
العراق في الاستراتيجية الروسية
Iraq in the Russian strategy
ا.م.د حيدر علي حسين، الجامعة المستنصرية مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية، بغداد / العراق
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 22 الصفحة 23.
Abstract:
The Middle East is an important place in Russia’s strategy to play a new international role. This strategy works with shifting the standards of strength, conflict and crises in the Middle East to the exploitation of conditions and the exploitation of new variables through the flexibility of strategic performance to establish new regional alliance
If the Middle East is a vital area for Russia, especially the Arab region, Iraq is part of Russia’s interest and objectives, where energy sources, geo-strategic status and role in future plans and mutual interests. So to say that Iraq has an advanced position in Russian strategy is more objective, especially with the changes taking place in the regional environment in the Middle East.
ملخص:
مع التيغير الكبير في الدور الروسي في الشرق الاوسط الساعي نحو استعادة المكانة والقوة والفاعلية ، فان القول بأن العراق يحظى بمكانة متقدمة في الاستراتيجية الروسية يكون على مستوى عال من الدقة والموضوعية .
وينبع ذلك من عدة نقاط جوهرية لعل ابرزها الرغبة الروسية بالعودة وبقوة لممارسة دور دولي جديد بعد حقبة من التراجع والانكفاء بالإضافة الى ارتباط ذلك الاهمية بالعراق بعده نقطة للتحرك الروسي في المرحلة الراهنة وامتداداتها المستقبلية هذا الى جانب ادراك الرؤية والكيفية التي تنظر وتتحرك بها السياسة الروسية تجاه العراق ، لذا كان من المهم ان نركز في دراستنا على الادراك الاستراتيجي الروسي لمكانة العراق، وكيفية التحرك استجابتا لهذا الادراك ومدى انعكاس الرؤية الاستراتيجية الروسية على الوضع العراقي .
الكلمات المفتحية: استراتيجية روسية ، مكانة العراق ، شرق اوسط ، ادراك استراتيجي روسي ،سياسة روسية
مقدمة :
تحتل منطقة الشرق الاوسط مكانة مهمة في الاستراتيجية الروسية الساعية الى ممارسة دور جديد على الساحة الدولية. وتعمل هذه الاستراتيجية في ظل تحول معايير القوة والصراع والازمات التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط على توظيف المعطيات الراهنة واستغلال المتغيرات الجديدة من خلال مرونة الاداء الاستراتيجي لإقامة تحالفات ومحاور جديدة في المنطقة .
واذا كانت منطقة الشرق الاوسط تمثل مجالا لروسيا، وبخاصة المنطقة العربية، فأن العراق يقع ضمن الدائرة الاوسع للاهتمام والاهداف الروسية، حيث مصادر الطاقة والمكانة الجيواستراتيجية والدور في الخطط المستقبلية والمصالح المتبادلة .
لذا فأن القول بأن العراق يحظى بمكانة متقدمة في الاستراتيجية الروسية يكون على مستوى عال من الدقة والموضوعية وبخاصة في ظل التحولات التي تشهدها البيئة الإقليمية في الشرق الاوسط وكذلك على المستوى الدولي .
اهمية الدراسة: تنبع اهمية هذه الدراسة من عدة نقاط جوهرية، فهي تعالج موضعا حيويا يسلط الضوء على استراتيجية روسيا القطب العائد الى الساحة الدولية بعد حقبة من التراجع والانكفاء بالإضافة الى ارتباطه من حيث الاهمية بالعراق بعده نقطة للتحرك الروسي في المرحلة الراهنة وامتداداتها المستقبلية ، هذا الى جانب ادراك الرؤية والكيفية التي تنظر وتتحرك بها السياسة الروسية تجاه العراق وبالتالي معرفة مكانة العراق في الاستراتيجية الروسية.
اشكالية الدراسة: تتلخص في الكيفية التي يمكن ان ندرس فيها الادراك الاستراتيجي الروسي لمكانة العراق، وكيفية التحرك استجابتا لهذا الادراك ومدى انعكاس الرؤية الاستراتيجية الروسية على الوضع العراقي .
الفرضية: يستند البحث الى افتراض اساس مفاده، ان تحولات القوة وتصاعد وتيرة الصراع الدولي على المناطق الاستراتيجية لا سيما في الشرق الاوسط وتعدد انماطه، زاد من حاجة روسيا الى اقامة محاور استراتيجية وبناء تحالفات جديدة لاستعادة مكانتها الدولية، لذا فأن التوجه الروسي نحو العراق يقع ضمن الاستراتيجية الروسية بعده منطقة ارتكاز تعول عليها روسيا في اطار اعادة توزيع القوة والادوار في الشرق الاوسط .
منهج البحث: اعتمد البحث على المنهج الوصفي كأساس لعرض السياسة الروسية تجاه العراق ومن ثم ركن الى التحليل لدراسة ابعاد الاستراتيجية الروسية ومستقبلها تجاه العراق بالإضافة الى المنهج الاستقرائي الذي يطرح امكانية قراءة المعطيات والعمل على تحليلها .
الهيكلية تم توزيع البحث الى خمسة محاور، عالج الاول موضوع العراق في المدرك الاستراتيجي الروسي ،اما المحور الثاني فقد سلط الضوء على التحول الاستراتيجي الروسي نحو العراق بعده توجها استراتيجيا، في حين ناقش المحور الثالث موضوع اهداف ومحددات التحرك الروسي تجاه العراق، اما المحور الرابع فقد عالج تطبيق استراتيجي للتوجه الروسي نحو العراق. اما الخامس فجاء بعنوان مستقبل الاستراتيجية الروسية تجاه العراق .
المحور الاول: العراق في المدرك الاستراتيجي الروسي:
يعد وصول فلاديمير بوتن الى رأس السلطة في روسيا عام 2000 انتقاله نوعية وحالة من التحول في البناء الاستراتيجي الروسي على مستوى الفعل والاداء الخارجي، فمن هذا التأريخ بدأتروسيا بالظهور من جديد على الساحة الدولية. فقد اتجه الرئيس بوتين نحو تبني مبدا النهوض بروسيا على الصعيد السياسي وتنظيم الحياة السياسية، وانتشالها من حالة الفوضى والصراع نحو الصعود والريادة على المستوى الدولي. كما تبنى نهجا براغماتي يستند الى المصالح بدرجة عالية من المرونة بعيدا عن الرؤية الايديولوجية الضيقة .
وينبغي التأكيد على الترابط الوثيق بين الاستراتيجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط، وطريقة رؤيتها للتعامل مع التحولات الجارية ضمن نطاقه بالمصالح الوطنية الاستراتيجية، التي تهدف الى استعادة المكانة كدولة عظمى، مما شكل اساسا للمسعى الروسي لتعزيز النفوذ في المنطقة[1]. وذلك لمجموعة من الاهداف : أولها، العوامل الجيواستراتيجية المتمثلة في اتجاه روسيا إلى تعزيز تواجدها في البحر الأسود والبحر المتوسط بعد ضم شبه جزيرة القرم لروسيا عام 2014. وهوماتضمنته العقيدة العسكرية البحرية الجديدة التي صدق عليها الرئيس بوتين في 26 يوليو 2015، حيث نصت الوثيقة على ضمان وجود عسكري بحري دائم لروسيا في البحر المتوسط ، وتعزيز المواقع الاستراتيجي لروسيا في البحر الأسود ردا على تحركات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في البحر الأسود على خلفية الأزمة الأوكرانية[2].
ثانيها، إلحاح التهديد الذي يمثله تصاعد الإرهاب في المنطقة والذي طال روسيا وفضائها السوفيتي السابق.
ثالثها، إن الأمن القومي الروسي بأبعاده الاقتصادية مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنطقة نظراً لحيوية دور دول المنطقة، خاصة المملكة العربية السعودية، في إطار منظمة أوبك في تحديد أسعار النفط.
رابعها، التغير في ميزان القوى الدولي مع تصاعد القدرات الروسية والتراجع النسبي في الاداء الامريكي. فالنظام الدولي قد تغير بالفعل باتجاه التعددية، وعودة روسيا كقوة فاعلة أصبح واقعاً نتيجة النمو المضطرد في قدراتها الشاملة على مدى العقد ونصف الماضيين.
وتعمل روسيا في هذا الجانب، على صيانة وتعزيز علاقاتها الخاصة مع بعض الأطراف الإقليمية، واقامة نقاط ارتكاز استراتيجية لها في المنطقة بعدهمن متطلبات المهمة للأمن القومي الروسي، لذ نجد ان روسيا انتقلت الى مرحلة التوجه نحو اطراف اقليمية تتمتع بمكانه جيوستراتيجية وتنظر اليها روسيا كمناطق تتركز فيها المصالح بشكل فاعل.
وهنا يبرز العراق كأحد اهم الاطراف الاقليمية المستهدف من الاستراتيجية الروسية. فهو يقع في قلب الاهتمام الاستراتيجي الروسي بغية اقامة تحالف معه للحصول على موطئ قدم فيه وضمن نطاق المنطقة التي يقع فيها.
ولابد ان نشير الى ان دوائر صنع السياسة الروسية، بدأت بوضع استراتيجيات جديدة لتجديد المصالح في العراق انطلاقا من رؤية مفادها “ان العراق يقع ضمن المحاور التي تتركز فيها المصالح القومية الروسية” وهو جزء منهم من مرتكزات الامن القومي الروسي. وهذا ما يصب في مصلحة استمرار رغبة روسيا بتأدية دور اكبر في منطقة الشرق الاوسط. كما ان العودة الى المكانة الدولية يتطلب من روسيا التدخل المحسوب طبقاً لمصالحها الفعلية التي تستلزم الاداء الفاعل[3].
وعلى هذا الاساس نجد ان السياسة الروسية دأبت للحفاظ على علاقات جيدة مع العراق كما تعمل على تعزيز مكانتها ضمن مدركات الاستراتيجية العراقية ودعمه من اجل ابعاده عن مخاطر التفكك والانهيار. لذا فأن روسيا تنظر الى العراق ضمن المحور الاقليمي في الشرق الاوسط الذي ينبغي ان لا يكون بعيدا عن النطاق الاستراتيجي الروسي.
ونتيجة لانفراد الولايات المتحدة بالسياسات في العراق واستحواذها على المصالح في هذا البلد فان الصراع على النفوذ في المنطقة برز الى السطح بعد ان قررت روسيا الظهور بقوة على مسرح الاحداث في المنطقة وهذا نتيجة بروز أدوار إقليمية لها ادوار محددة ولها ارتباطات سياسية واستراتيجية خارجية، بالإضافة الى قوة بعض القوى الاقليمية وامكانية خروجها عن السياقات الاستراتيجية التي تعمل روسيا على صيانتها لاستمرار التوازنات الاقليمية .
على هذا الاساس نرى ان السياسات الروسية تجاه العراق تجلت بشكل واضح من خلال رفض الصراع الداخلي، وتأكيد موقف روسيا في دعم العراق في حربه ضد الارهاب، والسعي الى اقامة تحالف محوري يكون العراق جزءا منه[4]، الى جانب ذلك ان السياسة الخارجية الروسية تجاه العراق تنطلق من رؤية ترتكز على إيلاء أهمية للقيمة الجغرافية والاستراتيجية للعراق، باعتباره يمثل مكان الصدارة في سلم الاهتمامات العالمية، وأنه لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدًا عن وجود نفوذ له فيه ضمن نطاقه الجيوستراتيجي، حيث تدرك روسيا جيدا ان العراق يؤثر بشكل فاعل في الية صياغة التوازنات الاقليمية ومسار التحالفات بين القوى الدولية [5].
ويقع الادراك الاستراتيجي الروسي ازاء العراق ضمن محور الصراع المتصاعد بين واشنطن وموسكو، اذ يعكس هذه الصراع رغبة روسية في ترسيخ وضع جديد في المنطقة بوجود مؤثر باعتبارأن الدور الحالي محدود نسبيا ولا يؤشر الى توجه حقيقي في تغيير موازين القوى على أرض الواقع، لمواجهة دور امريكي مدافع عن المصالح ويسير نحو استمرار الانفراد بالقرار السياسي والامني فيها .
وهذا ما يمنح العراق دورا محوريا في اعادة ترتيب وتحقيق الاهداف الروسية بعده بيئة شبه مؤهلة للولوج فيها وتحقيق التأثير في التوازن الاستراتيجي والوصول الى مرحلة امتلاك القدرة على فرض خيارات في المنطقة بالاتجاه الذي يمكن من خلاله الذهاب الى تفاهمات مرحلية مع الولايات المتحدة.[6]
المحور الثاني : تحول استراتيجي روسي نحو العراق :
الى جانب المكاسب السياسية والامنية والعسكرية التي تسعى روسيا الى تثبيتها من وراء الاداء الاستراتيجي نحو العراق، فهي تعمل ايضا من أجل شراكة استراتيجية اقتصادية وتقنية تجلب عائدا اقتصاديا مباشرالها، ولذلك كانت المصالح الروسية في المنطقة ترتبط بالدول ذات القطاعات النفطية للتركيز على مصادر الطاقة ومنها بلا شك العراق، ومن خلال التعاون أصبح لروسيا مصالح مشتركة مع الدول العربية عليها أن تحافظ عليها حتى مع بداية التغيير في الأنظمة العربية[7].
ولو القينا نظرة سريعة على طبيعة الاستراتيجية الروسية تجاه العراق وطبيعة العلاقات بين الجانبين فتجدر الاشارة الى ان للاعتبارات الإيديولوجية دورا حاكما في هذا الجانب، مما كان احد اهم الاسباب التي اعاقت تطور العلاقات الروسية العراقية .
وفي ظل إعادة هيكلة السياسة بعيدا عن الايديولوجية وتصاعد مكانة الاولويات الاقتصادية كمحدد حاكم للسياسة الخارجية، اصبحت السياسة الروسية اكثر سعيا لتحقيق المصالح الروسية على مختلف المستويات السياسية والامنية والاقتصادية. وانطلاقا من اعتبارات مصلحيه واقتصادية واضحة، بدأت روسيا بتطوير الرؤية الاستراتيجية للتحرك تجاه مكامن المصالح في الشرق الاوسط وكان العراق من ابرزها ليعبر هذا المنهج عن التحول في السياسة الروسية تجاه المنطقة بشكل عام
وفي هذا الاطار تدرك روسيا ان التحرك صوب العراق سيحقق اهدافا مرحلية ومستقبلية في عموم المنطقة، حيث سيمكن التقارب مع العراق من الترابط من المنطقة الممتدة من آسيا الوسطى إلى الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط.[8]
ان روسيا تعمل بشكل حثيث على الحد من الدور الامريكي المنفرد في العراق من خلال الدخول في تفاعلات العراق السياسية والامنية من خلال تكوين محور جديد يضم ايران وسوريا ايضا وهذا سوف يؤثر في البنية الاستراتيجية الشرق اوسطية.[9]
ولا يقف الامر عند التحرك من الجانب الروسي، فالعراق ايضا له اهدافه الاستراتيجية من ابراز مكانته ودوره بالنسبة للسياسة الروسية، بالإضافة الى ذلك فان العراق يسعى الى الاستفادة من العودة الروسية القوية في القضايا الدولية، لذا فأن الدوافع العراقية في توسيع مساحة التحرك الخارجي بما قد يسهم في تغيير مسار الازمات الداخلية الامنية والاقتصادية، لذا فان الادراك الواقعي للحاجة المتبادلة دفع نحو قبول التحرك الروسي وتوظيف الرغبة الروسية بالتحرك واستغلال التغييرات المتسارعة في السياسة الامريكية والارتباك الذي تعاني منه. وتجلى هذا التحرك والقبول من استجابة لأدراك الطرفين لأهمية اقامة علاقات متطورة في الجوانب الامنية والاقتصادية، وتطبيقا لهذا التحرك احتل العراق في عام 2014، المرتبة الثانية من حيث حجم الصادرات من الأسلحة الروسية بعد الهند، حيث بلغت (11% من الصادرات العسكرية الروسية)، وبهذا فان روسيا اصبحت ثاني أكبر مورد للأسلحة إلى العراق بعد الولايات المتحدة.
وهنا لابد من التأكيد على ان اعتبارات المصلحة القومية كانت بمثابة المنطلق فيما يخص السياسة الروسية تجاه العراق بعد عام 2003. وعلى هذا الاساس سعت روسيا للحيلولة دون تعرض تلك المصالح لأي تهديد مهما كان مصدره، عبر تعزيز العلاقات مع النظام الجديد في العراق والحفاظ على ديمومة تلك المصالح والتعاون ولاسيما في المجال العسكري[10]
ويرى المحللون ان هذا التحول نحو العراق هو استجابة واقعية لأدراك القيادة الروسية بوجود تغيير للمكانة الامريكية في القرار العراقي، كما يعد اشارة على وجود توجه عراقي لانتهاج مسار مختلف نسبيا عن السياسة الامريكية في قضايا التقارب مع القوى الكبرى الاخرى وقضايا اخرى، ويأتي ايضا كمحاولة لإحياء التحالف مع العراق الذي تلاشى بعد الهيمنة الامريكية بشكل كامل.
لذا نجد ان هناك استجابة روسية للتوجه نحو الالتزام بالتعهدات تجاه العراق سواء في مجال التسليح والدعم السياسي. هذه التحولات تدفع القيادة الروسية أكثر الى الاهتمام بالعراق وإعادة إحياء المعاهدات والاتفاقات التي أبرمتها الحكومات السابقة. حيث تنظر دوائر صنع القرار في روسيا الى ان محورا جديداً يضم العراق يمكن ان يمنح روسيا نقطة وثوب أكبر في منطقة الشرق الأوسط.
كما ويعد المحللون عودة العراق الى التسليح الروسي جزءاً من سياسة تقوية النفوذ الروسي في المنطقة. كما أن هذا المحور الذي يضم ايران وسوريا ايضا سيعطي موسكو ورقة قوية إضافية في الأزمة السورية في ظل مواقف روسية وعراقية متشابهة في ما يتعلق بضرورة الحل السياسي للأزمة السورية.
المحور الثالث : اهداف ومحددات التحرك الروسي تجاه العراق
عند الحديث عن محددات وأهداف السياسة الخارجية الروسية، ينبغي القول، بأن روسيا شأنها شأن الدولالكبرى توازن بين المحددات المحلية والدولية، وبين الاعتبارات الداخلية والخارجية، بل وتسعى لأن توظِّف السياسة الخارجية بما يتفق ومصالحها الداخلية. وعند الحديث عن الدور الروسي في العراق، فلا يمكن فهم المحددات دون النظر إلى جذور هذا الدور، سيما في ظل الحقبة السوفيتية كمدخل لقراءة الدور الراهن، أو فهم مدى إمكانية إعادة تفعيله.فقد ارتبط العراق كباقي دول المنطقة بعلاقات استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي السابق، وهو الآن في طور تعميق هذه العلاقات مع الوريثة الروسية، وذلك من خلال متابعة المواثيق والمعاهدات المبرمة مع السوفييت، مع الأخذ بعين الاعتبار اختفاء الطابع الأيديولوجي الذي كان ينطلق منه الاتحاد السوفيتي. وهذه العلاقات الروسية مع دول المنطقة لا تزال تحتفظ بأسبابها، خاصةً أن روسيا ما زالت تمسك بأكثر من ورقة من أوراق اللعبة السياسية، من خلال علاقاتها المتميزة والتاريخية مع الجزائر وسوريا والعراق وإيران ولبنان وفلسطين.وعلى هذا، يمكن تحديد ثلاث اهداف أساسية للسلوك الاستراتيجي الروسي تجاه العراق، والمنطقة بشكل عام :
الأولى: الدخول في منافسة مع الولايات المتحدة والسعي لأرباك سياستها عن طريق عرقلة اهدافها في المنطقة، من خلال اداء اكثر فاعلية على محاور متعددة وفي محاور نفوذها المهمة كالعراق، وهذا نابع من معرفة القيادة الروسية بأهمية اعادة صياغة موازين القوى العالمية وبذلك فإنه يمكنها رفض التسليم ببقائها بمثابة قوة عالمية من الفئة الثانية، والإصرار على ضرورة إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي.
والثانية:هناك ترابط وثيق بين الاهداف والمصالح الاقتصادية الروسية في منطقة الشرق الأوسط. فروسيا قد نجحت في عهد الرئيس بوتين في التوفيق بين أهدافها الاقتصادية بالمنطقة، ومصلحتها الاستراتيجية .
والثالثة: ذات بعد امني حتمته القواعد الجغرافية والديمغرافية، وهنا يمكن القول إن السياسة الخارجية الروسية الجديدة تشرع من رؤية ترتكز على إيلاء أهمية للقيمة الجغرافية والاستراتيجية لعدد من دول المنطقة كسوريا والعراق، باعتبارهما يحتفظان بمكان الصدارة في سلم الاهتمامات العالمية، وأنه لا يمكن لأي نظام عالمي أن يتشكل بعيدًا عن التأثير في المنطقة ودولها الرئيسة ذات الاهمية الاستراتيجية، فروسيا تقدر عاليا مدى اهمية ودور العراق المستقبلي في تقرير مراكز التوازنات بالنسبة للقوى الدولية، ومكانته في تحديد نفوذ اي قوة دولية[11].
ويمكــن القــول ان الرؤية الروسية للعراق في اطار التوجه الاستراتيجي وطبيعة العلاقات بين الطرفين ستكون محددة بعدة معطيات، لعل الابرز منها هو، ما يمكن ان يقدمه العراق لروسيا، اي ما يملكه العراق من امكانيات اقتصادية وثـروات نفطيـة، بالإضافة للمكانة الجيواستراتيجية في المنطقة، ومدى الفائدة التي يمكن ان يمثلها العراق سياسيا فيما يتعلق بالسياسة الروسية في الشرق الاوسط في المرحلة الراهنة، الى جانب القيمة الاستراتيجية التي يمكن ان تكتسبها روسيا من جراء ادائها الاستراتيجي تجاه العراق في ظل الصراع الدائر في المنطقة على التوازنات والتحالفات، بالإضافة الى اهمية الساحة العراقية في محاربة العراق من قبل روسيا. ولا يتوقف الامر عند هذا الحد فهناك محددات مهمة تتمثل في المتغيرالامريكي الذي يعد الاكثر تأثيرا في الرؤية الروسية للعراق وحتى مستقبل العلاقات العراقية الروسية، بالإضافة الى كونه محددا يؤثر في توجهات العراق الخارجية، حيثشـكل التـدخل الامريكـي فـي العـراق منعطفـا مهما في علاقات العراق الدولية والاقليمية مـن حيـث المـدلول السياسـي، وكـذلك مـن حيـث تداعياتـه المرحليـة والمسـتقبلية علـى العلاقات بين دول الاقليم والقوى الدولية ذات المصالح المباشرة في المنطقة[12].
ان الحديث عن طبيعة الاستراتيجية الروسية تجاه العراق كجزء من العلاقات الروسية- العراقية المستقبلية يكشـف اثـر المتغيـر الامريكـي فيهـا بتوجهـات سياسـة وامنية واقتصادية، كون هذا الموضوع يتعلق بالنفوذ والامريكي في المنطقة. لا سـيما وان ملامـح المسـتقبل العراقـي هـي قيـد التشـكيل ومـا يـزال العـراق محكومـا بالمتغير الامريكي، وهناك نقطة جوهرية اخرى غاية في الاهمية فيما يتعلق بالمحددات الروسية تتمثل في الكيفية التي تعمل بها روسيا لجعل العراق حليفا استراتيجيا مهما في منطقـة الشـرق الاوسـط وقدرة السياسة الروسية على مواجهة الولايات المتحدة في مناطق نفوذها والتي يمثل العراق احد اهم محاورها[13].
وبالاستناد الى هذه المعطيات، يمكن القول ان الاستراتيجية الروسية تجاه العراق بأهدافها ومحدداتها واولوياتها انطلقت من اعتبارات المصلحة القومية الروسية في الحفاظ على مصالحها في المنطقة عموماً وفي العراق على وجه الخصوص، والحيلولة دون تعرض تلك المصالح لأي تهديد مهما كان مصدره، عبر تعزيز العلاقات مع العراق والحفاظ على ديمومة تلك المصالح والتعاون ولاسيما في المجال العسكري.
ان طبيعة التحولات التي تشهدها الساحة العالمية في العديد من القضايا ، وانعكاساتها على كثير من المناطق وفي مقدمتها منطقة الشرق الاوسط، عزز امكانية تطور التوجهات الروسية تجاه العراق ومما ساعد على ذلك مجموعة من العوامل لعل اهمها:
– التطورات والاحداث التي شهدتها المنطقة منذ الربيع العربي والصراعات الدائرة في عدد من الدول المهمة فضلا عن تداعيات الارهاب وتحالفات المرحلة الراهنة ونمط الصراع الاقليمي .
– الفرصة التي ادركتها روسيا بعد مرحلة من ركود الدور الامريكي، لتعيد دورها المفقود في المنطقة.
– السعي الروسي للتخلص من قيود الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة وأوروبا، فثمة حاجة روسية لفتح أسواق جديدة لصادراتها من السلاح من جانب، وإيجاد مصادر بديلة لوارداتها من البلدان الأوروبية.
– وجود رغبة العراقية بفتح وتوسيع مساحة التحرك الخارجي بما يسهم في حل الازمة السياسية والامنية والاقتصادية، حيث هناك رؤية عراقية مفادها ان التوجه إلى روسيا في مرحلة صعودها من جديديمثل فرصة مواتية للعراق في اعادة قراءة علاقاته مع القوى الكبرى للحصول على الدعم والمساعدة في ملفات كثيرة[14]
هذه الاستراتيجية التي اعتمدتها روسيا في التعامل مع العراق تدعم هدفين اساسيين فيما يخص الامن القومي الروسي والجانب الاقتصادي ايضا، ففي ما يتعلق بالأمن القومي، فله وجهان داخلي وخارجي ( التصدي ومحاربة الارهاب الداخلي والتهديدات القادمة من خارج روسيا). اما اقتصاديا يتعلق بتعميق وترصين ودعم الشركات الروسية التي تقودها الدولة لتعزيز انخراطها في الاقتصاد العالمي، خاصة في قطاع الطاقة ثم في بقية قطاعات التصدير الاستراتيجية الرئيسية الأخرى، مثل قطاعات الموارد الطبيعية والتقنيات الدفاعية وتصنيع الأسلحة.[15]
المحور الرابع :تطبيق استراتيجي للتوجه الروسي نحو العراق
منذ مدة ليست بالقصيرة وروسيا تعكف على تطوير استراتيجياتها وادواتها للتعامل مع المرحلة الحرجة التي تمر بها منطقة الشرق الاوسط ودوله الرئيسة في ظل الصراع الدائر فيها وما له من تأثيرات واضحة على نسق ميزان القوى الإقليمي وامتداداته .
وتجلت الاستراتيجية الروسية من اجل الحفاظ وضمان علاقاتها المهمة مع عدد من الأطراف الإقليمية، وتكوين تحالفات جديدة بعد ذلك من ضرورات امنها القومي[16] وتبدو الهواجس الامنية الروسية واضحة في تحرك روسيا ازاء المنطقة، حيث يعود القلق الروسي في هذا الاتجاه الى امكانية او وصول الحركات المتطرفة الى هرم السلطة في دول عربية محددة مما يدفعها نحو دوامه الصراعات الداخلية والحروب الاهلية، بالإضافة الى انتشار الطائفية وتأثيراتها ضمن بيئة الصراع الشرق اوسطية، وامكانية تمدد هذه الظاهرة إلى البيئة الاسيوية ذات الاغلبية المسلمة فيآسيا الوسطى، ذات الاوضاع المشابهة نوعاً ما للأوضاع العربية، وصعود الدور التركي.
وعلى المستوى الروسي المباشر، فهناك تأثيرات كل ذلك على منطقة القوقاز، التي توصف بمنطقة الاختراق الرخوة للأمن الروسي. ونظراً للتداعيات المباشرة وغير المباشرة للأحداث في المنطقة وبخاصة سوريا والعراق، بدأت الدوائر السياسية الروسية بتحديد استراتيجيات جديدة، وتبني وسائل جديدة لصيانه مصالحها عبر تكتيكات مرحلية ومستقبلية لم تكن معهودة ً في السياسات الخارجية الروسية السابقة. وهناك مخاوف روسية من حدوث انهيارات او تحولات كبيرة ليست في الحسابات الاستراتيجية الروسية في دول مهمة في المنطقة ويقع العراق على سلم اولويات هذه الرؤية الروسية، فروسيا تخشى من ادوار إقليمية جديدة كالدور التركي الساعي نحو القيادة والنفوذ على حساب النفوذ الإيراني الى جانب الى وجود امكانية ان تؤدي مصر دورا في استعادة مكانتها المركزية لقيادة العالم العربي، لذا فان الاقتراب من المنطقة يعد احد اهم اولويات روسيا الاستراتيجية وهنا تتجلى ادوار ومكانه بعض الدول المحورية ضمن مسار التحرك الاستراتيجي الروسي[17]، والعراق بلا شك هو من اقرب دوائر التحرك الروسي في المنطقة .
وتجدر الاشارة الى ان الأزمة في سوريا كانت اختبارا لفاعلية الدور الروسيفي المنطقة، ومثلت نقطة تحول مفصلية أوضحت استعادة روسيا لمكانتها كقوة كبرى مؤثرة في شؤون المنطقة خاصة بعد المبادرة التي أطلقتها لتدمير الأسلحة الكيماوية السورية مقابل وقف الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا وعقد مؤتمر جينيف2، لتنزع فتيل التوتر ولتبدو روسيا وكأنها تقود مسار الأحداث بعد أن سلمت القوى الدولية والإقليمية الأخرى بالرؤية الروسية القائمة على ضرورة الانتقال السلمى للسلطة كطريق وحيد لتسوية الأزمة السورية واحتواء تداعياتها الكارثية.
وتشير مجموعة من المؤشرات إلى أن النفوذ الروسي سوف يتصاعد في المنطقة خلال المرحلة المقبلة بفعل مجموعة من العوامل التي تدفع في هذا الاتجاه، لذا فلا بد لروسيا ان تعيد صياغة استراتيجيتها وتدخل اطرافا اقليمية ضمن مسار تجديد الاداء ضمن اطار الاهداف الجديدة ، لتكسب بذلك مميزات النفوذ وامكانية التواجد والانتقال الى مراحل تكتيكية تلائم مقتضيات كل مرحلة بالاستناد على التكيف الاستراتيجي والدخول بقوة في تفاعلات المنطقة. وبما ان النفوذ والدور يحتاج الى ادوات ومحاور وتحالفات جديدة. فالعراق يمثل نقطة ارتكاز مفصلية في الاستراتيجية الروسية في المنطقة. وعلى هذا الاساس يعد انضمام العراق للتحالف الإقليمي الرباعي الذي تقوده روسيا ، تطبيقا استراتيجيا روسيا للتحرك نحو العراق، وخطوة مهمة رغم التحديات التي واجهت الرؤية الروسية في المنطقة في جانبها الامني وانعكاسه على تعزيز الدور الاقليمي الروسي.
وبما ان العراق يخوض حربا ضد تنظيم داعش، فان روسيا اتخذت هذا الوضع منطلقا للدخول الى الساحة العراقية بعد وجودها المباشر في سوريا وقوة علاقتها الاستراتيجية مع ايران من خلال انشاء ( مركز معلوماتي استخباراتي ) في بغداد يضم هيئة اركان الجيش في روسيا وايران وسوريا والعراق ونشر قوات برية وانشاء قواعد عسكرية مشتركة لمحاربة داعش .
وبما ان العراق يمثل الحلقة الاضعف بالتحالف الرباعي نظرا لطبيعة التجاذبات الداخلية حول الانخراط الروسي في مواجهة داعش وموقف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الرافض لذلك من جهة اخرى، كل هذه العوامل جعلت العراق يتردد بالاندفاع صوب روسيا خشية ان يخسر الدعم الدولي، لكن مع ذلك موقف الدول العربية من العراق وفتور التدخل الامريكي فيه وثقل التحرك الروسي وتوقيته والمعطيات الجديدة في المنطقة كلها عوامل دفعت بالعراق صوب روسيا وهذا اعتمد ايضا على الرؤية العراقية الى طبيعة الانخراط الروسي في المنطقة وتأثيره[18].
ان روسيا تهدف من وراء انضمام العراق الى هذا المحور الاستراتيجي تجاوز موضوع تبادل المعلومات الاستخبارية في الحرب على الارهاب، الى مديات اوسع خوصا اذا ما انضمت قوى اخرى اليه، حيث تهدف الى اقامة حائط صد امام الاهداف الامريكية في المرحلة المقبلة، اذ ان للعراق في الوقت الحاضر دور محوري في الاستراتيجية الروسية في الشرق الاوسط بعده نقطة الربط والوصل بين الجانبين الشرقي والغربي للمنطقة لأنه يمثل الجسر الرابط الذي يضمن التواصل بين الطرفين،. فأن روسيا تدرك جيدا وجود رغبه عراقية لتطوير الحوار الاستراتيجي الذي يفضي لعلاقات اوسع مع استمرار تأثيرات الازمة السورية وحجم الاداء الروسي فيها .
هذا يعني ايضا تغيير موازين القوى وشكل العلاقات الاقليمية بين الاطراف الفاعلة وهيكلية الصراع ونتائجه وهو اي التحالف يهدف الى ايصال رسائل الى الولايات المتحدة نحو التحرك من أجل العمل سويا[19]
ان نجاح روسيا في جذب العراق للتحالف له دلالات عديده ومهمة، حيث انه سيمهد لتبادل معلومات استخباراتية بين هذه الدول، وذلك في إطار العمليات المشتركة ضد داعش، كما ستصبح أول إنجاز ملموس تحققه موسكو كترجمة إلى الواقع للتوجه نحو تشكيل جبهة او تحالف دولي اقليمي يعزز القدرة والمكانة الروسية في الشرق الاوسط. وإن تأسيس التحالف مع روسيا بات ممكنا بعدما نجحت هذه في استقطاب العراق إلى جانبها
لابد ان نتذكر ان الموقف الروسي تجاه الازمة السورية والتأثير الواضح والمباشر في تغيير سياسة الولايات المتحدة الامريكية التي كانت تود تنفيذها في سوريا بالاشتراك مع بعض الدول المؤيدة وهذا ان دل على شيء انما يدل على قوة الدور الذي تلعبه روسيا في رسم السياسات في المجتمع الدولي ولها حلفاءها ومصالحها في الشرق الاوسط كما للولايات المتحدة ايضا مصالح وحلفاء وهنا يكمن الدور الذي يلعبه كلا الطرفين في اثبات الوجود وتحقيق الاهداف المنشودة بأقل الخسائر, فان تدخل الولايات المتحدة في العراق وسوريا لمكافحة الارهاب وكذلك تدخل روسيا للهدف نفسه مؤخرا جاء نتيجة عدم جدية التحالف الاول (الدولي) في محاربة الارهاب وعدم قدرة العراق عسكريا وسياسيا من محاربه هذه الجماعات الارهابية[20]، بالمحصلة ومن خلال مراقبة التحرك الروسي وتطوره تجاه العراق والمنطقة نشير الى ان هناك جملة من الاهداف الجيوسياسية التي تسعى روسيا الى تحقيقها في الشرق الأوسط والعالم العربي، وفي مقدمته دول محورية العراق وسوريا الى جانب وتركيا وأفغانستان والجمهوريات الإسلامية في أسيا الوسطي وجنوب القوقاز، تشكل معاً النطاق الحيوي للمصالح الروسية،ومن المنظور الاستراتيجي العسكري تحتاج روسيا إلي التقليل من حجم التهديدات المحتملة علىحدودها الجنوبية وهو ما يدفعها إلى إقامة علاقة شراكة وتحالفات جديدة في المنطقة بالاستناد الى محاور استراتيجية، من دول المنطقة لتثبيت النفوذ فيها والحد من الادوار الامريكية من الانفراد بها وكذلك للقضاء علي الجماعات الإرهابية التي تهدد الاستقرار الداخلي في روسيا[21].
المحور الخامس : رؤية مستقبلية للاستراتيجية الروسية تجاه العراق
من خلال تحليل المعطيات سابقة الذكر والتي توضح الادراك الروسي تجاه العراق ضمن استراتيجية اوسع في الشرق الاوسط، يمكن القول ان هذا التحرك الروسي صوب العراق اخذ منحى مختلفا عن المراحل السابقة وهو مرشح لان يأخذ مديات مستقبلية اوسع، وعبر رصد المواقف الروسية في هذا الصدد، فان الاداء الاستراتيجي الروسي تجاه العراق بداء يتجاوب مع الوضع العراقي ولكن بخطوات شابها الحذر في البدايةً، وقد برزت استقلالية الموقف الروسي بشكل واضح عن الولايات المتحدة، اذ تبنت روسيا استراتيجية محددة لمحاولة اثبات وجودها وثقلها كدولة يعتد بها وبتوجهاتها وسياستها على الصعيد الدولي، فقد سعى الرئيس بوتين لإعادة مظاهر القوة الى روسيا، واعادة فرض مكانتها كقوة كبرى في العالم، تسعى لتحقيق التوازن على الساحة الدولية .
وبذلك اصبحت روسيا قادرة على اداء دور الشريك القوي لعدد من الدول ومنها العراق كما انها استطاعت اعادة تأسيس قوة عسكرية تستطيع من خلالها مواجهة السياسات الامريكية التي تتعارض مع سياستها. وبذلك اعلنت روسيا ان توجهاتها الخارجية قد تتعارض وتختلف عن السياسة الامريكية وفقا لمصالحها العليا التي اعادة صياغتها في عموم الشرق الاوسط .
وتضع روسيا نصب اعينها تحقيق جمله من الاهداف على المستوى المستقبلي من خلال استراتيجيتها تجاه العراق، فالعراق يمثل نقطة ارتكاز اساسية في اعادة توزيع القوة الروسية في المنطقة بشكل عام مما يساعدها على تثبيت اركان رؤيتها الامنية ومواجهة التحديات المستقبلية ، لذا فان روسيا ستعمل على زيادة تعاونها العسكري مع العراق لزيادة ارتباطه بها استراتيجيا في مجالات الدعم والتسليح وحتى القواعد العسكرية والتدريب.
ويأتي العامل الاقتصادي ليعبر عن قوة الاستجابة الروسية لأدراك موقع واهمية العراق الاقتصادية المستقبلية للصعود الروسي في النظام الدولي ودور روسيا في النظام الاقليمي الشرق الوسطي . فالشراكة التجارية ستكون احد اهم اوجه الاداء الاستراتيجي الروسي مع العراق حيث سيرسم النفط العراقي مسارات جديدة للعلاقات بين الطرفين، وعلى هذا الاساس ستعمل روسيا على ادامه تواجدها القريب من العراق. كما ان العراق سيمثل في المدى المستقبلي المنظور على الاقل بيئة للتنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة من اجل النفوذ والمكانة ، التي تسعى اليها روسيا لتصل الى مرحلة الحوار مع الولايات المتحدة على شكل وطبيعة التحالفات والتوازنات في المنطقة التي سيكون لها فيها دور مهم .
ومع ما تقدم من توصيف واستشراف لمستقبل الاستراتيجية الروسية تجاه العراق، لابد من الاشارة الى ان المتغير الامريكي سيكون فاعلا وبقوة في تحديد هذه الاستراتيجية بالنسبة لروسيا والعراق ايضا. لا سيما وان ملامح المستقبل العراقي هي قيد التشكيل وما يزال العراق محكوماً بتوجهات السياسة الامريكية، فمن المتوقع مستقبلاً ان لا يشهد الادراك والتعامل الامريكي للعراق تغييرا كبيرا فيما يتعلق بالسماح او اتاحة المجال اما روسيا لتجعل من العراق حليفا استراتيجيا لها في المنطقة ، او التخلي عنه من قبل الولايات المتحدة او تراجع الدور فيه لناحية خروجه من دائرة السياسة الامريكية نحو فضاءات اخرى
ومع ذلك فانه يمكن تقليل اثر هذه القيود بين العراق وروسيا لا سيما في ظل الوضع الامني الذي يقلل من اثر المتغير الامريكي، ووجود رغبة عراقية مستقلة نسبيا عن الضغط الامريكي لتفعيل العلاقات لتفعيل العلاقات بين البلدين ان تستند هذه العلاقة الى اسس من المنفعة المتبادلة، والتي تعد اهم الشروط لهذا التفعيل.
وبالاستناد الى ذلك يتضح ان للمتغير الامريكي تأثيرا واضحا وكبيرا في التوجهات الاستراتيجية الروسية تجاه العراق وان هذا التأثير سيستمر مستقبلاً، لا سيما مع وجود حقائق على الارض تثبت ان الولايات المتحدة ستبقى فاعلا رئيسا في العراق فضلاً عن هيمنتها العالمية التي تجعل نقاط التلاقي والاختلاف مع روسيا الاتحادية فيما يخص الملف العراقي متعددة، مع ذلك فأن لدى روسيا الاتحادية من المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية والسياسية ما تستطيع به ان تقلل من اثر المتغيرالامريكي في الرؤية الاستراتيجية للعراق، ويساعدها في ذلك ارث تاريخي متميز من العلاقات مع العراق فضلاً عن اشارات ايجابية من الجانب العراقي للقبول بدور روسي فضلا عن المتغيرات الاقليمية التي تفرض نفسها بقوة وتشكل عامل ضغط على السياسة الامريكية في العراق والمنطقة والتي يمكن ان تفسح المجال امام روسيا للحصول على مكانة في الساحة العراقية، لذا فان القول بان المستقبل يعطي الكثير من الفرص للجانب الروسي لتعزيز مكانته في العراق سيكون على درجة من القبول، الا ان هذه الفرص بحاجة للاستثمار الجيد والواقعي الذي لا يغفل اثر المتغير الامريكي، وفي الوقت نفسه لا ينظر اليه كمتغير لا يمكن التعامل معه، بل كمتغير ممكن التعامل معه وممكن تقليل اثره الى درجات معينة ويعتمد ذلك على الجانب الروسي والعراقي اكثر مما يعتمد على الجانب الامريكي[22].
خاتمة
من خلال استراتيجيتها تجاه العراق فان روسيا تسعى للوصول الى مرحلة متقدمة من الاداء في المنطقة،فالعراق يمثل نقطة ارتكاز اساسية في اعادة توزيع القوة والنفوذ الروسي بشكل عام وهذا ما يفسح المجال امامها على ترسيخ رؤيتها الامنية والاستعداد لمواجهة التحديات المستقبلية، لذا فان السير نحو تعزيز التعاون الامني والعسكري مع العراق سيكون بوابة تعزيز الترابط الاستراتيجي بين روسيا والعراق ليكون العراق بذلك مدخلا لتوسيع عمليات التواجد والانتقال والتحرك الاستراتيجي في عموم المنطقة والخليج على وجه الخصوص.
كما يمثل العامل الاقتصادي قمة الاستجابة الروسية لأدراك اهمية العراق الاقتصادية المستقبلية بالنسبة للريادة الروسيةفي النظام الدولي ودور روسيا في النظام الاقليمي الشرق اوسطي. فالشراكات والمحاور ستكون احد اهم اوجه الاداء الاستراتيجي الروسي مع العراق حيث سيكون النفط العراقي محددا للعلاقات بين الطرفين ، لذا نجد ان روسيا ستزيد تواجدها وفاعليتها للحصول على مكانة في الساحة العراقية وهذا ما يحتاج الى استثمار واقعي واستراتيجية تتكيف مع المتغيرات التي يشهدها العراق والمنطقة .
[1]نوار جليل هاشم، أمجد طعمة، “الموقف الروسي من الثورات العربية: ليبيا، ومصر، وسورية أنموذجا”، دورية سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، يناير 2015، ص116-117
2نورهان الشيخ، صعود الدور الروسي في المنطقة: الدوافع والأبعاد، اراء حول الخليج / العدد 103 http://araa.sa/index.php?view=article&id=3609:2015-12-28-07-30-08&Itemid=172&option=com_content
[3]بيداء محمود احمد، السياسة الروسية تجاه المنطقة العربية 2000- 2012 عرض كتاب، جريدة الصباح الجديد، على الرابط: http://www.newsabah.com/wp/newspaper/43528
[4]جريدة الزمان الدولية العدد 4199 التاريخ 14»5»2012
[5]ينظر : أحمد عبد الله الطحلاوي، استعادة الدور: المحددات الداخلية والدولية للسياسة الروسية، المركز العربي للدراسات والبحوث ، 6/ نوفمبر / 2014، http://www.acrseg.org/16360
1ميثاق مناحي العيساوي، العراق بين تحالفين: قراءة في التحديات الدولية والإقليمية مركز الدراسات الاستراتيجية/ قسم الدراسات الدولية على الرابط :
: http://www.fcdrs.com/includes/download.php?type=article&aid=286
2هكذا تؤسس روسيا لخارطة جديدة للشرق الأوسط، مركز الروابط للدراسات والبحوث الاستراتيجية على http://rawabetcenter.com/archives/8387
[8]التحول الاستراتيجي: لماذا تريد إيران دعوة روسيا إلى العراق ، ترجمة وتحرير فتحي التريكي – الخليج الجديد http://thenewkhalij.org/ar/node/24281
[9]نموذج القطب العائد أكبر عملية تحول استراتيجي في التاريخ … الإطلالة الجديدة على الشرق الأوسط وخلفيات الصعود الروسي، صحيفة المراقب العراقي،http://www.almuraqeb-aliraqi.org/archives/20731
[10]سليم كاطع، محددات السياسة الروسية تجاه العراق بعد عام 2003، مركزالمستقبل للدراسات الاستراتيجية 15 تشرين الثاني( نوفمبر ) 2016 – السنة السابعة – العدد 1605، ص 15
[11]يفجينــي بريمــاكوف، “بغــداد وموســكو: افــاق للتعــاون وتحفظــات علــى الانتخابــات”، جريــدة الشــرق الاوســط، العــدد٢٠٠٤
2 ايفانوف سندعم العراق بقوة لبنـاء دولـة مسـتقرة وديمقراطيـة موحـدة”، جريـدة الشـرق الاوسـط، العـدد ٩٨٤٨
1موســكو تؤكــد رغبتهــا فــي عــراق مســتقل وتبحــث مــع زيبــاري التــدخلات الاقليميــة، جريــدة الشــرق الاوســط، العــدد ٢٠٠٥ /٩/٢٠ ،١٠٥٢٣
[15]توقعات السياسة الخارجية الروسية تجاه منطقة الخليج، اراء حول الخليج على الرابط:
http://www.araa.ae/index.php?view=article&id=1767:2014-07-15-09-38-37&Itemid=172&option=com_content
[16]عامر راشد، الاستراتيجيات الروسية في الشرق الأوسطجريدة الزمان الدولية العدد 4199 ، 14 /5/2012
1التحالف الرباعي… مصالح استراتيجية تتجاوز محاربة (داعش)، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ، http://mcsr.net/news93
2 ايسر قيس، الدور الروسي الجديد في العراق ، مركز بلادي للبحوث والدراسات الاستراتيجية ، http://beladicenter.net/index.php?aa=news&id22=10133
[20]نورهان الشيخ، السياسة الروسية وحدود الدور في الشرق الأوسط ، مجلة دراسات شرق أوسطية ،العدد39،(الأردن: مركز دراسات الشرق الأوسط ،2007م)
2 نورهان الشيخ ، التحديات والقيود: حدود الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط، المركز العربي للبحوث ، http://www.acrseg.org/3684
1مثنى المهداوي ، اثر المتغير الامريكي في العلاقات الروسية-العراقية المعاصرة، دراسات دولية مركز الدراسات الدولية بغداد ، العدد 41 ، ص 15 – 16