
تعتبر هذه المحاضرة مدخلا لفهم واستيعاب ماهية القانون الدولي الإنساني وذلك بالتوقف عند مفهوم هذا القانون، جذوره التاريخية وعند مصادر تطبيقه وفق التقسيم الآتي:
أولا: مفهوم القانون الدولي الإنساني وجذوره التاريخية
- تعريف القانون الدولي الإنساني وعلاقته بقانون حقوق الإنسان
- التطور التاريخي للقانون الدولي الإنساني
ثانيا: مصادر تطبيق القانون الدولي الإنساني
- القواعد العرفية
- المصادر المكتوبة
ثالثا: المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني
- مبادئ قانون لاهاي وقانون جنيف
- مبادئ مشتركة مع قانون حقوق الإنسان
أولا: مفهوم القانون الدولي الإنساني وجذوره التاريخية
القانون الدولي الإنساني هو أحد فروع القانون الدولي العام سنتوسع في مفهومه ونميزه عن فرع آخر من فروع القانون الدولي العام، وهو قانون حقوق الإنسان كما سنتوقف عند تطوره التاريخي ضمن النقطتين التاليتين:
- تعريف القانون الدولي الإنساني وعلاقته بقانون حقوق الإنسان
- التطور التاريخي للقانون الدولي الإنساني
1. تعريف القانون الدولي الإنساني وعلاقته بقانون حقوق الإنسان:
يجري تعريف القانون الدولي الإنساني كمجموعة من القواعد التي تحمي في أوقات الحرب والنزاعات المسلحة أشخاص معينين وممتلكات معينة. والهدف الأساسي لهذا القانون هو الحد من معاناة الإنسان وتفاديها في النزاعات المسلحة [1]؛ وفيما يلي تفصيلا عن تعريف هذا القانون وتمييزه عن قانون حقوق الإنسان:
أ- تعريف القانون الدولي الإنساني:
يمكن تعريف القانون الدولي الإنساني على أنه عبارة عن مجموعة من القواعد العرفية والمكتوبة هدفها الأساسي هو حماية الأشخاص، الأموال والأعيان والأماكن التي ليست لها علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية (وهذا نطاقه الموضوعي) أثناء النزاعات المسلحة (وهذا نطاقه الزمني)[2].
فالقانون الدولي الإنساني يحمي الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال كالمدنيين وعمال الاغاثة ورجال الدين والصحفيين … أو الأشخاص الذين لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه مثل الجرحى والغرقى وأسرى الحرب.
كما يبسط هذا القانون في حالة النزاعات المسلحة حمايته على بعض الأعيان، مثل الممتلكات الثقافية وجميع الأعيان المدنية الأخرى إضافة إلى المنشآت الطبية العسكرية وسيارات الإسعاف.[3]
والقانون الدولي الإنساني الذي يهدف إلى ضمان معاملة الإنسان في جميع الأحوال معاملة إنسانية زمن الحرب أو النزاعات المسلحة، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون أو الدين أو المعتقد أو الجنس أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر … قد تطور وتأثر بالصكوك الدولية الهامة في ميدان حقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقية الأوروبية لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وذلك تأسيسا على أن الإنسان يحق له التمتع بحقوقه اللصيقة بآدميته وكرامته البشرية على قدم المساواة في زمن السلم أو زمن الحرب. ومن هنا نتساؤل عن العلاقة القائمة بين هذا القانون وبين قانون حقوق الإنسان؟
ب- العلاقة بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان:
القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان هما فرعان من فروع القانون الدولي العام، وهما متميزان ولكن مكملان لبعضهما البعض. ويسعى كل من القانونين إلى حماية الأفراد من الأعمال التعسفية والإساءة. فحقوق الإنسان ملازمة للطبيعة البشرية وتحمي الفرد في كل الأوقات، أوقات النزاعات المسلحة وأوقات السلم.
أما القانون الدولي الإنساني فيطبق في حالات النزاعات المسلحة فقط. ومن ثم فإن قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني يطبقان بطريقة متكاملة في حالات النزاع المسلح.
ولقد تخلى القانون الدولي الإنساني عن استعمال لفظ “الحرب” واختار مصطلح “النزاع المسلح” وأطلقه على حالات معينة من استخدام القوة[4]، وعموما يطبق القانون الدولي الإنساني في الحالات التالية:
ü النزاعات المسلحة الدولية
ü النزاعات المسلحة غير الدولية
ü النزاعات الداخلية
أما الحالات الخارجة عن نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني، فهي التوترات والاضطرابات الداخلية، ذلك أن هذا النوع من أنواع العنف المسلح لا يعتبر “نزاعا مسلحا” حسب قواعد هذا القانون كما سنرى.
2. التطور التاريخي للقانون الدولي الإنساني:
ظلت فكرة حماية الإنسان من ويلات الحرب عالقة لدى جميع الشعوب منذ العصور القديمة. إلا أن إضفاء طابع الإنسانية على النزاعات المسلحة شهد تطوراً هائلاً في القرن التاسع عشر. ويعود الفضل في نشأة القانون الدولي الإنساني على أثر حدثين مميزين:
الأوّل: تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر عام 1863.
الثاني: توقيع اتفاقية جنيف التي تعني بتحسين مصير العسكريين الجرحى في القوات المسلحة في الميدان، في آب 1864.[5]
هذين الحدثين المهمين جاءا بمبادرة من هانري دونان الذي هاله ما وقع من فضائع في معركة سولفرينو فألف كتابا بعنوان “ذكرى من سولفرينو” طرح من خلاله فكرتين هما:
– ضرورة إنشاء في كل دولة هيئة إغاثة تقوم بنجدة ضحايا الحروب؛
– ضرورة تحديد قوانين لسماح بتمريض الجنود الجرحى مهما كانت هويتهم.
ولقد تمَّ تأسيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ قرابة قرن ونصف القرن. وتسعى هذه المنظمة إلى الحفاظ على قدر من الإنسانية في خضم النزاعات المسلحة، ويسترشد عملها بالمبدأ القائل بوضع حدود للحرب نفسها: أي حدود لتسيير الأعمال الحربية وحدود لسلوك الجنود.
وتُعرف مجموعة الوثائق التي وضعت استنادا إلى هذا المبدأ والتي أقرتها كل أمم العالم تقريبا، بالقانون الدولي الإنساني الذي تشكل اتفاقيات جنيف مصادره المكتوبة الأساسية كما سيتوضح في النقطة التالية:
ثانيا: مصادر تطبيق القانون الدولي الإنساني
إن القانون الدولي الإنساني كما رأينا، هو من أهم فروع القانون الدولي العام، وتشكل المعاهدات الدولية والقواعد العرفية أهم مصادره، نستعرضها كالآتي:
- 1. المعاهدات الدولية:
هناك المئات من المعاهدات التي تشكل القانون الدولي الإنساني نورد أبرزها[6]:
ü اتفاقية “جنيف” لتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان (1864): تعود هذه الاتفاقية المؤرخة في 22 آب عام 1864 إلى مبادرة خاصة قامت بها “لجنة جنيف” عام 1863، عندما دعت الحكومة الاتحادية السويسرية إلى دعمها والدعوة إلى عقد مؤتمر حكومي لإبرام اتفاقية ترمي إلى تحسين حال العسكريين في الميدان.
وإثر ذلك دعت الحكومة السويسرية الدول الأوربية إلى المؤتمر الذي أفضى إلى توقيع معاهدة هي الأولى من نوعها وتمثل نقطة انطلاق القانون المطبق في النزاعات المسلحة وهي تحتوي على عشر مواد فقط تنص على:[7]
– حياد الأجهزة الصحية ووسائل النقل الصحي وأعوان الخدمات الصحية؛
– احترام المتطوعين المدنيين الذي يساهمون في أعمال الإغاثة؛
– تقديم المساعدة الصحية دون تمييز؛
– حمل شارة خاصة هي صليب أحمر على رقعة بيضاء. [8]
ü اتفاقية “جنيف” لعام 1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان: هذه الاتفاقية الموقعة في 6 تموز 1906 متممة ومطوّرة للاتفاقية الأولى، وظلت اتفاقية “برية” لأن ضحايا الحرب البحرية من العسكريين يتمتعون بحماية اتفاقية “لاهاي” الثالثة لعام 1899.
ووسعت اتفاقية 1906 نطاق تطبيق الاتفاقية السابقة وشملت “المرضى” أيضا وبلغ عدد موادها ثلاث وثلاثين مما يدل على أهمية الإضافات الجديدة . كما نصت الاتفاقية على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط المعاملة بالمثل أو المشاركة الجماعية.
ü اتفاقيتا جنيف “لعام 1929: انعقد مؤتمر “جنيف” الدبلوماسي بدعوة من الحكومة السويسرية سنة 1929 وأثمر اتفاقيتين:
أ- اتفاقية “جنيف” المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان: مؤرخة في 27 تموز 1929. وتضم 39 مادة وهي صيغة جديدة لاتفاقية سنة 1906 واهتمت بالطيران الصحي والإسعاف وأقرّت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الأحمر وهما الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمر.
ب- اتفاقية “جنيف” لمعاملة أسرى الحرب بتاريخ 27 آب 1929: وتناولت الاتفاقية ضمن 37 مادة أهم ما يتصل بحياة الأسير وكفلت له التمتع بخدمات الدولة الحامية بواسطة أعوانها المتخصصين وكذلك بخدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر كما نصت على بعث وكالة أبحاث لجمع ما أتيح من معلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار مع أهلهم وذويهم. وقد لعبت هذه الاتفاقية دورا كبيرا في معالجة أسرى الحرب العالمية الثانية.
ü اتفاقيات جنيف الأربعة 12 آب 1949:
عام 1949 وعلى إثر الحرب العالمية الثانية، دعت الحكومة السويسرية المجتمع الدولي إلى مؤتمر بمدينة “جنيف”، وتمخض هذا المؤتمر عن إبرام أربع اتفاقيات هي المعمول بها حاليا في الحروب والنزاعات المسلحة.
فاتفاقية جنيف هي مجموعة نصوص متكونة من أربعة اتفاقيات و ثلاث بروتوكولات، وقد انضم إليها 190 دولة. وهي تعتبر الجزء الأهمّ من القانون الدولي الإنساني.
وتحمي اتفاقيات جنيف بالأخص الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال (كالمدنيين وأفراد الوحدات الطبية والدينية وعمال الإغاثة) والأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن القتال (كالجرحى والمرضى والجنود الغرقى وأسرى الحرب). وتطالب اتفاقيات جنيف والبروتوكولات الثلاثة الإضافية باتخاذ إجراءات لمنع وقوع ما يعرف “بالانتهاكات الجسيمة” (أو وضع حد لها). ويجب معاقبة المسئولين عن الانتهاكات.
مضمون اتفاقيات جنيف الأربعة:
تدور اتفاقيات جنيف الأربعة حول:
أ- مراجعة وتطوير اتفاقيتي “جنيف” لعام 1929 وقانون لاهاي وإقرار اتفاقية ثانية لحماية ضحايا الحرب البحرية من غرقى وجرحى ومرضى.
ب – توسيع مجالات القانون الدولي الإنساني لضحايا النزاعات والفتن الداخلية للدول وذلك لضمان حد أدنى من المعاملة الإنسانية بين أطراف النزاع الداخلي المسلح.
ج – حماية المدنيين تحت الاحتلال وزمن الحرب ضرورة أنه تم لأول مرة الاهتمام بالمدنيين تحت الاحتلال ولم تتمكن الدول من الموافقة عليه إلا عام 1977.
البروتوكولان الإضافيان لاتفاقيات “جنيف”(1977):
وضع المؤتمر الدبلوماسي المنعقد “بجنيف” بين 1974 و 1977 برتوكولين إضافيين:
البروتوكول الأول:
– موضوعه ضحايا النزاعات المسلحة الدولية وهو متمم للاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وتضمن اعتبار حروب التحرير الوطني نزاعا دوليا مسلحا، ووسع البروتوكول مجال الحماية القانونية للوحدات الصحية وأعوان الخدمات الطبية المدنية على غرار الوحدات الصحية العسكرية وأعطى تفاصيل عن وسائل النقل الصحي من سيارات وسفن وزوارق وطائرات؛
– واعترف البروتوكول لمقاتلي حرب العصابات بصفة المقاتل وصفة أسير الحرب وأهتم بالسكان المدنيين وصيانتهم وتجنيبهم تبعات النزاع المسلح أثناء العمليات العسكرية بهدف الحد من الأخطار التي تحدق بالسكان المدنيين زمن الحرب؛
– ونصّ البروتوكول على بعث جهاز للاطلاع بمهام التحقيق في حالات الخرق الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
البروتوكول الثاني لحماية ضحايا النزاعات غير الدولية:
عرّف البروتوكول النزاع غير الدولي بأنه نزاع تدور أحداثه على إقليم أحد الأطراف المتعاقدة بين قواته المسلحة وقوات مسلحة منشقة أو جماعة نظامية مسلحة أخرى، واقرّ مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة حتى لا يكون القانون الإنساني مطيّة للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة.
ودعّم الضمانات الأساسية لغير المقاتلين وتقديم الخدمات اللازمة لمساعدة الأسرى وضمان الحقوق القضائية لهم عند تتبّعهم.
والى جانب هذه المواثيق الدولية يتعيّن ذكر بعض المواثيق الدولية التي لها علاقة بقانون “جنيف” مثل:
– إعلان سان بتيرسبورغ لسنة 1868 المتعلق بحضر استخدام بعض القذائف المتفجرة.
– إعلان لاهاي لسنة 1899 لحضر الرصاص من نوع “دم دم”.
– بروتوكول “جنيف” لسنة 1925 لمنع استخدام الغازات السامة والأسلحة الجرثومية والبكتريولوجية.
– اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1980 لمنع استخدام بعض الأسلحة التقليدية.
- 2. القواعد العرفية:
لما كان تطبيق القانون الدولي الإنساني في المنازعات المسلحة يتوقف على تصديق الدول المعنية بالنزاع على هذه المعاهدات، فإن هناك عدة دول تجري على أراضيها منازعات مسلحة غير دولية لم تصادق على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977.
ففي هذه المنازعات المسلحة غير الدولية غالبا ما تكون المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة الحكم الوحيد المنطبق عليها من المعاهدات الإنسانية.
ولذلك فإنه من المهم تحديد أي من قواعد القانون الدولي الإنساني تشكل جزءاً من القانون الدولي العرفي وبالتالي تنطبق على جميع أطراف المنازعات بغض النظر إن كانت هذه الأطراف قد صادقت على المعاهدات التي تتضمن القواعد نفسها أو ما شابهها أم لا؟
كما أن القانون الدولي الإنساني التعاهدي لا ينظم بتفاصيل كافية نسبة كبيرة من المنازعات المسلحة المعاصرة، أي المنازعات غير الدولية، لأن هذه المنازعات تخضع لعدد من القواعد التعاهدية اقل كثيراً من القواعد التي تحكم المنازعات الدولية ولذلك فلابد لنا من معرفة ما إذا كان القانون الدولي العرفي ينظم المنازعات المسلحة غير الدولية بشكل أكثر تفصيلا من القانون التعاهدي وإذا كان كذلك فإلى أي مدى؟[9]
ثالثا: المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني
يقوم القانون الدولي الإنساني على مجموعة من المبادئ الأساسية التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية صراحة أو تستخرج ضمنيا من سياقها، أو نصت عليها قواعد القانون الإنساني العرفي.
وعموما يمكن حصر هذه المبادئ في مبادئ قانون لاهاي وقانون جنيف، وفي مبادئ مشتركة بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان، نتوسع فيها كالآتي:
- مبادئ قانون لاهاي وقانون جنيف:
جاء في إعلان سان بيترسبورغ لعام 1868، الذي يشكل الخطوة الأولى في مسيرة “قانون لاهاي” أن: “تقدم الحضارة يجب أي يؤدي الى التخفيف قدر الإمكان من ويلات الحرب” وأن “الهدف الوحيد المشروع الذي على الدول أن تسعى إليه أثناء الحرب هو إضعاف القوات العسكرية للعدو”.
ويستخلص من هذه الفقرتين مبدئين تقليديين ملازمين للنزاعات المسلحة، وهما مبدأي الضرورة العسكرية والمعاملة الإنسانية. ويندرج تحت هذين المبدئين الأساسيين، أربع مبادئ فرعية:
ü مبدأ التفرقة بين المدنيين والأهداف العسكرية: يحظر هذا المبدأ التعرض للمدنيين والممتلكات المدنية، فالهجوم يجب أن يقتصر على الأهداف العسكرية أي القوات العسكرية بما في ذلك المقاتلين والمنشآت التي تساهم في تحقيق هدف عسكري، مع مراعاة قاعدة التناسب في جميع الأحوال[10]، لكن الخسائر العرضية بين المدنيين أو أموالهم لا تعتبر خرقا لقانون الحرب.
ولقد قام قانون جنيف على مبدأ احترام الذات البشرية بما يكفل حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات العدائية أو الذين أصبحوا غير قادرين على ذلك ومعاملتهم معاملة إنسانية؛ كما دعم البرتوكول الأول بوضوح هذا المبدأ.
ü حظر بعض أنواع الأسلحة (السامة والجرثومية والكيمياوية وبعض أنواع المتفجرات): والحد من استخدام الأسلحة التقليدية العشوائية بما في ذلك الألغام والأفخاخ والأسلحة الحارقة، أو حتى النووية كونها تصنف ضمن الأسلحة العشوائية؛
ü حظر اللجوء الى الغدر أثناء القتال: وهو يختلف عن الحيل الحربية التي هي مشروعة؛
ü احترام سلامة شخص الخصم الذي يلقي السلاح أو لم يعد قادرا على القتال؛
ü الاحتلال وضع واقعي لا يعطي المحتل الملكية في الأرض المحتلة ويمكن له أن يصادر بعض الأموال ويعمل على حفظ الأمن.
ü شرط مارتنز:
وفقا لهذا الشرط يظل المدنيون والمقاتلون في الحالات غير المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية، تحت حماية المبادئ الإنسانية وما يمليه الضمير العام، ولقد نصت على هذا الشرط اتفاقية لاهاي الثانية لعام 1899، والرابعة لعام 1907، واتفاقيات جنيف الأربعة، والبرتوكولان الأول والثاني، واتفاقية 1980 بشان حظر بعض الأسلحة التقليدية. كما اعتمدت محكمة “نورمبرغ” هذا المبدأ عند البت في قضايا كبار مجرمي الحرب العالمية الثانية.
- 2. مبادئ مشتركة مع قانون حقوق الإنسان:
في مقابل المبادئ الخاصة بقانون الحرب والنزاعات المسلحة، هناك مبادئ مشتركة بينه وبين قانون حقوق الإنسان نلخصها في ما يلي:
ü يجب ألا تتنافى مقتضيات الحرب واحترام الذات الإنسانية؛
ü حصانة الذات البشرية: ليست الحرب مبررا للاعتداء على حياة من لا يشاركون في القتال أو الذين لم يعودوا قادرين على ذلك؛
ü منع التعذيب بشتى أنواعه، ويتعين على الطرف الذي يحتجز رعايا العدو أن يطلب منهم البيانات المتعلقة بهويتهم فقط، دون إجبارهم على إعطاء معلومات تحت الإكراه؛
ü احترام الشخصية القانونية: فضحايا الحرب الأحياء ممن يقعون في قبضة العدو يحتفظون بشخصيتهم القانونية وما يترتب عليها من أعمال قانونية مشروعة؛
ü احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد وتكتسي الأخبار العائلية أهمية خاصة في القانون الإنساني وهناك جهاز خاص في “جنيف” هو وكالة الأبحاث تتولى جمع الأخبار ونقلها إلى من له الحق في ذلك؛
ü الملكية الفردية محمية ومضمونة؛
ü عدم التمييز: في المساعدة والعلاج ومختلف الخدمات والمعاملة بصورة عامة تقدم للجميع دون فرق إلا ما تفرضه الأوضاع الصحية والسن؛
ü توفير الأمان والطمأنينة وحظر الأعمال الانتقامية والعقوبات الجماعية واحتجاز الرهائن، وإذا ارتكب شخص يحميه القانون الإنساني جريمة فانه يعاقب وفقا للنصوص المعمول بها مع مراعاة الضمانات القضائية على مستوى الإجراءات قبل التحقيق وبعده وعند المحاكمة وبمناسبة تنفيذ الحكم؛
ü حظر استغلال المدنيين أو استخدامهم لحماية أهداف عسكرية؛
ü منع النهب والهجوم العشوائي والأعمال الانتقامية.
الملحق الأول: النقاط أو القواعد السبع الأساسية للقانون الدولي الإنساني
1- يحق للأشخاص العاجزين عن القتال أو غير المشاركين مباشرة في الأعمال العدائية أن تحترم أرواحهم وسلامتهم المعنوية والبدنية، وأن يتمتعوا بالحماية والمعاملة الإنسانية دون أي تمييز مجحف.
2- يحظر قتل أو إصابة أحد أفراد العدو الذي يستسلم أو يكون عاجزاً عن القتال.
3- يتم جمع الجرحى والمرضى ورعايتهم من قبل طرف النزاع الخاضعين لسلطته. وتشمل الحماية أيضاً الأفراد العاملين في المجال الطبي، والمنشآت، ووسائل النقل والمعدات. وشارة الصليب الأحمر أو الهلال الأحمر هي علامة هذه الحماية ويجب أن تحترم.
4- يحق للمقاتلين والمدنيين الواقعين تحت سلطة الطرف الخصم أن تحترم أرواحهم، وكرامتهم وحقوقهم الشخصية ومعتقداتهم، وأن يتمتعوا بالحماية من كافة أعمال العنف والأعمال الانتقامية. ويحق لهم مراسلة عائلاتهم وتلقي الإغاثة.
5- يحق لكل فرد الاستفادة من الضمانات القضائية الأساسية. ولا يعد مسؤولاً عن عمل لم يرتكبه. ولا يكون معرضاً للتعذيب البدني أو النفسي، أو العقاب البدني أو المعاملة الوحشية أو المهينة.
6- ليس لأطراف النزاع وأفراد قواتها المسلحة خيار غير محدود بالنسبة لوسائل وأساليب الحرب. ومن المحظور استخدام أسلحة أو أساليب الحرب التي تسبب خسائر غير ضرورية أو معاناة مفرطة.
7- على أطراف النزاع التمييز في كافة الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين من أجل الحفاظ على حياة السكان المدنيين وصيانة الممتلكات المدنية. ولا يجوز أن يكون السكان المدنيون أو الأشخاص المدنيون عرضة للاعتداء، بل توجه الاعتداءات ضد الأهداف العسكرية فقط.
الملحق الثاني: نص اتفاقية جنيف الأولى للعام 1864.
Convention for the Amelioration of the Condition of the Wounded in Armies in the Field. Geneva, 22 August 1864
Article 1. Ambulances and military hospitals shall be recognized as neutral, and as such, protected and respected by the belligerents as long as they accommodate wounded and sick.
Neutrality shall end if the said ambulances or hospitals should be held by a military force.
Art. 2. Hospital and ambulance personnel, including the quarter-master’s staff, the medical, administrative and transport services, and the chaplains, shall have the benefit of the same neutrality when on duty, and while there remain any wounded to be brought in or assisted.
Art. 3. The persons designated in the preceding Article may, even after enemy occupation, continue to discharge their functions in the hospital or ambulance with which they serve, or may withdraw to rejoin the units to which they belong.
When in these circumstances they cease from their functions, such persons shall be delivered to the enemy outposts by the occupying forces.
Art. 4. The material of military hospitals being subject to the laws of war, the persons attached to such hospitals may take with them, on withdrawing, only the articles which are their own personal property.
Ambulances, on the contrary, under similar circumstances, shall retain their equipment.
\Art. 5. Inhabitants of the country who bring help to the wounded shall be respected and shall remain free. Generals of the belligerent Powers shall make it their duty to notify the inhabitants of the appeal made to their humanity, and of the neutrality which humane conduct will confer.
The presence of any wounded combatant receiving shelter and care in a house shall ensure its protection. An inhabitant who has given shelter to the wounded shall be exempted from billeting and from a portion of such war contributions as may be levied.
Art. 6. Wounded or sick combatants, to whatever nation they may belong, shall be collected and cared for.
Commanders-in-Chief may hand over immediately to the enemy outposts enemy combatants wounded during an engagement, when circumstances allow and subject to the agreement of both parties.
Those who, after their recovery, are recognized as being unfit for further service, shall be repatriated.
The others may likewise be sent back, on condition that they shall not again, for the duration of hostilities, take up arms.
Evacuation parties, and the personnel conducting them, shall be considered as being absolutely neutral.
Art. 7. A distinctive and uniform flag shall be adopted for hospitals, ambulances and evacuation parties. It should in all circumstances be accompanied by the national flag.
An armlet may also be worn by personnel enjoying neutrality but its issue shall be left to the military authorities.
Both flag and armlet shall bear a red cross on a white ground.
Art. 8. The implementing of the present Convention shall be arranged by the Commanders-in-Chief of the belligerent armies following the instructions of their respective Governments and in accordance with the general principles set forth in this Convention.
Art. 9. The High Contracting Parties have agreed to communicate the present Convention with an invitation to accede thereto to Governments unable to appoint Plenipotentiaries to the International Conference at Geneva. The Protocol has accordingly been left open.
Art. 10. The present Convention shall be ratified and the ratifications exchanged at Berne, within the next four months, or sooner if possible.
In faith whereof, the respective Plenipotentiaries have signed the Convention and thereto affixed their seals.
Done at Geneva, this twenty-second day of August, in the year one thousand eight hundred and sixty-four.
الملحق الثالث: أهم اتفاقيات القانون الدولي الإنساني
- اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، 1949.
- اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، 1949.
- اتفاقية حنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، 1949.
- اتفاقية حنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب 1949.
- · البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب/أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، 1977.
- · البرتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب/أغسطس 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، 1977.
- الاضطرابات والتوترات الداخلية:
- · مشروع جديد لإعلان عن القواعد الإنسانية الدنيا، صدر عن إجتماع لفريق من الخبراء -بصفتهم الشخصية- فيما بين 30 نوفمبر/ تشرين الثاني و2 ديسمبر/ كانون الأول 1990 في توركو.
- · إعلان بشأن قواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بتسيير الأعمال العدائية في المنازعات المسلحة غير الدولية، صدر خلال إجتماع مجلس المعهد الدولي للقانون، في تاورمينا في 7 أبريل/ نيسان 1990.
- اجتماع المائدة المستديرة التاسع عشر بشأن المشكلات الراهنة للقانون الدولي الإنساني، سان ريمو، 29 أب/أغسطس-2 أيلول/سبتمبر 1994.
- · إعلان سان بترسبورغ لسنة 1868 بغية حظر استعمال قذائف معينة في زمن الحرب، وقع في سان بترسبورغ في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1868.
- اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، نصا نموذجيا للإعلان بالاعتراف باختصاص اللجنة الدولية لتقصي الحقائق.
- · مبادئ توجيهية بشأن الحق في المساعدة الإنسانية، اعتمدت من قبل مجلس إدارة معهد سان ريمو الدولي للقانون الدولي الإنساني في دورته المنعقدة في نيسان/أبريل 1993.
- · القانون الدولي الإنساني: الانتقال من القانون إلي العمل تقرير عن أعمال متابعة المؤتمر الدولي لحماية ضحايا الحرب، القرار 1، الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، جنيف 3-7 كانون الأول/ديسمبر 1995.
- · حماية السكان المدنيين في فترة النزاع المسلح، القرار 2، الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، جنيف 3-7 كانون الأول/ديسمبر 1995.
- مواد الحرب التي أصدرها ملك السويد غوستاف الثاني أدولف، سنة 1621.
- اتفاق تعاون بين الأمانة العامة لمنظمة الدول الأمريكية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، 10 أيار/مايو 1996.
- الموئل البشري الثاني: إعلان من اللجنة الدولية، اسطنبول من 3 إلي 14 حزيران/يونيه 1996.
- منح اللجنة الدولية للصليب الأحمر مركز المراقب لدي الجمعية العامة للأمم المتحدة، 16 تشرين الأول/أكتوبر 1990.
- اتفاق بين اللجنة الدولية للصليب الأحمر ورابطة جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، 20 تشرين الأول/أكتوبر 1989-جنيف.
- · القانون الدولي الإنساني المطبق في النزاعات المسلحة في البحار، القرار 3، الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، جنيف 3-7 كانون الأول/ديسمبر 1995.
- · المبادئ والأعمال المعتمدة بشأن المساعدة والحماية في إطار العمل الإنساني، القرار 4، الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، 3-7 كانون الأول/ديسمبر 1995، جنيف.
- · دعم القدرة الوطنية علي تقديم المساعدة في الشؤون الإنسانية و الإنمائية وحماية المستضعفين، القرار 5، الصادر عن المؤتمر الدولي السادس والعشرين للصليب الأحمر والهلال الأحمر، 3-7 كانون الأول/ديسمبر 1995، جنيف.
- الإعلان الختامي للمؤتمر الدولي لحماية ضحايا الحرب، 30 آب/أغسطس إلي 1 أيلول/سبتمبر 1993، جنيف.
- اجتماع فريق الخبراء الدولي الحكومي المعني بحماية ضحايا الحرب، 23 إلي 27 كانون الثاني/يناير 1995، جنيف.
- · احترام القانون الدولي الإنساني ومساندة العمل الإنساني في المنازعات المسلحة، قرار اتخذ دون تصويت من قبل المؤتمر البرلماني الدولي التسعون، 13 إلي 18 أيلول/سبتمبر 1993، كانبيرا، استراليا.
- · احترام القانون الدولي الإنساني ومساندة العمل الإنساني في النزاعات المسلحة، قرار لمجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الستون، 6 إلي 11 حزيران/يونيو 1994، تونس.
- احترام القانون الدولي الإنساني، قرار للجمعية العامة لمنظمة الدول الأمريكية، الدورة العادية الرابعة والعشرون، اللجنة الأولي، المسائل القانونية والسياسية، 6 حزيران/يونيه 1994، بليم جو بارا، البرازيل.
- · النظام الأساسي للجنة الدولية للصليب الأحمر، صدر في 24 حزيران/يونيه 1998، وحل محل النظام الأساسي الصادر في 21 حزيران/يونيه 1973، دخل حيز النفاذ في 20 تموز/يوليه 1998.
- · الاتجاه إلي تحريم الألغام الأرضية المضادة للأفراد: تحريما تاما، إعلان للمؤتمر الاستراتيجي الدولي، أوتاوا، من 3 إلي 5 تشرين الأول/أكتوبر 1996.
- · أول اقتراح لإنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، مشروع اتفاقية دولية بشأن إنشاء هيئة قضائية دولية لمنع وردع أي مخالفة لاتفاقية جنيف المؤرخة في 22 آب/أغسطس 1864، إعداد: غوستاف موانييه – جنيف، 1872.
- · البيان الذي أدلت به اللجنة الدولية للصليب الأحمر أمام الجمعية العام للأمم المتحدة حول فتوى محكمة العدل الدولية بشأن مشروعية التهديد بالأسلحة النووية أو استخدامها، أمام اللجنة الأولي للجمعية العامة للأمم المتحدة، الدورة 51، سنة 1996.
- توصيات اجتماع فريق الخبراء الدولي الحكومي المعني بحماية ضحايا الحرب، 23 إلي 27 كانون الثاني/يناير 1995، جنيف.
- النظام الداخلي للجنة الدولية الإنسانية لتقصي الحقائق، اعتمد في 8 تموز/يوليه 1992.
- إعلان كمبالا، اعتمده المؤتمر الأفريقي الرابع، في 27 أيلول/سبتمبر 1996 في كمبالا (أوغندا).
- · استنتاجات بشأن جمع شمل العائلات، صدرت عن مائدة مستديرة نظمت برعاية المعهد الدولي للقانون الإنساني، سان ريمو خلال الفترة من 6 إلي 10 أيلول/سبتمبر 1988.
- · نتائج وتوصيات الندوة الإقليمية بشأن التدابير الوطنية لتطبيق القانون الدولي الإنساني، سان خوزيه، كوستاريكا، من 18 إلي 21 حزيران/يونيه 1991.
- · إعلان بشأن زيادة فعالية مبدأ الامتناع عن التهديد باستعمال القوة أو استعمالها في العلاقات الدولية، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 42/22 المؤرخ في 18 كانون الأول/ ديسمبر 1987.
- · إعلان مانيلا بشأن تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 37/10 المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 1982.
- اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، لاهاي 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907.
- اتفاقية لاهاي بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية، 18 تشرين الأول/أكتوبر 1907.
- اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح، 14 أيار/مايو 1954.
- بروتوكول بشأن المتفجرات من مخلفات الحرب، 28 كانون الثاني/نوفمبر 2003.
- البروتوكول المتعلق بأسلحة الليزر المسببة للعمى، 13 تشرين الأول/أكتوبر 1995.
الملحق الرابع: نافذة على القانون الدولي الإنساني العرفي
عبدالباسط التويجري مقال نشر في مجلة الجنان لحقوق الإنسان؛ العدد الأول، أيلول 2010، ص 65-73.
يعد الإنسان محور الاهتمام الحضاري وتطويره وذلك من خلال ترجمة الكينونة الاجتماعية للقانون الذي نشأ وشيدت نظرياته ونظمه أصلا لخدمة الإنسان وحماية كرامته سواء في الظروف العادية ( وقت السلم ) أو الظروف الطارئة ( وقت الحرب).
فمبدأ كرامة الإنسان هو الداعي للإقرار بها لدى جميع الأسرة البشرية كون الكرامة متأصلة في الإنسان وتعبر عن الثبوت والمساواة لأساس الحرية والعدل والسلام للإنسان في العالم.[11]
والاهتمام القانوني بالإنسان انصب على حماية شخصه وحقوقه من الانتهاكات والتجاوزات، الأمر الذي كان سبباً في تشييد نظم قانونية عالمية سميت بالقانون الدولي الإنساني وتأكيدا لإلزامية التقيد بمضمونها انبثق القانون الدولي الإنساني التعاهدي.
ولما كان تطبيق القانون الدولي الإنساني في المنازعات المسلحة يتوقف على تصديق الدول المعنية بالنزاع على هذه المعاهدات، فإن هناك عدة دول تجري على أراضيها منازعات مسلحة غير دولية لم تصادق على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1977.
ففي هذه المنازعات المسلحة غير الدولية غالبا ما تكون المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربعة الحكم الوحيد المنطبق عليها من المعاهدات الإنسانية.
ولذلك فإنه من المهم تحديد أي من قواعد القانون الدولي الإنساني تشكل جزءاً من القانون الدولي العرفي وبالتالي تنطبق على جميع أطراف المنازعات بغض النظر إن كانت هذه الأطراف قد صادقت على المعاهدات التي تتضمن القواعد نفسها أو ما شابهها أم لا؟
كما أن القانون الدولي الإنساني التعاهدي لا ينظم بتفاصيل كافية نسبة كبيرة من المنازعات المسلحة المعاصرة، أي المنازعات غير الدولية، لأن هذه المنازعات تخضع لعدد من القواعد التعاهدية اقل كثيراً من القواعد التي تحكم المنازعات الدولية ولذلك فلابد لنا من معرفة ما إذا كان القانون الدولي العرفي ينظم المنازعات المسلحة غير الدولية بشكل أكثر تفصيلا من القانون التعاهدي واذا كان كذلك فإلى أي مدى؟
تحقيقاً لجوانب التعريف بموضوع هذا البحث فان محتوى خطته يقوم على نقطتين:
الأولى: تعالج ماهية القانون الدولي الإنساني العرفي
الثانية: تتناول تحديد معايير وجوده من خلال ممارسات الدول
أولا: ماهية القانون الدولي الإنساني العرفي
تستوجب دراسة ماهية القانون الدولي الإنساني العرفي التوقف عند مفهومه ومصادره وفق التقسيم الآتي:
1 – مفهوم القانون الدولي الإنساني العرفي:
يستند القانون الدولي الإنساني العرفي في نشأته على حركة تطور المنظومة الدولية لجعله نظاما قانونيا بارزا في الوجود لتعالج أهداف حماية حقوق الإنسان في النزاعات الدولية وغير الدولية بشكل يضاهي بل ويفوق الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني التعاهدي.
ولقد أثرت حركة التطور التاريخي للقانون الدولي الإنساني في تعريفه، بحيث ما زال هذا التعريف ميدانا لاختلاف وجهات النظر خاصة وأن نظريات هذا القانون لم تستقر بعد، كما أنها لا زالت ميدانا للبحث والدراسة كون استقرار التطور يمثل تباينا لمدلول مصطلح هذا القانون من حيث التعريف. وسنعالج مفهوم القانون الدولي الإنساني من خلال هاتين النقطتين:
أ. نشأة القانون الدولي الإنساني العرفي:
إن فكرة القانون الدولي الإنساني العرفي قديمة قدم النزاعات الإنسانية التي تطورت في مضمونها ونطاقها مفترضة تحديات جديدة خاصة في ايلاء أهمية متزايدة للقانون الدولي الإنساني العرفي[12]. حيث إن هذا القانون هو الذي ينظم عمليات حماية حقوق الإنسان في النزاعات الدولية وغير الدولية فيعد هو الأصل لكل القوانين الكفيلة بحماية حقوق الإنسان وشكل قواعد السلوك في هذا الخصوص.
وقد مثل هذا أن القانون الدولي الإنساني العرفي يحتوي، في جانب، على تنظيم سلوك الحرب وفي جانب آخر يؤكد الحرص على الحق في الإغاثة والحماية من خلال تأكيد مسؤوليات جميع أطراف النزاع بحماية حقوق الإنسان[13].
وكانت فكرة القانون الدولي الإنساني العرفي القائمة على حماية حقوق الإنسان في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية من مسؤولية القادة العسكريين وهي عبارة عن تعليمات تعطى للقادة العسكريين بحماية حقوق الفئات المعنية ويلتزم بها هؤلاء القادة أثناء سير المعارك وكانت تصب في وصايا شفهية وعلى أثرها يميز بين الأهداف العسكرية والمدنية والأعيان والمقاتلين وغير المقاتلين وهي تؤكد في مجملها ضوابط احترام أحكام النزاعات المسلحة وممارسة الأعمال العدائية وتثبت نظام المسؤولية عن أي انتهاكات للقانون الدولي الإنساني[14].
وإن مصدر هذه الوصايا القانون الطبيعي المرتبط تاريخيا بالقانون الأخلاقي وماله من تأثير ديني. ثم تطور هذا الفكر ليأخذ جانباً من أعمال المنظمات الإنسانية الذي أكد على حماية الأشخاص من الأخطار التي يواجهونها في المنازعات وتمثل ذلك بجهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات الإغاثة وأجهزة الحماية لحماية حياة السكان منذ عام 1859[15].
وأخذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على عاتقها جهد ترسيخ فكرة القانون الدولي الإنساني العرفي على أرض الواقع ونقله من مجرد قواعد سلوك عرفية إلى معايير وجود تتقيد بها الدول ممارسة واعتقادا قانونيا من خلال عمل فرق البحث الوطني.
وعليه تطورت فكرة القانون الدولي الإنساني العرفي إلى قواعد سلوك في النزاعات الدولية وغير الدولية تطبق من قبل المحاكم الجنائية الدولية إلى درجة وصلت أن قررت محكمة العدل الدولية تعريفا محددا للقانون الدولي الإنساني العرفي استنادا للممارسة الدولية والاعتقاد القانوني.
ب. تعريف القانون الدولي الإنساني العرفي:
يعرف القانون الدولي الإنساني العرفي على أنه ممارسة عامة مقبولة كقانون[16].
على ضوء هذا التعريف يعكس القانون الدولي الإنساني العرفي قيام بعض الدول ببعض الممارسات القانونية وبشكل متكرر حتى أصبحت هذه الممارسات مقبولة دوليا بحيث تعبر تلك الدول ومن خلال سلوكها بأنها مقبولة شرعية ونافعة وتكتسب الصفة القانونية فيكون العرف قانونا ممارسا وملزما لجميع الدول[17].
2- مصادر القانون الدولي الإنساني العرفي:
إن كيان القانون الدولي الإنساني العرفي يتبين من خلال مصادره الأمر الذي يعني أن فكرته تستند إلى قواعد أساسية كونت أحكامه، وقد استمد القانون الدولي الإنساني العرفي أحكامه من المصادر الآتية:
أ. القانون الطبيعي:
إن القانون الطبيعي يرتبط تاريخيا بمفهوم القانون الأخلاقي القائم على فكرة أن البشر لديهم حقوق ومكتسبات معينة ذات وجود يتعين أن يتم احترامها والاعتراف بها بموجب سلوكيات تشكل مدونات يلتزم بها.[18]
ب. القانون الديني:
تنص الشرائع السماوية على الحقوق الإنسانية التي تشكل ضرورات اجتماعية ومكتسبات يتعين كفالتها لكل إنسان باعتبارها قواعد إلزامية يتعين مراعاتها بحيث تشكل تلك القواعد مرجعا أساسيا لمنح القوانين والعادات الاجتماعية طابعا إنسانيا[19].
ت. القانون التعاهدي:
قد يكون للاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف دور مهم في تسجيل وتعريف القواعد المشتقة من العرف أو تطوير تلك القواعد، وقد أكدت محكمة العدل الدولية في قضية الجرف القاري أن المعاهدات قد تقنن قانونا دوليا عرفيا موجوداً من قبل كما أنها قد تضع الأساس لتطوير أعراف جديدة مبنية على القواعد التي تتضمنها تلك المعاهدات.[20]
3. شروط تطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي وإسهاماته
يشترط لتطبيق قاعدة من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي شرطان وهما: ممارسة الدول لما يسهم في نشوء القانون الدولي الإنساني العرفي والاعتقاد القانوني، وهذان الشرطان هما عاملا تقييم القانون الدولي الإنساني العرفي وبالوقوف على أحكام هذين الشرطيين تتحدد موجبات وجود قواعد هذا القانون ومن ثم نعرج على مدى مطابقتها لقواعد القانون التعاهدي وذلك وفق الأتي:
أ – ممارسات الدول:
إن شرط ممارسة الدول اللازم لوجود قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي يعبر عنها بالاستخدام ويكون استخداما منتظما وتمثيليا وللوقوف على فحوى الانتظام والتمثيل سنعالجها من خلال الأتي:
– ممارسات منتظمة:
يقصد بالممارسات المنتظمة أن تكون متكررة من خلال الأفعال المادية على أرض المعركة من حيث السلوكيات، واستخدام أسلحة معينة، هذا من جهة، والأفعال اللفظية المتعلقة باستخدام الدليل العسكري والتشريعات الوطنية والبيانات العسكرية أثناء الحرب والتعليمات المعطاة للقوات المسلحة وقوى الأمن والتعليقات الحكومية على مشاريع المعاهدات والقرارات واللوائح التنفيذية، والمرافعات أمام المحاكم الدولية ومواقف الحكومات من القرارات التي تعتمدها المنظمات الدولية من جهة أخرى[21].
مع العلم أن قرارات المحاكم الدولية هي مصادر فرعية للقانون الدولي إلا أنها لا تشكل ممارسات دول كونها ليست مؤسسات حكومية كالمحاكم الوطنية إلا أنها ذات قيمة كسوابق قانونية تسهم في نشوء قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي وفي التأثير على الممارسات اللاحقة من قبل الدول والمنظمات الدولية[22].
أما ممارسات الجماعات المعارضة المسلحة فإنها لا تشكل قواعد سلوك لكنها وبموجب تلك الممارسة قد تظهر دليلا على قبول قواعد معينة في المنازعات المسلحة غير الدولية ونظرا لعدم وضوح قيمتها القانونية لا يعتمد عليها في إثبات وجود قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
ولتقييم الممارسة المنتظمة ينبغي أن تكون ممارسة فعلية لإنشاء قاعدة في القانون الدولي الإنساني العرفي لذلك أظهرت اجتهادات محكمة العدل الدولية أن الممارسة المناقضة لا تحول دون تكوين قاعدة في القانون الدولي الإنساني العرفي ما دامت الدول الأخرى تدين تلك الممارسة المناقضة أو ترفضها الحكومة المعنية ذاتها فعليا[23].
– ممارسات تمثيلية:
وتعني الممارسة التمثيلية أن تكون ممارسة عامة لا تتطلب عددا محددا أو نسبة مئوية معينة من الدول كونها لا تستلزم أن تكون عالمية بل تشمل ممارسات الدول المتأثرة مصالحها بشكل خاص وفقا لرأي محكمة العدل الدولية في قضية الرصيف القاري لبحر الشمال.
وتوثيقا لذلك لا ضرورة لمشاركة أغلبية الدول في ممارسة أمر ما بشكل فعلي ولكن يكفي على الأقل أن تقبل هذه الأغلبية لتلك الممارسات، ولكن في حالة عدم قبول الدول المتأثرة بشكل خاص لممارسة ما، فلا تنضج هذه الممارسة لتصبح بالتالي من قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي.
وعلية فان العامل الحاسم في نشوء قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي هو تراكم الممارسة بكثافة كافية من حيث الانتظام والمدى والتمثيلية وليس وجود الإطار الزمني المحدد[24].
ب- الاعتقاد القانوني:
يمثل الاعتقاد القانوني الشرط الثاني لوجود قواعد القانون الدولي الإنساني العرفي ويكون من خلال الاقتناع القانوني بان ممارسة معينة تنفذ كأنها حق، ويعبر عن الممارسة والاقتناع القانوني بصيغ مختلفة اعتمادا على القاعدة المعنية المتضمنة حضراً أو التزاماً أو مجرد حق بمباشرة السلوك بأسلوب معين ويصعب فك عنصري الممارسة والاقتناع القانوني عن بعضهما؛ كون ممارسة الدول تعكس في الوقت ذاته اقتناعا قانونيا للدولة المعنية وهذا الحال بوجه خاص ينطبق على الأفعال اللفظية ككتيبات الدليل العسكري. وليس من الضروري عادة إثبات وجود الاعتقاد القانوني بشكل منفصل كون الممارسة تتضمن اعتقادا قانونياً بشكل عام حيث تكون هناك ممارسة كثيفة بالقدر الكافي.
وفي الأوضاع التي تكون فيها الممارسة غامضة يؤدي الاعتقاد القانوني دورا مهما في تحديد ما إذا كانت الممارسة تتجه إلى تكوين عرف دولي إنساني أم لا ؟
وهذا هو الحال مع أفعال التغاضي أو الإحجام عندما لا تتخذ الدول إجراء ما أو لا يكون لها رد فعل وسبب ذلك غير واضح وفي مجال القانون الدولي الإنساني حيث تقتضي قواعد كثيرة الامتناع عن سلوك معين تثير أفعال التغاضي أو الإحجام مشكلة محددة في تقييم الاعتقاد القانوني، لأن الأمر يقتضي إثبات أن الامتناع لم يكن مصادفة ولكنه يقوم على توقع مشروع مع أن إثبات حدوث الامتناع بناءً على حس بالتزام قانوني ليس أمرا سهلا [25].
ثانيا: القواعد العرفية المطابقة للقانون التعاهدي ومساهماته
هناك معاهدات دولية لم يتم التصديق عليها عالمياً مثال ذلك البروتوكولان الإضافيان الأول والثاني لاتفاقيات جنيف لعام 1977، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية وعدد من اتفاقيات محددة تنظم استخدام الأسلحة. ومع أننا لم نسع إلى تحديد الطابع العرفي لأحكام تعاهدية معينة إلا انه توجد قواعد عرفية مطابقة للقانون التعاهدي وقواعد أخرى أسهمت في تنظيم النزاعات المسلحة وذلك وفق الآتي:
1- القواعد العرفية المطابقة للقانون التعاهدي في المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية:
هناك في المنازعات المسلحة الدولية، قواعد عرفية كثيرة متطابقة أو متشابهة مع ما نجده في القانون التعاهدي فهناك قواعد عرفية لها أحكام مطابقة في البروتوكول الإضافي الأول ومثال ذلك :مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية والحماية الخاصة للنساء والأطفال وحظر التجويع …الخ.
أما في المنازعات المسلحة غير الدولية، فلقد كان لمجموعة من الممارسات تأثيرا هاما على تكوين القانون العرفي المنطبق في المنازعات المسلحة غير الدولية وقد كان للبروتوكول الإضافي الثاني شأنه في ذلك شأن البروتوكول الإضافي الأول تأثير واسع على هذه الممارسة ونتيجة لذلك تعتبر الآن معظم أحكامه جزءاً من القانون الدولي العرفي ومن أمثلة القواعد التي وجد أنها عرفية ولها أحكام مطابقة في البروتوكول الإضافي الثاني: حظر الهجمات على المدنيين، واجب حماية المهام الطبية، حظر التجويع، حظر النقل القسري للمدنيين، الحماية الخاصة الممنوحة للنساء والأطفال…الخ.
2- إسهامات القانون الدولي الإنساني العرفي في تنظيم المنازعات المسلحة:
إن ابرز إسهام للقانون الدولي الإنساني العرفي في تنظيم المنازعات المسلحة الداخلية هو أنه يذهب إلى أبعد من أحكام البروتوكول الإضافي الثاني وبالتالي ملأ ثغرات مهمة في تنظيم المنازعات الداخلية.
وعلى سبيل المثال يتضمن البروتوكول الإضافي الثاني تنظيما بدائيا فقط لإدارة الأعمال العدائية إذ تنص المادة 13 على انه: “لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا، ولا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم…” وعلى خلاف البروتوكول الإضافي الأول لا يتضمن البروتوكول الإضافي الثاني قواعد وتعاريف محددة لمبدأي التمييز والتناسب.
وقد سدَت إلى حد كبير الثغرات في تنظيم إدارة الأعمال العدائية في البروتوكول الإضافي الثاني من خلال ممارسات الدول التي أدت إلى خلق قواعد موازية لقواعد البروتوكول الإضافي الأول ولكنها تطبق كقانون عرفي في المنازعات المسلحة غير الدولية.
كما أن الأعراف الدولية ملزمة للدول في توقيتات النزاعات المسلحة، مثلا عدم شن الحرب في الأعياد الدينية أو خلال شهر رمضان أو خلال الألعاب الاولمبية وخير مثال على ذلك تأجيل ثورة الفاتح في ليبيا عام 1969 لمدة عشرة أيام تقريباً بسبب تزامن ذلك مع حفلة ( للسيدة أم كلثوم) والانتظار لحين انتهاء الحفلة وذلك مراعاة لجوانب إنسانية لما كان لها من اثر في نفوس الشارع العربي آنذاك[26].
الخاتمة:
إن غاية البحث التركيز على المسائل التي تنظمها معاهدات دولية لم يتم التصديق عليها عالمياً كالبروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لعام 1977 الملحقين باتفاقيات جنيف لعام 1949، واتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، وعدد من اتفاقيات استخدام الأسلحة.
ومع أننا لم نسع إلى تحديد الطابع العرفي لأحكام تعاهدية معينة إلا انه توجد قواعد عرفية مطابقة للقانون التعاهدي فيما يخص المنازعات المسلحة الدولية وغير الدولية، فهناك قواعد عرفية مطابقة لأحكام البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 والخاص بالمنازعات المسلحة الدولية كمبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين، وبين الأعيان المدنية والأهداف العسكرية والحماية الخاصة للنساء والأطفال…الخ.
وفي المنازعات المسلحة غير الدولية كان لمجموعة من الممارسات تأثير هام على تكوين القانون العرفي المنطبق في المنازعات المسلحة غير الدولية ومن أمثلة القواعد التي وجد أنها عرفية ولها أحكام مطابقة في البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 والملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949 حظر الهجمات على المدنيين، وواجب حماية المهام الطبية، حظر التجويع وحظر النقل القسري للمدنيين والحماية الخاصة الممنوحة للنساء والأطفال.
وهي بذلك تكون ملزمة لجميع الدول وإن لم تصادق على الاتفاقيات المتعلقة بالنزاع المسلح الدولي وغير الدولي.غير أن ابرز إسهام للقانون الدولي العرفي في تنظيم المنازعات المسلحة الداخلية هو انه يذهب إلى أبعد من أحكام البروتوكول الإضافي الثاني وبالتالي ملأ ثغرات في تنظيم المنازعات الداخلية وعلى سبيل المثال لا الحصر يتضمن البروتوكول الإضافي الثاني تنظيماً بدائياً فقط لإدارة الأعمال العدائية إذ تنص المادة 13 منه على: “لا يجوز أن يكون السكان المدنيون بوصفهم هذا ولا الأشخاص المدنيون محلا للهجوم…”
وعلى خلاف البروتوكول الإضافي الأول لا يتضمن البروتوكول الإضافي الثاني قواعد وتعاريف محددة لمبدأي التمييز والتناسب. وقد سدت إلى حد كبير الثغرات في تنظيم إدارة الأعمال العدائية في البروتوكول الإضافي الثاني من خلال ممارسات الدول التي أدت إلى خلق قواعد موازية لقواعد البروتوكول الإضافي الأول ولكنها تطبق كقانون عرفي في المنازعات المسلحة غير الدولية.
[1] – أنظر الملحق الأول: النقاط السبع الأساسية للقانون الدولي الانساني.
[2] جان بيكته؛ القانون الدولي الانساني تطوره ومبادئه، معهد هنري دونان، جنيف 1984، ص 7-8.
[3] سوف نتوسع في الأشخاص والأموال والأعيان التي يحميها القانون الدولي الإنساني في الدرس 2-5.
[4] عامر الزمالي؛ مدخل إلى القانون الدولي الإنساني، منشورات المعهد العربي لحقوق الإنسان واللجنة الدولية للصليب الاحمر 1997، ص 7.
[5] – انظر الملحق الثاني: نص اتفاقية جنيف الأولى للعام 1864.
[6] انظر الملحق الثالث: أهم اتفاقيات القانون الدولي الإنساني.
[7] – انظر الملحق الثالث: نص اتفاقية جنيف الأولى للعام 1864.
[8] – تمّ تطبيق هذه الاتفاقية في الحرب النمساوية الروسية سنة 1866 . تقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط لذلك تمّ سنة 1899 بمؤتمر “لاهاي” حول السلام إبرام إتفاقية لملائمة الحرب البحرية لمبادئ اتفاقية “جنيف” .
[9] للتوسع في الموضوع راجع بحث عبد الباسط التويجري: نافذة على القانون الدولي الإنساني العرفي.مقال نشر في العدد الأول من مجلة الجنان لحقوق الإنسان ص 65-73؛ أنظر الملحق الرابع.
[10] نقصد بقاعدة التناسب: عدم تجاوز الأعمال العسكرية ما يقتضيه تحقيق الهدف العسكري المنشود.
[11] د- لينا الطبال، الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، المؤسسة الحديثة للكتاب لبنان، 2010، ص 3.
[12] فرانسواز بوشيه سولينيه، القاموس العملي للقانون الإنساني، ترجمة محمد مسعود، مراجعة د-عامر الزمالي-مديحة مسعود، الطبعة الأولى، دار العلم للملايين، بيروت، 2006، ص 419.
[13] عبد الغني عبد الحميد محمود، حماية ضحايا النزاعات المسلحة في القانون الدولي الإنساني والشريعة الإسلامية، بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لقاهرة، 2006، ص 71-72.
[14] فرانسواز بوشية سولينيه، القاموس العملي للقانون الإنساني المرجع السابق، ص421 و جون ماري هنكرتس، ولويز دوزوالد-بك، القانون الدولي الإنساني العرفي، المجلد الأول: القواعد، ترجمة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 2007، ص 3.
[15] هنري دونان، تذكار سولفرنييو، تعريب سامي جرجس، الطبعة السادسة، المركز الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر، القاهرة، 2006، ص8.
[16] النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، المادة 38/1.
[17] فرانسواز بوشيه، القاموس العملي للقانون الإنساني، المرجع السابق، ص432
[18] د. عبدالغني عبدالحميد محمود، المرجع السابق، ص 78.
[19] فرانسواز بوشيه سولونييه، المرجع السابق، ص 435.
[20] جون ماري هنكرتس، المرجع السابق، ص 376.
[21] جون ماري هنكرتس ، مرجع سابق،ص467.
[22] جون ماري هنكرتس، المرجع السابق ، ص 484 .
[23] جون ب. برنكر الثالث ورفيقه، إجابة حكومة الولايات المتحدة على دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر يشان القانون الدولي الإنساني العرفي، بحث منشور في المجلة الدولية للصليب الأحمر، المكتب الإقليمي الإعلامي ،عدد أيار 2007، ص110.
[24] جون ب. برنكر الثالث ورفيقه، المرجع السابق، ص 123- 126.
[25] جون ماري هنكرتس، القانون الدولي الإنساني العرفي، إجابة على تعليقات الولايات المتحدة، بحث منشور في المجلة الدولية للصليب الأحمر، المرجع السابق ، ص139-143.
[26] محاضرة الدكتور روجيه كوده في القانون الدولي الإنساني، ألقيت على طلبة الماجستير في حقوق الإنسان ،جامعة الجنان ، لبنان ،2010 .