
تحديات المواطنة في سياق سياسي سلطوي المغرب نموذجا
The challenges of citizenship in an authoritarian political context
ـMorocco as a modelـ
الأستاذ أحمد بوز، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس بالرباط
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 24 الصفحة 55.
Abstract
The aim of this research paper to identify the idea of citizenship in the Moroccan political system as an authoritarian political system, which means that there are some aspects of political openness. At the same time, the essence of the authority continues to be controlled by a non- elected political actor.
It starts from a basic idea that there is a strong relationship between citizenship and democracy, so that the first can be conceived only in the presence of the second, that is, in the presence of a constitutional and political framework that incubates, preserves, and guarantees individuals opportunities and opportunities to feel them.
Therefore, if citizenship remains present in the Moroccan political context, as an authoritarian context, whether through the constitutional text or the rhetoric of political and civil actors, this presence remains symbolic and appears to have been governed by a mythological argument that calls for the completeness of the aesthetics of the political scene. This is what makes us to reproduce citizenship in the Romanian sense, where “the citizen has the right to vote, but decisions are made by the emperor”.
Résumé
Cette étude vise à identifier l’idée de citoyenneté dans le système politique marocain entant que système politique autoritaire qui se manifeste par l’existence de certains aspects de l’ouverture politique, alors que le fond du pouvoir continue à être contrôlée par un acteur politique non élu, à savoir la monarchie dans le cas marocain.
Cette étude repose sur une idée principale selon laquelle existe une relation étroite entre citoyenneté et démocratie, de sorte que le premier ne peut être conçu qu’en présence du second, c’est-à-dire en présence d’un cadre constitutionnel et politique qui incube et préserve et garantit aux individus des possibilités et des opportunités de les ressentir.
Alors, si la citoyenneté reste présente dans le contexte politique marocain, en tant que contexte autoritaire, que ce soit à travers le texte constitutionnel ou la rhétorique des acteurs politiques et civils, cette présence reste symbolique et semble avoir été régie par un argument mythologique appelant à la complétude de l’esthétique de la scène politique. C’est ce qui nous incite à reproduire la citoyenneté au sens roumain, où “le citoyen a le droit de voter, mais les décisions sont prises par l’empereur”.
ملخص
تروم هذه الورقة البحثية الوقوف عند فكرة المواطنة في النسق السياسي المغربي، كنسق سياسي سلطوي الذي يعني وجود بعض مظاهر الانفتاح السياسي وفي نفس الوقت استمرار جوهر السلطة متحكم فيه من طرف جهة سياسية غير منتخبة، أي الملكية في الحالة المغربية.
وهي تنطلق من فكرة أساسية مفادها أن هناك علاقة وطيدة بين المواطنة والديمقراطية، بحيث لا يمكن تصور الأولى إلا في ظل وجود الثانية، أي في ظل وجود إطار دستوري وسياسي يحضنها ويصونها ويضمن للأفراد إمكانيات وفرص للشعور بها.
وبالتالي، فإن المواطنة إذا كانت تظل حاضرة في السياق السياسي المغربي، كسياق سلطوي، سواء من خلال المتن الدستوري أو خطابات الفاعلين السياسيين والمدنيين، فإن هذا الحضور يظل رمزيا، ويبدو أنه تحكمت فيه دواعي اسطتيقية تتوسل اكتمال جمالية المشهد السياسي. وهذا ما يجعلنا أمام إعادة إنتاج المواطنة بمفهومها الروماني، حيث “المواطن له الحق في التصويت لكن القرارات تتخذ من طرف الإمبراطور”.
الكلمات المفاتيح: المواطنة ـ الديمقراطية ـ نسق سياسي سلطوي ـ سياق سياسي سلطوي.
تقديم
لفكرة المواطنة تاريخ ضارب في الزمن، فهي وإن كانت قد انتشرت في الفكر السياسي العالمي بعد الثورة الفرنسية، وأضحت اليوم حاضرة بقوة في خطابات الفاعلين السياسيين والمدنيين، كما في اهتمامات الباحثين الأكاديميين، خاصة في ارتباط بظاهرة العولمة والضغوط التي أخذت تمارسها القضايا الاقتصادية والمالية والاجتماعية والثقافية في مجتمعات متعددة، فإن التحديد الزمني لبروزها يعود على الأقل إلى الفكر الفلسفي السياسي اليوناني.
وعبر كل هذا التاريخ الطويل خضع هذا المفهوم لعدة تحولات تبعا للتطورات الفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والحضارية التي عرفتها المجتمعات، لكنه ظل على العموم شديد الارتباط بالديمقراطية. ففي ظل هذه الأخيرة نبت مفهوم المواطنة في سياقات حضارية مختلفة، وبالتالي فإن تاريخ المواطنة يصعب فصله عن تاريخ الديمقراطية، حتى ولو أن العلاقة بينهما لم تصبح واضحة وأكثر دقة إلا في العصر الحديث.
فقد اقترنت المواطنة في العصر اليوناني بثلاثة أفكار أساسية تعتبر من صميم الديمقراطية السائدة وقتها، وهي المثل الأعلى للمساواة، والتمتع بالحرية والإيمان بالمشاركة[1]. وعندما اختفت الديمقراطية من ساحة التداول انطلاقا من العصر الروماني، أو على الأصح في العصور الوسطى مع اتجاه هذه الأخيرة نحو تكريس حكم تيوقراطي مطلق، اختفت معها المواطنة، وترك المواطن مكانه للرعية، ثم عادت المواطنة إلى الواجهة من جديد مع عودة الديمقراطية وانبعاثها من رمادها في نهاية تلك العصور، في ارتباط باتجاه الفكر السياسي نحو صياغة مبادئ واستنباط مؤسسات وتطوير آليات وتوظيف أدوات حكم جديدة[2]، وخاصة مع الثورة الفرنسية التي كانت أكثر من غيرها غنية بالشواهد حول الأفكار والآراء والمشاكل التي تدل على الانتشار الواسع الواعي لفكرة المواطنة وعلى الاختراقات التي حققتها في الحدود الفاصلة بين الطبقات[3].
لكن المواطنة ستعرف انطلاقة جديدة لها مع اتجاه الفلسفة السياسية المعاصرة نحو إعطاء دفعة جديدة للتأمل الأخلاقي الفلسفي حول الديمقراطية، على نحو ما تجسد ذلك “نظرية العدالة”، كما طرحها جون راولز (J.Rawls)، وسعيها نحو التصور الأمثل لعدالة سياسية تحقق قيم الحرية والمساواة بين المواطنين[4]، وتروم جعل السلطة السياسية في الديمقراطية سلطة للمواطنين الأحرار والمتساوين كجماعة مشتركة[5]. بل إن مبادئها لا تقتصر على فرض نظام ديمقراطي دستوري، بل تسفر أيضا عن مجموعة من المعايير المحددة لتقييم المؤسسات والبرامج السياسية القائمة[6].
لكن إذا كان الارتباط قائما ومؤكدا بين الديمقراطية والمواطنة، وأن هذه الأخيرة بما يترتب عليها من حقوق وواجبات للمواطنين قد أضحت مقولة مركزية للأولى، فهل يعني هذا أن المواطنة لا يمكن تصورها إلا في ظل نظام ديمقراطي، “يستند إلى جملة من الحقوق والواجبات، وإلى الاعتراف المبدئي والأساسي بالاختلاف والتعدد، وبالتالي تجاوز كل أشكال الاستفراد بالسلطة والقرار أو الاستهتار بقدرات المواطنين وإمكانياتهم العقلية والعملية”[7]؟ ثم على افتراض أن المواطنة لا توجد إلا في نظام ديمقراطي، فهل يعني ذلك أنها تحمل نفس المعنى داخل كل الأنظمة الديمقراطية، ويتم تصورها بنفس المنظور والحال أن النظام الديمقراطي نفسه ليس وصفة جاهزة للتطبيق في جميع الظروف بل يختلف هو الآخر باختلاف السياقات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أفرزته. وماذا عن المواطنة في المجتمعات ذات الأنظمة السلطوية؟ هل يكفي الحكم على نظام سياسي معين بأنه نظام سلطوي للقول بغياب المواطنة فيه؟ علما أن النظام السلطوي، وفقا للتعريف الذي يقدم له، عادة ما يسمح بوجود نص دستوري يقر ببعض الحقوق والواجبات، ويقر بالتعددية السياسية، كما يتيح بعض الفرص للمشاركة والتداول في القرارات، وفقا لما سنوضحه لاحقا.
أخذا بعين الاعتبار هذه الأسئلة ستتناول هذه الورقة البحثية ثلاثة عناصر أساسية، تتعلق، أولا، بالإشكاليات التي يطرحها تحديد مفهوم المواطنة، وثانيا بالعلاقة المفترضة بين المواطنة والديمقراطية، ثم ثالثا، وأخيرا، بالصعوبات والتحديات التي تواجه إمكانية الحديث عن المواطنة في سياق سياسي سلطوي مثل النظام السياسي المغربي.
I ـ إشكاليات تحديد مفهوم المواطنة
رغم قدم فكرة المواطنة (la citoyenneté) وانتشارها على نطاق واسع، فإن إيجاد فهم دقيق ومشترك لها يبدو تمرينا صعبا. وهذا ما سبق لأرسطو نفسه أن أشار إليه عندما اعتبر أن “طبيعة المواطنة، كطبيعة الدولة، هي مسألة غالبا ما تثير الجدل، إذ لا يوجد تفاهم عام حول تعريف موحد لها”[8].
هذه الصعوبة في تحديد مفهوم المواطنة تعود إلى جملة من العوامل والأسباب الأساسية، التي يمكن حصرها في أربعة:
أولاـ التداخل الموجود بين مفهوم المواطنة ومفاهيم أخرى قريبة منه ومرتبطة به، إذ كثيرا ما يختلط استعماله بمفاهيم الأمة (la nation) والوطنية (nationalisme) والجنسية (nationalité) والهوية (L’identité)، ليس فقط في لغة التخاطب اليومي وإنما أيضا لدى الفقه القانوني وفي النصوص القانونية[9].
بالتأكيد أن التمايزات النظرية بين هذه المفاهيم تظل موجودة، بحيث عادة ما ينظر إلى المواطنة باعتبارها أكثر تميزا وعمقا مقارنة بباقي المفاهيم الأخرى. فهي تعني وعي الانتماء إلى جماعة ذات هوية سياسية، وبالتالي فهي “تتجاوز روابط الدم والقرابة إلى الاهتمام بالتكوين السياسي للجماعة وتناقضاتها”[10]، في حين ينصرف مفهوم الوطنية إلى شعور جماعي بالانتساب إلى وطن له حدوده الجغرافية والسياسية، كما يعكس إحساس وجداني بضرورة الدفاع عن استمرار هذا الكيان، أي الوطن، والدود عن حرمته وصيانة وحدة أراضيه. أما الجنسية فتحدد بكونها الرابطة القانونية التي تجمع الفرد “المواطن” برقعة جغرافية معينة ومحددة، ويتمتع بها هذا الأخير بالولادة، أو يكتسبها بعد ولادته بمقتضى القوانين ذات العلاقة[11]. لكن هذه التمايزات لا تمنع من استمرار صعوبة التحديد الدقيق لما يفرق المواطنة عن المفاهيم الأخرى، ليس فقط من الناحية النظرية وإنما أيضا من ناحية الممارسة.
ثانياـ التحول الذي يعرفه مفهوم المواطنة نفسه، حيث لا يتعلق الأمر بمفهوم ثابت بل بمفهوم متغير يتأثر بالتطور السياسي والاجتماعي وبعقائد المجتمعات وبقيم الحضارات، الشيء الذي يجعل تأمين فهم دقيق لهذا المصطلح يتطلب من جملة ما يتطلبه استحضار الخلفية التاريخية التي تحكمت فيه، لأنها هي التي تسمح ليس فقط بمعرفة “أسباب النزول”، وإنما أيضا بالوقوف عند التحولات التي عرفها هذا المفهوم، والتقلبات التي خضع لها. فبالمقارنة مع أصله اليوناني، فإن مفهوم المواطنة وإن كان لا يزال يدور حول نموذج الدولة ـ المدينة (L’Etat-cité)، وأساسا حول المساهمة في إقرار القوانين المتعلقة بتنظيم وتدبير شؤونها، على نحو ما كان يقول أرسطو، فإنه عرف ثلاثة متغيرات أو انتقالات أساسية:
1ـ اتساع المجال الجغرافي لهذا النموذج لكي يتجاوز حدود المدينة (La cité)، ويصبح صالحا لكل دولة، بل إن هناك من أضحى يتحدث عن مواطنة عبر وطنية (transnational) أو مواطنة شاملة تتجاوز حدود وفضاء الدولة، أو مواطنة عابرة للدولة ـ الأمة، في ارتباط ببعض التحولات التي يشهدها عالم اليوم، مثل انهيار المعسكر الشيوعي وتزايد الحديث عن “نهاية التاريخ” والانتصار المفترض للإيديولوجية الليبرالية، وارتفاع درجة التهديد التي أصبحت تمثلها مشاكل البيئة وانتشار السلاح النووي، وما أضحت تفرضه من حاجة إلى عالم أكثر تعاونا وتعاضدا، واتجاه بعض الدول نحو التكتل في إطار مجموعات مشتركة، فضلا عن الإمكانيات التواصلية الهائلة التي أتاحها التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي. وهنا يمكن استحضار، على سبيل المثال لا الحصر، كتابات يورغن هابرماس (Jurgen Habermas) حول ما بعد الدولة وفكرة المواطنة الأوربية[12]، وكتابات ديفيد هيلد حول “الديمقراطية الكونية” في محاولتها لتأطير التداعيات المحتلمة للعولمة الثقافية والاقتصادية والاتصالاتية التي تفرض نفسها بسرعة هائلة.
علما أن الآراء حول المواطنة التي تتجاوز حدود الدولة الأمة، تجد سندها في كتابات سابقة على القرن العشرين على نحو ما يبرز في آراء روبسبير (M. Robespierre) إبان الثورة الفرنسية التي سعى من خلالها، من دون أن ينجح في ذلك، إلى تضمين فقرة في إعلان الحقوق لسنة 1793 تقول إن “الناس في جميع البلدان إخوة، والشعوب المختلفة يجب أن يساعد بعضها بعضا وفق إمكانياتها كما لو أن الجميع مواطنون للدولة الواحدة بذاتها”[13]. وقبله إيمانويل كانط من خلال أفكاره حول “القانون الكوني”، التي بلورها في كتابه “السلام الدائم: تصور فلسفي”، والذي عرفه بأنه “دستور مبني على الحق الكوني، وعلى اعتبار الأفراد المتعايشين في علاقات خارجية كمواطنين لدولة إنسانية كونية[14]. بل إن فكرة “المواطنة العالمية” تمتد جذورها إلى الحقبة اليونانية وبخاصة الرواقيين، وإن كانت فكرتهم هذه لم تكن أكثر من تصور مجازي، وظلت بالتالي بعيدة عن أن تجسد حالة سياسية أو قانونية من خلال السعي نحو تأليف دولة عالمية بشكل رسمي[15].
2ـ توسع المجال الحقوقي للمواطنة ليستوعب، من جهة أولى، حقوقا جديدة غير الحقوق السياسية التي ارتبط بها في البداية، وليشمل، من جهة ثانية، كل الفئات بما في ذلك بعض الأشخاص غير المرتبطين بالدولة برابطة الجنسية.
نحن نعرف أن المواطنة في الحقبة اليونانية كانت تعني مشاركة نخبة من الرجال في إدارة الشأن العام عبر التصويت والمشاركة في الشؤون التي تهم المدينة، وبالتالي فقد كانت مواطنة طبقية لأفراد متساوين ضمن المرتبة الاجتماعية الواحدة[16]. وحتى في ظل الثورات الغربية، وتحديدا الثورة الإنجليزية لسنة 1688 والثورة الأمريكية لسنة 1776 ثم الثورة الفرنسية لسنة 1789، فقد ظل هذا المفهوم قاصرا على فئة معينة، حيث كانت ممارسة الحقوق السياسية مرتبطة بالتوفر على مواصفات محددة، وخاصة الملكية أو الثروة، بل إن حتى هذين الشرطين لم يكونا كافيان في بعض الحالات للاستفادة من هذه الحقوق، كما هو الحال بالنسبة للمرأة التي ظلت محرومة منها حتى ولو توفر لها الشرط المادي الذي يجيز للذكور أحقية التمتع بحقوق المواطنة.
أما في الوقت الحاضر، فإن الاستفادة من حقوق المواطنة أضحت متاحة لجميع من يحملون جنسية البلد، بل إنها تجاوزت ذلك، في بعض الأحيان، لتشمل الأجانب المقيمين فيه، حيث تقر دساتير وقوانين دول عديدة إمكانية المساواة بين الأجانب والمواطنين في التمتع بالحقوق والحريات، وأبرزها دستور الإكوادور، الذي ينص على أن “للأجانب في الأراضي الإكوادورية الحقوق نفسها التي للإكوادوريين وعليهم الواجبات نفسها التي للإكوادوريين وفقا للدستور”[17].
3ـ الانتقال من التركيز على الواجبات إلى التركيز على الحقوق، أي قلب العلاقة بينهما عبر الانتقال من إعطاء الأولية للواجبات على حساب الحقوق، كما كان يفعل بعض أعلام الفكر السياسي القديم، وفي مقدمتهم أفلاطون الذي كان يعتبر أن “العدل هو أداء الفرد لواجبه وامتلاكه لما يخصه”، إلى إعطاء الأولية للحقوق على الواجبات في الفكر السياسي الحديث[18]، من منطلق أن الحق هو معطى طبيعي وملازم للوجود الإنساني، و”أن الإنسان لما كان يولد وله الحرية التامة في التمتع بجميع حقوق السنة الطبيعية وميزاتها دون قيد أو شرط (..) فله حق طبيعي في المحافظة على ملكه، أي على حياته وحرياته وأرضه، ودفع عدوان الآخرين وأذاهم أولا، والحكم في خرق لتلك السنة وإنزال العقوبات التي يستحقها المجرم في اعتقاده”، كما يقول جون لوك[19].
هذا لا يعني أن الواجب أصبح غائبا بل يعني فقط أن الواجبات لا ينبغي أن تصبح مبررا لسحب الشرعية عن الحقوق ومسوغا لتغطية الاستبداد، وأن الفرد ـ المواطن أصبح هو قطب الرحي في العملية السياسية. ومن هنا تبلورت الفكرة التي تؤكد على أن الدولة تتمثل وظيفتها الأساسية في ضمان الحقوق العامة لمواطنيها، كما طرحها جون لوك نفسه، عندما ربط تنازل الأفراد عن حقهم الخاص في معاقبة الجرائم التي تمثل خرقا للسنة الطبيعية بتخويل الدولة القيام بهذه المهمة.[20]
4ـ الانتقال من الاعتماد على النموذج الجمهوري للمواطنة الموروث عن جان جاك روسو، ومن خلاله التراث اليوناني ـ الروماني، حيث التأكيد على حق أعضاء المجتمع في أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وعلى اعتبار التشريع الذاتي الديمقراطي هو مصدر شرعية المعايير القانونية المعمول بها داخل المجتمع، والنظر إلى الشعب بأنه هو ذاته صاحب السيادة وليس فقط مصدرا لها، انطلاقا من كون السيادة لا تقبل التنازل عنها كما لا تقبل القسمة، إلى الاهتمام بالنموذج الليبرالي للمواطنة، أي المواطنة الفردية أو ما يسميه بنجامين كونستان B .Constant الاستقلال الفردي «L’indépendance individuelle»، ويعتبره “الحاجة الأولى المعاصرة أو الحرية الحقيقية المعاصرة”[21]، حيث الفرد وحمايته، وليس الشعب وإرادته، يمثلان مصدر شرعية الحقوق. دون أن يعني انتصار هذا النموذج إلغاء للسياسة بقدر ما يعني تحولا مهما في أهدافها ووظائفها، وبصفة خاصة في أشكال وطرق ممارستها.
ثالثاـ ما يثيره هذا المفهوم من صعوبات وتحديات نظرية وعملية تتعلق بثلاثة جوانب أساسية:
1ـ كيف يتحقق التوازن بين الحقوق والواجبات؟ فرغم أن أكثرية الدساتير الوطنية تحاول التركيز على إقامة هذا التوازن من خلال مقابلة الحقوق ببعض الواجبات، مثل الدستور الإسباني لسنة 1978 الذي يخصص الفرع الثاني منه لموضوع حقوق وواجبات المواطنين، فإن التطبيق العملي لهذا التوازن يبدو عملية صعبة وجد معقدة. ويرتبط بإشكالية التوازن بين الحقوق والواجبات إشكالية أخرى تهم التوازن داخل الحقوق نفسها بين الحقوق السياسية والمدنية التي ترمز إلى المواطنة في بعدها السياسي وبين الحقوق والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تحيل على المواطنة بمعناها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، بحيث إذا كانت العديد من الدول قد قطعت أشواطا على درب تحقيق النوع الأول من الحقوق فإن تغطية النوع الثاني منها يظل يواجه صعوبات جمة، خصوصا وأن الكثير من الدول تجد بعض الأعذار في عدم الالتزام به بدعوى ضعف الإمكانيات المالية والاقتصادية ومحدودية مواردها البشرية.
2ـ كيف يمكن الوصول إلى نوع من التجانس بين المواطنة بأبعادها الثلاثة، أي المواطنة المدنية والمواطنة السياسية والمواطنة الاجتماعية، كما سبق وأن حددها ت. ه. مارشال في كتابه “المواطنة والطبقات الاجتماعية”؟، بحيث إذا كان تأكيد عالم الاجتماع الإنجليزي المذكور على أن مبدأ المواطنة لا يمكن أن يتحقق أو يكون كاملا من دون استحضار أبعاده الاجتماعية قد أصبح يحظى اليوم بقبول كبير، فإن هذه الحقوق الاجتماعية لا تندرج ضمن مكونات المواطنة الحقة إلا عندما تمنح كاستحقاق لجميع المواطنين، بينما لا تكون كذلك إذا أعطتها الدولة فقط كتنازلات من أجل التخفيف من مصاعب الفقر، أو للحيلولة دون وقوع ثورة اجتماعية. ففي الحالة الأولى لا يكون ذلك إلا مجرد إحسان من الدولة، بينما يكون في الحالة الثانية محض تدبير حكيم للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي[22].
3ـ الخلط الموجود بين المشاركة في الشؤون العامة والامتناع عن ذلك، إذ يطرح التساؤل مثلا حول هل يمكن اعتبار الامتناع عن المشاركة مواطنة سلبية وخطرا على المواطنة، والحال أن المشاركة السياسية، والمشاركة الانتخابية على وجه الخصوص، عادة ما تعتبر العلامة الأكثر دلالة على تمتع النظام الديمقراطي بصحة جيدة؟ أم يجب النظر إليه فقط باعتباره عنوانا على التحول في طرق التعبير عن المواطنة، على نحو ما تقول السوسيولوجية الفرنسية Anne Muxel[23]، بل وتحول في أشكال الديمقراطية نفسها، وبالتحديد الديمقراطية التمثيلية، إذ كما يقول برنار مانان فإن “الديمقراطية ليست نظاما صارما يتم تحديده لمرة واحدة فقط، كما أن أشكالها تتغير وتتطور وفقا لتحولات بيئتها”[24].
رابعا ـ كون هذا المفهوم هو مجال تقاطع بين حقول معرفية متعددة، كالقانون وعلم السياسة وعلم التاريخ وعلم الاجتماع. وبالتالي، فهو لا يتخذ نفس المعنى فيها كلها. ففي علم السياسة، مثلا، فإن هذا المفهوم يتخذ ثلاثة أبعاد أساسية، يحددها جون لوكا J.) LECA) في كونها تعبر عن “وضع قانوني يمنح الحقوق والالتزامات في مواجهة المجتمع السياسي”، وعن “مجموعة من الأدوار الاجتماعية المميزة عن الأدوار الخاصة والمهنية، والاقتصادية”، كما تعني “الصفات/ المواصفات الأخلاقية التي تعتبر ضرورية لوجود مواطنا صالحا”[25]. بينما في القانون الدستوري، يتم التركيز في تحديد هذا المفهوم على البعد القانوني، أي على التعاقد الموجود بين الدولة والمواطنين لممارسة الحقوق والالتزام بالواجبات، وتصبح المواطنة وفقا لهذا المفهوم مرتبطة بما يقرره الدستور، كما يصبح الفرد مواطنا بواسطة الدستور، مع أن المواطنة في معناها الدقيق، تتجاوز هذا البعد المعياري لتشمل أبعادا أخرى اقتصادية واجتماعية وثقافية.
II ـ محددات المواطنة في سياق ديمقراطي
لئن كان إيجاد تعريف دقيق وشامل للمواطنة يواجه ببعض الصعوبات، على نحو ما سبق وأن أشرنا من قبل، فإن ذلك لا يحول دون توفر حد أدنى من الاتفاق حول ما الذي يعنيه هذا المفهوم في وقتنا الحاضر، كما لا يمنع، بالتالي، من وجود فهم مشترك لمعناه وحمولاته الحقوقية والسياسية والاجتماعية.
ذلك أن تتبع تجارب النظم السياسية الديمقراطية يفيد أن المواطنة تحدد عبر الإمكانية المتاحة للأفراد لممارسة حقوقهم المدنية والسياسية داخل الدولة[26]، أو من خلال المشاركة في الحياة العامة أو “حيازة سهم من السيادة”، كما يقول عبد الله العروي[27]. وهو الأمر الذي يترجم، بصفة خاصة، من خلال أربعة جوانب أساسية:
أولاـ تحرير الدولة من التبعية لفرد معين أو لفئة محددة من الأفراد، بحيث يصبح الحكم في الدولة تعبيرا عن إرادة الجماعة، الذي تمارسه عن طريق التفويض إلى ممثلين تنتخبهم لهذا الغرض. وهذا يعني اتخاذ السلطة في الدولة طابعا مؤسسيا، أو “معقلنا” إذا ما استحضرنا المفهوم الذي يعطيه للسلطة ماكس فيبر، بحيث يصبح مصدرها لا ينبع من ذات الأشخاص، أي من مزاياهم ومواصفاتهم الشخصية، وإنما من تفويض مستمد من قواعد قانونية موضوعة سلفا ومسجلة في “صك تفويض” يجسده دستور.
فهذا الأمر هو الذي سمح من الناحية التاريخية بتأمين استمرارية السلطة، بغض النظر عن مصير الأشخاص الذين يمارسونها، في وقت كان فيه ارتباط السلطة بشخص من يحكم وبمزاياه الخاصة يجعل موته المحتوم لا يؤدي إلى انتقال السلطة إلى الحاكم الجديد بكيفية سهلة ودون متاعب، بل عادة ما يكون ذلك بعد صراع مرير، وربما حروب، يحتاج خلالها الوارث الجديد للسلطة أن يفرض نفسه، وأن يبرهن على قدرات ومؤهلات مساوية، أو تفوق، مؤهلات أسلافه حتى يتسنى له تأمين استمرار السلطة وبقائها[28].
كما سمح بوضع قيود قانونية، وليس فقط واقعية، على ممارسة هذه السلطة، بعدما كانت السلطة الفردية تبدو وكأنها تعود للحاكم وتعكس مآلا شخصيا مرتبطا بخصوصيته الفردية، وتظل بالتالي رهينة لأهوائه ونزواته الشخصية، وحتى إذا كانت هناك من حدود على سلطته فإنها تبدو مبهمة، ومتغيرة، وتترك هامشا كبيرا للمبادرة الخاصة، كما تبتعد عن طابع العمومية الذي يميز القواعد القانونية ويضمن فعاليتها[29].
ثانياـ فك الارتباط بين المواطنة وأية مرجعية ميتافيزيقية أو ماورائية أو اجتماعية محددة بكيفية مسبقة، مثل هيمنة طبقة المواطنين الأحرار في المجتمع الإغريقي القديم والسلطة الدينية في العصور الوسطى، واعتبار أنها، أي المواطنة، تستمد شرعيتها من السلطة المتجسدة في سيادة الشعب المتصور هو ذاته كنتاج خالص للعقل وتجمع إرادي لمواطنين أحرار ومتساوون[30].
هذا لا يعني أن المواطنة تتعارض بالضرورة مع وجود الدين أو المعتقد أو مع أي شكل آخر من العلاقات والروابط والهويات الاجتماعية، كالقومية أو العشائرية أو المذهبية والاثنية، أو تشكل إنكارا لوجودها، وإنما المقصود هو إعادة ترتيبها في نظام جديد للأولويات يتقدم فيه الانتماء إلى الوطن والدولة والقانون المدني على أي انتماء آخر لإقليم أو دين أو عرق أو طائفة. وبالتالي، فإن المواطنة من هذه الزاوية تمثل البديل العقلاني لصراع الهويات وتنافس الانتماءات وسد فجوة انعدام الثقة بين الجماعات والهويات التي أعاقت تكوين دولة المؤسسات[31].
ثالثاـ اعتبار جميع الأفراد، الذين يحملون جنسية الدولة، مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات (الحقوق منظور إليها هنا بمختلف أبعادها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية) بدون تمييز ديني أو عرقي أو بسبب الذكورة أو الأنوثة. وتوفير الضمانات القانونية والمؤسساتية اللازمة لكفالة تجسيد التمتع بهذه الحقوق على مستوى الواقع، وفي مقدمة تلك الضمانات وجود دستور ديمقراطي يكرس الشعب كمصدر السلطة، ويفرض سيطرة أحكام القانون والمساواة أمامه، ويقيم فصلا بين السلطات، ويضمن الحقوق والحريات العامة، كما يؤسس للتداول السلمي للسلطة[32].
رابعاـ حصر نطاق تدخل الدولة في المجال العام دون المجال الخاص، أي التمييز بين مجال القانون ومجال الأخلاق، وجعل مهمة القانون ليست هي التدخل في النوايا أو في القضايا الشخصية أو في الأفكار والمعتقدات وإنما تنظيم مجال العيش المشترك بين البشر، بحيث لا يعتبر المواطن ملزما بالخضوع إلى إرادة السلطة إذا لم تتخذ شكلا قانونيا، ولا ملزما بالخضوع إلى إكراه إلا ما تقتضيه المصلحة العامة[33]. وبذلك، يكون القانون، بحسب تعبير الفيلسوف النمساوي فون هايك (Von Hayek)، نظاما للأفعال وليس نظاما للميول والرغبات، بحيث إذا أضمر رجل شيئا أو أحب شيئا، فإن هذا لا يزاحم أحدا ولا يؤذي أحدا. إنما يبدأ الأذى حين يقدم على فعل يتعارض مع أفعال الآخرين أو خياراتهم، فيؤدي إلى فوضى ربما تعيق سعي هؤلاء إلى السعادة[34].
كما يصبح المجال الخاص هو مملكة الإنسان الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد، والمساحة التي يفعل فيها ما يريد، ويكون كما يريد من دون الحاجة إلى استئذان أحد. ففي هذا المجال، الذي سبق لجون لوك (John Locke) أن حدد الموضوعات التي تدخل في نطاقه في حق الحياة وحرية العقيدة والرأي وحق التملك، لا سلطة لأي جهة على الفرد ولا يحق لها التدخل فيه، ولا يجوز للدولة أن تضع قوانين تقيده، والقانون الوحيد الذي يجوز لها اتخاذه في هذا الصدد هو القانون الذي يكفل ويحمي المجال الخاص ويمنع خرقه أو التدخل فيه[35].
لكن، مع التأكيد على هذه الثوابت التي تقوم عليها المواطنة في المجتمعات الديمقراطية أيا كان شكل وطبيعة نظمها السياسية والدستورية، فإن ذلك لا يمنع من القول إن المواطنة في هذه البلدان لا تزال تواجه بعض التحديات، في ارتباط بالتحولات المتعددة والعميقة التي تخترقها وما كان لها من تأثير على كيفية تصور وممارسة المواطنة في هذه المجتمعات[36]، إلى درجة دفعت البعض إلى القول بوجود أزمة مواطنة. وفي مقدمة هؤلاء يورغن هابرماس، الذي شرح في مؤلفه “العقل والشرعية” كيف أن أولوية النظام الاقتصادي وإيديولوجية التقنية والعلم سيؤديان إلى عدم التمييز بين الخاص والعام ـ الذي يعتبر أساس المواطنة ـ وإلى انبثاق نموذج مجتمع متشاكل خال من الحس النقدي[37].
قبل أن يقترح كحل لهذه المعضلة ضرورة المصالحة بين العقل والديمقراطية، الذي يفرض ألا يتورط العقل في شكل “العقلانية الأذاتية” المفضية إلى هيمنة التقنية، لأن ذلك من شأنه أن يرتقي بالتكنوقراطية إلى شكل مثالي ونموذجي للحكم، وأن يتم بالمقابل تدعيم عقلانية عملية خلاقة للقيم والمعايير والمبادئ والقواعد، الشيء الذي يتطلب الاستعانة بالفضاء العمومي باعتباره بعدا تكوينيا للديمقراطية المحاصرة بالتقنية ومنطق اقتصاد السوق[38].
علما أن افتراض وجود هذه الأزمة في المجتمعات الديمقراطية، يجعلها تبدو كانعكاس للأزمات الاقتصادية وليس أزمة الأطر السياسية الحديثة[39]، في وقت تظل فيه الأزمة التي تعيشها المواطنة في البلدان السلطوية هي ذاتها انعكاس لأزمة المشروع الديمقراطي[40]، على نحو ما سنوضح ذلك في العنصر الموالي.
III ـ تحديات المواطنة في سياق سلطوي
بعد أن أوضحنا في العنصر السابق كيف أن الديمقراطية يصعب التفكير فيها دون المواطنة، وأن هذه الأخيرة لا يمكن تصورها إلا في ظل دولة ديمقراطية، أي في ظل إطار دستوري وسياسي يحضنها ويصونها ويضمن للأفراد إمكانيات وفرص للشعور بها، يبقى أن نتساءل الآن عن المواطنة في النسق السياسي المغربي، باعتباره نسقا سلطويا، وفقا للتعريف الذي يعطيه غي هيرمت (Guy Hermet) للأنساق أو الأنظمة السلطوية باعتبارها تقوم على أساس مركزة السلطة السياسية والاقتصادية في أيدي أقلية محدودة، والتحكم في تنظيم العمليات الانتخابية وفي نتائجها، وبالتالي في الوظائف والأدوار التي تضطلع بها المؤسسات المنتخبة وجعلها في خدمة شرعية النظام، ومراقبة السلطة التنفيذية للسلطتين التشريعية والقضائية، وعدم احترام القوانين التي وضعها نظام الحكم نفسه، مما يخلق الانطباع لدى الناس بعدم الإفلات من المحاسبة، والتهديد المستمر الذي تعيشه الحريات الفردية، فضلا عن التحكم في حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية.
في هذا الإطار، يمكن القول إن المواطنة تظل حاضرة في السياق السياسي المغربي، فالدستور لم يتجاهل النص عليها، حينما اعتبر “الديمقراطية المواطنة والتشاركية” من الأسس التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة[41]، كما لم يتجاهل النص على الحقوق والحريات المترتبة عنها، عندما وضع قائمة جد موسعة بالحقوق والحريات المخولة للمواطنات والمواطنين (أزيد من 21 فصلا مخصصا للحقوق والحريات)، وخطاب الفاعلين السياسيين يحفل بالحديث عن المواطنة وقيمها. أكثر من ذلك، فإن هيئات سياسية ومدنية حرصت على أن تحمل اسم المواطنة، بل إن توظيف هذا المفهوم يتجاوز الحقل السياسي ليشمل حقولا أخرى، مثل الحقل الاقتصادي حيث يتواتر الحديث عن المقاولة المواطنة[42].
لكن، مع ذلك فإن هذا الحضور يظل رمزيا، وقد لا يكون من قبيل المبالغة القول إنه تحكمت فيه دواعي اسطتيقية تتوسل اكتمال جمالية المشهد السياسي[43]، الشيء الذي يجعلنا أمام إعادة إنتاج المواطنة بمفهومها الروماني، حيث “المواطن له الحق في التصويت لكن القرارات تتخذ من طرف الإمبراطور”.
هذا الأمر إذا كان يرتبط بعوامل وأسباب متشابكة ومتداخلة، ويصعب بالتالي حصرها، فإن المعطيات الأربعة التالية تبدو ذات أهمية، في نظرنا، في فهم طبيعة القيود التي تجعل من مفهوم المواطنة كما جرى تحديده آنفا إمكانية صعبة التحقق.
أولاـ معطى سوسيوـ ثقافي، يجسده ما يسميه أحد الباحثين امتداد خطاطة العلاقات العائلية إلى المستوى السياسي، ومنافسة أشكال الولاء التقليدية للدولة، والتشابك الموجود بين الأسرة والدولة وبين الخاص والعام وبين الدين والسياسة، فضلا عن ضعف ثقافة القانون[44]، بما كان لذلك من تأثير على تمثل فكرة المواطنة، وبالتالي على مفهوم المواطن.
فإذا كان المواطن في الدول الديمقراطية يبدو “متحررا، مبدئيا على الأقل، من جميع الولاءات السياسية والدينية والاجتماعية القسرية، ولا يخضع إلا لسلطة الشعب المعبر عنها تعبيرا جماعيا حرا”[45]، كما يبدو “إنسان يرشده العقل، ويتحدث طبقا لمقتضيات هذا العقل الذي يتقاسمه الجميع، وهو بالتالي متحرر من الآراء المسبقة للطبقة، ومن الهواجس المحايثة لوضعه الاقتصادي، وقادر على إبداء رأيه دون أن تهيمن عليه مصلحته الشخصية”[46]، فإن النظامين الاجتماعي والقانوني المحددين للعلاقات والقيم الاجتماعية العائلية والقبلية والجهوية في المغرب، وفي غيره من البلدان العربية والإسلامية حتى، لم يسمحا بتكريس قيم ومبادئ المواطنة كاملة، وجعلا من هذا المفهوم يكاد يتماهى مع مفهوم “الولاء” للحاكم وللدولة، كما يقول عبد الله العروي، كما فرضا أن يكون هذا الولاء هو الشرط الضامن للحقوق السياسية[47].
لذلك، تجد الهيئات والحركات المطالبة بالمواطنة والديمقراطية نفسها في مواجهة مقاومة شرسة من قبل المؤسسات التقليدية التي ترى فيها منافسة لها في تمثيل الجماعات الدينية والعرقية، وتهديدا لنوعية العلاقات التي تنسجها مع النظام السياسي والمصالح التي تترتب عن ذلك[48].
ثانياـ معطى قانوني دستوري، إذ رغم كثافة التحولات التي مر بها منذ السنوات الأولى للاستقلال إلى اليوم (ستة وثائق دستورية وثلاثة مراجعات جزئية) فإن الدستور المغربي، على ما يبدو، لم يؤسس بعد لنظام حكم يعكس الإرادة الشعبية المعبر عنها بواسطة الانتخابات.
فالثابت أن الوثيقة الدستورية قد كرست هيمنة المؤسسة الملكية على باقي المؤسسات، وأمدتها بالوسائل والإمكانيات التي تسمح لها بالتصرف كمركز جذب رئيسي، إن لم نقل الوحيد، في الحياة السياسية المغربية، وأدى ذلك بالتالي إلى تغول السلطة التنفيذية القائمة على أساس الوراثة والدين والتاريخ في مقابل تهميش مؤسسات الاقتراع، وإعاقة تبلور هيئات مستقلة للإشراك والوساطة (أحزاب سياسية، هيئات مدنية…).
كما أن اعتراف الدستور بالحقوق والحريات، بل وتوسعه في إقرارها، يصطدم بالكثير من الالتباسات التي تكتنف ذلك، خاصة من ناحية المكانة التي تحتلها القوانين الدولية مقارنة بالقوانين الوطنية في ظل ربط الدستور سمو الأولى على الثانية بشروط تجعله لا ينطبق إلا على “الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب”، وتلك التي تتم في “نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة”، وعدم دقة الحدود المفروضة على الحقوق والحريات، علاوة على كونه لا ينطوي على ضمانات مؤسساتية فعلية تتيح إمكانية تحويل الحقوق والحريات التي ينص عليها إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع، الشيء الذي يجعلنا أمام قدر من “النفاق” بين مدى الحقوق والحريات المعلنة قانونيا ودستوريا وبين واقع التنكر لها.
لذلك، فإذا كان التأسيس الدستوري للمواطنة قد لعب دورا بارزا ومقررا في النظم الدستورية الحديثة، كما تدل على ذلك إعلانات الحقوق والوثائق الدستورية التي عرفتها الدول الغربية، وفي مقدمتها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا، خصوصا عندما تكون تلك الوثائق تعبر عن توافق حقيقي بين مكونات المجتمع[49]، فإن مرور أزيد من ستين سنة على بداية التأطير الدستوري للحياة السياسية للمغرب لم يسمح بعد بوجود نص دستوري يؤسس لهذا النوع من المواطنة، وظلت المراجعات الدستورية المتوالية تعيد على العموم ـ رغم ما تضمنته من تغييرات لا تنكرـ إعادة إنتاج مركزية السلطة الملكية، وتمكينها من الأدوات والآليات التي تضمن استمرار سيطرتها، وتكرس بالتالي استمرار جعل الدولة فوق كل شيء.
ويرتبط بهذا المعطى الدستوري القانوني، أو المعياري، ما تكرس خلال العقود الماضية من فجوات عقدت حظوظ تعزيز المواطنة، وفي مقدمة ذلك التباعد بين النص القانوني وبين واقع الممارسة، بكل ما تولد عن ذلك لدى شرائح هامة في المجتمع من تشكيك في الدستور، ومن عدم اكتراث بقيمته السامية في المعمار القانوني[50]. وبالتالي، فقد ظلت النصوص الدستورية والقانونية طيلة المراحل السابقة، على العموم، إما نصوص مفتقدة لقوة التطبيق أو تنعدم فيها الضمانات المادية والمؤسساتية التي تمكن الأفراد من فرص للتمتع بالحقوق والحريات، التي تعد من العناصر المفصلية في المواطنة.
ثالثاـ معطى سياسي، يكمن في ضعف وتراجع الهيئات والمؤسسات المفترض فيها أنها حاملة لناصية الدفاع عن قيم المواطنة. وهذا الأمر ينطبق على الأحزاب السياسية، كما ينطبق على هيئات المجتمع المدني التي تعتبر مكونا أساسيا وحاضنا رئيسيا للديمقراطية، ومن ثم للمواطنة باعتبارها إحدى الأسس التي تقوم عليها.
فالأحزاب السياسية يبدو أنها فقدت الكثير من قدرتها على أن تكون قنوات للتعبير والمشاركة، والتنشئة وإنتاج القيم، حيث جعلها ضعفها وعدم استقلاليتها وكثرة انشقاقاتها وارتباطها بالأشخاص والزعامات، وضعف الممارسة الديمقراطية داخلها، محدودة التأثير وضعيفة الفعالية. وبالتالي، فقد أضحت التعددية الحزبية رقما بدون مضمون، وتحولت إلى شتات حزبي فاقد لأي مبرر سياسي منطقي مبني على تعدد حقيقي في الاختيارات والتصورات والأفكار.
ومن المفارقات أن يكون التقدم الحاصل في الأدوار الدستورية والقانونية للأحزاب السياسية، سيما وقد أصبح الدستور ينص على دورها في ممارسة السلطة، ويعطي للمعارضة حقوقا مهمة[51]، كما يفرض أن يعين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر لنتائج انتخابات مجلس النواب[52]، قد تزامن مع عجزها على استثمار هذا التطور لصالح ترسيخ وجودها وكسب مساحات جديدة في فرض ذاتها في فضاء الفعل السياسي.
أما هيئات المجتمع المدني، فيبدو دورها هي الأخرى محدودا في إعادة توجيه عمليات اتخاذ القرار وفي تأطير المواطنين وفي أن تمثل قوة ضغط فعلية وأداة ترافع حقيقية، حيث تعاني من خلط واضح في المفاهيم والأوليات، ومن تداخل شديد لعملها ولوظائفها مع بنيات وهيئات أخرى، ومن تبعيتها المالية والإيديولوجية للسلطة السياسية وللأحزاب السياسية. وبالتالي فإن التزايد الكبير في عددها (أزيد من مائة وثلاثين ألف جمعية)، والتنوع الواسع في مجالات اشتغالها (السياسي، الاجتماعي، التنموي، البيئي، الرياضي)، والانتشار الجغرافي الكبير لمناطق تواجدها، لم ينعكس على قوة تأثيرها، كما لم يحل دون استمرار الطابع النخبوي لعمل الكثير منها.
رابعاـ معطى يتعلق بمحدودية المجال أو الفضاء العمومي، الذي يستطيع الأفراد من خلاله التعبير عن آرائهم وإدارة اختلافهم حول تدبير الشأن العام، حيث لم تسمح طبيعة النظام السياسي القائم منذ الاستقلال إلى اليوم من تكون مثل هذا الفضاء، الذي يعد المجال الحيوي لتكون المواطنة. وهو هنا لا ينحصر في المؤسسات القانونية أو السياسية الرسمية وإنما يتسع ليشمل أيضا الفضاءات العمومية غير المصنفة للمجتمع المدني في عمومه (كما تصوره هابرماس)، بكل ما أدى إليه من تراجع الأفكار ومبادئ المنافسة، وقيم التسامح وقبول الاختلاف، وتعمقت روح التشكيك في الدولة وعدم الثقة فيها، وتقهقرت روح المشاركة المواطنة[53].
فرغم ما يقال عن الدور الذي لعبه تطور وسائل الاتصال الحديثة، والإقبال المهمة للمغاربة على استعمالها، في توسيع هذا الفضاء، إن لم نقل في خلق فضاء بديل، هناك من يسميه بالفضاء العمومي الافتراضي، وفي تزايد لمساحة النقاش العمومي، وبالتالي في تعزيز مشاركة المواطنين ومنحها نفسا جديدا، كما يدل على ذلك الحراك الاجتماعي لسنة 2011 الذي كانت فيه وسائل التواصل الاجتماعي حاسمة في رسم الصورة التي ظهرت بها حركة 20 فبراير المعبرة عنه، وكذا المقاطعة الاجتماعية الناجحة جدا لمنتوجات استهلاكية (الحليب، المياه المعدنية، المحروقات) تحتكرها شركات أجنبية ومغربية، فضلا عن ردة الفعل التي ووجه بها إصدار عفو في حق شخص أجنبي يقضي عقوبة بتهمة الاغتصاب الجنسي للأطفال (ما عرف بقضية الإسباني كالفن)، إلا أن ذلك لم يسم بعد بهذا الفضاء إلى الدرجة التي تجعل منه قوة مضادة ثابتة قادرة على التأثير في قرارات السلطة وفي فرض مشاركة المواطنين في بلورتها وفي مراقبة ضمان تنفيذها.
خاتمة
واضح مما تقدم أن المواطنة، وإن كان تحديد مفهومها تعترضه العديد من الإشكاليات، فإن ذلك لا يمنع من توفر حد أدنى من الاتفاق حول ما الذي يعنيه هذا المفهوم، كما لا يمنع، من وجود فهم مشترك لمعناه وحمولاته الحقوقية والسياسية والاجتماعية في سياق ديمقراطي.
لكن الانطلاق من الأسس التي يقوم عليها هذا الفهم في الدول الديمقراطية يجعل المواطنة في سياق سلطوي، مثل السياق السياسي المغربي، في مواجهة تحديات ثقافية وسياسية وقانونية، وأمام عناصر التباس متعددة.
لذلك، فإن تكريس المواطنة في هكذا سياق يبقى في قلب المهام التي لا تزال مطروحة بحدة، الشيء الذي يتطلب العمل على ثلاثة واجهات أساسية[54]، يمكن تحديدها فيما يلي:
أولاـ إعادة التأسيس الدستوري للمواطنة، أخذا بعين الاعتبار الدور الذي لعبه هذا الأمر في النظم السياسية الحديثة، حيث لم نصل بعد إلى المرحلة التي يصبح فيها الدستور نتاج توافق عام مبني على حوار اجتماعي يضمن للجميع الإمكانية للتعبير عن اختياراتهم وآرائهم بكل حرية، كما لم نصل بعد إلى اللحظة التي تسمح لنا بالتوفر على دستور لا يكتفي بدسترة السلطة فقط بل بدمقرطتها أيضا، لأن وجود دستور يدستر السلطة دون أن يعمل على دمقرطتها يحيلنا فقط إلى دولة لها دستور وليس دولة دستورية.
ثانياـ بناء الوعاء الديمقراطي الحاضن للمواطنة، على اعتبار أن هذه الأخيرة لا يمكن تصور وجودها إلا في ظل مناخ ديمقراطي يقدر أهميتها، ويدرك مدى الحاجة إليها، والمناخ الديمقراطي المقصود هنا إذا كان يركز على أهمية دمقرطة السلطة وإعادة توزيع مصادر النفوذ السياسي كي لا تبقى محتكرة من طرف جهة واحدة، فإنه لا يقتصر عند ذلك بل يستحضر أيضا أهمية دمقرطة المجتمع وترسيخ الثقافة الديمقراطية في “العقل العمومي” وفقا للتعبير الذي يستعمله جون رولز.
ثالثاـ وأخيرا، الإقرار بتلازم المواطنة والعدالة والاجتماعية، والسعي نحو تأسيس الأولى على أساس الثانية، على اعتبار أن مسألة العدالة الاجتماعية كانت ولا تزال الهاجس الرئيسي للكثير من الشرائح الاجتماعية. بكل ما ترمز إليه العدالة الاجتماعية من حاجة ماسة إلى توزيع منصف للثروات والخيرات المتوفرة في الدولة، وسعي دائم نحو تكريس المساواة بين جميع الناس بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية أو انتماءاتهم العرقية أو معتقداتهم الدينية والمذهبية.
بصيغة أخرى، فإن العدالة الاجتماعية المطلوبة هي العدالة التي تقوم على أساس المبدأين اللذين حددهما جون رولز، والمتمثلين في أن لكل شخص حق متساو مع غيره في النسق الشامل من الحريات المتساوية، حيث ينسجم ذلك مع نسق مماثل من الحرية للجميع، وفي أهمية تنظيم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، بحيث تكون لصالح الأقل حظا في المجتمع، وأن تكون مرتبطة بوظائف ومواقع مفتوحة للجميع في إطار المساواة العادلة، لأنه، كما يقول رولز نفسه، فإن الغنى لا يكون فاحشا بشكل أصيل وأولي، وإنما ينبغي فقط ألا يتحول إلى علامات استفزازية، يمكنها أن تخلق داخل المجتمع مشاعر سلبية قادرة على أن تشوش على الطابع التعاوني العام[55].
[1] ـ ديريك هيتر، “تاريخ موجز للمواطنة”، ترجمة آصف ناصر ومكرم خليل، منشورات دار الساقي، الطبعة الأولى 2007، ص 43.
[2] ـ الكواري علي خليفة، “مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية”، www.arabsfordemocracy.org
[3] ـ ديريك هيتر، “تاريخ موجز للمواطنة”، مرجع سابق، ص 120.
[4] ـ ولد يب سيدي محمد، “الدولة وإشكالية المواطنة: قراءة في إشكالية المواطنة العربية”، كنوز للمعرفة، ط1، سنة 2011، ص 96.
[5] ـ جريدة الشرق الأوسط، مطيري عبد الله، “جون رولز. فيلسوف الإنصاف: نظريته في العدالة سياسية وليست أخلاقية”، بتاريخ 19/10/2013.
[6] ـ مجلة تبين، ديب ثائر، “الليبرالية والديمقراطية في فكر جون رولز”، عدد 17، صيف 2016.
[7] ـ درويش نضال، “المواطنة والديمقراطية”، مقال منشور بالموقع الإلكتروني: cdf-sy.or /
[8] ـ ديريك هيتر، “تاريخ موجز للمواطنة”، مرجع سابق، ص 34.
[9] ـ Myriam Benlolo Carabot : «les fondements juridiques de la citoyenneté européenne »,Bruxelles 2007 ; p71
[10] ـ حولية المنتدى، زبون ناهدة محمد، “مفهوم المواطنة في الفكر السياسي المعاصر، دراسة في المفهوم والأبعاد”، العراق، المجلد 3 عدد 4، 2009.
[11] ـ المالكي امحمد، “من أجل تصورات جديدة للمواطنة”، ضمن كتيب جماعي حول “المواطنة في المغرب العربي”، منشورات مركز الدراسات المتوسطية والدولية، عدد 9 نونبر 2012. العددان 435 و435،
[12] ـ ولد يب سيدي محمد، “الدولة وإشكالية المواطنة”، مرجع سابق، ص 102.
[13] ـ ديريك هيتر، “تاريخ موجز للمواطنة”، مرجع سابق، ص 158.
[14] ـ نفس المرجع، ص 159.
[15] ـ نفس المرجع، ص 156.
[16] ـ ولد يب سيدي محمد، “الدولة وإشكالية المواطنة”، مرجع سابق، ص 11.
[17] ـ المادة 9 من دستور الإكوادور لسنة 2008.
[18] ـ الحداد محمد، ” الدين والدولة والمواطنة في الزمن الجديد”، مداخلة في ندوة “تطور العلوم الفقهية: فقه رؤية العالم والعيش المشترك”، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، سلطنة عمان، سنة 2013.
[19] ـ جون لوك، ” في الحكم المدني”، ترجمة ماجد فخري، اللجنة الدولة لترجمة الروائع، بيروت 1959، ص188.
[20] ـ نفس المرجع ص 189.
[21] -Hugues poltier: «de la citoyenneté dans la démocratie à l’heure de la mondialisation» www.contrepointphilosophique.ch، février 2004.
[22] ـAnne Muxel, «abstention : défaillance citoyenne ou expression démocratique », cahiers du conseil constitutionnel n 23, février 2008.
[23] ـ ديريك هيتر، “تاريخ موجز للمواطنة”، مرجع سابق، ص 207.
[24] ـ مجلة الديمقراطية، بن نفسية سارة، “أزمة التصويت في العالم”، العدد 61، يناير 2006.
[25] ـ الحداد محمد، “الدين والدولة والمواطنة في الزمن الجديد”، مرجع سابق.
[26] Voir Charles leben, nationalité et citoyenneté en droit constitutionnel, revue controverses, n11 mai 2009.
[27] ـ العروي عبد الله، “المواطنة والمساهمة المجاورة”، محاضرة لافتتاح ملتقيات التاريخ المنظمة من طرف الجمعية للمعرفة التاريخية، جريدة أخبار اليوم بتاريخ 5/ 12/ 2014.
[28] ـ دانكان جان ماري، “علم السياسة”، ترجمة محمد عرب صاصيلا، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1997. ص 128
[29] ـ نفس المرجع، ص 128.
[30] ـ ولد يب سيدي محمد، “الدولة وإشكالية المواطنة، مرجع سابق، ص 11.
[31] ـ بسيوني علي عبد الرحمان، “في فلسفة المواطنة”، ضمن كتاب “تاريخ البحرين الحديث والمواطنة”، الجزء الثاني، مركز الدارسات التاريخية، جامعة البحرين، ص 27.
[32] ـ الهواري علي خليفة، “مفهوم المواطنة في الدولة الديمقراطية”، مرجع سابق.
[33] ـ الحداد محمد، “الدين والدولة والمواطنة في الزمن الجديد”، مرجع سابق، ص 15.
[34] ـ السيد توفيق، “رجل السياسة: دليل في الحكم الرشيد”، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، ط 2 سنة 2013، ص 295.
[35] ـ نفس المرجع، ص 295.
[36] ـ نفس المرجع، 315.
[37] ـ نفس المرجع، ص 101.
[38] ـ نفس المرجع، ص 102.
[39] ـ نفس المرجع، ص 15.
[40] ـ نفس المرجع، ص 15.
[41] ـ الفقرة 2 من الفصل 1 من دستور 2011.
[42] ـ الهاشمي محمد أحمد: “نحو تدقيق مفهوم المواطنة وتشخيص عوائق تكريسه في المغرب”، الحوار المتمدن، عدد1382، 18 نونبر 2005.
[43] ـ ولد يب سيدي محمد، “الدولة وإشكالية المواطنة، مرجع سابق، ص 17.
[44] ـ الهاشمي محمد أحمد، “نحو تدقيق مفهوم المواطنة وتشخيص عوائق تكريسه في المغرب”، مرجع سابق.
[45] ـ ولد يب سيدي محمد، “الدولة وإشكالية المواطنة”، مرجع سابق، ص 155.
[46] ـ نفس المرجع، ص 156.
[47] ـ العروي عبد الله، “المواطنة والمساهمة المجاورة”، مرجع سابق.
[48] ـ فهمي جورج ثروة، “تحديات بناء دولة المواطنة في إطار الأنظمة السياسية السلطوية”، منشور بموقع منتدى البدائل العربي.
[49] ـ المالكي امحمد، “الاندماج الاجتماعي وبناء مجتمع المواطنة في المغرب الكبير”، ورقة مقدمة إلى المؤتمر السنوي الثاني للعلوم الاجتماعية والإنسانية، 30ـ 31 مارس 2013، المركز العربي لأبحاث ودراسات السياسات.
[50] ـ نفس المرجع.
[51] ـ حددها الفصل 10 من الدستور المغربي لسنة 2011.
[52] ـ الفقرة 1 من الفصل 47 من الدستور المغربي لسنة 2011.
[53] ـ المالكي امحمد، “من أجل تصورات جديدة للمواطنة”، مرجع سابق، ص 3.
[54] ـ بصدد ذلك يمكن العودة إلى دراسة المالكي امحمد، حول “الاندماج الاجتماعي، وبناء مجتمع المواطنة في المغرب الكبير”، مرجع سابق.
[55] ـ هاشمي محمد، “جون رولز والتراث الليبرالي”، دار توبقال للنشر، الطبعة الأولى، سنة 2014، ص 38.