
الإحساس بالجمال في قصيدة ليست جميلة للشاعر سميح القاسم (دراسة تحليلية أسلوبية)
The sense of beauty in a poem (she is not beautiful) by the poet Samih al-Qasim (Stylistic analytical study)
د. خضر محمد أبو جحجوح، كلية الآداب، قسم اللغة العربية الجامعة الإسلامية-غزة.
D.Khader Moh. Abu Jahjouh, Islamic University- Gaza, Faculty of Arts
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 61 الصفحة 9.
Abstract
The research aims to explain the vision of poet Samih Al-Qasem about the concept of beauty in his poem (she is not beautiful) which expresses his sympathy with a girl whom the community talk about her that she is not beautiful, causing her pain and suffering, and anxious to find someone who loves her. until the poet passes by and declares: he loved her, as a symbolic sign that she is a human being with a delicate heart deserves life and love, and that society falls into injustice like her when they Offends and hurts her with offensive and humiliating words.
In the framework of this analysis, the research aims to conceptualize the concept of beauty, with the analysis of the poem to crystallize the poet’s vision of the value of human beauty associated with the noble feeling, within a descriptive analytical approach based on some practices of the stylistic approach.
Key words: Beauty, Samih Al- Qasim, poetry, analysis, stylistic
الملخص:
يهدف البحث إلى استكناه رؤية الشاعر سميح القاسم، والوقوف على مفهوم الجمال وموقفه منه في قصيدتِهِ التي سماها (ليست جميلة) والتي تعبِّرُ عن تعاطفه مع فتاة تتداول الألسنة في مجتمعها أنها غير جميلة، مما يسبب لها ألما وعذابا، يدفعها إلى أن تعيش في حالة من القلق واللهفة لإيجاد شخص يحبّها وتحبه، ويسكن لواعج الشوق في قلبها، حتى يمرُّ بها الشاعر ويعلن: أنه وقع في حبها، في إشارة رمزية إلى أنها إنسانة تحمل قلبا مرهفا يستحق الحياة والحب، وأنَّ المجتمع يقع في ظلم أمثالها حين يجلدها بعض أفراده بكلمات جارحة مهينة.
وفي إطار هذا التحليل يهدف البحث إلى وضع تصور لمفهوم الجمال، مع تحليل القصيدة؛ لبلورة رؤية الشاعر لقيمة الجمال الإنساني المرتبط بالشعور النبيل، ضمن منهج وصفي تحليلي يتكئ على بعض ممارسات المنهج الأسلوبي.
الكلمات المفتاحية: الجمال، سميح القاسم، شعر، التحليل، الأسلوبية
تمهيد:
المعاناة التي تتعرض لها أي فتاة تسمع كلمات ازدراء مثل ليست جميلة أو قبيحة، أو غير مرغوب فيها، أو أي صفة تقدح في أنوثتها، مسألة اجتماعية ذات حساسية على الصعيد النفسي للمرأة، حال كونها لبنة من لبنات بنية المجتمع، مثل ذلك السلوك يصيبها بالإحباط، وقد يؤدي إلى نشر الأسى والألم على الصعيد الاجتماعي، نتيجة للآثار المترتبة على مثل تلك المفاهيم التي تعرض بنية المجتمع لآثار نفسية سلبية تنعكس على لحمة المجتمع وتماسكه.
لهذا السبب حاولت الدراسة الحالية الولوج إلى رؤية القضية من زاوية أحد شعراء فلسطين، وهو الشاعر الراحل سميح القاسم([1]) من خلال قصيدته (ليست جميلة) ، التي عبر خلالها عن تعاطفه مع حالة إنسانية تمثل رمزا اجتماعيا يتعرض للإهانة النفسية وهي فتاة لا تتمثل فيها مواصفات جمال تثير إعجاب الشباب في مجتمعها.
أهمية الدراسة:
تكمنُ أهمِّيَّةُ الدراسة في أنَّها تتناول جانبا مُشْرِقًا من جوانب شاعرية سميح القاسم الإنسانية متمثلة في هذه القصيدة عينة الدراسة، التي لم تتناولها أقلام النقاد بالسبر والتحليل من هذه الزاوية على وجه التحديد، وبهذا تكون الدراسة إضافة -لعلها- تثري المشهد النقدي بإجراءاتها ومقاربتها التي تسبر العمل الفني من زوايا متعددة.
منهج الدراسة:
اتَّكَأَتْ الدِّرَاسَةُ الحَاليَّة على المنهج الوصفي التحليلي مع الإفادة من مقاربات علم الجمال والمنهج الأسلوبي الذي ينطلق من علاقة الدوال وتفاعلها، بما تنتجه من دلالات تفتح فضاء النص على مسالك التلقي بتقانات فنية تنبثق من جوانية النسق الشعري، وتسهم في تشكيله النَّصِّي.
أسئلة الدراسة:
سعت الدِّراسة إلى الإجابة عن جملة من الأسئلة، لتحقيق الفائدة الموضوعية والفنية، لتقديم المقاربة النقدية، وتطبيقها في إطار رؤية عميقة لمفهوم الجمال وأثره على مشاعر الآخرين.
- ما المقصود بمفهوم الجمال؟
- هل تختلف رؤية الجمال بين الأفراد في المجتمعات المختلفة؟
- ما موقف الشاعر من قضية جمال المرأة؟
- كيف ينظر المجتمع إلى الفتاة غير الجميلة؟
- ما مقياس الجمال لدى الشاعر؟
- هل نجح الشاعر في وصف حالة الفتاة التي يتعاطف معها؟
- إلى أي مدى نجح الشاعر في صياغة رؤيته على المستوى الفني؟
- ما التقانات الأسلوبية التي ميزت بنية القصيدة؟
مقدمة
الجمال هبة من الله تعالى قسمه بين عباده حين خلقهم في أحسن تقويم، حيث قال تعالى )لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(([2]) وجعل لكل شخص نصيبا منه في رؤيته لنفسه، وفي نظر الآخرين إليه؛ فالجمال وحدة في تنوع وتنوع في وحدة، مزاجه الانسجام والاتساق والتناسق والتناسب، وهي كليات عامة لا تخضع لضوابط متفق عليها في العالم، إنَّ الجمال صنع الله تعالى بديع السموات والأرض، جعله في نظام الكون واتساقه ودقته وتوزيعه وفق نظام محكم )صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ(([3]).
ليس للجمالِ مقياسٌ واحد بين بني الإنسان، فما قد يراه شخص أو جماعة في بيئة معينة جميلا ، وفق منظومة نفسية وشبكة علاقات اجتماعية مخصوصة، وضوابط تتبلور ضمن سياق ثقافي معين، قد يراه آخرون في بيئة أخرى أقلّ جمالا أو غير جميل، وربما فضلوا شيئا على شيء وشخص على شخص وصورة على صورة،؛ بل في البيئة نفسها تختلف زوايا النظر إلى معايير الجمال ضمن المنظومة الفكرية والنفسية والثقافية. “فالجمال هنا يقع ضمن نمط من المفاهيم المطلقة الأخرى مثل الحقيقة والخيرية، والتي تبرر ميولنا وتوجهاتنا العقلانية”([4])
ومن يتأمل في ثقافات الشعوب في أفريقيا يجد معايير للجمال تختلف عن ثقافات شعب الأمازون، وفي الهند وجنوب شرق أسيا معايير تختلف عن معايير منطقة الشرق الأوسط، وفي أوروبا وأمريكا وأستراليا، تختلف المعايير، وحين أقول معايير لا ينبغي أن يتبارد إلى ذهن المرء سوى أسس للذوق العام تخضع للثقافة المتأصلة داخل المجتمع، ينطبق هذا على ملامح الجمال في الموجودات البيئية والطبيعية ينسحب على صورة الإنسان كذلك، إذ إنَّ المرء لو تأمل في حال المرأة الجميلة بين تلك الشعوب لا يكاد يقرّ له قرار، وربما يشعر بخيبة أمل إذا كان يفترض وجود مقياس واحد استقر في ذهنه للجمال، ولو أنعم الفرد النظر حوله في ثقافات الأمم والشعوب فسوف يرى عجبا، فذلك الرجل الذي يضع طوقا في فمه يعيش حالة من الهيام بامرأة مثله مشقوقة الشفة السفلى تضع في فيها قطعة دائرية لتوسيع الشفتين، وآخر يهيم شغفا بامرأة يراها شخص في مجتمعه غير جميلة، وكلُّ امرئ منهم يهيم عشقا في محبوبته التي ارتبط معها بشبكة من العلاقات النفسية والاجتماعية التي تربَّى عليها، منذ نعومة أظفاره، وهو يراها بمقياسه النَّفسي والشَّخصي، غير ما يراها عاشقها، فلكلّ امرئ مقياس وزاوية للنظر، فشخص يميل للسوداء وآخر للسمراء وغيره للشقراء وهذاك للسمينة المكتنزة، وذلك للنحيفة المهيضة الرشيقة، وآخر للطويلة فارعة الطول، وغيره يعشق الربعة والقصيرة ، وكلٌّ يغني على ليلاه.
“فنموذج جمال الذَّكر أو الأنثى مثلا غير ثابت؛ بل إنه يتغير بتغير الأزمان والبيئات والحضارات”([5]) وفي المجتمع الذي يعيش فيه المرء –أيضا- لا يوجد مقياس واحد للجمال، فهذا امرؤ يهيم عشقا بامرأة لو عرضوها عليه ليتزوجها قبل أن تتزوج ربما كان سيرفض لأنه لا يشعر بانجذاب نحوها، حتى لو شعر بانجذاب نحوها ووافق، فربما هي ليست مقتنعة به، وغير راغبةٍ في الاقتران به، فقد لا تعجبها سحنت ومنظره، أو سلوكه ومظهره، وهي تفضل غيره وترى فيه فارس أحلامها، والناس تتعجب ممن وقع عليه الاختيار فقبلت بها زوجا، أو قبوله بها زوجة له، فالمسألة في غاية الدقة والتعقيد، ولا تخضع لمقياس محدد في الحالات الطبيعية التي يكون للمرء فيها حرية الاختيار، والحب لا يعرف حدودا؛ لأن القلب معه هو بوتقة التفاعل ومنظار الرؤية التي تنعكس على العين فتجمل الأشياء وتزينها أو تقبحها وتجعلها غير مستساغة، وكما قال أبو بصير أعشى قيس:
عُـلّـقْـتُـهَـا عَـرَضـاً، وَعُـلِّـقَـتْ رَجُــلاً | غَـيـرِي، وَعُـلِّقَ أُخـرَى غَيرَهَا الرَّجُلُ | |
وَعُــلِّــقَــتْــهُ فَــتَــاةٌ مَـا يُــحَـــاوِلُـــهَــا بها | مــن أهــلــهــا مَــيّــتٌ يهـذي بِهَا وَهِلُ | |
وَعُـلِّـقَـتْـنِـي أُخَـيْــرَى مَـا تُــلائِـمُــنِـي | فَـــاجــتَـمَـعَ الـحُــبّ حُــبّ كُــلُّــهُ تَــبِلُ | |
فَـكُـلّـنَـا مُـغْـرَمٌ يَــهْــذِي بِــصَــاحِــبِــهِ | نـــاءٍ وَدَانٍ، وَمَــحْــبُــولٌ وَمُــحْــتَــبِلُ([6]) |
تصور الأبيات السابقة عينة واقعية تمثل جانبا من جوانب اختلاف زاوية النظر إلى مفهوم الجمال، فكلُّ واحدٍ من هؤلاء الأشخاص متعلقٌ بشخصٍ لا يبادِلُه مشاعر الحب والألفة؛ بل يتعلق بشخص آخر هو بدوره واقع في عشق شخص آخر، وكلُّ واحد منهم متيم بمحبوبه الذي لا يستطيع الاقتران به، نظرا لاختلاف الأمزجة والميول العاطفية.
هي أذواق تتقلب وأمزجة تتفاوت في نظراتها وأحكامها، وأفئدة تتلوى في بوتقة العشق، تذوب في شبكة الإحالات النفسيَّة، إنَّ كلَّ شعبٍ من شعوب الأرض راض –بالجملة- عن مقاييسه، وقد يشذُّ بعضهم عن مقياس الرضى الاجتماعي العام، لأسباب اقتصادية وطموحات شخصية، وتطلعات ذاتية أو إحباطات نفسية، وأمراض سيكوباتية تدفع أحد الأفراد أو مجموعة منهم إلى الانتقاص من مواصفات الجمال التي توافرت في مجتمعهم، وربما تعدى الأمر ذلك إلى حدّ الانتقاص من صفاته الشّكلية، وهو ما يعرف في علم النفس بالتقدير السلبي للذات([7]) من قبيل تلك الدوافع التي دفعت الحطيئة إلى أن يهجو نفسه حين قال:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلُّما | بشرٍّ فما أدري لمن أنا قائلُه | |
أرى لي وجها شوَّه اللهُ خلقهُ بها | فقِّبح من وجه وقبح حاملُه([8]) |
الشاعر الحطيئة لم يكن يروقه شكله، ويشعر معه بالأسى، وربما هذا الأمر كان دافعَه للتمرد على مجتمعه، وسن شفرات لسانه للنيل من الآخرين بهجاء مقذع، ليس على سبيل المزاح بل هجاء تعرَّض بسببه للسجن في عهد عمر t ليكفّ لسانَه عن أعراض المسلمين، كذلك كان الناس يتحاشون سلاطة لسانه بالمال والأعطيات، حكي أبو الفرج الأصفهاني: ” قدم الحطيئة المدينة فأرصدت قريش له العطايا خوفا من شرِّه”([9])
مثلُ هذا الشخص الذي ينتقص من نفسه ويُقَزِّمُهَا، لا يتحلى بسُلُوكٍ اجتماعي سويّ، ولا بحالة نفسية متزنة، وفِعْلُهُ يُعْزَى إلى أسباب نفسيه ترجع إلى مراحل التربية الأولى، والمؤثرات التي تسبب للإنسان مجموعة من الصدمات النفسية والعاطفية في مراحل حياته المختلفة، وقد يصبح معها إحساسه بالجمال مشوشا.
يعزى كذلك السلوك غير السويّ إلى خلل في مراحل التعليم يفضي بالشخص إلى حالة من الاغتراب النفسي يدفعه إلى الضياع والعزلة والصراعات النفسية وشرود الذهن وسحطة العلاقة مع الآخرين، والضياع وفقدان الثقة([10])
أولئك النفر الذين لا يتذوقون جمال الكون، بهندسته وتنظيمه واتساقه وانسجامه وتوزيع مساحاته بتوازن وانتظام، وأولئك الذين لا يرون في الورد سوى شوكه، ولا يرون من الإنسان إلا ما يظنونه عيبا – ينطبق عليهم قول أبي ماضي:
والذي نفْسُهُ بِغَيْرِ جَمَالٍ | لا يرى في الوجودِ شيئا جميلا([11]) |
إنَّ تذوق الجمال الطبيعي نعمة لا تتأتى إلا لمن عرف دربه، ووعى ذاته، وأدرك مكونات الكون حوله بعمق ودراية، وحينها فقط سيراه في مكونات الوجود يقول إيليا:
عشْ للجمال تراه العين مؤتلقا | في أنجم الليل أو زهر البساتينِ | |
وفي الرّبى نصبت كفّ الأصيل بها | سرادقا من نضارٍ للرياحينِ | |
وفي الجبال إذا طاف المساء بها | ولفّها بسرابيل الرّهابين | |
وفي السواقي لها كالطفل ثرثرة | وفي البروق لها ضحك المجانينِ | |
وفي ابتسامات أيار وروعتها | فإن تولّى، في أجفان تشرين | |
لا حين للحسن ، لا حدّ يقاس به | وإنّما نحن أهل الحدّ والحين | |
فكم تماوج في سربال غانية | وكم تألق في أسمال مسكين | |
وكم أحسّ به أعمى فجنّ له | وحوله ألف راءٍ غيرُ مفتونِ | |
عشْ للجمال تراه ههنا وهنا | وعش لهُ وهوَ سرّ جِدُّ مَكْنُوْنِ | |
خير وأفضل ممن لا حنين لهم | إلى الجمال، تماثيل من الطين([12]) |
الجمال يتوفر في كثير من مكوِّنَات الطَّبيعة، ولكن يلزم لرؤيته نفسٌ رقيقةٌ تنعكس مظاهرُ الجمالِ على صفحتها، فتنزع إلى تذوقه، وتلمّس ملامحه، وتشتاق إلى تأمله في أدقّ الأشياء، فيندفع الشخص إلى تتبع تفصيلاته فيها، والذي تنطوي نفسه على إحساس مرهف ونفسٍ تتَّسِمُ بالسَّوَاءِ والانْسِجام، يحبُّ الوجود ويعرف قيمة الجمال النابع من الخير والانسجام والتنوع والالتئام والاتساق والتناسق.
“كما أن من كان معتدل المزاج إذا أبصر الجميل وأدركه بالعين الظاهرة أحبه ومال إليه”([13]) ويزداد المرء للجمال حين يتأمله بمشاعره ويشتاق إليه بقلبه، فيزداد تعلقا به.
إنَّ نفسَ المرءِ قد تشرئب للاستمتاع بجمال خارج عن إطار مجتمعه؛ بل إنَّ بعضَهُم قد يهاجم مقاييس مجتمعه، وينادي بالإطاحة بها متناسيا منطق النسبية واختلاف زوايا النظر إلى الجمال في الأشياء عامة، والجمال الأنثوي على وجه الخصوص.
العقلاء يتعلقون بالجمال، ويميزون ملامحه، والذين تنطوي أنفسهم على عقد نفسية لا يكادون يعرفون معنى الجمال ولا يميزون ملامحه، وكما يقول العقاد:
والحسنُ يعشقه الكريمُ وربما | أضرى لئيم النفس بالنزعاتِ | |
كالبدر يأتمُّ السراة بنوره | ولقد يضيء مواقع الشبهاتِ | |
فاحذر فإن مع الجمال لغرةً | وأراك تأمنُ جانب الغفلاتِ | |
واحرس جمالك فالجمال وديعة | لله ترعاها إلى ميقاتِ([14]) |
لكلِّ شخص حرية في رؤية ما يريد أن يراه جميلا؛ لكن ليس له حق الانتقاص من رؤية غيره حين ينظر إلى شيء من زاوية غير زاويته، فزوايا النظر قطعا تختلف ولو بدرجة من الدرجات، كما أن انعكاس الصور في ذهن المرء بعد وقوعها في شبكية العين يختلف بين شخص وآخر، وكما ينبغي لصاحب الذوق والإحساس أن يحس بجمال الأشياء فعليه أن يحافظ على جماله فهو هبة من الله ينبغي أن يحافظ عليها في مظهره وفي سلوكه، فلا يسلك مسلك، ولا يأتي سلوكا، ولا يتصرف في شيء إلا بما يرضي الله تعالى الذي خلقه ووهبه نعمه ظاهرة وباطنة، ففي الحديث “إن الله جميل يحبُّ الجمال”([15]).
وفي هذا السياق الذي يؤكد اختلاف زوايا الرؤية لمفهوم الجمال: “ذكروا أن أبا الأسود ابتاع جارية، وكان بها حول، وكانت تعجبه، فعابها بعض أهله وتنقصوها، فقال في ذلك:
يَعيبُونهَا عِندي وَلا عَيبَ عِندَها | سِوى أَنَّ في العَينينِ بَعضُ التَّأَخُرِ | |
فَإِن يَكُ في العَينَينِ شيءٌ فَإِنَّها | مُهَفهَفَةُ الأَعلى رَداحُ المُؤَخَّرِ | |
قَطُوفٌ إِذا تَمشي تَخالُ دِماءَها | تَسايَلُ أَو تَبدو لَها بتَقَطُّرِ([16]) |
زاوية الرؤية التي انطلق منها أبو الأسود الدؤلي –كما يبدو- زاوية إنسانية، مختلفة عن زاوية أولئك الذين نظروا إلى ملامح النقص في الشكل الخارجي وفق قناعاتهم، رؤيته إذن مفعمة بالتعاطف، فبعض ما رآه الناس عيبا، يمكن أن ينجبر في مخيلته بما يراه هو من ملامح الحسن.
الجمال هندسة وتنظيم واتساق وتناسق وانتظام، ومشاعر ملؤها الإحساس والتقدير، إنه فن ينضاف إلى روح المرء فيزيدها رقة وإحساسا مرهفا، فتقدير الآخرين جمال في الروح وروعة في السلوك وإبداع في التأمل ومراعاة مشاعر الآخرين، ومن يفتقد تلك المشاعر تنسحب من حميا مشاعره قيمُ التذوق والإحساس.
إنَّ الإحساس بالجمال وما فيه من تناغم يدهش المرء بانتظامه بدعوة من باطن النفس، وقوة حرة تلقائية من جهة الشيء نفسه([17])
ويتجاوز الإحساس بالجمال حدود المحسوسات إلى القيم المجردة، فيرتبط بملامح الحق والخير والصفات الحميدة والفضائل ومعالى الأمور والترفع عن سفاسف الحياة، إنه قيم جمالية يتراكم بعضها فوق بعض لا حدود لتجلياتها النفسية، لقد انتبه العرب إلى هذه القضية، فبحثوا عن الجمال في النفس حين تتحلى بفضائل الأعمال كما تلمسوه في الجمال الحسي، يقول الشاعر عمر بن معدي كرب:
ليس الجمال بمئزرٍ فاعلم | وإن رُدِّيت بردا | |
إنَّ الجمال معادنٌ | ومناقبٌ أورثن مجدا([18]) |
فالجمال كامن في الشرف والرفعة، والسؤدد وما يجلب المجد للإنسان، وليس في الشكل والمظهر، إنه جمال روح ونقاء نفس ورفعة أخلاق، وترفع عن النقائص التي تجلب العار، إن الذي يترفع عن اللؤم والخداع والجبن والخيانة، ويتحلى بالشجاعة وحسن السيرة في قومه يكون جميلا ويعلو شأنه في المجتمع، يقول السموأل بن عادياء:
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ | فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ([19]) |
وفي هذا السِّياق استوقفت الباحث قصيدة الشاعر الرَّاحل سميح القاسم، التي سمَّاها (ليست جميلة) ونشرها ضمن ديوانه (مواكب الشمس)، في خمسينات القرن العشرين الماضي، تحديدا في السنة الثامنة والخمسين بعد التسعمائة وألف ، فلمستُ فيها رقة شاعر شاب، مفعم بالإحساس الإنسانيّ النبيل، بما حمله من تعاطف مع روح إنسانة نبذها المجتمع حين منحها صفة تكوي روحها وتنغص عليها حياتها، وهي مخلوقة بريئة تنطوي نفسها على مشاعر فياضة وإحساس إنساني جميل، هي أنثى مفعمة بالرقة والإحساس، ليس ذنبها أنَّ البعض يراها غير جميلة، نظرا لاختلاف مفاهيم الجمال من شخص لشخص، يقول الشاعر:
ليست جميلة!
لكنَّها أنثى
وبين ضلوعها قلب يحبّ
وليس من يُشفي غليله
وهي التي ليست جميلة([20])
باتت اللازمة (ليست جميلة) سوطا يجلد قلبها الحزين، المتعطش إلى قلب يجد فيه التئام روحه وسكينة نفسه، إنَّ مفتتح الدوال بالسلب لصفة الجمال مشفوع باستدراك يؤكد رؤية الشاعر للمعاني الإنسانية حيث يؤكد أنَّ هذه الإنسانة رغم رؤية بعضهم لها من زاوية واحدة يمكن التعاطف معها حين ينظر إليها بروحه ومشاعره الخاصة؛ فتغوص مشاعره في حميا مشاعرها ليكتشف أنها تفتش عن حب إنساني نبيل، وأنها لا تستحقُّ أن تجلد بسياط الألسنة؛ بل من حقها أن تحب وتحبُّ وتعيش حياتها الإنسانية بكل تفصيلاتها الحيوية. لقد دفعتها نظرة القساة إليها إلى الإصرار على التفتيش عن شخص يخرجها من حالة الانكسار والضياع والتمزق، لكي لا تنغمس في حالة اغتراب وفقدان المعنى وحينها قد تنعدم لديها القدرة على مواصلة الحياة.
وعلى توسل مقلتيها
حملت فؤادا صارخا في جانحيها
حملته ثم رمت به في كلِّ دربِ
في كلِّ درب
ألقت فؤادا جائعا([21])
جوع الفؤاد هنا يشي بالشوق للسكينة والتوق للحب الذي ينشر السكينة في زوايا الروح وأركان الكيان الإنساني، ويشي بأنها رغم ما يشيعون عنها تحمل قلبا نابضا من حقه أن يجد نصفه الآخر الذي يهدهده وينشر عليه ظلال الألفة والمحبة.
ويمرُّ عنه العابرون
وتدوسه نظراتهم في سخرية
ويقهقهون:
ليست جميلة! ([22])
رغم هذا الشوق الممزوج بأحاسيس الشغف و لهيب التوق، يمر العابرون ليبرهنوا افتقارهم إلى المشاعر النبيلة، إذ لا يكتفون بعبو ر في وقار وسكينة ورحمة وتعاطف؛ ولكنهم يجلدونها بسياط ألسنتهم باللازمة (ليست جميلة.)
ويغور في أعماقها مرُّ الرنين
صوت يسعّر في الحنايا بؤسها
صوت يجرح نفسها
صوت يقول بسخرية:
ليست جميلة”..([23])
يصور المقطع انعكاس الألم في نفس الفتاة على إثر سياط الكلمات التي تجلد قلبها (ليست جميلة) يتجلى ذلك بتكرار الدالّ (صوت) ثلاث مرات مع تبادل المضاف إليه وتنوعه (يسعر- يجرح- يقول) لكي يعزز وشاية الألم يرتبط الدالان (يقول بسخرية) إذ إن القول في ذاته مؤلم واقترانه بالسخرية يزيد الأسى ويعمق الجرح النفسي، الذي يتردد صداع في حركة متصاعدة وكأنه صدى يتردد في أغوار بئر نفسي سحيق ويظل يتصاعد (ليست جميلة)
وتطلًّ من شباكها الجهم الحزين
ملهوفة العينين خرساء الأنين
وتظل ترقب علها تلقاه بين العابرين
ذاك الذي سينير أيام الشباب
ويزيل ما زرعته فيها من عذاب
ليست جميلة! ([24])
ولأنها إنسانة موجوعة مفعمة بالمشاعر، باتت تتكئ على جرحها، وتتسامى على آلامها، حتى نمت في قلبها بقية من أمل في أن تجد من يؤنس وحدتها، ويهدهد لواعجها، ويملأ بالنور ما تبقى من أيام شبابها الحزين، وينزع اشواك الزمن التي تخز قلبها بإبر (ليست جميلة) وسياطها اللاهبة المؤلمة، وتبقى على زهرة الأمل رغم سياط الألم تنمو شيئا فشيئا:
وتظلُّ ترقب في الدجى المحزون فجرا من حنين
ويمرّ بين العابرين
ويرى محياها الحزين
فتحبه، ويحبها
ويعبُّ من خمر الأماني قلبها([25])
تشي الدوال (ترقب- فجرا- حنين) بمخزون لا ينضب من الرغبة في الحياة وارتشاف رحيق السعادة والألفة، من خلال ما يحاصر أملها من الشيء المختزن في الدوال (الدجى – المحزون) بما فيه من رهبة ولوعة، وتزدهر -بعد طول انتظار- زهرة الحياة في قلبها حين يمر المحبوب المنتظر الذي يجد فيها نصفه الآخر حيث يقع سهم الحب في قلبيهما فتتعانق الروحان يونتشي قلبها المكلوم ويخرج من آلامه وأحزانه فينتشي من كؤوس الأماني حتى الثمالة.
وأنا الذي قد مر بين العابرين
ورأى محياها الحزين
فأحبها وأحبها
وهي التي ليست جميلة! ([26])
تتجلى رؤية الشاعر ومخزون مشاعره وإحساسه بالجمال، في المقطع الأخير الذي يشكّل نهاية المشهد الحزين الذي بات يتنامى من خلال صراع نفسي مرير في قلب فتاة لا يراها الناس جميلة، ولكن الشاعر يقع في حبها رغم يما يقال عنها، إنها ليست جميلة في عرف الناس ولكنها جميلة قلبه ومراد حبه المتوج على عرش الجمال.
سمات أسلوبية في القصيدة:
المستوى الصوتي:
تسهم مجموعة الأصوات التي تشكل النسق الشعري، في تقديم نموذج نصي حيوي يعبر عن الحالة الشعورية الملابسة لعملية الإنتاج الشعري، وفي هذا السياق تم إحصاء الأصوات المكونة للقصيدة في إطارها العام، ثم توزيعها على أساس الصفات الأساسية المكونة للأصوات اللغوية.
التكرار الصوتي لمكونات الصوت اللغوي في القصيدة:
أحصت الدراسة التكرار العام للأصوات المنطوقة في القصيدة، مع الفصل بين الهمزة وصوت الألف، وعدّ التاء المربوطة في أواخر السطور هاء لأنها تنطق هاء، وعد التنوين نونا على النحو التالي:
جدول رقم(1) يبين تكرار الأصوات في القصيدة
ص | ت | ص | ت | ص | ت | ص | ت |
أ ا | 13 37 | د | 7 | ض | 1 | ك | 5 |
ب | 27 | ذ | 4 | ط | 1 | ل | 57 |
ت | 29 | ر | 28 | ظ | 3 | م | 32 |
ث | 2 | ز | 6 | ع | 15 | ن | 44 |
ج | 13 | س | 17 | غ | 2 | ه | 40 |
ح | 17 | ش | 3 | ف | 16 | و | 32 |
خ | 5 | ص | 4 | ق | 12 | ي | 7 |
مجموع | 143 | 69 | 50 | 217 | |||
المجموع الكلي | 479 |
مفتاح الجدول: ص = الصوت ت = التكرار
جدول رقم (2) يبين تكرار الأصوات المجهورة والمهموسة
الأصوات المهموسة والمجهورة | |||
الأصوات المهموسة | الأصوات المجهورة | ||
ص | ت | ص | ت |
ح | 17 | أ | 13 |
ث | 2 | ا | 37 |
ه | 40 | و | 32 |
ش | 3 | ي | 7 |
خ | 5 | ر | 28 |
ص | 4 | ز | 6 |
ف | 16 | ض | 1 |
س | 17 | ظ | 3 |
ك | 5 | ع | 15 |
ت | 29 | غ | 2 |
ق | 12 | ب | 27 |
ط | 1 | ج | 13 |
د | 7 | ||
ذ | 4 | ||
ل | 57 | ||
م | 32 | ||
ن | 44 | ||
مجموع | 151 | مجموع | 328 |
جدول رقم (3) يبين نسبة استخدام الأصوات المجهور والمهموسة
الصوت | مرات الاستخدام | النسبة المئوية | ||
المجهور | 328 | 68.5% | ||
المهموس | 151 | 31.5% | ||
المجموع | 479 | 100% |
يتبين من الجدول السابق والرسم البياني أن نسبة الأصوات المجهورة التي بلغت 68.5% أعلى بكثير من نسبة الأصوات المهموسة التي بلغت نسبتها 31.5% وهو أمر طبيعي ،لأن نسبة دوران الأصوات المجهورة في الكلام العادي أكبر من نسبة الأصوات المهموسة، لأن الصوت المجهور أكثر قوة ووضوحا في السمع من نظيره المهموس([27])
ومع ذلك فإنَّ نسبة الأصوات المهموسة في القصيدة منحت النص رقة وجمالا يضافان إلى الوضوح والقوة الناشئتين عن الأصوات المجهورة، وهي أمر ينسجم مع موقف الشاعر الثائر الذي مزج بين ثورته ورقة أحاسيسه ونبل مشاعره في التعامل مع المشهد الإنساني، يؤكد هذا ارتفاع نسبة تكرار صوت الهاء المهموسة التي بلغت مرات استخدامها أربعين مرة، وهو صوت يمنح النص ما يشبه التنهيدة والزفرة التي تتساوق مع المشهد المؤلم للفتاة، كذلك تكرار صوت الألف سبعا وثلاثين مرة، الذي سجل أعلى نسبة من بين الأصوات المجهورة منح النص انسجاما مع الحالة الشعورية وفتح فضاء الدوال التعبيرية وزاد الإيقاع امتداد زمنيا مؤثرا.
بنية الإيقاع
اتكأت القصيدة على إيقاع التفعيلة وفق نظام السطر الشعري المبني على تفعيلة (متفاعلن) التي تتكون من ثلاثة مقاطع صوتية قصيرة ومقطعين طويلين (ب ب – ب -) وتزيد مقاطعها الطويلة بالإضمار وهو تسكين ثاني السبب الثقيل في أولها فتصير متفاعلن بتسكين التاء، فتتحول إلى (مستفعلن)([28]) (- – ب-)، وتزيد مقطعا طويلة بالترفيل وهو زيادة سبب خفيف على آخرها([29]) فيزيد فيها مقطع طويل إضافي، (مستفعلاتن) نحو (ليست جميلة) (مستفعلاتن) وهي تفعيلة تمنح النسق الشعري، قوة في النغم وجلجلة في الإيقاع، ومساحة زمنية مناسبة للتعبير عن الحالة الشعورية؛ لأن “الوزن يضمن تكرر الصورة الصوتية بنفسها في صورة التفعيلات، ويخلق توازنات صوتية تنتظم بها الألفاظ والعبارات، فتخلق إيقاعا موسيقيا يغاير في جوهره اللغة العادية”([30])
تعانق إيقاع التفعيلة في مطلع المقطع الأول من القصيدة بالتدوير الذي يطيل مساحة الدفقة الشعورية دون توقف، حيث قال:
ليست جميلة! (–ب – -) (مستفعلاتن)
لكنها أنثى (- – ب – مستفعلن / – – مستفْ)
وبين ضلوعها قلب يحبّ (ب – علن/ ب ب – ب – متفاعلن/ – – ب – مستفعلن/ ب م)
وليس من يُشفي غليله ( ب – ب -تفاعلن/ – – ب – – مستفعلاتن)
وعلى مستوى نغم القافية، وظف الشاعر عددا من القوافي المتجانسة بين السطور على النحو التالي: (جميله- غليله – جميلة- مقلتيها – جانحيها- درب- درب- العابرون- سخرية- يقهقون- جميلة- الرنين- بؤسها- نفسها-سخرية- جميله- الحزين- الأنين-العابرين-الشباب- عذاب- جميله-حنين- عابرين- حزين- يحبها- قلبها- العابرين- الحزين- وأحبها- جميلة ) حيث توالت الاستبدالات بين أصوات الروي في نسق القافية، بما يزيد ثراء النغم ويثري الإيقاع ليناسب الجو النفسي.
التكرار:
” أسلوب التكرار سمة جمالية يمكن أن تمنح النص الشعري قيمة جمالة فهو “يستطيع أن يغني المعنى، ويرفعه إلى مرتبة الأصالة، ذلك إن استطاع الشاعر أن يسيطر عليه سيطرة كاملة، ويستخدمه في موضعه” ([31]) برز التكرار في القصيدة بوصفه ملمحا أسلوبيا أسهم في ثراء المشهد بالإلحاح، حيث تكررت لازمة (ليست جميلة) بدءا من العنوان حتى نهاية لحظة التنوير الدرامية أو نهاية القصيدة، في إطار الإشكالية النفسية التي تتعرض لها، مع تكرار الدال صوت بوصفه رمزا للجملة الساخرة (ليست جميلة )
ويغور في أعماقها مرُّ الرنين
صوت يسعّر في الحنايا بؤسها
صوت يجرح نفسها
صوت يقول بسخرية:
ليست جميلة
يمكن تصوّر شكل الدال (صوت) في تبادل انزياحات ارتباطه الدلالي على النحو التالي:
دلالة تكرار (صوت) مع تنوع الجمل الوصفية لهذا الصوت تعمق جو الألم في نفس الفتاة، لأن أثر الصوت المتكرر يتردد بأشكال مختلفة؛ فهو يشعل مشاعرها ويلهب أحاسيسها، ويجرح فؤادها ويوهن عزيمتها بعمق السخرية التي تكوي الفؤاد، حيث تفضي إلى الجملة (ليست جميلة)
ويتكرر الدال (العابرون – العابرين ) فالعابرون بصيغة الرفع أصابوها بالإحباط؛ ولكنهم لم يفقدوها توازنها فظلت تنتظر (العابرين) بالنَّصب لعلّها تلقى شخصا بينهم، فكان الشاعر هو الذي مرَّ وأحبها بشغف، بدلالة تكرار الدال (أحبها وأحبها) تعميقا لمشاعر الحب الإنساني النبيل.
تكرر كذلك دالُّ الترقُّب مرتين (وتظل ترقب علَّها تلقاه بين العابرين) (وتظلُّ ترقب في الدجى المحزون فجرا من حنين) تكرار لترقب الأمل وسط العذاب لعله فجره يطل حاملا معه طيف الحبيب المنتظر وفارس الأحلام المرتقب ذاك الذي سيزيل عن فؤادها المكروب ليل العذاب الذي ألقى بثقل همومه على قلبها وملأه بالأسى والأنين.
التقديم والتأخير:
من الملامح الأسلوبية البارزة في النص تقديم ما حقه التأخير في عدد من السياقات، ما يعمق الدلالة ويؤكد المعنى ومن أمثلة ذلك: (ويمرُّ عنه العابرون) حيث تقدم شبه الجملة عنه لتعميق الأسى ومثل ذلك (ويغور في أعماقها مرُّ الرنين ) فالترتيب الطبيعي للجملة يكون بتأخير شبه الجملة؛ ولكن تقديمه على الفاعل يسهم في قصر الحكم وحبسه وتعميق القضية في وجدان الفتاة.
وفي تقديم آخر يقول (وتظلُّ ترقب في الدجى المحزون فجرا من حنين) فالترقب في الدجى بوصفه رمزا للظلم رغم ما يبدو للوهلة الأولى من كونه العتمة، يفتح فضاء النص على استكناه درجة الأسى التي تدفعها إلى التَّرقُّب والانتظار في وسط اجتماعي مفعم بالظلم، ومثل ذلك قوله: ويعبُّ من خمر الأماني قلبها([32]) فتقديم الجار والمجرور المزدوج بحرف الجر والإضافة على الفاعل قلبها مع الانتباه إلى توظيف من التي تفيد التبعيض حين دخلت على المفعول به المتقدم يؤكد أنّ بصيص أمل بات يطل عليها من بين ركام الأحزان.
الجمل الاسمية والفعلية:
بلغت نسبة استخدام الجملة الفعلية سبعا وعشرين مرة، بنسبة 69%، مقارنة باستخدام الجملة الاسمية، التي استخدمت اثنتي عشرة مرة بنسبة 31%، بالنظر إلى أن الجملة الفعلية تفيد الحركة والاضطراب في الحدث وعدم الاستقرار، وأن الجملة الاسمية تفيد إلى حد ما الثبات، إضافة إلى أن بعض الجمل الاسمية كان خبرها أيضا جملة فعلية، يضاف إلى هذا أن الأفعال المضارعة في الجمل الفعلية استخدمت تسع عشرة مرة بنسبة 71% مقارنة مع الأفعال الماضية التي استخدمت ثماني مرات بنسبة 29%، يتبين أنَّ توظيف الجملة الفعلية مناسب للحالة الشعورية في المشهد الدرامي الذي صورته القصيدة، كما أن الأفعال المضارعة تفيد استمرار الحدث وتواصل التوتر النفسي، وهي حالة تتناسب مع طبيعة القلق الناتجة عن الألم والترقب الذي وقعت فيهما الفتاة التي برزت في المشهد الشعري، يعمق هذا المشهد المأساوي تكرار الجملة الاسمية (ليست جميلة) التي تشي بثبات حالة الاستهزاء، واستقرار الصفة التي وصمها بها المجتمع وسببت لها عذابا.
الحقول الدلالية:
ترتكز الحقول الدلالية في القصيدة على عنصرين بارزين هما العذاب والأمل
حقل العذاب:
ويمكن أن يندرج تحته الدوال التعبيرية التالية:
(غليله- صارخا- توسل- جائعا- سخرية- يغور- مرّ- يسعر- بؤسها- يجرح- بسخرية- الحزين- عذاب- الدجى- الحزين.) وهي الدوال المسيطرة على النسق الشعري بما يلائم حالة الضياع والألم الناتج عن السخرية والأسى المتغلغل في فؤادها نتيجة شعورها بالنبذ وعدم القدرة على إيجاد الشخص الذي يبادلها الحب.
حقل الأمل
وردت دوال تعبيرية يمكن جمعها في حقل الأمل رغم قلتها مقارنة مع دوال العذاب، وهذا أمر طبيعي في مثل هذه الحالة، وهذه الدوال هي: (يشفي- يحب- يزيل- ترقب –فجرا- حنين- تحبه- يحبها- أحبها) فرغم السخرية والأسى لم تفقد الفتاة بصيص الأمل في إيجاد شخص يحبها وتحبه.
البنية الدرامية:
أفاد الشاعر من تقانة القص والسرد على مستوى التركيب والتصوير، إذ إن عملية التفاعل بين الأجناس الأدبية بات سمة بارز من سمات الأدب المعاصر يسعى الكتاب إلى تصوير أفكارهم ومشاعرهم بالإفادة من جماليات الفنون المختلفة.
“إنَّ السرد أصبح تقنية منظمة في نماذج كثيرة من الخطابات الشعرية، وللسرد الشعري آليات إنتاج نصية تعتمد تشكيلا لغويا عماده الفعل والفاعلون، أو ما يعرف بالوظائف السردية”([33])
تصور القصيدة حكاية فتاة تعاني من عدم قبول شباب المجتمع الاقتران بها على اعتبار أنها غير جميلة، ما يسبب لها ألما ومعانا تعمق مأساوية المشهد، بما ينتج عنه من صراع خارجي مع ثقافة المجتمع الضاغط الذي يسبب لها معاناة تثير فيها نزعة الحنين للاستقرار النفسي، كباقي بنات جنسها اللاء ينعمن بالقبول وراحة البال، فينمو في نفسها صراع بين الواقع والمأمول، في جدلية البحث عن الذات وترسيخ معالمها، فهي إنسانة لها قلب يحس ومشاعر تفيض، وينمو الحدث الدرامي مصورا ما تعانيه في رحلة بحثها عن نصفها الثاني في وسط اجتماعي ظالم، لا يرحم قلبها ولا يراعي مشاعرها ولا يحنو عليها، هذا الصراع يدفعها إلى الإصرار على عكس المتوقع في مثل هذه الحالة التي تجبر صاحبها على التقوقع والانسحاب من المجتمع، شعورا بالإحباط، ورغبة في التلاشي، إن رغبة البقاء تزيد الأمل في قلبها وتدفعها للانتظار رغم سياط السخرية، وكلمات الاستهزاء، التي تزيد المشهد تعقيدا، فالأصوات الساخرة تشعل فيها نار الإحساس بالبؤس والاضطهاد، وتزيد نار العذاب، وتنعكس على ملامح وجهها فيزداد شحوبا وحزنا، وتنمو في قلبها مشاعر اللهفة والأسى، وتظل تفتش في أسى درامي عمن يشملها بالحنان ويبادلها مشاعر الحب التي تهدهد لواعجها، وتسكن فؤادها النابض شوقا وحنينا، ويسجل الشاعر قصتها بوصفه الراوي العليم الذي يطلع على تفصيلات مشاعرها من خلال رؤية تسبر أعماقها فيندفع للتعاطف معها، ولكنه قبل أن يصرح بذلك أشار إلى أن المحبوب قد مر بين العابرين دون أن يصرح باسمه أويبرز شخصه، ويبقى ذلك إلى نهاية القصيدة.
وفي خضم الأزمة ونمو الحدث المتصاعد والصراع المزدوج بشقيه الخارجي والداخلي، يقدم الراوي صيغة للحل الإنساني وتبقى لحظة التنوير في المشهد الدرامي مفتوحة على مصراعيها للتوقع، وكأن الشاعر يريد من المتلقي أن يشاطره مشاعر الإحساس بالحالات الإنسانية التي تشبه حالة تلك الفتاة المعذبة.
الخاتمة
بعد المقاربة التحليلية للقصيدة خلصت الدراسة إلى النتائج التالية:
- ليس للجمال مقياسٌ محدد يقاس به، حيث تختلف زاوية النظر إلى الأشياء الجميلة تبعا لاختلاف وجهات النظر، وتباين الثقافات والميول والرغبات.
- يمكن أن يلمح الإنسان السَّوي الجمال في التناسب والاتساق والانسجام والتناغم والوحدة والتنوع، في شكل الإنسان ومظاهر الطبيعة.
- أبدى الشاعر سميح القاسم تعاطفا إنسانيا مع قضية المرأة التي يضطهدها المجتمع حين يصفها بعضهم بأنها ليست جميلة، وقدم نموذجا إنسانيا للتعاطف حيث تخيل نفسه المنقذ والمخلص الذي يقع زيل عن نفسها لواعج الحزن، ويبعث فيها الأمل في حياة ملؤها الحبُّ والتفاؤل.
- تقع الفتاة التي لا تمتلك قسطا من الجمال المادي الصارخ، وفق رؤية بعض أبناء المجتمع، تحت سياط السخرية والاستهزاء، مما يسبب لها ألما وعذابا.
- مقياس الجمال لدى الشاعر هو جمال الروح ورقة الأحاسيس وامتلاء النفس بالأمل وتحدي الصعاب، ومزاج هذا المقياس نفسٌ تحس بآلام المعذبين وتتعاطف معهم.
- قدم الشاعر صورةً مفعمة بالحيوية لمشاعر الفتاة المعذبة التي باتت سياط المجتمع تجلدها بعبارة ليست جميلة.
- أكَّد الشاعر أن الفتاة سواء عدها المجتمع جميلة أم غير جميلة تحمل قلبا ينزع إلى الحب والسكينة.
- نجح الشاعر في المزاوجة بين مشاعره المتدفقة وحالة النموذج المأساوي الذي يتصوره ويعبر عنه.
- تناسب إيقاع القصيدة بتقاناته الفنية المختلفة، مع الحالة الشعورية، والمشهد التصويري
- أفاد الشاعر من قيمة التكرار لتعميق المشهد وتوضح ملامح المأساة وتعميق مشاعر الألم وتقديم نموذج الشاب المتعاطف الذي يختلف مع الشائع والمشهور في الوسط الاجتماعي الذي يتأسس على جملة من العادات المتوارثة.
- تنوع استخدام القوافي في النسق على نمط متعاقب تتبادل فيه الأصوات في أواخر السطور بما يمنح السطور جرسا موسيقيا مناسبا للموقف الشعوري، والمشهد التصويري.
- وظف الشاعر البنية الدرامية بما تشتمل عليه من حدث يتنامى وعقدة وحل في إطار حبكة محكمة.
- ارتفعت نسبة الجمل الفعلية بشكل ملموس حيث بلغت 69% مقابل 31% للجملة الاسمية، لتعميق جو الصراع.
- ارتفعت نسبة استخدام الفعل المضارع التي وصلت 71% وذلك لفتح فضاء النص على استمرار الأسى وملامح العذاب.
- أفاد الشاعر من جواز تقديم ما حقه التأخير لزيادة التركيز على المشاعر المحصورة في سياق النسق الشعري، وهي تركز على مشاعر الألم والعذاب الناجم عن سخرية المجتمع من الفتاة التي يرونها غير جميلة.
قائمة المصادر والمراجع:
- القرآن الكريم
- إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو، القاهرة، ط5، 1975م.
- ابن جني، كتاب العروض، تحقيق أ. د. حسني عبد الجليل يوسف، دار السلام للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 2007م.
- أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج2، تجقيق: عبد مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 2008م.
- أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين الكتابة والشعر، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1998م.
- الأعشى ميمون بن قيس، ديوان الأعشى، شرح د محمد حسن، مكتبة الآداب، القاهرة، (د.ت)
- إيليا أبو ماضي، ديوان أبي ماضي، دار العودة، بيروت،(د.ت)
- جان برتليمي، بحث في علم الجمال، ترجمة أنور عبد العزيز، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2011م
- الحطيئة جرول بن أوس، ديوان الحطيئة، شرح د عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، بيروت، (د.ت)
- رانجيت سينج مالهي، روبرت دبليو ريزنر، تعزيز تقدير الذات، مكتبة جرير، الرياض، ط1، 2005م
- روجر سكروتون، الجمال، ترجمة بدر الدين مصطفى، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014
- سميح القاسم، القصائد، ج1، دار الهدى، كفر قرع، فلسطين، ط1، 1991م.
- عباس محمود العقاد، ديوان العقاد، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2016م
- عمرو بن معدي كرب الزبيدي، : شعرعمرو بن معدي كرب الزبيدي، تحقيق: مطاع الطرابيشي، مجمع اللغة العربية، دمشق، ط2، 1985م.
- فريدريك هيجل، علم الجمال وفلسفة الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الكلمة، القاهرة، ط1، 2010م
- محمد علوان سالمان، الإيقاع في شعر الحداثة، دار العلم والإيمان، كفر الشيخ، مصر، ط1، 2010م.
- نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، ط14، 2007م.
- نعمان بوقرة، لسانيات الخطاب مباحث في التأسيس والإجراء، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012م.
- النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1972م
- وائل السيد حامد السيد، جودة الحياة الجامعية كعامل وسيط بين الاغتراب النفسي وتقدير الذات لدى طلاب جامعة الملك سعود، المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية،5 (2) 2019،
([1]) ولد في 11 مايو (آيار) 1939م، وتوفي في 19 أغسطس(آب) 2014.
([4]) روجر سكروتون، الجمال، ترجمة بدر الدين مصطفى، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2014، ص22
([5]) جان برتليمي، بحث في علم الجمال، ترجمة أنور عبد العزيز، المركز القومي للترجمة، القاهرة،، 2011، ص7
([6]) الأعشى ميمون بن قيس، ديوان الأعشى، شرح د محمد حسن، مكتبة الآداب، القاهرة، (د.ت) ص57
([7]) للمزيد حول مفهوم تقدير الذات وتعريفه ينظر: رانجيت سينج مالهي، روبرت دبليو ريزنر، تعزيز تقدير الذات، مكتبة جرير، الرياض، ط1، 2005م، ص2
([8]) الحطيئة جرول بن أوس، ديوان الحطيئة، شرح د عمر فاروق الطباع، دار الأرقم، بيروت، (د.ت) ص157
([9]) أبو الفرج الأصفهاني، كتاب الأغاني، ج2، تجقيق: عبد مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط5، 2008م، ص156، وفي خبر سجنه انظر المصدر نفسه ج2، ص178
([10]) وائل السيد حامد السيد، جودة الحياة الجامعية كعامل وسيط بين الاغتراب النفسي وتقدير الذات لدى طلاب جامعة الملك سعود، المجلة الدولية للدراسات التربوية والنفسية،5 (2) 2019، ص153
([11]) إيليا أبو ماضي، ديوان أبي ماضي، دار العودة، بيروت،(د.ت) ص604
([12]) إيليا أبو ماضي، ديوان أبي ماضي، دار العودة، بيروت،(د.ت) ص723
([13]) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي (ت: 505هـ) إحياء علوم الدين،ج4، دار المعرفة، بيروت، ص317
([14]) عباس محمود العقاد، ديوان العقاد، المكتبة العصرية، بيروت، ط1، 2016م، ص. ص41، 42
([15]) رواه مسلم، ونص الحديث بتمامه :” عن ابن مسعود -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لا يدخل الجنة منْ كَانَ فِي قلبه مثقال ذرة منْ كبر”، فَقَالَ رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، ونعله حسنة؟، فَقَالَ: “إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق، وغَمْطُ النَّاس”. أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ج2، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1972م، ص89
([16]) أبو الأسود الدؤلي، : ديوان أبي الأسود الدؤلي، صنعة أبو سعيد الحسن السكري، تحقيق محمد حسن آل حسين، دار و مكتبة الهلال، بيروت، ط2، 1998 م، ص110
([17]) ينظر: فريدريك هيجل، علم الجمال وفلسفة الفن، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، مكتبة دار الكلمة، القاهرة، ط1، 2010م، ص211
([18]) عمرو بن معدي كرب الزبيدي، : شعرعمرو بن معدي كرب الزبيدي، تحقيق: مطاع الطرابيشي، مجمع اللغة العربية، دمشق، ط2، 1985م، ص. ص79، 80
([19]) أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين الكتابة والشعر، تحقيق: علي محمد البجاوي ومحمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت، 1998م، ص 433
([20]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص13
([21]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص13
([22]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص13، 14
([23]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص14
([24]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص14
([25]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص15
([26]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص15
([27]) ينظر: إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مكتبة الأنجلو، القاهرة، ط5، ص124
([28]) ابن جني، كتاب العروض، تحقيق د حسني عبد الجليل يوسف، دار السلام للطباعة والنشر، القاهرة، ط1، 2007م، ص69
([29]) ينظر: الخطيب التبريزي، الوافي في العروض والقوافي، تحقيق: فخر الدين قباوة، دار الفكر، دمشق، ط4، 1986م، ص82
([30]) محمد علوان سالمان، الإيقاع في شعر الحداثة، دار العلم والإيمان، كفر الشيخ، مصر، ط1، 2010م، ص136
([31]) نازك الملائكة، قضايا الشعر المعاصر، دار العلم للملايين، ط14، 2007م، ص.ص264
([32]) سميح القاسم، القصائد، ج1، ص15
([33]) نعمان بوقرة، لسانيات الخطاب مباحث في التأسيس والإجراء، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012م، ص233