
السرعة الافتراضية.. مراجعات لتدقيق المصطلح
د.أحمد عمار، مدرس الأدب العربي الحديث ـ كلية الآداب – جامعة القاهرة
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 48 الصفحة 9.
ملخص:
تحاول هذه الدراسة مراجعة مصطلح السرعة الافتراضية الذي قدمه سيد البحراوي لدراسة سرعة إيقاع الشعر العربي، متتبعة ظهور هذا المصطلح، ثم خطواته المتتالية، والتغييرات التي طرأت على كيفية قياس سرعة الإيقاع، مؤكدة السقوط في عدد من الأخطاء الرياضية أثناء هذه العملية، وهو الأمر الذي جعل النتائج التي تم التوصل إليها غير دقيقة.
وتختتم الدراسة بمحاولة من الباحث لتقديم معادلة واضحة صحيحة رياضيًا، ومعتمدة على دراسة الموسيقى لنستطيع من خلالها تقديم طريقة قياس جديدة لسرعة إيقاع الشعر العربي، ومن ثم نستطيع حساب السرعة الافتراضية للبنى الإيقاعية للشعر العربي بقياس علمي دقيق، وهو ما ينعكس بالضرورة على ربط هذه النتائج بدلالة النص الشعري.
الكلمات المفتاحية: الإيقاع – السرعة الافتراضية – العروض – التمبو – المقاطع
تمهيد
شغلت العلاقة بين الأوزان الشعرية والمعنى عقول وأذهان العروضيين واللغويين العرب القدماء والمحدثين، وكان هناك سعي حثيث كذلك لإطلاق الأوصاف -التي لم تكن تستند إلى دليل علمي واضح، وإنما اكتفت بالاستناد إلى الإحساس والحدس، إن جاز ذلك الوصف- على بحور الشعر العربي، ومناسبتها لأغراض دون أخرى، لنرى من يقول إن “العروض الطويل نجد فيه أبدا بهاء وقوة، ونجد للبسيط بساطة وطلاوة، ونجد للكامل جزالة وحسن اطراد، وللخفيف جزالة ورشاقة، وللمتقارب سهولة وبساطة، وللمديد رقة ولينا مع رشاقة، وللرمل لينا وسهولة، وكما للمديد والرمل من اللين كانا أليق بالرثاء”[1]. أو من يقول: “والخبب بحر دنيء للغاية… ولا يخفى أن هذا الوزن رتيب جدا، وقد أهمله الخليل، وأظنه تعمد ذلك، واستدركه عليه سعيد بن مسعدة الأخفش.. ولا يصلح لشيء فيما نرى إلا للحركة الراقصة الجنونية، وقد استفاد منه الصوفية في منظوماتهم التي تنشد لتخلق نوعا من الهستيريا”[2].
وكذلك يذهب القائل إلى “أننا نستطيع ونحن مطمئنون أن نقرر أن الشاعر في حالة اليأس والجزع يتخير عادة وزنا طويلا كثير المقاطع، يصب فيه من أشجانه ما ينفس عنه حزنه وجزعه، فإذا قيل الشعر وقت المصيبة والهلع تأثر بالانفعال النفسي، وتطلب بحرا قصيرا يتلاءم وسرعة التنفس، وزيادة النبضات القلبية ومثل هذا الرثاء الذي قد ينظم ساعة الهلع والفزع، لا يكون عادة إلا في صورة مقطوعة قصيرة لا تكاد تزيد أبياتها عن عشرة، أما تلك المراثي الطويلة، فأغلب الظن أنها نظمت بعد أن هدأت ثورة الفزع واستكانت النفوس لليأس والهم المستمر”[3].
إلا أن هذه الأقوال والادعاءات لم تقدم دليلا عمليا أو علميا عليها -كما سبق أن ذكرنا- مكتفية بإطلاق أحكامها بشكل يثير الاستفهام والتعجب في آن واحد. وفي إطار محاولة البحث عن علاقة علمية تستند إلى دلائل وإجراءات عملية واضحة، قدم سيد البحراوي[4] ما أسماه بقياس السرعة الافتراضية للنص الشعري؛ حيث بدأ ذلك في كتابه “موسيقى الشعر عند شعراء أبولو”، ثم أجرى عليه بعض التعديل في دراساته التالية. ويمثل هذا المصطلح (السرعة الافتراضية) محور حديث هذه الورقة البحثية، في محاولة للوصول إلى قياس دقيق لها، ينعكس بالضرورة على سبر أغوار إيقاع الشعر العربي، وفهم العلاقة بين هذا الإيقاع ودلالة النص الشعري.
(1)
في (موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو) يقول البحراوي: “أصبح من الممكن قياس tempo لكل وزن، ولكي نحقق ذلك علينا أن نقوم بمجموعة من الخطوات:
أولا: تحديد درجة سرعة “تمبو” فرضية للمقاطع:
- المقطع القصير: من حيث إنه يأخذ فترة زمنية أقل، ويعتبر أسرع عن غيره.
- المقطع المتوسط: من حيث إنه يأخذ فترة زمنية أكبر من السابقة، وأقل من المقطع الطويل. إذن فسرعته تعلو الطويل وتلي القصير.
- المقطع الطويل: من حيث إنه أطول المقاطع الثلاثة، وبالتالي يأخذ فترة زمنية أطول من السابقين؛ فهو أقل سرعة منهما.
ثانيا: إيجاد قيمة تمبو للتفعيلة: نقسم التفعيلة إلى وحداتها (أي مقاطعها)، ثم يعطى كل مقطع الدرجة السابق تحديدها له (يعطي الباحث المقطع القصير رقم 2، والمتوسط رقم 1، والطويل رقم 0.5). وتجمع درجات المقاطع المكونة للتفعيلة، وتقسم على عدد هذه المقاطع، فيكون الناتج متوسطا رمزيا لسرعة إيقاع التفعيلة.
ثالثا: إيجاد قيمة تمبو للبحر باعتباره مقطوعة، تحسب درجات فرضية لسرعة كل تفعيلة في البحر، ثم تجمع وتقسم على عدد هذه التفعيلات المكونة للبحر”[5].
ولنبدأ نقاشنا أولا بالحديث عن التمبو الذي سعى البحراوي إلى قياسه والتعرف عليه، والحقيقة أن هذا المصطلح مصطلح موسيقي بالأساس، فـ”في الفن الموسيقي (وحدة نغمية) يمسكها ويسيرها سرعة وبطئا (ضارب الطبلة أو الرق) في (التخت) القديم، أما في (الأوركسترا) الحديث فيمسكها (المايسترو)، وكذلك فإن الإلقاء محتاج إلى هذه (الوحدة النغمية) التي يعبر عنها عند الموسيقيين بـ(التمبو)”[6]. وإذا نظرنا إلى محاولة البحراوي لقياس التمبو، فسنجد ما يتعارض مع المصطلح ذاته. لقد قامت المحاولة بالأساس على مقدمة خاطئة، مما أدى إلى الوصول إلى نتيجة غير دقيقة، فقد افترض أن كل تفعيلة/ بحر لها تمبو خاص ثابت لا يتغير، وهذا أمر غير صحيح، فالوزن واحد والتمبو متغير.. إن الموسيقي يستطيع أن يعزف اللحن (الواحد) القائم على ميزان موسيقي ثابت بأكثر من تمبو، وكذا فإن قارئ النص الشعري يستطيع أن يقدم هذا النص (الواحد) بأكثر من تمبو.. تخيل معي أن النص الذي بين أيدينا هو (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).. إنك تستطيع أن تقرأ هذا النص بعدد كبير من الطرق التي يختلف فيها التمبو وفقا لاختلاف الموقف الذي يقال فيه، فشتان -مثلا- بين التمبو الذي تقولها به وأنت تدخل إلى عزاء، والذي تقولها به وأنت تدخل إلى حفل زفاف.
الحديث هنا -إذن- عن سرعة مجردة لتوالي المقاطع المكونة لكل تفعيلة/ بحر، وليس عن التمبو، الذي يجب أن يستقر في أذهاننا أنه عنصر غير ثابت، ولا يمكن أن تعطى له قيمة ثابتة لكل بحر من بحور الشعر العربي، أو لكل تفعيلة من تفعيلاتها. وعلى ما يبدو فإن البحراوي قد التفت إلى ذلك، فقد اختفى المصطلح تماما -كما سنرى- عند الحديث عن قياس السرعة الافتراضية في الكتب التالية لكتابه الأول الذي جاء فيه هذا النص الذي نحن بصدد الحديث عنه.
الأمر الثاني الذي بنى عليه البحراوي فكرته في قياس السرعة الفرضية (التمبو) -كما سماها هنا- هو تلك المعادلة الرياضية التي صنعها، وقد بناها على إعطاء قيمة رقمية لكل نوع من أنواع المقاطع في العربية؛ حيث أعطى المقطع القصير (2) والمتوسط (1) والطويل (0.5)، وهذا يعني -رياضيا- أن زمن المقطع القصير يساوي نصف زمن المقطع المتوسط، الذي يساوي -بدوره- نصف زمن المقطع الطويل*، ولا يخفى أن في ذلك خطأ رياضيًا واضحًا.
إن مقاطع اللغة العربية “يمكن أن تقسم حسب مدة النطق بها إلى أنواع ثلاثة:
- مقطع قصير وهو عبارة عن (صوت ساكن + حركة قصيرة)
كَ كُ كِ
- مقطع متوسط وهو عبارة عن:
صوت ساكن + حركة قصيرة + صوت ساكن
كَمْ كُمْ كِمْ
أو عبارة عن:
صوت ساكن + حركة طويلة (حرف مد)
كا كُو كي
- مقطع طويل، وهو عبارة عن:
صوت ساكن + حركة طويلة + صوت ساكن
نارْ طولْ نيرْ
أو عبارة عن:
صوت ساكن + حركة قصيرة + صوتان ساكنان
بحْرْ دُرْجْ فِكْرْ”[7].
ونستطيع أن نوجز أنواع المقاطع في شكل معادلات رياضية كالتالي:
مقطع قصير= ص + ح
مقطع متوسط = ص + ح + ح
أو = ص + ح + ص
مقطع طويل = ص + ح + ح + ص
أو = ص + ح + ص + ص
ومن كل هذه المعادلات الرياضية يتضح لنا أن ص = ح، وإذا ما أعطينا لكل منهما قيمة رمزية = 1، فإن نتيجة هذه المعادلات ستكون كالتالي:
المقطع القصير = 1 + 1 = 2
المقطع المتوسط = 1 + 1 + 1 = 3
المقطع الطويل = 1 + 1 + 1 + 1 = 4
وهو ما يعني أن زمن المقطع القصير يساوي ثلثي زمن المقطع المتوسط، الذي يساوي ثلاثة أرباع المقطع الطويل. ومن ثم فإن سرعة المقطع القصير تساوي ضعف سرعة الطويل، بينما تساوي سرعة المتوسط ثلثي سرعة المقطع القصير، وهو ما يمكن التعبير عنه بقيم فرضية كالآتي:
سرعة المقطع القصير = 6
سرعة المقطع المتوسط = 4
سرعة المقطع الطويل = 3
وحقيقة الأمر أن كل هذه المعادلات التي قدمناها تبدو صحيحة للوهلة الأولى، ولكنها بنيت -في الأساس- على مغالطة رياضية أدت إلى خطأ في النتائج التي تم الوصول إليها. وهذه المغالطة الرياضية تكمن في إعطاء الصوت الصامت الذي تبدأ به كل أنواع المقاطع قيمة زمنية، علما بأننا نعي جيدا أن العربية لا يمكن فيها أن تنطق صامتا وحده -أو حركة وحدها- وأن الصامت هنا ما هو إلا نقطة بداية ينطلق منها المقطع، وأنه هنا يكاد أن يكون بلا قيمة زمنية على الإطلاق، وأن ما يشغل الزمن -في حقيقة الأمر- هو تلك الحركة التالية له. وقد يتساءل البعض: وماذا عن قيمة الصوامت التالية في مختلف أنواع المقاطع؟ ألا تشغل زمنا هي الأخرى؟ والإجابة هي: بلى، تشغل زمنا بكل تأكيد، وهو زمن الوقوف على ذلك الصامت.. إنها الوقفة التي تأخذ زمنا يساوي -تقريبا- زمن الحركة. ومن كل ذلك، فإننا لا نجد إلا إعادة مراجعة المعادلات التي قدمناها، لنصل إلى النتائج التالية:
المقطع القصير = ص + ح
= صفر + 1 = 1
المقطع المتوسط = ص + ح + ح
أو = ص + ح + ص
= صفر + 1 + 1 = 2
المقطع الطويل = ص + ح + ح + ص
أو = ص + ح + ص + ص
= صفر + 1 + 1 + 1 = 3
وبالتالي فإن سرعة المقطع القصير تساوي ضعف سرعة المقطع المتوسط، بينما تساوي سرعة المقطع الطويل ثلثي سرعة المقطع المتوسط. ونستطيع أن نقدم قيما افتراضية تعبر عن ذلك كالآتي:
سرعة المقطع القصير = 6
سرعة المقطع المتوسط = 3
سرعة المقطع الطويل = 2
وهذه النتائج التي توصلنا إليها تتفق مع القول: “يعتبر المقطع القصير ضعف الطويل (المتوسط) في سرعته، كما يعتبر المقطع زائد الطول (الطويل) مساويا في سرعته لطويل (متوسط) ونصف”[8].
ومن كل ما سبق يتضح أن القيم الافتراضية التي وضعها سيد البحراوي في كتابه الأول “موسيقى الشعر عند شعراء أبولو” لم تكن دقيقة، ولم تكن لتصل في النهاية إلى نتائج صحيحة.
(2)
وفي إطار ما يبدو -للوهلة الأولى- أنه مراجعة يقيمها البحراوي لذاته عاد ليقول في دراسة تالية إن نسبة السرعة الافتراضية هو مصطلح اعتمده “لمحاولة تحديد سرعات الأوزان المختلفة في صورتها المجردة على أساس الخطوات التالية:
إعطاء كل قيمة رقمية تدل على قيمته، فنعطي المقطع الطويل (1)، والمتوسط (2)، والقصير (4).
نجمع هذه الأرقام ونقسمها على عدد المقاطع، فتنتج لنا نسبة السرعة الافتراضية للتفعيلة”[9].
أقول إن هذا يبدو كما أنه مراجعة من البحراوي، ولكن الحقيقة غير ذلك، فقد عاد ليكمل قائلا: “فمثلا: فاعلاتن = 1 + 2 + 1 + 1 = = 1
3- وهذه النسبة تعتبر هي نسبة وزن الرمل الافتراضية إذا كان يتكون من تكرار نفس التفعيلة ست مرات، ولكن حيث إنه يصاب بحذف واجب في العروض والضرب، فإن نسبة سرعته الافتراضية تحسب على النحو التالي:
فاعلاتن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلاتن فاعلن
1121 1121 121 1121 1121 121
القيمة الرقمية للكم 28 وعدد المقاطع 22
أي أن النسبة = 1 أي 1″[10].
بهذا يتضح أن البحراوي -أولا- عاد مجددا للقيم القديمة؛ حيث عاد ليعطي للمقطع القصير (2)، والمقطع المتوسط (1)، على عكس ما قال في بداية حديثه. كما أنه -ثانيا- حتى إن أعطى القيم التي يقترحها في بداية نصه لسرعات المقاطع، فإن النتيجة لن تتغير مطلقا؛ حيث ظلت النسبة واحدة كما هي، فجعل سرعة المقطع القصير تساوي ضعف سرعة المقطع المتوسط، الذي تساوي سرعته ضعف سرعة المقطع الطويل.
ولتأكيد ذلك، فلنقدم في الجدول التالي السرعات الافتراضية لبحور الشعر العربي كما قدمها البحراوي في كتابيه[11]، مقرونة بالسرعات التي كان يجب أن يقدمها وفقا للقيم الجديدة التي اقترحها في بداية نصه السابق.
الوزن | السرعة الافتراضية التي قدمها البحراوي | السرعة الافتراضية وفقا للقيم الجديدة | ترتيبه | الوزن | السرعة الافتراضية التي قدمها البحراوي | السرعة الافتراضية وفقا للقيم الجديدة | ترتيبه |
الكامل | 1.6 | 3.2 | الأول | السريع | 1.27 | 2.54 | الخامس |
الوافر | 1.54 | 3.08 | الثاني | المنسرح | 1.25 | 2.5 | السادس |
المتدارك | 1.33 | 2.66 | الثالث | الهزج | 1.25 | 2.5 | السادس |
المتقارب | 1.33 | 2.66 | الثالث | الرجز | 1.25 | 2.5 | السادس |
الطويل | 1.29 | 2.58 | الرابع | الخفيف | 1.25 | 2.5 | السادس |
المديد | 1.29 | 2.58 | الرابع | المجتث | 1.25 | 2.5 | السادس |
البسيط | 1.29 | 2.58 | الرابع | الرمل | 1.18 | 2.36 | السابع |
لم يعد الأمر في حاجة إلى تعليق، فلم يحدث أي شيء سوى أننا ضاعفنا سرعات البحور جميعا، وهذا بالطبع لا يعد تغييرا من أي نوع، لنظل في أسر الأخطاء الرياضية ذاتها.
(3)
وتأتي المراجعة الحقيقية من البحراوي في كتابه (في البحث عن لؤلؤة المستحيل) حيث يقول: “يعتبر المقطع القصير ضعف الطويل (المتوسط) في سرعته، كما يعتبر المقطع زائد الطول (الطويل) مساويا في سرعته لطويل (متوسط) ونصف، فإذا أعطينا القصير رقما افتراضيا (6)، فإن الطويل ينال رقم (3)، وزائد الطول (2) وهكذا يمكننا أن نحسب عدد مرات مجيء كل نوع من هذه المقاطع الثلاثة في كل جزء من القصيدة، ونحسب السرعة الافتراضية لكل نوع في كل جزء بضرب عدد المقاطع في رقم سرعته الافتراضي ثم نجمع الناتج ونقسمه على عدد المقاطع في الجزء فتنتج لنا نسبة سرعة افتراضية لكل جزء من القصيدة.
مثال: السطر الأول في القصيدة: (جاء طوفان نوح)، يتكون من المقاطع التالية
ــ È ــ ــ È Ç
أي أنه يتكون من مقطعين قصيرين وثلاثة طويلة وواحد زائد الطول. وبضرب عدد كل نوع في رقم سرعته الافتراضي ينتج لدينا:
2x 6 + 3 x 3 + 1 x 2 = 12 + 9 + 2= 23
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 6 فينتج لنا: = 3.83
وهذه هي نسبة السرعة الافتراضية لهذا السطر”[12].
هنا يقدم البحراوي قيما مغايرة تماما لكل ما قدم قبل ذلك، وهي قيم تتفق مع ما قدمناه وأثبتناه رياضيا، كما يقدم مثالا توضيحيا لحساب السرعة الافتراضية الجديدة وفقا للقيم الجديدة التي اقترحها، والتي تحافظ بدقة على النسب الحقيقية بين طول المقاطع في اللغة العربية، وزمنها.
ويبدو أن طبيعة كتابه الذي قدم فيه هذه الرؤية، وهو (في البحث عن لؤلؤة المستحيل) القائم بالأساس على تحليل نص بعينه، لم تكن لتسمح له بأن يقدم لنا جدولا جديدا بسرعات البحور ينسخ الجدول الذي قدمه من قبل، ولكننا نستطيع أن نفعل ذلك الآن، لتتضح الصورة أمامنا، ونتعرف على الفروق بين طريقتي الحساب اللتين قدمهما.
الوزن | السرعة الافتراضية وفقا للقيم القديمة | السرعة الافتراضية وفقا للقيم الجديدة | ترتيبه | الوزن | السرعة الافتراضية وفقا للقيم القديمة | السرعة الافتراضية وفقا للقيم الجديدة | ترتيبه |
الكامل | 1.6 | 4.8 | الأول | السريع | 1.27 | 3.81 | الخامس |
الوافر | 1.54 | 4.62 | الثاني | المنسرح | 1.25 | 3.75 | السادس |
المتدارك | 1.33 | 4 | الثالث | الهزج | 1.25 | 3.75 | السادس |
المتقارب | 1.33 | 4 | الثالث | الرجز | 1.25 | 3.75 | السادس |
الطويل | 1.29 | 3.87 | الرابع | الخفيف | 1.25 | 3.75 | السادس |
المديد | 1.29 | 3.87 | الرابع | المجتث | 1.25 | 3.75 | السادس |
البسيط | 1.29 | 3.87 | الرابع | الرمل | 1.18 | 3.54 | السابع |
المتأمل للجدول السابق سيعي جيدا أنه -في الحقيقة- لم يقدم جديدا هو الآخر، فكل ما فعلناه أننا جعلنا السرعة ثلاثة أضعاف فقط، مع الحفاظ على النسب ذاتها. وهنا قد يتسرع البعض ليقول لنا إن القيم الجديدة لم ولن تصنع نتيجة مغايرة لما سبق، والأمر بالطبع غير ذلك.. إن هذا الجدول لم يقدم جديدا لأن كل المحاولات التي قدمها البحراوي حافظت على العلاقة ذاتها بين كل من المقطع القصير، والمقطع المتوسط (الطويل)، فقد ظلت سرعة الأول دائما تساوي ضعف سرعة الثاني، ولا يخفى علينا أن “المقطع الطويل لا يرى إلا في حالة الوقف، ولهذا لا نراه في الشعر العربي إلا في قافية بعض الأوزان………. فالشعر العربي، فيما عدا بعض الحالات….. يتكون من المقطع القصير والمقطع المتوسط”.[13] كما لا يخفى أن الصور المجردة للبحور لا يظهر فيها المقطع الطويل (الذي تغيرت نسبة سرعته وفقا للقيم الجديدة) مطلقا، ولهذا غاب تأثير تغيير نسبة سرعته عن الجدول السابق. ولكن هل هذا يعني أن هذه القيم الجديدة لن تضيف شيئا؟ الجواب يظهر من خلال المثال الذي قدمه البحراوي، وهو السطر الأول من قصيدة أمل دنقل (مقابلة خاصة مع ابن نوح)، وهو “جاء طوفان نوح” = ــ È ــ ــ È Ç
السرعة الافتراضية وفقا للقيم الجديدة = 2x 6 + 3 x 3 + 1 x 2 = 12 + 9 + 2= 23
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 6 فينتج لنا: = 3.83
السرعة الافتراضية وفقا للقيم القديمة = 2x 2 + 3 x 1 + 1 x 0.5 = 4 + 3 + 0.5 = 7.5
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 6 فينتج لنا: = 1.25
هنا يظهر الفارق بشكل واضح بين كلا الرقمين، ولتتضح الصورة أكثر دعونا نذهب إلى السطر التالي من القصيدة ذاتها لنرى الفارق بين الطريقتين من خلال عقد المقارنة بين السطرين.
يقول السطر الثاني: “المدينة تغرق شيئا فشيئا” = ــ È ــ È È ــ È È ــ ــ È ــ ــ
السرعة الافتراضية وفقا للقيم الجديدة = 6x 6 + 7 x 3 = 36 + 21 = 57
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 13 فينتج لنا: = 4.83
السرعة الافتراضية وفقا للقيم القديمة = 6x 2 + 7 x 1 = 12 + 7 = 19
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 13 فينتج لنا: = 1.46
وفي الجدول التالي نعرض مقارنة بين متوسط السرعة في السطرين وفقا لطريقتي الحساب:
السطر | السرعة بالقيم القديمة | السرعة بالقيم الجديدة |
جاء طوفان نوح | 1.25 | 3.83 |
المدينة تغرق شيئا فشيئا | 1.46 | 4.83 |
ويظهر في الجدول أن سرعة السطر الأول (وفقا للطريقتين) أقل من سرعة السطر الثاني، إلا أن السرعة زادت وفقا للطريقة الأولى بنسبة 16.8%، بينما زادت وفقا للطريقة الثانية (الأكثر دقة) بنسبة 26.1%، وهو ما يعني أن الزيادة، وفقا للطريقة الثانية، أكبر بكثير.
(4)
وصل البحراوي في محاولته الأخيرة لنتيجة رياضية قريبة إلى حد كبير من الدقة، لنتعرف من خلالها على سرعات البحور، ومقارنة سرعة كل بحر ببقية البحور الأخرى، بل مقارنة سرعة كل سطر/ بيت شعري ببقية أسطر/ أبيات القصيدة، ولكن الأزمة بقيت -في رأيي- في أن كل القيم التي نتوصل إليها ليست إلا متوسطا رمزيا لسرعة الإيقاع، وليس متوسطا دقيقا يعبر بالفعل عن نسبة سرعة كل إيقاع مقارنة بالآخر سواء داخل النظام الواحد (القصيدة) أو خارجه من خلال أنظمة مغايرة (قصائد أخرى). صحيح أن هذه الطريقة تقدم لنا ناتجا يكشف لنا أن هذا الإيقاع أسرع/ أبطأ من ذاك، ولكن هذا ليس كافيا، فالوصول إلى الفارق في السرعة شيء بالغ الأهمية كذلك، لا سيما ونحن نتحدث دوما عن عقد المقارنة بين إيقاعين مختلفين أو أكثر.
ولكن ما الخطأ الذي ارتكبه البحراوي، وأدى إلى بقاء هذه القيم قيما رمزية فقط؟ وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجب التأكيد أنه كان على وعي بذلك (أعني بقاء هذه القيم قيما رمزية)، بل إنه أكده أكثر من مرة، وما كانت محاولاته هذه إلا لتقديم إجراء علمي رياضي دقيق -أو يسعى إلى الدقة على الأقل- يكشف عن سرعة الإيقاعات المختلفة للشعر العربي، بعيدا عن تحكيم الإحساس والحدس، كل بطريقته الخاصة، وهو ما غرقنا فيه قرونا طويلة كان الحدس فيها هو الوسيلة المتاحة دوما لدى دارس الشعر العربي وإيقاعاته. وهذا المسعى من البحراوي -لا شك- أمر محمود، ونحن هنا -بالطبع- لا نهدم ذلك، بل نبني عليه ونحاول أن نكمل ما بدأه هو، منطلقين من فكرة المراجعة ذاتها التي بدأها هو بنفسه لنفسه، كما أوضحنا سابقا.
والآن نحاول أن نجد إجابة عن السؤال الذي طرحناه، وهو ما الذي جعل هذه القيم مجرد قيم رمزية فقط؟ إن قانون قياس السرعة يقدم معادلة واضحة، وهي: السرعة = ، ولنبدأ من النقطة الأولى لنقف على المعادلات التي قدمها البحراوي، وهل تسير على هذا القانون، أم لا؟ لا شك أن الزمن الذي يستغرقه المقطع القصير أقل من الزمن الذي يستغرقه المقطع المتوسط (النصف تقريبا)، وهو أقل من الزمن الذي يستغرقه المقطع الطويل (الثلثان تقريبا) ومن ثم فقد وصلنا إلى طرف من المعادلة، وهو الزمن، بحيث نستطيع القول إن الزمن الذي يستغرقه النطق بالمقطع القصير = س، وزمن المقطع المتوسط = 2 س، وزمن المقطع الطويل = 3 س.
هنا أعطى البحراوي -وفقا لطرف واحد من طرفي المعادلة الرئيسة- حكما بسرعة هذا المقطع على حساب ذلك، متناسيا الطرف الآخر من المعادلة، وهو المسافة، فهل يكفي أن نعرف أن قطارا خرج من القاهرة واصلا إلى طنطا في ساعة، وأن آخر وصل إلى الإسكندرية في ساعة ونصف، لأن نقول إن الأول أسرع من الثاني؟ إنك تعرف جيدا أن هذا ليس صحيحا، بل إنك تعرف كذلك أن الثاني هو الأسرع لأن المسافة عامل حاسم في المعادلة.
ونجد أنفسنا أمام سؤال شديد الصعوبة لنكمل طرفي المعادلة، وهو ما المسافة التي يقطعها هذا المقطع أو ذاك؟ والحقيقة أن الإجابة عن هذا السؤال شديدة التعقيد، فما نقطة بداية الصوت، وما نهايته؟ هل تقع نقطة البداية عند الرئتين من حيث يبدأ الهواء في الخروج، فـ”كل مقطع هو دفعة من الهواء الخارج من الرئتين”[14] فتكون البداية لكل المقاطع الصوتية واحدة؟ وإذا كان الأمر كذلك -ونحن لا نسلم به- فهل نقطة النهاية هي خروج الهواء من الجسم؟ وإذا كانت كذلك، ألا يتغير مخرج الهواء، ألا يمكن أن يخرج تارة من الفم، وتارة من الأنف مثلا؟ وربما يرى البعض أن نقطة النهاية هي نقطة مخرج الصوت، وربما يراها البعض نقطة البداية! وماذا إذا كان المقطع الواحد يضم عددا من الأصوات التي ستتنقل بين مخارجها أثناء النطق بها؟ الخلاصة أننا أمام مسافات متباينة يصعب -إن لم يكن يستحيل- قياسها، ولكن الحل بالتأكيد ليس إهمالها، وإلا ظلت المعادلة ناقصة بكل تأكيد، وهو ما حدث بالفعل؛ حيث انتهينا في النهاية إلى رقم ربما يقودنا إلى الوصول إلى دلالة ما، ولكنه لا يعني شيئا في ذاته، فما معنى أن نقول إن السرعة الافتراضية لهذا المقطع = 6 مثلا؟ ما التمييز الذي سنكتبه بعد هذا الرقم؟ إن مقياس السرعة المعروف -كما أوضحنا- مسافة/ زمن، وهو الأمر الذي لم ولن نصل إليه مطلقا بهذه الطريقة.
لكل ما مضى فإن الباحث يرى أن علينا السير في اتجاه آخر، يستند إلى العلمية كذلك، ولكنه يعطي نتائج أكثر دقة، وهذا –بالطبع- يحتاج إلى أن نحدد هدفنا منذ البداية.. إننا -في الحقيقة- لا نسعى لقياس سرعة المقطع نفسه، بل إن الهدف الحقيقي هو قياس سرعة تتابع المقاطع، والفارق كبير بالطبع.. إنك حين تحدد مسافة ولتكن عشرة أمتار لتقطعها أنت ماشيا وابنك الصغير جاريا، فإنك حتما ستصل قبله، وهو ما يعني أنك أسرع في الوصول، ولكنك لست أسرع في الحركة، وهدفنا هنا أن نضع معادلة دقيقة لقياس سرعة توالي خطواتكما، لنتعرف على صاحب الحركة الأسرع، وقد قدمت لنا الموسيقى حلا واضحا لذلك.
(5)
إن الموسيقى تقوم على ما سمي بالموازين الموسيقية، التي ترتبط بما أطلق عليه الموازير الموسيقية.. إن الموسيقي يقسم مقطوعته الموسيقية إلى أجزاء متساوية تسمى بالموازير، بحيث تكون كل مازورة مساوية زمنا للمازورة الأخرى، وعلى صانع المقطوعة الموسيقية أن يحدد ميزانه الذي يسير عليه من البدايةـ، فإذا كان اختياره هو الميزان الثنائي، فهذا يعني أن كل مازورة ستتكون من زمنين موسيقيين، والزمن الموسيقي هو وحدة قياس مجردة، وضع الموسيقيون لها رمزا، وسمي (نوار) ثم وضعوا رموزا لمضاعفاته، وأجزائه، بحيث يمكن أن تجد مازورة واحدة فيها مثلا (نوارين) أو (4 كروش، وهو نصف النوار) أو (نوارين وكروشين)، وهكذا.
وقد قدم جويار Guyard Stanislas محاولة لتقسيم بحور الشعري إلى موازير موسيقية متساوية، وقد انطلق من أساس مفاده أن كل موازين بحور الشعر العربي رباعية ( )، أي أن كل مازورة تتكون من أربعة أزمنة، و”يمكنك أن تتصور هذا الوزن إذا نقرت بإصبعك أربع نقرات على مسافات زمنية متساوية”[15]. كان هذا هو الشكل الموسيقي الملائم في هذا الوقت (وقت جويار)، وفقا لتقدم علم الموسيقى، ولكن “قرب نهاية القرن التاسع عشر، بدأ الانتظام الرتيب للمقادير الثنائية والثلاثية ومضاعفاتها يتحطم، فبدلا من الكتابة على إيقاع لا يتغير، مكون من واحد اثنين، أو واحد اثنين ثلاثة، نجد تشايكوفسكي في الحركة الثانية من سيمفونيه العاطفية يكون إيقاعا مركبا من الاثنين: واحد اثنين واحد اثنين ثلاثة”[16].
لقد مضى جويار Guyard Stanislas في نظريته عن العروض العربي على أساس الموسيقى “بالحدود التي كانت تقف عندها في نهاية القرن الماضي، ويمكننا الآن أن ندرك أن تغيرا كبيرا قد حدث لهذا الأساس الموسيقي؛ بحيث إن بعض المبادئ الأساسية، لم تعد كذلك، وأهم هذه المبادئ مبدأ تساوي القدر الموسيقي، مما يسمح لنا بأن نعيد النظر إلى التفعيلات الخليلية من هذا المنطلق، فنرى فيها بعض التفعيلات تتكون من أزمنة خمسة مثل فاعلن ( ) وآخر من سبعة مثل فاعلاتن ومستفعلن ومفاعيلن ( ).. إلخ”[17].
والنص الأخير الذي أوردناه دقيق جدا إلا في تفصيلة شديدة الأهمية، وهي أن التفعيلات لا تتكون من أزمنة خمسة ولا سبعة كما قال، ويبدو أن الرقمين ( ) و( ) هما سبب الخلط[18]، والصحيح أنها تتكون من زمنين ونصف الزمن مثل فاعلن وفعولن، وثلاثة أزمنة ونصف الزمن مثل فاعلاتن ومستفعلن ومفاعيلن.. إلخ.
إن تفعيلة فاعلن تتكون من (نوار + كروش + نوار) ويمكن التعبير عنها بنقرة، ثم نقرتين متتاليتين
أما فعولن، فتتكون من (كروش + نوار + نوار)، ويمكن التعبير عنها بنقرتين متتاليتين، ثم نقرة.
وتتكون مفاعيلن من (كروش + نوار + نوار + نوار)، ويمكن التعبير عنها بنقرتين متتاليتين، ثم نقرة، ثم نقرة.
وتتكون فاعلاتن من (نوار + كروش + نوار + نوار)، ويمكن التعبير عنها بنقرة، ثم نقرتين متتاليتين، ثم نقرة.
وتتكون مستفعلن من (نوار + نوار + كروش + نوار)، ويمكن التعبير عنها بنقرة، ثم نقرة، ثم نقرتين متتاليتين.
وتتكون مفاعلتن من (كروش + نوار+ كروش + كروش + نوار)، ويمكن التعبير عنها بنقرتين متتاليتين، ثم ثلاث نقرات متتالية.
وتتكون متفاعلن من (كروش + كروش + نوار + كروش + نوار)، ويمكن التعبير عنها بثلاث نقرات متتالية، ثم نقرتين متتاليتين.
نستطيع الآن أن نصل إلى كل المعايير التي حددناها لقياس السرعة الافتراضية لكل تفعيلة/ بحر/ قصيدة؛ حيث يمكننا الوصول –بدقة وعبر طريقة علمية- إلى طريقة حساب متوسط سرعة تتابع النقرات، أو سرعة الحركة، كما أشرنا سابقا، من خلال هذه المعادلة البسيطة (الزمن/ عدد النقرات)، وهو ما سنقوم به في الجدول التالي:
التفعيلة | طريقة الحساب | متوسط السرعة الافتراضية |
فاعلن | عدد النقرات = 3 نقرات |
وفي الجدول التالي نعرض متوسط السرعة الافتراضية للصور الرئيسة للبحور[20]:
الوزن | متوسط السرعة الافتراضية | ترتيبه | الوزن | متوسط السرعة الافتراضية | ترتيبه |
الكامل | 1.43 | الأول | السريع | 1.14 تقريبا | الخامس |
الوافر | 1.37 | الثاني | المنسرح | 1.14 تقريبا | الخامس |
المتدارك | 1.2 | الثالث | الهزج | 1.14 تقريبا | الخامس |
المتقارب | 1.2 | الثالث | الرجز | 1.14 تقريبا | الخامس |
الطويل | 1.12 | الرابع | الخفيف | 1.14 تقريبا | الخامس |
المديد | 1.16 تقريبا | الرابع | المجتث | 1.14 تقريبا | الخامس |
البسيط | 1.17 تقريبا | الرابع | الرمل | 1.14 تقريبا | الخامس |
المقتضب | 1.14 تقريبا | الخامس | المضارع | 1.14 تقريبا | الخامس |
ومرة جديدة سنستخدم مطلع قصيدة أمل دنقل “مقابلة خاصة مع ابن نوح” لعقد مقارنة بين النتائج التي قدمها سيد البحراوي لمتوسط السرعة الافتراضية لأول سطرين، والنتائج التي نقدمها هنا:
“جاء طوفان نوح” = ــ È ــ ــ È Ç [21]
السرعة الافتراضية وفقا لسيد البحراوي = 2x 6 + 3 x 3 + 1 x 2 = 12 + 9 + 2= 23
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 6 فينتج لنا: = 3.83
السرعة الافتراضــية وفـــقــا لــلمـــقترح الذي نقدمه = 5 أزمنة ونصف الزمن / 6 نقرات = 1.09
ويقول السطر الثاني: “المدينة تغرق شيئا فشيئا” = ــ È ــ È È ــ È È ــ ــ È ــ ــ
السرعة الافتراضية وفقا لسيد البحراوي = 6x 6 + 7 x 3 = 36 + 21 = 57
وبعد ذلك نقسم هذا الرقم على عدد كل المقاطع وهو 13 فينتج لنا: = 4.83
السرعة الافتراضية وفقا للمقترح الذي نقدمه = 10 = 1.3
وفي الجدول التالي نعرض مقارنة بين متوسط السرعة في السطرين وفقا لطريقتي الحساب:
السطر | متوسط السرعة وفقا للبحراوي | متوسط السرعة وفقا للمقترح المقدم |
جاء طوفان نوح | 3.83 | 1.09 |
المدينة تغرق شيئا فشيئا | 4.83 | 1.3 |
ويظهر في الجدول أن سرعة السطر الأول (وفقا للطريقتين) أقل من سرعة السطر الثاني، إلا أن السرعة زادت وفقا للطريقة الأولى وفقا للبحراوي بنسبة 26.1%، بينما زادت وفقا للطريقة المقترحة بنسبة 19.3%، وهو ما يعني أن الزيادة، وفقا للطريقة المقترحة، أقل كثيرا، وهذا بالطبع سيعطي نتائج مغايرة عند عقد المقارنة بين كل أسطر القصيدة.
خاتمة
قامت هذه الورقة البحثية على الجهد الذي قدمه سيد البحراوي، فيما أطلق عليه حساب متوسط السرعة الافتراضية، وقدم من خلاله طريقة رياضية لحساب سرعة بحور/ تفعيلات الشعر العربي، محاولا مراجعتها عبر دراساته المتعددة، ويدخل هذا البحث في إطار هذه المراجعات؛ حيث طرحنا بداية محاولاته للوصول إلى طريقة قياس سرعة إيقاع بحور الشعر العربي، لنصل إلى أنها قامت على خطأ رياضي بالأساس، ثم تتبعنا محاولاته المتتالية، لنجد أن فكرة سرعة مقطع على مقطع هي فكرة يجب أن تكون محل نقاش وبحث؛ حيث إنها قامت على طرف واحد من طرفي معادلة قياس أي سرعة، وهو المسافة، فقد اكتفى البحراوي هنا بالزمن، محيدا عنصر المسافة تماما، أو متجنبا الحديث عنه. وفي ظني أن على الباحثين في علم الأصوات السعي وراء هذه الفكرة لقياس المسافة التي يقطعها الصوت الإنساني من نقطة تولده، وحتى نقطة نهايته، وهو ما سيعطينا القدرة بعد ذلك للحديث عن سرعة هذا المقطع أو ذاك.
بعد ذلك حاول البحث أن يقدم طريقة مقترحة لقياس سرعة توالي المقاطع، مستعينا بالمصطلحات التي قدمها الموسيقيون، ومنهم من حاول ربط علم العروض بالموسيقى، لنصل في النهاية إلى معادلة دقيقة –في رأينا- لحساب السرعة الافتراضية للبحر، أو التفعيلة، أو البيت، أو السطر الشعري، تقوم على طرفين أساسيين هما عدد النقرات (كل مقطع يعبر عنه بنقرة والاختلاف في زمن السكنة التالية لها)، والزمن (الموسيقي)، بعد أن حددنا زمن كل مقطع من المقاطع (القصير = كروش أو نصف زمن موسيقي، والمتوسط = نوار أو زمن موسيقي، والطويل = نوار + كروش أو زمن ونصف زمن موسيقي)، لتكون المعادلة هي (السرعة = أي )، ولا شك أن هذا البحث هو مجرد اجتهاد من الباحث، يحاول من خلاله أن يكون إضافة إلى جهود متواصلة من الدارسين والباحثين في موسيقى الشعر العربي، الذين يسعون لكشف هذا السر الذي لم يبح بكل ما فيه بعد.
المصادر والمراجع:
– إبراهيم أنيس. موسيقى الشعر. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. 1952.
– حازم القرطاجني. منهاج البلغاء وسراج الأدباء.
– سيد البحراوي. موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو. دار الثقافة العربية. القاهرة. ط3. 2002.
في البحث عن لؤلؤة المستحيل. دار الفكر الجديد. بيروت. 1988.
العروض وإيقاع الشعر العربي. الهيئة العامة للكتاب. 1993.
– شكري عياد. موسيقى الشعر العربي. دار المعرفة. القاهرة. ط2. 1978.
– عبد الوارث عسر. فن الإلقاء. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1993.
[1] حازم القرطاجني. منهاج البلغاء وسراج الأدباء. 268.
[2] عبد الله الطيب المجذوب. المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها. دار الفكر. بيروت. 1970. ص 80.
[3] إبراهيم أنيس. موسيقى الشعر. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. 1952. ص 175، 176.
[4] الأستاذ الدكتور سيد البحراوي (1953 – 2018) أستاذ الأدب العربي الحديث بكلية الآداب- جامعة القاهرة. له عدد كبير من الدراسات الأدبية والنقدية بدأت برسالة الماجستير (موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو) ورسالة الدكتوراه (الإيقاع في شعر السباب)، ثم تلاهما عدد كبير من الأعمال منها (في البحث عن لؤلؤة المستحيل) و(البحث عن المنهج في النقد العربي الحديث) و(محتور الشكل في الرواية العربية). كما قدم عددا من الأعمال الإبداعية منها (ليل مدريد) و(شجرة أمي) و(هضاب ووديان) و(في مديح الألم)، ويجمع محبوه وتلاميذه الآن السيرة الذاتية التي كان قد كتبها قبل وفاته.
[5] سيد البحراوي. موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو. دار الثقافة العربية. القاهرة. ط3. عام 2002. ص 47، 48.
[6] عبد الوارث عسر. فن الإلقاء. الهيئة المصرية العامة للكتاب. 1993. ص115.
[7] إبراهيم أنيس موسيقى الشعر. مصدر سابق. ص 145.
[8] سيد البحراوي. في البحث عن لؤلؤة المستحيل. دار الفكر الجديد. بيروت, 1988. ص 59.
[9] سيد البحراوي. العروض وإيقاع الشعر العربي. الهيئة العامة للكتاب. 1993. ص 56، 57.
[10] المصدر السابق. ص 57.
[11] سيد البحراوي. موسيقى الشعر عند شعراء أبوللو. والعروض وإيقاع الشعر العربي. مصدران سابقان.
[12] سيد البحراوي. في البحث عن لؤلؤة المستحيل. مصدر سابق. ص 59، 60.
[13] إبراهيم أنيس. موسيقى الشعر. مكتبة الأنجلو المصرية. القاهرة. 1952. ص 146، 147.
[14] المصدر السابق نفسه. ص 90، 91.
[15] شكري عياد. موسيقى الشعر العربي. دار المعرفة. القاهرة. ط2. 1978. ص 74.
[16] المصدر السابق نفسه. ص 90، 91.
[17] سيد البحراوي. العروض وإيقاع الشعر العربي. مصدر سابق. ص 121. وقد أكد في هامشه أن فكرة أزمنة الأوزان من إنجاز الأستاذ محمد حبيب أستاذ العروض الموسيقي بمعهد الموسيقى العربية.
[18] لاحظ أن المقام في الميزانين الثنائي والرباعي هو الرقم (4) لأنها تقوم على الوحدة (نوار) التي تساوي زمنا موسيقيا، أما في الـمـوازين ( )، و( ) فالمقام (8) لأنها تقوم على الوحدة (كروش) التي تساوي نصف الزمن.
[19] (ن) تساوي عدد النقرات، و(ز) تساوي الزمن.
[20] نعرض هنا سرعة صور البحور الرئيسة المتحققة بالفعل، وليس على النحو التي توجد به في الدوائر العروضية، ففي بحر المديد مثلا وضعنا هنا سرعة الصورة المتحققة وهي (فاعلاتن فاعلن فاعلاتن)، وليس صورة البحر كما في الدائرة العروضية (فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن)، وهي الصورة التي لا تتحقق مطلقا… إلخ.
[21] المقطع الزائد في الطول يساوي زمنا موسيقيا ونصف الزمن.