
بعد إعطاء مفاهيم عامة حول ماهية القانون الدولي الإنساني، سنخصص المحاضرة الثانية للتعريف بالفئات التي يبسط هذا القانون حمايته عليها.
وفقا لموضوع اتفاقيات 1949 نرى أن القانون الدولي الإنساني قد حدد أربع فئات، وكفل لها حقوقا على أطراف النزاع مراعاتها أثناء النزاع المسلح، وهي:
– الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان؛
– الغرقى والجرحى والمرضى من القوات المسلحة في البحار؛
– أسرى الحرب؛
– المدنيين.
والفئات الثلاث الأولى تنتمي إلى المقاتلين قبل أن تتوقف عن القتال اضطرارا أو اختيارا، أما الفئة الرابعة فهي بحكم طبيعتها لا تشارك في القتال أصلا، وسوف نتوسع في هذه الفئات كالآتي:
- 1. الجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان:
لقد جاءت اتفااقية جنيف الأولى المؤرخة في 12آب/أغسطس 1949 لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان.
وفي الواقع إن هذه الاتفاقية تراجع اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالجيوش في الميدان، المؤرخة في 27 تموز/يوليه 1929.
ووفقا للمادة 8 فقرة (أ) من البرتوكول الأول المتمم لاتفاقيات جنيف الأربعة والخاص بضحايا النزاعات المسلحة الدولية، فإننا نقصد بالجرحى والمرضى:
(أ) ” الأشخاص العسكريون أو المدنيون الذين يحتاجون إلي مساعدة أو رعاية طبية بسبب الصدمة أو المرض أو أي اضطراب أو عجز بدنيا كان أم عقليا الذين يحجمون عن أي عمل عدائي. ويشمل هذا التعبيران أيضا حالات الوضع والأطفال حديثي الولادة والأشخاص الآخرين الذين قد يحتاجون إلي مساعدة أو رعاية طبية عاجلة، مثل ذوي العاهات وأولات الأحمال، الذين يحجمون عن أي عمل عدائي”.
ولا بأس قبل التوسع في الحماية المقررة لجرحى ومرضى الجيوش في الميدان، التوقف عند الأحكام العامة الخاصة بتطبيق هذه الاتفاقية:
أ- الأحكام العامة الخاصة بتطبيق اتفاقية جنيف الأولى:
لقد ورد في الفصل الأول من اتفاقية جنيف الأولى مجموعة من الأحكام العامة نلخصها في النقاط التالية:
ü نطاق تطبيق الاتفاقية:
حسب المادة (1) و(2)، تتعهد الدول الأطراف بهذه الاتفاقية بأن تحترم بنودها وتكفل احترامها في جميع الأحوال، حتى ولو لم تكن إحدى دول النزاع طرفاً في هذه الاتفاقية.
وتنص المادة (2) على أن هذه الاتفاقية نافذة في حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من أطرافها، حتى لو لم يعترف أحدها بحالة الحرب.
كما تنطبق في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف فيها، حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة.
أما في النزاعات التي ليس لها طابع دولي، فهناك مجموعة من الأحكام الأساسية التي يجب أن يلتزم بها أطراف النزاع كحد أدنى نصت عليها المادة (3(، كما سنرى.
ووفقا للمادة (4) تطبق الدول المحايدة أحكام هذه الاتفاقية، بطريقة القياس، على الجرحى والمرضى وأفراد الخدمات الطبية والدينية التابعين للقوات المسلحة لأطراف النزاع، الذين يصلون إلى أراضيها أو يحتجزون بها، وكذلك على جثث الموتى.
ووفقا للمادة (8( فإن هذه الاتفاقية ” تطبق بمعاونة وتحت إشراف الدول الحامية التي تكلف برعاية مصالح أطراف النزاع. و طلباً لهذه الغاية، يجوز للدول الحامية أن تعين، بخلاف موظفيها الدبلوماسيين أو القنصليين، مندوبين من رعاياها أو رعايا دول أخرى محايدة. ويخضع تعيين هؤلاء المندوبين لموافقة الدولة التي سيؤدون واجباتهم لديها.
وعلى أطراف النزاع تسهيل مهمة ممثلي أو مندوبي الدولة الحامية، إلى أقصى حد ممكن.
ويجب ألا يتجاوز ممثلو الدول الحامية أو مندوبوها في أي حال من الأحوال حدود مهمتهم بمقتضى هذه الاتفاقية، وعليهم بصفة خاصة مراعاة مقتضيات أمن الدولة التي يقومون فيها بواجباتهم. ولا يجوز تقييد نشاطهم إلا إذا استدعت ذلك الضرورات الحربية وحدها، ويكون ذلك بصفة استثنائية ومؤقتة”.
ومن جهة أخرى ووفقا للمادة (13(، ” تنطبق هذه الاتفاقية على الجرحى والمرضى من الفئات التالية:
– أفراد القوات المسلحة التابعين لأحد أطراف النزاع، وكذلك أفراد المليشيات والوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة؛
– أفراد المليشيات الأخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع و يعملون داخل أو خارج الإقليم الذي ينتمون إليه، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات أو الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المشار إليها :
أ – أن يقودها شخص مسئول عن مرءوسيه،
ب- أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد،
ج – أن تحمل الأسلحة جهراً،
د – أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها،
– أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو لسلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة،
– الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالأشخاص المدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.
– أفراد الأطقم الملاحية، بمن فيهم القادة والملاحون ومساعدوهم في السفن التجارية وأطقم الطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، الذين لا ينتفعون لمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي،
– سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو، لمقاومة القوات الغازية، دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها”.
ü كيفية معاملة الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية:
حسب المادة (3(، فإن الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر، يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.
ولهذا الغرض، تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن :
) أ) الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب؛
)ب) أخذ الرهائن؛
)ج) الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة؛
)د) إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة.
كما تلزم هذه الاتفاقية في الفقرة 2 من المادة (3) بجمع الجرحى والمرضى والاعتناء بهم، كما تسمح لهيئات إنسانية غير متحيزة، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، أن تعرض خدماتها على أطراف النزاع.
ü الدولة الحامية والهيئات المحايدة البديلة عنها:
تسمح المادة (10) من اتفاقية جنيف الأولى لأطرافها ” أن تتفق في أي وقت على أن تعهد إلى دولة حامية أو إلى الهيئات البديلة لها التي تتوفر فيها كل ضمانات الحيدة والكفاءة بالمهام التي تلقيها هذه الاتفاقية على عاتق الدول الحامية.
وإذا لم ينتفع الجرحى والمرضى وأفراد الخدمات الطبية والدينية أو توقف انتفاعهم لأي سبب كان بجهود دولة حامية أو هيئة معينة وفقاً للفقرة الأولى أعلاه، فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب إلى دولة محايدة أو إلى هيئة من هذا القبيل أن تضطلع بالوظائف التي تنيطها هذه الاتفاقية بالدول الحامية التي تعينها أطراف النزاع.
أما إذا لم يمكن توفير الحماية على هذا النحو، تضيف المادة 10 في فقرتها الثالثة: “فعلى الدولة الحاجزة أن تطلب إلى هيئة إنسانية، كاللجنة الدولية للصليب الأحمر، الاضطلاع بالمهام الإنسانية التي تؤديها الدول الحامية بمقتضى هذه الاتفاقية، أو أن تقبل، رهناً بأحكام هذه المادة، عرض الخدمات الذي تقدمه مثل هذه الهيئة”.
وتؤكد الفقرة الرابعة: “وعلى أية دولة محايدة أو هيئة طلبت إليها الدولة صاحبة الشأن تحقيق الأغراض المذكورة أعلاه، أو قدمت هي عرضاً للقيام بذلك، أن تقدر طوال مدة قيامها بنشاطها المسئولية التي تقع عليها تجاه طرف النزاع الذي ينتمي إليه الأشخاص المحميون بمقتضى هذه الاتفاقية. وأن تقدم الضمانات الكافية لإثبات قدرتها على تنفيذ المهام المطلوبة وأدائها دون تحيز”.
ومن مهام الدولة الحامية أو الهيئات المحايدة البديلة لها كذلك، تقديم ” مساعيها الحميدة من أجل تسوية الخلافات في جميع الحالات التي ترى فيها أن ذلك في مصلحة الأشخاص المحميين، وعلى الأخص في حالات عدم اتفاق أطراف النزاع على تطبيق أو تفسير أحكام هذه الاتفاقية”، كما جاء في المادة (11).
ü امكانية ابرام اتفاقيات خاصة بين أطراف النزاعات المسلحة:
حسب المادة 3 و6 و 10 و 15 و 23 و 28 و 31 و 36 و 37 و 52 من اتفاقية جنيف الأولى، يجوز لأطراف الاتفاقية أن تعقد اتفاقات خاصة أخرى بشأن أية مسائل ترى من المناسب تسويتها بكيفية خاصة. ولا يؤثر أي اتفاق خاص تأثيراً ضاراً على وضع الجرحى والمرضى، كما حددته هذه الاتفاقية، أو يقيد الحقوق الممنوحة لهم بمقتضاها.
ويستمر انتفاع الجرحى والمرضى بهذه الاتفاقات مادامت الاتفاقية سارية عليهم، إلا إذا كانت هناك أحكام صريحة تقضي بخلاف ذلك في الاتفاقات سالفة الذكر أو في اتفاقات لاحقة لها، أو إذا كان هذا الطرف أو ذاك من أطراف النزاع قد اتخذ تدابير أكثر ملاءمة لهم.
ووفقا للفقرة الخامسة من المادة 10 فإنه لا يجوز الخروج على الأحكام الخاصة بالدولة الحامية أو الهيئة المحايدة في أي اتفاق خاص يعقد بين دول تكون إحداها مقيدة الحرية في التفاوض مع الدول الأخرى أو حلفائها بسبب أحداث الحرب، ولو بصفة مؤقتة، وعلى الأخص في حالة احتلال كل أراضيها أو جزء هام منها.
ب- الحماية المقررة للجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان:
بداية يجب التأكيد على أنه بموجب المادة (7( من اتفاقية جنيف الأولى:” لا يجوز للجرحى والمرضى… التنازل في أي حال من الأحوال جزئياً أو كلياً عن الحقوق الممنوحة لهم بمقتضى هذه الاتفاقية، أو بمقتضى الاتفاقات الخاصة المبرمة بين أطراف النزاع”.
وتضيف المادة (9) بأن أحكام هذه الاتفاقية لايجب أن تكون “عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية هيئة إنسانية أخرى غير متحيزة بقصد حماية وإغاثة الجرحى والمرضى… شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية”.
وعموما يمكن تلخيص الحماية المقررة للجرحى والمرضى من القوات المسلحة في الميدان كما وردت في (المواد من 12 إلى 17) في الآتي:
– احترامهم وحمايتهم ؛
– معاملتهم معاملة إنسانية؛
– يِعنى بهم دون أي تمييز ضار على أساس الجنس أو العنصر أو الجنسية أو الدين أو الآراء السياسية أو أي معايير مماثلة أخرى؛
– حظر أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم؛
– عدم قتلهم أو إبادتهم أو تعريضهم للتعذيب أو لتجارب خاصة بعلم الحياة، أو تركهم عمداً دون علاج أو رعاية طبية، أو خلق ظروف تعرضهم لمخاطر العدوى بالأمراض أو تلوث الجروح؛
– وعلى طرف النزاع الذي يضطر إلى ترك بعض الجرحى أو المرضى لخصمه أن يترك معهم، بقدر ما تسمح به الاعتبارات الحربية، بعض أفراد خدماته الطبية والمهمات الطبية للإسهام في العناية بهم؛
– يعتبر الجرحى والمرضى التابعون لدولة محاربة الذين يقعون في أيدي العدو، أسرى حرب، وتنطبق عليهم أحكام القانون الدولي المتعلقة بأسرى الحرب.
– على أطراف النزاع ودون إبطاء إتخاد جميع التدابير الممكنة للبحث عن الجرحى والمرضى، وجمعهم، وحمايتهم من السلب وسوء المعاملة، وتأمين الرعاية اللازمة لهم، وكذلك للبحث عن جثث الموتى ومنع سلبها.
– التحقق من أن دفن الجثث أو حرقها يجري لكل حالة على حدة باحترام، وطبقاً لشعائر دينهم بقدر ما تسمح به الظروف، ويسبقه فحص الجثة بدقة، وفحص طبي إن أمكن، بقصد التأكد من حالة الوفاة، والتحقق من هوية المتوفى، والتمكن من وضع تقرير. ويجب أن يبقى مع الجثة أحد نصفي لوحة تحقيق الهوية إذا كانت مزدوجة أو اللوحة نفسها إذا كانت مفردة. كما لا يجوز حرق الجثث إلا لأسباب صحية قهرية أو لأسباب تتعلق بديانة المتوفى. وفي حالة الحرق، تبين أسبابه وظروفه بالتفصيل في شهادة الوفاة أو في قائمة أسماء الموتى المصدق عليها.
- 2. الغرقى والجرحى والمرضى من القوات المسلحة في البحار:
لقد جاءت اتفاقية جنيف الثانية، كما يدل عليها اسمها لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.[1]
وتخضع هذه الاتفاقية فيما يتعلق بالأحكام العامة الخاصة بتطبيقها، لاسيما: نطاق تطبيقها، وكيفية معاملة الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، والأحكام الخاصة بالدولة الحامية والهيئات المحايدة البديلة عنها، وامكانية ابرام اتفاقيات خاصة؛ إلى نفس الأحكام الواردة في اتفاقية جنيف الأولى التي توسعنا فيها في النقطة السابقة.
أما الحماية المقررة للجرحى والمرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار فهي كما وردت في (المواد من 12 إلى 20) كالآتي:
- · الحماية المقررة للجرحى والمرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار:
– يقصد بالغرقى وفقا للمادة (12) من اتفاقية جنيف الثانية: ” الغرقى بأي أسباب، بما في ذلك حالات الهبوط الاضطراري للطائرات على الماء أو السقوط في البحر”[2].
– يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى والغرقى ممن يكونون في البحر من أفراد القوات المسلحة وغيرهم من الأشخاص المشار إليهم في المادة 12؛
– يجب معاملتهم معاملة إنسانية وأن يعنى بهم دون أي تمييز ضار على أساس الجنس أو العنصر أو الجنسية أو الدين أو الآراء السياسية أو أي معايير مماثلة أخرى.
– يحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم أو استعمال العنف معهم، ويجب على الأخص عدم قتلهم أو إبادتهم أو تعريضهم للتعذيب أو لتجارب خاصة بعلم الحياة، أو تركهم عمداً دون علاج أو رعاية طبية، أو خلق ظروف تعرضهم لمخاطر العدوى بالأمراض أو تلوث الجروح.
– في حالة حمل جرحى أو مرضى أو غرقى على بارجة حربية محايدة أو في طائرة حربية محايدة، يجب، حيثما يقتضي القانون الدولي ذلك، ضمان ألا يستطيعوا الاشتراك مجدداً في العمليات الحربية.
– على أطراف النزاع بعد كل اشتباك اتخاد جميع التدابير الممكنة دون إبطاء للبحث عن الغرقى والجرحى والمرضى، وجمعهم، وحمايتهم من السلب وسوء المعاملة، وتأمين الرعاية اللازمة لهم، وكذلك للبحث عن جثث الموتى ومنع سلبها.
– الاتفاق على ترتيبات محلية لإخلاء الجرحى والمرضى بطريق البحر من منطقة محاصرة أو مطوقة، ولمرور أفراد الخدمات الطبية والدينية والمهمات الطبية إلى تلك المنطقة.
– على أطراف النزاع أن تسجل بأسرع ما يمكن جميع البيانات التي تساعد على التحقق من هوية الغرقى والجرحى والمرضى والموتى الذين يقعون في قبضتها وينتمون إلى الطرف الخصم.
– ضرورة تحقق أطراف النزاع من أن إلقاء جثث الموتى إلى البحر يجري لكل حالة على حدة بقدر ما تسمح به الظروف ويسبقه فحص دقيق، وفحص طبي إذا أمكن، بقصد التأكد من حالة الوفاة والتحقق من الشخصية وإمكان وضع تقرير. وفي حالة وجود لوحة مزدوجة لتحقيق الهوية، يستبقى أحد نصفيها مع الجثة.
وفي حالة إنزال جثث الموتى إلى البر، تطبق بشأنها أحكام اتفاقية جنيف الأولى.
- 3. أسرى الحرب[3]:
لقد جاءت اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، كما يدل عليها اسمها لتحسين حال أسرى الحرب.[4]
وهي تخضع لنفس الأحكام العامة الواردة في اتفاقيتي جنيف الأولى والثانية والتي سبق التوسع فيها أعلاه. أما الحماية المقررة لأسرى الحرب فهي كما وردت في (المواد من 12 إلى 21) كالآتي:
- · الحماية العامة المقررة لأسرىالحرب:[5]
لقد تطور نظام أسرى الحرب تطورا ملحوظا عبر التاريخ خاصة وأنه ظاهرة ملازمة للنزاعات المسلحة. وكما سبق لنا ذكره، يقوم القانون الدولي الإنساني على مبدأ المعاملة الانسانية الذي يهدف إلى صيانة العرض والمال والدم أثناء النزاعات المسلحة.
وعليه، تكون الدولة الحاجزة مسئولة عن المعاملة التي يلقاها الأسرى الذين يقعون في قبضتها بحيث يجب عليها معاملتهم، معاملة انسانية، وذلك منذ وقعتهم في قبضتها إلى غاية عودتهم إلى وطنهم، كما يقع أسرى الحرب تحت سلطتها لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسكرية التي أسرتهم، وهي تتكفل بإعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجاناً.[6]
ومن جهة أخرى تؤكد هذه الاتفاقية على أنه لايجوزللدولةالحاجزةنقلأسرىالحربإلاإلىدولةطرففيها، وبعد أن تقتنع الدولة الحاجزة برغبة الدولة المعنية في تطبيق الاتفاقية وقدرتها على ذلك. وفي حالة نقل أسرى الحرب على ھذا النحو، تقع مسئولية تطبيق الاتفاقية على الدولة التي قبلتهم ما داموا في عهدتها.
وفيما يلي تلخيص للحماية العامة التي يجب أن يتلقاها الأسرى وفقا لاتفاقية جنيف الثالثة:
– يحظر على الدولة الحاجزة تجريد الأسير من أهليته القانونية حتى لا يحول ذلك دون ممارسة حقوقه التي تتلاءم وحالة الأسر، سواء داخل إقليم تلك الدولة أو خارجه، فتنص المادة 14 من الاتفاقية الثالثة: ” يحتفظأسرىالحرببكاملأهليتهم المدنية التي كانت لهم عند وقوعهم في الأسر. ولا يجوز للدولة الحاجزة تقييد ممارسة الحقوق التي تكفلها هذه الأهلية، سواء في اقليمها أو خارجه إلا بالقدر الذي يقتضيه الأسر”، فالأسرى لهم الحق في احترام أشخاصهم وشرفهم.
– ضرورة معاملتهم معاملةإنسانية وفيجميعالأوقات. ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إھمال غير مشروع يسبب موت أسرى في عهدتها، ويعتبر هذا انتهاكا جسيماً لهذه الاتفاقية.
– يحظر تعريضهم للتشويه البدني أو التجارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية أو لا يكون في مصلحتهم.
– حمية أسرى الحرب في جميع الأوقات، ضد جميع أعمال العنف أو التهديد، وضد السباب وفضول الجماهير، كما تحظر تدابير الاقتصاص منهم. ( المادة ( 13
– يتعين على الدولة الحاجزة أن تعاملهم جميعاً على قدم المساواة، معمراعاةرتبهموجنسهم،أوحالتهمالصحيةأوأعمارهمأومؤهلاتهمالمهنية. (المادة (16
مكان وظروف الأسر:
– لا یجوز حجز أو حبس الأسرى إلا كإجراء ضروري تقتضیھ حمایة صحتھم، ولا یجوز أن یدوم ھذا الوضع على أي حال لأكثر مما تتطلبھ الظروف التي اقتضتھ.
– لا یجوز اعتقال أسرى الحرب إلا في مبان مقامة فوق الأرض تتوفر فیھا كل ضمانات الصحة والسلامة، ولا یجوز اعتقالھم في سجون إصلاحیة إلا في حالات خاصة تبررھا مصلحة الأسرى أنفسھم.
– لا یجوز في أي وقت كان إرسال أي أسیر حرب إلى منطقة قد یتعرض فیھا لنیران منطقة القتال، أوإبقاؤه فیھا، أو استغلال وجوده لجعل بعض المواقع أو المناطق في مأمن من العملیات الحربیة.
– توفر في مأوى أسرى الحرب ظروف ملائمة مماثلة لما یوفر لقوات الدولة الحاجزة المقیمة في المنطقة ذاتھا. وتراعى في ھذه الظروف عادات وتقالید الأسرى، ویجب ألا تكون ضارة بصحتھم بأي حال.
– تلتزم الدولة الحاجزة باتخاذ كافة التدابیر الصحیة الضروریة لتأمین نظافة المعسكرات وملاءمتھا للصحة والوقایة من الأوبئة، أبعد من ذلك توفر في كل معسكر عیادة مناسبة یحصل فیھا أسرى الحرب على ما قد یحتاجون إلیھ من رعایة، وكذلك على النظام الغذائي المناسب.
– تتركلأسرىالحربحریةكاملةلممارسةشعائرھمالدینیة، بما في ذلك حضور الاجتماعات الدینیة الخاصة بعقیدتھم، شریطة أن یراعوا التدابیر النظامیة المعتادة التي حددتھا السلطات الحربیة. تعد أماكن مناسبة لإقامة الشعائر الدینیة.
عمل أسرى الحرب:
– یجوز للدولة الحاجزة تشغیلأسرىالحرباللائقینللعمل، مع مراعاة سنھم، وجنسھم، ورتبتھم وكذلك قدرتھم البدنیة، على أن یكون القصد بصورة خاصة المحافظة علیھم في صحة جیدة بدنیاً ومعنویاً.
– تھیأ لأسرى الحرب الظروف الملاءمة للعمل، وبخاصة فیما یتعلق بالإقامة والغذاء والملبس والتجھیزات، ویجب ألا تقل ھذه الظروف ملاءمة عما ھو متاح لرعایا الدولة الحاجزة المستخدمین في عمل مماثل، ویجب أیضاً أخذ الظروف المناخیة في الاعتبار.
– لا یجوز تشغیل أي أسیر حرب في عمل غیر صحي أو خطر ما لم یتطوع للقیام بھ. ولا یكلف أي أسیر حرب بعمل یمكن اعتباره مھنیاً لأفراد قوات الدولة الحاجزة. تعتبر إزالة الألغام وغیرھا من النبائط المماثلة من الأعمال الخطرة.
– تحدد أجور عمل أسرى الحرب طبقاً لأحكام المادة 62 من ھذه الاتفاقیة أي: “یحصل أسرى الحرب من السلطات الحاجزة مباشرة على أجر مناسب عن عملھم، تحدد السلطات المذكورة معدلھ، على ألا یقل بأي حال عن ربع فرنك سویسري عن یوم العمل الكامل. “
علاقة الأسير بالخارج:
– یسمح لكل أسیر حرب، بمجرد وقوعھ في الأسر أو خلال مدة لاتزیدعلىأسبوعواحد من تاریخ وصولھ إلى المعسكر، حتى لو كان ھذا المعسكر انتقالیاً، وكذلك في حالة مرض الأسیر، أو نقلھ إلى مستشفى، أوإلى معسكر آخر، بأنیرسل بطاقات وبأسرع وقت ممكن ومباشرة إلى عائلتھ من جھة، وإلى الوكالة المركزیة لأسرى الحرب، لإبلاغھم بوقوعھ في الأسر وبعنوانھ وحالتھ الصحیة.
– یسمح لأسرى الحرب بإرسالواستلامالرسائلوالبطاقات، وإذا رأت الدولة الحاجزة ضرورة تحدید ھذه المراسلات، فإنھ یتعین علیھا السماح على الأقل بإرسال رسالتین وأربع بطاقات كل شھر،
– وبالمقابل، یسمحلأسرىالحرببأنیتلقوابالبریدأوبأیةطریقةأخرىطروداًفردیة أو جماعیة تحتوي على الأخص موادغذائیةأوملابسأوأدویةأولوازملتلبیةاحتیاجاتھمالدینیةأوالدراسیةأوالترفیھیة، بما في ذلك الكتب والمستلزمات الدینیة، والمواد العلمیة، وأوراق الامتحانات، والآلات الموسیقیة والأدوات الریاضیة، والمواد التي تتیح للأسرى مواصلة الدراسة أو ممارسة نشاط فني.
– تعفى جمیع طرود الإغاثة المرسلة إلى أسرى الحرب من كافة رسوم الاستیراد والجمارك وسائر الرسوم الأخرى. وتعفى المراسلات وطرود الإغاثة والتحویلات النقدیة المرسلة إلى أسرى الحرب أو بواسطتھم.
انتهاء الأسر:
تنتهي حالة الأسر بالوفاة أو الهرب الناجح، أو إعادة الأسرى إلى أوطانهم أو ايوائهم في بلد محايد بسبب ظروفهم الصحية (المواد 109 إلى 117)، وهذه الحالات قد تطرأ أثناء الأسر، وأخيرا إعادتهم إلى أوطانهم مباشرة بعد انتهاء العمليات العسكرية كما نصت عليه المادة 118 التي تقضي: ” یفرج عن أسرى الحرب ویعادون إلى أوطانھم دون إبطاء بعد انتھاء الأعمال العدائیة الفعلیة.”
ولا تتناول الاتفاقية الثالثة موضوع إكراه الأسرى على العودة أو البقاء أو ذهابهم إلى طرف ثالث، وهذه ظواهر شهدتها أغلب الدول المتحاربة في القديم والحديث، فإثر الحرب الكورية كان موضوع إعادة الأسرى سببا من أسباب تأخير الولايات المتحدة المصادقة على اتفاقيات جنيف.
وفي نزاعات مسلحة لاحقة مثل نزاعات الصين وفيتنام وإثيوبيا والصومال وإيران والعراق وليبيا والتشاد[7]، لم ينته حسم موضوع إعادة الأسرى بانتهاء العمليات الحربية مع ما يثيره ذلك من صعوبات كان من الضروري تفاديها.[8]
- 4. المدنيين:[9]
باستثناء بعض القواعد التي تضمنتها لائحة لاهاي وتتعلق بأحكام بعض العلاقات بين المحتل وسكان الأرض المحتلة[10]، لم يكن قانون النزاعات المسلحة يشمل وضع المدنيين زمن الحرب أو تحت الإحتلال، وظهرت عيوب ذلك بالخصوص في الحربين العالميتين، فكان لابد من سد ثغرة كبيرة في قانون جنيف.
فجاءت الاتفاقية الرابعة لتضيف إلى هذا القانون جديدا أي حماية المدنيين بمقتضى اتفاقية خاصة.
ومع ذلك، بقيت حروب التحرير خارج نطاق القانون الوضعي رغم تأثيرها المباشر على أوضاع المدنيين والمقاتلين على حد السواء. اضافة إلى ذلك كانت النزاعات الداخلية منتشرة فارضة على المجتمع الدولي تحديات جديدة. مما اضطر الدول على ايجاد صيغ قانونية مقبولة عام 1977 عندما أضيف البروتوكلان إلى اتفاقيات جنيف الأربعة.
وفيما يلي تلخيص لأهم ما جاء في اتفاقية جنيف الرابعة، والاضافات التي أدخلها عليها البرتوكول الأول فيما يخص حماية المدنيين.
التطبيق الشخصي لاتفاقية جنيف الرابعة:
تنص المادة الرابعة فقرة أولى على أن هذه الاتفاقية تحمي “أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وباي شكل كان في حالة قيام نزاع مسلح او حالة احتلال، تحت سلطة طرف من النزاع، ليسوا من رعاياه او دولة احتلال ليسوا من رعاياها” وبذلك فإن الجنسية هي العنصر الحاسم في هذا المجال.
كما تطبق هذه الاتفاقية على عديمي الجنسية، وهناك نوع آخر من الأشخاص تطبق عليهم هذه الاتفاقية رغم انتمائهم إلى دولة الاحتلال، وهم اللاجئين إلى تلك البلد قبل نشوء النزاع (المادة 70). وهذا الوضع يختلف عن الوضع اللاجئين من رعايا العدو الذين لايجب معاملتهم كأجانب أعداء لمجرد تبعيتهم القانونية للدولة المعادية (المادة 44).
وبالمقابل لا تشمل هذه الاتفاقية بالحماية (المادة 4 فقرة 2 و4):
– رعايا الدولة غير طرف في الاتفاقية.
– رعايا الدولة المحايدة أو المتحاربة ما دام لها تمثيل دبلوماسي عادي لدى الدولة المتحاربة التي يوجدون تحت سلطتها.
– الأشخاص الذين تطبق عليهم اتفاقيات جنيف الثلاث الأخرى.
معاملة المدنيين:
في جميع الحالات تحظر أعمال الاكراه والتعذيب والعقاب الجماعي والانتقام واحتجاز الرهائن وترحيل السكان. وحددت الاتفاقية أحكام معاملة الاجانب الموجودين في أراضي أطراف النزاع (المواد 35 إلى 46)، ومنحتهم حق مغادرة أرض العدو وتلقي مواد الاغاثة وممارسة الأعمال المسموح بها والاقامة، كما بينت هذه الاتفاقية شروط الاعتقال وظروفه ونقل الأشخاص إلى أراضي دولة أخرى.
وفيما يتعلق بالأوضاع بالأراضي المحتلة، حددت الاتفاقية بالتفصيل حقوق السكان التي لا يمكن انتهاكها، وواجبات دولة الاحتلال (المواد 47 غلى 78). وعموما تتشابه الأحكام المتعلقة بالاعتقال من بدايته إلى نهايته بالأحكام الخاصة بأسرى الحرب (المواد 79 إلى 135).
وتخول الاتفاقية طرف النزاع ايقاف وتتبع ومحاكمة الشخص الذي يكون محل شبهة جائزة بسبب نشاط يمس أمن ذلك الطرف، كما أن من يقترف التجسس والتخريب في أرض محتلة أو يقوم بما يمس أمن دولة الاحتلال يمكن أن يفقد الحقوق المنصوص عليها وفي كلتا الحالتين يجب أن يعامل الموقوف بانسانية وتراعى في ذلك ضمانات العدالة طبقا للاتفاقية الرابعة (المادة 5).
وإذا لاحظنا الكثير من التشابه بين الاتفاقياتي الثالثة و الرابعة فإن لكل منهما مجالا خاصا وهناك أمور تتعلق بالمدنيين أساسا فلا نجد مثلا مواد تتصل بالرتب العسكرية، وتقتضي ظروف معيشة السكان المدنيين تحت الاحتلال أو خارجه نظاما قانونيا يختلف بطبيعته عن الأحكام المتعلقة بحياة الأسرى وإدارة شؤون معسكراتهم. ولم تغب عن واضعي الاتفاقية بعض الحالات الخاصة كالاجئين كما ذكرنا، والنساء والأطفال (المادة 132).
اضافات البرتوكول الأول:
على غرار الاضافات التي أدخلها البرتوكول الأول على اتفاقيات جنيف الثلاثة الأخرى، فإن الباب الرابع منه يتمم أحكام الاتفاقية الرابعة. وفيما يلي تلخيصا لهذه الاحكام:
بموجب البرتوكول الأول، على الدول الأطراف في النزاعات المسلحة التمييز بين السكان المدنيين والمقاتلين، ولا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية هذه حتى “بوجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين.”[11]
فلا يجوز الهجوم على السكان المدنيون ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال العدائية، كما تحظر هذه الصكوك أعمال العنف أو التهديد أو بث الذعر بينهم وهجمات الردع.
ومن جهة أخرى يحظر هذا البرتوكول الهجمات العشوائية، وتعتبر هجمات عشوائية:
ü التي لا توجه إلي هدف عسكري محدد.
ü التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلي هدف عسكري محدد.
ü التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها ومن شأنها أن تصيب، الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأعيان المدنية دون تمييز.
وحسب المادة 50 منه تعتبر الأنواع التالية من الهجمات، من بين هجمات أخري، بمثابة هجمات عشوائية:
أ) الهجوم قصفا بالقنابل، أيا كانت الطرق والوسائل، الذي يعالج عددا من الأهداف العسكرية الواضحة التباعد والتمييز بعضها عن البعض الآخر والواقعة في مدينة أو بلدة أو قرية أو منطقة أخري تضم تركزا من المدنيين أو الأعيان المدنية، علي أنها هدف عسكري واحد،
ب) الهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه أن يسبب خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهم أو أضرارا بالأعيان المدنية، أو أن يحدث خلطا من هذه الخسائر والأضرار، يفرط في تجاوز ما ينتظر أن يسفر عنه ذلك الهجوم من ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة،
أبعد من ذلك، على أطراف النزاع السعي جاهدة إلي نقل ما تحت سيطرتها من السكان المدنيين والأفراد المدنيين بعيدا عن المناطق المجاورة للأهداف العسكرية، كما تلزم المادة 57 من البرتوكول الأول أطراف النزاع، ببذل رعاية متواصلة في إدارة العمليات العسكرية واتخاد التدابير الوقائية التالية:
– التحقق من أن الأهداف المقرر مهاجمتها ليست أشخاصا مدنيين أو أعيانا مدنية وأنها غير مشمولة بحماية خاصة.
– اتخاد جميع الاحتياطات المستطاعة من أجل تجنب إحداث خسائر في أرواح المدنيين، أو إلحاق الإصابة.
– الامتناع عن اتخاذ قرار بشن أي هجوم يتوقع منه، ولو بصفة عرضية، أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم.
– إلغاء أو تعليق أي هجوم إذا تبين قد يتوقع منه أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين أو إلحاق الإصابة بهم.
– تجنب إقامة أهداف عسكرية داخل المناطق المكتظة بالسكان أو بالقرب منها.
– توجيه إنذار مسبق بوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين، ما لم تحل الظروف دون ذلك. وينبغي أن يكون الهدف الواجب اختياره حين يكون الخيار ممكنا بين عدة أهداف عسكرية للحصول علي ميزة عسكرية مماثلة، هو ذلك الهدف الذي يتوقع أن يسفر الهجوم عليه عن إحداث أقل قدر من الأخطار علي أرواح المدنيين
اغاثة المدنيين:
يلزم البرتوكول الأول سلطات الدول المحتلة أن تؤمن للمدنيين بدون أي تمييز مجحف، الغداء والاستشفاء والتوفير لهم الكساء والفراش ووسائل للإيواء وغيرها من المدد الجوهري لبقاء سكان الأقاليم المحتلة المدنيين علي الحياة وكذلك ما يلزم للعبادة. كما تلتزم بالسماح وتسهيل المرور السريع وبدون عرقلة لجميع إرساليات وتجهيزات الغوث والعاملين عليها.
الملاحق:
انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في العراق من قبل الحلفاء
بقلم د. سرور طالبي – المل[12]
في 20 آذار الماضي خاضت الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها البريطانيين، حربا دامية ضد الشعب العراقي، ومن أجل نيل رضا الرأي العام الدولي، ادعت الولايات المتحدة الأميركية بأن الهدف من وراء هذه الحرب هو “تحرير الشعب العراقي من النظام الظالم الذي يحكمه”.
كما طمأنت المجتمع الدولي بوصفها بأنها ستكون حربا ” نظيفة ” بحيث تستعمل فيها أسلحة وتقنيات جد متطورة لن تخرج عن هدفها، متناسية القول بأن من بين أهدافها ” ترعيب وصدم المدنيين “.
لقد وضعت اتفاقيات جنيف الأربع، مجموعة من القواعد الدولية الإنسانية التي لا يمكن الخروج عنها عند اندلاع النزاعات المسلحة، وأوصت بحماية بعض الفئات لاسيما المدنيين وأسرى الحرب.
قبل بداية العدوان الأميركي ضد العراق، ذكّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كل من حكومة الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا، والعراق، بأنه بموجب اتفاقيات جنيف الأربع التي تعتبر هذه الدول الثلاث أطرافا فيها، يستوجب حماية الحياة والكرامة الإنسانية.
نحاول من خلال هذا المقال، إلقاء الضوء على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في العراق من قبل أميركا وحلفائها لا سيما على المدنيين وأسرى الحرب، لعلنا نحرك مواقف إيجابية تساهم في إخراج الشعب العراقي من أزمته.
عدوان متكرر ضد المدنيين:
لقد وضعت اتفاقية جنيف الرابعة، الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب، مجموعة من القواعد لحماية هذه الفئة لكونها لا تشارك في النزاع.
فالمادة 16 منها تقضي بأنه يحظر قصف المدنيين وأنه يستوجب منح “احتراما خاصا” لجرحى الحرب وكذلك العجزة والنساء الحوامل.
أما المادة 18، فإنها تحظر قصف المستشفيات وتلّزم أطراف النزاع على احترامها وحمايتها وتضيف المادة 19 من هذه الاتفاقية بأنه لا يجوز إزالة الحماية عن المستشفيات إلا في حالة ما إذا تبين بأنها تستعمل لأغراض عسكرية، وفي هذه الحالة فقط يمكن وقف الحماية عنها، لكن ليس بعد أن تمنح أجلا “ملائما”.
وحسب المادة 23 من هذه الاتفاقية، فإنه يمنع حجز المواد الضرورية للعيش والأدوية والأجهزة الصحية، بل يستوجب إيصالها للمدنيين بأسرع وقت ممكن.
أما البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف، المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة لسنة 1977 فإن المادة 54 منه تمنع مهاجمة، هدم، نهب أو تحطيم ممتلكات ضرورية لمعيشة المدنيين مثل منشاءات تخزين مياه الشرب ومحطات الصرف الصحي.
تطالب المادة 57 منه أطراف النزاعات المسلحة أخذ الحيطة عند القيام بمهاجمة الطرف الآخر كما تدعوهم إلى اختيار وسائل للهجوم تسقط أقل عدد ممكن من الضحايا والجرحى وتسبب أقل ضرر للممتلكات المدنية.
أبعد من ذلك، يحمي هذا البروتوكول الصحفيين الذين يغطون النزاعات المسلحة، ويضمهم لفئة المدنيين ( المادة 79).
لقد اعتدت أميركا وحليفتها على المدنيين العراقيين يوميا، كما قصفت مستشفى عراقي وفندق فلسطين الذي يقيم فيه الصحفيين الذين جاؤا لتغطية هذه الحرب.
من جهة أخرى منشاءات ذات طابع مدني تعرضت للقصف، لاسيما منشاءات تنقية مياه الشرب ووحدات معالجة المياه الآسنة مما حرم المدنيين من الحصول على مياه الشرب وكان السبب في ظهور الأمراض المعدية مثل الكوليرا والإسهال الحاد.
لقد حطمت أميركا وحليفتها كذلك مستودعات الأغذية الأساسية وقام بعض الجنود بتحويل أغذية ذات مصدر إنساني لاحتياجاتهم الشخصية، حارمين بذلك المدنيين من الانتفاع بها.
الأخطر من ذلك الاستعمال للأسلحة المحظورة دوليا” مثل القنابل العنقودية والقنابل الانشطارية التي لها نفس مفعول الألغام بوصفها لا تنفجر بمجرد إطلاقها وإنما قد يأخذ ذلك بضع ساعات بل حتى أشهر وسنوات ممّا سيسبب حتما في تضاعف عدد الضحايا من المدنيين.
يتضح مما تقدم بان أميركا وحليفتها قد انتهكا كل قواعد القانون الدولي فيما يخص حماية المدنيين. وحسب المادة 50 من اتفاقية جنيف الأولى فان انتهاك واحد من هذه الانتهاكات الكثيرة يكفي لمتابعة فاعليه قضائيا.
معاملة أسرى الحرب بطريقة غير إنسانية:
لقد جاءت اتفاقية جنيف الثالثة لحماية أسرى الحرب، فالمادة الثالثة منها نلّزم الدول الأطراف على معاملتهم بإنسانية وبطريقة تحفظ لهم كرامتهم، وتضيف المادة 14 بان لأسرى الحرب الحق في احترام شخصيتهم وشرفهم، كما يستدعي حمايتهم من كل أعمال العنف (المادة 13).
إن جنود الاحتلال لم يحترموا كل هذه المواد، بحيث مارسوا على الأشخاص الذين يقعون تحت قبضتهم سواء كانوا مدنيين أو غير مدنيين كل أنواع المس بالكرامة الإنسانية.
بالفعل لقد شاهد العالم بأسره عبر مختلف المحطات التلفزيونية كيف كان هؤلاء الجنود يعاملون الأسرى أو من يقع في قبضتهم سواء بالشتم أو بإهانتهم بالطلب منهم الركوع تحت أقدامهم، مشاهد أثارت مشاعر الذين لا يزالون يعرفون معنى الإنسانية والذين ينتسبون للعروبة.
أبعد من ذلك، نجد جنود الاحتلال قد أفرطوا في إذلال الأسرى العراقيين وذلك بوضع أكياسا سوداء على رؤوسهم، ممارسة منقولة من الجيش الإسرائيلي في معاملته للأسرى الفلسطينيين.
ولقد وضع الأسرى العراقيين في الصحراء تحت أشعة الشمس من دون أي حماية ولا حتى ابسط شروط المعيشة فحين تحظر اتفاقية جنيف الثالثة تعريض صحة وحياة أسرى الحرب إلى الخطر (المادة 13 والمادة 19) وتلّزم الجهة الآسرة على توفير لهم نفس شروط الإقامة التي تتمتع بها.
كما تدعو اتفاقيات جنيف الأربع، أطراف النزاع إلى السماح للمنظمات الإنسانية مثل لجنة الصليب الأحمر بالتواجد على ارض النزاع لتقديم مساعداتها للجرحى والمرضى. وانه لمن الغريب أن غادرت المنظمات الإنسانية الأراضي العراقية أيام قليلة قبل اندلاع العدوان على العراق ممّا يدفعنا إلى التسول عن السبب الذي دفعها للقيام بذلك ؟
ونود أخيرا أن نذكّر بأن الشعب العراقي عانا الأمرين وذاق المآسي على يد النظام العراقي أليس من العدل والإنسانية أن يرى نور العدالة من جديد فإذا بأميركا وحليفتها بدلا” من إن تمسح عنه أحزانه وتمنحه الحرية زادته بؤسا” ودمارا” وأحزانا” .
وما أميركا إلا “علوج” فانشغالها الوحيد هو مص الثروات النفطية لهذا البلد وغرس قواعد عسكرية تقوي وجودها في منطقة الشرق الأوسط.
كما نأمل أن تتحرك أنظمة الدول العربية لتقف وقفة موحدة من أجل نصرة هذا الشعب وإبعاد شبح أمريكا وإسرائيل عنه.
[1] جاءت هذه الاتفاقية بقصد مراجعة اتفاقية لاهاي العاشرة، المؤرخة في 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907، بشأن تطبيق مبادئ اتفاقية جنيف لعام 1906 على الحرب البحرية.
[2] لقد سبق تعريف الجرحى والمرضى، أنظر أعلاه.
[3] انظر مقالنا تحت عنوان انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في العراق من قبل الحلفاء، الملحق بالمحاضرة.
[4] جاءت هذه الاتفاقية بقصد مراجعة الاتفاقیة المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، المبرمة في جنیف بتاریخ 27 تموز/یولیھ1929.
[5] للمزيد من التفصيل، راجع عامر الزمالي؛ المرجع السابق، ص 47-50.
[6] أنظر المادة 12 و15 من اتفاقية جنيف الثالثة.
[7] جميع هذه الدول أطرافا في اتفاقيات جنيف الثالثة.
[8] راجع عامر الزمالي؛ المرجع السابق، ص 50.
[9] انظر مقالنا تحت عنوان انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني في العراق من قبل الحلفاء، الملحق بالمحاضرة.
[10] أنظر المواد من 42 إلى 56.