
البناء التطوري للهويات المصطلحية و لعبة تشكل المفاهيم واستمراريتها
د.خميسي ثلجاوي ـ كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 36 الصفحة 45.
ملخص:تعالج هذه الدراسة وبصفة مستفيضة الأسس الأولى لتشكل المصطلحات التي دأبت البحوث التقليدية على معالجتها بالحدس والافتراض دون الاستناد إلى النظر والتجريب.وفي ذلك ناقشت مقولة الجذر التي يراها البعض أصلا ثابتا لكل التشكيلات المصطلحية. ومن أجل تقديم ملامسات حول الغموض الذي يتصل بالبناء التطوري للمصطلحات ولفهم لعبة تشكل هوياتها(الجينية، التارخية ،اللسانية ،الدلالية ) تذهب هذه الدراسة إلى محاولة فهم المنظومات التي تشتغل وفقها الكلمات من أجل نقل المعنى وتحويله. ولهذا الغرض قامت هذه الدراسة أساسا على فكرة الحفر والنبش ولزومية العود على بدء مقدمة بعض المراجعات والنقد للبعض التصورات اللسانية. ولأجل ذلك تمّ الاستناد إلى مقاربة ميكانيكية لتوضيح كيفيات اشتغال البناء الحركي للغة الذي يبقى الأساس لفهم لعبة تشكل الهويات المصطلحية.
الكلمات المفاتيح: مسارات – هويات مصطلحية – نسيج عنقدي- سمات دلالية – حركية جينية. هبات- بناء حركي .
تمهيد:
يبدو أنّ الزعم الخاطئ الذي ينتصر للفكرة التي ترى بأنّ علماء اللغة قديما والباحثين المتأخرين من بعدهم درسوا قضية المصطلح دراسة وافية ولم يتركوا واردة ولا شاردة إلا وأشبعوها تمحيصا وتمعنا اصطدم بمعارضة جاءت الرّد قويّا. و سرعان ما نشطت البحوث المصطلحية وتعددت زوايا نظرها قياسا إلى مرجعياتها المختلفة. لكنّ اللّافت للانتباه والمثير للاستغراب أن ظلت الدراسات التّاريخية للمصطلحات وتحديدا العربية شبه مغيّبة تماما، خلافا للبحوث الغربية التي قطعت أشواطا هامة في هذا المجال. وعلى هذا الأساس يأخذ عملنا مشروعية تنزله حيث يسلط الضوء على بعض الثغرات المتصلة بقضايا المصطلح في إطار مراجعات عميقة وذلك لأجل فهم المسار العام الذي تتشكل وفقه هويّات المصطلح(جينية، تاريخية، لسانية، دلالية).
لذلك فنحن مجبرون على ضرورة إعادة النبش والحفر لفهم لعبة تشكل المفاهيم واستمراريتها، خاصة وأنّ الكثير من المحاولات الناشطة ظلت محتشمة. إضافة إلى أنّ البحوث التقليدية دأبت معالجتها لهذه القضايا بالحدس والافتراض دون الاستناد إلى النظر والتجريب.
فليس غريبا إذن أنّ يصطدم الباحث الغرّ بكمّ هائل من الأسئلة تجعله جريء التفكير معتبرا أنّ مسائل كثيرة متصلة باللغة في حاجة إلى مراجعات حقيقية وأنّ البناء العام لتشكل المصطلحات في حاجة إلى مزيد التفحص. كما يفترض حتما وجود نقص مّا وحصول ثغرات يمكن أن تؤدي إلى الفهم الخاطئ لبعض مسائلها ولنا في الأمر ما سنقوله في لاحق هذه الدراسة.
لقد تفطنت الدراسات اللسانية العربية الحديثة لهذا الشرخ المعرفي، وقدّمت في محاولات في الإبان. ولكنها بدت مفتقدة للعمق لا تزال في طور ولادتها أو طفولتها، لم تقف بعد على قدميها حتّى يتسنّى الحديث عنها كعلم قائم الذات يمكن أن نبني عن أنقاضه البديل على عكس اللسانيات الغربية التي قطعت أشواطا هامة في دراساتها لتاريخ نشوئية مصطلحات لغاتها.
وضمن محاولات التطلع إلى مسارات تكوّن المصطلحات بصفة عامة وفهم منظومات اشتغالها وعمق التشعب الحاصل فيها راودتنا جملة من التساؤلات من قبيل: كيف نفهم العمليات التي تدخل في تشكل المصطلحات ؟ هل هو أمر مرتبط بالمادة اللغوية نفسها؟ أم أمر مقترن بأشياء أخرى تكون من خارج اللغة؟ وما الذي يعطي المصطلحات الدلالات نفسها؟ وبما يفسّر التّجانس بينها وكيف نفهمه؟ وما هي الحدود التي يعكس فيها هذا التّعدد وكيف يتمّ اكتسابها؟وما صلة كلّ ذلك بقضية الجذر؟.
1- مراجعات ونقد
في ظلّ التطور الباهر في العلوم خاض الفكر اللساني أشواطا كبيرة في رصد الظواهر المتصلة باللغة: سواء بدراسة جزئياتها أو بتفصيل القول فيها قصد تطويرها وضبط قواعدها، خاصة وأنّ هذا الأمر صار مطمحها الأساسي طيلة تاريخها، سواء من خلال التّطبيق اللّساني الآني الذي يعالج القضايا اللّسانية الخالصة(دراسة الصوت، الصرف، النحو والدلالة فالتركيب…الخ)والعمل على استنباط قواعد اشتغالها، أو من خلال الدّراسة الزّمنية للغة التي صارت وبصفة إلزامية تفرض نفسها على كلّ دارس لتاريخ اللغة، وللحيثيات التي يمكن أن تساهم في تكوين المصطلحات. وعليه إذ صار لزاما علينا أن نفهم المسار العام الذي وفقه تتكون المصطلحات حتى تصبح حاملة لأبعاد دلالية ومعطيات مختلفة. الحق أنّ هذه المسألة تبدو من الأمور الصعبة والصعبة جدا لذلك فإنّ الأمل في إمكانية شرح هذا اللّغز يبدو من الرّهانات الأساسية التي نهض عليها الفكر اللّساني وكيف لا وأنّ هاجس اللّسانيات متعلق بالاعتناء بعلوم اللّغة وبعالم الإنسان[1].
وبهذا الرّهان أصبحت اللسانيات مجبرة على” إعادة رسم صيرورة الرّوح والحركة الخلّاقة التي عبرها تُولد الرّوح الأشكال المتعاقبة التي من خلالها تصل إلى وعي واقعها الكلّي”[2]. وأمام النتائج الباهرة التي توصلت إليها الدّراسات التي خاضت في قضايا المصطلح والدلالة[3]. وأضفت إلى تحولات معرفية كبرى ساهمت وبشكل رسمي في إحداث شرخ عميق في تاريخ اللّسانيات المصطلحية وأفرزت تعددا في المدارس[4]. ولكن المخيّب للآمال أن ظلت المسارات التكوينية الأولى للمصطلحات غامضة ولا شيء عن حقيقة هويتها. وهذا يجعلنا نعتبر بأنّ حقيقة المصطلحات أشياء أعمق ممّا أوردته المعاجم الصناعيّة. وعليه فلا مجال إلى مسايرة الأفكار التي ترى بأنّ هويّة كلّ مصطلح معطى جاهزا في ذاته، بل نحن مجبرون على مسايرة الأفكار التي تعتبر بأنّ هوية كلّ مصطلح تبقى معطى في حاجة إلى مناقشة.
لقد كان لرواد تيّار ما بعد الحداثة من أمثال جيل دولوز وجاك دريدا وميشال فوكو السبق في طرح هذه القضايا، فمن خلال نقدهم للفكر الكلاسيكي أحدثوا شرخا معرفيا جديدا، خاصة وقد ألحوا على ضرورة الانتباه إلى ما أسموه”الحركات البدوية” أو الفكر الكلاسيكي الذي يؤمن بمقولة المركزية، ويعتبر أن ثمة واحدا ننطلق منه أي الواحد الذي يصبح اثنين وهو فكر قال فيه جيل دولوز بأنه لم يفهم الكثرة قط، يلزمه وحدة رئيسية قوية مفترضة ليصل إلى الاثنين[5].
وضمن المراجعات التي قام بها هؤلاء لمثل هذه القضايا الجوهرية ونخصّ بالذكر منها قضية الأصل أو مقولة الجذر تحديدا[6] كانت قد ساهمت في التّنبه إلى أن الدّراسات المعجمية على أهميتها لم تفسّر وتوضّح المسارات التّكوينية الأولى لتشكل المصطلحات بل كانت مقتصرة على مجرّد قراءات واصفة قامت أساسا على تقديم تعريفات لغوية اشتقاقية مستندة إلى مقولة الجذر[7]. إضافة إلى كونها غيّبت التفسيرات الموضوعية والعلمية الدقيقة لحقيقة حصول التكوينات الجينية الأولى لكل مصطلح، ولم تبرر وجود مقولة الجذر كأصل لكل مشتق.
وعلى هذا الأساس يمكن القول بأنّ الحقيقة التي تقدمها المعاجم الصناعية لا تنهض على تبريرات منطقية تفسّر تعدد المصطلحات المشكلة لكل حقل دلالي[8]. وبالتالي فإنّه من الخطأ التاريخي في حقّ اللغة أن يقع التسليم بأن تكون مقولة الجذر أصلا ثابتا للتشكيلات المصطلحية التي يفترض أنّها متفرعة عنه من مثل النموذج التالي: المادة المعجميّة: (ش،ه،ر) المتولد عنها الفعل شهر الذي يعني: نشر¬ ذكر¬ عاب ¬ فضح ¬ وثق ¬ صوّب ¬ سلّ¬ أذاع ¬ رفع ¬ أعلن¬ دخل ¬ أظهر ¬ أتى¬ جهر، قياسا إلى التمشي المعهود في المعاجم الصناعية[9].
فالناظر في جملة التشكيلات المصطلحية السابقة تبدو له مشتتة لا منطق يحكمها ظاهريا هو ما يجعلها محلّ تساؤلات مشروعة[10] فهي تبدو “وكأنها أكداس من الحجارة لا يربط بينها شيء”[11] بمعنى أنها ظاهريا تشكيلات مصطلحية مفتقدة لقوانين تبرر صلة القرابة بينها و لا نعتقد أنّ لمقولة الجذر دخلا أو تأثيرا في ذلك. بالتالي فنحن نتساءل: وفق أيّ مقياس وقانون تشتغل المعاجم؟ وما الذي يعطي المصطلحات الدلالات نفسها؟ هل هو أمر مرتبط بالمادة اللغوية نفسها؟ أم أمر مقترن بأشياء أخرى تكون من خارج اللغة؟.
يعتبر الباحث عبد الرزاق بنور بأنّ الحقيقة التي تقدّمها المعاجم الصّناعية” قد تضر بالتمشي التطوري، لأن المستعمل سيأخذها على أنّها المعنى الأصلي أو المعنى الجامع، فضلا عن أنّ المعنى الشّائع مسألة قد تكون خلافية”[12]. وهذا ما يفترض حتما فهما خاصا ونوعيّا لتّرابطات الحاصلة التي يمكن أن تتولد بين المصطلحات: أي ضرورة الوعي بالقانون الذي تتحرك وفقه الأنساق الدّاخلية للمصطلحات.والسؤال هنا إلى أيّ حدّ استطاعت الدّراسات اللّسانية أن تعالج هذه القضايا وتفهم تحرك الميكانيزمات الدّاخلية التي يمكن أن تشد الملفوظات بعضها لبعض؟ وكيف فهمت العمليات التي تدخل في إنتاج الكلام وكيف أَوَّلتهُ؟ وهل قدّمت تبريرات واضحة تفسّر التعدّد الدلالي للمصطلحات؟ وما هي الحدود التي يعكس فيها هذا التّعدد وكيف يتمّ اكتسابها؟ وبما فسّر التّجانس بين المصطلحات؟ وكيف فهمته؟ وما صلة كلّ ذلك بقضية الشّجرة و الأصل أو الجذر؟.
إننا مدعوون إلى فهم الميكانيزمات الأولى للبحث في أصل تكوّن المصطلحات وفهم المسارات التي وفقها يحصل التشكيل الدلالي والحال أنّها على حدّ تعبير الباحث عبد الرزاق بنور أنّها من الأمور الناتجة عن عمليات ” تطور
دلالي طريف”[13]وهي ليست بالبساطة التي قد يتصوّرها كل باحث لا يجعل من السؤال دليلا لبحثه.
إنّ الملامسات المقترحة بخصوص قضايا المصطلح في العديد من الدراسات المعجمية تبدو هامة ولكن تغيب عنها الإجابات الواضحة حول حقيقة المصطلحات والحال أن كل ما فعله أصحابها” أنهم نبشوا النّار من الأعلى، فبدلا من معالجة مسألة كيف تعمل اللغة ككل معالجة جادة، يفترضون أنّ لا وجود لشيء متعلق بها يمكن تعلمه عنها، وأنّ المشكل يبقى مجرّد تنظيم لقوى الكلمات التي لا يرقى إليها شك بأفضل طريقة ممكنة. وبدلا من التساؤل والبحث عن مصادر الفعل الشامل للكلمات، يتلاعبون بالتعميمات المتعلقة بآثارها، وهي تعميمات لا تقدم ولا تؤخر ما لم ننفذ إلى أسسها العميقة من طريق آخر”[14].
لذلك فإنّه من المنطق أن نضع قضية” الجذر” موضع السّؤال إذ لا شيء تام في ذاته بل يبدو لنا من العموميات المنتشرة في هواء هذا الزّمان ” فالجذور تدور حول نفسها وتتفرع بكثرة، جانبيا ودائيا”[15] لكن ذلك لا ينفي مطلقا بأنّ:” الجذر مهمّ جدّا ولا سبيل إلى تجاوزه أو التخلي عنه في المعجم اللغوي الآني، لكنه يصبح غير كاف في المعجم التاريخي. فإذا كان لابدّ من دراسة عائلة كلامية كاملة لتمثل تعدد الدلالات وتطوّرها يصبح الجذر مجرد عنصر مرجعي لتمييز المداخل أكثر منه حقيقة معجمية لا يمكن تجاوزها. ذلك أنّ المعجم التّاريخي مطالب أيضا بضبط تغيّر الأشكال عبر الزمن سواء في العربية أم بين العربية واللغات الساميّة. وإذا كان المطلوب وضع سجل تاريخي يضبط علاقات اللفظ وأطوار نموّه فلا سبيل إلى تقييده في “جذر” مع ما نعرفه عن تصاقب الألفاظ والقلب والإبدال”[16].
وبهذه القراءة النقدية نعلن انحيازنا للتوجهات التي تعلن مساءلتها للتصورات الكلاسكية و نقدها البناء له، وإيمانا منا بأهميّة السؤال في البحوث العلمية فلا حرج إذن أن نعلن تمردنا على ما يمكن أن يراه البعض مقدسا وأن ننظر فيه.خاصة وقد اتضح بأنّ التعريف الحقيقي للمصطلح هو التعريف الذي يرى بأنّ اللفظة لها حقيقتها الخاصة وهي ليست حقيقة المعجم الصّناعي، لأن اكتشاف حقيقة كل مصطلح يبقى رهين ظروف معيّنة كانت قد فرضت وجوده. فالمصطلح إذن ليس أمرا نكتشفه، بل أمرا نخلقه من خلال مفاهيمنا: يقول جيل دولوز معلقا على التصوّر الكلاسيكي الذي يعتبر بأن:” ثنائية الجذر– الشجرة (…)أسلوب لا يرى في العالم إلّا السكون والثبات لا يرى الأشياء في حركتها وصيرورتها ولذلك فإنّه يحتفظ دائما بالمنطق الثنائي في الكتابة والرؤية، إنّه” فكر لم يفهم التّعدد أبدا “[17].
فمن الحكمة إذن أن لا يتم النظر إلى مقولة الجذر على كونها ” مستخرجا تصريفيّا من الاستعمال[…] ولا يمكن أن يعقل أنه يسبق الكلام بحال ومن ثمة أن يكون” أصلا”. وكما لا يعقل تصوّر الشعراء يضعون البحور والتفعيلات ويشتقون منها الأبيات والقصائد، فإنّه ليس من المعقول في شيء تصوّر تصور المستعملين الأوائل وبحوزتهم كيسا من الجذور يستعملونها قبل الكلمات- ولا ندري بأيّ طريقة – لأنّ الجذر يمثل عنصرا مجردا، بل إنّه يمثل أقصى التجريد وعليه فنحن إن اعتبرنا الجذر أصلا إنّما نفترض أن العربي ارتقى إلى الملموس من المجرد وذلك أمر لا يعقل إطلاقا”[18].
فمن الجرم إذن في حق اللغة أنّ نسلم بما نراه نحن صالحا لها، فالجذر مقولة هامة لكن لا يمكن أن نسلّم بها كأصل ثابت لكل المصطلحات بل علينا أن ننظر إلى ما يسبق الجذر ونحاول فهم ذلك المسار الذي يحكمه الغموض حتّى ندرك وقائع تكون المصطلحات أو الكلام ونحن نعلم جيّدا أنّها على درجة عالية من الصعوبة ولكن مهم جدّا أن نطرق تلك الأبواب الموصدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ الوعي بهذه المسألة بدا كبيرا حيث وقع التبيّن بكونها مسائل معقدة ومتشعبة. غير أنّ اللساني جيري فودور كان قد أقرّ ببساطة الأمور مقدما فكرة بسيطة تثير الطّابع الفطري للغة في الإنسان معتبرا إيّاه بكونه يولد بمفاهيم فطرية[19]. وسؤالنا هو التالي إلى أيّ حدّ يمكن أن نجاري هذا التصوّر؟.
لا يمكن الاطمئنان لهذا الطرح أو التسليم به خاصة وقد وجد معارضة لدى العديد من اللسانيين البارزين نظرا لكونه يفتقد إلى المنطق لذلك فليس غريبا أن تصطدم أفكاره برفض من طرف بعض اللّسانيين وأنّ يقع التصدي للفكرة التي ترجّح فطرية المفاهيم خاصة وأنّها غامضة وضبابية[20]. و الأمل حول إمكانية شرح هذا اللّغز يكون مع اللّساني تشومسكي المعروف في ميادين مختلفة وخصوصا في مجال اللّسانيات المعاصرة، فلقد أقام هذا اللساني مشروعه على استقصاء الخصوصيات المرتبطة باللغات الطبيعية منتهيا إلى فكرة مفادها بأنّ”دراسة خصوصيات اللغة الطّبيعية وبنيتها وتنظيمها واستعمالها وهو ما يمكن أن يفيد في فهم المميّزات الخاصّة بالذّكاء الإنساني، وفي ذلك أمل في أن نتعلّم شيئا ما حول الطّبيعة الإنسانية، خاصة إذا كانت القدرة المعرفية للإنسان تعدّ الخصوصية الأكثر تميّزا في الجنس البشري”[21].
في بحث قدّمته الباحثة الجزائرية ذهبية حمو الحاج أشارت إلى وجود معارضة شديدة وحادة لرأي تشومسكي من طرف التّجريبيين بالذين انتقدوا فكرة أنّ الذّهن ليس نظاما عاما للمعارف مع إمكانية تّطبيقه في كلّ ميدان معرفيّ يهتمّ به الإنسان[22]. فالفيلسوف التجريبي دافيد هيوم نبّه من البداية إلى أنّه: ليس هناك ما يتّصف بالحرية أكثر من الفكر البشري الذي ينفلت عن كلّ سلطة وعن كلّ سيطرة بشرية. لكن هذا لا يتضمّن حدود الطّبيعة وحدود الواقع حيث يمكننا إدراك ما لم نشاهده وما لم نسمع به قطّ. ليس هناك ما هو أعلى من سلطة الفكر(…) ولكن حتّى إن بدا الفكر مالكا للحرية اللّانهائية، نجد أنفسنا نتفحّصه من قريب ونجده محصورا في حدود ضيّقة، وكلّ هذه السلطة الإبداعية تعزى إلى ملكة التركيب والتّغيير في الواقع، وتوسيع وتقليص الوسائل التي تقدّم لنا المعنى والتّجربة “[23].
فالمؤكد إذن أنّ هذا الرأي يبدو مؤمنا بمقولة المبادئ العامة التي يفترض فيها مساهمتها في شرح المعارف المكتسبة، إضافة إلى كونه يرفض عمليات التّغاير الحاصلة فيها لأنّها ناتجة عن جملة المبادئ التي لا يمكن أن تفقد خصوصياتها رغم ما يحدث عنها من تمييزات. وهذا في تقديرنا ما يظهر خلافا حقيقيّا مع الأمريكي تشومسكي الذي يعدّ من بين اللذين اقترحوا فكرة إدراك الذّهن وهو من الذين أقاموا تصورهم على فكرة التَشكّل(للذّهن) وأعدّوها مُشكلةً من عدّة أنظمة متميّزة. ثمّ يستدرك مشيرا إلى الحديث عن النّظام مؤكدا دوره الأساسي في قول له يعتبر من خلاله ” الذّهن نظام يشمل مجموعة من الأنظمة الفرعية المتميّزة ولكن في تفاعل”[24].
وفي إشارة أخرى إلى تشومسكي فهو في توضيحه عمل الوحدات المتصلة بتشكيل البنى المعرفية إذ يحاول الكشف عن أدوارها في بناء المفاهيم في تصريحه التالي:”فعلا، يمكننا أن ننظر إلى الذّهن،على أنّه نظام من الأعضاء الذّهنية ولأحد هذه الأعضاء ملكة اللغة، ولكلّ عضو من هذه الأعضاء بنيته ووظائفه الخاصة(…)ويقيم علاقة تفاعلية مع الأعضاء الأخرى المحددة بيولوجيا، وهو ما يقدّم الأساس لحياتنا الذّهنية”[25]. والسؤال هنا ألّا يفترض بأن يكون جوهر التكوينات المصطلحية نتاجا حقيقيا لعمليات ذهنية تسهر على قيامها جملة من الوحدات المعرفية؟ .
إنّ الإجابة عن هذا السؤال تتمحور حول مجريات الاتفاق الحاصل بين تشومسكي مع التّجريبيون حين وقع التصريح بوجود وحدات معرفية مميزة رغم وجود احتراز تولد عنها، لأنّ التجريبيون يعتبرون البنى المعرفية التي قال بها تشومسكي والتي حاول من خلالها أن يثبت بأنّ الفرد مسؤول عن تطويرها فهي تبقى في تقديرهم نتائج حقيقية لمبادئ مماثلة من مجال إلى آخر. لأنّ دافيد هيوم مثلا كان قد تحدّث عن التّشابه والتّجاور في الزّمان والمكان وعن وجود علاقة سببية ذات أثر كبير في توليد البنى المعرفية[26] وهو ما جعله يخالف تشومسكي الذي اعتبر فكرة وجود المبادئ بالأمور غير المحتملة.
وأمام التداخل الحاصل في التصورات ازدادت المسألة تشعبا، خاصة وقد تمّت الإشارة إلى أنّ تكوُّنَ المصطلحات
يندرج ضمن بنى معرفية ترتكز أحيانا إلى بعض المبادئ التي تتدخل في وضع البنى المعرفية وتعدها فريدة وخاصة
بكلّ وحدة[27].
فالأمر في تقديرها في حاجة إلى الابتعاد عن ما سمته الباحثة ذهبية حمو الحاج “بالوضعيات التي تزعم التّموقع بين النّزعة العقلية والنزعة التّجريبية”([28]). منتقدة التّصورات اللسانيّة التي تحاول أن تجد لنفسها تموقعا قياسا إلى العبارة “تزعم التموقع “. وتشير الباحثة إلى أحد رواد النّزعة البنيوية جون بياجي(j.piaget) الذي حاول أن يفسر عمليات تكون البنى المعرفية بأنها ليس وليدة المبادئ الخاصة بكلّ بنية وذلك اثر ارتكازه إلى ما يعرف بالبناء المتواصل الذي ينشأ عن التصوّرات الحسية– الحركية للحدث[29] ولكن إلى أيّ مدى يمكن التسليم بهذا الرأي؟
من المؤكد أنّ لا يقع الاطمئنان لهذا الفكر خاصة وأنّ جون بياجي قدّم رأيا خاصا لمّا صرّح قائلا:” وأكثر من ذلك، لا يشكّل الذّكاء ذاته صنفا قابلا للعزل عن المعلومات المعرفية، فهو ليس بناء ضمن أبنية أخرى: إنّ الذّكاء هو شكل من التّوازن الذي تميل إليه جميع الأبنية، حيث يتم البحث عن التّشكيل انطلاقا من الإدراك ومن العادة ومن الآليات الحسية–الحركية الأوّلية، ينبغي أن نفهم أنّه إذا كان الذكاء ليس ملكة، فهو يؤدي إلى استمرارية وظيفية جذرية بين الأشكال العليا للفكر ومجموع الأنواع الدنيا من التكيّف المعرفي أو الحركي. طبيعيا هذا لا يعني أن يتمثل الاستدلال في ربط الأبنية الإدراكية أو أنّ الإدراك يعود إلى الاستدلال اللاواعي (…)لأنّ الاستمرارية الوظيفية لا تفرض تنوّع البنى ولا تغايرها […] وبالتّالي يكون الذّكاء مصطلحا نوعيا يقوم بتعيين الأشكال العليا لتّنظيم أو لتوازن الأبنية المعرفية “[30].
فالباحث يقدّم مقترحه و يزعم بأنّ يُساعدُ على فهم الحالة الأولى أو المبدئية للذهن على اعتبار أنها محددة منذ الولادة وأنّ دورها يتجلّى وبشكل رسميّ في تجسيد التّوازن الذي يفترض أن تُستند إليه جميع الأبنية الذهنية. والدليل على ذلك أنّه جعل من قضية الفطرية مسألة جوهرية وذات أهمية بالغة والحال أنّه وقع في مناقضة لنفسه. بمعنى أنّ جون بياجي حين جعل الذّهن حاملا لمعنى النظام المتجانس والمتشكّل من المبادئ العامة مكوّنةً له كجهاز فطري كان على عكس الأمريكي تشومسكي الذي يجعل وحداتية الذّهن محددة منذ الولادة.
وإذا ما وقع التسليم مبدئيّا بأنّ حقيقة كلّ مصطلح وما يمكن أن يتصل به من حقول دلالية تعود كلّها إلى وجود نظام متجانس في الذهن أو الدماغ. وهو ما يفترض بدوره كشفا في تلك البقاع أو”الخرائط المشعة في الذهن”[31].
ضمن معارضة أخرى لتصورات تشومسكي يشير المدعو مونيني إلى وجود إخلال كبير كان قد وقع فيه الأول (تشومسكي)، الذي بدا له بأنه لم يدرك أنّ الوضعيات الفطرية منقسمة إلى ما يعرف بفطرية المحتوى وفطرية الشّكل، إضافة إلى كونه لم يتفطن إلى أنّ هذه العملية قائمة بالتّناوب حيث توجد فطرية المحتوى وفطرية الشكل في الآن نفسه دون أن يختل الانسجام[32]. والظاهر أنّ مونيني يتقارب مع فودور(fodor ) حول مقترح (تشومسكي) الذي يقرّ بضرورة التخلي عن فطرية الشّكل على حساب فطرية محتوى الذاكرة، وهو ما نستخلص من القول الآتي لفودور :”يكمن الاعتقاد الفطري لتشومسكي في مجموع المعلومات، بمعنى أنّ الطّفل يولد وهو على علم ببعض الأشياء حول الخصوصيات العالمية للغات الإنسان المحتملة، إنّ تفاعل هذه المعرفة الفطرية مع مدوّنة من المعطيات اللّسانية الإنسانية، هي التي تفسر تطوّر القدرات اللّسانية”[33].
وفي تركيزه على الفكرة التي تجعل معارف الطّفل الفطرية تدخل في تفاعل مع المعطيات اللسانية الأولية عن طريق نظام احتسابي وجدناه يعلّق قائلا :” أن مصير المعلومة الفطرية هي التّفاعل مع المعطيات اللّسانية، التي يملكها الطّفل، وعلى هذا التفاعل أن يكون احتسابيا”[34].
فمن المؤكد بأنّ هذه البحوث اللسانية الجادة تؤسس لمشروع يحلم بتقديم بالبديل، غير أنها لم تفض إلى كشف حقيقي عن حقيقة المصطلحات بل ظلت مجرد مقاربات استقرائية تعمل على” شرح الأفعال اللسانية انطلاقا من حالات فرضية يفترض أنّها ناتجة عن نموذج ذهني”[35] أو مجرد مقاربات تبحث في قانون الدّلالات اللسانية في علاقتها بالمصطلحات أو من خلال ميكانيزمات اشتغال اللّسان. وعليه إذ نرى بأنّ فهم ذلك اللّغز يبقى رهين الاستمرارية الوظيفية في البنى المعرفية العليا للذهن والأنواع المعرفية الأولية التي شكّلتها. وذا في تقديرنا ما يعطي المشروعية لكل التساؤلات الواردة حول فهم طبيعة تكون المصطلحات التي ثبت بكونه ليست محض تجربة نظرا لأنّ المفاهيم الأكثر اتصالا بالحياة اليومية تفوق ما توفره التّجربة، أي كيف يمكن التنبّؤ بوجود مفاهيم والحال أنها هي غير موجودة بعد؟.
لقد كان لرواد اللسانيات النفسية وعيا أيضا بقضية تشكل المصطلحات واعتبروها ضبابية وغامضة لدرجة أنهم أقروا بصعوبة فطريتها لأنّ كل مفهوم يُبنى من مفاهيم أخرى، وقد فسّر رواد تيّار ما بعد الحداثة ممن أمثال جيل دولوز هذه الظاهرة التي أطلق عليها بقانون التّكرار[36]الذي يمكن بمقتضاه أن تحصل كل”الظواهر الطبيعة عفويا وكل استدلال يصبح ممكنا في دورات تشابه شاسع: بهذا المعنى يستجيب كل شيء لكلّ شيء مع كلّ شيء”[37].
إذا ما حاولنا تمثل ما قاله جيل دولوز وحاولنا النظر والتساؤل حول البناء الذي يحكم المعاجم الصناعية، فسوف نجد تقاطعا هاما؟ وللسائل أن يتساءل كيف ذلك؟.
فالإجابة تكون كالتالي: كلّما حاول أيّ باحث أن يدرس مادة معجمية معيّنة إلّا وقد وجد كمّا هائلا من المفاهيم التي تشكّل الحقل الدّلالي لتلك اللفظة دون أن تكون هي المصطلح ذاته وذاك في تقديرنا ما عبّر عنه دولوز بدورات التشابه الشاسعة. ولكن كيف نستطيع أن نفهم”لعبة إبداع المصطلحات واستمراريتها”؟[38].
لقد كان لجيل دولوز وعيا كبيرا بهذه القضايا المتشعبة وبيّن بكونها مرتبطة ضمنيا بفهم لعبة التكرار. فلا شيء إذن واضح بذاته بل إنّ كل شيء نابع من نفسه في شكل تكراري. فكيف يمكن إذن الاطمئنان إلى مثل هذه المقاربات والحال أن كلّ مصطلح يقترن اقترانا وثيقا بكمّ هائل من المصطلحات الأخرى التي تشكل حقله الدلالي دون أن تكون هي المصطلح ذاته. فكيف نستطيع أن نفهم”لعبة إبداع المصطلحات واستمراريتها” والتي تأكدت مع جيل دولوز بأنها مرتبطة ضمنيا بفهم لعبة التكرار؟. .
2- حول تشكل الهويات
إنّ ما وصلت إليه الدّراسات المصطلحية وما رصدته من تعريفات للمصطلح الواحد لا يعكس حقيقة هوياته وأنّ ما يذكر من إبداعات لمصطلحات مصاحبة له وفق ما تظهر المعاجم الصناعية تبقى مجرد قياسات مطروحة وهذا ما يجعلنا لا نطمئن إلى ما اعتبره الأوائل بقانون الترادف[39]. بل نحن نؤيّد الفكر الذي يعتبر بأنّ تشكل الهوية الدلالية للمصطلحات تراجع بالأساس إلى وجود مجموعة من السمات التي يمكن أن تكون مشتركة بينها على عكس ما بدا رائجا حول فكرة وجود الأصل الذي هو الجذر. كما أنّ فكرة الترادف في اللغة تبقى مسألة بعيدة كلّ البعد في الكشف عن حقيقة كل مصطلح. وفي ذلك نجاري جيل دولوز في نقده للتصورات القديمة مقدما مقترحه الذي حاول من خلاله أن يوضح ويبيّن العمليات التي وفقها تتشكل المصطلحات. منبها إلى مقترح و مفهوم بديل يرى بأنّه هو الأجدر بنا في فهم قضايا تشكل المصطلحات وهو الذي عبر عنه بمصطلح “الجذمور”rhezome” حيث أراد من خلاله أن يقدّم فهما خاصا للعبة تشكل المفاهيم، فما المقصود إذن بمصطلح الجذمور؟
يعرّف جيل دولوز الجذمور بوصفه عبارة عن شبكة من الخطوط المتداخلة والمتقاطعة والمنفلتة في اتجاهات مختلفة يعبّر فيه كل خيط عن حركية متواصلة للمصطلح والسرعة اللامتناهية للمفهوم[40]. وقد تمثل الباحث بدر الدين مصطفى هذا التعريف وحوّلهُ إلى ترسيمة تلخّص المعنى العام للجذمور، الذي هو عبارة على جملة من الخطوط المتداخلة والمتقاطعة.
ترسيمة عدد 2: تصور دولوز للجذمور(rhizome)[41]
تتكون هذه الترسيمة من جملة من الخيوط المتداخلة يمثل كل خيط منها مصطلح قائم على سمات مختلفة وهي في تداخلها تحدث تقاربا بينها لدرجة أن دولوز في تصوّره للجذمور يرى بأن حقيقة “هذه المفاهيم هي في كونها تفريدات غير ذاتية تعود على الأشياء دون أن تنحصر فيها أو تختلط معها، تماما”[42]. كما يشير في إلى أنّ المصطلحات متعلقة أساسا” بتطورات لامتوازية بين أشياء لا متجانسة، تطورات لا تعمل عبر التشكل وإنما تقفز من خيط إلى آخر”[43]. وكأن بـ “دولوز” بهذا التّوجه يحاول دراسة العلاقات القائمة بين المصطلحات والتي قال فيها بأنها قائمة على الرّبط والتوليف بين جملة من العناصر، دون أن يمتنع عن الإشارة إلى أنّ فعل الربط الذي يمكن أن يحكمها متجاوزا فكرة التماهي بينها والانصهار إلى الإشادة بطبيعة العلاقة التي يقيمها الربط باعتباره متنافرا ومتحولا وهو الذي يعطي التشكيلات المفاهمية طابعها الحيوي[44].
والمتعمق في هذه المقاربات يتضح له التقاؤها مع تصور أحد رواد الدلالة المعجمية المدعو ربوستفشكي الروسي الذي عرف بدراسة المعجم التوليدي والذي استخلص من خلاله بأنّ اللفظ لا يمكن وصفه على نحو ملائم في شكل سيمات تمييزية، دعيا إلى عدم التعامل مع هذه السمات على أنها كيانات ثابتة معارضا بذلك التصور الكلاسيكي.وبهذا الطرح الجديد يصبح اللفظ كيانا فاعلا في خلق المعنى وتوليده وليس فكرة عامة نحصل عليها بالتّجريد أو التّعميم[45]، بل على أساس أنه كثرة “والكثرة كاسم موصوف، كمسند إليه كمبتدأ تتحدد بأبعادها ولا تتحدد بعناصرها أو بمفاهيمها”[46]. وعليه إذ يمكن اعتبار جملة المصطلحات التي يفترض فيها أن تكون مشكلة لحقل الدلالي لمصطلح معيّن فهي تبدو في علاقات مباشرة به كما تبدو محكومة بالتّطور والنّمو في اتجاهات مختلفة وأيضا محكومة بالحركة والانفلات الدائم ومقترنة بنظام قائم الذات كأي نظام طبيعي في هذا الكون[47].
على أنقاض التصور الحركي للغة نسوق الافتراض التالي إذ نعتبر أنّ جملة المصطلحات هي عبارة عن أجسام عائمة قائمة في الذهن البشري يحصل تشكلها وفقا للنظام العام الذي يحتّم ويفرض عمليات تواجدها فتخرج في شكل صور فونيتيكية صوتية قائمة مجسدة لفعل الحركة الذي يجعلها في حالة دوران سريع وفي تدافع مستمر فتخرج كلّ لفظة عبر الجهاز الصوتي ويلتقطها المستمع فتتخمر في ذهنه كفكرة ثم تصبح بعد ذلك في شكل دوال ومدلولات يتم التواضع عليها[48].ولأنّ الحركة القائمة في اللغة تجعل من المصطلحات بمثابة أجسام ذريّة عائمة في حركة دوران مستمرة، مشكّلة في الذّهن يحكمها نظام يمثل صورة للعقل له فاعلية متحركة ومتغيرة وغير ثابتة تحكمها السّرعة والحركة فهي كما عبّر عنها دولوز قائلا:”هي من يضمن تماسك الأجسام” وتجعل حركة المفاهيم تنمو نحو مفاهيم أخرى” لأنّ المفاهيم ترابطات أخرى ومعابر مفتوحة، أي بينها تفاعلات واستبدالات وهو ما يزكي كون المفاهيم شذرية عابرة ومتحولة “[49]في أبنيتها ودلالتها. وهذا ما يفسر عمليات تشكل المصطلحات المقترن بمصطلح الحركة.[50]
3- مبدأ الحركة في اللغة
قديما برزت مقاربات عرفت بالمقاربات الحركية” هي ما يعرف بالدينامية dynamisme وهي نزعة منهجية في النظريات العلمية في الفيزياء والبيولوجيا والرياضيات والإعلامية وعلوم الاتصال ترصد المبادئ الحركية وتراعي مبدأ الحركة في موضوع دراستها فتكيّف منهجها مع هذه السمة[51]عبر المزج بين المنهجين الآني والزماني لتتمكن من حصر سمات الحركة في موضوع دراستها”[52]. خاصة وقد أصبح معلوما بأنّ كلا المصطلحين(الحركة والسمات) من المفاهيم الأساسية المعول عليها في البحوث المصطلحية الحديثة والتي أفضت إلى فكرة تجعل من المصطلحات عبارة عن أنّها أجسام عائمة وعناصر ذريّة في حركة مستمرة، فاللّسانيات الحديثة اهتمت بهذه الظاهرة فبعد أن انتشرت واتسعت زاوية النّظر الآنية خصوصا عند البنيوية خلال فطرة طويلة من القرن العشرين.
فاليوم ظهر المنهج العرفاني الذي يعيد الاعتبار للمناهج الزّمنية التي أصبحت ترى بأن جوهر اللغة متحرك. مستثمرة للنتائج الباهرة التي وصلت إليها العلوم الإنسانية والعلوم الصحيحة. فلقد نبّه الباحث منجي العمري إلى هذا الأمر وبيّن لنا بكيفية تبدو مميزة بعض المقاربات ذات العلوم الصحيحة ومدى قوّة فاعليتها في بيان فعل الحركة في اللّغة وتحديدا في بنية العطف وقد وقف عند ما يعرف ب”نظرية القطيعة الكارثيّة” (théorie des catastrophes) للباحث رينيه طوم (René Thome) طرحها في كتابه “الاستقرار البنيوي وتوالد الأشكال[53]“: والتي قال عنها بأنها ذات منشأ رياضي.
فمن الممكن إذن التعويل هذاالنّموذج النّظري لأنّه في تقديرنا يمكن أن يقدّم تصورا طريفا يساعد في فهم مبدأ الحركية في اللغة وبوجه أدق في فهم تكوّن جملة التشكيلات المصطلحية التي تبدو للبعض بكونها لا تقترن بأصل ثابت. وانطلاقا من فرضية كون المصطلحات أجساما عائمة وعناصر ذريّة في حركة دوران مستمرة صار ممكنا أن فهم عمليات التحوّل الدّلالي الحاصل لكل مصطلح.
على حدّ معرفتنا المتواضعة بمثل هذه القضايا اتضح بأنّ اللسانيات البنيوية خاصة مع دي سوسير وتروبتسكي وقيوم كانوا قد أقحموا مبدأ الحركية في تصوّراتهم البنيوية، غير أنّه كان توظيفا من خارج النّظام السّاكن ولم يكن عنصرا محايثا للبنية عكس المناويل الحركية التي حاولت أن تفسّر التحولات الدّلالية الحاصلة داخل المفاهيم الناتجة عن انتقال سمات معينة بصفة عائمة ومتحركة مسترسلة. والمسترسل مصطلح وقع استثماره واستعارته عند العرفانيين إلى جانب جملة من المفاهيم الأخرى وذلك لفهم قضايا اللغة ودلالتها[54]. فلقد نشأ (مصطلح المسترسل) في الفيزياء الكوانطيّة وفي ما عرف بالنظرية النسبيّة التي تدرس حركة الجسم المادي وصيرورته. فلقد تمّ استجلابه من طرف علم الدلالة العرفاني ثمّ ليترسخ كمفهوم مركزي على اعتبار أنّه شيء طبيعي في نظام المقولات
الدلالية والطرازية[55]. واستثمارا لنظرية القطيعة الكريثية سنحول لبيان مبدأ الحركية في اللغة وذلك بإيجاد تفسير منطقي لعمليات التوليد الدلالي. وهذا الأمر في تقديرنا لن يحصل إذا لم نتمثل ونفهم القانون الذي يشتغل وفقه نظام الحركة داخل اللغة والمنطق الذي بمقتضاه تتولد المصطلحات وتأخذ دلالات موحدة.
فالهدف إذن من تطبيق نظرية القطيعة الكارثية في اللغة هو رصد المبادئ المجردة التي يمكن أن تحرّك النظام الدّاخلي لجملة المصطلحات وتجعل منها متفاعلة ومتولدة عن بعضها البعض .
في إشارة أولى نؤكد أنّ الباحث والعالم روني طوم هو من أحدث نظرية القطيعة الكارثية، وهي نظرية صاغها من خلال مجموعة من الأعمال أبرزها ” الاستقرار البنيوي وتوالد الأشكال”[56] وهو مصنف استند فيه إلى مناويل رياضية. وبيّن فيه أنّ كل نظام(systéme) في الطبيعة(dans la nature) يحتوي على” خاصية الحركيّة تجعله في تطوّر مستمر إلى أن يصل إلى درجة من إشباع الحركة الذي قد يتحول إلى نظام جديد عبر حدوث قطيعة (Discontinuité) يصفها بالكارثة(Catastrophe)[57]. وهي نظرية تلتقي مع غيرها من النظريات في مثل هذا المسار والتوجه من ذلك نظرية الفوضى (Théorie du chaos) [58]مثلا و نظرية الأشياء (Théorie des choses) ثمّ نظرية التجزؤ (Théorie de bifurcation) وهي نظريات قال فيها الباحث منجي العمري” تحاول إيجاد انسجام بين جهازها التّفسيري وموضوع نظرها عبر التحلّي بسمة الطبيعيّة(…) وهي بذلك تنخرط ضمن تحوّل إبستيمولوجيّ الذي سرعان ما تبنّته العلوم الصحيحة وخاصة الرياضيات ثم العلوم العرفانيّة لاحقا، خاصّة في مستوى اتّجاهها الترابطي الذي يجعل من أساس البنية التصوريّة في الذهن عاكسة بطريقة رمزيّة لنظام الأشياء في الكون. ولذلك ينبغي أن تعكس التصوّرات النظريّة الواصفة لهذه العلاقة[59].
و تهدف أيضا هذه النظريات إلى تقديم شرح مفصل يضبط الصّيغ التي يكوّنُ وفقها أي نظام في الطبيعة بصفته نظاما حركيّا. وعليه فإن الغاية من الاستناد إلى المعادلات الرياضية والفيزيائية الولوج إلى عمق الأنظمة في حالات تفاعلها مع المؤثرات الخارجية ثم بيان ردة فعلها وذلك على أساس الفهم الصائب لحركة اشتغال ذلك النظام. كيف يمكن أن نفهم فعل تحقق الحركة داخل المصطلحات؟
إنّ الوعي بصعوبة هذه المسائل وتشعبها يتضح من خلال التعويل التام على يعرف بالتأويل لأن مثل هذه المسائل ليست بالأمور الملموسة التي نستطيع إخضاعها إلى مفهوم التجربة بل هي أمور مستندة إلى المنطق. لذلك فإنّ النتائج التي يمكن تحصل سوف أن تظل نسبية وقابلة لمزيد التدقيق والتعمق.
استئناسا بالمنطق الطبيعي للكون الذي يقوم على تداخل جملة من الأنظمة ]…ن1 ن2 ن3 ن4…[وفق ما بيّنت ذلك العلوم الرياضية والفيزيائية التي لفتت الانتباه إلى أنّ كل نظام هو بمثابة البنية المتحركة لأنه يتضمن بداخله جملة من المتغيرات الدّاخلية (variant internes).
واستئناسا بالفرضية السابقة التي تجعل من جملة المصطلحات أجساما عائمة أو عناصر الذريّة في حركة دوران مستمر إذ نرى بأنّ كل مصطلح بمثابة بنية متحركة من السمات تشكل هويته جملة من المتغيرات الداخلية المتحركة التي هي في الأصل هبات. ولكن السؤال الذي يمكن يطرحه هنا ما الذي يجعل تلك العناصر في حركة دوران مستمر؟ أي مصادر تلك الحركة وبما يفسّر التحول الحاصل في المفاهيم و الدلالات؟
في الحقيقة لقد قدّمت النّظريات الميكانيكية والفيزيائية تفسيرا واضحا للمسألة معتبرة أنّ بنية كلّ نظام يوجد فيها ما يشبه المحرك أو الطّاقة المحركة لجملة المتغيرات (السمات بالمعنى اللّساني)يطلق على تسميته ب”القوّة الكامنة” (Le potentiel) وهي قوّة خفية (Invisible) مولدة عن حقل (le champ vital) يتعذر قياس درجتها. ولكن يبدو أنّ الرياضي روني طوم لا يرى أهمية في معرفتها. مشيرا إلى أنّ النّظام حين يكون في حالة استقرار[60]لا يعني البتة التوقف التام للحركة وانعدام لها، بل يبقى في حركة متواصلة[61]، نظرا لوجود حركة لمتغيّرات حادثة داخل كل نظام وهي التي تُفسرُ بمنطق التّفاعل المستمر مع ما يعرف بالمثيرات الخارجيّة المسلّطة على كلّ نظام. كما تبدو خاضعة لوجود قوة كامنة فيها ومشرفة عليها حيث يتعامل معها النظام بطريقة تجعل منه نظاما جديدا[62].
والثابت أنّ طوم تفطن لهذا الأمر باعتباره قد تنبه إلى أنّ المثيرات الخارجيّة في عمليّة تسلطها على النظام تكون حركتها بطيئة فيحدث آن ذاك ردّة فعل سريعة من قبل المتغيرات. نظرا لوجود ما يشبه الذّاكرة وهو ماعبّر عنه بمصطلح قاعدة التّمهلLe règle de retard :المفهوم الذي أقرّ بثبوته في كلّ نظام طبيعي معتبرا أنّ وظيفته تلقي قوّة الدّفع التي تحدثها المثيرات الخارجية المتسمة ببطء حركتها ثمّ يعمل في ما بعد إلى التصدي للمتغيرات ومنعها من ردّات الفعل السّريعة التي تختص بها إزاء المثيرات الخارجية. بمعنى أنّ طوم في معادلاته التي أجراها توصل إلى نتائج مبهرة كما تمكن من توضيح القانون العام الذي يتميّز بوظيفة مركزية تجعل من كل المتغيرات بأنواعها تحت سيطرة تامة لذلك النظام باعتباره يبقى مستقرا مخفيا وراءه تغيرات بطيئة، وهو تغيّر وصف طوم بأنّه متولد عن وجود حركة باطنية غير ظاهرة.[63]
ويقدّم روني طوم أيضا تفسيرا يقرّ بمقتضاه مشروعية وجود الحركة الباطنية ثم يرجع تلك العملية إلى ما عبّر عنه بالضعف المتواصل للقوة الكامنة لما أطلق على تسمية المحرك الخفي الذي يعطيه مسؤولية لعب الدور الكامن في النهوض باستقرار النظام. ثم يذهب إلى تقديم تفسير يرى من خلاله ازدياد ضعف القوة الكامنة يؤدي حتما إلى تمرّد المتغيرات المتواجدة داخل النظام التي تؤدي إلى انفجار وتغيّر متسارع لمعالم النّظام. وقد فسرّر طوم هذا الأمر بكونه يحصل عندما تصل القوة الكامنة إلى حدّها الأقصى من الضّعف، يختل حينها النّظام وتصبح قاعدة التّمهل عاجزة عن صدّ قوة التغيّر المسلطة من المثير الخارجي، فينقلب وقتها النّظام إلى نظام جديد وذلك عبر قطيعة عنيفة Discontinuité يسميها طوم “كارثيّة”[64].
فالمؤكد إذن بأنّ التوضيح الذي قدّمه طوم وحاول من خلاله تفسير قيام الأنظمة الطبيعية على مبدأ الحركة، فإنّه يظلّ مؤشرا هاما يمكّن من فهم لعبة المفاهيم واستمراريتها، باعتبار أنّ اللغة نظام مجموعاتي (système ensembliste ) يكفل التحكّم في عمليات إنتاج اللّغة، وقبول البناء السليم التكوين(Well formdness) لوحدتها وبنياتها من عدمه كما نبه إلى ذلك الباحث المغربي عبد الواحد دكيكي الذي بدا مشدودا إلى اللساني موتريس غروس (Mautrice Gross) [65]. إذ يمكن أن نؤوّل القول بأنّ النظام المجموعاتي للتشكيلات المصطلحية المكونة لكل حقل دلالي هو قبل كلّ شيء يحتوي بداخله جملة من المتغيرات أي مجموعة من السمات التي هي عبارة مجموعة من الأجسام الشعاعية (Radio Actif) العائمة أي عناصر ذريّة في حركة دوران مستمرة مولدة عن تلك القوة الكامنة والتي هي عبارة عن طاقة محركة لجملة السمات أو المتغيرات والتي تتفاعل مع متغيرات خارجية مشكلة داخل الذهن[66]وتكون مسلطة على النظام المجموعاتي الذي هو اللغة. فيحدث آن ذاك ردّات فعل سريعة وعنيفة من قبل تلك الأجسام الشعاعية العائمة أو السمات للنظام فيحدث الانفجار أو ما يعرف في اللسانيات التوليد المصطلحي والتعدد الدّلالي[67]. وبمقتضى هذا التأويل فإنّ عمليات فهم نشوئية المصطلحات وتقارب صلاتها ببعضها هو أمر مقترن أساسا بالفهم الصحيح لقانون اشتغال المكونات الجينية المتواجدة داخل اللغة وفهم عمليات حدوثها إستنادا إلى قانون الحركة. بالتالي فأنّ كل مصطلح هو عبارة على مجموعة من السمات ذات الحركة والدوران المستمر والتي تصطدم في ما بعد بمتغيرات خارجية فيحدث اصطدام عنيف ويخرج عن الحالة التي هو عليها ثم ليستمر في الدوران وينفجر من جديد وتخرج منه نسخة قياسية على حد التصورات التوليدية[68]. ولقد نبّه الأمريكي تشومسكي في معرض حديثه عن التولد اللغوي إلى كونه ثري ومعقّد تمام التّعقد[69]. وبمقتضى هذا التداخل في التصورات إذ يمكننا فهم تلك المقولة الشهيرة لجون سورل الذي قال :” بأنّ وضعيات الدلالة ليست في غاية السّهولة “[70] . وأيضا ما قاله جيل دولوز في إشارته إلى أنّ كلّ مصطلح قائم على”الربط والتوليف بين مجموعة من العناصر، غير أنّ هذا الربط لا متنافرا ومتحولا،وهاتان الخاصيتان هما ما يعطيان المفهوم طابعه الحيّ ، فالمفهوم توليف غير أنه توليف تنافري، أو قل إنه جذمور أي حقل تراتبي محايث لذاته متكوثر ومتبادل للفعل والانفعال”[71]. وبهذه الخصائص الحيّة يأخذ المصطلح طابعا توليفيا وتجعله منه”حدثا فصاميا يستدعي التلاقي بين العابر والضرورة الدّاخلية، [لأن] الاختلافات لم تعد أشياء تقع تحت مفهوم واحد،[…] من حيث هو الحركة الحرة والمتوحشة للأشياء نفسها أي من حيث هو كل شذري تتكاثف فيه الأطراف وتتفاعل علّها تستطيع بلوغ كثافة الحدث وحيويته”[72].ومن ثمة يصبح التّعدد الذي يحكم كل مصطلح ليس مجرد تجميع لجملة من المصطلحات أو المفاهيم أو لمفردات متنافرة و مبعثرة، بل يغدو ذاك التّعدد الذي يحكم المفهوم بمثابة الرابط الذي يحصل بمقتضاه التفاعل. وتغدو بذلك كلّ لفظة بمثابة” نقطة لقاء وعبور وتركيز لمكونات لا تنقطع عن الصعود والنّزول فيه، خصوصا وأنها متشكلة من مجموعة سمات متفاعلة فيما بينها”[73].
خلاصة
نخلص في هذه الدراسة إلى مجموعة من النتائج نصوغها على النحو التالي:
– أنّ البحث في أصل التكوينات المصطلحية يقترن بضرورة الانتباه إلى ما سماه جيل دولوز بالحركات البدوية.
– أنّ البناء التاريخي للمصطلحات يساعد على فهم المنظومات التي تشتغل وفقها اللغة.
– أن المصطلحات ليست شيئا نملكه وإنّما شيء خلقه قياسا إلى حاجتنا.
– أن المسار التشكيلي للهويات المصطلحية مقترن ضرورة بالبناء الحركي للغة.
– التّعدد الذي يحكم كل مصطلح ليس مجرد تجميع لجملة من المصطلحات أو المفاهيم أو لمفردات متنافرة و مبعثرة، بل هو الرابط الذي يحصل بمقتضاه التفاعل.
– أنّ كلّ مصطلح يمثل نقطة عبور إلى المصطلحات الأخرى وهي متكونة من مجموعة من السمات والتي هي في تفاعلها ينتقل المعنى ويتحول قياسا إلى قانون الحركة الذي يحكم اللغة.
– أنّ التوليد الدلالي للمصطلحات يقترن ضرورة بانتقال سيمات معيّنة مقترنة بإملاءات يطلقها القانون الحركي الذهن.
[1] -” فاللّسانيات ليست هي النحو القديم أو فقه اللّغة (…) فإذا كانت اللّسانيات هي الدّراسة العلمية للغة في ذاتها ولذاتها، فإن اللغة نشاط اجتماعي ونظام فردي وحركة عضوية وتجسيد لتاريخ الثقافات، وعملية منطقية، وحمولة إعلامية ومعادلة رياضية …إلخ. مما جعل اللّسانيات ألسنيات: إذ هناك اللسانيات النفسية، الاجتماعية، اللسانيات الحيوية، اللسانيات الإنسية، اللسانيات الجغرافية، اللسانيات العصبية، اللسانيات التربوية، وهلم وجرّ، وبقدر ما اللّسانيات متأثرة فهي كذلك مؤثرة، مما يؤكد وهمية الحدود القائمة بين العلوم، وقد زاد من اتساع مجال اللّسانيات وانتقالها من مجال إلى مجال”اللسان”إلى مجال” الكلام”، ومن الجملة إلى الخطاب، هادفة إلى صياغة نماذج إنتاج وتواصل، وفهم الخطاب” انظر:(أوكان) عمر: اللغة والخطاب، أفريقيا الشّرق– المغرب، ط ،2001،ص ص،57-58.
[2] – WERNER CHARLES; La philosophie moderne, Payot, Paris,1954,p178.
[3] – لقد استطاعت اللسانيات الحديثة أن تتخطى مراحل هامة في الجواب عن سؤال جوهري مشروع ومتصل بقضايا اللغة وهو التّالي” كيف يتحول المفهوم إلى مصطلح لساني ممكن الوجود يستطيع التعايش بين الدلالة اللسانية والمفهوم الذهني؟” وضمن هذا الإشكال الكبير وجدنا دي سوسير الذي قدم نظرية في تكوين الدلالة اللسانية عندما وضع مثلثة الشهير المفسر لطبيعة العلاقة بين مكوناته(الدّال – المدلول – المرجع ) مشيرا إلى أنّ لكل مصطلح لساني دال يظهر على مستوى العلامة اللسانية ومدلول يشكل صورته الذهنية ومرجع يربطه مع ما يحيل عليه في الواقع أو في الذهن : انظر دي سوسير(فردينان): دروس في الألسنية العامة، تعريب صالح الرمادي، ومحمد عجينة ومحمد الشاوش، الدار العربية للكتاب، ليبيا تونس 1985.
[4] – حول المدارس المصطلحية يمكن العودة على سبيل الذكر إلى كتاب المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم :ص44-45-46-47- 48 لأننا لا نرى داعيّا من إعادة التعريف بها .
[5] – GILLES DELEUZE FÉLIX GUATTARI ; Mille plateaux ,les éditions de minuit.1980.p11.
[6] – لمزيد التعمق في هذه المسألة انظر الهامش رقم (2) من مقال: -(بنور) عبد الرزاق: التلازم الدلالي والترسيس، مقال ضمن كتاب ، نحو معجم تاريخي للغة العربية، تأليف مجموعة من المؤلفين ، تقديم عزمي بشارة ، المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات ، ط1، أفريل 2014،ص 114.
[7] – ورد في المجلد الأول من لسان العرب ما يلي:” جذر: جذر الشيء يجذره جذرا : قطعه واستأصله. وجذًر كل شيء : أصله.و الجذر: أصل اللسان وأصل الذكر وأصل كل شيء. (…)والجذر أصل حساب ونسب. و الجذر: أصل شجر ونحوه. ابن سيده: وجذر كل شيء أصله، وجذر العنق : مغرزها” لسان العرب، المجلد الأول، مادة (ج – ذ – ر) دار صادر بيروت، ط1 ، 1997 ، ص 393.
[8] -لا نرى في التعريف الاصطلاحي لكل كلمة ما يمكّن الباحث من فهم علاقات التقارب التي يمكن أن تنشأ بين المصطلحات، حيث أنّ عمليات التأويل المنتهجة لا تقدم حقيقة عن فعل تولّد المصطلحات ، فضلا عن ذلك فالتعريف الاصطلاحي للفظة يجعل من المصطلح يأخذ دلالات متعددة يصعب توحيدها. ولنا أن نفسر كل هذه الأمور بالغياب الفعلي للمعاجم التارخية التي تدرس تاريخ تشكل المصطلحات والتي تعطي للسياق أهمية بالغة ، نظرا لأن السياق يكتسي أهمية بالغة ويجعل من كل لفظة كتلة دلالية متصلة بكتل دلالية أخرى مجاورة لها ولا تنقطع دلالتها عن سياقها العام الذي يمكّن من بناء المجال المفهومي العام لكل مصطلح. وعليه يكون التعريف المصطلحي لكل لفظة مرتبط بالتحديدات السياقية للملفوظات وهذا ما تفتقر إليه المعاجم الصناعية اليوم : لمزيد التعمق يمكن العودة إلى المصطلح اللساني وتأسيس المفهوم مرجع مذكور مسبقا :ص ص 135-136.
[9] – (ابن منظور) أبي الفضل جمال الدين: لسان العرب، مادة (شهر) المجلد السابع، طبعة جديدة محققة، دار صادر بيروت،(د،ط).
[10] نودّ أن نعثر على الخيط الرّابط بين هذه المفاهيم التي تبدو ذات علاقة مباشرة بمصطلح الإشهار. ففي إطار أشمل نشير إلى انّ المزالق التي وقعت فيها بعض الدراسات اللسانيات المصطلحية فهي لم تستطع أن تحدد مثل هذه القضايا بدقة كما أنها لم تستطع أن تحدد المنهج العلمي الدقيق المناسب لطبيعة موضوعاتها ولم تنتج من المفاهيم والمصطلحات والتصورات ما يمكن أن يشكل أداة للتحليل اللساني وهذا ليس بغريب خصوصا وقد وجدنا العالم الدنماركي لويس هيلمسليف(Hjelmslev, L) (1889-1965) في مشروعه النقدي الذي اشتهر به و توجه به إلى اللسانيات بالنقد معتبرا إياها بكونها في حاجة إلى تأسيس علمي نظري يلغي كل التصورات المتأثرة بالنزعات الطبيعية وأيضا الوضعية التطورية التي تبدو له موروثة عن أدبيات فقه اللغة وكذلك التصور الأدبي للبحث اللساني ثمّ العلوم الإنسانية كلها: انظر اللسانيات وإعادة البناء مرجع مذكور مسبقا:ص ص 60-61.
[11] -(بنور) عبد الرزاق: التلازم الدلالي والترسيس، مقال ضمن كتاب ، نحو معجم تاريخي للغة العربية، تأليف مجموعة من المؤلفين ، تقديم عزمي بشارة ، المركز العربي لأبحاث ودراسة السياسات ، ط1، أفريل 2014،ص 120.
[12] المرجع نفسه: ص 118.
[13] – لقد ذكر االباحث عبد الرزاق بنور بأنّ المدعو فيشر كان قد طرح في محاولة تأليف معجم تأصيلي تاريخي للعربية بعض الضوابط الهامة مشيرا إلى أنّه أهمل أهمها موضحا بعضها. و أكّد الباحث بنور بأن جمع كثير من الباحثين والدارسين للمسائل المعجمية ومن حاولوا دراسة المعجم التاريخي كانوا قد تبعوا منهجه، مستشهدين بالترتيب الذي ضبطه. ومن ناحية أخرى بيّن تعارضه وتناقضه مع مقترحاته حيث قدّم تصورا جديدا يحاول من خلاله البحث في تاريخ المصطلحات. وفي محاولة جادة سعى إلى توضيح فكرة نشوئية الدلالات التي يمكن أن تحصل بين المصطلحات. لمزيد التعمق يمكن العودة إلى : التلازم الدلالي والترسيس، مقال ضمن كتاب ، نحو معجم تاريخي للغة العربية مرجع مذكور مسبقا:ص115-116-117. ولمزيد التعمق يمكن العودة أيضا إلى مقاله في موضوع المحظورات اللغوية وتحديدا” موت الأفعال وتأثيره في التحول الدلالي، مجلة المعجمية، العددان 18-19،2002-2003.
[14] (ريتشاردز)،آيفور أرمسترونغ :فلسفة البلاغة ، ترجمة سعيد الغانمي، ناصر حلاوي، أفريقيا الشرق 2002،ص 18.
[15] – Mille Palataux : p11.
[16] – التلازم الدلالي والترسيس، مقال ضمن كتاب ، نحو معجم تاريخي للغة العربية مرجع مذكور مسبقا: ص 133.
[17]– Mille Plateaux: p11.
[18] – التلازم الدلالي والترسيس، مقال ضمن كتاب، نحو معجم تاريخي للغة العربية مرجع مذكور مسبقا: ص ص،134-135.
[19] – تتطابق هذه الفكرة مع فرضية فودور الكبرى، باستثناء فرضيته القائلة بوجود لغة كونية للفكر، وهو ما يسمى بنظرية الملكات :انظر اللسانيات وإعادة البناء وقائع الندوة العلمية الدولية الثالثة للسانيات ،إعداد ومراجعة لمنصف عاشور وسرور اللّحياني، ص 134 .
[20] – اللّسانيات وإعادة البناء، وقائع النّدوة العلميّة الدوليّة الثّالثة للّسانيات 10،11 و12 أفريل 2014 بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، إعداد ومراجعة المنصف عاشور– سرور اللحياني، مخبر نحو الخطاب وبلاغة التداول كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة 2014، ص 134.
[21] – Chomsky‚(N) : Réflexions sur langage ‚Editions Flammarion ‚paris 1981.p13.
[22] – نشير إلى أن قضية النظام في اللغة تبدو من المسائل الدقيقة والجوهرية في الفكر اللساني إذ كثر الحديث وتباينت الآراء المختلفة حولها خاصة إزاء تحديد هذا المفهوم(النظام) وبيان مجالات عمله. وعلى أساس التشعب الحاصل في المسألة، حدد بعض رواد اللسانيات مستويين اثنين من خلالهما يتحدد مفهوم النظام، فالأول يتمثل في مستوى التحديد التقني حيث نجد من أبرز التعريفات المشهورة الصادرة عن بعض كتب اللسانيين المعاصرين هذا التعريف الذي أورده جون ديبوا (J.Dubois) وزملاؤه القول الآتي:”ينظر إلى اللغة بصفتها نظام، حيث توجد -على مستوى ما (فونيم، مورفيم، تركيب)،أو في فئة ما – مجموعة من العلاقات تربط بين الألفاظ بحيث إذا حدث تغيير في إحداهما اختل ميزان النظام كله” انظر:
-Dubois . jean et autres , Dictionnaire de linguistique ,librairie Larousse, Paris ;p 481.
انظر كذلك التعريف التالي الذي ورد في معجم اللسانيات لجورج مونان وآخرون:”إنّ بنية لسانية مّا هي تجريد لا يستطيع أن يمسك بالظواهر اللسانية إلا من خلال شبكة من علاقات التقابل التمييزي بين العناصر بما يسمح للغة أن تؤدي وظيفتها الرئيسية، وهي وظيفة التواصل[…] إن العلاقات- داخل البنية – يجب أن تكون بكيفية لا يمكن فيها لأي عنصر أن يكون ما يكون إلا من خلال علاقته ببقية العناصر”
– Mounin.) G( et Autres, Dictionnaire de la linguistique,QUADRIGE/PUF,éd2000,p307.
*ملاحظة: نشير إلى أن أتباع دي سوسير يستعملون أحيانا مصطلح البنية structure كمرادف لمصطلح النظامsystème . في حين أن هناك من لا يرى بذلك حيث يفرق بينهما من أمثال الباحث الأنجليزي ج. فيرث الذي يعتبر أن البنية بكونها جملة العلاقات الموجودة في مجال التركيب ، أما النظام عنده فهو محدد بكونه جملة العلاقات الموجودة في المحور الاستبدالي ،انظر:
– Bertil )M(, Les nouvelles tendances de la linguistiques, PUF, Paris, 1968,pp,76-77.
– أما الباحث رفان دوفالد(R.V.de Velde) يعتبر النظام تنسيقا بين العلاقات الاستبدالية والعلاقات التركيبية. أمّا البنية فيحددها بكونها تمثل التنظيم اللساني الثابت لعناصر اللغة إلى جانب تمثيلها لمجموعة العلاقات الداخلية الاستبدالية intra – paradigmatique والتي من المفترض ان يتم الكشف عنها عن طريق البحث القائم على النظرة التكاملية بين محور الاستبدال ومحور التركيب،انظر:
-Velde R. Van(de): Introduction a la méthodologie de la linguistique structurale ,Ed Labor, Bruxelle, 1973,p49.
– أما بخصوص المقترح السيميائي نجد ما جاءت به الباحثة جان مارتيني التي نظرت إلى النظام على أساس أنه يشمل جميع الأنظمة والعلامات وفي ذلك كانت تقول:” النظام هو وجود مجموعة من الوحدات تربط فيما بينها مجموعة من العلاقات من أجل تحقيق مجموعة من الوظائف”انظر:
-Martinet) J (: Clefs pour la sémiologie ,éd Seghers,1973,pp,109-110.
[23]-voir‚ D‚Hume : Enquête sur l’entendement humain‚ Editions Flammarion ‚Paris‚ 2003 ‚p64. 65.
– ملاحظة: يمكن العودة إلى النسخة المترجمة: (هيوم) دافيد: مبحث في الفاهمة البشرية، ترجمة موسى وهبه، دار الفرابي- بيروت، لبنان،ط1، 2008.
[24] – اللّسانيات وإعادة البناء مرجع سابق:ص135.
[25] – اللّسانيات وإعادة البناء مرجع سابق:ص 136.
[26] -(هيوم) دافيد: مبحث في الفاهمة البشرية، ترجمة موسى وهبه، دار الفرابي- بيروت، لبنان،ط1، 2008.
[27] – اللّسانيات وإعادة البناء مرجع سابق:ص 137.
[28] – اللغة وبناء المفاهيم في الفكر اللساني الحديث: مقال ضمن كتاب اللّسانيات وإعادة البناء: ص138.
[29] – المرجع نفسه: ص 138.
[30]– J.Piaget‚La psychologie de l’intelligence ‚Librairie Armand colin ‚Paris1967‚p12-13.
[31] – (ثلجاوي) خميسي: الخطاب الصامت ورهانات التأويل: إشكالات المعنى اللغوي وتشكلاته: مجلة الحياة الثقافيّة السنة 2016العدد 272 جوان2016، ص 80.
[32]-Voir‚D.Meunier ‚Rationalisme et schématisme : Deux versants de la pensée chomskyenne ‚Université du Québec à trois rivières ‚Québec 2010.p42.
[33]– La modularité de l΄esprit ,Editions de Minuit ‚paris 1986‚p15
[34] –: La modularité de l΄esprit p16.
[35]-J. Bouveresse ‚psychologie et linguistique : qu΄a –t-il de proprement mental dans la signification et la compréhension ? in Mattia ‚M et Al Editions ‚paris 2001‚p17-34.
[36]– يبدو هذا المفهوم على درجة كبيرة من التعقيد وهو من أكثر المفاهيم استغلاقا فهو على درجة عالية من الغموض و الصعوبة ويحدد التكرار عند جيل دولوز على أساس أنه “إنتاج لنسخة عن الهوية ” كما أن كل تكرار هو في التمثل تشابه وتماه مع المفهوم فما يتكرر هو الشيء نفسه ، كما أن التكرار عنده أشبه بالمعجزة: أنظر (حد جامي) عادل: فلسفة جيل دولوز عن الوجود والاختلاف، دار توبقال للنشر والتوزيع، ط1 ،2012.ص197-207.
[37] – (دولوز) جيل :الاختلاف والتكرار، ترجمة وفاء شعبان ،مركز دراسات الوحدة العربية ، ط1، بيروت أفريل 2009،ص ص،48 – 49.
[38] – لا شكّ بأنّ القدماء كان لهم حدسا بالمسألة.
[39] – (عبد الواحد) عبد الحميد: الكلمة في اللسانيات الحديثة، صفاقس- تونس، ط1، 2007، (انظر التعريف الخاص بالترادف الوارد بالصفحات235-236-237) .
[40]–Mille Plataeux: p13.
[41] (مصطفى ) بدر الدين : فلسفة ما بعد الحداثة، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ،ط1،2011، ص 118.
[42] – فلسفة جيل دولوز عن الوجود : ص150.
[43] – حوارات، دولوز ضمن كتاب فلسفة ما بعد الحداثة :ص 207.
[44] – فلسفة جيل دولوز عن الوجود مرجع سابق : ص150.
[45] – استئناسا بالباحثة ريم الهمامي : انظر كتابها الاقتضاء وانسجام الخطاب: الصفحة 171 وما بعدها.
[46] – جيل دولوز وتجديد الفلسفة مرجع مذكور مسبقا: ص59.
[47] – يقابل المظهر الحركي للغة المظهر السكوني (Aspect statique)عند دي سوسير والذي يتجلى خصوصا في التحديد الذي أجراه للغة على أساس أنها مجموعة من القواعد المستقرة وأيضا الصور المستقرة لدى الأفراد (انظر دروس في الألسنية العامة). والملاحظ بخصوص هذه المسألة أنّ هذا التحديد عنده وعند سائر البنيويين باستثناء لساني مدرسة جنيف الذي أدّى إلى الانكفاء على وصف اللغة دون تفسيرها.
[48] – هذه الفكرة مستمدة من تعريف ابن جني للغة والتي يقر بمقتضاها على أنها مواضعة حاصلة بين أفراد كل قوم : انظر حول هذه المسألة :(ابن جني)أبو الفتح عثمان الموصلي: الخصائص،ج1،تحقيق محمد علي النجار ، دار الكتاب العربي ، بيروت لبنان ،(د – ت ) ،ص44-45.
[49] – فلسفة جيل دولوز عن الوجود مرجع مذكور مسبقا: ص150
[50] لقد ثبت للمظهر الحركي للغة توجهان كبيران:” الأول يستند فيه أصحابه( يا لمسليف وتشومسكي) إلى مقتضيات المنهج الاستنتاجي في ضوء موقف لساني إجرائي يراعي كيفية تحول الموجود بالقوة (اللغة) إلى الموجود بالفعل(الكلام)، ويفسر، ضمن عملية التبليغ اللغوي، العلاقة النحوية والمنطقية والدلالية التي تقوم بنظمها وتنضيدها قواعد النظام اللغوي، ويسعى إلى أن يكشف عن ظاهرة إنتاج اللغة من حيث هي نشاط إبداعي خلاق في ذهن الفرد”. انظر: اللسانيات وإعادة البناء، مرجع سابق: ص 57.
– أما الثاني فلقد عمد فيه أصحابه(لسانيو مدرسة جنيف، والمهتمون بلسانيات التلفظ) إلى” دراسة المظهر الحركي لنظام اللغة، وهو ما يتجلى في إنجاز الكلام من حيث هو استعمال أسلوبي فردي واختياري تعبيري متميز” انظر: اللسانيات وإعادة البناء، مرجع سابق: ص .57
[51] – يشير الباحث محمد العلوي في تعلق له عن نظرية السمات إذ يرى بأنها” ظهرت (..)كواحدة من النتائج الكبرى والهامة للسانيات الحديثة ،فقد لقد أصبح من المسلم به ، منذ عدة عقود، أن الفونيمات ليست المكونات النهائية للتحليل الصواتي، وأنها قابلة لأن تحلل إلى خصائص مميزة صغرى متزامنة تسمى سمات،وبفضل نظرية السمات،أصبح العدد الضخم، ظاهريا، للأصوات اللغوية الموجودة في لغات العالم مجرد تحققات سطحية لعدد محدود من تأليفات مجموعة صغيرة جدا من السمات تربوا على العشرين. كما وفرت هذه النظرية إثباتا قويا لصالح تصور أن اللغات لا تختلف بدون حد، وأنها تعكس نسقا عاما واحدا متجذرا في القدرات الفيزيائية والمعرفية للجنس البشري”. (العلوي) محمد: مقال البنية الدّاخليّة: من التصوّر الكلاسيكي إلى التصوّر الهندسي ضمن كتاب:اللسانيات وإعادة البناء مرجع سابق :ص233.
[52] -(العمري) منجي ،الدلالة النّحوية بين الطّرح الطبيعي والطرح الحركي حركيّة بنية العطف من خلال نظرية القطيعة الكارثيّة، مقال ضمن أعمال النّدوة المهداة إلى روح الأستاذ عبد الله صولة الدلالة النّظريات والتطبيقات جمع النصوص ومراجعتها وقدم لها الأستاذ خالد ميلاد جامعة منوبة كلية الآداب والفنون والإنسانيات وحدة البحث المصطلح الدلالي تونس 2015، ص 386 .
[53] –stabilité structurelle et morphogenèse ; interéditions ;paris ;1972 ;1977.
[54] – (المجدوب) عزّ الدّين: مفهوم المسترسل، ضمن أعمال ندوة المعنى وتشكلاته، منشورات كليّة الآداب بمنوبة – تونس، ط1،2003: ص 786.
[55] لمزيد التعمق في هذه القضايا انظر كتاب الدّلالة النّظريّات والتّطبيقات، مرجعا سابقا: ص ص-388-340.
[56] – René Thom : Stabilité structurelle et morphogenèse, Interédition, Paris, 1972.
[57] -René thom : Stabilité structurelle et morphogenèse,l′introduction .
[58] – ” نظرية رياضية تتعلق بالأنظمة الحركيّة برزت في الستّينات على يد إدوارد لورنز(Edward Lorenz) الباحث في جامعة مسّاشوتس وهي كبة للجسم في طور التغيّر حيث تتكرر مجموعة من الوضعيّات بسبب مثيرات خارجية عن النّظام فتخلق حركة شبيهة بحركة الفراشة فيسمّي الباحث تلك الحركية نظام الفوضى.وقد أطلق عليها الأمريكي يورك (Yorke) سنة 1975 نظرية الفوضى”انظر الهامش رقم 40 من مقال الباحث منجي العمري ضمن كتاب الدّلالة النّظريّات والتطبيقات مرجع مذكورا مسبقا: ص 398.
[59] – المرجع نفسه: ص 398 .
[60] – نسبة إلى مبدأ الاستقرار البنيوي ( Le principe de stabilité structurale).
[61] – ” وأمّا السرعة فهي على العكس من ذلك خاصية لما يتعلق بالجسم في ذاته ، وبالقياس إلى ذاته، أي أنّها ما يخص عناصره (الجزئيات ) الداخلية المكونة له، ولهذا فحركتها الدائبة قد تتركزّ في نقطة لفترة ولكنها لا تنقطع. بهذا المعنى فالسرعة هي ما يتضمن تماس الأجسام، أو قل– فيما يخص المفهوم– إنّها هي ما يشد مكوناته المتنافرة داخليا. وما يعنيه هذا الأمر هو أن المفهوم لا يضمن تماسكه إلّا بالسرعة التي تعبر عناصره، فوحدته ليست من ذاته، بما أنه جملة متنافرة في الأصل، وبما أنه”ماهية علائقية” مفتوحة، بل هي تأتيه من فعل السرعة التي تلم أجزاءه. ولأنّ السرعة اللّامتناهية هي ماهية المفهوم فهو حدث، بل هو حدث مزدوج، حدث داخلي Endo وأيضا خارجي Exo، إذ فالمصطلح ليس حركة في ذاته فقط، بل هو أيضا حركة نحو المصطلحات الأخرى،لأن بين المصطلحات ترابطات أخرى ومعابر مفتوحة، أنّ بينها تفاعلات واستبدالات وهو ما يزكي كون المفاهيم شذرية عابرة ومتحولة ” فلسفة جيل دولوز عن الوجود مرجع سابق: ص150.
[62] – voir :Citation de René thom choisies par michel porte :p6.
[63] – راجع هذه المسألة ضمن كتاب الدّلالة النّظريّات والتطبيقات مرجع مذكورا مسبقا: ص 397-398.
[64] – أطلق عليها الأمريكي يورك (Yorke) سنة 1975 نظرية الفوضى: الهامش رقم 40 : المرجع نفسه ص 398.
[65] – انظر مقال الباحث (دكيكي) عبد الواحد ضمن كتاب : قضايا المعنى في التفكير اللسانيّ و الفلسفيّ ،إشراف عبد السّلام عيساوي ،جامعة منّوبة كلية الآداب والفنون والإنسانيات، تونس ،ط1، 2015، ص143.
[66] – ملاحظة: هذه المتغيرات ذات سمات مخالفة تماما للنظام المجموعاتي وحول هذه المسألة يمكن العودة لكتاب: (طعمة) عبد الرحمن محمد: البناء العصبي للغة دراسة بيولوجية تطوّريّة في إطار اللسانيّات العرفانية العصبيّة، كنوز المعرفة ،ط1، 2017
[67] – نشير إلى أنّ هذا التأويل مستند إلى التحليل الذي أجراه روني طوم في اثبات قضية الحركة داخل الأنظمة الطبيعية.
[68] – ملاحظة :”في ستينات القرن الماضي وتحديدا في الفترة التي تم فيها نشأة الصواتة التوليدية وقع آن ذاك التخلي عن مصطلح الفونيم phonème المعتمد في الصواتة التقليدية وتعويضه بمصطلح القطعة segment كبديل له ثم الاحتفاظ بالمفهوم نفسه. وقد اعتبرت الصواتة التوليدية بنماذجها المتعددة وتيراتها المختلفة أن السمات هي الوحدات الأساسية في التمثيل الصوتي وربما كان ذلك هو الدافع الرسمي للاهتمام بالسمات والعمل على تحديدها .هذا الأمر كان دافعا أساسيا كان قد ساهم في تقدم دراسة المظهر الصوتي للغات الإنسانية.هذا الأمر تواصل حتى الثمانينات وتم بذلك اعتبار أن السمات هي المكونات النهائية للكلام، غير أنه لم يكن واضحا بالمرة خصوصا في مستوى تنظم السمات داخل الفونيم أو القطعة باصطلاح النظريات التوليدية ،كما أفرز هذا الغموض اختلافا ونقاشا عميقا حول البنية الداخلية للقطعة وطريقة انتظام السمات وينتهي في الأخير بظهور وانبثاق نظرية جديدة للسمات الصواتية هي التي تم الإصلاح حول تسميتها ب” نظرية هندسة السمات”وهي نظرية تحاول الإجابة عن سؤالين يبدوان مركزين،كيف تصنف السمات المميزة المختلفة من طرف الصيرورات الصواتية ؟ ثم ماهي طبيعة البنية المقترحة لتمثيل مركبات السمات داخل القطعة انظر:البنية الدّاخلية للفونيم: من التصور الكلاسيكي إلى التصور الهندسي ضمن كتاب اللسانيات وإعادة البناء:ص ص233-234.
[69] – (تشومسكي) نعوم:اللّسانيات التوليدية من التفسير إلى ما وراء التفسير،ترجمة وتقديم محمد الرّحالي ، دار الكتاب الجديدة المتحدة، ط1، 2013،ص ص،109-111.
[70] Voir: (Jean)Searle‚ sens et expression ‚trad et pref de Joëll. prous. coll.” les sens commun “paris .minuit1982 . p71.
[71] – انظر :فلسفة جيل دولوز عن الوجود :ص149.
[72] – فلسفة جيل دولوز عن الوجود :ص149.
[73] – يتقارب هذا التصور مع ما بدا سائدا في اللسانيات البنيوية التي أولت أهمية بالغة لبنية الفونيم واعتبرته مجموعة غير مبنية من السمات (بلومفيلد).