة على مكانة مرموقة بعد الفتح الإسلامي، ونالت قدسية كبيرة لدى المسلمين باعتبارها تحتضن قبر سيدنا إبراهيم عليه السلام وقبور زوجاته[8].إضافة لمقامات الأنبياء اسحق، ويعقوب، ويوسف، ولوط، ويونس، وبعض مقامات الصحابة كتميم الداري رضي الله عنه وبعض التابعين والصالحين. أما ما يدعيه اليهود وبعض المستشرقين أن الخليل اصلها وجذورها يهودية فإنه لم يصمد أمام ردود علماء الآثار والمؤرخين الذين ردوا على اليهود بشكل قاطع هذه الآراء[9].تقع مدينة الخليل – التي سميت على اسم ساكنها إبراهيم الخليل عليه السلام – على بعد 36كم جنوب القدس، وهي ذات علاقة استراتيجية متينة مع القدس بوابة الخليل. والمدينة جبلية التضاريس تشتهر بالكثير من المزروعات أهمها العنب والزيتون[10].
تاريخ اليهود في المدينة ورؤيتهم الدينية لها:
تعتبر الخليل توأم القدس تاريخياً ودينياً في العقيدة اليهودية، فقد تم ذكرها في التوراة – الإصحاح الأول – بل إن التاريخ اليهودي يبدأ من الخليل مع أبي اليهود إبراهيم عليه السلام[11]. وقد ورد ذكر مدينة الخليل في الكتاب المقدس 87 مره باسم حبرون أو قرية أربع أو ممرى. ويعترف المؤرخون اليهود أن الفتح الإسلامي لفلسطين زمن عمر – رضي الله عنه – أوقف اضطهاد اليهود من قبل البيزنطيين وتم السماح لهم بالعودة إلى القدس والخليل بشكل تدريجي[12]. وباستيلاء الصليبيون على الخليل سنة 1100م تم طرد اليهود أيضا من المدينة ولم يبدؤوا بالعودة حتى تحرير الخليل سنة 1260م على يد السلطان المملوكي بيبرس[13]. ثم يعود يؤكد المؤلف اليهودي أبيشار أن اليهود تواجدوا في الخليل بصورة متقطعة وجزئية خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين سواء بالسكن أو الزيارة. إلى أن بدأ تواجد يهود الأندلس في المدينة يكبر بعد رحيلهم من الأندلس. وبدأ التواجد اليهودي في الخليل ينشط بشكل جدي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ففي سنة 1870م جاء إلى الخليل اليهودي الثري (حاييم رومانو) واشترى أرضا بنى عليها عمارة فخمه[14]، بينما بدأ تطور الجالية اليهودية في المدينة يتضح سنة 1890م حيث بدءوا بإنشاء بعض المدارس، وإرسال بعض طلاب اليهود إلى القدس للتعلم. أما في سنة 1895م فقد أقيم مستوصف طبي خاص بهم ، وشرع اليهود في هذا العام بتعلم الحرف والمهن وإنشاء دكاكين صغيرة. حيث بلغ عددهم في هذا العام حوالي 1429 شخص منهم 810 من يهود الأندلس، و 619 من الإشكناز[15].
وفي مطلع القرن العشرين بدأ اليهود ينشطون بشكل واضح حيث أرسلوا وفوداً متعددةً إلى أوروبا لجمع التبرعات لجالية الخليل. وفي سنة 1909م أقام يهودي من بغداد مستشفى لليهود، أقام (يعقوب ساسون) مدرسة دينية أيضاً سنة 1910م وهو عام شهد تطور مشاركة اليهود في صناعة الأحذية والتجارة والخياطة والحدادة وتصليح الساعات والصياغة والمنسوجات الصوفية، إلا أن هذه الصناعات لم تصمد طويلاً في المدينة، فتدهورت معظمها وهاجر معظم حرفيي اليهود من المدينة[16].الخليل من مطلع القرن العشرين إلى سنة 1929م. وعاشت المدينة خلال هذه الفترة حياة بائسة في معظم شؤون حياتها، وذلك انعكاساً للأوضاع السياسية والاقتصادية المتراكمة التي تعاقبت على فلسطين[17]. إلا أن الخليل وغزه ونابلس وبعض المدن الأخرى، كان مستوى المعيشة فيها أدنى مما في القدس ويافا[18].وكان التعليم في المدينة كان في أبسط صوره عدد الطلاب في المراحل النهائية في المدارس (ثاني ثانوي) سنة 1932م كانوا تسعة طلاب فقط[19]. في حين أنه سنة 1922م اقتصر عدد المدارس على أربع فقط، ثلاثة منها ابتدائية ضمت 387 طالباً، بينما اليهود في المدينة والبالغ عددهم آنذاك (430 يهودياً) مقارنة بالمسلمين البالغ عددهم العام53689نسمه. فقد كان لليهود في تلك الفترة أيضاً أربع مدارس ضمت 42 طالباً[20].والإقبال على المدارس لم يكن بشيء الكثير، لأن غالبية السكان تحيا حياة تعجز فيها عن توفير الأقلام والدفاتر ناهيك عن الرسوم. وكانت غالبية سكان المدينة تعتمد على الزراعة بطرقها البدائية معتمدة على مزروعات البلد كالعنب والزيتون والقمح والخضار واللوزيات، إضافة إلى بعض الصناعات والحرفيات الخفيفة، أما المواصلات فكانت سيئة، تعتمد على الدواب ولم تدخل السيارات إلى المدينة إلا في سنة 1923[21].
الوضع السياسي في المدينة سنة 1929م
تنامى الشعور الوطني والانتماء والوعي السياسي بتطور القضية الفلسطينية منذ مطلع القرن. وكانت البداية مع الإنجليز ترحيبية، وانسجاما مع التوجه العربي والفلسطيني العام، فإن أهل الخليل قد علقوا الآمال العظام على بريطانيا،وفي كتابهم إلى الشريف حسين بتاريخ 8/2/1918م يعلن ممثلي الخليل الولاء له، ويثنون بالشكر إلى جلالة ملك بريطانيا العظمى بل يزيدوا “فلقد يعلم الله أننا صادقون في محبتها –بريطانيا- متهالكون في خدمتها، أطال الله أيامهما، وحف بالنصر أعلامهما. وقامت مجموعة من أهل الخليل بالتوقيع على عريضة احتجاج الفلسطينيين إلى هيئة مؤتمر السلم العام ووزارة الخارجية البريطانية محتجين على الحركة الصهيونية والحالة السيئة في فلسطين وذلك بتاريخ 12/2/1918م، فمن الخليل كان الموقعون داود شكري وموسى شكري وخليل عزت[22].وأثناء عقد المؤتمر السوري العام في دمشق 2/6/1919م، كانت مشاركة من الخليل ممثلة بالدكتور أحمد قدري ورفيق التميمي. وفي سنة 1921م شارك من الخليل ممثلين في المؤتمر الفلسطيني الرابع، وكان من أعضاء اللجنة التنفيذية المنتخبة من الخليل الحاج سليم شنيتر. وعقب تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1922م وانقسام الفلسطينيين ما بين عائلتي الحسيني والنشاشيبي سرت هذه العدوى في الخليل وقراها وأثارت الخصومات بين العائلات والقرى بعضها البعض[23].أما المؤتمر الفلسطيني السابع سنة 1928م فقد كان وفد كبير من الخليل مشاركاً، وضم كل من: الشيخ طالب مرقه، وأمين الحموري، والحاج سليم حجازي، ومحمد يوسف بدر، وناصر عبد الفتاح، وطالب عبد المجيد، وراشد عرفة، وعبد زيتون، وعبد الله طهبوب، والشيخ صبري عابدين، وعلي العويوي، وعبد الله بشير عمرو، وأمين الجعبري، وعبد الفتاح العزة، ويونس زلوم، والحاج إبراهيم أبو خلف، ومحمد علي الجعبري، وراتب الناظر، وعبد الله الشعراوي. وقد تم انتخاب بعضهم لعضوية اللجنة التنفيذية كلاً من: الشيخ طالب مرقه وناصر الدين ناصر الدين.[24]
ومع تصاعد التوتر حول حائط البراق بسبب استفزازات اليهود، شكل العرب جمعية حراسة البراق الشريف بمشاركة واضحة من أهل الخليل. حيث تلاها تشكيل جمعية الشبان المسلمين لدفاع عن البراق الشريف وكان رئيس فرعها في الخليل الشيخ طالب مرقة[25]. واشتد الصراع حول حائط البراق أواخر سنة1928م، مما دعا المسلمين إلى عقد مؤتمر عربي لدفاع عن حائط البراق الشريف بتاريخ 1/11/1928م في مدينة القدس، حضر المؤتمر 700مندوباً من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، قرر المجتمعون فيه تشكيل منظمات لحماية الأقصى المبارك بصورة جمعية أسموها “جمعية حراسة الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة” وقد مثل الخليل في المؤتمر كلاً من الشيخ طلب مرقة، والشيخ صبري عابدين، ومحمود الحموري، وأمين الحموري، وعبد الله طهبوب، وعبد الحي الخطيب، ومحمد علي الجعبري، وسليم حجازي، وحميدان كاتبة، وطاهر دعنا، ورضوان دويك، وراشد دعنا، وعيسى حسن.وكانت مدينة الخليل بعيدةً كثيراً عن الجو الحزبي الفلسطيني، وان مشاركة أهل الخليل في هذه الأحزاب يكاد لا يذكر[26].
يهود الخليل من مطلع القرن الحالي إلى سنة 1929م
تصف الروايات التاريخية يهود الخليل في هذه الفترة بأنهم متدينين ورعين. وجاءوا للعبادة في جوار قبر إبراهيم علية السلام. وقد عاش يهود الخليل طوال عدة قرون مع أهل الخليل المسلمين بكل وطمأنينة. رغم ذلك يبدو توجه يهود الخليل نحو الصهيونية قبيل الأحداث قد ساهم مساهمة فعالة في تأجيج العداء وإبرازه ضد اليهود بمن فيهم يهود الخليل. وكان يهود الخليل عشية أحداث سنة 1929م من المتدينين وتخلوا أطماع الصهيونية من تصرفاتهم. بل إن علاقاتهم مع أهل الخليل فيها كثير من التعاون والقبول[27]. فما الذي دفع بأهل الخليل التنكر لهذا الجوار الذي منحوه لليهود، وارتدادهم عليهم والقيام “بأعمال قتل وحشية بشعة ومذبحة عامة ضد يهود المدينة ” حسب وصف المندوب السامي[28].
وبالرغم من أن الفلسطينيين توجسوا من عمليات الاستيطان الأولى من قبل اليهود أواخر القرن التاسع عشر. ووجود احتكاكات واصطدامات منذ بداية العمليات الاستيطانية[29]. لكن الخليل بمن فيها من مسلمين ويهود كانت تحيا حياة مطمئنة تخلو من الصراع العربي الصهيوني الذي كان يتعاظم في الساحل الفلسطيني،والذي ركز الاستيطان اليهودي عليه مستبعداً المناطق الداخلية الفلسطينية .فمثلا يصف الرحالة (القساطلي سنة 1875م) أهل الخليل أنهم مسلمون ويهود، المسلمون عددهم 15000 نسمة، واليهود 2000 جميعهم من السكناج. أما الباعة المتجولون من تجار اليهود من الخليل فقد كانوا يبيعون منتجات الخليل والزجاج في سائر أنحاء فلسطين ذلك الوقت. تمتع يهود الخليل وصولاً إلى مطلع القرن العشرين بحماية مزدوجة، أولها : من سكان المدينة الذين منحوهم الجوار والأمان، وثانيها : الحماية الأجنبية من بريطانيا والنمسا. تذكر الروايات التاريخية أن اليهود قاموا بالشكوى ضد عبد الرحمن عمرو الذي تمرد على الدولة العثمانية، وأخذ بجمع الضرائب لصالحه مما مسّ مصالح يهود الخليل، فقاموا بالشكوى إلى القنصلين الإنجليزي والنمساوي اللذين ذهبا إلى الخليل ليتفقدا أحوال يهود المدينة المتمتعين بحمايتهم[30].
وأصبح أمان اليهود من المعلوم الذي لم يخرج عليه أحد، وحرص وجهاء المدينة على تأمين وأمان اليهود المجاورين. وعند انسحاب ومجيء الإنجليز إلى البلاد سنة 1917م حيث أصبحت مدينة الخليل بدون حكومة وأحكام، وقد كان من الممكن أن يتعرض اليهود فيها إلى خطر حقيقي، حينها عمد وجهاء المدينة إلى الحاخام “سليمان ماني” مؤكدين له بأنهم سيدافعون بأنفسهم عن حياة اليهود وأموالهم ريثما يدخل الإنكليز المدينة، وأكثر من ذلك فإن وجهاء المدينة ولمدة أسبوعين متواصلين عملوا على الاجتماع ليلاً في ساحة اليهود حتى دخول الجيش البريطاني الخليل[31]. وعندما أحكم الإنجليز على الخليل فتحوا المجال للحركة الصهيونية بالتسلل إلى يهودها بشكل عملي كبناء مدارس ومستوصف، وإنشاء فرع لبنك أنكلو فلسطين، وبعض المنشآت الداعمة لوجود اليهود في المدينة. غير أن أحداث النبي موسى سنة 1929م كانت إحدى المحطات الرئيسة والتي أسفرت عن صدام بين أهل الخليل مع الحركة الصهيونية، ويهود القدس على الأخص ومنها كانت بذرة الصدام والانتقام من اليهود. حيث اعتاد أهل الخليل وقراها المشاركة السنوية في احتفالات النبي موسى، الواقع على طريق القدس أريحا. وعادةً ما يكون وفد الخليل من أكبر الوفود المشاركة حيث ينطلق من الحرم الإبراهيمي في المدينة منطلقاً إلى القدس، ليكون في استقباله سائر الوفود. فقد تحرك وفد الخليل في نيسان 1920م إلى القدس حيث كان في استقباله وفد القدس ووفد نابلس، الذين قابلاه بالأناشيد الدينية والتي سرعان ما تحولت إلى أناشيد وخطب سياسية، وألقى خلالها موسى كاظم الحسيني -رئيس بلدية القدس آنذاك – كلمة ترحيبه بوفد الخليل هاجم فيها السياسة البريطانية مما أدى إلى عزله لاحقاً[32]. ومن هنا نستطيع القول أنه بدأ الصدام الأول بين العرب واليهود، فقد قام أحد اليهود بالبسق على المحتفلين واعتدى بعض اليهود على أحد مواطني الخليل المحتفلين، ومن ثم اشتبك الطرفان في أحداث استمرت عدة أيام قتل فيها عدة أشخاص. ووصلت أخبار صدامات القدس إلى الخليل مساء ذلك اليوم، وأن الصهاينة هاجموا علم الخليل في القدس فقتلوا رجال الموكب ومزقوا العلم. فهب أهل الخليل واستعدوا للسفر إلى القدس لنجدة إخوانهم، إلا أن الحاكم العسكري البريطاني (الكابتن تشامبيون) أغلق طريق القدس في وجههم مانعهم من السفر إلا أنه سمح لهم بعد إلحاح طويل بتنظيم مظاهره ضد الصهاينة تخرج من الحرم الإبراهيمي[33]. ويظهر لنا هنا أن أهل الخليل في احتجاجهم ضد الصهاينة لم يشملوا يهود الخليل بصورة مباشرة، فلم يمسّوا يهود الخليل بسوء. وهذا ما حمل الألوف من أهالي الخليل بالتجمع حول ساحة اليهود صبيحة اليوم التالي، ولم ينفضوا إلا بمجيء القوات البريطانية المساندة من القدس. ثم إن وجهاء الخليل ذهبوا بعد فضّ المظاهرة إلى بيت الحاخام ماني مؤكدين له أنهم لن يمسوا يهود الخليل بسوء وأن مظاهرتهم ضد الصهيونيين الأجانب. ولم تكن أحداث سنة 1920م مستنده إلى تخطيط، إنما هي ردّة فعل وانفجار شعبي على خطر اليهود المتزايد، وهم البادئين بالتحرش. وتبدو أنها سياسة متبناة من اليهود والحركة الصهيونية في توتير الأجواء وتسخين الحالة السياسية في فلسطين للفت أنظار العالم وكسب تأييده. مما دفع بعض المؤرخين المعاصرين بالتلميح أن هذه الأحداث ربما كانت مدبره من اليهود أو الحكومة[34].وهنا تظهر حقيقة تدخل الإنجليز في هذه الأحداث، والى النهج المتعمد من قبل اليهود الحركة الصهيونية بتوتير الأجواء وتفاعل الصدامات مع العرب، وهي متقاربة إلى حد كبير مع أحداث النبي موسى عام1920، حيث يمكن اعتبارها امتداداً لتلك السياسة وتطوير للرؤية اليهودية والاستراتيجية في سيطرتهم على فلسطين.
ومن النتائج التي يمكن استخلاصها لأحداث النبي موسى عام 1920م: تفاعل أهل الخليل مع الأحداث بصورة مباشرة وسريعة فور سماعهم أخبار الاصطدامات في القدس، أما التقاطع مع الحركة الصهيونية والوقوف موقف الصدام معها فكان واضحاً بمسيرة الخليل ومظاهرتهم ضد الصهاينة. إضافة أن أهل الخليل كانوا عنصراً أساسياً في الصراع والأحداث مع اليهود عام 1920م، حيث أن “رواية فوج معاصر للحدث تشير أن تحرش اليهود كان بجماهير أهل الخليل القادمة إلى القدس للاحتفال بموسم النبي موسى، فما كان من أهل الخليل إلا أن هاجموهم وقتلوا منهم –اليهود- مقتلة عظيمة”[35].فلا غرو من أن يتنامى شعور العداء ما بين أهل الخليل واليهود عامه، فقد حقنت هذه الصدامات النفوس بالضغينة والحقد الذي أخذ يكبر يوماً بعد يوم. إضافة إلى ما سبق فإن تلاصق الأحداث أسهم في إزالة القناع عن يهود الخليل المتصفين بالتدين غير الصهيونية، فكانت وفودهم المتكررة إلى أوروبا نهاية العشرينات لجمع التبرعات ليهود الخليل وتعاونهم مع الوكالة اليهودية التي بنت لهم مدرسة ومرافق أخرى. أيضاً فإن الاعتداءات المتكررة من قبل اليهود طوال العشرينات على الحرم الإبراهيمي. حيث اعتاد المسلمون أن يسمحوا لليهود والأجانب بالصعود إلى الدرجة السابعة من المسجد، وكانوا في كل يوم جمعة يبكون وينوحون-كما في حائط البراق_ ، إلا أنهم لم يقتنعوا بذلك وبدئوا بمحاولة الصعود أكثر من الدرجة السابعة المسموح لهم بها، بل إنهم جلبوا أدوات إبادتهم معهم في محاولة لخلق واقع جديد لهم في الحرم الإبراهيمي، مما جلب نقمة المسلمين عليهم[36].
ويمكن تلخيص توجهات السياسة البريطانية في فلسطين في الفترة 1917-1929 كالآتي: فقد دخلت القوات البريطانية إلى فلسطين متظاهرة تحالفها مع العرب، وأنها ما جاءت إلا لتحرر العرب من طغيان الدولة العثمانية. إلا أن هذه السياسة المتلونة لم تصمد طويلا أمام الوقائع والحقائق التي أخذت تثبت على الأرض، وأهمها دعم الحركة الصهيونية ومن ثم وعد بلفور في 2-11-1917م معلنا التزام بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين[37].ومن ثم توالت خطوات الشراكة والتحالف البريطاني والصهيوني في فلسطين، ففي مؤتمر الصلح في باريس 1919م، أجيبت مطالب الوفد الصهيوني. ومن ثم تعيين اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل لاحقا مندوبا ساميا على فلسطين[38].أما الانتداب البريطاني على فلسطين 1922م، فقد جاء كأحد الخطوات المتممة للمشروع الصهيوني، فتأثير الصهيونية في بنود الانتداب واضح جلي[39]. وأصبحت سياسة الحكومة البريطانية في فلسطين تبدو أكثر وضوحا يوما بعد يوم في انحيازها ودعمها للحركة الصهيونية، كما يؤكد المسؤولين البريطانيون أن السياسة البريطانية في فلسطين خلال السنوات الخمس الأخيرة مرتكزة الى تصريح بلفور[40]. وكان اليهود بالإدارة البريطانية في فلسطين يتعاملون على أن البلاد بلادهم وما على العرب إلا أن يرحلوا عنها[41]وقد خلصت الهيئات الفلسطينية الى نتائج السياسة البريطانية في فلسطين، في الوثائق التي أعدتها أمام لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية سنة 1946م، مجملين هذه الخطوط العريضة للسياسة البريطانية من 1917- 1939م بأنها مرتكزة على الحيلولة دون أن يصبح العرب أو اليهود أقوى مما ينبغي.وأن أسباب حوادث سنة 1919م وسنة 1920م وسنة 1929م وسنة 1936م لم تكن ناجمة عن أسباب مؤقتة أو من مظالم إدارية، بل إنها نجمت عن معارضة وطنية لجميع السياسة الصهيونية التي اتخذتها السلطة المنتدبة.وفي الخلاصة يمكننا أن نصف سياسة الانتداب البريطاني في فلسطين في كلمتين بأن “حكومة فلسطين يهودية أكثر من اليهود”[42].
مجريـات أحداث ثورة البراق في القدس :
انطلقت شرارة الأحداث الأولى في 14/8/1929م عندما قام اليهود باستفزاز المسلمين بتنظيم مظاهرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير هيكل سليمان، ثم أعقبها في اليوم التالي مظاهرة كبيرة في شوارع القدس، وصل اليهود فيها قرب حائط البراق حيث رفعوا العلم الصهيوني وأخذوا ينشدون النشيد القومي الصهيوني ( الهاتكفا: الأمل ). وقد صدر من بعض اليهود الشتائم والاستفزازات للمسلمين مطالبين باستعادة الحائط باعتباره (حائط المبكى)، وأنه الجدار الباقي من هيكل سليمان[43]. وتزامنت هذه المظاهرات في اليوم التالي 16 آب، وقد كان يوم جمعة، ذكرى المولد النبوي الشريف حيث جرت العادة احتفال أهالي القدس والقرى المجاورة الاحتفال بالمسجد الأقصى، فخرج المسلمون بعد صلاة الظهر آلافاً ناقمين على اليهود فتوجهوا نحو حائط البراق محطمين منضدة اليهود، وأحرقوا بعض الأوراق التي تخص اليهود، ثم حدث في اليوم التالي –17 آب – اشتباك بين مجموعة من العرب وأخرى من اليهود، أدت إلى جرح 11 شخصا من الجانبين ووفاة يهودي، مما دفع بالقوات البريطانية لاعتقال عدد كبير من الشباب العرب وبعض اليهود .وأخذت هذه الأخبار بالانتشار سريعا في سائر المدن الفلسطينية، وأن اليهود يعملون على احتلال حائط البراق. فما كان إلا أن تدفق آلاف الأهالي من القدس وما جاورها إلى الصلاة المسجد في المسجد الأقصى يوم 23 آب، حاملين العصي والهراوات متحدين اليهود الذين كانوا مجتمعين في انتظارهم، ووقع الصدام بين الطرفين، وتدخلت الشرطة البريطانية فأطلقت النيران على العرب وحلقت الطائرات فوق القدس ودخلت المصفحات البريطانية شوارع القدس لإعادة الهدوء إلى المدينة عصراً. وأخذت هذه الأحداث العنيفة تصل إلى باقي المدن الفلسطينية مثل نابلس والخليل وصفد وغيرها، حاملة نداءات الاستغاثة ودعاوى الثأر والانتقام من اليهود، وقد كانت الردود واضحة وقوية في اليوم التالي في كل من صفد والخليل[44] .
الأحداث في الخليل :
وصلت أخبار الصدامات والأحداث من القدس إلى الخليل، والتي كانت تحيا حالة من الهدوء المعيشي المتقبل لليهود في ذلك الوقت ولم يلق وجودهم أي معاملة تسئ إليهم بل على العكس فوجهاء المدينة ” تكفلوا دوما بأن يتمتع يهود الخليل باليهود التام ولا يساء إليهم”.[45]وبما أن العلاقات الاجتماعية والروابط الاقتصادية ما بين الخليل والقدس من القوة والترابط بمكان، حيث عملت على الاحتكاك اليومي باتصال مباشر بين المدينتين، فمن المعلوم أن أعداد كبيرة من أهل الخليل كانت قد سكنت القدس، وان الخليل كانت حلقة وصل ما بين القدس وبئر السبع وغزة. إضافة لصلاة الجمعة في الأقصى الشريف الذي يحرص عليه الكثير من أهل المدينة، فمن الطبيعي إذا أن تمسّ أحداث القدس أهل الخليل مباشرة[46]. ومع وصول أخبار الصدامات من القدس إلى أهل الخليل أخذ كلا من أهل المدينة واليهود بالتحفز والاستعداد للمواجهة، فقد وصل في يوم أحداث القدس مجموعة من شباب الهاغانا المدججين بالسلاح إلى الخليل حيث أودعوا أسلحتهم في مقر بنك (أنكلو- فلسطين) عند مديره اليهودي (اليعيزر دان سلونيم)، كما أن خوف اليهود دفعهم إلى زيارة حاكم الخليل المسيحي (عبد الله كردوس) يطالبون بحمايتهم ،فأجابهم أنهم في مأمن وان هناك قوات ضخمة علنية وسرية تقوم بالحراسة وقادرة على ضبط الأمور. كذلك قام بعضهم (شنيرسون والحاخام فرانكو) بالاتصال تلفونيا بلجنة (القدس اليهودية)، طالبين النجدة، فردت عليهم النجدة بأن يطمئنوا وأنهم بمنأى عن الأحداث، خاصة أن أهل الخليل مشهورون بمعارضتهم للمجلس الإسلامي الأعلى[47]. وبقيت المدينة تحيا حالة من الهدوء حتى الساعة الثانية والنصف من يوم الجمعة 23آب، حيث بدأت أخبار الأحداث الدامية تتوالى، مبتدئها سائق دراجة أخذ يطوف في السوق يخبر الأهالي أن المئات من المسلمين قد قتلوا، وبعدها شرعت السيارات تصل الى المدينة من القدس تؤكد أخبار الأحداث، وتدعو إلى الانتقام والثأر. وقد بلغ التأثر والهيجان العاطفي للسكان، مبلغا عظيما فكانت ردة الفعل سريعة بقذف كل يهودي يرونه أمامهم بالحجارة، وقام بعض الأهالي بمهاجمة ثلاثة شبان يهود كانوا بجوارهم فطعن أحدهم وهرب الاثنان. وبدأت جماهير المدينة تتجمع وتتوالى بالقرب من منزل نائب قائد الشرطة، وبدأت مسيرة صاخبة تتحرك نحو التجمع اليهودي الذين كانوا يراقبون عن كثب. حاول الحاخام سلونيم التوجه إلى قائد الشرطة لطلب الحماية فتعرض له البعض الضرب، فتوجهت إحدى اليهوديات إلى قائد الشرطة البريطاني (كفراتا) طالبة منه حماية الحاخام واليهود من العرب المتظاهرين أمامه، إلا أن قائد الشرطة رد عليها بفظاظة طالبا منها إغلاق منزلها عليها، وأضاف يقول على مسامع العرب المتظاهرين بان اليهود هم المسؤولون عن كل هذا الأمر باللغة الإنجليزية التي فهمها بعض الأهالي المتواجدين ، فشجع الجماهير العربية الساخطة على مواصلة الاحتجاج[48]. وأما (كفراتا)هذا، قائد الشرطة الإنكليزي وممثل السياسة البريطانية في المدينة، فقد أكد الكثير من مواطني المدينة أنه قام بتحريض العرب على اليهود، كما أن اليهود ذاتهم يؤكدون ذلك وان قائد الشرطة كان يقف وراء الجماهير الصاخبة[49].بل إنه قاد جماهير المدينة الصاخبة إلى بيوت اليهود بيتاً بيتاً ليقتلوهم. بعد سماع الجماهير العربية أقوال كفراتا عن مسؤولية اليهود للأحداث تشجعوا في الإقدام والتظاهر، فتوجهوا نحو منزل (غرودمينسكي)الذي يصف الأحداث قائلاً ” ساحة البيت عشرات العرب وحاولوا تحطيم الأبواب ثم بدئوا بتكسير النوافذ وقذف الحجارة، مع أن فرسان الشرطة العرب هبوا لمساعدتنا إلا أن الجماهير الغاضبة لم تأبه بوجودهم من البداية واستمر الاحتجاج حتى تمكنت الشرطة من تفريقهم بعدما أصيب طالب من المدرسة الدينية. بعدها توجهت الجماهير نحو المدرسة الدينية التي قذفت بالحجارة وأسفرت عن مقتل حارس المدرسة طعنا بالخناجر”[50]، بعدها تفرقت الجماهير العربية بحلول المساء متوجهين إلى بيوتهم. وخيم الليل بسكون مشحون، هدوء ما قبل العاصفة، وتمثل رد الجماهير فيهم في اليوم التالي .
مرت ليلة السبت 24/8/1929م على اليهود كدهر، وقفت فيها أنفاسهم، وسكنت أشباح الصمت بيوتهم، في انتظار ما تسفر عنه صبيحة اليوم التالي، وفي غضون هذه الليلة قام الضابط البريطاني (كفراتا) باستدعاء ابن المدرسة اليهودية (ابشتاين)، وأخبره بضرورة التزام اليهود منازلهم وعدم مغادرتها، وتكفل (كفراتا) بصون حياتهم. ونهض اليهود صباحاً حالي الساعة الخامسة محاولين الاتصال بالقدس بأي طريقة، وذلك لشرح حالتهم في المدينة التي أصبح أهلها يشكلون خطر دائم وحقيقي على الجالية اليهودية في الخليل[51]، إلا أنهم لم يتمكنوا من الاتصال سوى الساعة الثامنة صباحاً. وبينما أصبحت الخليل على الجماهير الغاضة تتوافد من المدينة وقراها وجبل الخليل أجمع، حيث وصلت أخبار الأحداث إلى كل قرية وخربة، وبدأت الجموع بالاحتشاد من كل أصقاع الخليل وجبالها ملوحين بالسيوف، مردين الأهازيج والأناشيد الحماسية[52]. وفي هذا الوقت ذهب زعماء اليهود إلى قائد الشرطة (كفراتا) للاحتجاج على إجبارهم ملازمة بيوتهم، بينما الجماهير العربية تجوب الشوارع، حيث تقابل وفد اليهود بالمواطن “عيسى عرفة” طالبين منه أن يسعى وجهاء الخليل لحماية اليهود، فوعدوهم خيراً، مؤكداً عليهم ضرورة تسليم الغرباء المسلحين الذين وصلوا أمس حتى يستطيعوا حماية أنفسهم من الجماهير الغاضبة، إلا أن اليهود أنكروا هذا الطلب معتبرين انه ليس في اليهود غرباء وأنهم شعب واحد ولن يسلموا تلك القوات المسلحة التابعة للهاغاناه[53]. وهذا يعكس بوضوح نخوف أهل المدينة من وجود قوات الهاغاناه بين يهود الخليل الذين فتحوا لهم منازلهم، بحيث أصبحوا قنابلا موقوتة داخل المدينة.
وعلى أثر هذه الحشودات الضخمة، بدأت هذه الجماهير الغاضبة تتجه نحو بيوت اليهود تداهمها، فتقتل من تجد أمامها ناهبة البيوت أو تدمرها، وقد عمّت الفوضى هذه الاضطرابات فاختلط الحابل بالنابل فحرقت بعض البيوت وقتل من اليهود بعض النساء والكهول، فتشابكت مشاعر الثأر والانتقام من اليهود المعتدين، متداخلة إلى سلب البيوت وتدميرها من سالبي البلاد ومغتصبي الأرض. وبالرغم أن معظم يهود الخليل كانوا من متوسطي المعيشة ولم تكن بيوتهم تحوي الشيء الكثير، لكنها أفعال في جو فوضوي عارم ثوري بلا قيود، فإذا الحاجة والعوز تدفعهم إلى نهب ما يستطيعوا[54]. وقد أحاطت مئات من الجماهير منزل الخواجا “سلونيم”، حيث كان قد لجأ إليه حوالي سبعين من اليهود، وكان “سلونيم” يحظى بتقدير من أهل المدينة وله أصدقاء كثيرين منهم، ويدعي بعض اليهود المختبئين في ذلك المنزل أنهم هوجموا بالأسلحة النارية[55]، بينما ينفي أهل المدينة ذلك بشدة وأن المتظاهرين لم يكن معهم أي سلاح ناري. لقد كانت دوافع الانتقام ومشاعر الحقد اكبر من أن تقف أمامه بيت “سلونيم”واقتحم الثائرون البيت فأطلق “سلونيم” عليهم النار، لكن سرعان ما نالت أيدي الجماهير التي زادت درجات غليانها بعد إطلاق النار ، وهنا جاست الجماهير البيت منطلقة من عقالها، فأطاحت السيوف والهراوات على كل ما في البيت التي تداخل فيها النساء بالرجال بالكهول بالأطفال، وأسفرت أحداث بيت سلونيم عن مقتل 24شخصاً و13جريحاً، استمرت حوالي نصف ساعة. ثم تحولت الجماهير العريقة الثائرة إلى الشوارع والى بيوت أخرى لليهود، لكنها جوبهت بمعارضة بعض اليهود منها منزل مدير المدرسة الدينية[56].
وقد ادعى بعض اليهود أن الشيخ طالب مرقة كان يقود الجماهير محرضا وخطيبا فيهم قائلا: “يا معشر المسلمين اذبحوا اليهود، اشربوا من دمائهم فاليوم يوم الإسلام، انتقموا لدماء إخوانكم المسلمين الذين ذبحوا في القدس “الله وأكبر”، وقد أدت دعاوي اليهود هذه إلى اتهام الحكومة الشيخ طالب مرقة وحبسه فيما بعد[57].وفي نفس الوقت يقر اليهود أن أبا شاكر عمرو قد كان من الذين ساعدوا اليهود وعملوا على إنقاذهم من غضب الجماهير، حيث انه توجه الفندق الذي يخفي فيه الكثير من اليهود، وتقدمت جماهير الخليل الغاضبة نحو الفندق وتصايحت مع أبي شاكر الذي أصر أنهم لن ولم يدخلوا الفندق إلا على جثته.والحقيقة التي يقر بها اليهود أن الكثير من العائلات العربية قد عملت على حماية جيرانها اليهود والدفاع عنهم أمام أفواج الجماهير الغاضبة، وهذا مثبت وموضح بالقوائم الموجودة في الملاحق والتي بينت أسماء العائلات العربية وأسماء الذين حمتهم من اليهود، وقد اصدر حاخام الخليل فيما بعد وثائق لهؤلاء العائلات يعترف فيها بموقفهم في حمايتهم[58]، وما زال الكثير من الأسر الخليلية اليوم تحتفظ بهذه الوثيقة أو بسبب ما نحياه اليوم من حساسية في الوضع الأمني خاصة تجاه اليهود آثرنا عدم متابعة هذه الوثائق الأكيدة الوجود. وفي نهاية اليوم مع حلول الظلام تفرقت الجماهير العربية، وبدت قوات الشرطة بجمع سيارات المدينة حتى تنقل الجرحى إلى القدس، ثم شرعت الشرطة واليهود يدفن القتلى اليهود ليلاً، وبعدها تجمع باقي اليهود في المخفر، وبعدها عملت القوات البريطانية على إجلاء اليهود من الخليل، حيث خلت من اليهود المدينة حتى عام 1967م وقامت الشرطة بتعزيز قواتها من سائر فلسطين.[59]
ردود الفعل حول الأحداث :
قتل في أحداث الخليل 60 يهودياً وجرح 50 آخرون، وتم تدمير الكثير من أملاك اليهود، واختفت الجالية اليهودية من المدينة حتى سنة 1967م. بينما استشهد 18 شخصاً من أهل والخليل وجبلها، وتم لاحقاً إعدام اثنين من أبناء المدينة على خلفية الأحداث وهما عطا الزير وفؤاد جمجوم. وكان لأحداث سنة 1929م في القدس والخليل وصفد أثراً واضحاً في سير القضية الفلسطينية وصراعها ضد الحركة الصهيونية، وقد أحدثت هزه محلية وضجة عالمية سلطة الأضواء على المنطقة من جديد. وذلك بسبب أحداثها الجسام وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، فقد قتل في الأحداث عامة 133 يهودياً و339 جريحاً من اليهود، أما العرب فقد استشهد 116 شهيد، وتم اعتقال 1000 شخص غالبتهم العظمى من العرب.[60]وأعقبت الأحداث إجراءات عسكرية بريطانية قاسية تجاه الفلسطينيين والمشاركين بالاضطرابات، حيث تم تطبيق أحكام قانون العقوبات المشتركة بشكل جماعي على سكان المدن والقرى التي أدينت بالاشتراك في الهجوم على اليهود في الخليل وصفد، وتم فرض غرامات ضخمة وإجراءات انتقامية شديدة. فقد تم فرض غرامة مالية جماعية قدرها (12000 جنيها فلسطينيا) وتم جمعة من السكان بالقوة، وقد تم أيضاً اعتقال عدد كبير من الرجال حيث حكم على أربعين منهم ما بين السجن المؤبد إلى 15 سنة وأحكام أقل[61].وكان المندوب السامي الذي قطع زيارته في لندن، مصدراً منشوراً وزع على الفلسطينيين أعلن فيه عن صدمته ودهشته للأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار، سفاكي الدماء عديمي الرأفة، وقد وصف أحداث الخليل بأنها أعمال همجية لا توصف[62].وفي حين أن اللجنة التنفيذية الوطنية ردت على منشور المندوب السامي، فندت فيه افتراءات المنشور الذي أدان العرب وبرأ اليهود من تبعة الأحداث، مستذكرين أن أكثر اليهود كانوا مسلحين وأنهم البادئون في الأحداث، وأنه لم يوجد في قتلى اليهود تمثيل أو تشويه حتى قتلى الخليل، مؤكدين أن اضطرابات فلسطين السابقة والحالية ناشئة عن السياسة البريطانية الصهيونية[63]. وكذلك المحامون العرب احتجوا على منشور المندوب السامي منوهين للألفاظ القاسية التي استخدمها المنشور، وقد تساءلوا في بيانهم إن كان المندوب السامي اعتمد على تقارير رسمية من إدارة الصحة حتى يصف أعمال القتل في الخليل بأنها أعمال همجية لا توصف، متحدين المندوب إظهار أي حادثه تفظيع ارتكبت من قبل العرب سواء في الخليل أو غيرها.كما أن الأطباء والصيدلية العرب في فلسطين احتجوا أيضاً على منشور المندوب السامي، مؤكدين أنه لم يحدث أي تمثيل أو تشويه في قتل اليهود حتى في الخليل، وقد أشاروا إلى أن الصحف اليهودية اعترفت بأن عشرات من اليهود كانوا في حماية العرب، وخلصوا بنتيجة واضحة أن اليهود كانوا هم المسببين لهذه الفتنة[64].
ومن الملاحظ أن أحداث الخليل قد استقطبت الجزء الأكبر في ردود الفعل، فالمندوب السامي وصفها ” أحداث وحشية لا توصف”، أما لجنة شو فوصفتها بـ”هجوم وحشي”، بينما يصفها الكتاب الصهيونيين بأنها مذبحة (بوغروم). وأشاع اليهود أن أهالي الخليل قد مثلوا بقتلاهم، مما استدعى الحكومة أن ترسل لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة أطباء من العرب وثلاثة من اليهود وثلاثة من الإنجليز، وعملت اللجنة في 12 أيلول على إخراج 24 جثة يهودية من قبورها وفحصها فلم تجد أثراً للتمثيل، مما فند افتراءات اليهود[65]. إلا أن الدعاية اليهودية وهي التي تحسن مخاطبة العالم والرأي العام، أخذت تركز على قتل النساء والأطفال والشيوخ في الخليل بالذات، ورغم أن الأحداث أسفرت عن مقتل 7 نساء وطفل يهودي، فهي لا تغير بحال أن الأحداث كانت عفوية في معظمها رداً على استفزازات اليهود والحركة الصهيونية، حتى أن الكثير من الأهالي استنكر قتل النساء، وعلى الأغلب جاء قتل النساء في بيت سلوينم الذي تجمع فيه عدد كبير من اليهود مما خلق حالة من الفوضى[66].وكانت الجموع الغفيرة التي شاركت في الأحداث من منطقة جبل الخليل مثل دورا ويطا وبين نعيم وشيوخ وسعير جنباً إلى جنب مع أهالي الخليل، كان قد ساعد على الإقدام تجاه اليهود بأقل حساسية التي اعترت بعض سكان المدينة بسبب المجاورة والمعاملة الوثيقة والحسنة ما بينهم وبين اليهود. وفي حين يعترف قادة الحركة الصهيونية أن قوات الهاغاناه إبان أحداث سنة 1929م كانت في وضع مخز، وأن جهاز الهاغاناه كان في ضعف كبير، وافتقرت فروع الهاغاناه ووحداتها إلى التنظيم الجيد والى الأسلحة الكافية، وهو ما أدى إلى أن تدفع التجمعات اليهودية النائية مثل الخليل الثمن من أرواحهم ودمائهم[67].وهنا لابد إعادة التأكيد على حقيقة أن هجوم جماهير الخليل استهدف في الدرجة الأولى بيوت اليهود الصهيونيين أي المهاجرين الجدد، في حين أن يهود الخليل القدامى قد أجارهم جيرانهم وحموهم في بيوتهم وقد كانوا أكثرية يهود الخليل[68].
دور الإنجليز في أحداث الخليل
يبدو أن السياسة البريطانية في فلسطين كان لها دور كبير في تأجيج أحداث سنة 1929م، فسياسة الإنجليز المنحازة تماماً للحركة الصهيونية كان لها دور أساسي في تفاعلات اغضب والسخط لدى الجماهير العربية[69]. وإضافة لهذه السياسة المعلنة يبدو أن هنالك خطوات وإجراءات خفية للحكومة البريطانية في أحداث سنة 1929م. وهل سهلت بريطانيا عملية قتل واسعة لليهود في الخليل، وكيف نفسر الإجراءات العنيفة المتخذة في المدينة عقب الأحداث، مع الإصرار على إعدام ثلاثة فلسطينيين. ونفتقد إلى بيانات دامغة وتحليلات أكيدة في إثبات الدور الإنجليزي في أحداث مدينة الخليل بشكل مباشر، لكن من جهة أخرى تلوح إشارات ليست بالقليلة أن القوات الإنجليزية في المدينة إن لم تكن ساعدت بشكل واضح وفعال في ذبح اليهود مع أهل مدينة الخليل، فعلى الأقل وقفت موقف سلبي من حماية اليهود من الجماهير العربية الثائرة عليهم، وهذا ما تؤكده الروايات التاريخية للأحداث أشبه بالإجماع.
فقد أكدت روايات كثيرة من معاصرين الأحداث في المدينة أن الإنجليز كان لهم دور مباشر وسبب رئيسي في الأحداث، وهم الذين سهلوا الطريق للجماهير العربية في قتل اليهود، وأن مدير الشرطة البريطاني (كفراتا) شجع العرب على ملاحقة اليهود قائلاً أن هذه فرصتكم، ومع هذا فقد أطلق النار لاحقاً على العرب قاتلاً حوالي 15 شخصاً من العرب[70].
بينما تشير لجنة شو أن (كفراتا) قد أبدى البسالة ما حال من تحويل الاضطرابات إلى مجزرة عامة[71]، لكن أهل المدينة يؤكدون الدور المباشر للقائد الإنجليزي، حيث قتل بعض اليهود على مرآه وأمان من قبل العرب، وهو ما شجع الجماهير العربية على قتل اليهود، بل حتى أن حاكم المدينة المعين من قبل الإنجليز كان يصرخ بالجماهير “اذبحوا اليهود” على مسامع الإنجليز المتفرجين. وكذلك وقف اليهود موقف الاتهام للسلطات البريطانية، التي تهاونت في حماية اليهود وساهمت في تسهيل قتلهم، فتذكر المراجع اليهودية أنه “عمد اليهود بتحميل المسؤولية للبريطانيين مسؤولية خاصة في الخليل، التي لم تتخذ احتياطات كافية”، بل أن هنالك من حمل المسؤولية للحكومة في لندن مباشرة مشيراً “إلى تآمر بعض المسؤولين البريطانيين مع الهيئة العربية العليا”[72].
وفيما أكد بعض القادة اليهود أن الإنجليز لم يتخذوا الرد المناسب حينها، خاصة في البداية مشجعين العرب الثائرين، حتى صاروا يهتفون بأن (الحكومة معنا … الحكومة معنا).وأضف إلى ذلك فإن كفراتا قد قام بنقل الأخبار عن أحداث القدس إلى أهالي الخليل بطريقة توحي بالتحريض والدعوة للانتقام[73]. ومما يجدر ذكره أن أحداث سنة 1929م جاءت بالفرج المادي للوكالة اليهودية، التي كانت تعلم أنه ليس كنشوب الاضطرابات سبيل إلى دفع عجلة التبرعات والإعانات اليهودية من شتى أنحاء العالم، خاصة بعد الضائقة الاقتصادية التي ألمـّت بالمستوطنين اليهود في فلسطين أواسط العشرينات[74]. وقد استطاعت الحركة الصهيونية دعايتها العالمية حول أحداث سنة 1929م أن تجلب عطف وتأييد معظم يهود العالم، يذكر (اسحق شامير) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بأن اللحظة الحاسمة التي دعته للانضمام إلى الشبيبة الصهيونية في ( وارسو) كانت أنباء أحداث سنة 1929م، ولم يكن يتجاوز عمره بعد 14 عاماً، ويستطرد بأنه أصيب بذهول شديد وبصدمة عنيف لدى سماعه الأحداث خاصة” قتل وجرح الرجال والنساء والأطفال في الخليل”[75]. وهو نفس شعور وحال (موشيه ديان) وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق. الذي أثر فيه انقضاض العرب على المدارس الدينية في الخليل وقتل الرجال والنساء والأطفال والحاخامات والطلاب اليهود[76].
نظرات في تقرير – لجنة شو
على أثر هذه الأحداث قامت الحكومة البريطانية بتعيين لجنة تحقيق برئاسة قاضي السابق المستر “شو” ومعه ثلاث نواب بريطانيين، وقد سميت اللجنة باسم رئيسها. وقد أوكلت الحكومة البريطانية لهذه اللجنة التحقيق في الأسباب المباشرة التي أدت إلى الاضطرابات ووضع التواصي والتدابير الواجب اتخاذها لمنع تكرار مثل هذه الحوادث. وتشكيل هذه اللجنة يأتي ضمن سياسة اللجان التي اتبعتها بريطانيا نحو القضية الفلسطينية، وذلك لامتصاص الغضب واحتواء الأحداث ضمن الإستراتيجية البريطانية، وقد مكثت اللجنة 66 يوماً في فلسطين، قضت معظم أيامها في القدس مع زيارات قصيرة لبعض المدن، استمعت خلالها إلى 160 من الشهود العرب والإنجليز واليهود، إضافة للشهادات السرية التي لم تنشر[77]. واتخذ اليهود موقفاً عدائياً من تقرير اللجنة التي خلصت إليه، باعتبار أن التقرير قد تعدى حدود اختصاص اللجنة، في المقابل استقبل التقرير بارتياح من قبل العرب إلا أنه لم يدم طويلاً[78].
وقد أرجعت اللجنة السبب الأساسي للأحداث “الذي لولاه لما وقعت الاضطرابات هو شعور العرب بالعداء والبغضاء نحو اليهود، شعوراً نشأ عن خيبة أمانيهم السياسية والوطنية وخوفهم على مستقبلهم الاقتصادي”[79]، ورأت اللجنة أن الأسباب المباشرة هو تظاهر اليهود بجانب حائط البراق، إلى جانب المقالات المهيجة في الصحف والحملات التحريضية المهيجة للأهالي[80].في حين أن العامل الديني _ كما رأت _ أنه لعب دوراً هاماً في الحوادث والاضطرابات وكذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية التي طال عهدها، قد أحدثت حالة هيجان عند العرب حتى ثار العرب ضد من اعتبروهم سبباً لمشاكلهم السياسية والاقتصادية[81]. وأما المسؤولين عن الأحداث، فقد اتجه رأي الجنة على أن اضطرابات عام 29 افتقرت إلى التنظيم ولم تكن متعمدة، مما يعني عدم مسؤولية أي زعيم وطني محدد، أو أي جهة وطنية معينة، فقد جاءت الأحداث عفوية تعبيراً عن مشاعر الغضب الناجمة عن تطور الصراع والأحداث مع الحركة الصهيونية.
بينما لجنة الانتداب الدائمة التابعة لعصبة الأمم التي اجتمعت سنة 1930م لتناقش أحداث سنة 1929، فهذه اللجنة اختلفت مع لجنة شو، ورأت أن الاضطرابات لم تكن عفوية وتلقائية، بل موجهة إلى الحركة الصهيونية وبريطانيا على سواء. واعتبرت لجنة الانتداب أن حكم لجنة شو على الزعماء الفلسطينيين بالتبرئة كان “لين ليس له ما يبرره”[82].ويبدو أن لجنة الانتداب هذه أقل موضوعية من لجنة شو، وحكم تقريرها رؤى سياسية خاصة غير التي حكمت لجنة شو، ويبدو أن كلامها سباق بحيث لم ينصف الشعب الفلسطيني المعتدى عليه والمغصوبة أرضه، من قبل غريمه الحركة الصهيونية التي عوملت كشريك شرعي في هذه البلاد[83]. أما عن دور الصحافة في الأحداث والذي أشار التقرير بأنه دور هام، فإن اللجنة ترى أن الخلاصات المأخوذة عن الصحف العربية مهيجة أكثر من تلك المأخوذة من الصحف العبرية في أسبوع ما قبل الأحداث، بينما ترى اللجنة في تقريرها أن الصحف العبرية أخذت تشيع إشاعات اضطرابات بين اليهود والعرب منذ 20آب، وأن جريدة (دور هايوم) ذات المقالات المتطرفة فترة الاضطرابات، قد عمدت إلى نشر كراس قبل أسبوع من الاضطرابات حوى على الكثير من المعلومات المغلوطة تجاه الاضطرابات والخلاف على حائط البراق[84].إلا أن التقرير يخلص أن الصحف العبرية التزمت بأوامر المندوب السامي بعدم تهيج المشاعر سوى “دور هايوم”، بينما الصحف العربية استمرت في التحريض العام. ومفارقة غريبة أن يحمل التقرير الصحف العربية مسؤولية أكبر بكثير من الصحف العبرية في تحريض وتهييج المشاعر، ولا عجب في ذلك وخاصة بعد نرى رأي المختصين والباحثين في الصحافة الفلسطينية آنذاك بأنها كان لها تأثير بالغ على الجمهور، وساهمت مساهمة فعالة عن طريق الافتتاحيات الحماسية والأسلوب الحاد في أن تغذي العداوة والحقد، كما ساهمت دعايتها ومواعظها في التحول من أساليب الاحتجاج بواسطة العرائض والمؤتمرات إلى الاضطرابات والمظاهرات وأعمال العنف[85].
خاتمة : الصراع العربي الإسرائيلي صراع وجود، ولن ينهيه رسم حدود أو رفع ما بين الشعبين من سدود، واليهود المتمثلين بدولة إسرائيل اليوم والقائمة على بلاد الأجداد وجماجم الآباء، لن تستطيع هذه الدولة بكل جبروتها أن تتجاوز بحر الدماء العربية الفلسطينية التي أحاطت نفسها بها. وإن كانت ثورة البراق إحدى معالم مقاومة الشعب فلسطيني للأطماع الصهيونية والاستعمار العالمي، فإن أحداث الخليل الموافقة لثورة البراق لم تحد عن هذا الخط، وإن اعتراها بعض الشائبات التي لا تخلو منها ثورة، سواء قتل بعض النساء والأطفال أو نهب بعض الحاجيات.
قام الباحث بالدراسة والتحليل والتفسير أحداث ثورة البراق عام 1929 في مدينة الخليل، باعتبارها من أهم محطات هذه الثورة. وكانت ثورة البراق من أهم الأحداث السياسية في فلسطين في مطلع القرن العشرين. وأظهرت الدراسة مركزية أحداث الخليل في سياق ثورة البراق. كونها احتوت على أحداث جسام ومنها مقتل ما يزيد عن ستين يهوديا من سكان المدينة. واستنتجت الدراسة أن أسباب انقلاب أهل الخليل على سكانها اليهود والذين منحوهم الأمان على مدار عشرات السنوات، كان ردة فعل لتزايد الاحتقان ضد الحركة الصهيونية واعتداءاتها ضد المقدسات الإسلامية. وأضف إلى ذلك تغلغل أفراد الحركة الصهيونية بين يهود مدينة الخليل وظهور الأسلحة بينهم. كما أظهرت الدراسة دور واضح للقوات البريطانية في دعم أحداث العنف ضد اليهود سواء من حيث تحريض العرب أو اليهود او التكاسل في حماية اليهود في ذروة الأحداث. ولاحظت الدراسة أن العديد من العائلات العربية في المدينة ساهمت في حماية معظم عائلات اليهود وفاء لعهد الأمان وحق الجار.
وكانت أحداث عام 1929م وخاصة في الخليل إحدى المحطات التي تزودت بها الحركة الصهيونية واستثمرتها بشكل جيد في ترسيخ الأطماع الصهيونية والاستعمار. فأحداث الخليل وإن كانت قد طالت 60 يهودياً ، فإن ذمة ووفاء أهل الخليل أيضاً قد تعالت على الجراح وقامت بحماية أكثر من 500 يهودياً آخرون، في وقت طغت أطماع واستفزاز اليهود كل منطق وجوار وتسامح ، فكان الانفجار طبيعياً، وما أروعه من نضال وما أعظمه من إصرار على حماية الجيران اليهود الذين لم يظهر ارتباطهم بالحركة الصهيونية. إن أحداث مدينة الخليل عام 1929م تكأة للأعمال الوحشية والمجازر من قبل الإسرائيليين ضد شعب الخليل، الذي يزداد تمسكه بالأرض مع كل ضغط واضطهاد، لقد شهدت مدينة منذ احتلالها عام 1967م إجراءات عسكرية صهيونية قاسية وعنيفة ضد الشعب وضد الأرض ، ومازالت هذه السياسة الصهيونية تأكل الأرض وتهودها وتذبح الأهالي وتريق الدماء.
إن مدينة الخليل اليوم تحيا صراعاً مريراً مع اليهود ، وهو صراعاً في ذروته رغم قناع السلام الذي تلبسه إسرائيل اليوم، وبذا تكون المدينة مهيأة لمزيد من أعمال العنف، وهي قنبلة موقوتة ربما يكون انفجارها شرارة الصدام الذي لن ينتهي إلا بنهاية أحد الطرفين.
قائمة المصادر والمراجع :
- أبو القاسم موسي محمد: القضـــية الفلســطـينية مـنـذ الحــرب العالمــــية الأولــــي (1332ه/1914م حتى حرب 1367ه/1948م، جامعة الجزيرة.
- أحمد محمود علو السامرائي: تطورات القضية الفلسطينية بين عامي 1914-1939. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية20(11) ،703-،2013.
- أسامة محمد أبو نحل: يهودية دولة إسرائيل: جذور المصطلح وتأثيره على القضية الفلسطينية، 2018،ص 53.
- اسحق شامير : مذكرات اسحق شامير ، ترجمة دار الجليل ، دار الجليل ، عمان، ط1 ،1994.
- أكرم زعيتر : القضية الفلسطينية ، دار المعارف ، مصر، 1955.
- تيسير جباره: مدينة خليل الرحمن ، رابطة الجامعيين مركز الأبحاث ، ط 1 ، 1987.
- جميل هلال، منير فخر الدين، خالد فراج : مراجعات السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، 2017 .
- جهاد الخازن: عيون وآذان-نبذة تاريخية عن القضية الفلسطينية،
- الحاج مصطفى شاور: مقابلة شخصية ، بتاريخ 20 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحداث وبصحة جيدة .
- حامد أيوب,: القضية الفلسطينية بين المواثيق الدولية والمصالح السياسية: المشروع الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي نموذجا.2017 ،ص 1982.
- خليل البديري: ستة وستون عاماً مع الحركة الوطنية وفيها ، منشورات صلاح الدين ، القدس ، 1981.
- صبري جريس: تاريخ الصهيونية ، ج2 ، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ، 1986.
- عبد الحفيظ الجعبري :مقابلة شخصية ، بتاريخ 16 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحدث ويتمتع بذهن صاف.
- عبد الحفيظ محارب: هاغاناه ، اتسل ، ليحي “العلاقات بين المنظمات الصهيونية المسلحة 1927 – 1948″.
- عبد الفتاح العويسي : جذور القضية الفلسطينية ، دار الحسن ، الخليل ، ط 2 ، 1992.
- عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث ، الطبعة التاسعة ، منشورات المؤسسة العربية ، بيروت، ط 7 ، 1985.
- عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970.
- كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939 ، الطبعة الثانية ، المنشأة العامة ، ليبيا،2001
- لونا أبو سويرح: القدس ومستقبل القضية الفلسطينية. al-Mustaqbal al-ʻArabī, 6(5710), 1-2.
- مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين ، ج5 ، في ديار الخليل ، الطبعة الرابعة ،بيروت، دار الطليعة ، 1988.
- مؤسسة الدراسات الفلسطينية: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 بيروت، ط2 .
- موشيهديان: فارس ذو العين الواحدة ، سيرة موشيه دايان ، مطبعة الجليل ، عكا ، ترجمة مطبعة الجليل، 1995.
- ناجي علوش : المقاومة العربية في فلسطين 1917 – 1948 ، دار الأسوار ، عكا ، 1979.
- واصف عبوشي : فلسطين قبل الضياع ، ترجمة د. علي الجرباوي ، 1985.
- يعقوب يهوشع: تاريخ الصحافة العربية الفلسطينية 1919 – 1929 ، جامعة حيفا ، 1981.
- يونس عمرو: خليل الرحمن العربية ، دار القلم ، رام الله ،ط 1 ، 1985 .
- Bennis, P. (2012). Understanding the Palestinian-Israeli conflict: A primer. Interlink Publishing.
- fatalities in the Palestinian-Israeli conflict. American Economic Review, 98(4), 1591-1604.
- Freas, E. (2012). Hajj Amin al-Husayni and the Haram al-Sharif: A Pan-Islamic or Palestinian Ma’oz, M. (2014). The Role of the Temple Mount/Al-Haram Al-Sharif in the Deterioration of Muslim–Jewish Relations.
- Jaeger, D. A., &Paserman, M. D. (2008). The cycle of violence? An empirical analysis of
- Kelman, H. C. (2007). Anti-Semitism and Zionism in the debate on the Palestinian issue: personal reflections. M Polner& S Merken (eds.).
- Ma’oz, M. (2015). A national or religious conflict? The dispute over the temple Mount/Al-Haram Al-Sharif in Jerusalem. Palestine-Israel Journal of Politics, Economics, and Culture, 20(4/1), 25.
- Mattar, P. (1992). The Mufti of Jerusalem: Al-Hajj Amin al-Husayni and the Palestinian National Movement. Columbia University Press.
- Nationalist Cause?. British journal of middle eastern studies, 39(1), 19-51.
- Omar, A. M. (2017). Al-Aqsa Mosque’s incident in July 2017: affirming the policy of deterrence. Insight Turkey, 19(3), 69-82.
- Qumsiyeh, M. B. (2011). Popular resistance in Palestine: A history of hope and empowerment (p. 208). London: Pluto Press.
- Reiter, Y. (2017). Contested Holy Places in Israel–Palestine: Sharing and Conflict Resolution. Taylor & Francis.
- Saleh, M. M. (2014). The Palestinian Issue: Historical Background & Contemporary Developments: القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
[1]أحمد محمود علو السامرائي. (2013). تطورات القضية الفلسطينية بين عامي 1914-1939. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية. 20(11), 703-،2013.
[2]مؤسسة الدراسات الفلسطينية: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 بيروت، ط2 ، 1982، ص 214.
[3]Saleh, M. M. (2014). The Palestinian Issue: Historical Background & Contemporary Developments: القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
[4]أسامة محمد أبو نحل: يهودية دولة إسرائيل: جذور المصطلح وتأثيره على القضية الفلسطينية، 2018،ص 53.
[5]عوديدأبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 44 .
[6] تيسير جباره: مدينة خليل الرحمن ، رابطة الجامعيين مركز الأبحاث ، ط 1 ، 1987. ص7.
[7] يونس عمرو: خليل الرحمن العربية ، دار القلم ، رام الله ،ط 1 ، 1985، ص12.
[8]Reiter, Y. (2017). Contested Holy Places in Israel–Palestine: Sharing and Conflict Resolution. Taylor & Francis.
[9]Freas, E. (2012). Hajj Amin al-Husayni and the Haram al-Sharif: A Pan-Islamic or Palestinian Ma’oz, M. (2014). The Role of the Temple Mount/Al-Haram Al-Sharif in the Deterioration of Muslim–Jewish Relations.
[10]تيسير جباره: مدينة خليل الرحمن ، رابطة الجامعيين مركز الأبحاث ، ط 1 ، 1987، ص34.
[11]Ma’oz, M. (2015). A national or religious conflict? The dispute over the temple Mount/Al-Haram Al-Sharif in Jerusalem. Palestine-Israel Journal of Politics, Economics, and Culture, 20(4/1), 25.
[12]صبري جريس: تاريخ الصهيونية ، ج2 ، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ، 1986،ص 146 .
[13]مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين ، ج5 ، في ديار الخليل ، الطبعة الرابعة ،بيروت، دار الطليعة ، 1988، ص214 .
[14]Jaeger, D. A., &Paserman, M. D. (2008). The cycle of violence? An empirical analysis of fatalities in the Palestinian-Israeli conflict. American Economic Review, 98(4), 1591-1604.
[15]يونس عمرو: خليل الرحمن العربية ، دار القلم ، رام الله ،ط 1 ، 1985، ص 26.
[16]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 53 .
[17]Qumsiyeh, M. B. (2011). Popular resistance in Palestine: A history of hope and empowerment (p. 208). London: Pluto Press.
[18]عيسى السفري : فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية ، يافا ، 1937، 87.
[19]تيسير جباره: مدينة خليل الرحمن ، رابطة الجامعيين مركز الأبحاث ، ط 1 ، 1987. ص72
[20]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 36.
[21]مصطفى مراد الدباغ: بلادنا فلسطين ، ج5 ، في ديار الخليل ، دار الطليعة ، بيروت ، ط4 ، 1988 ،ص 116.
[22]يعقوب يهوشع: تاريخ الصحافة العربية الفلسطينية 1919 – 1929 ، جامعة حيفا ، 1981 ،ص 113 .
[23]عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث ، الطبعة التاسعة ، منشورات المؤسسة العربية ، بيروت، ط 7 ، 1985، ص 76.
[24]واصف عبوشي : فلسطين قبل الضياع ، ترجمة د. علي الجرباوي ، 1985، ص68.
[25]أحمد محمود علو السامرائي. (2013). تطورات القضية الفلسطينية بين عامي 1914-1939. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية. 20(11),
703-،2013.
[26]Qumsiyeh, M. B. (2011). Popular resistance in Palestine: A history of hope and empowerment (p. 208). London: Pluto Press.
[27]أحمد محمود علي السامرائي. (2013). تطورات القضية الفلسطينية بين عامي 1914-1939. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية
.20(11),703
[28] عبد الفتاح العويسي: جذور القضية الفلسطينية ، دار الحسن ، الخليل ،ط 2 ، 1992، ص 48.
[29]أكرم زعيتر : القضية الفلسطينية ، دار المعارف ، مصر، 1955، 111 .
[30]Jaeger, D. A., &Paserman, M. D. (2008). The cycle of violence? An empirical analysis of fatalities in the Palestinian-Israeli conflict. American Economic Review, 98(4), 1591-1604.
[31]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 38.
[32]Mattar, P. (1992). The Mufti of Jerusalem: Al-Hajj Amin al-Husayni and the Palestinian National Movement. Columbia University Press.
[33],ابو القاسم موسي محمد: القضـــية الفلســطـينية مـنـذ الحــرب العالمــــية الأولــــي (1332ه/1914م حتى حرب 1367ه/1948م، جامعة الجزيرة..
[34] ناجي علوش : المقاومة العربية في فلسطين 1917 – 1948 ، دار الأسوار ، عكا ، 1979، ص34.
[35]عبد الفتاح العويسي : جذور القضية الفلسطينية ، دار الحسن ، الخليل ، ط 2 ، 1992، ص136 .
[36] مؤسسة الدراسات الفلسطينية: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 بيروت، ط2 ، 1982 ، ص 33.
[37] جريس ، صبري: تاريخ الصهيونية ، ج2 ، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ، 1986،ص 39.
[38] زعيتر ، أكرم: القضية الفلسطينية ، دار المعارف ، مصر 1955
[39]Freas, E. (2012). Hajj Amin al-Husayni and the Haram al-Sharif: A Pan-Islamic or Palestinian Ma’oz, M. (2014). The Role of the Temple Mount/Al-Haram Al-Sharif in the Deterioration of Muslim–Jewish Relations.
[40]عبد الفتاح العويسي : جذور القضية الفلسطينية ، دار الحسن ، الخليل ، ط 2 ، 1992، ص136 .
[41]جهاد الخازن: عيون وآذان-نبذة تاريخية عن القضية الفلسطينية،2020، ص32.
[42]أحمد محمود علو السامرائي: تطورات القضية الفلسطينية بين عامي 1914-1939. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية. 20(11),703-،2013.
[43] لونا أبو سويرح: القدس ومستقبل القضية الفلسطينية. al-Mustaqbal al-ʻArabī, 6(5710), 1-2.2018.
[44]أحمد محمود علو السامرائي: تطورات القضية الفلسطينية بين عامي 1914-1939. مجلة جامعة تكريت للعلوم الإنسانية. 20(11),
[45]تيسير جباره: مدينة خليل الرحمن ، رابطة الجامعيين مركز الأبحاث ، ط 1 ، 1987. ص17.
[46]يونس عمرو: خليل الرحمن العربية ، دار القلم ، رام الله ،ط 1 ، 1985، ص 43.
[47]يونس عمرو: مرجع سابق، ص.47.
[48]عبد الحفيظ الجعبري: مقابلة شخصية ، بتاريخ 16 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحدث ويتمتع بذهن صاف.
[49]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص22.
[50]عوديد أبيشار : مرجع سابق، ص 64.
[51]اسحق شامير : مذكرات اسحق شامير ، ترجمة دار الجليل ، دار الجليل ، عمان، ط1 ، 1994 ،ص 61.
[52] الحاج مصطفى شاور: مقابلة شخصية ، بتاريخ 20 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحداث وبصحة جيدة .
[53]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 37.
[54] عبد الحفيظ الجعبري: مقابلة شخصية ، بتاريخ 16 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحدث ويتمتع بذهن صاف.
[55] الحاج مصطفى شاور: مقابلة شخصية ، بتاريخ 20 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحداث وبصحة جيدة
[56]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، ،ص 78.
[57]خليل البديري: ستة وستون عاماً مع الحركة الوطنية وفيها ، منشورات صلاح الدين ، القدس ، 1981،ص 52.
[58]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 47.
[59]Saleh, M. M. (2014). The Palestinian Issue: Historical Background & Contemporary Developments:القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
[60]هادي مراح : التطورات السياسية للقضية الفلسطينية خلال الفترة (1914-1936)،2017.
[61]جميل هلال، منير فخر الدين، خالد فراج: مراجعات السياسات الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية،2017 ،ص 86.
[62] عبد الفتاح العويسي : جذور القضية الفلسطينية ، دار الحسن ، الخليل ، ط 2 ، 1992، ص26 .
[63]عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث ، الطبعة التاسعة ، منشورات المؤسسة العربية ، بيروت، ط 7 ، 1985، ص 96.
[64]Saleh, M. M. (2014). The Palestinian Issue: Historical Background & Contemporary Developments: القضية الفلسطينية: خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة. مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
[65] مؤسسة الدراسات الفلسطينية: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 بيروت، ط2 ، 1982،116.
[66]يونس عمرو: خليل الرحمن العربية ، دار القلم ، رام الله ،ط 1 ، 1985 .ص 33.
[67] عبد الحفيظ محارب: هاغاناه ، اتسل ، ليحي “العلاقات بين المنظمات الصهيونية المسلحة 1927 – 1948″، ص72.
[68]عبد الحفيظ الجعبري : مقابلة شخصية ، بتاريخ 16 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحداث ويتمتع بذهن صاف.
[69]أكرم محمد عدوان. (2016). المشاريع والأفكار الصهيونية تجاه تسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي 1922-1973م. مجلة الجامعة الإسلامية للبحوث الإنسانية, 12(2).
[70]عبد الحفيظ الجعبري : مقابلة شخصية ، بتاريخ 16 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحدث ويتمتع بذهن صاف. و شاور ، الحاج مصطفى: مقابلة شخصية ، بتاريخ 20 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحداث وبصحة جيدة
[71] مؤسسة الدراسات الفلسطينية: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 بيروت، ط2 ، 1982،ص 211.
[72]عوديد أبيشار : كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970 ، ص 64 .
[73]يونس عمرو: خليل الرحمن العربية ، دار القلم ، رام الله ،ط 1 ، 1985 .ص 31.
[74]Kelman, H. C. (2007). Anti-Semitism and Zionism in the debate on the Palestinian issue: personal reflections. M Polner& S Merken (eds.).
[75] اسحق شامير : مذكرات اسحق شامير ، ترجمة دار الجليل ، دار الجليل ، عمان، ط1 ،ص 116.
[76]موشيهديان: فارس ذو العين الواحدة ، سيرة موشيه دايان ، مطبعة الجليل ، عكا ، ترجمة مطبعة الجليل، 1995،ص49.
[77]ناجي علوش : المقاومة العربية في فلسطين 1917 – 1948 ، دار الأسوار ، عكا ، 1979،ص 48.
[78]مؤسسة الدراسات الفلسطينية: وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 بيروت، ط2 ، 1982،ص 75.
[79]حامد أيوب,: القضية الفلسطينية بين المواثيق الدولية والمصالح السياسية: المشروع الفلسطيني لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي نموذجا.2017 ،ص 46.
[80]عبد الوهاب الكيالي: تاريخ فلسطين الحديث ، الطبعة التاسعة ، منشورات المؤسسة العربية ، بيروت، ط 7 ، 1985، ص 66.
[81]Reiter, Y. (2017). Contested Holy Places in Israel–Palestine: Sharing and Conflict Resolution. Taylor & Francis.
[82]Ma’oz, M. (2015). A national or religious conflict? The dispute over the temple Mount/Al-Haram Al-Sharif in Jerusalem. Palestine-Israel Journal of Politics, Economics, and Culture, 20(4/1), 25.
[83]Jaeger, D. A., &Paserman, M. D. (2008). The cycle of violence? An empirical analysis of fatalities in the Palestinian-Israeli conflict. American Economic Review, 98(4), 1591-1604.
[84] كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939 ، الطبعة الثانية ، المنشأة العامة ، ليبيا،2001 ،ص 82.
[85]يعقوب يهوشع: تاريخ الصحافة العربية الفلسطينية 1919 – 1929 ، جامعة حيفا ، 1981،ص 51.