
مداخلة ألقيت خلال الملتقى الدولي الحادي عشر حول: «الضمانات الدستورية و القانونية للحق في الإعلام في الدول المغاربية» من تنظيم كلية الحقوق و العلوم السياسية- قسم الحقوق- و مخبري أثر الإجتهاد القضائي على حركة التشريع
والحقوق و الحريات في الأنظمة المقارنة/ بجامعة محمد خيضر بسكرة يومي 14-15أكتوبر2012
المقدمة:
لقد كانت حقوق الإنسان بالنسبة للدول الغربية الاستعمارية مسألة داخلية، لأن المبادئ التي نصت عليها مختلف الإعلانات، لاسيما الإعلان الأمريكي أو الفرنسي لحقوق الإنسان، الصادران على التوالي في سنة 1776 و1789، موجهة لحماية الإنسان الغربي فحسب، بينما كانت شعوب الدول المستعمرة تعاني من كل أنواع الاستغلال والمعاملات المهينة للكرامة الإنسانية، كالتجويع والتعذيب والاسترقاق والقتل… وما إلى ذلك.
ولكن عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية، تيقن المجتمع الدولي بان الحروب لا تولد إلا الدمار والتخلف، وأن السلم لا يتحقق إلا من خلال إقامة علاقات فيما بين الدول أساسها التعاون واحترام كرامة الإنسان والشعوب.
ومن هذا المنطلق اعتبرت حقوق الإنسان من أبرز اهتمامات منظمة الأمم المتحدة، فلقد نص ميثاقها في مواضع متفرقة على ضرورة احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وأكد تأييد شعوب الأمم المتحدة لذلك[1]، كما بذلت هذه المنظمة مند إنشائها جهودا كبيرة لكفالة احترام وتعزيز كافة حقوق الإنسان[2].
ومن أجل تحقيق هذه الغاية، وضعت هذه المنظمة مجموعة من الصكوك الدولية، تتمايز من حيث الشكل مابين إعلانات واتفاقيات أو قرارات…، وتتفاوت من حيث القيمة القانونية ما بين وثائق ملزمة وغير ملزمة، أو من حيث الحقوق أو الفئات التي تقوم بكفالة حمايتها. [3]
ويعتبر الحق في الإعلام من أبرز حقوق الإنسان لأنه عبارة عن المرآة التي تعكس طبيعة النظام القائم ودرجة تطوره واتجاهاته ومصالحه وحتى متطلباته.[4] ومن جهة أخرى هو يوفر آلية جديدة تراقب وتضمن تنفيذ مختلف الحقوق المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، ووسيلة للمشاركة في الحياة الديمقراطية، لرصد الإجراءات العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة. كما هو عبارة عن سيف ذو حدين مما يلزم إخضاعه لضوابط وقيود نصت عليها صكوك دولية عدة. [5]
ومن هذا المنطلق تتجلى إشكالية هذه الورقة البحثية:
الإشكالية:
ما هو الحق في الإعلام وما هي القيود والضوابط الموضوعة لممارسته دون التعدي على باقي حقوق الإنسان أو الإخلال بالالتزامات الدولية؟
ما هو مستقبل الحق في الإعلام في ظل التحولات الدولية الجديدة، وما هو دوره في كشف ورصد انتهاكات حقوق الإنسان، لاسيما في الوطن العربي؟
وأخيرا كيف يمكن استعمال هذا الحق لضمان تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان ومن جهة أخرى فرض احترام الخصوصية العربية الإسلامية؟
الخطة:
المبحث الأول: مفهوم الحق في الإعلام
المطلب الأول: الإطار القانوني للحق في الإعلام
المطلب الثاني: تعريف الحق في الإعلام
المطلب الثالث: قيود وضوابط ممارسة الحق في الإعلام
المبحث الثاني: مستقبل الحق في الإعلام في ظل التحولات العربية الجديدة
المطلب الأول: الحق في الإعلام ورصد انتهاكات حقوق الإنسان
المطلب الثاني: تأثير ممارسة الحق في الإعلام في مراقبة تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان
المطلب الثالث: الحق في الإعلام والخصوصية العربية الإسلامية
الخاتمة
التوصيات
المبحث الأول: مفهوم الحق في الإعلام
لقد امتد النضال للحصول على الحق في الإعلام لقرون، فالتاريخ يشهد على أن الكثير من التغيرات والتطورات في شتى الميادين: السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية،…… غالبا ما ترجمت في شكل ثورات وانتفاضات قامت بها الشعوب، فمن حروب الوحدة الأمريكية 1776 إلى الثورة الفرنسية 1789 إلى انتفاضة الشعب الانجليزي.
ولقد ساهمت هذه الثورات في إعطاء حريات وحقوق الإنسان مجالا أكبر للاعتراف والتجسيد، وهو ما أعطى تطورا كبيرا في ميدان حرية الصحافة وحرية الرأي وبالتالي الحق في الإعلام، الذي ظهر بوضوح في الحربين العالميتين وخاصة في الحرب العالمية الثانية حيث استغلت فيها الصحافة لأقصى درجة، بقدر ما تضرر فيها الصحفيين وواجهوا أشد العذاب والعقاب.
وهذا ما دفع بالمجتمع الدولي إلى وضع صكوك دولية حول الإنسان وحقوقه وحرياته وصولا إلى ما يسمى بالحق في الإعلام. وعليه سنتوقف في المطلب الأول من هذا المبحث عند الإطار القانوني للحق في الإعلام لنستخلص في المطلب الثاني تعريفا له، وأخيرا نحدد في المطلب الثالث قيود وضوابط ممارسة هذا الحق.
المطلب الأول: الإطار القانوني للحق في الإعلام
لم يظهر الحق في الإعلام بمفهومه الراهن سوى بعد الحرب العالمية الثانية، على أن جذوره الفلسفية تمتد إلى أبعد من ذلك، فمصادر حقوق الإنسان بوجه عام عميقة الجذور، بعيدة المدى الزمني عبر التاريخ الطويل والثري للإنسانية جمعاء؛ لأنها تمتد لتشمل كل الفلسفات في المجتمعات القديمة والحديثة، وجميع الشرائع السماوية والرسائل الإلهية.[6]
ولقد ورد الحق في الإعلام بالمواثيق الدولية التالية:
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 59 (ء – 1) لعام 1946، والذي يعلن (أن حرية تداول المعلومات حق من حقوق الإنسان الأساسية وهي المعيار التي تكرس الأمم المتحدة جهودها لها. وأن أحد العناصر التي لا غنى عنها في حرية الإعلام هو توافر الإرادة والقدرة على عدم إساءة استعمالها، إن إحدى قواعدها الأساسية هي الالتزام الأدبي بتقصي الوقائع دون تعرض وبنشر المعلومات دون سوء قصد؛
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 127 (ء -2) لعام 1947، والذي يطالب الدول الأعضاء بالقيام ، في الحدود التي تسمح بها إجراءاتها الدستورية ، بمكافحة نشر الأنباء الزائفة أو المشوهة التي يكون من شانها الإساءة إلى العلاقات الطيبة بين الدول ، وبغيره من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة بشأن وسائل الإعلام الجماهيرية وإسهامها في دعم السلم والثقة والعلاقات الودية بين الدول؛
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948[7]؛
- العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966[8]؛
- القرار 4 – 301 الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو عام 1970 حول إسهام وسائل إعلام الجماهير في تعزيز التفاهم والتعاون على الصعيد الدولي، خدمة للسلم ورفاهية البشر ، وفي مناهضة الدعاية المؤيدة للحرب والعنصرية والفصل العنصري والكراهية بين الأمم وما تستطيع وسائل إعلام الجماهير أن تقدمه من إسهام في تحقيق هذه الأهداف؛
- البروتوكول الإضافي لاتفاقية جنيف الصادر عام 1977 والذي خصص مادة لحماية الصحفيين وتوفير الأمن لهم؛
- إعلان بشان المبادئ الأساسية الخاصة بإسهام وسائل الإعلام في دعم السلام والتفاهم الدولي وحقوق الإنسان، ومكافحة العنصرية والفصل العنصري والتحريض على الحرب الذي أصدره المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة اليونسكو في دورته العشرين يوم 28 تشرين الثاني 1978؛
- القرار رقم 25 ميم/104 الذي أصدره المؤتمر العام لليونسكو لعام 1989، الذي انصب التركيز الأساسي فيه على تعزيز “حرية تدفق الأفكار بالكلمة والصورة بين الدول وداخل كل دولة؛
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 45/76 ألف المؤرخ في 11 كانون الأول/ديسمبر 1990، عن الإعلام في خدمة الجنس البشري؛
- إعلان ويندهوك بناميبيا، خلال حلقة اليونسكو الدراسية عن موضوع “تعزيز استقلالية وتعددية الصحافة الإفريقية”، في الفترة من 29 نيسان/أبريل إلى 3 أيار/مايو 1991، والذي يعتبر بمثابة بيان مبادئ أساسية لحرية الصحافة كما وضعها الصحفيون وقد لاقى هذا الإعلان تأييد المؤتمر العام لليونسكو في دورته السادسة والعشرين عام 1991؛
- وفي عام 1993، قررت لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، في قرارها 1993/45 بتاريخ 5 آذار/مارس 1993، تعيين مقررا خاصا معني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير؛
- قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 53/144 المؤرخ في 9كانون الأول / 1998 والمتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها عالمياً[9]؛
- قرار لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة المرقم 7/1998 والذي صدر في 3 نيسان عام 1998 والذي وافقت فيه لجنة حقوق الإنسان على نص مشروع الإعلان المتعلق بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها دولياً؛
- اتفاقية مكافحة الفساد لعام 2005 فقد تناولت أهمية دور الإعلام في مكافحة الفساد؛
- إعلان الحق في الوصول إلى المعلومات المعتمد في اختتام المؤتمر الذي نظمته اليونسكو وكلية الصحافة في جامعة كوينزلاند (بريسبان، أستراليا) بتاريخ 2 و3 أيار/مايو عام 2010 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة وضم أكثر من 300 مشارك بينهم 75 صحفياً من دول الجزر والمجتمعات الأصلية في المحيط الهادي ومن غيرها من المناطق.
وتعتبر المعاهدات الإقليمية الرئيسة لحقوق الإنسان – الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1951، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان الصادرة عام 1969، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب – تحتوي على مزيج مماثل من الضمانات للحق في حرية التعبير والإعلام، والحق في المشاركة السياسية دون تمييز. كما وصادقت نقابات صحفية أوربية كبرى عام 1971 بميونيخ على إعلان واجبات الصحفيين وحقوقهم، وعبرت عن المبادئ الأخلاقية وضمانات استقلال المهنة[10].
كما أن الوثائق التي اعتمدها مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا في وثيقة كوبنهاغن لعام 1990، خطت خطوة أخرى إلى الأمام في مجال حماية الحق في الإعلام.
بعد هذا العرض السريع لأهم الوثائق الدولية التي نصت على الحق في الإعلام، نتساءل كيف عرفت هذا الحق وما هي القيود التي وضعتها على ممارسته؟
المطلب الثاني: تعريف الحق في الإعلام
الإعلام: مشتق من العلم، فنقول أعلم بمعنى أنبأ وأخبر وزود الآخرين بالأخبار الصحفية والمعلومات السليمة والحقائق الثابتة.[11] ثم توسع معنى الإعلام بظهور الصحافة ليشمل معنى استعلم أي المطالبة بالأخبار . وبظهور الثورة الصناعية وبالتحديد أثناء القرن التاسع عشر أصبح معنى الإعلام يصنف على أنه الفعل الذي يجعل من الحدث قضية عمومية أي نشر الأخبار عن طريق وسيلة إعلامية.
والإعلام يشمل مرسل ومستقبل ورسالة. ويمكن إرسال الإعلام بطريقة أحادية من المرسل إلى المستقبل.
ورغم أن حرية الإعلام مثبتة في كل وثائق حقوق الإنسان منذ أكثر من 60 سنة كما رأينا أعلاه، إلا أن تعريفها ما زال من أكثر حقوق الإنسان ضبابية ونسبية.
فينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 19: “لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في إعتناق الآراء دون مضايقة وفيالتماسالأنباءوالأفكاروتلقيهاونقلهاإلىالآخرين،بأيوسيلةودونمااعتبارللحدود“.
كما نصت المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “.. لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريتهفيالتماسمختلفضروبالمعلوماتوالأفكاروتلقيهاونقلهاإلىآخريندونمااعتبارللحدود،سواءعلىشكلمكتوبأومطبوعأوفيقالبفنيبأيةوسيلةأخرىيختارها“.
انطلاقا من هاتين المادتين وضعنا التعريف التالي للحق في الإعلام:
الحق في الإعلام هو حق الأفراد والجماعات والشعوب في الحصول على الأنباء والأفكار ومختلف أنواع المعلومات الصحيحة وتلقيها ونقلها إلى آخرين بشتى الطرق الشرعية الممنوحة، سواء كانت مكتوبة أو مطبوعة أو بأي قالب فني وبأية وسيلة دونما اعتبار للمكان الجغرافي أو الحدود، لتعزيز المشاركة في توجيه الرأي العام وصناعة القرار وتحقيق التنمية.
ويرتبط الحق في الإعلام ارتباطا وثيقا بحرية الإعلام، إذ يعتبر الإطار والامتداد القانوني لهذه الحرية. فالحق في الإعلام: هو تلك الصلاحيات القانونية التي تمنح للأفراد ممارسة تلك الحريات الجزئية للإعلام، ويعني ذلك مجموعة من الحقوق المجردة للوصول إلى حقوق كاملة، وهذه الأخيرة تؤدي بدورها إلى الحق في تلقي الرسالة الإعلامية وتمتد إلى صلاحيات قانونية تؤدي إلى الوصول للمعلومات الحقيقية والنزيهة بحيث تخول لأصحابه القيام بمهنتهم بصفة موضوعية. [12]
ويتضمنالحقفيالإعلام:
_ حق تبليغ الأنباء والمعلومات والآراء: وهذا الحق يتعلق بالصحفي أو معد الرسالة الإعلامية، سواء كان فردا أو مؤسسة إعلامية.
_ حق تلقي الأنباء والمعلومات والآراء: وهذا الحق متعلق بمستقبل الرسالة الإعلامية.
كما لابد التمييز بين الحق في الإعلام والحق في الاتصال، فالحق في الاتصال هو أشمل من الحق في الإعلان، بحيث لخصت مختلف المؤتمرات مقومات الحق في الاتصال و هي:[13].
– الحق في المشاركة؛
– الحق في الإعلام ؛
– الحق في تلفي المعلومات.
وعليه يعتبر الحق في الإعلام والاتصال حقان متلازمان حيث الأول يكمل بإضافة الثاني فالعلاقة بينهما هي علاقة ترابط ولا مجال للحديث عن الحق في الإعلام دون الحديث عن الحق في الاتصال.
ويرتبط الحق في الإعلام بالصحفي أو المؤسسة الإعلامية من جهة إعداد المعلومات والأخبار ونشرها، ومن جهة أخرى يتعلق بالمتلقين من حيث استهلاك تلك المعلومات والأخبار وهذه الأخيرة من شأنها أن تتيح الاتصال بين الأفراد والمؤسسات الصحفية في إطار ما يسمى بالحق في الاتصال.
كما أن الحق في الاتصال يتضمن الحق في الإعلام فالاتصال هو نتيجة للعملية الإعلامية وهنا يظهر التشابه الموجود بين الحقين فكلاهما يمس معد المعلومات والمتلقين. وفي نفس الوقت يعتبر الحق في الاتصال والحق في الإعلام حقان متباينان: فالحق في الإعلام يسير في اتجاه واحد على شكل خط إخباري من معد المعلومات نحو المتلقي بينما الحق في الاتصال ينتج عنه تفاعل بين المتلقين والمؤسسات الصحفية.
ويعتبر الحق في الإعلام حيوي وضروري لتوفير المعرفة للمواطنين، فهو من أفضل الوسائل التي تتيح للجمهور تشكيل الرأي العام، واكتشاف أفكار قادتهم السياسيين ومواقفهم. كما يعطي الحق في الإعلام بالمقابل لرجال السياسة الفرصة للتأمل والتعليق على اهتمامات الرأي العام، وهو بالتالي يوفر الفرصة للجميع من أجل المشاركة في النقاش السياسي الحر الذي هو من صميم مفهوم المجتمع الديمقراطي. [14]
كما لابد أن يشمل هذا الحق الجميع دون تمييز وفقا لما جاء في المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[15]. ومن أهم مبادئه ما يلي:
_ حرية الوصول إلى مصادر المعلومة؛
_ حرية النشر دون مراقبة، سواء كانت مراقبة مباشرة أو غير مباشرة؛
_ الاعتراف قانونيا بحق الصحفي بعدم الإدلاء عن مصادر المعلومات السرية؛
_ الحماية من مخاطر الاحتكارات و تمركز وسائل الإعلام؛
_ على الدولة منح إعانات خاصة لصحافة الرأي، على ألا تكون هذه الإعانات وسيلة ضغط عليها في أي حال من الأحوال.[16]
وحسب المادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (فقرة 2): ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد، إذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد، بأن تتخذ، طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد، ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية أو غير تشريعية.
وتضيف الفقرة (3) من نفس العهد: ” تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد:
(أ) بأن تكفل توفير سبيل فعال للتظلم لأي شخص انتهكت حقوقه أو حرياته المعترف بها في هذا العهد، حتى لو صدر الانتهاك عن أشخاص يتصرفون بصفتهم الرسمية؛
(ب) بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي؛
(ج) بأن تكفل قيام السلطات المختصة بإنفاذ الأحكام الصادرة لمصالح المتظلمين.
وبالرغم من أهمية الحق في الإعلام في النظام الديمقراطي فإنه حقا غير مطلقاً، هذا ما سنتوسع فيه في المطلب الثالث:
المطلب الثالث: قيود وضوابط ممارسة الحق في الإعلام
إن الحق في الإعلام ليس حقا مطلقا، فقد يجري تقيده في بعض الظروف لكن يجب أن يتفق دلك مع المعايير المحددة بوضوح في القانون وفقا لما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي تنص على 3:
“إن ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة تشمل واجبات ومسؤوليات خاصة، ويمكن بالتالي أن تخضع لقيود معينة، ولكن ستكون هذه فقط بما ينص عليه القانون، وفي حالة الضرورة:
(أ) للحصول على احترام حقوق الآخرين وسمعتهم؛
(ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام، أو الصحة العامة أو الآداب العامة”.
انطلاقا من هده المادة فإن ضبط وتقييد ممارسة الحق في الإعلام يكون ضمن الشروط التالية:
• منصوص عليه في القانون- وهذا يعني، أنه يجب أن توجد من قبل في القانون الوطني أو القانون الدولي العام؛
• يخدم غرضا مشروعا- وهذا هو واحد من الأغراض المنصوص عليها في المادة 19 فقرة (3) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛
• ضروري في مجتمع ديمقراطي، وهذا يعني، من بين أمور أخرى، أن التقييد ينبغي أن يكون متناسبا مع الغرض الذي يهدف إليه، وأنه ينبغي ألا ينتقص من جوهر الحق نفسه.
و يمكن تطبيق المادة 20 من العهد الدولي المذكور أيضا في مناسبات مشابهة. هذا ويحظر الدعاية للحرب والدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية بصورة تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف.
كما قيد المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير هذا الحق على النحو التالي: “… لا يجوز تقييد الحق في حرية التعبير إلا للأغراض التالية:
– احترام حقوق أو سمعة الغير؛
– حماية الأمن الوطني؛
– حماية النظام العام؛
– حماية الصحة العامة؛
– حماية الأخلاق العامة؛
– ويجب أن ينص القانون رسمياً وبصورة محددة على هذه القيود والحدود. وعلاوة على ذلك، ينبغي للمشرع أن يراعي التناسب بينها وبين الغرض المشروع منها.
ومن جهة أخرى حدد إعلان ميونيخ الصادر عن نقابات صحفية أروبية عام 1971 واجبات الصحفيين وحقوقهم بطريقة دقيقة نردها كما يلي:[17]
– احترام الحقيقة وإيصالها كما هي إلى الجمهور، حتى لو عادت نتائج ذلك عليه لأن من أهم حقوق الجمهور معرفة الحقيقة؛
– عدم إخفاء المعلومات الهامة، أو تحريف النصوص والوثائق؛
– عدم اللجوء إلى استعمال الطرق القذرة وغير الشريفة في الحصول على المعلومات والصور والوثائق؛
– واجب احترام الحياة الخاصة للأفراد والناس؛
– تصحيح كل معلومة خاطئة منشورة؛
– الحفاظ بسرية المهنة، وعدم البوح بمصادر المعلومات المتحصل عليها بطرق سرية؛
– ممنوع منعا باتا السرقة الأدبية، القذف، عدم التعرض لسمعة الآخرين أو اتهام أيا كان دون أي دليل، إلا إذا تحصل الصحفي على مصدر صادق وحقيقي يثبت أو ينفي كل ذلك؛
– رفض أي ضغط، وعدم قبول الرقابة أو التوجيه في الكتابة أو التحرير إلا من طرف مسؤولي التحرير؛
– عدم الخلط بين مهنة الصحافة ومهنة الإشهار أو صاحب مذهب، أي لا يكون الصحفي مشهرا بشيء وأن يكون حياديا، ورفض أي وصاية مباشرة أو غير مباشرة، وعدم قبول أي تعليمات من المعلنين.
أما حقوقالصحفيينفتتمثلفي:
– من حق الصحفي الدفاع عن حريته في الوصول إلى مصادر المعلومات، والتحقيق بكل حرية في الوقائع التي تتعلق بالحياة العامة، ولا يمكن أن يمنع من هذا الحق إلا بموجب أسباب واضحة؛
– الصحفي ليس مجبرا على إنهاء أية مهمة أو عمل وإجباره على تبني رأيا يكون معارضا مع مذهبه أو ضميره؛
– له الحق في الإبلاغ عن أي قرار مهم يخص المؤسسة الإعلامية، ويجب استشارة الصحفيين قبل اتخاذ القرار النهائي حول القياسات المهمة في تحرير الأجور أو فصل الصحفيين أو الترقية…؛
– مراعاة وظيفة الصحفي ومسؤولياته، والتمتع بالشروط الاجتماعية والمهنية الضرورية لممارسة مهنته، وعقد عمل فردي في إطار اتفاقيات جماعية ضامنة لأمنه المادي واستقلاليته الاقتصادية.
المبحث الثاني: مستقبل الحق في الإعلام في ظل التحولات العربية الجديدة
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن حقوق الإنسان في الوطن العربي، وقد غدا هذا الاهتمام واضحا في ظل التحولات التي عرفتها الساحة العربية، لاسيما بعد سقوط العديد من أنظمة الحكم أو موجة الإصلاحات التي أدخلتها دول عربية عديدة على تشريعاتها.
ولقد لعبت وسائل الإعلام ومن ثم الحق في الإعلام دورا أساسيا في رصد انتهاكات حقوق الإنسان في تلك الدول (المطلب الأول)، كما أصبحت آلية جديدة تساهم في مراقبة تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان (المطلب الثاني)، مما يجدر بها كذلك المساهمة والسعي من أجل المطالبة باحترام الخصوصية العربية الإسلامية (المطلب الثالث).
المطلب الأول: الحق في الإعلام ورصد انتهاكات حقوق الإنسان
لقد تقدم مفهوم الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل ملحوظ في العقود الأخيرة بفضل جهود المجتمع الدولي والناشطين في هذا المجال. ويلعب الحق في الإعلام دوراً مركزياً في الرصد والمراقبة والمسائلة والحث على احترام حقوق الإنسان من قبل أنظمة الحكم القائمة.
فالحق في الإعلام ليس فقط وسيلة للحصول على المعلومات أو التعبير بالمعنى الضيق، لأنه يعتبر في المقام الأول وسيلة لتمكين الجمهور الرقابة على أنشطة الحكومة وغيرها من المؤسسات الهامة، مما يبقى الحكومات ضمن المسار الصحيح الهادف إلى التغيير نحو الأفضل، على شرط أن لا تكون وسائل الإعلام تدين بالولاء الضيق للحكومة أو الحزب الحاكم.[18]
وأبعد من ذلك، يشكل التمتع بحق في الإعلام تأثيراً ملموساً في إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والتعريف بالانتهاكات الواردة عليها، كما قد يساهم باستخدام قوة تأثير الإعلام لإرسال رسائل هادفة لمن لديهم القدرة على وضع حد للانتهاكات، والتأثير على من لهم سلطة إصدار القرار لدفعهم على تغيير الواقع من خلال استخدام وسائل الإعلام المتاحة كالفضائيات والإذاعات والصحافة، وما إلى هنالك…
ولقد تناولت اتفاقية مكافحة الفساد لعام 2005 أهمية دور الإعلام في مكافحة الفساد وألزمت الدول في مادتها رقم 13 بضرورة اتخاذ كافة التدابير المناسبة لتمكين المشاركة النشطة للمنظمات غير الحكومية والإعلام ببنودها الهادفة إلى:
– تعزيز الشفافية في عمليات اتخاذ القرار وتشجيع إسهام الناس فيها؛
– ضمان تيسر حصول الناس فعلياً على المعلومات؛
– القيام بأنشطة إعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد وكذلك برامج توعية عامة تشمل المناهج المدرسية والجامعية؛
– احترام وتعزيز وحماية حرية التماس المعلومات المتعلقة بالفساد وتلقيها ونشرها وتعميمها.
ولقد أكد على ذلك إعلان الحق في الوصول إلى المعلومات[19] حيث اعتبر أن ” ضمان الحق في المعلومات أمر حاسم لاتخاذ قرارات مستنيرة، للمشاركة في الحياة الديمقراطية، لرصد الإجراءات العامة، وتعزيز الشفافية والمساءلة، كما ويمثل أداة قوية لمكافحة الفساد؛ وأن الحق في الإعلام له دور فعال في تحقيق تمكين الشعب، وتعزيز ثقة المجتمع المدني، وتعزيز المساواة بين جميع الفئات في المجتمع، بما في ذلك النساء والشعوب الأصلية”.
وعليه فإن العلاقة بين الإعلام وحقوق الإنسان هي علاقة تفاعل وارتباط وثيق باعتبار أن للإعلام دورا أساسيا في الكشف عن حالات انتهاك حقوق الإنسان والمساس بها والتصدي لها من جهة، ومن جهة أخرى، يلعب الإعلام دورا محوريا في دعم وتأكيد حقوق الإنسان وترجمتها في واقع عملي من خلال تنفيذ مختلف اتفاقيات حقوق الإنسان كما سنرى في المطلب الثاني:
المطلب الثاني: تأثير ممارسة الحق في الإعلام في مراقبة تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان
بعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 اتجهت منظمة الأمم المتحدة إلى مهمة أخرى وهي تحويل المبادئ المنصوص عليها بهذا الإعلان إلى معاهدات دولية تحمل صفة الإلزام، فتم إصدار العهدين الدوليين الخاصين على التوالي بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية، وبالحقوق المدنية والسياسية وبروتوكولاتهما الإضافية[20] ، وبعد ذلك توالت الاتفاقيات التي حولت هذه المبادئ إلى معاهدات دولية تحمل طابع الإلزام للدول الموقعة عليها. [21]
ولضمان تطبيق هذه الاتفاقيات على أرض الواقع، أنشأت هذه المنظمة، مجموعة من الآليات منها الآليات المحلية، والتي تعتبر وسائل الإعلام أهم واحدة فيهم.[22]
كما ويعتبر المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، أحد الآليات الموضوعية لحماية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة [23]، بحيث تتألف الآليات الموضوعية للأمم المتحدة من عدد من المقررين الخاصين أو الخبراء المستقلين أو الفرق العاملة التي يعينها مجلس حقوق الإنسان لبحث أنواع محددة من انتهاكات حقوق الإنسان أينما وقعت في العالم.
وقد اكتسبت الآليات الموضوعية شهرة باعتبارها أحد أقوى الآليات الفعالة للأمم المتحدة في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وتراعي الآليات في منهجها العام الحرص على ألا تبدو وكأنما تسرف في الانتقاد، ولكنها مع ذلك في وضع هام يمكنها من أن تفضح أمام الرأي العام الدولي، حيثما سمح لها بذلك، انتهاكات حقوق الإنسان في كل بلد تقريباً في العالم بغض النظر ( في الأغلب) عما إذا كانت حكومة هذا البلد طرف في أية معاهدة معينة من معاهدات حقوق الإنسان. وبالنسبة للحكومات التي تسعى إلى التماس مساعدتها في العثور على حلول لانتهاكات حقوق الإنسان، فإن الآليات الموضوعية تمثل مصدراً فريداً للخبرة في مجال حقوق الإنسان.
وبالنسبة للأفراد والمنظمات غير الحكومية، توفر الآليات مصدراً للمعلومات القيمة بشأن التطورات الراهنة في مجال حقوق الإنسان، ووسيلة للمساهمة في إجراء الدراسات وتطوير المعايير القانونية الدولية، وفي بعض الحالات توفر لها إمكانية إبلاغ الأمم المتحدة بالانتهاكات المزعومة لحقوق الإنسان. وفي تلك الحالة الأخيرة بالذات، من المهم بذل كل مجهود ممكن لجمع معلومات وافية حول ما زُعم من الانتهاكات وتقديمها للآليات المذكورة.
إلا إن النتائج التي تخلص إليها هذه الآليات والتوصيات التي تقدمها ليست ملزمة قانوناً ولا واجبة التنفيذ، ومع هذا سلم القانون الدولي المعاصر منذ البداية بعالمية حقوق الإنسان، وعلى هذا الأساس كانت أول وثيقة دولية تُعنى بحقوق الإنسان كما رأينا، تحت اسم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ولكن بالمقابل تطالب بعض الدول ولاسيما العربية والإسلامية[24]، بخصوصيتها الثقافية والدينية وتطالب باحترامهما وعدم التعرض لهما.
فهل باستطاعة الدول العربية استعمال حقها في الإعلام كوسيلة لإبراز خصوصياتها وفي نفس الوقت توصيل نظرتها وثقافتها إلى العالم؟ هذا هو محور المطلب الثالث والأخير من هذه الدراسة:
المطلب الثالث: الحق في الإعلام والخصوصية العربية الإسلامية
لقد حاولت الدول العربية في عدة مناسبات وضع معايير لعالمية حقوق الإنسان، تأخذ في الاعتبار تميزها وخصوصيتها الدينية والثقافية. ولقد تمكنت هده الدول في عام 1998، من وضع خطوط استرشادية تخفف من العالمية الغربية لحقوق الإنسان، أهم هذه الخطوط ما يلي[25]:
- التمسك بالخصوصيات الدينية والاجتماعية والثقافية التي تشكل موروثات وروافد تسهم في إثراء المفاهيم العالمية المشتركة لحقوق الإنسان؛
- الأخذ بحقوق الإنسان بمفهومها الشامل والعادل ومن كل جوانبها المدنية والسياسية وكذلك الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؛
- التمسك بالسمات الخصوصية والقيم الأصيلة في كل مجتمع لا يعني الاغتراب الحضاري أو الانغلاق على الذات؛
- عدم استخدام حقوق الإنسان ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول والانتقاص من سيادتها الوطنية؛
- ضرورة التزام المجتمع الدولي بتناول مسالة حقوق الإنسان على نحو يقوم على الموضوعية ويشمل كافة الدول دون انتقائية ولا تمييز؛
- الاتفاق على مفاهيم عربية موحدة لحقوق الإنسان مستوحاة من القيم الإنسانية الرفيعة للشريعة الإسلامية؛
- التأكيد على حرية الرأي، ونبذ التطرف والإرهاب.
وتجسيدا لهذه الخطوط الاسترشادية، يجب أن يكون الحق في الإعلام يخدم الثقافة العربية الإسلامية ولا يتعارض معها إطلاقا بل ويدافع عليها، بوصفه أكثر حقوق الإنسان يعكس خصوصيات هذه الثقافة.
فإطلاق حرية والحق في الإعلام على مصرعيه من شأنه أن يترك مجالا أمام “الإسلاموفوبيا” التي بدأت تنتشر في العالم الغربي، والتي لا تقبل المسلم إلا منزوعا من ثوبه الثقافي والإعتقادي.
ولقد أعطتنا حادثة الرسوم الكاريكاتيرية أو الفيلم المسيء للرسول (ص) أمثولة معبرة عن كيفية المشاركة في مشهد صراعي بين ثقافتين في عالم أصبح الاحتجاج على هذا التطاول أو على الاستعمال المفرط للتقنيات الحديثة من دون رقيب، انتهاكا للحق في الإعلام.
ومن جهة أخرى، وفي حين رحب المسلمين بالقرار الصادر عن مجلس حقوق الإنسان لعام 2008، والذي منح المقرر الخاص بتعزيز وحماية حق وحرية التعبير والرأي في العالم تفويضا يتعلق بالإساءات التي يتعرض لها الدين الإسلامي في العالم، أعتبر الغرب هذا القرار تراجعا وتقييدا للحريات لاسيما التعبير والإعلام.
كما وأن النمو الإعلامي غير المتكافئ يزيد الطين بلة، فبقدر ما يشكل غياب المساواة في الفرص والإمكانيات مصدر اضطراب في ممارسة الحق الطبيعي في التعبير عن الرأي، بقدر ما تصبح حرية التعبير، شكلية ومحدودة. هذه المساواة المؤسسية بين النظائر تواكبها وتسير معها مساواة بين منظومات القيم نحن بأمس الحاجة للدفاع عنها.
الخاتمة:
بالرغم من الإصلاحات الايجابية التي شهدتها أغلبية الدول العربية لاسيما المغاربية، لا يزال الصحفيون والمحررون والناشرون في كثير من البلدان العربية ضحايا للقمع، إذ يتعرضون للقتل أو التوقيف أو الاعتقال أو المراقبة. كما وهناك مجموعة من العوائق التي حالت دون تحقيق الحق في الإعلام أهدافه بصورة كاملة في أغلبية هذه الدول، وتتمثل هذه العوائق فيما يلي:
– الفوارق الاجتماعية الهائلة بين القلة التي تتحكم في موارد الثروة والإنتاج ووسائل التعبير السياسي والإعلامي والأوضاع الثقافية والإعلامية؛
– أزمة النخبة العربية المثقفة المتعلقة بالعالم الغربي، وهي تتابع بين خطرين: أولها القمع السياسي والاجتماعي، وثانيها محاولات الاحتواء من جانب الأنظمة الغربية؛
– ظهور في العالم الغربي ما يسمى”بالتكتلات الصحفية” حيث استطاعت أن تعيق الحق في الإعلام وتجسيده في أرض الواقع، خاصة في البلدان التي تصدر فيها؛
– عدم انتشار التعليم، وعدم وجود قنوات إعلامية اتصالية أو محدوديتها، حيث لا يتاح للأفراد التعرف على حقوقهم ومناقشتها ومن بينها الحق في الإعلام؛
– استخدام وسائل الإعلام الحديثة تقنيات وتكنولوجية متطورة مجملها تحت سيطرة الرأسمالية الغربية.
ومنكلماسبقلابدمنرفعالتوصياتالتالية:
التوصيات:
لتشجيع وتعزيز التغيُّرات الايجابية التي تحدث في الوطن العربي، لا سيما المغاربية، ينبغي العمل على سبيل الأولوية:
– على تشجيع الدول المغاربية على كفالة الضمانات الدستورية والتشريعية لحرية الإعلام؛
– رفع مستوى الوعي حول حرية التعبير والحق في الإعلام؛
– توجيه دعم التمويل نحو تطوير إنشاء صحف ومجلات ودوريات غير حكومية تعبِّر عن المجتمع ككل وعن وجهات النظر المختلفة في حدود الثقافة العربية الإسلامية؛
– إنشاء رابطات أو نقابات أو اتحادات صحفيين المغرب العربي تكون مؤسسات حقيقية من حيث الاستقلالية والتمثيل والعمل على تنسيق عملهم وتبادل المعلومات والخبرات؛
– تشجيع وتعزيز التعاون فيما بين النقابات أو الاتحادات ويمكن ذلك مثلا من خلال مبدأ التوأمة؛
– صياغة قوانين وسائل الإعلام والعلاقات المهنية في الدول المغاربية بطريقة تكفل وجود هذه النقابات أو الاتحادات؛
– تقديم التسهيلات للعاملين في مجال الإعلام وعدم إعاقتهم أو تعريضهم للاهانة أو الإيذاء عند ممارستهم لعملهم؛
– إطلاق صراح الصحفيين المسجونين بسبب أنشطتهم المهنية وكفالة للذين اضطروا إلى مغادرة بلدانهم لنفس الأسباب، حرية العودة لاستئناف أنشطتهم المهنية؛
– وأخيرا على الدول المغاربية أن توحد تحركاتها مع الدول العربية والإسلامية من أجل الرد على الإعلام الغربي وعدم السماح له بالتعدي على مقدساتها واعتقاداتها الدينية، كما عليها أن تفرض خصوصياتها من خلال إعلام عربي حر ومستقل وأصيل.
[1] أنظر الفقرة 2 و4 من ديباجة ميثاق الأمم المتحدة، وكدا المادة الأولى فقرة 1 و2، المادة 55، 56، 73 و 76 منه.
[2] الأمم المتحدة، حقوق الإنسان: الوثيقة الدولة لحقوق الإنسان، قسم المعلومات العامة، نيويورك، DP/HR/925/Rev. 1 ، 1995، ص 3ـ 6.
[3] أحمد أبو الوفا ، الحماية الدولية لحقوق الإنسان في إطار منظمة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المتخصصة، مجموعة محاضرات ألقيت في المعهد الدولي لحقوق الإنسان خلال الدورة رقم 36 والتي نظمها المعهد في مدينة ستراسبورج ـ فرنسا خلال شهر يوليو/ تموز 2005، ص 20.
[6] د. سرور طالبي المل، حقوق الإنسان في ضوء الشرائع السماوية، دار غراب للنشر والتوزيع، القاهرة، 2012 (تحت الطباعة)، ص 15.
[7] بموجب قرار الجمعية العامة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
[8] والذي جاء لتعزيز حقوق الإنسان وإسباغ الصفة الإلزامية القانونية على الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتفصيلها بشكل أكثر دقة.
[9] جاء هذا الإعلان بعد صدور قرار من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأمم المتحدة برقم 33/1998 في 30 تموز 1998 والذي أوصى فيه المجلس الجمعية العمومية باعتماد مشروع الإعلان.
[10] أحمد ظاهر، حقوق الإنسان، دار الكزمل، عمان، 1993، ص 294.
[11] زهير إحدادن، مدخل لعلوم الإعلام والاتصال. ديوان المطبوعات الجامعية، طبعة 2002، الجزائر، ص14.
[12] راسم محمد الجمال. الاتصال والإعلام في الوطن العربي. مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت، 1991، ص19.
[13] حمدي قنديل.الجوانب الفلسفية والقانونية للحق في الاتصال، ورقة قدمت إلى ندوة حق الاتصال في إطار النظام الإعلامي الجديد.بغداد1981.عن راسم محمد الجمال.الإعلام والاتصال. مصدر سابق، ص24.
[14] أنظر حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية كاستلز ضد اسبانيا، الحكم الصادر في 23 أبريل 1992، المجموعة أ رقم 236، الفقرة 43.
[15] تنص المادة 2 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “1. تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه، وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب.”
[16] أحمد ظاهر، المرجع السابق، ص295.
[17] أحمد ظاهر، المرجع السابق، ص 294.
[19] تم اعتماده في اختتام المؤتمر الذي نظمته اليونسكو وكلية الصحافة في جامعة كوينزلاند (بريسبان، أستراليا) بتاريخ 2 و3 أيار/مايو عام 2010 بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة.
[20] الأمم المتحدة، حقوق الإنسان: الوثيقة الدولة لحقوق الإنسان، قسم المعلومات العامة، نيويورك، DP/HR/925/Rev. 1 ، 1995، ص 3-6.
[21] راجع عمر عبد النافع خليل، نظرة سريعة على أهم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، مجلة الجنان لحقوق الإنسان، العدد الأول، حزيران 2010 ص 52- 64.
[22] هناك الآليات المحلية منها وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وأخرى إقليمية نصت عليها الاتفاقيات الإقليمية، وأخيرا آليات تعاقدية دولية.
[23] منظمة العفو الدولية، مقتطفات من كتاب ’الآليات الموضوعية التابعة للأمم المتحدة في عام 2002 وثيقة رقم: IOR 40/009/2002.
[24] د. سرور طالبي: عالمية حقوق الإنسان والخصوصية العربية الإسلامية، مجلة الجنان لحقوق الإنسان، مجلة محكمة صادرة عن جامعة الجنان/ طرابلس لبنان، العدد الثالث، حزيران/جوان- 2012، ص 11-40.
[25] أنظر القرار رقم 5819 الصادر بتاريخ 17 سبتمبر/أيلول 1998 عن مجلس جامعة الدول العربية بخصوص وضع الخطوط الاسترشادية في مجال وضع معايير لعالمية حقوق الإنسان.