
الأمانة العلمية وضوابط الاستدلال بالمؤلفات القديمة: تحقيق المخطوطات أنموذجاً
Scientific honesty and controls for inference of ancient literature:
The achievement of manuscripts as an example
أ.م.د. عايدة كبارة، أستاذة متفرغة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة الجنان، لبنان.
مديرة تحرير مجلة الجنان العلمية المحكمة
Dr. Aida Kabbara, Jinan University of Lebanon.
ورقة بحثية منشورة في كتاب أعمال مؤتمر الملكية الفكرية على المؤلفات الصفحة 109.
Abstract
“Scientific Integrity” and “Intellectual Property” are so connected and interrelated terms; this is because intellectual property law is a mere result of the lack of scientific integrity of many scholars and scientists in seventeenth and eighteenth centuries.
Whereas the main goal of claiming intellectual property rights for any copyrighted content is usually related to business benefits and profits, intellectual property was considered as a sacred right to its owner from a religious Islamic point of view, regardless the science categories, like science of Hadith, other Islamic sciences, as well as all types of known sciences then.
Therefore, and throughout my project, I will try my hard to focus on the following:
- The Scientific Integrity is considered as mandatory duty by Islamic rules.
- The earliest intellectual property essentials and norms, before being considered as laws.
- How the old Islamic scholars respected and maintained intellectual property, and the way they dealt with used information.
- The methodology they used, by providing their points of view in their introductions, in addition to their references citations.
- To mention some good examples of their scientific integrity.
- To clarify citing rules and regulations, that shows intellectual property respect.
ملخص:
إن مصطلحَي “الأمانة العلمية” و”الملكية الفكرية” بالغا الترابط، فإذا كانت الملكية الفكرية بمفهومها الحديث قد ظهرت خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، فذلك بسبب تراجع الأمانة العلميّة لدى الكثير من المؤلفين والنقاد والعلماء؛ وإذا كان سبب إنشاء حقوق للملكية الفكرية أمراً متعلقاً بالعوائد المادية بشكل كبير، فإن الأمانة العلمية كانت أمراً مقدّساً شرعياً لدى علماء العرب والمسلمين الأوائل، بدءاً من نقل الحديث الشريف وعلومه، ثم نقل العلوم الشرعية ونسبتها لأصحابها، إلى شتى علوم الحياة التي برع فيها علماء المسلمين. من هذا المنطلق، سيتركز بحثي على النقاط التالية:
- تبيان الأمانة العلمية أمراً شرعياً واجباً.
- توضيح أصول مبدأ حفظ الحقوق الفكرية وحمايتها منذ القِدَم، وإن لم تكن معروفة بهذا المصطلح الشائع الآن.
- كيفية حفظ الملكية الفكرية عند العلماء المسلمين قديماً، والإضاءة على أساليب نقلهم وضبطهم للمؤلفات.
- إظهار منهج العلماء المسلمين في الأمانة العلمية من خلال الوقوف على أقوالهم في مقدمات مؤلفاتهم، وذكرهم لمصادر نقلهم.
- التعريج على أهم الأمثلة الموضحة للأمانة العلمية.
- الوقوف على ضوابط نقل المخطوطات كنموذج للأمانة العلمية وحماية الملكية الفكرية.
مقدمة:
منذ ظهور الدين الإسلامي الحنيف، دأب المسلمون على اكتساب العلم بكل أنواعه ومسالكه، عملاً بأوامره الله سبحانه وتعالى في أول آية نزلت على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث وجَّه سبحانه وتعالى الآيات بالأمر بالقراءة، قال تعالى: اقرأ باسم ربك الذي خلق[1]ﱠ، والقراءة في معناها اللغوي[2] “قرأ الشيء أي جمعه وضمه”، وهذه القراءة تتطلب الفهم والإدراك لما يقوم بقراءته حتى يتمكن من تبليغه، بدليل: أن لفظ “تقرّأ” يعني “تفقّه[3]“، وأن لفظ “قرأ عليه السلام يعني “أبلغه[4]“، وأن قوله عز وجل ” فإذا قرأناه فاتبع قرآنه” قال ابن عباس: فإذا بيناه لك بالقراءة فاعمل بما بيّناه لك بالقراءة[5]“.
ومن خلال تتبع آيات الله عز وجل يتضح لنا أنه سبحانه يرفع من درجات المتعلمين في قوله تعالى: ﱡيرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، والله بما تعملون خبير[6]ﱠ، وأنه عز وجل خاطب في الإنسان عقله وحواسه وجوارحه التي تنفذ به إلى المعرفة والتعلم، كما وجه انتباهه إلى مفاتيح العالم بالنظر والمشاهدة والتأمل والاعتبار وغير ذلك مما يدفع به إلى ذروة المعرفة والوقوف على حقيقة الكون[7].
وقد فاضت كتب الحديث في التعريف على ماهية العلم وأهميته بل وبيّنت أن العالم والمتعلم شريكان في الخير قال عليه الصلاة والسلام: عن أبي أمامة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “عليكم بهذا العلم قبل أن يقبض، وقبضه أن يرفع -وجمع بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام هكذا ثم قال- العالم والمتعلم شريكان في الأجر[8]“.
لكن هذه الشراكة مضبوطة بضوابط الأمانة العلمية التي وضحها النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته في الحكم في الأمور “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذاً إلى اليمن قال ” كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال أقضي بكتاب الله، قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله، قال أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال “الحمد لله الذي وفق رسولَ الله لما يرضي رسول الله”[9].
من هنا نجد أن الإسلام حث على العلم وحث على التبليغ، ولكن ضمن ضوابط الأمانة واحترام الحدود وخاصة حدود حرية الفكر الإنساني، إذ أنَّ حقوق الإنسان في الإسلام هي جزءٌ من الدين الإسلامي[10]، جاءت في أحكام إلهيَّة تكليفية، لأن الملكية الفكرية ترتبط بالفكر الذي يعتبر جوهر الحياة الإنسانية، وهو الذي ترتبط به سلوكيات الإنسان كلِّها، وهو يرتبط بالعقل الذي يُعَدُّ أحد الضرورات الخمس، والقواعد الشرعيَّة تقتضي حفظ الحقوق لأصحابها، بل إنَّ ذلك يُعَدُّ من المقاصد الشرعيَّة العالية التي أجمعت الشرائع قاطبة على حفظها.
وبالعودة إلى كتب الحضارة الإسلامية، نجد أن روح البحث العلمي والتدقيق والتحقيق للوصول إلى المعرفة اليقينية، هي التي أدّت إلى أن تكون الحضارة الإسلامية أساس انطلاق باقي الحضارات. ليس ذلك فحسب بل لقد طور المسلمون بتجاربهم وأبحاثهم العلمية ما أخذوه من مادة خام عن الإغريق، وشكلوه تشكيلاً جديداً فالمسلمون في الواقع هم الذين أوجدوا طريق منهج البحث العلمي الحق القائم على التجربة[11].
هذا النتاج الفكري والعلمي لم يحتكره المؤلفون لأنفسهم بل كانوا يهيئون الأسس والضوابط لنقل هذه المعلومات، بل تأليفهم لكتبهم كان حسبة لله تعالى والأمانة العلمية وعدم الحجر عليها.
وسيعالج هذا البحث الإشكالية الرئيسية التالية: ما هي الأسس وأصول مبدأ حفظ الحقوق الفكرية والأمانة العلمية في ضبط النص التي اعتمد عليها العلماء العرب؟
ويتفرع منها الإشكاليات الفرعية التالية:
- ما العلاقة بين الأمانة العلمية والحقوق الفكرية؟
- ما هي أقسام الأمانة العلمية وكيف اهتم العلماء العرب بها؟
- كيف طبق العلماء العرب الأمانة العلمية في الضبط والاستدلال بالمخطوطات العلمية؟
وبناء للإشكاليات أعلاه نتوقع الفرضية الآتية: “إن حقوق الملكية الفكرية لا تعني عدم الاستفادة من مؤلفات العلماء، وإنما تعني القدرة على الاستفادة منها ولكن ضمن شروط وضوابط تحمي لصاحب الفكر حقه في ذكره عند ذكر عمله، وتنسب الكلام إليه في كل الأحوال، بما يجسّد مبدأ الأمانة العلمية بأقسامها، وبما يجده علم تحقيق المخطوطات من مثال حي على احترام وترابط الأمانة العلمية والملكية الفكرية”.
الدراسات السابقة:
- ناصر الغامدي، حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي والآثار الاقتصادية المترتبة عليه،
- علي الخفيف، الملكية في الشريعة،
- عبد السلام بن داود العبادي، الملكية في الشريعة الإسلامية، طبيعتها ووظيفتها وقيودها،
- حقوق الملكية الفكرية، في الشريعة الإسلامية، مقابلة بين محمد عثمان الشبير وتوفيق طه
منهج العمل
اعتمدت في منهجي في العمل على المنهج الوصفي الذي ساعدني في استقراء المعلومات المتعلقة بالأمانة العلمية وحقوق الملكية الفكرية، وطرح أبرز الأمثلة في الأمانة العلمية في القسم الأول من البحث وفي القسم الثاني قمت باستقراء ما يتعلق بـ “تحقيق المخطوطات وإعادة صياغتها” وفق وجهة نظري كمهتمة وباحثة في مادة المناهج .
خطة البحث:
- تمهيد: يتضمن تعريفات (الملكية الفكرية، الأمانة العلمية، ضوابط)
- الفصل الأول: الأمانة العلمية ومنهج علماء المسلمين
- المبحث الأول: أصول حفظ الحقوق الفكرية
- المبحث الثاني: أقسام الأمانة العلمية
- المبحث الثالث: أمثلة الأمانة العلمية
- الفصل الثاني: تحقيق المخطوطات
- المبحث الأول: تعريف المخطوطات
- المبحث الثاني: قواعد النقل من المخطوطات
- المبحث الثالث: آداب النقل من المخطوطات
- المبحث الرابع : الأمانة في تحرير النص وتصحيحه
- الخاتمة والتوصيات
تمهيد:
إن تتبعنا المعاني اللغوية للفظ “الفكر” نجدها ترشدنا إلى إعمال العقل، ونقل المعقول إلى محسوس، فهو “إعمال النظر في الشيء[12]“، و”فكَر في الأمر أي أعمل العقل فيه ورتّب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول .. أو هو إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة المجهول[13]“، وهو “تردد القلب في الشيء[14]“، وقال تفكّر “إذا ردد قلبه معتبراً[15]“؛ والتفكر هو “التأمل[16]“، هذا التأمل يساعد على “إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى معرفة مجهول[17]“، يُتَوصَّلُ بها إلى معرفةٍ حقيقيةٍ أو ظنيِّةٍ .
إذا نظرنا في المعاني الاصطلاحية للفكر نجد أن من ثمار الفكر استثمارَ المعارف، وهذا ما وضحه لنا الغزالي[18] رحمه الله قائلاً: “اعلم أن الفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة[19]“.
وفي كتاب التعريفات[20]: التفكر هو “تصرف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب وسراج القلب يرى به خيره وشره، ومنافعه ومضاره، وكل قلب لا يتفكر فيه فهو في ظلمات يتخبط، وقيل هو إحضار ما في القلب من معرفة الأشياء”، قال تعالى: ﱡقل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثمّ الله ينشئ النشأة الآخرة. إن الله على كل شيء قدير ﱠ[21].
أما لفظ “الملك” من الناحية اللغوية، فهو “احتواء الشيء والقدرة على الاستبداد به والتصرف بانفراد[22]“، ومن الناحية الاصطلاحية الشرعية نجده يدور حول أمر معنوي يملكه الإنسان أي في ذمته، وهو ما ذكرته الكتب الفقهية على مختلف المذاهب الأربعة: أن الملك “هو القدرة على التصرف في الشيء ابتداءً[23]، الاختصاص بالمحل في حق التصرف، أو شرع للتمكن من التصرف في المحل[24]“، أو “هو القدرة الشرعية على التصرف في الرقبة بمنزلة القدرة الحسية[25]، أو “عبارة عن حكم يحصل به تصرف مخصوص[26]“، أو هو “استحقاق التصرف في الشيء بكل وجه جائز، لا بنيابة[27]“.
والتعريف المختار والذي يخدم يحثنا هذا، أنه “حكم شرعي مُقدَّرٌ في عينٍ أو منفعة يقتضي تمَكُّن من يُنسب إليه انتفاعه به، والعِوَضِ عنه من حيث هو كذلك[28]“، وأما مدلول لفظ “الملكية الفكرية”: أنَّها حقوق ذهنيَّة، فهي نتاج الذهن وابتكاره، وهو نوعٌ من أنواع الملكية التي ظهرت في العصور المتأخِّرة، نتيجةً للتطور العلمي والتقدُّم الصناعي والتِّقَنِيِّ والتجاري الذي يشهده العالم، وقد اختلفت وجهات النظر في تسميتها، والتعريف بها، وتصنيفها، وتحديد ما يدخل فيها من حقوق، فبعضهم أطلق عليها الحقوق المعنويَّة[29]، وبعضهم أطلق عليها حقوق الابتكار[30]، وبعضهم أطلق عليها الحقوق (الملكية) الذهنية، أو الأدبية[31]، أو الفكرية، أو التجارية، أو الصناعية[32]، وبعضهم أطلق عليها حق الإنتاج العلمي وبراءة الاختراع.
الفصل الأول: الأمانة العلمية ومنهج علماء المسلمين
كان من اللافت في كتابات ومؤلفات علماء المسلمين الأقدمين حفاظهم على مصادرهم ومراجعهم وعزو كل مقولة أو حكم أو نقل لصاحبه الأصلي، أو عدم نسبته لشخصه على الأقل في حال عدم درايته بصاحبه، فمن خلال تتبع الكتب التي ألفت في البحث العلمي نجد أنها ذكرت من ضمن صفات الباحث الاتصاف بالأمانة[33] العلمية في نقل المعلومات وإسنادها إلى أصحابها، وهو دليل حسيّ على التحلي بالأخلاق العلمية الكريمة السامية. ووضحت بأنها تكمن في “نسبة الأقوال والأفكار إلى أصحابها[34]” أي أداء الحقوق إلى أهلها والمحافظة عليها.
ومن طريف ما يذكر في باب الأمانة في النقل، والتحري في عزو الأفكار إلى صاحبها ما ذكره القاضي عياض[35] قائلاً: “أخبرنا القاضي عياض أبو علي، قال: أخبرنا ابن أبي نصر، قال: قرأت على أبي البركات الحسين بن ابراهيم بن الفرات قال أخبرنا أبو محمد عبد الغني بن سعيد قال: ” حمل إلي عمر بن داود النيسابوري كتاب (المدخل إلى معرفة الصحيح) الذي صنّفه أبو عبد الله بن البيّع النيسابوري[36]، فوجدت فيه أغلاطاً[37] فأعلمت عليها، وأصلحتها، وأوضحتها في كتاب . فلما وصل الكتاب إليه، أجابني على ذلك بأحسن جواب، وشكر عليه أتم شكر، وكتب في كتابه إليّ أنه لا يذكر ما استفاده من ذلك أبداً إلا عني”؛ وذكر في كتابه أن أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم حدثهم قال أخبرنا العباس بن محمد الدوري قال: سمعت أبا عبيد يقول “من شكر العلم أن تستفيد الشيء، فإذا ذكر قلت: خفي عليَّ كذا وكذا، ولم يكن لي به علم حتى أفادني في كذا وكذا، فهذا شكر العلم”.
وقد أشار الذهبي[38] في ترجمة الحافظ عبد الغني بن سعيد[39]، وفيها: “بعث إلي يشكرني ويدعو لي، فعلمت أنه رجل عاقل”. وذكرها السيوطي وصدّرها بقوله: “ومن بركة العلم وشكره، عزوه إلى قائله. وعقب عليها بقوله: “ولهذا تراني أذكر في شيء من تصانيفي حرفاً إلا معزواً إلى قائله من العلماء مبيناً كتابه الذي يشكر فيه[40]“.
ومن العلماء الذين تكلموا عن الأمانة العلمية أيضاً:
- القرطبي[41]: حيث قال “وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها والأحاديث إلى مصنفيها، فإنه يقال من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله[42]“.
- القاسمي: إذ قال “لا خفاء أنه من المدارك المهمة في باب التصنيف عزو المسائل، والفوائد، والنكت إلى أربابها تبرؤاً من انتحال ما ليس له، وترفعاً أن يكون كلابس ثوبي زور، ولهذا ترى جميع مسائل هذا الكتاب معزوة إلى أصحابها بحروفها، وهذه قاعدتنا فيما جمعناه ونجمعه[43]“.
- ابن عبد البر[44]: فقال “لأنه يقال: إن من بركة العلم أن تضيف الشيء إلى قائله[45]“.
فبأمانة هؤلاء وأمثالهم وصلت إلينا أفكار لا توجد عند غيرهم، لأن كتب أهلها اندثرت وبادت، وأصبح المعوّل في معرفتها على كتب هؤلاء دون الكتب الأصلية لأهلها.
المبحث الأول: أصول حفظ الحقوق الفكرية
إن حفظ الحقوق الفكرية أمانة مطالبون بها بالشرع الحنيف قبل أن تصبح هذه الأمور قانوناً وضعياً يحتكم له في المحاكم المدنية، وذلك بهدف حماية وحفظ حقوق الإنسان، فنتاج الإنسان العلمي لا بدّ له من حماية وحفظ، وإن لم يمتلك الناس الوازع الديني لحفظ هذه الحقوق، وجب حفظها بالسلطان. وهناك الكثير من الآيات الواردة في ضرورة ولزام حفظ الحقوق ودفع العدوان، نذكر منها:
- قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تحرّموا طيبات ما أحلّ الله لكم ولا تعتدوا، إن الله لا يحبّ المتعدين[46]ﱠ.
- قال تعالى: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون[47]ﱠ.
ففي هاتين الآيتين ينهى الله تبارك وتعالى عباده عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل والحِيَل، مما يدلُّ على أنَّ حقوق الناس وأملاكهم مصونة محفوظة في الإسلام، لا يجوز الاعتداء عليها، ولا أخذها إلاَّ بالحقِّ. فالشريعة، وإن كانت تدعو إلى تعميم النفع، ونشر العلم، وتحريم كتمانه، إلاَّ أنَّ ذلك في نظرها لا يُبَرِّر الاعتداء على حقوق الناس، بل إنَّ تعميم المنفعة بما يبتكره الأفراد له قواعده وأصوله التي تحقِّق المصلحة، وتمنع الضرر، ومن أهمِّها الاعتراف بهذه الحقوق، ونسبتها لأصحابها، وتنظيم نشرها، والاستفادة منها بأحكام تنسجم مع طبيعتها وظروف التعامل معه.
أما من السنة المشرفة، نجد العديد من المواقف في السيرة النبوية وحديث النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تؤكد على ضرورة حفظ الحقوق، فمثلاً:
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك إنسان بخطامه – أو بزمامه- قال أي يوم هذا. فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: فأي شهر هذا؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس بذي الحجة؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه[48].
من خلال الأحاديث السابقة يظهر لنا أنَّ التعدي على أي حقوق سواء المادية أو الفكرية يُعَدُّ في نظر الإسلام سرقةً، وخديعةً، وغِشّاً، واعتداء على أموال الناس وحقوقهم واختصاصاتهم، وأكلاً لها بالباطل، وهذه كلُّها جرائم عظيمة وخطيرة، تؤثر على المجتمعات والأفراد، وتقود إلى المفاسد والزوال.
المبحث الثاني: أقسام الأمانة العلمية
تتمثل أقسام الأمانة العلمية في التحمل والأداء (المطلب الأول) وفي حفظ المؤلفات(المطلب الثاني)
المطلب الأول: الأمانة في التحمل والأداء
نصَّ أهل العلم على الأمانة العلمية في مجال العلوم، ونسبتها لأصحابها، من خلال توثيق النصوص بالإسناد[49]، وهذا يتجلَّى في تراث الإسلام العظيم في كتب السنة والأثر، والدائرة قبولاً وردَّاً على الإسناد الموثَّق بمعاييره الدقيقة المدونة في علم مصطلح الحديث[50]، وتخريج النصوص والنقول بدقة، بمعنى نسبة القول إلى قائله، وذكر المصادر المعتمد عليها؛ ومن نظرَ منا إلى كتاب من كتب أهل العلم المسلمين السابقين – خصوصاً – رأى معاناتَهم الدقيقةَ في ذلك، حتى إنَّ بعضهم إذا نقل نصَّاً يشكُّ أنَّ فيه تصحيفاً[51] أو تحريفاً، نقله كما هو، ونوَّه عنه بقوله: (كذا وجدته، وهو تصحيفٌ، مثلاً، صوابه، كذا).
ونص علماء الشريعة على الحرص على رواية الأحاديث وتأديته باللفظ عينه من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقصان ووضعوا شروطاً للرواية بالمعنى منها: للعالم ببمواقع الخطاب ومعاني الألفاظ، وذلك حرصاً على عدم تغيير الحلال والحرام[52] انطلاقاً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي عن أبيه عن جده قال: قلنا: يا رسول الله: بأبينا أنت وأمنا يا رسول الله إنا لنسمع الحديث فلا نقدر على تأديته كما سمعناه قال: إذا لم تحلوا حراماً ولا تحرموا حلالاً، وأصبتم المعنى، فلا بأس[53]، وفي رواية: إذا أصاب أحدُكم المعنى فلا بأس[54]“.
كما حرص العلماء على التلقي عن المشايخ وتحملوا عناء السفر حتى يتأكدوا من حكم أو من رواية، لذلك نقرأ في كتب العلماء أنواعاً من تلقي العلم[55]، كما حثّ العلماء طلاب العلم عن الابتعاد عن الوجادة[56] والوصاية[57] لأنها قد تؤدي إلى لبس في المعنى لأنه لم يتلقَّ مباشرة من شيخه؛ وكان علماء المسلمين حريصين أشد الحرص على تحري الدقة والأمانة العلمية فيما ينقلونه عن غيرهم حتى لو كان النقل عن مجهولين وكان ذلك واضحاً في كل كتبهم وتصانيفهم[58].
والجدير بالذكر مثلاً أن أبناء موسى بن شاكر كان لهم مع الأمانة العلمية شأن عجيب، فتراهم في أشهر كتبهم، وهو “الحيل”، يوضحون ما ليس من عملهم، وما قد يخفى على كثير من أمتهم فيقولون: “فكل ما وصفْنا في كتابنا فإنه من عَمَلنا، إلا معرفة المحيط من القطر؛ فإنه من عمل أرشميدس، وإلا معرفة وضع مقدارين بين مقدارين لتتوالى على نسبة واحدة؛ فإنه من عمل مانا لاوس[59]“.
المطلب الثاني: الأمانة في حفظ المؤلفات
أظهر العلماء المسلمون منذ القدَم اهتماماً بالغاً بالكتب، التي كانت عبارة عن سعف وجريد وجلد وغيره، باعتبار أنها النسخة الأصل من أي مؤلف، وكانوا يهيبون بها ويتحاشون إتلافها إلا لطارئ، وكانت في كثير من الحالات المرجع في حال التأكد من النص الأصيل للمؤلف الأول؛ ولهذا سبق المسلمون إلى معرفة نظام التخليد (الإيداع)، أي وضع نسخة من المُصنَّف في المكتبات العامة أو دور المحفوظات، للاحتفاظ بمجموعة منه، أو الاحتفاظ به كإثباتٍ لنسبة المُصَنَّف إلى مؤلِّفه، ونشر المصنَّف بالفعل أو تاريخ نشره .
وكان أكبر مركز لتخليد الكتب وإيداعها في الإسلام وقتذاك: دار العلم ببغداد، التي بناها الوزير البويهي، سابور بن أردشير ببغداد سنة (382هـ) وكانت صرحاً علمياً رائداً.
ومن جهة أخرى، لم تكن الأمانة محصورة في حفظ أصل النص فقط، بل تكرست الأمانة أيضاً في نسخ هذه المؤلفات، فكانت المؤلفات تدفع إلى النساخ فيقومون بنسخها ونشرها ضمن شروط الأمانة، وكان النساخ لا يستطيعون أن ينسبوا الكتاب إلى غير مؤلفه بسبب أمانتهم العلمية، ولأن مؤسسة الحسبة كانت تتبع نظام رقابة صارماً على النساخين والوراقين، مما أعطى هذه المسؤولية كرامة مميزة جعلت العامل بها يهيبها ويتورع في أدائها بحق.
المبحث الثالث: أمثلة الأمانة العلمية
تزخر الكتب العلمية الإسلامية الأصيلة بأمثلة عن الأمانة العلمية التي حفظت الملكية الفكرية لأصحابها بوازع ديني بحت، يحرّم على الناقل أن يجتزئ أو يضيف أو ينسب لنفسه فعل غيره، وقد اخترنا في ما يلي بعض الأمثلة التي تعكس الماهية والدافع وراء أمانتهم العلمية التي افتخروا بها واعتبروها بركة في العلم وتفضلاً من العالم واعترافاً بفضل من سبقوهم ووفروا نتاج عملهم.
- الشهادة بالحق حتى على الأقربين: فقد ذكر ابن حبان أن علي بن المديني سُئِل عن أبيه فقال: اسألوا غيري. فقالوا: سألناك. فأطرق، ثم رفع رأسه وقال: هذا هو الدين، أبي ضعيف[60]؛ حيث آثر عليّ بن الميديني الشهادة على الوالد على نقض الأمانة العلمية التزاماً بنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث دفعته الأمانة العلمية إلى أن يعترف بالحق، فيُضعِّف أباه؛ حتى لا يُؤخذ عنه ما قد يُسيء إلى العلم، أو إلى الدين بصفة عامة.
- التهيب من الفتوى: مثال ذلك أن يقول النوويعن عطاء بن السائب التابعي: “أدركتُ أقواماً يسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وهو يرعد[61]“، ومثال: وعن الهيثم بن جميل قال: “شَهِدْتُ مالكاً سُئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: “لا أدري[62]“.
- التأكد من المصدر عند الفتوى: قول الإمام النوويرحمه الله تعالى (ت 676 هـ) في: “آداب الفتوى والمفتي والمستفتي” مُعدِّداً أحكام المفتين: “السابعة: لا يجوزُ لمن كانت فتواه نقلًا لمذهب إمامٍ إذا اعتمد الكتب أن يَعتمِدَ إلا على كتابٍ موثوق بصحته، وبأنه مذهبُ ذلك الإمام، فإن وَثِق بأن أصل التصنيف بهذه الصفة، لكن لم تكن هذه النسخةُ معتمدةً، فليَستَظهرْ بنسخ منه متفقةٍ، وقد تَحصُل له الثقةُ من نسخة غيرِ موثوقٍ بها في بعض المسائل إذا رأى الكلام منتظماً، وهو خبير فَطِن لا يخفى عليه لدُربتِه مواضعَ الإسقاط والتغيير.
- نقل خلاف طلاب العلم مع أستاذهم: مثاله قصة الإمام أبي حنيفة مع تلميذه النجيب أبي يوسف، حيث اكتسب أبو يوسف علماً غزيراً ونبغ عن زملائه حتى اغترّ بما اكتسبه من علم واتخذ زاوية له في المسجد مقابلة لزاوية الإمام أبي حنيفة، فقرر الإمام أبو حنيفة أن يبين لتلميذه أنه ما زال طالباً للعلم، فأرسل أحد طلابه للجلوس في حلقة الشيخ أبي يوسف وأن يطرح عليه مسألة، فسأل التلميذ أبا يوسف: ما قولك في رجل أعطى ثوبه لخياط لتقصيره فلما رجع الرجل ليأخذ ثوبه قال صاحب الخياط أنه لم يأخذ منه الثوب، ثم أحضر الشرطة واكتشفوا وجود الثوب لديه وقد قام بتقصيره بالفعل… هل يعطي الرجل أجرة الثوب للخياط ام لا؟ فقال أبو يوسف: “نعم يعطيه لأنه قصره”، فقال له التلميذ ولكنه كان ينوي سرقته، قال أبو يوسف: إذاً لا يعطيه أجراً” فقال له التلميذ لقد أخطأت… فسأل أبو يوسف التلميذ عمن أرسله، فأشار إلى أبي حنيفة، فذهب أبو يوسف لشيخه وقال له يا شيخ أريد أن أسألك في مسالة وحكى له نفس المسألة فتجاهله الإمام ثم عاد وكرر سؤاله، فأجابه الإمام: “إن كان الخياط قص الثوب على طول الرجل فهو لم يكن ينوي سرقته قبل تقصيره حقّ له الأجر، وإن كان قد قصر الثوب على مقاس الخياط نفسه فقد كان ينوي سرقته قبل تقصيره، فلا يحق له الأجر”، ثم قال الإمام أبو حنيفة منبهًا أبا يوسف: “من ظن أنه يستغني عن التعلم فليبكِ على نفسه”[63].
الفصل الثاني: تحقيق المخطوطات
“تراثنا المخطوط آفاق فسيحة تتبلور من خلالها حضارة الأمة العربية والإسلامية، ومن خلال قراءة تاريخنا الحضاري عن عناية الخلفاء والعلماء بالكتب والمكتبات التي انتشرت في أرجاء الدولة الإسلامية، وحوت مئات الآلاف من الكتب من مثل بيت الحكمة التي أسسها الخليفة العباسي المأمون، ومع النكبات والكوارث عبر العصور أتت على مئات الآلاف من الكتب[64]“.
تحقيق المخطوط هو أسلوب علمي متبع لدى أهل العلم، وهو اصطلاحاً ما يقوم به طالب العلم من إخراج نصوص المخطوطات القديمة في صورة صحيحة متقَنة، ضبطاً وتشكيلاً، وشرحاً وتعليقاً، وفق أصول متبَعة معروفة لدى الذين يتعاطون هذا العلم، وعرفه بعضهم بالقول هو “علم بأصول إخراج النص المخطوط على الصورة التي أرادها صاحبها من حيث اللفظ والمعنى، فإن تعذّر هذا كانت عبارات النص على أقرب ما يمكن من ذلك[65].
فالتحقيقُ نتاجٌ خُلُقِيٌّ لا يَقوى عليه إلاَّ من وُهِبَ خَلَّتَيْن شديدتين: الأمانة والصَّبر، وهما ما هما!”، كانت هذه هي العبارة التي انطلقت من فم عبد السلام هارون – رحمه الله – ذلك الرجل الذي مارس التحقيقَ سنين عديدة، فجاءت عبارتُه خلاصةً لخبرته العميقة بعُدَّة المحقق[66].
المبحث الأول: تعريف تحقيق المخطوطات
المخطوط أو المخطوطة لغة “هي كل الوثائق أو الكتب القديمة التي كتبت وخطت بخط اليد بواسطة المؤلف أو الناسخ، وتكمن أهميتها بوجود نسخة وحيدة عند مؤلفها، أو عند تلاميذه أو بخط النساخ. من هنا نعلم مدى صعوبة الحصول على أكثر من نسخة من المخطوطات القديمة التي ما يزال العالم يعاني من هذه المشكلة حتى الآن، إما من فقدان جميع نسخها أو وجود نسخة فريدة في مكتبة ما في العالم..، أو وجود فروق بين النسخة الأصلية والنسخ الأخرى ربما لقصور في النقل أثناء النسخ، أو نتيجة لإيضاحات مقصودة من الناسخ على نسخته حيث يضع معلومات إضافية في الحواشي، أو ما قد يطرأ على النسخة من تآكل أو اهتراء[67]“.
إن أهم الشعوب التي تميزت بكثرة كتاباتها المخطوطة هم العرب الذين تعرفوا إلى حضارات الشعوب القديمة، كما كان لهم إسهامات عديدة في الميدان الحضاري؛ والحقيقة أن العرب لم يتركوا علماً من العلوم إلا وكتبوا في موضوعاته كالطب والصيدلة والعمارة والرياضيات والفلك والكيمياء… وقد بلغت عدد المخطوطات العربية الملايين بالرغم من أن مئات الآلاف منها قد أحرق وأغرق بسبب ظروف الحرب والفتن الداخلية[68].
ومن خلال الاطلاع على الكتب المهتمة بتحقيق المخطوطات والبحث في المكتبات نجد أنه كان من الأمانة العلمية حفظ هذه المخطوطات في المكتبات، وليس ذلك فحسب، بل أصدروا فهارس عديدة[69] لها تتضمن أسماء المخطوطات وأسماء مؤلفيها، وأماكن حفظها في المكتبات العامة ومراكز التوثيق والمخطوطات. وقد تنبه العرب والمسلمون، في السنوات الأخيرة، إلى عظم شأن هذا التراث، وقيمته، وأخذوا يبذلون الجهود لمعرفته والاطلاع عليه، فسارت هذه الجهود في ثلاث نواحٍ:
- الأولى جمع هذا التراث المبعثر وإيداعه في مكان واحد ليرجع العلماء إليه، وكان أعظم عمل في هذا الباب تأسيس معهد المخطوطات في جامعة الدول العربية، ليقوم بتصوير التراث العربي تدريجياً على الأفلام، ويجمعه في القاهرة، ويضعه تحت تصرف العلماء والباحثين. وقد قام المعهد بعمله وجمع الألوف المؤلفة من صور المخطوطات العربية من أماكن مختلفة من العالم.
- الثانية وضع فهارس للمكتبات التي تحتوي على مخطوطات[70]، وذلك لتسهيل الوصول والرجوع إلى المخطوطة في حال ضرورة الرجوع إليها والاطلاع عليها. حيث أنه من الأهمية بمكان القول أن المخطوطات لا تكمن أهميتها في نشرها فحسب، أو في حفظها فقط، وإنما في تحقيقها وتبويبها وفهرستها وتنظيمها تنظيماً علمياً، أو بمعنى آخر تهذيبها وإخراجها كما أرادها مؤلفها.
- الثالثة وضع ختم على المخطوطة تشير إلى عصر إنشاء المخطوطة ممهور من قبَل المركز المحتفظ بالمخطوطة، والهدف من هذا الختم تسهيل تمييز النسخة التي سيعتمد الباحث عليها والنسخ التي سيقابل عليها، مع تأريخ وتأصيل كل واحدة منها، وتمييز الأقدم عبر الختم وتفاصيله.
لذا لا بدّ من اتباع قواعد وآداب عند التحقيق حتى نبين ونوضح الغرض العلمي في نشر التراث، وهي التي سأتناولها في المبحثين التاليين.
المبحث الثاني: آداب النقل من المخطوطات[71]
لم يكن حفظ المخطوطات أمراً ثقافياً حضارياً يخص المسلمين فقط، ولم يكن هدفه إظهار الكم العلمي والنوعي لعلماء المسلمين الأقدمين فحسب، بل كان الهدف الأعظم هو النقل بأمانة علمية لما يحتاجه الباحث لنقله منها. ولهذا النقل آداب يجب على الباحث الإلمام بها واحترامها والوقوف عندها قبل الشروع في الاطلاع على هذه المخطوطات، كما وجوب احترامها عند النقل منها، ومن هذه الآداب:
- الاطلاع على المؤلفات التي ترشده وتعلمه كيفية تحقيق المخطوطات، والتعرف إلى الأساليب والقواعد العلمية المتبعة في هذا المجال من مصادر موثوقة لعلماء مهتمين.
- الاطلاع على المخطوطات التي سبق أن حققها سواه من العلماء كنوع من أنواع اكتساب الخبرة العملية.
- الاطلاع على أخبار التراث العربي والمعرفة الكافية بأخبار المؤلف وزمانه واستنباطاته.
- التنسيق بينه وبين باقي المحققين المهتمين بتحقيق هذه المخطوطة.
- مراعاة اختلاف الرسم الإملائي واختلافاتها المتنوعة بين فارسية ومشرقية ومغربية.
- البدء بالأهم فالأهم في التحقيق، فمثلا مخطوطات القرون الثلاثة الأولى أهمّ وأقدر للتحقيق مما تلاها مع أهميتها.
- ترقيم النسخ التي تجري عليها المقابلة.
- الاهتمام بتاريخ المخطوط والاطلاع على الختم الممهور والتفاصيل المذكورة.
- ذكر أسماء المحققين المشاركين له إن وجد.
هذه الآداب ليست محصورة بما ذكر فقط، وإنما لكل نوع من المخطوطات آداب علمية خاصة ربما، كأن يكون المحقق لهذه المخطوطة مهتماً بهذا النوع من العلوم كما بشخصية المؤلف الأصلي، فليس من المجدي مثلاً أن يحقق عالم فيزيائي مخطوطة في الحديث الشريف، حيث أن الفائدة من هذا التحقيق منتفية.
المبحث الثالث: قواعد أو ضوابط النقل من المخطوطات[72]
بعد أخذ العلم والدراية بآداب الاطلاع والنقل من المخطوطات، لا بدّ للباحث المحقق أن يتقن قواعد النقل وضوابطه ومصطلحاته، وذلك لهدفين أولهما نقل المعلومات المطلوبة عند التحقيق وإظهارها بوضوح ومهنية بأنها منقولة من المؤلف الأصلي لحفظ الأمانة العلمية واحترام ملكيته الفكرية، وثانيهما تسهيل الرجوع إلى المعلومة الأصلية لأي شخص اطلع على التحقيق المنجَز من قبَل المحقق، وهو يعكس أيضاً احترام الأمانة العلمية وحق الوصول إلى المعلومة الأصلية للاطلاع. وأهم هذه القواعد والضوابط:
- التعرف على مصطلحات القدماء في الكتابة، التضبيب[73]، الإلحاقة[74]، الإحالة…
- نقد الأصول نقداً علمياً بناءً بهدف الوصول إلى الحقيقة، وذلك إما بالاستعانة بالعلماء أو تعليق المحقق.
- نسبة المخطوطة إلى مؤلفها والتأكد من صحة نسبتها له من خلال التواريخ والأختام.
- دراسة عصر المؤلف والتعرف على مؤلفاته، والتعرف إلى متى كتبت النسخ في عصر المؤلف أم بعد وفاته من خلال العبارات التالية (رحمه الله، أمد الله بعمره وأمده بالقوة…).
- أن يكون المحقق على علم ودراية كافيين بموضوع الكتاب أو أن يوافق الموضوع تخصصه، وأن تكون ثقافة المحقق تقع ضمن دائرة موضوع المخطوط الذي يودّ العمل فيه؛ فالمتخصص في علم الكحالة لن يفلح في ضبط أسماء الرواة إذا أراد تحقيق كتاب في علم الجرح والتعديل، لأن مصطلحات كل علم لا يدري بها إلا المختص بها، لذلك إذا كان في المخطوط تحريف في مثل ذلك سَهُلَ على المتخصصين تلافيه.
- الاعتدال في التعليقات والحواشي، والكتابة في قواعد الإملاء الحالية، مع مراعاة علامات الترقيم.
- التأكد من أن النسخة المتوفرة هي النسخة الصحيحة وليست المسودة؛ والإعتدال في إثبات الفروق بين النسخ المتوفرة.
- مراجعة السماعات والقراءات الموجودة على بعض المخطوطات.
- أن يأخذ المحقق حذره من أن يكون المخطوط نشر مسبقاً، وذلك بالرجوع إلى المصادر والببليوغرافيات التي تساعده في الدلالة على ذلك، غير أنه في كثير من الأحيان توجد مسوّغات مقبولة لإعادة نشر الكتاب محققاً، مثل أن يكون معتمداً في طبعته الأولى على نسخ خطية رديئة، أو يكثر فيها السقط والتصحيف والتحريف بحيث إن هذه الطبعة لا تمثل نشرة علمية[75].
- التزام الأمانة العلمية التي تقتضي تحرير النص وتصحيحه (وهو ما سأفصل في المبحث التالي).
المبحث الرابع: الأمانة في تحرير النص وتصحيحه[76]
عندما يضبط المحقق هذه القواعد وأصول التحقيق، يجد نفسه مؤدياً حقوق الملكية الفكرية للمؤلف الأصلي، ومثبتاً أنه ناقل بتجرد وموضوعية لما تضمنته المخطوطة، ولو لم يكن بالضرورة موافقاً لآراء ومذهب وأفكار المؤلف، وهذا هو جوهر الأمانة العلمية التي تحتّم احترام المكتوب حتى ولو كان مخالفاً لما يراه المحقق، ولما يؤمن به، والجدير بالذكر أن الكثير من العلماء المسلمين نقلوا من الزمخشري الكثير من العلم رغم أنه كان معتزلياً، واحترموا نصوصه وأخذوا منه ما يستفيدونه من علم، وشكروا في علم الزمخشري مع تبيان ما يخالفهم به من آراء دينية ومذهبية وعقائدية جوهرية. والحقيقة أن تحرير نص المخطوطة يتطلب درجة عالية من الأمانة والمهنية والاحترافية، كما يجب على المحقق الالتزام بالتالي:
- وضع عنوان للمخطوطة وعناوين داخلية بشرط إيضاح المنهج في مقدمة المحقق لتوضيع ما اتبعه في النسخ والمقابلة
- الكتابة على الجهة اليسرى فقط.
- وضع أرقام صفحات الأصل على الجانب الأيمن أو الأيسر
- الانتباه من التلفيق بين النسخ
- الاستعانة بالمصادر عند تحرير النص وتقويمه
- مراعاة لهجات القبائل واللغات المشهورة
- الانتباه لضبط الآيات وتخريج الأحاديث
- شرح الكلمات المشكلة وتشكيلها
- التيقظ للتصويبات والهوامش حول المخطوطة وخاصة إذا كانت مسودة
- مراعاة لغة المحدثين عند النظر في تصحيح ألفاظ الحديث .
- إذا كان النص أثراً أدبياً، شعراً أو نثراً، وثبت أنه من إنشاء صاحبه، فينبغي الإبقاء عليه كما هو في المتن.
- عدم الزيادة في المتن إلا من خلال الهامش أو معكوفين، ويشار إلى ذلك في المقدمة.
- معرفة تاريخ النَّسخ، سواء عن طريق ما هو مثبت من على المخطوط أو من خلال الخط، إذ يعين ذلك الباحثَ على معرفة الفترة التي تلت حياة المؤلف أو عاش فيها، مع ضرورة الحذر من أمارات التزوير في الخط.
- معرفة نوع الورق والحبر المستخدمين في المخطوط إن تيسّر للمحقق معاينة المخطوط مادياً.
- قراءة المخطوط قراءة متأنية للوقوف على شواهد وقرائن تساعد المحقق على معرفة المؤلف وفهم طريقة تفكيره وتحريره.
- إن كان الكتاب جزءاً حديثياً، وجب علينا تتبع الراوي الذي يروي عنه المصنف أسانيده، وهذا ما يدلنا على معرفة الطبقة التي أخذ المؤلف عنها، وبالتالي فإن مراجعة كتب التراجم وتتبع تلاميذ شيوخ المصنف يمكننا من معرفة صاحب الكتاب[77].
الخاتمة والتوصيات
الملكية الفكرية تعني حماية نسبة الأفكار إلى أصحابها، وهذا يقتضي الأمانة العلمية في النسبة والنقل، والتي تعتبر واجباً دينياً قبل أن يكون واجباً أخلاقياً أو قانوناً ملزماً، وظهر ذلك جلياً في مختلف الأمثلة التي عرضتها خلال هذا البحث، بالإضافة إلى الإضاءة على ضبط الاستدلال بالنصوص في تراثنا المخطوط الثري.
وأهم التوصيات التي يمكن لنا الخروج بها هي:
أولاً: إلى محققي المخطوطات:
- لا يجب النظر إلى المصادر والمراجع الهامة بقدسية زائدة، كما لا يجب امتناع الباحث من إعمال فكره، فقد يعتريها كغيرها من الكتب تصحيف، أو تحريف، أو سقط، أو خطأ من مؤلفها، أو من النسّاخ، أو من محققها، أو من طابعها، وبالتالي فإن احترام الأمانة العلمية، والالتزام بالملكية الفكرية لا يمنع إعمال العقل عبر ذكر ملاحظات المحقق في الهوامش، مع إيضاحات كافية لنتائج تحقيقه.
- ضرورة الاقتداء بتعاليم الشرع الإسلامي الحنيف في منهج الأمانة العلمية، والذي لم يعتمد لفترة طويلة على القوانين المرعية الإجراء في حماية الملكية الفكرية، بل كان فكر المحققين والعلماء أخلاقياً لا يسمح بتحقيق أو نقل أو نشر أي فكر أو علم من دون التعريج على اسم صاحبه، وإبداء الاحترام له حتى ولو كان الخلاف الفكري أو العقائدي قائماً أو عميقاً.
- الاقتداء بالعلماء في كيفية النقل والتوثيق، وفي كيفية المناقشة البناءة، وسؤال المتخصصين من أهل العلم الذين من الممكن أن يعطوا إجابة وافية شافية قد لاتعطيك إياها المصادر.
ثانياً: إلى أصحاب الأمر في الدول الإسلامية:
- تشجيع حماية الملكية الفكرية عبر دعم القوانين التي تجبر الناقلين على احترام حقوق المؤلف والالتزام بقواعد التحرير والنقل، مع تشديد العقوبات على المخالفين، حيث أن مجرد التشجيع المعنوي والأخلاقي ربما لم يعد كافياً في هذا الزمان، حيث تنتشر قلة الأمانة العلمية وعدم احترام المهنية في النقل، خصوصاً مع انتشار الانترنت وتوافر آلاف الكتب الالكترونية، والتي يمكن نسخ ما يريد المحرر منها دون قيد أو شرط.
- تحفيز أصول النقل ومنهجية البحث، والإضاءة على أهمية حماية الملكية الفكرية في إنتاج عمل متقَن محترم مفيد، وربما التحفيز المادي عبر المكافآت التقديرية والتشجيعية أمر جيد يدفع بالباحث إلى التحري عن المعلومة ونسبتها إلى صاحبها الأصلي.
- توضيح شرعية الاختلاف الفكري بين المؤلفين والعلماء، حتى ولو كان اختلافاً عقائدياً، بأن هذا الاختلاف محمي، وليس ذريعة للناقل تجاهل الأصل لإخفاء اختلافه، أو لطمس صاحب الخلاف.
- توفير الحماية والحفظ للمخطوطات والكتب القديمة العهد، وذلك عبر إنشاء مراكز ومكتبات متخصصة بحمايتها والاستفادة منها في البحوث والتحقيقات العلمية، وتفعيل دور المؤسسات العلمية لتعليم الطلاب أهمية هذا الإرث الثقافي، ودفعهم لإظهار الاحترام والإجلال له.
- التأكيد على أن مفهوم حقوق الملكية الفكرية يغاير مفهوم حقوق النشر، فرغم أهميتهما إلا أن حقوق النشر هي لدار النشر، بموجب اتفاق بين المؤلف والناشر، أما حقوق الملكية الفكرية فهي لصاحب الفكر بغض النظر عن حياته أو مماته، أو إذنه أو عدمه، فهو نسب العلم إلى صاحبه مع كامل الحق بالاستفادة منه.
لائحة المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- ابن ماجه السنن
- أبو داوود السنن
- إبراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، دار الفكر، ص 298 ماة (ف ك)
- ابن القيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين، ضبط محمد إبراهيم، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2012م.
- ابن تيمية، مجموع الفتاوى، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، 2011م
- ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت، دار الفكر، 1399ه، 1979م، ج4.
- ابن قدامة، المغني على مختصر الخرقي، لانا، د.ت، د.ط.
- ابن منظور، لسان العرب، بيروت، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1997م.
- ابن نجيم، البحر الرائق، لانا، د.ت، د. ط.
- أبو حامد الغزالي، احياء علوم الدين، دار الفكر، بيروت، د.ط، 2018م.
- إياد بن موسى، الإلماع في معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، تحقيق سيد أحمد صقر، دار التراث بالقاهرة، والمكتبة العتيقة بتونس، 1398ه-1978م.
- جلال الدين السيوطي، الأشباه والنظائر، دار الفرقان للنشر والتوزيع، القاهرة، 1985م.
- جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وأنواعها، تحقيق محمد أحمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط 3، د.ت.
- حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي، دار النهضة العربية، بيروت، ط1، 1431ه، 2010م.
- الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، تعليق زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، 2012م.
- سالم بن محمد السنهوري، تيسير الملك الجليل لجمع شروح وحواشي الخليل في الفقه المالكي، تحقيق عبد المحسن العتال، دار الكتب العلمية، بيروت، 2019م
- شمس الدين الذهبي، تذكرة الحفاظ، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ط، 2012م.
- شمس الدين الذهبي، سير أعلام النبلاء، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1988م.
- شوقي أبو خليل، الحضارة العربية الاسلامية وموجز عن الحضارات السابقة، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1994م
- صلاح المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات، دار الكتاب الجديد، بيروت، د.ط، 1396ه، 1976م.
- عبد الله الكمالي، كتابة البحث وتحقيق المخطوط خطوة خطوة، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1422ه، 2001م.
- عبد الله عسيلان، تحقيق المخطوطات بين الواقع والمنهج الأمثل، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، د. ط، 1415هـ، 1994م.
- علاء الدين ابن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع، تحقيق علي معوض، دار الكتب العلمية، بيروت د.ت، د.ط.
- علي الجرجاني، التعريفات، دار الطلائع، القاهرة، د.ط، 2013م.
- علي نايف البقاعي، المنهج الحديث في تسهيل علوم الحديث، دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2006م.
- فاروق حمادة، منهج البحث في الدراسات الإسلامية، تأليفاً وتحقيقاً، دار القلم، دمشق، 2000م.
- الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1426هـ، 2005م.
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ، ضبط وتحقيق سالم مصطفى البدري، دار الكتب العلمية، بيروت، ط4، 2014م.
- محمد القاسمي، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط2، 1961م.
- محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم، تحقيق وتعليق ابراهيم كليب، مكتبة العبيكان، الرياض، ط1، 2002م.
- يوسف بن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، القاهرة، د.ط، د.ت.
[1] سورة العلق آية رقم 1
[2] الزبيدي، تاج العروس، ج1 ص، 370
[3] الزبيدي، تاج العروس، ج1، ص 366
[4] الزبيدي، تاج العروس، ج1، ص 366
[5] الزبيدي، تاج العروس، ج1، ص 370
[6] سورة المجادلة، جزء من آية 11
[7] شرح الآيات من سورة المرسلات، آية 20–27؛ سورة الغاشية، آية 17—20 .
[8] ابن ماجه، السنن، بالمقدمة، باب (17) فضل العلماء والحث على طلب العلم، ح 228/ وفي رواية عن أبي الجعد نقلا عن أبي الدرداء قائلا “العالم والمتعلم في الأجر سواء” الدارمي، السنن، مجموعة أبواب في المقدمة، باب فضل العلم والعالم، ح 327
[9] أبو داوود، السنن، كتاب الأقضية، باب 11 اجتهاد الرأي في القضاءح3592
[10] من الثوابت الشرعية، والركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، فهي ليست حقوقاً دستورية فحسب، وليست نتاجاً فكريّاً يمثِّل مرحلة من مراحل تطور العقل الإنساني، وليست حقوقاً طبيعيَّة، كما يعبِّر عنها أصحاب القانون الوضعي، ولكنَّها في نظر الإسلام واجبات دينية محمية بالضمانات التشريعية والتنفيذية، وليست وصايا تُدْعَى الدول إلى احترامها والاعتراف بها من غير ضامنٍ لها، بل هي مرتبطة بالإيمان بالله تعالى، وتقواه، يُكَلَّف بها الفرد والمجتمع كلٌّ في نطاقه وحدود المسئولية التي ينهض بها، ويحافظ عليها، لأنَّ في المحافظة عليها أداءً لواجب شرعي، ولا يجوز له أن يفرِّط فيها، لأنَّ التفريط فيها تقصير في أداء هذا الواجب
[11] شوقي أبو خليل، الحضارة العربية الاسلامية وموجز عن الحضارات السابقة، دار الفكر المعاصر، بيروت، 1994بتصرف
[12] الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1426هـ، 2005م، ط2، ص458 مادة (ف ك ر)
[13] ابراهيم أنيس وآخرون، المعجم الوسيط، دار الفكر، ص 298 ماة (ف ك)
[14] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، بيروت، دار الفكر، 1399هـ 1979 م، ج4 ص446 مادة ف ك ر
[15] المرجع نفسه.
[16] ابن منظور، لسان العرب، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1997م، م5، ص 65 مادة (ف ق ر)
[17] الفيروز أبادي، القاموس المحيط، تحقيق مكتب التراث في مؤسسة الرسالة، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1426هـ، 2005م، ط2، ص458 مادة (ف ك ر)
[18] أبو حامد محمد الغزّالي الطوسي النيسابوري الأشعري (450 هـ – 505 هـ / 1058م – 1111م): أحد أعلام عصره وأحد أشهر علماء المسلمين في القرن الخامس الهجري، كان فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً، وكان صوفيّ الطريقةِ، شافعيّ الفقهِ.
[19] أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، دار الفكر، بيروت، 2018، د.ط، ج4 ص441.
[20]علي الجرجاني، التعريفات، ضبط نصوصه محمد علي أبو العباس، القاهرة، دار الطلائع ،2013م م، د.ط، ص70.
[21] سورة العنكبوت آية 20
[22] الفيروز أبادي، معجم مقاييس اللغة، ص 954، مادة م ل ك
[23] ابن نجيم، البحر الرائق، لانا، د.ت، د. ط.،ج3، ص 220
[24]عند الأحناف، البحر الرائق ج3ص220 / علاء الدين ابن مسعود الكاساني، بدائع الصنائع، تحقيق علي معوض، يبيروت دار الكتب العلمية، د.ت، د.ط، ج9، كتاب السير، ص507
[25] عند الشافعية، لذا يتمكن من التصرف في الرقبة بيعا وشراء وهبة، ويملك التصرف منفعة، ابن تيمية، مجموع الفتاوى، تحقيق مصطفى عطا، م17، كتاب البيع، ص86
[26] عند الحنابلة، ابن قدامة، المغني على مختصر الخرقي، لانا، د.ت.د. ط. ج4 ص 412
[27] عند المالكية، سالم بن محمد السنهوري، تيسير الملك الجليل لجمع شروح وحواشي الخليل في الفقه المالكي، تحقيق عبد المحسن العتال، ج5، كتاب البيوع، ص205
[28] جلال الدين السيوطي، الأشباه والنظائر، القاهرة، مصطفى البابي، 1387ه، ص 334″.
[29] كحقِّ المؤلف في مؤلفاته، وحقِّ الفنان في مبتكراته الفنيَّة، وحقِّ المخترع في مخترعاته الصناعية، وحقِّ التاجر في الاسم التجاريِّ والعلامة التجارية وثقة العملاء…
[30] هو اختصاصٌ شرعيٌّ حاجزٌ، يمنح صاحبه سلطةً مباشرة على نتاجه المبتكر (أيَّاً كان نوعه)، ويُمَكِّنَهُ من الاحتفاظ بنسبة هذا النِّتَاجِ لنفسه
[31] كحقِّ المؤلف في استغلال كتابه، والمترجم في الترجمة، والناشر في حقوق النشر، والرسام في الإبداع الفني والرسم والتصوير.
[32] كحقِّ مخترع الآلة، ومبتدع العلامة الفارقة التي نالت الثِّقة، ومبتكر العنوان التجاري الذي أحرز الشهرة… إلخ
[33] وهي ضد الخيانة، وهي قسمان، الأول بين العبد وربه أي الفرائض التي افترضها الله تعالى على عبده، الثاثني بين العباد أي بمعنى الشيء الذي يوجد عند الأمين كالوديعة.
[34] فاروق حمادة، منهج البحث في الدراسات الإسلامية، تأليفاً وتحقيقاً، دمشق، دار القلم، 1421هـ، 2000م، ط1، ص 55
[35] في الإلماع في معرفة أصول الرواية وتقييد السماع، تحقيق سيد صقر،نشر دار التراث بالقاهرة، والمكتبة العتيقة بتونس، 1398-1978 ص 228-229
[36] هو الحاكم النيسابوري، الامام الحافظ صاحب الكتب المهمة وهي: معرفة علوم الحديث، المستدرك على الصحيحين، الإكليل، المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم. توفي سنة 406هـ
[37] بلغت نحو أربعة وخمسين موضعاً
[38] ينظر: إلى هذه الحادثة في (تذكرة الحفاظ) 3/1048، سير أعلام النبلاء17/270
[39] ابن سعيد الأزدي الإمام الحافظ النسابة المتقن، محدث الديار المصرية، صاحب كتاب (المؤتلف والمختلف)المتوفى سنة 409هـ
[40] ينظر: في المزهر في علوم اللغة وأنواعها 2/319، تحقيق محمد أحمد جاد المولى ومحمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي، نشر دار احياء الكتب العربية ط 3، د. ت،
[41] أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح- بسكون الراء- الأنصاري الخزرجي الأندلسي، كان فهما حسن الحفظ، حسن المذاكرة، ثقة، حافظاً. توفي بالمنية أوائل سنة إحدى وسبعين وستمائة كما قال الذهبي في سير أعلام النبلاء، وقيل سنة 668هـ ، من مؤلفاته: كتاب الأسنى في أسماء الله الحسنى، التكرة في أمور الآخرة، التذكار في أفضل الأذكار…(مقدمة الجامع لأحكام القرآن ص 3-4)
[42] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن ، ضبطه وحققه، سالم مصطفى البدري، بيروت، دار الكتب العلمية ، ج1، مقدمة المؤلف، ص 6
[43] محمد القاسمي، قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، مصر، دار احياء الكتب العلمية، 1380هـ، 1961م ص 40 ط 2 ، (ويذكر قائلا: وقد اتفق أني رأيت في ” المزهر” للسيوطي هذا الملحظ حيث قال في ترجمة ” ذكر من سئل عن شيء فلم يعرفه فسأل من هو أعلم منه” ما نصه” ومن بركة العلم وشكره عزوه إلى قائله”
[44] أبو عمر يوسف بت عبد الله بن عبد البر، حافظ أصيل، ينتسب إىل قبيلة النمر، نشأ في بيت اشتهر بالعلم والزهد، والده من فقهاء قرطة المعروفين. رحل في طلب العلم، قال عنه الذهبي ” كان إماما دينا ثقة صاحب سنة واتباع، قوي الفهم، من مصنفاته المدخل في القراءات، التجويد والمدخل إلى علم القرآن بالتحديد …(مقدمة جامع بيان اعلم وفضله ص 12—18 بتصرف )
[45] يوسف بن عبد البر، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، دار ابن الجوزي، ج1 ص922
[46] سورة المائدة آية 87
[47] سورة البقرة آية 188
[48] البخاري، الصحيح، كتاب العلم، باب: قول النبي عليه الصلاة والسلام “رب مبلغ أوعى من سامع”، ح67.
[49] تعريف الاسناد: الطريق الموصل للخبر ، وهو سلسلة الرواة وأدوات الرواية المؤدية إلى ما بعدها من كلام (المنهج الحديث في تسهيل علوم الحديث علي البقاعي، ص 1ه ويطلق عليه السند )
[50] قواعد تعرف بها أحوال السند والمتن (المنهج الحديث في تسهيل علوم الحديث، علي البقاعي، ص 15)
[51] تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها، أي تغير الكلمة عن حالتها الأصلية المرادة إما بتبديل الأحرف أو بديل الحركات
[52] الخطيب البغدادي، الكفاية في علم الرواية، علق عليه زكريا عميرات، بيروت، دار الكتب العلمية ، د.ت،د.ط.، ص179-180 بتصرف
[53] ينظر النكت على مقدمة ابن صلاح، لمحمد بن بهادر الزركشي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004، ص373.
[54] أخرجه الطبراني في الكبير (7/100)، وعزاه إليه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/154).
[55] السماع من الشيخ، القراءة على الشيخ، الإجازة ، المناولة، المكاتبة، الوصية، الوجادة
[56] هي أن يوصي الشيخ بدفعه كتبه عند موته لرجل .
[57] هي وقوف الراوي على كتاب بخط محدث مشهور يعرف خطه ويصححه وإن لم يلقه ولا سمع منه .
[58] وهذا أبو كامل المصري، من علماء القرن الثالث الهجري، والذي كان يُلقب بأستاذ الجبر، وقد صنف فيه كتابه المعروف بـ (الكامل بالجبر) .. فقد ذكر في هذا الكتاب أيضًا أنه إنما هو تكملة لما وصل إليه أستاذه محمد بن موسى الخوارزمي عن الجبر والمقابلة.
[59] أبناء موسى بن شاكر، كتاب الحيل، معهد التراث العلمي العربي، حلب، 1981م، د.ط.
[60] محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، المدخل إلى معرفة الصحيح، تحقيق وتعليق ابراهيم كليب، الرياض، مكتبة العبيكان، 1423هـ، 2002م، ط1 ، ج1، ص 164
[61] ينظر المجموع شرح المهذب، للإمام محي الدين يحيى بن شرف النووي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2011م، ص468.
[62] يقول ابن القيم في (إعلام الموقعين): “وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويَوَدّ كل واحدٍ منهم أن يكفيه إياها غيرُه، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين، ثم أفتى”. ويقول عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله: “أدركت عشرين ومائةً من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما منهم رجلٌ يسأل عن شيء إلا ود أن أخاه كفاه، ولا يحدِّث حديثًا إلا ود أن أخاه كفاه. وعن الإمام مالك أيضًا: أنه ربما كان يُسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها، وكان يقول “من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه، ثم يجيب”. وهذا ابن= =النفيس: شيخ الطب في زمانه، ومكتشف الدورة الدموية الصغرى، تقدم إليه أحد المرضى، وسأله عن علاج لورمٍ في يده، فلمّا فحصه قال في تواضع: “أعرف صفة الورم، وأتفهَّم أسبابه، ولكنني لا أعرف له علاجًا؛ فالتمسه عند غيري”.
[63] رجب محمود إبراهيم بخيب، أعلام القضاء، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة، 2011م، الطبعة الأولى، ص 173 بتصرف.
[64] عبد الله عسيلان، تحقيق المخطوطات بين الواقع والمنهج الأمثل، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، 1415هـ، 1994م، د. ط، ص 29-30 بتصرف
[65] إياد خالد الطباع وأحمد بن علي بن وحشية، منهج تحقيق المخطوطات، دار الفكر، 2009م
[66] مبروك يونس عبد الرؤوف، المهارات العملية لفن تحقيق التراث، نقلاً عن موقع الألوكة، تاريخ الاطلاع: 24-شباط-2020. الرابط: https://www.alukah.net/literature_language/0/76300/#ixzz6FCRMcYcL
[67] حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي، بيروت، دار النهضة العربية، 1431هـ 2010م، ط1، ص 225 بتصرف.
[68] حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي، ص 226-227 (بتصرف اختصاراً)
[69] مثال عليها: إدارة المخطوطات والمكتبات الإسلامية، فهرس المخطوطات الأصلية، دولة الكويت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطاع الافتاء والبحوث الشرعية ادارة المخطوطات والمكتبات، 1432هـ 2011م فقط حصلت على الجزء السادس؛ جامعة أم القرى عمادة شؤون المكتابت المكتبة المركزية مكة المكرمة، فهرس مخطوطات جامعة أم القرى، 1423هـ، ط1، عدد أجزائه4
[70] صلاح الدين المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات، دار الكتاب الجديد، بيروت، 1988م
[71] تم تلخيصها من كتب المناهج وإعادة ترتيبها وفق ما يخدم البحث ومنها (حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي؛ صلاح الدين المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات).
[72] تم تلخيصها من كتب المناهج وإعادة ترتيبها وفق ما يخدم البحث ومنها (حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي؛ صلاح المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات، بيروت، دار الكتاب الجديد، 1396هـ، 1976م؛ عبد الله الكمالي، كتابة البحث وتحقيق المخطوط خطوة خطوة، بيروت، دار ابن حزم، ط1، 1422هـ 2001م)
[73] يقصد بالتضبيب: الإشارة الموجودة على رأس الكلمة والتي تدل على تصحيحها، مثال ذلك كلمة (صح).
[74] وهي العلامة التي تدل على تتابع الأوراق
[75] إياد خالد الطبّاع، منهج تحقيق المخطوطات، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2011، ط4، ص2.
[76] تم تلخيصها من كتب المناهج وإعادة ترتيبها وفق ما يخدم البحث ومنها (حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي؛ صلاح المنجد، قواعد تحقيق المخطوطات، بيروت، دار الكتاب الجديد، 1396هـ، 1976م؛ عبد الله الكمالي، كتابة البحث وتحقيق المخطوط خطوة خطوة، بيروت، دار ابن حزم، ط1، 1422هـ 2001م)
[77] إياد خالد الطبّاع، منهج تحقيق المخطوطات، دار الكتاب الجديد، بيروت، 2011، ط4، ص4.