
“أمننة الهجرة غير الشرعية في المنطقة المتوسطية: المفهوم والنظرية وقضية الراهن”
Security of illegal immigration in the Mediterranean region: concept and theory and current issue
فاطمة حموته، أستاذ مساعد بجامعة باتنة 1، الجزائر.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 22 الصفحة 11.
Abstract:
In This study, it aim to address the security studies of the reconstruction of security in accordance with the criterion of security theory, one of the most intriguing issues to ask questions about the gamble we live in the Mediterranean is migration and its connection to security, where migration has become a security threat since it was secured in the 1980s, where migrants are seen as a threat to a culturally defined national identity (after they were previously subjected to economic treatment of workers as expatriate workers).security and migration have been linked through social and political discourse as a “major security problem for Europe” resolved by special means.
The Mediterranean medium was examined as an important strategic area for the European Union, as the Mediterranean region became increasingly vulnerable to illegal immigration, which made the European Union resort to the adoption of a language in which it works to infer that there is a threat to the survival of its referent object, through the adoption of language vocabulary with the security implications of that threat, with the involvement or participation of European community in that; because the isseu of Europe is a cause of society security[state referential that protects society], and a security bet at the same time.
ملخص:
تهدف هذه الدراسة إلى التطرق لما جاء في الدراسات الأمنية من إعادة لبناء الأمن وِفقاً لمعيار نظرية الأمننة، إذ من بين تلك القضايا المثيرة لطرح أسئلة تتعلق براهن نعيشه في المنطقة المتوسطية الهجرة وربطها بالأمن، أين أصبحت هذه الهجرة رهانا أمنيا منذ أن تمت أمننتها خلال الثمانينيات حيث يعتبر المهاجرون كتهديد للهوية الوطنية المحددة ثقافيا )بعدما كانت تخضع في السابق لمعالجة اقتصادية العمال كعمال مغتربين).وقد تم الربط بين الأمن والهجرة عبر خطاب اجتماعي وسياسي كـ “مشكلة أمن كبرى بالنسبة لأوروبا” تحُل بوسائل خاصة.
وتم فحص بيئة حوض المتوسط، كمنطقة إستراتيجية هامة بالنسبة للإتحاد الأوروبي، إذ أصبحت المنطقة المتوسطية جراء استفحال ظاهرة الهجرة غير الشرعية، في مخاطر أمنية، ما جعل الاتحاد الأوروبي يلجأ إلى تبني خطاب لغوي يعمل به على الاستدلال بأن هناك تهديد يمس بقاء كيانه المرجعي، وذلك عبر: تبني مفردات لغوية ذات دلالات أمنية تخص ذلك التهديد، مع تدخل أو مشاركة المجتمع الأوروبي في ذلك؛ لأن القضية بالنسبة لأوروبا هي قضية أمن مجتمعي [مرجعية الدولة التي تحمي المجتمع]، ورهان أمني في الوقت ذاته.
مقدمة:
لقد برزت ضرورةٌ ملحّةٌ لإعادة النظر في مرتكزات وخصائص الأمن، ومستويات تحليله حيث تم رَسْم خارطة جديدة للمسار الأمني لاسيما في فترة ما بعد الحرب الباردة وتطعيمه بمفهوم جديد”الأمننة” كإطار لتحليل وتفسير ما يحدث من أحداث وظواهر عالمية.لكن في المقابل، لم يبقى ذلك طموحاً نظرياً فقط وإنما تم تبنيه امبريقيا، حيث وضع أصحاب الدراسات الأمنية نظرية الأمننة على الوِجهة الإجرائية في دراسة الظواهر الأمنية الجديدة بعد هذه الفترة، بحيث يفسر”أول ويفر” مفهوم الأمننة بكيفية تأثير البنية الخطابية على تشكيل الفعل الأمني بمجرد تحديد المشكلة الأمنية من طرف الدولة أو النخب على أنها التهديد الوجودي.وهذه النظرية بإمكانها أن تُمَكِّنْ الفواعل كالحكومة، النخبة، البيروقراطيات…إلخ من تبني خطاب لغوي يعملون به على الاستدلال بأن هناك تهديد يمس بقاء الكيان المرجعي.
ومن بين الظواهر التي تمس ببقاء الكيان المرجعي ظاهرة الهجرة غير الشرعية كتهديد أمني جديد، إذ بدأت تأخذ مكانة في العلاقات الدولية بشكل لافت بعد نهاية الحرب الباردة، فهي كظاهرة عابرة للأقاليم تهدد أمن واستقرار منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، فهي تشكل رهان اجتماعي سواء في الشمال أو في الجنوب، فبالرغم من أن بحر المتوسط يعتبر نقطة التقاء الديانات السماوية، والحضارات التاريخية الأمر الذي يجعله يتميز بالتفاعل الإيجابي أكثر منه سلبي، إلا أن الأمر عكس ذلك؛ فهو لا يكاد يخلو من التناقضات الناجمة عن اختلاف القيم والمعتقدات، وتعد الهجرة غير الشرعية على هذا الأساس أحد المسائل المطروحة بحدة بين الضفة الشمالية والضفة الجنوبية لحوض بحر الأبيض المتوسط بعدما تم إدراجها ضمن الملفات الأمنية التي يجب معالجتها عبر عملية الأمننة.
ما يقودنا إلى طرح التساؤل التالي:
فيما تكمن التقاطعات بين الأمن والهجرة بنية ودلالة؟وما الأسباب الامبريقية التي جعلت الطرف الأوروبي يتوجه نحو التزايد المفرط لأمننة الهجرة غير الشرعية بالمنطقة المتوسطية ؟
لمعالجة هذه الإشكاليةtract تم الاعتماد على المحاور التالية:
أولا: إعادة بناء مفهوم الأمن وبروز نظرية الأمننة…ما الغاية؟
لم يعد مفهوم الأمن يقتصر على المفهوم التقليدي بمعناه العسكري، وإنما له أبعاد أشمل من ذلك حسب التحولات الايتمولوجية والابستمولوجية التي عرفها، فهو من أصعب المفاهيم التي يتناولها حقل العلاقات الدولية بصفة خاصة، وحقل العلوم السياسية بصفة عامة.في حين أن أحدث تعريفات الأمن التي يمكن أن نأخذ بها والأكثر تداولا في الأدبيات الأمنية المتخصصة هو تعريف “باري بوزان” ومفاده “الأمن هو العمل على التحرر من التهديد”.[1]ما يعني أن المعنى الاصطلاحي للأمن هو: ذلك الظرف الضروري لنمو الحياة الاجتماعية وازدهارها وهو الشرط الأساسي لنجاح أي وجه من أوجه النشاط البشري سياسيا، اجتماعيا، اقتصاديا عسكريا…الخ بل أنه مِنْ أَلْزَمِ الضروريات لحفظ كيان الدولة وتأكيد استقلاليتها.[2]أما بالنسبة لمدرسة كوبنهاجن أصبحت القضايا الأمنية تشكل مصدر قلق أساسي لها، حيث أكد علماؤها أن التهديدات الأمنية للأمن القومي لا ينبغي حصرها في الجانب العسكري، وقبل أن نعتبر قضية ما أمنية يجب أن تكون ذات صلة بالفاعل المؤمن، فتقديم مسألة أمنية باعتبارها مشكلة ذات تهديد وجودي يجب أن تكون معرفة ومحددة بالنسبة للموضوع المرجعي.[3]
ويرجع بروز “نظرية الأمننة” إلى الانتقادات الموجهة للأمن، أبرزها تطوير”باري بوزان” 1983 الذي أقر ولأول مرة أن “الأمن لم يعد من الممكن أن يعرف بأنه تهديد، تتم السيطرة عليه باستخدام القوات العسكرية” وبِيَدِ الدول، فالأمن يتضمن القطاعات غير العسكرية والفواعل من غير الدول، والأجندة الأمنية، وبالتالي هذه النظرة التي ركزت على القطاعات الأخرى للأمن وتجاوز القضايا التقليدية مهدت لبروز نظرية الأمننة التي تسعى إلى أن تحلل لماذا، من قبل من وكيف يمكن لقضية غير أمنية أن تصبح قضية أمنية؟[4]
بالنتيجة، الأمن حسب أصحاب مدرسة كوبنهاجن لم يعد يشير لشيء موضوعي أو مادي-ملموس، وإنما أصبح عبارة عن مرجعية ذاتية نجده في الفاعل المُؤَمْنِنْ لأن هذا الأخير هو من يصور قضية ما على أنها قضية أمنية، ما يعني أن نظرية الأمننة تعتمد على اللغة الخطابية كشرط ضروري لانطلاق عملية الأمننة، وبالتالي، يجب أولا أن نحدد المشكلة الأمنية من طرف الفاعل المؤمنن، ثم معرفة مدى تقبل الجمهور لذلك، ثم اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات الاستثنائية والطارئة لمواجهة التهديد.
و لأن مفهوم الأمننة ارتبط بتحول سياقات الدراسات الأمنية التي فرضت بدورها المراجعة النقدية للأمن؛ وبالتالي التطور النظري والمنهجي لدراسته، الأمر الذي جعل المختصين (من علماء السياسة وبالأخص العلاقات الدولية والشؤون الأمنية) في متابعةٍ مستمرة للمستجدات الحاصلة، خاصة ما أفرزته العولمة من تحديات على الأجيال الحالية كلحظة تاريخية حاسمة.فالغاية من ذلك هي أن نظرية الأمننة “ردة فعل الحالة غير شعورية أو آثار تحيز ذات طبيعة ابستمولوجية تاريخية مثل حال العقلية الغربية التي أحيانا ‘لا تعرف الإثبات إلا من خلال النفي’ فينتج هذا العقل خطابا يبني الخوف والخصومة في الآخر” ويعمل على’شيطنة[5]كل شيء’، وبمعنى آخر، تصبح أي قضية وعاء لكل الخوف بوصف ذلك مصدر تهديد على مستويات شتى.فتوسيع مفهوم الأمن والتحلي بالسلطوية في انتهاج سياسات الطوارئ واستعمال الوسائل الخاصة لشرعنة الأفعال القائمة والمتخذة بشأن معالجة المشاكل الأمنية، كانت الغاية منه تدمير أسمى معاني الأمن وتخريبها، وهذا ما كان يدعيه “أول ويفر” بـ”مقابلته الأمن بالخوف والذعر وعدم الطمأنينة” أثناء عملية الأمننة وبـ“تدمير الأمن” Unmaking security بعد عملية الأمننة وبالتالي انتهاج طريق اللا أمننة/أو نزع الطابع الأمني والعودة إلى السياسة العادية.
ثانيا: علاقة الأمن/والأمننة بالهجرة غير الشرعية: تقاطعات البنية والدلالة
إن حقل الدراسات الأمنية بعد الحرب الباردة اتسع بفضل “باري بوزان” ومقاربته التوسعية؛ إذ ميز بين خمسة قطاعات: عسكري، سياسي، اقتصادي، مجتمعي وبيئي، ما ساهم في إدخال تهديدات أمنية جديدة.حيث أن توسيع أجندة الدراسات الأمنية جعل من الهجرة تدخل حيز الدائرة الأمنية كمسألة أمنية عابرة للحدود وتتعلق بأحد القطاعات الحساسة التي طرحها “بوزان” وهو قطاع الأمن المجتمعي.
وكما هو معروف، الأمن المجتمعي يخص قدرة المجتمعات على إعادة إنتاج أنماط خصوصياتها في اللغة، الثقافة، الهوية الوطنية والدينية والعادات والتقاليد في إطار شروط مقبولة لتطورها، وكذا التهديدات والانكشافات التي تؤثر في أنماط هوية المجتمعات وثقافاتها،[6]فهذا الأمن بعبارة أخرى، يرمي إلى توفير للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالإنتماء والولاء.[7]والأمننة تزامنت مع انتشار مفهوم الأمن المجتمعي، واعتبار الهوية أحد مواضيع الأمن التي يجب حمايتها (من الهجرة وغيرها).ومع مرور الوقت، تكاد تختفي تماما الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للهجرة، بسبب طغيان البعد الأمني والربط(على مستوى الخطاب ثم الممارسات) بين الهجرة والجريمة والإرهاب.[8]
لذلك، نجد قضيتي الهجرة والاندماج اكتسبتا أبعادا جديدة: أمنية، وسياسية، وحضارية، وما تبعها من تصاعد للخطاب المعارض للمهاجرين، وخطاب “الاسلاموفوبيا” وإنتاج سياسات متشددة في الهجرة.وكما يقول محمد علي الجابري في كتابه “قضايا في الفكر العربي المعاصر”، “فإذا اجتمع خطر الهجرة، وخطر تصادم الثقافات أصبح من السهل وضع تصور لنوع من الحرب الباردة الاجتماعية بين المركز، وجزء من الأطراف على الأقل“، ولقد أصبح المركز الآن أوروبا كلها، وأصبحت الأطراف الآن البلدان المتوسطية/العربية كلها.[9]
ولقد تم ‘أمننة’ الهجرة إلى أوروبا، وبفضل خطاب”الأمننة” هذا، استطاعت النخب الأوروبية رفع قضية الهجرة من السياسة العادية إلى اعتبارها مهددة لأمن أوروبا، وهويتها.وإن الرابط بين الهجرة والأمن، وكيف تصبح عبر خطاب اجتماعي، وسياسي مسألة أمنية مهمة، يحللها المهني الأمني “ديدي بيغو” بطريقة جيدة عندما يقول إن : “الهجرة مشكلة أمن كبرى بالنسبة لأوروبا، ليست مجرد ملاحظة فقط، بل هي قوة صيغة مضمون الكلام التي تغير المدلول الاجتماعي لمفهوم الهجرة، وتحولها بقوة المفردات إلى مسألة أمن تحل بوسائل خاصة”.[10]
ثالثا: الوضع الأمني في منطقة البحر الأبيض المتوسط وقضية الراهن
مهما اختلفت وتعددت معاني الأمن والمفاهيم المتعلقة به تبقى أهميته بالغة وإستراتيجية خاصة حين يقترن هذا المفهوم بمنطقة من أكثر المناطق حساسية وتعرضا للتوترات والأزمات الدولية في العالم كمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وما زاد من توتر هذه المنطقة محاولة القوى الكبرى السيطرة عليه، وأرادت بسط نفوذها عليه، مما توجب أن تكيف مفهوم الأمن بالطريقة التي تخدم مصالحها الإستراتيجية، عن طريق تطبيق نظريات واستراتيجيات تنافسية، دون إبداء أي مراعاة لطابع المنطقة الحساس والهش مما عرض/ويعرض المنطقة إلى صدامات وتهديدات أمنية خطيرة جدا.[11]
وعلى أساس ذلك، عرفت منطقة البحر الأبيض المتوسط لاسيما بعد نهاية الحرب الباردة اللا استقرار/ أو اللا أمن وظهور العديد من التحديات الأمنية المختلفة كالتسلح، والتلوث البيئي، الجريمة المنظمة، الهجرة غير الشرعية، الإرهاب، الطائفية…الخ، هذا بصفة عامة.إذ ما يميز بيئة منطقة البحر الأبيض المتوسط الهجرة غير الشرعية وهو تحدي أساسي بالنسبة لبلدان المنطقة لاسيما بالنسبة لأوروبا بحيث يتخذ اليوم طابع “البحث عن الجذور” في أنحاء المنطقة وخارجها، بما يتواكب معه من تفجر لظاهرة انبعاث الهويات الجزئية.
موازاة لذلك، فمفهوم الأمننة يتقاطع مع مفهوم تجريم الهجرة غير الشرعية، ما يثير أسئلة تتعلق براهن هذه القضية بالبيئة الأمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وتظهر في ثلاثة أسئلة محورية:
- من يؤمنن الهجرة غير الشرعية في منطقة البحر الأبيض المتوسط ؟
الإجابة ببساطة الفواعل من تقوم بأمننة القضية أو الظاهرة وتعتبرها كتهديد وجودي، ويمكن تمييز نوعين من الفواعل وهما “فواعل مُؤِمْنِنَة وفواعل وظيفية”.[12]
وتظهر هذه الفواعل في شقين: الشق الأول يتمحور حول الفواعل، وهو يضم أولئك الذين يساهمون أو يقاومون، مباشرة أو عن طريق الوكالة، في تصميم القضايا الأمنية أو ظهورها (أمننة الفواعل، والجماهير، والفواعل الوظيفية)، أما الشق الثاني فيتضمن المواضيع التي تشكل العلاقة التي تؤطر الوضعية الأمنية، وهي وضعيات القوة (العلاقات البديلة)للفواعل، والهويات الشخصية والهويات الاجتماعية التي تكشف سلوك الفواعل، وكذلك الموضوع المرجعي والشخص المعني،[13] أي المرجعية الأمنية وهي هنا منطقة البحر الأبيض المتوسط.
- كيف تتم أمننة الهجرة غير الشرعية في منطقة البحر الأبيض المتوسط ؟
تتم عن طريق الفعل، الذي يظهر في الممارسات الاستطرادية (خطاب الأمن “فكرة التهديد وحالة الطوارئ”، تدابير طارئة استجابة للأمن) وغير الاستطرادية (إعادة إنتاج خطاب الأمن بالممارسات الأمنية)،[14]والتي تدخل ضمن مسار الأمننة قيد الدراسة، والنتيجة الشاملة تشمل السياسات والطرق التي تخلق الأمن، ويتكون هذا من العناصر التالية:1)مكونات الأمننة، 2) نوع الفعل، 3) الإستراتيجية، 4) السياسات الناجمة عن الأمننة.[15]
- ما السياق الذي وَلَّدَ أمننة الهجرة غير الشرعية في منطقة البحر الأبيض المتوسط ؟
إن الخطاب الأمني لا ينبع من فراغ بل ينتج عن سياق الحوادث والتهديدات.وعلى هذا الأساس “فإن تعامل الاتحاد الأوروبي مع قضية الهجرة غير الشرعية مر بعدة مراحل، وذلك عبر إدراجها في إطار التعاون بين الأطراف المتوسطيين، ثم التحول إلى تسييس هذه القضايا وإبرازها بصفتها
هدافا خاصة في السياسات العامة للإتحاد الأوروبي، وذلك بتخصيص الإمكانيات والميزانيات اللازمة لمواجهتها، ثم الوصول إلى المرحلة الأخيرة وهي أمننة هذه القضايا، فهي تعطي الحق للجوء إلى وسائل وإجراءات استثنائية وغير عادية لمواجهتها.[16]كما هو موضح في الشكل التالي:
المصدر:
Moritz Hauer, Climate Change Complexity Broadening the Horizon from Copenhagen to Paris (Thesis Internationl Relations, MALMö University, Faculty of Culture And Society, Spring 2014), p.14.
رابعا: أسباب التزايد المفرط لأمننة ظاهرة الهجرة غير شرعية لدى الاتحاد الأوروبي بالمنطقة المتوسطية
إن الهجرة الدولية بعد نهاية الحرب الباردة جاءت لتعمق في حالة اللايقين، تحد من سيادة الدول، وتعيق سير التعاون بين مختلف المنظمات الدولية والإقليمية كما أنها تضفي خاصية جديدة في مسار العلاقات الدولية ألا وهي”فردانية العالم” فالعلاقات المتوترة بين منطق الدولة من جهة، والهجرة من جهة أخرى ساهم في وضع الهجرة ضمن مستويات التحليل الأمني في صورة خطر جديد مهدد للأمن الدولي.[17]
ولأحداث 11 سبتمبر تأثير كبير على منطق الأمن الموجود في حقل مجلس العدالة والشؤون الداخلية للاتحاد الأوروبي بإضافة بعد جديد للاستمرارية الأمنية، فالهجرة غير الشرعية كانت في البداية تهديد حدودي ثم أصبحت متصلة بالجريمة المنظمة وأخيرا ربطت بالإرهاب في 2001 فعند فحص الوثائق والمعاهدات التي جاءت في هذه الفترة نلاحظ أن الدول الأعضاء والمفوضية الأوروبية ربطت الهجرة غير الشرعية بالإرهاب الدولي وهكذا ظهر عنصر جديد في الخطاب الأمني، فالمجلس الأوروبي في 2001 أقر أن:”الإدارة الجيدة للسيطرة على الحدود الخارجية للاتحاد ستساعد على تعزيز المعركة ضد الإرهاب”.[18]
وتعتبر “تسوكالا أناستازيا” أن مسار أمننة الهجرة مكرس في المنظومات القانونية والقيمية لدول ومجتمعات أوروبا كنتيجة لتغير البيئة الأمنية لمرحلة ما بعد الحرب الباردة فكون أن الهجرة أصبحت هاجسا أمنيا قائمة على أربعة أسباب رئيسية وهي:[19]
- السبب الأول: اعتبار أن الهجرة تشكل تهديدا للأمن السوسيو-اقتصادي وهي في جوهرها مرتبطة بأزمة البطالة والدولة المحتكرة.
- السبب الثاني: متعلقة بالهاجس الأمني الذي يربط في مجمله قضايا الهجرة بالسيادة والأمن القومي الداخلي.
- السبب الثالث: يتمثل في الأمن الهوياتي والثقافي المرتبط بزيادة وتنامي المخاوف والهواجس الديمغرافية التي تؤدي إلى الذوبان الثقافي وفقدان شامل للهويات الوطنية الأصلية.
- السبب الرابع: هو الأمن السياسي الذي يتعرض للتهديد نتيجة للرهانات السياسية المتعلقة بالمواطنة وتزايد الخطابات العنصرية، كره الأجانب إذن فالهجرة قضية أمنية بحتة مرتبطة بالرهانات السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية للدول.
- ويمكن إضافة سبب خامس؛ دور الإعلام في أمننة الهجرة وربطها بالتهديدات الأخرى؛ بحيث تعتمد الحكومات والدول الأوروبية بصفة متزايدة على تصور وسائل الإعلام والاتصال في صوغ سياساتها للهجرة، نظرا لقدرة الإعلام على صناعة رأي وطني تجاه أي قضية، كما تستخدم هذه الحكومات وسائل الإعلام من أجل توجيه الرأي العام الوطني والدولي في اتجاه يخدم مصالحها، وهو في هذه الحالة توجيه من أجل أمننة الهجرة بشقيها الشرعية وغير الشرعية.[20]
وعلى هذا الأساس، اعتمدت أوروبا إستراتيجية لمحاربة الهجرة غير الشرعية وهي كما يلي:[21]
- تكثيف استخدام الأدوات الأمنية لمحاربة الهجرة السرية للحد منها (محاولة اعتراض القوارب وإجبارها على العودة من حيث أتت…)، حيث تستثمر مبالغ مالية معتبرة في أنظمة المراقبة الالكترونية لحماية الحدود، وفي استحداث مؤسسات، مهمتها مراقبة الحدود وحمايتها، وأهمها وكالة فرنتاكس التي أنشئت في 2004، ومقرها وارسو، وميزانيتها السنوية تقدر حاليا بحوالي 90 مليون يورو.
- إيجاد ما يمكن أن نسميها مناطق عازلة بين الحدود الجغرافية-المؤسساتية للاتحاد الأوروبي وحدوده الأمنية، برسم هذه الأخيرة، بعيدا عن الأولى، من خلال المناولة الأمنية التي تقوم بها دول جنوب المتوسط لحساب أوروبا(اتحاد ودولا أعضاء).والهدف نقل محاربة الهجرة من حدود الاتحاد إلى عمق تراب دول جنوب المتوسط، بل إلى حدودها الجنوبية (الصحراوية-الساحلية) بتحويلها إلى نقاط مراقبة وتفتيش عن بعد(بعيدا عن تراب دول الاتحاد).
- الضغط على الشركاء المتوسطيين، لاسيما دول المغرب العربي، لإبرام اتفاقات حول ترحيل المهاجرين.وهنا، تريد دول الاتحاد تطبيق قاعدة أوروبية في مجال طلب اللجوء على الهجرة السرية، فهذه القاعدة تقول إن الدولة(العضو في الاتحاد) التي دخل منها طالب اللجوء هي من يتكلف به، ويتولى دراسة ملفه.
- الضغط عل الدول المغاربية لتغيير تشريعاتها الوطنية، لتتماشى والتشريعات الأوروبية في هذا المجال، بمعن تصدير النموذج الأوروبي لأمننة الهجرة وتجريمها.وبالفعل عدلت الدول المغاربية (المغرب في 2003، تونس وليبيا في 2004، الجزائر في 2008و2009) تشريعاتها نزولا عند رغبة أوروبا وخدمة لمآرب سياسية محلية أيضا(الهجرة السرية أصبحت هما مغاربيا أيضا، كما أن أمننة الهجرة وتجريمها يتوافقان والمنظومة التسلطية القائمة في هذه الدول) حيث جرمت الهجرة الوافدة والمغادرة.
- تفضيل”الاستقرار التسلطي” على الاستقرار الديمقراطي، بمعنى التعامل، بل وحتى حماية أنظمة تسلطية ما دامت تقوم بالمناولة الأمنية لحساب الاتحاد الأوروبي، وتحارب الهجرة على أراضيها، سعيا إل منع المهاجرين المغاربة، وخصوصا الأفارقة من عبور المتوسط.
وهذا التزايد المفرط من طرف الاتحاد الأوروبي لأمننة ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالمنطقة المتوسطية أدى إلى نتيجتين هما:[22]
- نتيجة سلبية: أدت إل ردود فعل عنيفة داخل المجتمعات بأشكال أدت إلى قيام معضلات أمنية، واجتماعية، لأن أمننة قضية الهجرة غير شرعية هنا، تترك المهاجر في رحمة السياسة الاضطرارية، التي تحكمها أحكام الطوارئ، والأحكام الاستثنائية.
- نتيجة إيجابية: التموضع الحضاري أصبح معنيا بالهجرة، ليس باعتبارها قضية اقتصادية فقط، بل باعتبارها سلسلة من الشراكة الحضارية: اجتماعيا، وثقافيا، وإنسانيا، بتشجيع التعاون، للحد من هذه الهجرة من خلال تنمية مجتمعات بلدان المنشأ، وتشجيع التفاهم بين الثقافات، والأديان، واحترام الحقوق الاجتماعية، والأساسية، للمساعدة على دمج المهاجرين في مجتمعات بلد المهجر.
الخاتمة
من خلال ما تم التقدم به من عرض في هذه الدراسة يمكن أن نصل إلى مجموعة من الاستنتاجات أهمها:
- لا يجب توسيع مفهوم الأمن لأن ذلك يجعله شاملا إلى درجة يغدو عديم المعنى، لأنه حسب ما يتضح من مصطلح الأمننة لا معنى لها، أو بالأحرى هي مُشْكِلَة بحد ذاتها.
- إن نظرية الأمننة لا تعمل بالطريقة المطروحة في بعض الدول لاسيما المتخلفة لأن هذه الأخيرة تفتقد للسياسة العادية بكل بساطة لانعدام الديمقراطية فيها، حتى ولو طبقتها الدول المتوسطية لاسيما المغاربية منها لا تأتي بالنتائج لأن الأنظمة ببساطة تسلطية.
- غاية مفهوم الأمننة بصفة عامة وأمننة الهجرة غير الشرعية بصفة خاصة، هو التعبير عن التوجهات السياسية للدول الأوروبية، حيث نجد دائما الغلبة لها كقوى كبرى وتخضع لمنطق الاعتبارات المصلحية لأوروبا دون مراعاة المعايير الأخلاقية بين ضفتي المتوسط أثناء اتفاقيات الشراكات المبرمة بين الطرفين.
- أن أهمية المنطقة المتوسطية تزايدت في هذه المرحلة كون الأمن الاقتصادي يشكل جوهر السياسات الأوروبية، فمصير استقرار المنطقة كلها متعلق بعلاقات التعاون والتفاعل الاقتصادي بين أوروبا ودول الضفة الأخرى لاسيما المغاربية منها ومرهون بأمننة الهجرة غير الشرعية وربطها بالتهديدات الأمنية الأخرى.
- الاتحاد الأوروبي من خلال أمننة الهجرة غير الشرعية بالمنطقة المتوسطية يحاول أن يربط بين النظري والإجرائي؛ فنظرية الأمننة نظريا قدمت لنا استبصارات تخص اللعبة اللغوية الأمنية، وفي حالة الاتحاد الأوروبي هناك اتصال ما بين الخطاب وفعل الخطاب، أي ما بين الجانب اللغوي والجانب الامبريقي، أسفر على عملية استدلالية متميزة متعلقة بالتحركات الأمنية والإجراءات الاستثنائية المتخذة من طرفه لمحاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية.
والنتيجة التي نؤكد عليها، أن ما يحتاجه البحر الأبيض المتوسط، الاستقرار والأمن بكل أبعاده، وليس الأمننة، وهيمنة نظرية مركزية واحدة على المنطقة، متعصبة بذلك لشرعية السياسات والإجراءات الأوروبية، فالمنطقة تحتاج إلى إعادة هيكلة تستند لمعيار وظيفي هو الاستجابة وفقا لاحتياجات الفرد في المجتمع.
قائمة المراجع:
1/باللغة العربية
الكتب:
- المطيري، سرور جرمان سرور.تغيير مفهوم الأمن القومي الكويتي ودلالاته في الفترة 1990-2013.القاهرة- مصر: المكتب العربي للمعارف، 2015.
- بن عنتر، عبد النور.البعد المتوسطي للأمن الجزائري: الجزائر، أوروبا والحلف الأطلسي.الرويبة-الجزائر: المكتبة العصرية للطباعة، النشر والتوزيع، 2005.
- طشطوش، هايل عبد المولى.الأمن الوطني وعناصر قوة الدولة في ظل النظام العالمي الجديد.الأردن: دار المنهل، 2012.
- جرجس، ميلاد الفى.مبادئ الصحافة الدولية.المنهل: منصة للكتب الالكترونية في العالم العربي، 2017.
- أحمد منصور، عدلي.الحضارة التائهة.ط.1.المملكة الأردنية الهامشية: شركة دار البيروني للنشر والتوزيع، 2019.
المجلات العلمية:
- برد، رتيبة.”السياسة الأمنية الأمريكية في المتوسط”، دفاتر السياسة والقانون.ع.15(جوان 2016).
- مشري، مرسي.”أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والانعكاسات”.سياسات عربية.ع.15(جويلية 2015)،
مذكرات جامعية:
- سليمان، سميرة.”دور البيروقرطيات الدولية في أمننة قضيتي تغير المناخ والهجرة غير الشرعية”.مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، جامعة باتنة 1، 2011/2012.
- توازي، إلياس.”الأمن والهجرة: دراسة في السياسة الخارجية الفرنسية لفترة ما بعد الحرب الباردة”.مذكرة ماجستير في العلاقات الدولية: الإستراتيجية والمستقبليات، قسم العلوم السياسية، جامعة الجزائر، 2012/2013.
روابط الانترنيت:
- بن عنتر، عبد النور.”الإستراتيجية الأوروبية لمحاربة الهجرة”، العربي الجديد.تم تصفح الموقع يوم: 01/01/2019 <https:// alaraby.co.uk.opinion/2015/5/2>
2/ باللغة الأجنبية:
- Sezer Özcan, “Securitization of Energy through the Lenses of Copenhagen School “.paper prepared for the 2013 Orlando International Conference, 21-23 March, 2013.”West East Institute, Orlando/USA”.
- Robin E Walker and Annette Seegers.”Securitisation: The case of post-9/11 United States Africa policy”.Scientia Militaria, South African Journal of Military Studies. Vol.40, Nr. 2(2012).
- Tabačková, Kristína.”Securitization of Environmental issues”.Master’s thesis, MASARYKOVA UNIVERZITA, FAKULTA SOCIALNICH STUDIί, BRNO, 2013.
- Van Dijck, Dominique.”Is The EU policy on illegal immigration securitized? Yes of Course! A Study into the dynamics of institutionalized Securitization”. paper to be presented at the 3rd Pan–European Conference on EU Politics, Istanbul, 21-23 September 2006.
- Hauer, Moritz.Climate Change Complexity Broadening the Horizon from Copenhagen to Paris. Thesis International Relations, MALMö University, Faculty of Culture And Society, Spring 2014.
[1] عبد النور بن عنتر، البعد المتوسطي للأمن الجزائري: الجزائر، أوروبا والحلف الأطلسي (الرويبة-الجزائر: المكتبة العصرية للطباعة، النشر والتوزيع، 2005)، ص.13.
[2] هايل عبد المولى طشطوش، الأمن الوطني وعناصر قوة الدولة في ظل النظام العالمي الجديد (الأردن: دار المنهل، 2012)، ص.18.
[3] Sezer Özcan, “Securitization of Energy through the Lenses of Copenhagen School “, (paper prepared for the 2013 Orlando International Conference, 21-23 March, 2013,”West East Institute, Orlando/USA”), p.08.
[4] Robin E Walker and Annette Seegers, “Securitisation: The case of post-9/11 United States Africa policy”, Scientia Militaria, South African Journal of Military Studies, Vol.40, Nr. 2(2012), p.24.
[5] ميلاد ألفى جرجس، مبادئ الصحافة الدولية (المنهل: منصة للكتب الالكترونية في العالم العربي، 2017)، ص.24.
[6] عبد النور بن عنتر، المرجع السابق، ص.16.
[7] سرور جرمان سرور المطيري، تغيير مفهوم الأمن القومي الكويتي ودلالاته في الفترة 1990-2013 (القاهرة- مصر: المكتب العربي للمعارف، 2015)، ص.09.
[8] عبد النور بن عنتر، “الإستراتيجية الأوروبية لمحاربة الهجرة”، العربي الجديد، (تم تصفح الموقع يوم: 01/01/2019).
<https:// www.alaraby.co.uk.opinion/2015/5/2>
[9] عدلي أحمد منصور، الحضارة التائهة، ط.1 (المملكة الأردنية الهامشية: شركة دار البيروني للنشر والتوزيع، 2019)، ص.275.
[10] المرجع نفسه، ص ص.275، 276.
[11] رتيبة برد، “السياسة الأمنية الأمريكية في المتوسط”، دفاتر السياسة والقانون، ع.15(جوان 2016)، ص.537.
[12] Kristína Tabačková, “Securitization of Environmental issues”, (Master’s thesis, MASARYKOVA UNIVERZITA, FAKULTA SOCIALNICH STUDIί, BRNO, 2013), p., 15.
[13] مرسي مشري، “أمننة الهجرة غير الشرعية في السياسات الأوروبية: الدوافع والانعكاسات”، سياسات عربية، ع.15(جويلية 2015)، ص.64.
[14] Dominique Van Dijck, “Is The EU policy on illegal immigration securitized? Yes of Course! A Study into the dynamics of institutionalized Securitization” (paper to be presented at the 3rd Pan–European Conference on EU Politics, Istanbul, 21-23 September 2006), p..06
[15] مرسي مشري، المرجع السابق، ص.64.
[16] المكان نفسه.
[17] إلياس توازي، “الأمن والهجرة: دراسة في السياسة الخارجية الفرنسية لفترة ما بعد الحرب الباردة” (مذكرة ماجستير في العلاقات الدولية: الإستراتيجية والمستقبليات، قسم العلوم السياسية، جامعة الجزائر، 2012/2013)، ص.58.
[18] سميرة سليمان، “دور البيروقرطيات الدولية في أمننة قضيتي تغير المناخ والهجرة غير الشرعية”(مذكرة ماجستير في العلوم السياسية، جامعة باتنة 1، 2011/2012)، ص.91.
[19] إلياس توازي، المرجع السابق، ص.62.
[20] مرسي مشري، المرجع السابق، ص.64.
[21] عبد النور بن عنتر، “الإستراتيجية الأوروبية لمحاربة الهجرة”، المرجع السابق.
[22] عدلي أحمد منصور، المرجع السابق، ص.276.