
السؤال الحداثي: بين العقل الأداتي وحقيقة الفعل التواصلي ( قراءة في فكر يورغن هابرماس )
The modernist question: between the instrumental reason and the fact of communicative action (Read in Jürgen Habermas’s thought)
د.خالدي وليد.جامعة طاهري محمد، بشار، الجزائر
Khaldi walid / Tahri Mohamed University, Béchar, Algeria
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 61 الصفحة 31 .
Abstract:
There is no difference in the fact that the term communication with the German philosopher and thinker Jürgen Habermas took a new path in terms of concept and significance. In his general context he promised one of the projects of communicative rationality within the edifice of Frankfurt’s critical theory. In the light of this fact, the Habermas discourse originally came as a review of the discourse of modernity centered on self-awareness, and strategic action accompanied by the logic of profit and success based on knowledge guided by scientific and technical.
From this window, he tried to assess the paradoxical interpretation of the Western rationalization path by creating new possibilities far from all forms of pressures, coercions and maneuvers, and in a context that rebalances the human relationship by establishing a social critical theory, which creates a communicative pattern based on deliberative speech acts based on its relationship with the living world. Perhaps the most important characteristic of this engagement is the dialectical interaction between the individuals or members of the society aimed at understanding the truth.
Key words: Discourse modernist, instrumental reason, communicative reason, Langue, The truth, action.
ملخص:
لا يختلف اثنان في كون مصطلح التواصل أخذ مع الفيلسوف والمفكر الألماني يورغن هابرماس مسارا جديدا من حيث المفهوم والدلالة، وعد في سياقه العام واحدا من مشاريع العقلانية التواصلية داخل صرح النظرية النقدية لفرانكفورت، وعلى ضوء هذه الحقيقة جاء الطرح الهابرماسي أصلا كمراجعة لخطاب الحداثة المتمركز حول الوعي الذاتي، والفعل الاستراتيجي المشفوع بمنطق الربح والنجاح الذي يستند إلى المعرفة التي تسترشد بالتصورات العلمية والتقنية.
من هذه النافذة، حاول أن يقيم تأويلا مفارقا لمسار العقلنة الغربية عبر خلق إمكانات جديدة بعيدة عن كل أشكال الضغوطات والإكراهات والمناورات، وفي سياق يعيد للعلاقة الإنسانية توازنها من خلال تأسيس نظرية نقدية اجتماعية، تؤثث لنمط تواصلي قائم على أفعال الكلام التداولية بناء على علاقتها بالعالم المعيش، ولعل أهم ما يميز هذا الانخراط التفاعل الديالكتيكي بين الذوات أو أفراد المجتمع الرامي إلى فهم الحقيقة، وتتحدد هذه الخاصية بصورة عامة عن طريق الحجاج العقلاني كفاعلية محكومة بقيم التراضي والتفاهم.
الكلمات مفتاحية : الخطاب الحداثي؛ العقل الأداتي؛ العقل التواصلي؛ اللغة؛ الحقيقة؛ الفعل.
مقدمة:
إن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أو حتى أن نغض الطرف عنها، هي فكرة الاندهاش التي تعبر في جوهرها عن قلق أنطولوجي يحفز الذوات مهما كان جنسها إلى الانفتاح على السؤال أو التفلسف، وبطبيعة الحال، تزداد وتيرة هذا الأخير عندما تسقط الألفة عن الأشياء من تلقاء نفسها؛ فتتيح للوعي في لحظته الراهنة ذلك النشاط الدؤوب الذي يعتمل في بوتقة الكينونة الإنسانية من جوانبها الجوانية، ويتبدى هذا الأمر في تلك الانتقالات الفكرية كمواد معرفية تجعل من العقل في منطلقاته وتحركاته يأخذ أشكال الممارسة البراغماتية عبر السلوك، وفي هذه الحالة، يقفز من السلب إلى الإيجاب عندما تتحول الظواهر الخارجية من الجوانب اللامرئية إلى المشاهدة العيانية.
والفلسفة كخطاب انفتاحي تنويري عقلاني يطمح لتلك الفعالية البشرية التفاؤلية التي تندرج تحت مظلة فكرة التقدم والحرية والكرامة، ويتعلق الأمر هنا، في إنشاء نموذج حواري بين الذوات يؤسس لخطاب تواصلي يقوم على التفاهم والاتفاق والإجماع، بهذا المعنى لا يختلف اثنان في كون مصطلح التواصل أخذ مع الفيلسوف والمفكر الألماني يورغن هابرماس J.Habermas مسارا جديدا من حيث المفهوم والدلالة، وعد في سياقه العام واحدا من مشاريع العقلانية التواصلية داخل صرح النظرية النقدية لفرانكفورت، وعلى ضوء هذه الحقيقة جاء الطرح الهابرماسي أصلا كمراجعة لخطاب الحداثة المتمركز حول الوعي الذاتي، والفعل الاستراتيجي المشفوع بمنطق الربح والنجاح الذي يستند إلى المعرفة التي تسترشد بالتصورات العلمية والتقنية.
من هذه النافذة، حاول أن يقيم تأويلا مفارقا لمسار العقلنة عبر خلق إمكانات جديدة تعيد للعلاقة الإنسانية توازنها من خلال تأسيس نظرية نقدية اجتماعية، تؤثث لنمط تواصلي قائم على أفعال الكلام التداولية بناء على علاقتها بالعالم المعيش، ولعل أهم ما يميز هذا الانخراط التفاعل الديالكتيكي بين الذوات أو المشاركة البينذاتية الرامية إلى فهم الحقيقة، وتتحدد هذه الخاصية بصورة عامة عن طريق الحجاج العقلاني كفاعلية محكومة بقيم التراضي والتفاهم.
وبهذا المعنى، فإن الفلسفة أضحت في أدبيات الخطاب النقدي المعاصر بشقيه الغربي والعربي على حد سواء أداة نقدية يعول عليها في تحرير المجتمعات من الأنظمة الشمولية الاستبدادية مؤداها المواجهة والمقاومة، وفق ممارسة براغماتية تعيد للذات خصوصيتها ضمن حيثيات التفكير والوعي، وبمنظار عين النقد الفاحصة التي تنشد قلب الموازين من أجل الحصول على واقع أفضل.
والإشكالية التي تطالعنا في هذا المجال: ما المقصود بالعقل الأداتي من منظور يورغن هابرماس؟. وما هي الاهتمامات الأساسية للعقلانية التواصلية والقيمة المضافة التي أحدثتها داخل النظرية النقدية التي يطلق عليها اسم مدرسة فرانكفورت؟ وأين تكمن أهمية اللغة في عملية التأثير بين الذوات المتفاعلة كنموذج صالح للتفاهم؟.
1- الحداثة والعقلانية ( نحو نقد العقل الأداتي ):
ما من شك في أن الحديث عن موضوعة الحداثة، يستوجب الحديث عن العقلانية الغربية التي تعد مظهرا من مظاهرها على وجه التحديد، وكشكل معرفي يروم فهم الواقع الإنساني من منظور مختلف ومتباين، وهنا يجب التأكيد على أمر في غاية الأهمية أن ” ضرورة الإزاحة تمليها تاريخية وجودنا الراهن الذي هو في أمس الحاجة لمثل هذه التثويرات الفكرية كجملة طفرات وانتقالات أو إزاحات تمتحن الذات أمام ذاتها وتاريخها وأغيارها بقدر ما تجدد الحاضر الحي بكل معضلاته وملابساته “[1].
والحداثة كظاهرة تاريخية متأصلة في الفكر الغربي أسست في ترسانتها المفاهيمية عبر مسارها الطويل لفلسفة الوعي philosophy of consciousness المنحدرة من الذات كدرع حصين يعلي من شأن العقل والعقلانية على كافة الأصعدة بما في ذلك المسألة الدينية، وتماشيا مع هذا الموقف؛ جاءت الأصوات تنادي إلى ” وقف تغلغل الفكر القديم في ثنايا الفكر الجديد وربط هذا الفكر بالطبيعة مباشرة، ويجمل (أندرسن) الآثار التي تركها فرانسيس بيكون في الفكر الحديث بالنقاط الثلاثة: 1- حرر العلم من حفظ المعارف وترديدها وخلصه من طريقة النقل والرجوع إلى التراث.2- دعا إلى الفصل بين العلم البشري والوحي الإلهي .3- نادى لفلسفة جديدة ترتكز على أساس متين من العلم الطبيعي لا من الميتافيزيقا التجريدية “[2].
وعلى هذا الأساس، فإن إمعان النظر في حال الخطاب الحداثي كرؤيا للعالم، يكشف لنا في حيثياته نسقا فكريا يشتغل كحركة ثقافية؛ تهدف إلى إنشاء براديغم جديد لمسار البشرية جمعاء، وتأخذ هذه العملية مسعاها بواسطة الميكانيزمات العقلية التي تعمل جاهدة على إعادة الأنظمة المعرفية والأبنية الفكرية؛ بإزاحة دلالاتها ومعانيها ومحاولة صياغتها وفق الأسس المعرفية الراهنة، وبصورة تتجاوز الماهيات والثوابت الراسخة والتفاسير ذات الطابع السحري بناء على مقولة ماكس فيبر Max Weber ، ويترتب على ذلك استعاضتها بتصورات ومعايير دنيوية مغايرة للطروحات الكلاسيكية واللاهوتية، وتأسيسا على ذلك، أضحت النزعة الفردانية جزءا لا يتجزأ من التوجهات الغربية، وهي اللحظة التي تشعر فيها الذات بفاعليتها الإنسانية كما هو واضح في كتابات الفيلسوف الألماني هيغل Hegel، وتبرز أهمية هذا التصور حينما ” يقرن مفهومه لمبدأ الذاتية بالحرية وبالتفكير لأنه يعتبر أن ما يشكل عظمة الزمن الحديث، أي زمنه هو، هو الاعتراف بالحرية”[3].
وعلى ضوء هذا، ندرك تماما كيف أن النشاط الإنساني وفاعليته؛ يعمل ككيان مستقل مفارق لطرائق التفكير السابقة، وللتعاليم الميتافيزيقية بنماذجها وتصوراتها تجاه العالم الموضوعي، والمكاشفة الحقيقية التي تطالعنا في هذا المجال المبدأ الذي يقر ويعزز من الخاصية الذاتية كدعامة أساسية، ومنشأ هذا الطرح يرجع بصورة واضحة أيضا في الكوجيطو الديكارتي: أنا أفكر إذن أنا موجود، ومع هذا الانبثاق الجديد ” الذي أصبحت فيه الذات المفكرة sujet pensant مركزا ومرجعا لكل حقيقة، تبلورت ثقافة عقلانية ستشكل الأرضية والإيديولوجية المؤسسة لفكر الحداثة “[4] واستنادا إلى هذا الخطاب الفلسفي للحداثة الذي يؤثث لأشكال وطقوس تتسم بالجدة حول مفهوم الذات الإنسانية، فإن ما يميز معالم هذا التصور في ساحة الفكر الغربي في ميدان العمل، القيام ” بتشكيل منهج جديد مستوحى من العقل وحده، وجعله طريقا وجسرا للمعرفة، وألصق بالحياة اليومية الراهنة، بالقفز على الثوابت، ومنح الذات معطى جديدا، تكون فيه ماهية الإنسان وفعاليتها تمثل قطب الرحى في هذا الكون، وهو مبدأ لصيق بالحداثة وأفكارها “[5].
وفي سياق هذا النقاش الديالكتيكي حول الذات العارفة والمريدة، يندرج المشروع الحداثي في سياقه الحالي، وما يستوقفنا في هذا المقام هو أن الدرس الإبستمولوجي في رحاب هذا الصرح المعرفي؛ حفل بالإعلاء من قيمة المعرفة العلمية التي تنضوي تحت سقف العلوم الإمبريقية على اختلافها وتنوعها، وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى المعرفة الحسية التي تتسلح بالوعي النقدي، الذي يسائل الظواهر من منطلق التجربة والملاحظة والاستدلال، كعملية تقدمية تمس كافة مجالات الحياة: الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية والقانون والأخلاق …
وبالرجوع إلى المشروع الذي بسطه هابرماس في المشهد الثقافي الغربي المشحون بالمواقف المعادية للنموذج الحداثي في بعض جوانبه؛ شكل في جوهرانيته ثورة على الأشكال والمضامين، حيث حاول من خلاله إعادة النظم المعرفية السائدة من أجل فتح دروب فلسفية جديدة، وجبهات فكرية ترسم حدودا للمركزية الغربية التي أسهمت بشكل أو بآخر إلى تهديد استمرارية الوجود الإنساني، وأخذته ضمن منحنى أعرج لقي من جرائه البؤس والشقاء، ورمى به في مستنقع النكد والكدر من خلال التشييء المؤسساتي، وإن ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد، أن المدرسة النقدية الذي ينتمي لها والتي تعرف أيضا بمدرسة فرانكفورت تميزت ” بانخراطها العميق والنقدي في قضايا المجتمع والسياسة، وفاء منها لمقولة هيغل الشهيرة “الفلسفة هي الصياغة الفكرية لزمنها”، وبلغة أخرى، لا إمكان للفلسفة إلا داخل وضد مرحلتها التاريخية، ولا تحقق للوعي إلا إذا تحول إلى وعي من لحم ودم. تلك أيضا الفلسفة كما مارسها يورغن هابرماس… وهذه رؤيته إلى المثقف ودوره “[6].
وهذه المسلمة هي التي تدفعنا الآن إلى القول: بأن هذا المطلب يدور في قلب الإشكالية التي واجهها هابرماس وعدها كحل لأزمة الحداثة من خلال نقد المركزية الغربية، كمدخل فلسفي يتعارض مع الفكر السائد في عملية حوارية جدلية، حيث حاول إزاءها تخطي هاجس المرجعية المعيارية للمشروع الحداثي الذي يحتكم للعقل الأداتي والاستراتيجي المحكوم بالنزعة الغائية، وكرؤيا تمتح من العقل العلمي التقني المتمركز حول الذات/الوعي، وهذه النظرة كانت محل مراجعة ونقد أدت في نهاية المطاف إلى رؤية مضادة، أسهمت في تكريس نموذج عقلاني ملمحه الجوهري التفاعل والحوار عبر سجال منهجي وفلسفي يتمثل في الانتقال من العقلانية الفردية إلى العقلانية الاجتماعية؛ لأن ” هذه العقلانية الأداتية التي اختزنت دلالة السيطرة والهيمنة دفعت هابرماس إلى إيجاد بديل يتجاوز هذا المطب البنيوي للعقل الغربي لإعادة دفع خطاب المعاقلة نحو مراجعة حضارية جذرية لأسئلته الموضوعة ضمن أطروحات الوعي التي تجعل العقل العلمي أساس سلطة القهر الذي مارسها لذلك فالعقلانية الأداتية رسخت عقيدة الذات بقدرتها على توفير السعادة الموهومة التي جعلت الفرد تابعا سخيفا لإرادة الآلة”[7].
وعلى الرغم من هذه الجوانب السلبية التي اجتاحت موضوعة الحداثة التي ارتبطت ارتباطا وثيقا في مشاريعها بالنموذج العقلاني في طروحاتها، يبدو إذن ” أن هابرماس لا ينساق مع اتجاهات النقد الجذري للعقل؛ لأنها تفتقر إلى الانسجام سواء في نقدها للميتافيزيقا أو للسلطة، أمام هذا يتبدى لنا لغة المحافظة على قيم الحداثة ولغة الثورة على التحديث كآلية انحرفت عن قيم الحداثة الذاتية التنويرية؛ وضمن إشكالية الحداثة يسعى هابرماس إلى إعادة وحدة العقل باستلهام المنظور العقلاني الذي طوره كانط وجعله يستأهل مقام التشريع لجميع فروع الثقافة، إنه المفهوم الذي أعاد تخريجه هابرماس وحاول التمسك به إزاء دعاة النسبية وإزاء المساءلات التدميرية لقيم الحداثة…”[8].
ولعل أفضل السبل في ذلك سد بعض الفراغات التي طالت العقل الحداثي، الذي أصبح عقلا إجرائيا يزحف دوما نحو ما يتوصل إليه من غايات دون النظر في العواقب والنتائج السلبية التي ستنجر من ورائه، بحيث لا يعطي أهمية للشعوب الأخرى، ولا يقيم ميزانا حقيقيا لهذا العقل. ويظهر أن هذا الموقف ” يضعه في اتجاه معارض تماما مع أسلافه بالنظر إلى موقفهم من نقد عقل التنوير، إلا أن موقفه يتضمن الإصرار على جدل التنوير، أي على أن عملية التنوير لها جانبان.يتضمن أحدهما فكرة البناء الهرمي والاستبعاد، كما يدّعي كتاب ما بعد الحداثة. في حين يحمل الجانب الآخر إمكانية إقامة مجتمع حر يسعد به الجميع على الأقل “[9] .
وبالتالي جعل هابرماس من العقل النقدي وسيلة من وسائل التصدي للعقل الأداتي الخالي من المعاني والأبعاد؛ وليس التضحية بكل المكاسب التي أتت بها الحداثة؛ بالاعتماد على النموذج الإتيقي والجمالي كمعادلة تفي بالغرض الذي ينهض على ركائز تقدم للبشرية جمعاء ممكنات تتجاوز الواقع المعيش، من خلال اعتناق ذروة أخلاقيات التواصل والفن الذي يستلهم الأبعاد التنموية للعقل الإنساني وللعالم الموضوعي، تماشيا مع مقولته الشهيرة: الحداثة مشروع غير مكتمل.
وإذا ما نحن رمنا استدعاء المطارحات والمضامين لدى دعاة ما بعد الحداثة؛ فإن المفارقة تغدو في دوائر الفكر جلية خاصة مع الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، وهنا تتجلى الإشكالية من كون الحوار الذي دعا له هابرماس يتأسس موضوعيا إلى الاحتكام للغة المنطوقة على حساب اللغة المكتوبة، والتي هي في نظر دريدا تبريرات مرجعها الأساسي الواحدية على موائد السجال في مناحيه التحليلية المسيجة، لأن هذا الحوار يرتبط ارتباطا وثيقا بمسألة الوعي الآني، وتتحدد ملامحه من خلال الانتقال من كوجيطو الغياب إلى كوجيطو الحضور، بوصفه ممارسة تعمل على استجلاء المعاني والدلالات بصورة قمعية تتلاشى في خضمها الشفافية ضمن المقتضيات التداولية، وللاقتراب من هذا الإشكال انصب نقده للميتافيزيقا الغربية ” على تفضيلها الكلمة المنطوقة على الكلمة المكتوبة. فقد حظيت الكلمة المنطوقة بالقيمة العليا لأن كل من المتكلم والمستمع حاضر تزامنيا مع ما يلفظ…وبهذا تغدو الكتابة نشاطا من الدرجة الثانية تحاول ردم المسافة من خلال استخدامها، حيث يضع الكاتب أفكاره على الورق ويباعد بين نفسه والكتابة ثم يحوله إلى شيء يمكن قراءته من قبل شخص آخر بعيدا عنه وربما بعد موت الكاتب. وهذا التضمين للموت والتباعد والاختلاف الذي تحدثه الكتابة، يعد إفسادا للحضور الذاتي للمعنى وفتحا أمام كل أشكال الاختراق التي تحول المباشرة والفورية دونهما “[10] .
وعليه، فإن مقاصد هذا النقد يضطلع بمهمة قلب التراتب الهرمي عن طريق إفراز وضع ثقافي يعمل على افتكاك النسق الدلالي الذي يعلي من شأن الأول على حساب الثاني تحت سقف مبدأ الأفضلية، ويستدعي هذا الشعور السعي إلى فسح المجال أمام المهمش والمنبوذ والمقصي على استعادة مكانته داخل الحقول المتنوعة، وهو شكل من أشكال الحوار والتواصل الذي يعزز من قيمة التعدد والاختلاف في التعبير؛ بفعل النشاط الفردي الذي يحتكم للمبادئ الموضوعية ذات الطابع الكوني، ويتأتى ذلك في شقه الإيجابي داخل الفضاء الذي لا يقيم تمايزا ضمن أفق الوظيفية التواصلية.
2- العقلانية التواصلية:
إنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن العقلانية الحداثية ذات النزعة النفعية ظلت على طبيعتها المتواصلة محافظة في توجهاتها المعرفية على العقلية الأداتية المرتبطة بالغايات والأهداف، والتي تقيم تراتبا هرميا أنطولوجيا وصل إلى درجة قضى فيها على الإرادة الحرة للفاعلين ضمن مقتضيات الأفعال الكلامية داخل الواقع المعيش، هذه الظروف سمحت في مجملها ميلاد عقلانية حداثية جديدة؛ استطاعت أن تعيد للهوية مكانتها الحقيقية المشيدة تحت سقف الدمج الاجتماعي، ذلك أن هذا النوع الجديد من العقلانية أدواته الأساسية الفاعلية التواصلية التي تتعامل مع الحياة بكل تفريعاتها المختلفة، وكبوصلة موجهة لسلوك الإنسان يؤكد على التخاطب والنقاش القابل للتجدد والإضافة والحذف المشفوع بالمعايير الجمالية والأخلاقية، ومن هذه الزاوية بالذات ” تتميز الفاعلية التواصلية عن الفاعلية الاستراتيجية بكون التنسيق الناجح للأفعال، لا يرتكز على العقلانية المحددة بغايات خطط الأفعال الفردية، بل بالقوة المحفزة عقلانيا للمجهودات المبذولة بغرض تحقيق التفاهم. فهي ترتكز إذن، على عقلانية متجلية داخل شروط ملائمة للاتفاق المحصل عليه عبر التواصل “[11].
وتكتسي هذه السمة أهمية بالغة، عندما نستحضر السياق الذي ظهرت في خضمه الحداثة، ويتعلق الأمر في النبرة الاحتفالية التي نادت بها، انطلاقا من الشعارات التالية: التقدم والحرية والعدل والمساواة، التي تحولت إلى معارف يقينية ثابتة وقارة ذات صبغة كونية، إلا أن الواقع أثبت عكس ذلك، ولهذا السبب لم تكن في الأخير سوى مزاعم أتت على الأخضر واليابس، واستنادا إلى ذلك، عد هذا الموقف بعناوينه المتنوعة وخطوطه العريضة نقيضا لما كان يدعو إليه عندما اصطدم ” بالحياة الواقعية: باللحظة المعاشة، اصطدم بتجربة القرن العشرين المريرة. إذ كانت حصيلتها لسعادة الإنسان حروبا ومشاحنات طاحنة، واستعمارا وإرهابا وهيمنة وقمعا للآخر، وتفاوتا طبقيا واقتصاديا، وقمعا عسكريا وقنابل ذرية وخطرا نوويا، إضافة إلى الظلم الاجتماعي وانهيار الثقة بفكرة المساواة والعدالة للجميع “[12].
ويستفاد من هذا الكلام، إن نظرية العقل التواصلي التي تخلقت في رحم الفكر الهابرماسي جاءت أصلا كردة فعل على العقل الأداتي أو الاستراتيجي، حيث يطالعنا هذا النموذج العقلاني التواصلي ببراديغم يؤمن بإمكانات عقلية جديدة متجاوزة تشع بروح فلسفية متوثبة تستند إلى فهم وتأويل جديد، ويتعلق الأمر في البراديغم المؤسس عبر حركة دينامية تخضع لمحددات الوعي التاريخي الطارئ، ونعزو ذلك إلى الانتقال من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل كإبدال معرفي يعيد صياغة الواقع وفق ما يقتضيه السياق، ويحافظ من ناحية ثانية على وجه ماء المشروع الحداثي في وضعه الراهن، وكرؤيا تجنبه تبعات المساءلة، بحكم التجربة التي أبانت في مجملها على قبح الممارسة، وأعلنت عن أزمة وجودية عميقة، أفرزت خطابا نقديا مغايراً استمد مقوماته من فلسفة ما بعد الحداثة التي وجهت أصابع الاتهام لمركزية الذات الغربية، مما ترتب عنه تجديد أنساق الفكر والمعرفة التي أدخلتنا في حقبة جديدة بشرت بانتهاء عصر الحداثة، ولعل هذا هو السبب الرئيسي وراء ظهور نظرية الفعل التواصلي استجابة لمتطلبات العصر، وهنا يضعنا هابرماس من خلال هذا السجال في قلب الإشكالية، لا سيما أنها تعقد صلة ترابط مع أنصار دعاة ما بعد الحداثة في نقدهم لفلسفة الوعي التي تمخض عنها فشل ذريع في إسعاد الإنسانية، وتقيم تلافيا بينا عندما ينتصر وينافح عن القيم التي دعت لها الحداثة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، مما يجعل منها قيما من منظوره غير قابلة للتقويض والاختزال باتباعها نسقا منطقيا تستعيد فيه الذوات العقلانية المنشودة، ولقد بات من الواضح أن ” انتقاد هابرماس لفلسفة الذات/الوعي يصبغ مشروعه بطابع حواري خلاق يماحك من خلال تجاوز الإحراج المعرفي للحداثة الغربية التي بناها العقل الأنواري، وأصبح من سماتها التعصب للذات، وهو نوع من التبرير الأيديولوجي الأداتي للمركزية الغربية على السيطرة في أن هابرماس ينزع على تحرير العقل من هذه الأوهام التي ترمي بالإنسان في أوهام الأسطورة. ولعل القيمة التحريرية للإنسان تخلصه من آلية السيطرة التي تسكن المعرفة العلمية التي بدأت بالسيطرة على الطبيعة لتنتقل للسيطرة على الإنسان “[13].
وقد انعكست آثار هذا الانتقال أو التجريب الدخول في حتمية التغيير الذي يصدر عن جدلية تشرعن بصورة ديناميكية إلى وجهة نظر تفاعلية بين الأطراف، وبالتالي، تعبر عن حس حضاري راق على المستوى الأخلاقي الهادف والجاد، ويظهر ذلك بجلاء داخل حيز العلاقات التي تعترف بالآخر كذات لها حقها في صنع التاريخ، وفي هذا المنحى يتم تفادي قصور الرؤية المثالية داخل الأنساق الفكرية والمعرفية إيذانا بظهور عوالم سوسيو- ثقافية، تطمح إلى الوصول إلى ما هو أبعد في الممارسة ضمن الواقع المعيش، وهو ما ” يدعوه هابرماس بالتذاوت أو البينذاتية intersubjectivité، والتي تعني التفاعل القائم بين أفراد المجتمع، كأشخاص لديهم روابط والتزامات متبادلة، انطلاقا من معايير مشتركة، تبرز في عالمهم المعيش Lebens welt. ذلك أن جزءا أساسيا من عقلنة المجتمعات الغربية، يتمثل في إدماج العقلانية التواصلية داخل بنيات العالم المعيش، أي داخل التقاليد الثقافية والأسس المعيارية للتضامن الاجتماعي “[14].
والتعليل الذي يروم هابرماس أن يقدمه في هذا المجال كون النشاط البشري في تفاعله مع هذه الحياة بإيجابياتها وسلبياتها أو بتعبير آخر بحلوها ومرها؛ لا يلغي وجوده الثقافي الأصيل داخل أسوار البيئة المحيطة به، وضمن هذا الفضاء يتم التعاطي مع الحقائق من منظور جماعي متبادل، يستمد طاقته الحيوية من موقف الاتصال القائم بين الذوات، وفي جميع الحالات، يحاول كل طرف من هذه الأطراف المتواجدة الوقوف على فهم ما، كأرضية مشتركة ترضي جميع الفاعلين بناء على الشروط التي تضبط هذا الحوار، واللبنة الأساسية لهذه الوظيفة التنظيمية التي تحيل عليه التجربة المشتركة؛ لا بد أن تأخذ في سياقها العام شكلا افتراضيا، فالحقيقة التي هي محل اهتمام الذوات ليس مودعة في الوجود الإنساني بشكل نهائي حسب هابرماس؛ بل في صيرورة متواصلة ومتغيرة باستمرار كجوهر تنمو وتتطور في حضنه كل أشكال الممارسات التي يخضع لها جميع الناس دون استثناء.
وهو ما يؤكد بعبارة الأخرى، الأبعاد التي تجاهلتها العقلانية الأداتية المتمركزة حول المصلحة المعرفية التقنية التي تقيم تمايزا بين الأشياء كخطاب إقصائي؛ لأن الحداثة من منظور هابرماس باتكائها على العقلانية المطلقة، وتمركزها حول الذات الإنسانية؛ ساهمت في خلخلة البنيات الاجتماعية والفنية والثقافية والفكرية… وهذا الأمر يقودنا لا محالة إلى حقيقة قوامها أن مفهوم المركزية من سماتها وخصائصها الجوهرية أخذها ” بعدا أنطولوجيا يرتبط في الأساس بالذات التي تجعل من كل شيء أمامها يدخل ضمن أفقها الخاص، فيصبح تابعا لها وداخلا في تشكيلها، وبهذا يغيب حضوره لصالح حضورها، وتستنزف فاعليته، لأجل زيادة فاعليتها، موافقة بذلك مرحلة من مراحل نمو الطفل الذي يجعل من العالم أناه “[15].
وتبعا لذلك، لم تعد الحداثة تنظر للمعرفة كأداة يعول عليها في اكتشاف المعرفة، من أجل إخضاع الطبيعة وترويضها وجعلها في متناول اليد، ومن ثم، السيطرة عليها لصالح البشرية؛ بل حل محلها موقف نقدي اختزل المعرفة ضمن الأفق الذي ينساق وراء الدوافع التي تكرس القوة والسيطرة والهيمنة، وواضح من هذا الوعي أن المعرفة أصبحت في هذا المقام كنمط إدراكي للعالم، ما يعني بتعبير آخر، أن العقل الحداثي لم يخرج من دائرة المعقولية الغائية المغلفة بمقولات فلسفة الوعي النابعة في الأصل من العلوم الوضعية التي لا تؤمن إلا بالمنفعة التقنية، وبالتالي، ما نعثر عليه من ملامح العقلانية الحداثية سوى أنها صورة تحكم العالم، وفي إطار هذا الاتجاه التوسعي، تتبدى، إذاً، طبيعة هذه الخاصية حينما تحول العقل إلى ” أداة للمراقبة وللضبط الفكري، بل وللتبرير الإيديولوجي… فلم تعد مهمة العقل منحصرة في التعليق والتفسير، بل أصبحت محددة في تنظيم الحياة العمومية للناس “[16] وهذه النقطة بالذات التي أفاضت الكأس بالنسبة لهابرماس، وكانت الفيصل والبداية الحقيقية التي شكلت اللبنات الأولى في طروحاته، وبلغة تقف إزاء الموضوع في موقف التضاد لا على خلفية القطع والتجاوز؛ نظرا للطريق المسدود الذي وصل إليه العقل الإنساني في مساراته عبر التاريخ، حيث جاءت المحاولة – بلا ريب ولا شك- تعبر عن أزمة نفسية عميقة تصدت للمشروع الحداثي، وفرضت إيقاعا فكريا ينم عن مرحلة جديدة تغير من نظام الأشياء تجاه الإنسان والكون والحياة، بأدوات وأساليب حداثية تحفل بنمط فكري مغاير ومخالف تماماً، وتزداد هذه الصورة إيضاحا من خلال إعادة بناء مواده القديمة وإغنائه بمواد جديدة، ولبلوغ هذا الغرض سعى هابرماس في مجمل عمله ” لإيجاد أسس معيارية مناسبة لنظرية اجتماعية نقدية، وإعادة بناء مفهوم العقلانية، لا سيما العقلنة الاجتماعية، فهو ينتقد رد العقلانية إلى مجرد أداة حاسبة خالصة، كما حاول بناء مفهوم يسمح بفهم جيد ونقد أفضل للسيرورة الوحيدة الجانب للتعقيل الاجتماعي التي تميز نمو الرأسمالية، إذ إن هناك نزعة متزايدة لدى المجتمع إلى تهميش الاتجاهات الواعية المعيارية والجمالية، لصالح اتجاه تقني “[17].
إن هذا التغييب للبعد الاجتماعي بالقضاء على أنماط تواصله، من منظور هابرماس يحيل بصورة ما أو بأخرى إلى تلك القطائع التي تلامس لب ثقافته وتاريخه وعاداته وتقاليده، وتختزله عبر صور ونماذج تخضع لمنطق القولبة الذي يقضي على الاختلاف والمغايرة، من خلال انخراط الوعي في نموذج واحد يأخذ طابع الشمولية والكونية ضمن أشكال التعامل، مما ينجم عنه بشكل جلي تقويض التنوع الفكري وحصر الذات في معالم منظومة ثقافية ضيقة، وبانعدام هذه الصفة للفكر يتحول على إثرها الوجود الإنساني في تركيبته خاضعا لمنظومة قيم لا تؤمن إلا بعلاقات وسائل الإنتاج والعمل، وليس هناك من شك في أن الذات وفق هذا المعيار تفقد كل مقومات التعايش والتفاهم والتواصل وكل إمكانات الاعتراف، وهي الحقيقة التي وقف عليها هابرماس في نظريته الموسومة بالفعل التواصلي، حينما ” أدرك أهمية المجتمعي وركز عليه من حيث إنه يعبر عن مسارات تواصل فردية وجماعية من أجل التفاهم، وبذلك لم يعد المنظور الاقتصادي لعلاقات الإنتاج هو المحك في تحليل المجتمع وإنما منظور علاقات التواصل. وهذا ما لم يدركه الرواد نظرا إلى ارتباطهم الشديد بالنظرية الاجتماعية لماركس حتى لم يعودوا ينظرون إلى المجتمع إلا من زاوية علاقات العمل ما يفسر محدودية الأفق المعياري وتوجههم اللاسوسيولوجي… “[18].
ويتبين مما سبق، أن فكرة عقلنة المجتمع تشكل البؤرة الأساسية لفلسفة هابرماس من خلال الاعتقاد الجازم في فسح المجال للتفاعل والتعايش والحوار بين الأطراف، وقد صاحب هذا التحول الجذري تطورا على مستوى التصور والممارسة من أجل الظفر بلغة مشتركة تقف على قدم وساق، وتحقق قدرا كبيرا من الاتفاق والتفاهم طالما أنها تسعى إلى العقلنة التي تخاطب ما هو جوهري في الإنسان، ويتعلق الأمر بصورة أساسية في الخصائص اللصيقة بالجوانب الفكرية، ونخص بالذكر في هذا الصدد الشرعية الثقافية المقبولة، التي تدخل تحت مظلة العلاقة التذاوتية المرتبطة بالأفعال الكلامية، و” الإلزامات المقترنة بالأفعال التكلمية، فتعني التنازلات المتبادلة على مستوى النقاش. وتقتضي أخلاقيات النقاش تأسيس معايير الخطاب بشكل عقلاني تتم فيه مراعاة مقاييس المعقولية والحقيقة والصدق والدقة، كما تقتضي تساوي كل المتدخلين المحتلمين في الأفعال التواصلية للكلام، ولا يمكن لأي ضغط أن يمارس هنا باستثناء أفضل حجة، لأن الحجج التي نقدمها تظل افتراضية على الدوام، كما أن الموقف المعقول تجاه حجة ما، ليس هو موقف الدغمائية والتعصب، بل هو موقف الانفتاح على المواقف الأخرى والاستماع إليها “[19].
وتماشيا مع هذا المنحنى الذي يأخذ بعدا إيجابيا، فإن هذه النظرة مقوماتها الأساسية تتمظهر من خلال تقليص المسافة بين صورة الأنا إزاء صورة الآخر المختلف داخل العقل الغربي، ونستحضر في هذا المقام الخطاطة الهابرماسية المثمرة التي أعادت للتنوع الفكري مقاييسه الحقيقية، وعبر ممارسة حبلى بمعايير النقاش والحوار الهادف الذي يحتكم في قطاع الفكر والثقافة إلى العقلانية التواصلية التي تسعى إلى تحقيق الإجماع في صيغته التشاركية بين الأفراد.
وأما هذه الصورة الإيجابية للعلاقة الإنسانية تتبدى تلك الفروق ضمن الصيرورة التاريخية من خلال تلاشيها وذوبانها داخل بنيات الحياة، ويتأكد ذلك في الدور الرئيسي الذي تلعبه الفاعلية التواصلية في نسختها التأويلية الجديدة التي تقيم تصالحا مع العقل الحداثي، ويمكن في هذا المجال الإحالة إلى التأصيل المدعوم بمجموعة من الركائز والمقومات كجوانب إجرائية ممنهجة، مجالها الأساسي تلبية حاجات الفرد والمجتمع داخل الواقع المعيش، ويتسع هذا القصد ليستوعب معطيات العمل المشروط بالأهداف والغايات الخاضع لمعيارية الفعل الإنساني التضامني، ويتحقق هذا المعنى استنادا إلى حالات التوازي والانسجام الذي يتخطى حواجز الأدلجة على صعيد الممارسة.
3- اللغة/ المعنى والحقيقة:
تعد الدراسات التي قدمها أوستن Austin في حديثه عن علاقة القول بالفعل البؤرة الأساسية التي استلهم منها هابرماس أفكاره حول موضوعة اللغة، والتي نظر إليها كواقع يعاش من خلال التجسيد الفعلي لها داخل السياق الاجتماعي. لأننا ” في عالم أصبحت فيه اللغة الرهان الأساسي لكل تجربة عرفية ووجودية، عالم أصبحت فيه الرموز والإشارات والنصوص وسائط ضرورية ولازمة للكشف عن حقيقة الكائن والكينونة، فاللغة كما قال هيدغر تقول الإنسان، وهي مسكن الوجود. ولكن ذلك لن يتحقق إلا باعتماد قواعد وآليات تمكن من تحقيق الفعل التأويلي”[20].
والسؤال الذي يطالعنا في هذا السياق: هل تعتبر اللغة من منظور هابرماس مجرد محطة ناقلة لمجموعة من المعلومات أم أنها ممارسة تعتمل في دائرة الدمج الاجتماعي بالمفهوم التداولي؟.
من هذا المنطلق، يرى هابرماس أن اللغة في بعدها الحضاري خاصية إنسانية بعيدة عن كل رؤية شمولية أو نسق فكري معين، على النحو الذي تحاول فيه الذات الاستحواذ على الموضوع؛ بالاستناد إلى سلم القيم المتعالية في المعرفة والممارسة، من هذه الزاوية يميط هابرماس اللثام عن إحدى منطلقاته الفكرية حول موضوع اللغة وعلاقتها بالتواصل، وينجم عن هذا التصور في كون أن التواصل عملية لا تتم إلا عن طريق اللغة كموقف نقدي إزاء العالم يستدعي الفحص والتنقيب والتشخيص، وتبعا لذلك، فإنه من غير اللائق ” مجابهة الأحداث بوسائل فكرية أو أدوات نقدية تستقي علة وجودها من أطر مستنفذة أو نماذج تجاوزها الزمن والواقع بكل ملابساته وتحويلاته. فالحدث الذي يسعى المثقف لفهمه وقراءته يتطلب معاجم مفهومية جديدة وأساليب مغايرة في القراءة والتحليل “[21].
من هنا، ينطلق هابرماس في بناء موقفه على اعتبار اللغة الممثل الحقيقي لبناء جسور التفاهم والاتفاق، والسبيل الوحيد الذي يضعنا في السكة الصحيحة المحاججة والحوار، الذي يتمفصل داخل سياق الأفق التداولي، وهكذا، يبتعد عن كل أشكال المعرفة الترانسندنتالية transcendantale، من هنا يتبين لنا بوضوح أن اللغة بمفهومها الواسع “جزء من الوعي الفطري الذي لا يستدعي قصدا مسبقا لكي يوجد، إنه حاضر الرؤية والسمع وفي كل الحواس التي تعد منافذ أولية لكل إدراك يترجم لفظا لكي يوجد ويتميز من خلاله هذا الحس عن ذاك…ذلك أن كينونتنا هي من طبيعة لفظية، فاللغة فينا ومن خلاها نوجد في العالم ونتحرك ونفهم ونسأل ونتبين الصالح من الضار “[22].
وما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد؛ أن اللغة التي يشير إليها هابرماس ليست تلك اللغة التي تعتمد أو تركز على البناء الداخلي الذي يتشبث بحدود الوصف، ومدار هذه الخشية كون الاهتمام باللغة في هذا المجال المعرفي تتحدد قيمته داخل النظام وليس خارجه بين الدوال والمدلولات، ويمكن أن يتمظهر هذا الأمر بما يتلاءم مع التشكيلات اللغوية المتجاورة، وهكذا، تبقى العملية حبيسة القوانين والمعايير التي تحكمها، وكان لهذه الأسس بالغ الأثر في طرائق التعبير التي أضحت معتادة من خلال التقابل الشهير بين الذات والموضوع، وبخلاف هذا الرأي يعرض هابرماس تصوره للغة حينما يعدها كمكون اجتماعي يتجاوز المعرفة التي تنصت إلى نظرية العلم فقط، بصفتها لغة براغماتية تنأى عن المفهوم البنيوي، أي كأفعال كلامية لها القدرة على التواصل والفعل الموجه لغرض البناء عبر وظيفة الدمج الهوياتي للجماعة، وقد ” دمج هابرماس بين عوالم بوبر وأفعال جون أوستن في سبيل إيجاد تواصل عبر اللغة بثلاث طرق هي:1- أن تمثل وقائع عن العالم الحقيقي.2- أن تعبر عن نوايا وخبرات المتحدث.3- أن تؤسس علاقة بالمستمع. وقد قسم بنية هذه اللغة إلى ثلاث مكونات: مكون قضويpropositional ، مكون تعبيريExpressive ، مكون إنجازي، انشائيlilocutionary إلا أن نسبة تواجد هذه الأفعال يتفاوت في نسبته ومقداره “[23].
وهذا يحيلنا مباشرة إلى دور العقل الذي تحول من الوظيفة المتعالية إلى الوظيفة التي تقوم أساسا على الحوار والمحاججة، وتتحدد هذه المفارقة ” عبر ابتداع شكل جديد من العقلانية الاجتماعية التي أطلق عليها العقلانية التواصلية، مقابل العقلانية الأداتية وتأسيس نظرية نقدية للمجتمع تستهدف عقلنة الحياة الاجتماعية على أسس عقلانية تواصلية، منطلقا من أن العقل لما يستنفذ بعد كل طاقاته للقيام بمراجعة ذاته وتصحيح مساراته تجنبا للسقوط في الأساطير”[24].
وقد أثمر هذا الانفتاح الفكري على بناء تصور فلسفي في قراءته للمجتمع، وتجلى هذا الأمر في لحظته الراهنة معرفياً وإبستمولوجياً واجتماعياً وثقافياً… في تعميق لغة الخطاب الحواري المتبادل؛ بوصفه بوابة تتيح للفكر بشكل دقيق تجاوز كل أشكال القمع والسيطرة والهيمنة ذات البعد الأداتي، ولا يتأتى هذا إلا من خلال الادعاءات والتأكيدات والتبريرات التي تقف على الأسس الشرعية المقبولة، وتتحقق هذه الفاعلية في نظر هابرماس على أسس القيم العقلانية التي تفسح المجال أمام النشاط الإنساني، كمنطق حداثي يحل محل طروحات العلوم التقليدية التي تضفي على الفعل التواصلي دلالات تتموضع في دوائر العلاقات المحددة، ويقتصر ذلك حول الفكر المرتبط بالمرجعية التي تعقد حوارا محدودا بين اللغة والعالم في إطار الفضاء المحكوم بين الذات والموضوع.
ولتحقيق أكبر قدر ممكن من التواصل بين الذوات في تعاطيها مع المحيط الخارجي على صعيد الفعل والإنجاز؛ فاللغة هي الخيط الرابط أو البراديغم المؤسس لهذا التنظيم في بنائه الروحي للإنسان، حيث تتخذ من الفعل التواصلي ممارسة فاعلة تنطوي على نقيض ما هو سائد، وهو مدخل أساسي يعيد صياغة العالم تحت إطار الدلالة الجديدة للغة وهو ما يندرج تحت مسمى المنعطف اللغوي Linguistic turning point، وهو من منظور هابرماس ” تحول من النقد المعرفي إلى النقد اللغوي في محاولة للكشف عن ممارسة لنقد الأيديولوجيا وهيمنتها، والتي تمخضت عن أفكار ماركسية سابقة، وبذلك تكون اللغويات آلية مسوغة، تمكن هابرماس من استعمالها لغرض الكشف عن كل أصناف القهر، والسلب، والاضطهاد السياسي، أو الأيديولوجي بشكل عام “[25]. وهو أمر يمكن إدراك أبعاده من خلال إفراز وضعية أخرى تسعى لإظهار علاقات جدلية تحقق قدرا من الموضوعية، بمعنى الوصول إلى اتفاق بين الذوات ومن ثم إلى فهم، وقد ” تمثل اللغة الوسيط الأمثل لتفعيل تواصل شفاف وسليم يؤدي أغراض التعارف والاعتراف والاتفاق والإجماع، كنهاية من طرف الحوارية وبداية لتأسيس التشريعات والقوانين وفلسفة الحق لديه “[26].
واللغة كخطاب تتوسل به الذوات الفاعلة من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة تدفع بهم إلى الفعل والإنجاز من ناحية المنظور العقلاني، فلأنها الوسيلة الأنجع التي يحصل بها التعايش والتواصل داخل الفضاء العمومي ضمن إطارها التنظيمي على حد تعبير هابرماس، سواء أكان ذلك مع أنفسنا أو مع الآخر المختلف، وتبعا لذلك، يحول ” بواسطتها البشر بيئتهم، تؤدي إلى ظهور ما يدعوه هابرماس بالمصلحة العملية، وهذه بدورها تؤدي إلى ظهور العلوم التأويلية. وينصب اهتمام المصلحة العملية على التفاعل البشري أي على طريقة تأويل أفعالنا تجاه بعضنا البعض، وطريقة فهمنا لبعض، والسبل التي نتفاعل بها في إطار التنظيمات الاجتماعية “[27].
وتحول العقل إلى فاعلية اجتماعية هو إحدى أهم مجالات الفعل التواصلي الذي يتجاوز فكرة الضبط الحركي للوعي وللجوانب الأنطولوجية بصفة عامة، ووفق هذا المقتضى ” يذهب هابرماس إلى أن المصلحة العملية تفضي إلى نوع ثالث من المصلحة وهي مصلحة الانعتاق والتحرر. وهذه المصلحة مرتبطة أيضا باللغة، وهي تسعى لتخليص التفاعل والتواصل من العناصر التي تشوهها. ومصلحة الانعتاق والتحرر تؤدي إلى ظهور العلوم النقدية من قبيل التحليل النفسي، وهو علم يتخذه هابرماس نموذجا “[28].
ولذلك فالسمة البارزة لهذا النموذج كونه يستمد مشروعيته من المصفاة النقدية التي تقوم كل اعوجاج وتستهجن كل قبيح بين الفاعلين الثقافيين؛ انطلاقا من استقراء الواقع في صيغته الراهنة والمحكوم بزمانيته، وإلباس الفكر والوعي نواميس التفاعل المفضي إلى دائرة المباح اجتماعياً من خلال استعمال اللغة العادية التي تنظم عمليات التواصل، بما تتضمنه من إيماءات وإشارات وحركات جسدية تخرج عن إطار الازدواجية التراتبية في امتلاك الحقيقة، وذلك في نطاق تناولها لأشكال التفكير وأنماط التعبير، لذلك فإن هابرماس ” يرى أنه في إطار العلاقة التي تحدد اللغة بالحياة وبالواقع فإن ما هو أساسي فيها ليست عملية الشرح والتفسير وإنما عملية التفهم التي تساعد على الإمساك بالواقع ما دام الموضوع يمتلك في ذاته معنى يتعين إعادة اكتشافه انطلاقا من تعبيره المشخص في شكل موضوعي، لكن إمساك معنى بواسطة علامات موضوعية يحصل بتأويل عناصر الدلالة، وانطلاقا من المعنى الشمولي المتوقع.. وتكوين هذا المعنى الشمولي يتم انطلاقا من تمفصل هذه العناصر نفسها “[29].
من هنا تتبدى لنا السلوكات والتصرفات والأفعال التي تجنح إلى إنقاذ الإنسانية من أسباب الانحدار على صعيد الممارسة والتدبير، ويتخذ هذا الفهم من منظوره الواسع موقفا نقديا من الحقيقة بالنسبة لهابرماس، كموضوع قابل للنقاش من خلال نقده لفلسفة الوعي بشقيه الماركسي والليبرالي، من أجل دفع النشاط الفكري تحت بوادر التفعيل الذي يؤكد على نسبية الحقيقة؛ لأن الأفكار التي تقع على مستوى أخلاقيات النقاش المدعومة بالحجج التي تستند إلى البراهين العقلية متحولة على الدوام، لذلك، فالخيط الناظم لهذا التفاعل هو التراضي والتفاهم الذي لا يتجاوز المعقولية التي تأخذ بأيدينا إلى عنف الخطاب، بالمعنى العقيم المحكوم بالصراعات الإيديولوجية التي تشكل عائقا أمام التقدم، وتتعطل من خلاله قنوات الحوار بين الذوات فيغيب التفاهم والاتفاق؛ لأن ” التراضي لا ينبع من الإكراهات المنطقية أو التجريبية، بل من قوة أفضل حجة. بالتالي، فإن صلاحية أفعال الكلام تقتضي توفر المشاركين في النقاش على نفس الفرص في التعبير عن مواقفهم ومشاعرهم، كشرط للاعتراف المتبادل والتفاهم بين الذوات “[30]. وهذا موقف يعكس حقيقة في صورته الإيجابية القيم الأخلاقية التي تستوعب من جرائه الذات الإقناع العقلي المنفلت من الراديكالية الجبرية، والانتماءات الضيقة المغلقة، والإيديولوجيات المتطرفة التي تدعي الإطلاقية في طروحاتها.
خاتمة:
استنادا إلى المحددات السابقة، فالخلاصة التي يمكن الوصول إليها أن الحداثة كمنظومة فكرية شاملة أبانت في جنباتها الوجه المظلم والسوداوي، ولقد تجلى هذا العجز في انهيار الأنساق الفكرية الشمولية نتيجة خطاباتها الإقصائية المغلفة بالجوانب الإيديولوجة، وقد عمق هذا الطرح العقلانية الأداتية المقنعة التي عملت على تقويض الجهاز المفاهيمي الميتافيزيقي الكلاسيكي، من خلال الانتقال من العقل التأملي إلى العقل التقني كنموذج صالح للمعرفة العلمية الآنية. لأن إحدى المهام الأساسية للعقل الأداتي الذي قلص في توجهاته مناطق التفكير وارتكز في مشاريعه على نقطة أساسية الوصول إلى النتيجة دون مراعاة النتائج المترتبة عليه أي الثقة العمياء في النموذج التجريبي الذي وسع من رقعة المجهول على حساب رقعة المعلوم.
وأمام هذا الانسداد، توج العقل بإعادة طرق تفكيره وأنماط تعبيره من خلال هيكلة الوعي الإنساني نحو بناء قيم عقلانية جديدة، انتصر فيها هابرماس للنظرية الاجتماعية على حساب فلسفة الوعي، كقناعة معرفية تمنح للتفاعل الإنساني قدرا كبيرا من التعايش والاندماج الحي ضمن مجالات الاتصال الإنساني، والسمة الأساسية الملازمة لهذا الاندماج تحقيق مجتمع متحرر ومنسجم ومتكافئ.
ويكتمل هذا التصور من خلال فلسفة التواصل لهابرماس التي حاول فيها إنعاش الحياة الاجتماعية من منظور عقلاني، وذلك من خلال التصدي لهذه العقلانية الغربية المتوحشة التي اتسمت بطابعها المطلق والشمولي المحكوم بالنشاط الثقافي البشري الضيق، وهذا الأمر قد أكده في نظرياته وطروحاته المتعددة والمتنوعة، وقد أسفرت في الأخير عن ولادة ما يسمى: بنظرية الفعل التواصلي، وهو حضور يمكن الذوات في رحاب هذه النظرية المشاركة الفاعلة التي تتناسب مع مقتضيات المصلحة والمنفعة المتبادلة، والمجردة من كل الدوافع الذاتية والاستعدادات النفسية المبطنة، إذ تمس جميع شرائح المجتمع على اختلاف طبقاتهم ومشاربهم وتوجهاتهم.
وبهذا الخصوص يؤكد هابرماس على أن الغاية المرجوة على المستوى الوظيفي صقل الهوية الإنسانية، ونلمس هذا الصقل انطلاقا من التركيز على الدمج الاجتماعي في تناغمه مع متطلبات اللحظة الراهنة، وبطبيعة الحال، فإن هذا الوضع المفارق يطالعنا في صورة بانورامية جديدة مبنية على الصراع من أجل الاعتراف بالآخر، ونعاين هذا المبدأ على صعيد الانتشار المتنامي لهذه التعددية الثقافية والفكرية والمعرفية التي تتمخض عنها عقلانية حوارية جادة؛ تتحقق على أساسها الشرعية بناء على الأفعال التواصلية المشفوعة تحت إرادة الفهم البينذاتي التشاركي.
والنتيجة الحتمية المترتبة عن هذا الموقف، فإن إحدى خصائصه الأساسية اللغة التي تعمد على هيكلة التصورات السابقة حيث تغدو كأفعال كلامية إنجازية داخل الواقع المعيش بؤرتها المناسبة التفاعل بين الذوات، الذي مؤداه الفهم المتبادل بين كل الأطراف المشاركة في عملية الحوار الذي يحتكم لأسلوب المحاججة والبرهان، ويتعلق الأمر في القفز عن كل أشكال الازدراء الاجتماعي الذي يتمفصل داخل أقاليم الفكر وأنماط الرؤية المغلقة، ومناط هذا التفاعل يؤدي في نهاية المطاف إلى معايير التوافق التواصلي الفردي والجماعي، الخاضع لمتطلبات العقل ووفق رؤية نقدية؛ تعيد ترتيب العلاقة الإنسانية في إطار الجوانب الأخلاقية والاجتماعية التي تضبط الممارسة الأداتية المتمركزة داخل خندق العقل العلمي التقني.
قائمة المراجع:
1- إيان كريب، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة: محمد حسين غلوم، عالم المعرفة- الكويت، 1999م.
2- اليامين بن تومي، النقد.. النسق.. التواصل، قراءة في مفهوم العقل التواصلي ليورغن هابرماس، مؤلف جماعي ( مدرسة فرانكفورت النقدية ( جدل التحرر
والتواصل والاعتراف )، ابن النديم للنشر والتوزيع وهران- الجزائر، ط1، 2012م.
3- جميلة حنيفي، مدرسة فرانكفورت والتنوير من السلب إلى الإيجاب، مؤلف جماعي ( سؤال الحداثة والتنوير بين الفكر الغربي والفكر العربي )، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2013م.
4- رشيد بوطيب، قراءة في كتاب هابرماس: آه، أوربا: كتابات سياسية قصيرة، مؤلف جماعي (مدرسة فرانكفورت النقدية (جدل التحرر والتواصل والاعتراف )، ابن النديم للنشر والتوزيع وهران- الجزائر، ط1، 2012م.
5- سرير أحمد بن موسى، مقالات في الهرمينوطيقا ( فلسفة التأويل )، دار كنوز للنشر والتوزيع، تلمسان- الجزائر، دت.
6- سعيد بنكراد، سيرورات التأويل من الهرموسية إلى السيميائيات، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2012م.
7- عبد الله إبراهيم، المركزية الغربية ( إشكالية التكون والتمركز حول الذات )، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، ط1.
8- عز الدين الخطابي، أسئلة الحداثة ورهاناتها في المجتمع والسياسة والتربية، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2009م.
9- عبد الرزاق بلعقروز، السؤال الفلسفي ومسارات الانفتاح ( تأولات الفكر العربي للحداثة وما بعد الحداثة)، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2010م.
10- عامر عبد زيد، قراءات في الخطاب الهرمنيوطيقي، دار الروافد الثقافية- ناشرون، بيروت- لبنان، ط1، 2012م.
11- علي عبود المحمداوي، الإشكالية السياسية للحداثة ( من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل)، منشورات ضفاف- لبنان، ط1، 2015م.
12- علي عبود المحمداوي، الخطاب النقدي لمدرسة فرانكفورت جدل النظرية والممارسة (دراسة في التأسيسات والتحولات والمركزيات )، مؤلف جماعي( مدرسة فرانكفورت النقدية ( جدل التحرر والتواصل والاعتراف )، ابن النديم للنشر والتوزيع وهران- الجزائر، ط1، 2012م.
13- عز الدين الخطابي، المقاربة التداولية للفاعلية التواصلية لدى هابرماس، مؤلف جماعي ( التداوليات وتحليل الخطاب ) دار كنوز المعرفة، الأردن- عمان، 2013م.
14- عبد المنعم عجب الفيا، في نقد التفكيك، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2015م
15- محمد شوقي الزين، إزاحات فكرية ( مقاربات في الحداثة والمثقف )، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2008م.
16- محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق- المغرب، ط2، 1998م.
17- ميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي الأدبي، الدار البيضاء- المغرب، ط4، 2005م.
18- منير مهادي، نقد التمركز وفكر الاختلاف ( مقاربة في مشروع عبد الله إبراهيم )، ابن النديم للنشر والتوزيع، وهران- الجزائر، ط1، 2013م.
19- وليد خالدي، نظريات ما بعد الحداثة في الفكر النقدي العربي المعاصر ( جمالية التلقي أنموذجا)، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه دولة في النقد الأدبي المعاصر، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة طاهري محمد، بشار/ الجزائر، 2018م/2019م.
– محمد شوقي الزين، إزاحات فكرية ( مقاربات في الحداثة والمثقف )، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2008م، ص 9.[1]
– عبد الله إبراهيم، المركزية الغربية ( إشكالية التكون والتمركز حول الذات )، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء- بيروت، ط1، ص 66.[2]
– محمد نور الدين أفاية، الحداثة والتواصل في الفلسفة النقدية المعاصرة نموذج هابرماس، إفريقيا الشرق- المغرب، ط2، 1998م، ص 127.[3]
[4] عز الدين الخطابي، أسئلة الحداثة ورهاناتها في المجتمع والسياسة والتربية، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2009م، ص 39
[5]– وليد خالدي، نظريات ما بعد الحداثة في الفكر النقدي العربي المعاصر ( جمالية التلقي أنموذجا )، أطروحة مقدمة لنيل درجة دكتوراه دولة في النقد الأدبي المعاصر، كلية الآداب واللغات، قسم اللغة العربية وآدابها، جامعة طاهري محمد، بشار/ الجزائر، 2018م/2019م، ص 17.
[6]– رشيد بوطيب، قراءة في كتاب هابرماس: آه، أوربا: كتابات سياسية قصيرة، مؤلف جماعي ( مدرسة فرانكفورت النقدية (جدل التحرر والتواصل والاعتراف )، ابن النديم للنشر والتوزيع وهران- الجزائر، ط1، 2012م، ص 237.
[7]– اليامين بن تومي، النقد.. النسق.. التواصل، قراءة في مفهوم العقل التواصلي ليورغن هابرماس، مؤلف جماعي ( مدرسة فرانكفورت النقدية ( جدل التحرر
والتواصل والاعتراف )، ابن النديم للنشر والتوزيع وهران- الجزائر، ط1، 2012م، ص 224.
[8] – عبد الرزاق بلعقروز، السؤال الفلسفي ومسارات الانفتاح ( تأولات الفكر العربي للحداثة وما بعد الحداثة )، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2010م، ص 176.
– إيان كريب، النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس، ترجمة: محمد حسين غلوم، عالم المعرفة- الكويت، 1999م ص 306.[9]
– عبد المنعم عجب الفيا، في نقد التفكيك، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2015م، ص 85. [10]
[11]– عز الدين الخطابي، المقاربة التداولية للفاعلية التواصلية لدى هابرماس، مؤلف جماعي ( التداوليات وتحليل الخطاب ) دار كنوز المعرفة، الأردن- عمان، 2013م، ص 143.
– ميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي الأدبي، الدار البيضاء- المغرب، ط4، 2005م، ص 226.[12]
-اليامين بن تومي، المرجع نفسه،ص .222[13]
– عز الدين الخطابي، أسئلة الحداثة ورهاناتها في المجتمع والسياسة والتربية، ص 72.[14]
– منير مهادي، نقد التمركز وفكر الاختلاف ( مقاربة في مشروع عبد الله إبراهيم )، ابن النديم للنشر والتوزيع، وهران- الجزائر، ط1، 2013م، ص 37.[15]
– عز الدين الخطابي، أسئلة الحداثة ورهاناتها في المجتمع والسياسة والتربية، ص 131- 133.[16]
– علي عبود المحمداوي، الإشكالية السياسية للحداثة ( من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل)، منشورات ضفاف- لبنان، ط1، 2015م، ص 31.[17]
[18]– جميلة حنيفي، مدرسة فرانكفورت والتنوير من السلب إلى الإيجاب، مؤلف جماعي ( سؤال الحداثة والتنوير بين الفكر الغربي والفكر العربي )، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2013م، ص 98 .
– عز الدين الخطابي، المقاربة التداولية للفاعلية التواصلية لدى هابرماس، ص 146. [19]
– سرير أحمد بن موسى، مقالات في الهرمين وطيقا ( فلسفة التأويل )، دار كنوز للنشر والتوزيع، تلمسان- الجزائر، دت، ص 5.[20]
– محمد شوقي الزين، المرجع نفسه، ص 15. [21]
– سعيد بنكراد، سيرورات التأويل من الهرموسية إلى السيميائيات، منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة- الجزائر، ط1، 2012م، ص 157-158.[22]
– عامر عبد زيد، قراءات في الخطاب الهرمنيوطيقي، دار الروافد الثقافية- ناشرون، بيروت- لبنان، ط1، 2012م، ص 164. [23]
– علي عبود المحمداوي، الإشكالية السياسية للحداثة ( من فلسفة الذات إلى فلسفة التواصل)، ص 60.[25]
[26]– علي عبود المحمداوي، الخطاب النقدي لمدرسة فرانكفورت جدل النظرية والممارسة (دراسة في التأسيسات والتحولات والمركزيات )، مؤلف جماعي( مدرسة فرانكفورت النقدية ( جدل التحرر والتواصل والاعتراف )، ابن النديم للنشر والتوزيع وهران- الجزائر، ط1، 2012م، ص 48-49.
-إيان كريب، المرجع نفسه، ص 308.[27]
– محمد نور الدين أفاية، المرجع نفسه، ص 76.[29]
[30]– عز الدين الخطابي، المقاربة التداولية للفاعلية التواصلية لدى هابرماس، ص 143.