
ترجمة فصل من كتاب الأسس الثقافية والبنيوية للإمبريالية الأمريكية*[1] لاري بورتيس
ترجمة:
نصرالدين بن غنيسة، أستاذ التعليم العالي، قسم الآداب واللغة العربية، جامعة بسكرة،
إيمان بن غنيسة، طالبة دكتوراه، قسم الآداب واللغات الأجنبية، جامعة بسكرة، الجزائر.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 24 الصفحة 71.
Larry Portis لايري بورتيس، أمريكي يعيش في فرنسا منذ 1977، أستاذ الدراسات الأمريكية بجامعة Paul Valéry-Montpellier 3 بول فاليري – مونبولييه 3، له دراسات وأبحاث عدة عن التاريخ الاجتماعي للولايات المتحدة أين يبرز بشكل جلي الأصول الثقافية والتاريخية لإرادة الهيمنة التي قادت اليوم الولايات المتحدة لتعلن نفسها “الأمة التي لا غنى عنها”.
شهدت سنوات 1990، قيام الولايات المتحدة الأمريكية بفرض نفسها على العالم بقوة متجددة بفضل ظروف جيوسياسية فريدة توافق خلالها انهيار الاتحاد السوفياتي مع مرحلة اندماج متسارع للرأسمال العالمي. منذ خمس عشرة سنة، كل شيء يبدو أنه يسير في اتجاه مصالح الإمبراطورية الأمريكية التي ينادي الناطقون بلسانها أن لا فصل بين حقوق الإنسان و الأسواق الحرة. في حين أن العقيدة القديمة في التصدي للشيوعية قد أفسحت المجال لعقيدة توسع (الرأسمالية الأمريكية) و”محاربة الإرهاب”، فهذه مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية في عهد الرئيس كلينتون، في حماسة وطنية متزمة ومتعجرفة، قد وصفت بلدها بأنه “دولة لا غنى عنها”. منذ عهد قريب، يستغرب الرئيس بوش الكم الهائل من الانتقادات الموجهة ضد الولايات المتحدة، بحجة “أننا طيبون جدا”.
كيف لنا أن نفهم هذه المبالغة في العزة الوطنية من طرف من كلفوا بتسيير “الديبلوماسية الأمريكية”؟ بعبارة أخرى – وهنا تكمن القضايا الحقيقية – من جهة، لماذا غالبا ما تطفح تصورات وبيانات الطبقة الحاكمة بمشاعر مفرطة فيما يتعلق ببلدها؟ و من جهة أخرى، ما هي تداعيات هذه اللامعقولية على السياسة الأمريكية وعلى من تقع عليه ويلاتها؟
بإمكاننا وبكل يسر أن نتعرف على أسباب و آليات الإمبريالية الأمريكية المعاصرة، وإن تخفت وراء مصطلح ” العولمة”، وذلك من خلال الهيئات التي عرفت النور منذ الحرب العالمية الثانية (صندوق النقد الدولي، الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة، الحلف الأطلسي، الخ). بإمكاننا أن نقول إن الأهداف الحقيقية لهذه المنظمات وأخرى حديثة العهد كالمنظمة العالمية للتجارة ( أو مشاريع كالاستثمارات متعددة الأطراف) مكشوفة بشكل جلي وإن تخفت وراء واجهة النوايا الحسنة المعلنة. إنه شكل من “التضليل” الذي يعدّ جزءا من اللعبة السياسية الضرورية لكل مجتمع رأسمالي مسند من طرف منظومة حكم تزعم أنها “ديموقراطية”. في الواقع، إن الكذب والمناورة الإيديولوجية تندرج ضمن أية منظومة تمثيلية قائمة على تفويض للسلطة من خلال آلية انتخابية لا تشارك فيها أغلبية الأفراد إلا بشكل سلبي. في حين أنه لا يمكننا أن نستوعب العنف والنفاق البادي، والغريب أحيانا، والذي صاحب الطريقة التي قدم عبرها أصحاب القرار الحاجات البنيوية للرأسمالية الأمريكية، من دون الأخذ بعين الحسبان خصوصية تطور الولايات المتحدة كمجتمع وثقافة. منذ السنوات الأولى للجمهورية الأمريكية، نمت إرادة الهيمنة وأنعشت (وما زالت نتعش) التوسعية الإقليمية والثقافية معا، والتي غالبا ما يعبر عنها بنية حسنة محيرة.
حتى نوضح الجذور المعقدة لهذه الإرادة، علينا أن نحلل الذهنية الوطنية لشعب بأكمله وكذلك العلاقات بين النخب المهيمنة والآخرين. هي مهمة مخطرة يعتورها لبس و تعميم مبسط. علاوة على ذلك، فإن كل محاولة لتفسير السمات الخاصة بالمجتمع أو بالأمة الأمريكية يمكن أن تنزلق نحو تيمة من التيمات المفضلة لدى القومية الأمريكية: ألا وهو “الاستثنايئة”[2]. في الحقيقة، إن أحد العناصر التبريرية الأكثر ترويجا للسيطرة الأمريكية هي تلك الفكرة القائلة بأن الولايات المتحدة متفردة بالنسبة لبقية الأمم والدول الأخرى إلى درجة أنها الأكثر استعدادا لتحمل مسؤوليات تتجاوز الإطار الوطني.
سيكون من الممكن أن نستغني عن التفسيرات الثقافية و أن نختزل مفهوم السيطرة في “أيديولوجيا” [بوصفها] مجرد انعكاس أو تعبير عن مصالح ومطامع الطبقة المهيمنة. لكن اختزال بعد [من أبعاد] الواقع الذي يعيشه مجتمع ما لا يمكنه أن يجلي التعقيد الحقيقي لتطور منظومة إنتاجية لا تتوقف عن التأقلم مع الحاجات الجديدة، ومع مختلف أشكال المقاومة التي تفرزها.
في مجتمعاتنا المعاصرة، يظهر تحليل وسائل الاتصال و محتوى المقررات التربوية كيف أن التحكم في المعلومات والأفكار وحتى طرائق التفكير يُوجه العقول إلى إدراك الواقع عبر منظورات معينة.
غير أنه في عصر العولمة، علينا أن نحلل بعمق أكثر ولادة الإيديولوجية الوطنية التي تمنح قوة وتماسكا للهيمنة الأمريكية. إن هذه الذاتية التي ترافق بل وتحفز توسع ممارسات وسلطة الرأسمالية الأمريكية هي محصلة ظروف تاريخية متميزة ارتبطت بسياقات جيوسياسية خاصة.
- خلاص ورسالة:
من الأفكار التي ما تزال سائدة إلى اليوم في الولايات المتحدة والتي تعود إلى الحملات الاستعمارية الأولى، الفكرة القائلة بأن لدى الأمريكيين” رسالة” تجاه أنفسهم وتجاه الشعوب الأخرى. حينما غادر التطهيريون[3] أنجلترا بغية استعمار ” انجلترا الجديدة”[4]، كانوا على قناعة تامة بأهم مختارون منذ الأزل لتأسيس أمة متحررة من الفساد المهيمن على انجلترا في ذلك الزمن. من وجهة النظر هذه، يشكل هؤلاء المعمرون جزءا من حراك ثوري أين تتجلى عبر الصراع الديني المطالب الاجتماعية والتشنجات السياسية.
إذا كانت التطهيرية في انجلترا قد تعرضت إلى قمع الدولة مرة وتوظيفها أخرى، فإنها في المستعمرات الأمريكية الشمالية، تمكنت من تطوير نفسها في عزلة أتاحت لها التجذر بعمق في المؤسسات وفي الأخلاق. في الوقت ذاته، فقد تجمدت التطهيرية في مجموعة قواعد سلوكية ومبادئ أخلاقية صارمة. غير أنه بعيدا عن الكبت الجنسي الذي غالبا ما يلصق بالتطهيرية، فإن الموقف الأهم الذي حملته هو إيمانها بالمسؤولية الاجتماعية. فالتطهيري يلتزم بمفهوم الواجب المدني الذي لا نظير له في المجتمعات والثقافات اللاتينية، على سبيل المثال. مثلما وضحته أبحاث إدروارد هال Edward Hall ، فالفردانية الانجلوساكسونية والتي تتماشى ونسبية لامركزية الدولة تستلزم رقابة غير مؤسساتية.[5] على الفرد أن يمارس رقابة على ذاته. وعلى الجماعة (لا الدولة) أن تكون ساهرة على المعايير الأخلاقية. إن واجب كل فرد أن يراقب الآخرين. هكذا، تقود فالفردانية إلى الامتثالية الاجتماعية وأحيانا إلى الاستبداد.
في النهاية، إن هذا الخلاص هو ذو طابع ثقافي أكثر منه عقدي. بما أن الدين قضية فردية بالنسبة للبروتستانت، فالأمر يتعلق بقواعد سلوكية و”مواقف”، على الآخرين واجب تمثلها في حياتهم اليومية. وعليه، فالحركة التبشيرية هي ثورة دائمة ومستمرة يجب حمل شعلتها دون هوادة داخل الطائفة نفسها و إلى العالم الخارجي وأخيرا في نفس صاحبها. [6]
غير أن القول بأن الهيمنة الأمريكية تنبع مباشرة من موقف المعمرين التطهيريين هو تبسيط مفرط. الأجدر بنا أن نفسر كيف أن هذه الذهنية انتقلت إلى أوروبيي أمريكا الشمالية وكيف تجددت أثناء تطور هذا البلد.
إن أول تفسير لهذه القضية يستند إلى أن الأعراف الأيديولوجية للتطهيرية البروتيستانية تكاد لا تنضب. فالنظرة التطهيرية، الكالفينية بالأساس، تنطوي على مفهوم اختيار الله لشعب ما حتى تسود الفضيلة. من المسلم به في العقيدة التطهيرية أن الحجاج الانجليز هم هذا الشعب المختار، وأن اختيار أمريكا، أرضهم الموعودة، كان من تدبير الإرادة الإلهية. هذه هي الفكرة التي انتشرت في بلد حيث يجب الكفاح يوميا من أجل لقمة العيش. تجدر الإشارة إلى أن الأراضي الجديدة كانت مستعمرة إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر، وهو ما يفسر استمرار جاذبية مثل هذا المفهوم.
من مستلزمات فكرة الشعب المختار هو الاعتقاد بأن هذا الشعب عليه أن يرص الصفوف من أجل مجابهة عالم الشر. تاريخيا، هذا ” الشعب المختار” لأمريكا لم يكن يعوزه الخصوم على الإطلاق. بعد الهنود، أصبحت الدولة البريطانية خصمه طيلة قرن.[7]
علينا أن تخيل كم كان الخوف من الآخر شديدا لدى هؤلاء المعمرين المقطوعين عن جذورهم والمنغمسين في هذه القارة التي يجهلون نباتاتها وحيواناتها وسكانها الأصليين. لقد كانت العنصرية التي غذاها المعمرون تجاه الهنود مشبعة بهذا الخوف، خاصة بعد أن شرع هؤلاء بمقاومة حضور المعمرين الذي أضحى شيئا فشيئا أكثر إزعاجا. في الوقت ذاته، فإن عقيدة التطهيريين تقتضي ألا يكتفي الهنود باعتناقهم المسيحية بل أن يتحولوا ثقافيا على شاكلة التطهيريين. لقد أفضىت المحاولات المتعددة على هذا الطريق إلى أسوأ الابتزازات والإبادات و الاستئصالات الثقافية التي أورثت، في المقابل، تأنيب ضمير سرعان ما تم كبته على النطاق الوطني. وتولد عن هذا خديعة ما تزال قائمة إلى حد الساعة ومؤثرة في الحياة الاجتماعية والسياسية للولايات المتحدة.
اندلعت ضروب من الاحتجاجات في وقت مبكر جدا من تاريخ المستعمرات. لم يكن التمرد ضد الدولة والذي تحول إلى حرب من أجل الاستقلال ما بين 1776 و1783 إلا ذروة مقاومة طويلة منظمة تارة ومشتتة أخرى ضد السلطة الإدارية البعيدة. والنتيجة أن نزع معمرون إلى اعتبار أنفسهم شعبا مستعمَرا من طرف دولة استبدادية.
هل يمكننا أن نستخلص أن “الشعب الأمريكي” قد تحول إلى مناهض للاستعمار و عنصري في الآن ذاته؟ المسألة الأولى: الحديث بشكل عام عن “شعب” هو أمر تبسيطي للغاية. إذ من الضروري تبيان كيف أن النخبة المعمرة تمكنت من إقناع مختلف الطبقات العمالية في أن تنخرط في مشاريعها السياسية. من خلف الخطاب “الديموقراطي” والوطني للأثرياء الذين تصدروا الثورة الأمريكية، لاحت بوادر دولة جديدة برجوازية (وإن كانت أقل أرسطوقراطية في شكلها) ورأسمالية في مثل الدولة التي يحاربونها. المسألة الثانية: علينا أن نوضح كيف توارثت الأجيال المتعاقبة الأفكار والمواقف المتشكلة قبل وأثناء الحرب ضد إدارة انجلترا الاستعمارية. منذ القرن التاسع عشر، توالى حض الموجات الجديدة من المهاجرين على أن يتماهوا مع الذين بنوا دولة ضامنة للحريات ومجتمعا يفسح المجال واسعا لحظوظ الأفراد.
في بلد جديد، غني بالمواد الأولية وبمساحة شاسعة لأراض قابلة للزرع وشاغرة من أجل استقبال سكان قلائل نسبيا، ارتبطت بشكل وثيق حقيقة التوسع الإقليمي بمُثُل الحرية والحظوظ المتاحة للجميع. وهل من شيء أيسر على النخبة من أن تواصل الربط بين هذه الصور أو هذه الأفكار؟ فضلا عن ذلك، فإن التعصب ضد الآخرين ( الهنود والأفارقة) تم تقديمه على أنه معارضة لكل من يمثل عقبة في وجه التقدم المبتغى. في الوقت ذاته، ولدت الأخطار التي أفرزتها مغامرة كهاته (مادية ووجودية) قلقا عزز التمسك بالأفكار الجاهزة. فقد أنتج “غزو الغرب”، إذن، تخوفا مرضيا توارثه المعمرون جيلا عن جيل. لقد كان هذا التخوف رد فعل منطقي وواقعي تجاه محيط لا يمكن التنبؤ به حيث وجد المعمّرون صعوبة في تأسيس هيئات مدنية.[8]
في هذا الاتجاه، يمكننا الحديث عن ” الطابع القومي” الأمريكي. مثل هذه الذهنية هي ثمرة الماضي الجماعي الذي يشكّل التمثل الذاتي للأجيال المتعاقبة. إن عدم تقاسم بعض من الشبان أو القادمين الجدد، بأي حال من الأحوال، تجارب القدماء التأسيسية لا يغير من الأمر شيئا. فإذا كان الأمريكي المتوسط يفتقد “معنى التاريخ” بما هو قدرة على وضع الحاضر في سياق الماضي، غير أن الماضي في شكله الدعائي يؤثر كثيرا على ضميره، لا سيما أن الاستبطان النقدي لا لا يشكل جزءا من تفكيره.
- المد المضطرب للسياسة التوسعية:
لقد ارتبطت الهيمنة التي شكلت دائما جزءا لا يتجزأ من ذهنية الأمريكيين – بسبب من الانشغالات اللاهوتية والسياسية للمعمرين الأوائل – بالوضعية الأصلية للولايات المتحدة. إن تشكل الدولة الجديدة اقتضي سياسة ” توسعية” من طرف الحكومة، إذ لم يعد ينحصر نطاقها فقط في المستعمرات الثلاث عشرة القديمة بل امتد إلى إقليم واسع ما بين جبال “ألباش” و نهر “الميسيسيبي”.
في الواقع، كان من المستعجل، في مرحلة أولى، أن يتم استعمار الجزء الشمالي من هذا الإقليم (المسمى “الإقليم الشمال الغربي” في تلك الفترة). لقد اقترنت الحاجة لبسط ” الحضارة” واستغلال الموارد بالضغوط الديموغرافية و ضرورة امتصاص المكبوتات الشعبية. لقد أسهم التوسع الإقليمي التدريجي خلال القرن التاسع عشر في تشكيل رؤية خاصة أين تطورت نزعة الهيمنة بوصفها ظاهرة سياسية وإيديولوجية.
كان الاتجاه السائد لدى حكومة الولايات المتحدة خلال العقود الأولى من وجودها تفادي الالتزامات التي قد تعرض للخطر بلدا لا يزال ضعيفا إزاء انجلترا وفرنسا. حتى إن شراء إقليم لويزيانا[9] الشاسع عام 1803 كان محكوما بهمّ توفير الحماية.
لو أن فرنسا قررت أن تستعمر هذه الأراضي التي أحرزتها من إسبانيا عام 1800، لكانت الولايات المتحدة محاطة بدولتين من المحتمل أن تكونا خطرتين: انجلترا في كندا وفرنسا على الضفة الغربية من الميسيسيبي. لكن بعيدا عن هذا النوع من الحسابات الدفاعية للحكومة، بدأت ثقافة نزعة الهيمنة في التبلور.
مع ذلك، لزاما علينا أن نميز بين نزعة الهيمنة والتوسعية. فالتوسعية نجمت من استعمار أمريكا الشمالية و من التوترات الاجتماعية و السياسية التي أحاطت بولادة جمهورية الولايات المتحدة. فالأمر يتعلق بسياسة الحكومات (الأميركية والانجليزية) وفي الوقت نفسه بموقف السكان بصفة عامة. فالإيمان بالمزايا الحسنة للتقدم الحتمي نحو الغرب عكس آمال المعدومين والطموحين. وفي الآن نفسه، فالتشبث بهذه الفكرة وهذه الممارسة من شأنه أن يقدم “صمام أمان” يسهم في تهدئة الصراعات الاجتماعية. فضلا عن ذلك، على المستوى الاقتصادي، فإن الحاجة إلى توسعة الاقتصاد الوطني تقتضي تعمير الأراضي (الأمر الذي انطوى عنه تحييد بل تصفية الأهالي المناوئين للتقدم). وهكذا أصبحت التوسعية جزءا من الذهنية الأمريكية الشمالية. إن الإيمان بالتوسع الطبيعي للحدود المتحركة للوطن (الذي هو بمثابة مزيج من البلد والدولة والشعب) تم توظيفه كمضاد للشعور بالذنب الذي يمكن أن ينتج عن العنف الممارس باسمه.
إن نزعة الهيمنة ظاهرة مختلفة، وإن كانت مرتبطة بشكل وثيق بالتوسعية. ففي بداية الجمهورية، كانت السياسة الهادفة إلى توسيع سيطرة أو تأثير الولايات المتحدة على مناطق أو دول أخرى، أمرا في غاية الصعوبة. لم تكن لمثل هذه السياسة أن تتكرّس رسميا إلا بعد هزيمة نابليون بونابرت والصلح مع انجلترا اللذين وقعا عام 1814. إذ انتهت الحرب بين الحكومتين الأمريكية والانجليزية (1812- 1814) إلى معاهدة تعكس إرادة الطرفين في دفن العداء الذي عرقل بلوغ مرام كل منهما. فجاءت الهزيمة النهائية لبونابرت واحتلال فرنسا من طرف جيوش الحلفاء لتضع حدا للمنافسة الفرنسية بالنسبة لانجلترا على المستوى الدولي. هكذا أضحت انجلترا حرة في إقامة إمبراطوريتها وإن لم تكن أمريكا الشمالية أساسية في مشروعها.
بالنسبة للولايات المتحدة، جاء هذا التحول ليستبعد كل خطر اعتداء من طرف دولة قوية. ومنذ ذلك الحين، تبنت الولايات المتحدة إستراتيجية عدوانية لتوسع إقليمها. ففي عام 1818، غزت و احتلت فلوريدا التي كانت بحوزة إسبانيا. هذه الأخيرة قد أوهنها فقدان حليفتها فرنسا القوية. الأمر الذي أتاح للولايات المتحدة أن تلحق بها مستعمرات كانت تابعة لإسبانيا، وقد امتد ذلك إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر. إن هذا التاريخ الطويل للاعتداءات يمثل بجلاء السياسة التوسعية للولايات المتحدة.
والحال أن كل تاريخ نزعة الهيمنة الذي أسس لسياسة الولايات المتحدة ينطوي على بعد ثقافي حيث تلعب عقيدة النزعة التوسعية دورا إلهاميا أو تبريريا. لكن في الوقت ذاته، عقد التوسع، أحيانا، مواصلة الهيمنة. إذ تغلغلت النزعة التوسعية في نفسية الأمريكيين، بكل طبقاتهم، إلى درجة أن اضطرت الحكومات إلى قمعها (أو التظاهر بقمعها). عام 1805، وعلى سبيل المثال، تورط نائب الرئيس أرون بور (Aaron Burr) في مؤامرة تهدف إلى غزو جزء من المكسيك. تعدّ حقا هذه المشاريع، الخاصة وشبه العسكرية الموجهة لغزو إقليم أو بلد، من أوائل حالات النصب والاحتيال. ولو أن الحكومة كانت مرغمة على سن قوانين ضد هذه الأنشطة، إلا أنها غدت بمثابة مبررات للتوسع الذي تقوم به هذه الحكومة، إذ إن الرغبة التوسعية للشعب الأمريكي لم تعد قابلة للقمع. [10]
إيديولوجيا الغزاة الجدد: “القدر المبين”[11]
غالبا ما ينسب مفهوم “القدر المبين” للولايات المتحدة إلى جون لويس أوسوليفا[12] John Louis O’Sulliva الذي أطلقه عام 1845 حتى يبرر إلحاق التكساس وإقليم أوريجون (الأمر الذي اعترضت عليه الحكومة البريطانية).[13] منذ الحملات الاستعمارية الأولى، كان جليا حضور الفكرة القائلة بأن الله قد اختار الأمريكيين لينتشروا في كل القارة وما بعدها. بينما شكلت عدوانية الحكومات والدعاية المكثفة التي رافقتها أمرا جديدا. في هذه المرحلة تواشجت النزعة التوسعية والأيديولوجيا العنصرية.[14]
عموما، كان مبرر الحرب ضد المكسيك ما بين 1846-1848 هو أن المكسيكيين يشكلون عرقا هجينا (خليط من الأسبان والهنود)، وهم عاجزون عن إدارة إقليم واسع جدا. إذن كان من مصلحة المكسيكيين أن رام الأمريكيون الاستيلاء على نصف المكسيك. وإذا لم يسعوا إلى إلحاق المكسيك برمته، فذلك بسبب دونية شعبها. بشكل متناقض، اشتدت العنصرية التي أضحت عنصرا مهما في تشكيل الذهنية العامة بعد الحرب الأهلية (1861-1865) التي وضعت حدا للرق في جنوب البلاد. هناك اعتبارات عدة تمكننا من توضيح وشرح هذه المفارقة. علينا أن نشير في البدء أن النضال من أجل إلغاء الرق لا يعني بالضرورة الانخراط في الأفكار المعادية للعنصرية.
على سبيل المثال، قبل الحرب، راح الصناعيون يشجبون الرق أساسا لأن مثل هذه الممارسة تعطل علاقات الإنتاج. لقد كانت الصناعة الرأسمالية بحاجة إلى قوة عمل حرة ومتحركة ومرنة. على نحو مخالف، يعزز الرق أبوية يسعى الصناعيون إلى محوها. غير أن العنصرية تتماشى والمصالح الرأسمالية. حينما، على سبيل المثال، قدم الإيرلانديون بكثافة إلى الولايات المتحدةخلال سنوات 1840، حرص أرباب العمل على تغذية التنافر القائم بين القادمين الجدد و”الأمريكيين”. خلال عقود، قبل وحتى بعد الحرب الأهلية،كان يطلق على الإيرلانديين “الزنوج البيض”. هكذا، إلى غاية القرن العشرين، تحقق تطور تدريجي للسياسة القائمة على تأجيج الضغائن الإثنية والعرقية للتحكم في البروليتاريا في طور تشكلها.[15]
لكن للثقافة العنصرية الأمريكية منابع أخرى مرتبطة أكثر بنزعة الهيمنة الأمريكية. طبعا، جاءت إبادة الهنود لترسخ في الذهنيات قابلية قوية للسيطرة على الشعوب واحتقارها لما وصِمت به من دونية. في حين أنه ابتداء من اللحظة التي تطلب فيها تطور الرأسمالية الصناعية الأمريكية البحث عن أسواق خارجية وعن مواد أولية أقل تكلفة، تم تبرير التدخلات المتصاعدة فيما وراء البحار و في أمريكا اللاتينية “لدواع إنسانية”. فكانت العنصرية، إن في ملمحها البيولوجي أم في اصطلاحها الثقافي، هي المسوّغ لكل ذلك. منذ ذلك الحين، وفي مواضع عدة من العالم، في كوبا (1898)، في بورتو ريكو والفلبين (1899)، في الصين (1900)، في المكسيك (1913)، راح الأمريكيون يتقلدون مسؤولية تمثيل الحضارة ليساعدوا شعوبا عاجزة عن حكم نفسها بنفسها، أو بكل بساطة غير ناضجة لتحقق ذلك.
طبعا، غالبا ما وُظِّفت هذه العنصرية من طرف مسيري البلد بطريقة استخفافية، لكن هذا لا يغير من كون الشعب الأمريكي غالبا ما يجد مخرجا من ذلك في المزج بين كره الأجانب واحتقار كل ما هو ليس بـ”أمريكي”. ومما له دلالته في هذا الصدد، هو أن يعامل المثقفون المنتقدون لمثل هذه الذهنية بأنهم “ليسوا أمريكيين”.
إنها الخلفية الثقافية العنصرية التي تفسر، إلى حد كبير، لماذا تمثلت مصالح الرأسمال الأمريكي، منذ أكثر من قرن، في نزعة الهيمنة أكثر منها في النزعة التوسعية. ففي عام 1898، أُلحِقت جزر هاواي بالولايات المتحدة الأمريكية لأن شعبها من الأهالي لم يكن ذا أهمية تذكر. بينما، وفي الآن نفسه، تتدخل مصالح الرأسمال لتفرض نمطا من التحكم في موارد الأقاليم التي تهيمن عليها الولايات المتحدة دون أن تلحقها بالدولة. بذلك ترك الاستعمار مكانه للاستعمار الجديد الذي تولى التحكم غير المباشر عبر حكومات وطنية تابعة له. ففي الوقت الذي يتم فيه احترام مبادئ حق تقرير المصير المقدسة من طرف القانون والهيئات الأمريكية، يتعزز التحكم في تلك الحكومات.
من العسير أن نتصور ممارسة للسلطة الأمريكية من غير هذه الذهنية التي تمنحها قوتها ومنطقها الأنطولوجي. ومثلما أشار ألفريد ماهان Alfred Mahan[16]، منظر القوات البحرية في القرن التاسع عشر، وداعية نزعة الهيمنة الأمريكية، إلى أن هناك ملمحين من ملامح القوة الوطنية ضروريين لنزعة الهيمنة؛ الأول “تنظيم القوة الوحشية”، والثاني إرادة الفعل التي تعبر عن “الطابع الوطني”.[17]
تظل نزعة الهيمنة في عقول أغلب المسؤولين قائمة على قناعة مفادها أن لحكومة الولايات المتحدة، أكثر من أي وقت مضى، مهمة التكفل بقضايا كوكب الأرض. إنها قناعة شبه دينية جعلتهم غير مبالين بوجهات نظر أخرى.
طبعا من السذاجة تصور أن مثل هذه الحسابات الرأسمالية الصلفة لا تتدخل في إرادة فرض الهيمنة الأمريكية على بقية العالم. بيد أن ما تتجدر ملاحظته عن المسؤولين الأمريكيين، في الغالب، هو الإخلاص الجلي الذي من خلاله يقدمون الدفاع عن مصالحهم كأنه إحسان أو كأنه واجب أخلاقي. و هذا هو الضمير المرتاح الذي أشار إليه جاك لندن Jack London في دراسته المشهورة عن الطبقة الأمريكية الحاكمة “العقِب الحديدية”. كتب قائلا:”إن قوة الأوليغارشيا تكمن في تصورها الرضي عن استقامتها.”[18]
*- جورج ولكر بوش و أفول الرأسمالية الأمريكية:
أبانت رئاسة جورج ولكر بوش، بشكل عجيب، ما في مفهوم الاستقامة الذي يعزز ويتحكم بالمصالح الاقتصادية والإستراتيجية من تعبير عن ثقافة وطنية نوعية وبالأخص عن طبقة اجتماعية معينة. بيد أنه من الخطأ فهم سياسة جورج ولكر بوش بصفة عامة، وحربه ضد العراق بصفة خاصة، وكأنها ناجمة فقط عن ضرورات ثقافية و جيوسياسية للبلد.
إذا استبعدنا كل النظريات حول ذكاء بوش، من الواضح بداهة أنه يعبر عن معتقدات ثقافية أمريكية بامتياز. لا يمكن أن نعزو استحضاره المتكرر للروح القدس ببساطة إلى الديماغوجية. أثناء حملته الانتخابية عام 2000، وردا على سؤال أحد الصحفيين عن “الرجل الذي يثير إعجابك أكثر”، قال:”يسوع المسيح”. في الواقع، إن تأثير الدين على الذهنيات في الولايات المتحدة مثير للدهشة بحيث 54 % ممن خضعوا لسبر للآراء يقولون إن الدين يحتل مكانة مهمة جدا في حياتهم (مقابل حوالي 15 % في فرنسا وانجلترا و ألمانيا).
في الوقت ذاته، يتصرف بوش بصلافة وباحتقار إزاء من لا ينتمون إلى محيطه الاجتماعي. و (ما علينا سوى) يكفي أن نعيد قراءة الطرائف التي أوردها مايكل مور Michael Moore في كتابه الصادر حديثا عن عائلة بوش.[19] إذ تنتمي عائلة بوش إلى نخبة الطبقة الرأسمالية وهي بذلك تستخف بآراء الآخرين. فإعدام كائنات بشرية في ولاية تكساس أو قصف عراقيين لا يطرح عليهم أي إشكال أخلاقي، وهم في ذلك ليسوا أكثر شأنا من أرييل شارون Ariel Sharon في ذبحه للفلسطينيين، أوشأن فلاديمير بوتين Vladimir Poutine في [قتله] للشيشان. أن يدعي الحكام أن ذلك من حقهم، فالأمر ليس بالجديد، إن غطرسة الطبقات المسماة بـ”العليا” هي أمر واقع.
فيما يتعلق بالدلالة الحقيقية لحرب الخليج الثانية، فإن النقا
ش ما يزال متواصلا. ومثلما هو شأن كل الحروب، يغذي البحث عن الدوافع و الأسباب الحقيقية النقاشات التي، أحيانا، تزيده لبسا. إلا أن مسؤولية الحكام بيّنة. (جلية-بديهية). على سبيل المثال، ألا يكون جورج بوش، أساسا، ابنا فاشلا، يسعى حاليا ليثبت لأبيه الفحل أنه، وصل أخيرا إلى حالة من الرجولة لا يمكن أن يؤاخذ عليها؟
صحيح أن جذور الأحداث و مآلاتها محل جدال، بيد أن فهمها يستلزم التمييز بين الجوانب العارضة (الطارئة) والأسباب “البنيوية”. في الصنف الأول، يمكننا أن ندرج شخصية وأفكار بوش، المشروع الأيديولوجي لمعاونيه الأقربين – أعضاء مشروع القرن الأمريكي الجديد– ومصالح عصبة من رجال الأعمال وشركات بترولية متعددة الجنسيات مجهولة. في صنف الأسباب البنيوية، علينا أن نشير إلى تقليص تصنيع الاقتصاد الأمريكي، وإلى المنافسة الراهنة والخفية مع أوربا و روسيا والصين وما نجم عنها من إستراتيجية جيوسياسية.
علينا أن نضيف إلى الأسباب البنيوية الحاجة الملحة للدفاع عن الدولار، إذا كان يبدو تبسيطا الادعاء بأن الحروب هي جزء لا يتجزأ من المنظومة الرأسمالية، فإنه من البداهة اعتبار الضراوة الحربية لحكومة بوش جوابا عن أزمة مالية ناتجة عن العلاقة بين الدولار والأورو.
يهيمن الدولار على المعاملات المالية الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهي الوضعية التي تمأسست بإنشاء صندوق النقد الدولي عام 1944. إلى غاية أوت 1971، كانت قيمة الدولار تتحدد ذهبا بسعر ثابت غير قابل للتغيير، وهو ما منح التبادلات النقدية استقرارا كبيرا. إضافة إلى ذلك، يضمن صندوق النقد الدولي تعويض الدائنين. وكانت التسديدات تدفع بالدولار، الأمر الذي سوّغ تعويم البنوك الأمريكية وطبع الدولار بكمية كبيرة على الرغم من الوهن المتنامي للاقتصاد.
إن الأورو يؤثر كثيرا على صحة الدولار وعلى مداخيل الشركات الكبرى والمؤسسات المالية. لماذا؟ من المحتمل أن يكون البترول العراقي قد لعب دورا مركزيا في الارتفاع المذهل للأورو في التبادلات. في أكتوبر 2000، لم تكن قيمة الأورو تتجاوز 0.82 دولار. عام 2004، أصحبت قيمته تتجاوز دولارا واحدا، فيما يبدو أن صدام حسين يتحمل في ذلك مسؤولية جزئية، لأنه منذ نوفمبر 2000، وإلى غاية اندلاع الحرب ضد العراق (مارس 2003)، كان سعر البترول يحدد بالأورو. هناك بلدان أخرى تجري مبادلاتها التجارية بالأورو، خاصة في الشرق الأوسط. أما البلدان المصدرة للبترول، فمن مصلحتها أن تساير هذا الاتجاه، لأن أوروبا هي بمثابة سوقهم المركزي.
علاوة على هذا المشهد الباهت، فإن الأورو يجذب الرأسماليين الروس والصينيين، على الرغم من أن المبادلات التجارية مع أوربا ما تزال تجري في معظمها بالدولار. إن غياب استقرار الدولار الذي لا يمكن فصله عن عنجهية السياسة الخارجية لحكومة الولايات المتحدة، لا يطمئن على الإطلاق حكام القوتين الروسية والصينية حيث عوامل الإنتاج تعد خيرا بالنسبة للنخبة. منطقة الأورو تخدم الأسياد المستقبليين للعالم.
في وضعية الأزمة المحتملة بالنسبة لاقتصاد الدولار، من غير المستغرب أن توضع موضع التنفيذ وسائل في غاية العنف. إن الرهان مهم إلى درجة أنه لم يعد يشغل بال حكام الولايات المتحدة المحافظة على واجهة الشرعية الأخلاقية والقانونية. كل ما يهمهم، قبل كل شيء، هو منطق العناد الذي يحكم منظومة اقتصادية استنفدت كثيرا من قوتها التنافسية .
تمثل السياسة التي تديرها حكومة جورج ولكر بوش منذ يناير 2001 انحطاط منظومة عاجزة عن احتواء مطالبات الرأسمالية في طورها الامبريالي. وراء بلاغة دفاعية ضخمتها الاعتداءات ضد برجي التجارة العالمية والبنتاجون، يلوح هجوم معاكس حقيقي موجه ضد كل ما يمكنه أن يضعف البلد. إذا أضفتم الانحراف الأمني إلى أزمة الدولار المرتبطة بالحاجة إلى التحكم في الموارد البترولية، أمكنكم امتلاك العناصر المفتاحية لفهم دوافع هذه الحكومة لخوض حرب موسومة بـ”الوقائية”. إن الوقائية المطروحة هنا لا علاقة لها بأسلحة الدمار الشامل المتوقع أن يمتلكها العراق. وإليكم “حيلة التاريخ”: كيف تحول قزم ملهم (من الله) إلى عملاق مزيف يدمر العالم لينقذ “إمبراطورية” محكوم عليها بالزوال.
* يحتوي هذا النص على مقاطع منشورة سابقا في لاري بوتيس ” الأسس البنيوية والأخلاقية لنزعة الهيمنة الأمريكية”، Actuel Marx، العدد 27، 2000
[1] فصل من كتاب « Démythifier l’universalisme des valeurs américaines » بإشراف Jean Liberman، الصادر عن دار Parangon، باريس، 2004.
[2] الخصوصية الأمريكية أو الاستثنائية الأمريكية هو الاعتقاد بأن الولايات المتحدة مختلفة عن بقية الدول و لديها مهمة عالمية محددة لنشر الحرية والديمقراطية. واستخدم الكاتب ألكسيس دي توكفيل هذا التعبير لأول مرة في كتابه الديمقراطية في أمريكا. وقد تحول هذا التعبير مع الوقت ليصبح جزءاً من الأساطير الحضارية التي تشكل جزءاً من الوعي واللاوعي عند عامة الأمريكيين.
[3] تطهيرية أو البيوريتانية: Puritanisme هي مذهب مسيحي بروتستانتي يجمع خليطًا من الأفكار الاجتماعية، السياسية، اللاهوتية، والأخلاقية. ظهر هذا المذهب في إنجلترا في عهد الملكة اليزابيث الأولى وازدهر في القرنين السادس والسابع عشر، و نادى بإلغاء اللباس والرتب الكهنوتية.
وقد شهد النصف الأول من القرن السابع عشر، هجرتهم اتجهت نحو مساتشوسِتْس (نيوإنغلند) إحدى المستعمرات الإنكليزية في أمريكة الشمالية آنذاك عام 1630، بعد أن أقدم ملك إنجلترا شارل الأول على حل البرلمان. حمل المهاجرون أموالهم إلى العالم الجديد، وقد تحول بعضهم إلى توراتيين وعدوا أنفسهم شعب الله المختار، وأنّ عليهم أن يتمموا رسالة العبرانيين القدماء، ونظروا إلى دولتهم في نيوإنغلند على أنها إسرائيل الجديدة، وفيها تقوم أورشليم الجديدة.
[4] أقليم نيو إنجلاند (New England): تقع شمالي شرقي الولايات المتحدة، يطل من الشرق بجبهة ساحلية على المحيط الأطلسي، وتحدها كندا من الشمال والشمال الغربي، وولاية نيويورك من الغرب والجنوب.
[5] Edward HAll، Beyond Culture, Anchor Books, New york, 1977
[6] ينظرAnders Stephanson, Manifest Destiny : Americain Expansion and the Empire of Right, Hill and Wang, New York, 1995, و أيضا Frederick Merk, Manifest Destiny and the Mission in Americain History, Harvard University Press, Ca,bridge (Massachusetts), 1995
[7] Sam W. Hayens. « Anglophobia and the Annexation of Texas : The Quest for National Security », in Sam W.Hayens et Christopher Morris (dirs), Manifest Destiny and Empire : Americain Antebellum Expansionism, Texas A and M.University Press, College Station, 1997, pp.115-145
[8] Richard Slotkin, Regeneration Through Violence : The Mythology oh the American Frontier, 1600-1860, Harper, New York, 1996.
[9] يمتد تاريخ لويزيانا من حقبة الأمريكيين الأصليين، و التي تلتها مرحلة الاستعمار الأوروبي، ابتداء من القرن الخامس عشر، حيث تداولت على حكمها فرنسا و إسبانيا، قبل أن يتم بيعها إبان حكم نابليون الأول، في 1803، للولايات المتحدة الأمريكية، الوليدة آنذاك.
[10] Robert E. May. « Young American Males and Filibustering in the Age of Manifest Destiny : The United States Army as a Cultural Miror », The Journal of American History, vol 7, n 3, décembre 1991, pp.857-886.
[11] بالانجليزية (Manifest Destiny): أيديولوجيا تؤمن بالرسالة الإلهية للشعب الأمريكي في نشر الديمقراطية والحضارة، روّج لها الجمهوريون- الديمقراطيون عام 1845 بزعامة الرئيس جيمس بولك.
[12] (15نوفمبر 1813 – 24 مارس 1895) رجل سياسي أمريكي وصحفي، صاحب عبارة “القدر المبين”.
[13] Robert W. Johannsen. « The Meaning of Manifest Destiny », in Sam W. Haynes et Christopher Morris (dirs), Manifest Destiny and Empire : AmericanAntebellum Expansionism, Texas A and M.University Press, College Station, 1997, pp.7-20.
[14] ينظر في هذا الموضوع Reginal, Race and Manifest Destiny, : The Origins of America Racial Anglo-Saxonism, Harvard University Press, Cambridge (Massachesetts), 1981 et Thomas F.Gossett, Race : The History of an Idea in America, Oxford University, Press, New York, 1997.
[15] David R.Roediger, The Wages of Whiteness : Race and Making of the American Working Class, Verso, Londres, 1991, et Theodore W. Allen, The Invention of the White Race, tome 1 : Racial Opression and Social Control, Verso, Londres, 1994.
[16] Alfred Mahan (27/09/1840- 01/12/1914) ، ضابط في البحرية الأمريكية، ومؤرخ وخبير في الإستراتيجية البحرية.
[17] Alfred Thayer Mahan, The Influence of Sea Power upon History 1660-1783, New York,] 1890[, et Jonathan R. Dull, « Mahan, Sea Power
[18] Jack London, Le Talon de fer, 10/18, Paris, 1976 ]1907[, p.378.
[19] Michael Moore, Mike contre-attaque ! Bienvenue aux Etats Stupides d’Amérique, La Découverte, Paris, 2002.