جدلية المخاتلة في بناء الأنساق الثقافية للنخلة في القصة القصيرة النسوية
The argumentative dialectic in building the cultural patterns of the palm tree in the feminist short story
د. خالد زغريت (جامعة حماة،كلية الآداب و العلوم الإنسانية ـ سوريا)
Dr.. Khaled Zgharet (University of Hama, College of Arts and Humanities)
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 80 الصفحة 67.
Abstract:
This research aims to study the deceptive dialectic in building the cultural patterns of the palm tree in the Arab feminist short story, based on the openness of the contemporary feminist short story to techniques from the achievements of the structures of other literary genres, and their employment, such as: humanism, symbolism, and poetry. It contains diverse cultural formations, with several references of knowledge.
This research revealed the manifestations of the deceptive dialectic in the cultural patterns in the selected stories, so it concluded by observing the dialectic of four deceitful systems, the first: the humanization and feminization of the palm tree, which implied a deceptive cultural pattern manifested in the search for tranquility in nature instead of humanity. The second: the Phoenician fertility myth, which implied an insidious cultural pattern that maximizes the fertility of the will to immortality in contemporary facts that copy the legendary spectrum. And the third: the system of myth and magic that implied the pattern of human consciousness, and the fourth: the pattern of the culture of belonging that implied the pattern of the culture of deceptive alienation.
This research relied on the cultural method, which uses the descriptive analytical method to enable it to achieve its hypotheses in clear results.
Keywords: dialectic, patterns, cultural, deception, story feminism
الملخص:
يهدف هذا البحث إلى دراسة جدلية المخاتلة في بناء الأنساق الثقافية للنخلة في القصة القصيرة النسوية العربية. منطلقاً من انفتاح القصة القصيرة النسوية المعاصرة على تقنيات من منجزات بنى الأجناس الأدبية الأخرى، وتوظفيها، مثل: الأنسنة، والرمزية، والشعرية، فاستلهم القصّ طاقات إبداعية، تنطوي على تكوينات ثقافية متشعبة، ذات مرجعيات معرفية عدة.
كشف هذا البحث عن تجليات جدلية المخاتلة في الأنساق الثقافية في القصص المختارة. فخلص إلى رصد جدلية أربعة أنساق مخاتلة، الأول: نسق أنسنة النخلة وتأنيثها الذي أضمر نسقاً ثقافياً مخاتلاً تجلى في البحث عن السكينة في الطبيعة بدلاً من الإنسانية. والثاني: نسق أسطورة الخصب الفينيقي الذي أضمر نسقاً ثقافياً مخاتلاً يعظّم خصب إرادة الخلود في وقائع معاصرة تنسخ الطيف الأسطوري. والثالث: نسق الخرافة والسحرية الذي أضمر نسق الوعي البشري، والرابع: نسق ثقافة الانتماء الذي أضمر نسق ثقافة الاغتراب المخاتل.
واعتمد هذا البحث على المنهج الثقافي الذي يستعين بالمنهج الوصفي التحليلي ليمكّنه من تحقيق فرضياته في نتائج بيّنة.
الكلمات المفتاحية : ( جدلية، الأنساق، الثقافية، المخاتلة، القصة، النسوية).
المقدمة:
تمكّنت القصة القصيرة النسوية العربية الحديثة، في نماذج أبدعتها قاصات امتلكن مهارة تطوير أدوات فنّ القصّ، من ترسيم هويتها الإبداعية الخاصة به. وأكسبته إضاءته في سياق الإبداع الأدبي الحديث. فاجتهدت تلك القاصات في استلهام انفتاح آداب العصر، وفنونه على تداخل مختلف تقنيات تلك الفنون، وأساليبها في تجسيد خطاب فني بنى تأثيراته في المتلقي.
وقد بدأت القاصة العربية تلمس بهاء تمايز القصّ النسوي في مراحل نضوج هذا الفن مستلهمة ألق التوظيف الثقافي الذي أسهم في تكوين ذاتها الفكرية والفنية. فاختزنته في معمار سرد برّاق متضاعف الإيحاءات والدلالات. وكانت النخلة ثيمة ثقافية بيئية، اكتنزت في ذاكرتها طيات ثقافية كثيفة ثرية بتاريخها. فشكّلت أيقونة رموز باهرة في انفتاحها على توظيفات إبداعية بديعة الفيض الجمالي. فعملت القاصة على تأنيث النخلة وأنسنتها، واستحضار بناها الثقافية التاريخية في الدلالة على الخصب والطهر والسكينة، والانبعاث والانتماء. فجسّدت أنساق ثقافتها الظاهرة، مضمرة ثقافة مخاتلة تنسخ النسق الظاهر، وتشع نقيضه في بناء جدلي. وقد سعت هذه الدراسة إلى الكشف عن الأنساق الثقافية المخاتلة للنخلة في سياق نقد ثقافي يُعنى باستقراء بناها وتحليلها.
منهج الدراسة : تقوم هذه الدراسة على المنهج الثقافي الذي يكشف الجدلية المخاتلة في بناء الأنساق الثقافية للنخلة في نماذج قصصية دالة، تجسّد بنى الأنساق الثقافية. إذ ستكون القصة النسوية العربية في نماذج مختارة منها المجال التطبيقي للتصورات المنهجية، والفكرية والفنية التي تبنى عليها هذه الدراسة.
مشكلة الدراسة، وأهميتها: دُرست القصة القصيرة النسوية العربية في مختلف بناها الفنية والفكرية، لكن لم تختص دراسة بعد في دراسة الأنساق الثقافية المخاتلة للنخلة. فكان ذلك غاية هذه الدراسة.
الدراسات السابقة :حظيت القصة القصيرة النسوية بدراسات كثيرة، تمركز جلها إلى اتخاذ المكان حدوداً لها، مثل ما نجد في مكتبة النقد العربي على سبيل المثال، دراسات في القصة النسوية المصرية[1]، والأردنية[2]، والإماراتية[3]، والسعودية[4]، ولم تتجاوز هذه الدراسات الحدود الجغرافية لبلدان منشأ القاصات، ولم نعثر على دراسة تتناول مجال دراستنا.
تأصيل مصطلحات البحث: سنعمد فيما يأتي إلى تحديد مفهوم المصطلحات المستعملة في البحث بإيجاز.
جدلية : هي تجليات مفهوم فكري نجد له تأصيلات عدة عند مفكري العرب والغرب[5]. ونريد به : المحاورة والنقاش الذي يعتمد على تبادل جملة الحجج والبراهين والاستدلالات بين متحاورين قصد إثبات وجهة نظر، أو دحضها وفق منطق عقلي استدلالي.
المخاتلة: يرتبط مصطلح المخاتلة بالمعنى اللغوي للفظ الختل الذي يعنى :التَخادُع عَنْ غَفْلَةٍ[6]، فهو المداورة و الحيلة و التخفي، واللجوء إلى طرق ملتوية تحتال لبلوغ الغاية. وهو في سياق النقد حيَلٌ، وإيهام فنيّ لإظهار شيء، وإضمار ما ينقضه وينسخه. ومفهوم النسق الثقافي في ذاته يحمل مضمون المخاتلة؛ لأنه يعمل نقدياً على تحليل مظاهر الإخفاء، والمخاتلة لينسخ الإظهار والشفافية اللذين يظهران في النص القصصي مباشرة.
النسق الثقافي: نشأ مصطلح النسق الثقافي في سياق تأصيل مصطلحات مشروع النقد الثقافي، وتعرّض لجدل كثير. إذ أشكل تداوله في الدراسات الثقافية، فلم يتفق الدارسون على مفهوم واحد في تطبيقاتهم النقدية، فتعددت مفهوماته وتعريفاته في أسيقة دراساتهم[7]. و انتهج الغذامي منهجاً توافقياً يجمع تعريفات من سبقه. فجمع في تحديده بين البعد الأنثروبولوجي للثقافات، ومرجعية المنظومات الثقافية للمجتمعات بما فيها العادات والتقاليد والعقائد فهو عنده: ” أنساق تاريخية أزلية وراسخة, ولها الغلبة دائماً”[8], “وهي أنساق تظهر في كيفية استهلاك المنتج الثقافي العربي منذ القدم”[9]. ويكون في الأدب “مضمراً لم يكتبه كاتب فرد, ولكنه وجد عبر عمليات من التراكم والتواتر حتى صار عنصراً نسقياً يتلبس الخطاب ورعية الخطاب من مؤلفين وقراء”[10].
وسنتحرى في دراستنا للنسق الثقافي المخاتل للنخلة في نماذج من القصة العربية النسوية مفهوماً يتضمن شروط النسق، وبناءه الجدلي. إذ يتشكل من ترابط علاقات ثقافية تتضمن مجموعة معارف أو معتقدات أو عادات أو خبرات إنسانية شكلت نماذج ثقافية، وحققت مصداقية في مجتمع جعلها متداولة جيلاً بعد جيل.
ولا تتحقق صفة النسق إلا إذا تكرر وترسخ، وشكل مضمونه ثقافة متداولة. وتكون وظيفة النسق الظاهر أداة ووسيلة للكشف عن الأنساق المضمرة[11] التي تكوّن رسالة ثقافية حيّة يفاد منها، فالنسق “لا يتحرك على مستوى الإبداع فحسب, بل إن القراءة والاستقبال لهما دور مهم، وخطير في ترسيخ النسق، وتفترض نظرية الأنساق العامة بأن لكل نسق إطاراً مرجعياً محدداً, أي مجموعة من العادات والتقاليد والقيم، وكل ما من شأنه أن يحدد سلوك الأفراد داخل النسق, لذا فإن تحديد الإطار المرجعي يكون ضرورياً لفهم الأنساق”[12]. وذلك يحتم على هذه الدراسة أن تستقرئ مظاهر النسق الثقافي المخاتل للنخلة في القصة النسوية؛ وتحري انطواء النسق الظاهر على مضمر ثقافي باطني يخاتل المعنى الظاهري في العنوان وينسخه.
جدلية المخاتلة في بناء نسق أنسنة النخلة وتأنيثها
حظيت شجرة النخل بنعمة رمزية في مختلف الأجناس الأدبية؛ لاتساع إيحاءاتها ودلالاتها، وارتباطها بأنساق ثقافية معرفية عميقة الجذور في وجدان الإنسان. فكثر توظيفها في مختلف صنوف الأدب، واتسع وتشعب، وتكاد تلقى الاحتفاء التوظيفي ذاته تقريباً في القصة النسوية العربية؛ وذلك لعمق دلالاتها الأسطورية، واحتلالها حيزاً واسعاً من مساحة ذاكرة القاصة العربية الثقافية التي تشرّبت بتراثها، وورثت فضاء مخيلته. فألهمت النخلة مخيلة القاصات آفاقاً إبداعية مضيئة. ويرجع احتفال القاصات بتوظيف النخلة في السرد القصصي إلى عوامل ذاتية سيكولوجية تتعلق بطبيعة الأنثى التي تتراءى لها النخلة نظيراً في أنساق الجمال، والخصب والعطاء والدفء والأمومة والسكينة، فثمة قرائن وشيجة تربط بين الأنثى، والنخلة التي وجدت فيها القاصات ذواتهن. فالنخلة في فضاء تكوينها الثقافي الأسطوري هي أسطورة أنثوية، ورمز تكويني نسوي في أساس وجوده الوظيفي الثقافي.
فنجد أن النخلة قد تحولت على سبيل المثال عند القاصة إخلاص فرنسيس إلى فضاء أمومة دافئة تؤنث الوطن الذي يضم المسافرين في دروب البحث عن الإشراق والحلم، فتقول في قصة الغروب” مرّ بي الغروب، وأنا أهيم في الصّحارى وحدي، والشمس تختبئ في المدى الممتدّ أمامي، تصبّ الحنين في صدري، تناديني أتبعها. كانت سرابًا من بجع ملون بألوان الغسق. شدّني الوهج الأحمر والغيم الأسود، وأغراني الرحيل، فحملت حقيبة السفر، جمعت وجهًا وصوتًا مميّزين…. قاومني في بداية الطريق، لكنّه كان مكبّلًا بالحبّ، أعلن الطاعة في معبد الغروب، والنخيل يضمّنا، والأغصان تترنّم احتفاء بنا. قال الموج مودّعًا: لا تبكي، وقالت النسور: أتبعك بعين عاشق، وقالت شجرة الصبّار: أحميك بأشواكي. تأبّطت ذراع الليل، وفي جعبتي أملٌ سنشرق معًا في العالم الآخر مهما طال الرحيل….الجمال يكمن في عزلتها، وغموضها صحراء، لكن تفرّدها في أفقها المرئيّ.
حصاها ونباتاتها الشوكية، وحشراتها، وطقسها وريحها. السكون هو سحر الصحراء الذي يحدّثنا بلغة الصمت.”[13]
يتمظهر في السرد نسق ثقافة تأنيث النخلة، وإيحاءاته بالخصب الأنثوي، وهي ثقافة مترسخة في التكوين الثقافي التراثي للقاصة العربية، إذ ألفت في مرويات التراث الشعري منذ أقدم عصوره، صورة النخلة التي تحضر في سياق حديث الشعراء عن جمال المرأة في حلها وترحالها. ويطالعنا توظيف نسقها الأسطوري أقدم شعراء العرب الجاهليين امرؤ القيس الذي يشكل مرجعية ثقافية في الأدب العربي، فنجده في وصفه رحيل ظعن محبوبته، يستطرد متجاوزاً ذكر النخلة، وتشبيه الظعن بها إلى تفصيل تكوين تلك الحدائق ونخلها وثمارها، كاشفاً ثقافة معرفية متداولة[14]:
بِعَينَيَّ ظَعنُ الحَيِّ لَمّا تَحَمَّــــــــــــــــــــــــــــــلوا لَدى جـــــــــــــــانِبِ الأَفلاجِ مِن جَنبِ تَيمَرى
فَشَبَّهتَهُم في الآلِ لَمّا تَكَمَّشــــــــــــــوا حَدائِقَ دومِ أَو سَفينــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً مُقَيَّرا
أَوِ المُـــــــــكرَعاتِ مِن نَخيلِ اِبنِ يامِنٍ دُوَينَ الصَّفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا اللائي يَلينَ المُشَقَّرا
سَوامِقَ جَبّارَ أَثيثٍ فُروعَــــــــــــــــــــــــــــــــــهُ وَعالَينَ قُنواناً مِــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنَ البُسرِ أَحمَرا
حَمَتهُ بَنو الرَبداءِ مِـــــــــــــــن آلِ يامِنٍ بِأَسيافِهِم حَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــتّى أَقَرَّ وَأَوقَرا
تشع معاني النخلة في هذه الأبيات بدلالات ثقافة أسطورية تعتقت في ذاكرة الشاعر ” الذي استهل قصيدته بذكر الحبيبة. ووصف الطلل والظعائن. وسرعان ما أسرته ثقافته الدينية التراثية للاستغراق فنياً في بناء صورة الحبيبة وإنمائها طولياً. فقد انطلق من وصف النخيل، موحياً إهمال الظعن على عادة الشعراء، مخيلاً بصورة المرأة المعشوقة من خلال محاكاة الخصوبة في حدائق الدوم، وتخييل الماء تحت السفين، وفي جذور وجذوع وأنساغ النخل المرتوي الكثير الثمر. مع التأكيد على ظهور البسر الأحمر في قنو النخلة المتعثكل الذي تحميه السيوف، وتجعله يطمئن لمنبته، ومع الإلماح إلى كثافة عناقيد البسر وعلوها،(….) ثم يمضي في وصف النخيل، مخيلاً بالنظير المقدس “[15]
فلم يكن توظيف النسق الثقافي و الأسطوري للنخلة جديداً أو طارئاً في الأدب العربي، فقد كان واسعاً في مختلف صوره الإبداعية منذ أقدم صور الأدب العربي.
يمكننا في هذا السياق أن نشير إلى مظاهر هذه الثقافة المتسربة من التراث الأدبي، و المعرفي الذي شكل بتداوله وتكراره نسقاً ثقافياً في تكوين مرجعية تأنيث النخلة في قصة الغروب، لكن إخلاص فرنسيس، لم تقصر استحضار النخلة في سردها على ظلال الثقافة التراثية الأدبية، بل امتدت إلى أنسنة الطبيعة، فجعلتها كائنات إنسانية، تتعهدها بالحب والحماية، فالنخلة تضمها. والموج يودعها، والنسور تتبعها بعين عاشق، وشوك الصبار يمدّ أصابعه ليحميها. فالقاصة تستحضر مكونات المكان الطبيعة لتحكي نسيج علاقتها بالمكان في أفق إنساني باذخ الحب، كأنه أسرة ترعى ابنتها، وتحميها، فيظهر في السرد تخلُّص الكائنات من طبائعها التي عُهدت بالتوحش، والقسوة، وتحلّ محلها أنسنة عارمة، إذ تتحوّل عين الصقر الجارح إلى عين عاشق، وشوك الصبار إلى يد حانية، فيتجلى في السرد نسق ثقافة الأنسنة التي تعني إطلاق “الصفات الإنسانية على الأمكنة، والحيوانات والطيور والأشياء، والظواهر الطبيعية، حيث يشكلها تشكيلاً إنسانياً ويجعلها كأي إنسان يتحرك ويحس، وتعبر وتتعاطف، وتقسو حسب الموقف الذي أُنسنت من أجله”[16]، و من غير شك أن الأنسنة اتجاه فكري فلسفي لا يقف عند خلع الصفات البشرية على المكان ، بل يجعل الإنسان معياراً لكل شيء، إذ تعمل القاصة في أنسنة المكان على ” جعل الإنسانية الغاية الأخلاقية و السياسية المختارة”[17]، لذلك ارتقت بالمكان إلى صفة الأنسنة.
يضمر هذا النسق نسقاً ثقافياً مخاتلاً يتمثل بالغابية التي تنشد فيها القاصة حياة بديلة من الإنسانية فكائنة القصة تعلي تولّد الأسرة من الأشجار بأنسنتها وإكسابها بهاء من المحبة والحميمية، لغياب الأسرة الإنسانية في حياتها على وجه الحقيقة، والواقع، فتستبدل القاصة بخل إنسانية الإنسان بكرم الطبيعة بأنسنة خيالية على سبيل التمنيات، و الأحلام؛ لتؤسس أمومة النخلة وأنوثتها الدفاقة. إذ لا تفتأ القاصة أن تقرّ بحقيقة عزلتها، وانقطاع صلات رحم وجودها بإنسان حقيقي: ” لا حضن يمكن الارتماء فيه، فقط رمال ذهبيّة تلتمع تحت نور قمر شاحب….أشمّ بخور الأرز النابت على صدره، وأشرب عسله الذي يتدلّى مثل عناقيد الخمرة، يروي ظمأ الروح في هذه الصحراء…لا يد تمسك يدي، لا ظلّ إلّا ظلّي يرتسم أمامي.
قلق جاء من العدم، فيه أغرق، لا أستطيع بأيّ حال أن أرصد الصحراء، لكن من يستطيع أن يرصد أمواج الحنين والأشواق المشوبة بالقلق؟”[18]، يكشف إقرار القاصة، بأنها تؤنسن الطبيعة نتيجة استغراقها في العدمية، تكوين الجدلية المخاتلة للنسق الثقافي، فهي تضمره في سياق سرد ينسخ النسق الظاهر الذي أوهمت فنياً أنه المراد، وسعت إلى جدلية بناء مخاتلته.
ونستقرئ في سرد قصة “البحث عن شجرة الحكمة” للطيفة الدليمي نسق ثقافة الخصب الفيزيائي لشجرة النخل التي ترش غبار طلعها، وتنتج في نوارتها غبار اللقاح المخصب للإنتاج. وتلك أبجديات ثقافة الماهية الطبيعية لتخصيب النخل، وإنتاج ثماره الطيب: ” وهذا سر بقائها ?حتى أنتجت في نوراتها الخضر غبار لقاح الأحلام، وبلورات الحكمة، الشجرة، ترش غبار طلعها في الهواء? يدخلون في فراديس الأحلام”[19].
غير أن القاصة كانت توشي قصها بتراكيب ذات بنية إضافية في بناء السرد، لتحمّله إيحاءات رمزية. تنقل المادي الفيزيائي إلى خيالي وجداني، فتجعل اللقاح للأحلام، و الإثمار، وللحكمة بلورات ، والولوج إلى فراديس الأحلام،؛ لتستدرج نسق ثقافة الإخصاب الإنساني، وحلم الخلود عن طريق الاستمرار بالإخصاب، لكن القاصة تضمر نسقاً ثقافياً مخاتلاً، إذ تقصي الإخصاب الفيزيائي المادي، وتنسخه بإخصاب الأحلام وعالم الرؤى والوجدان والشعور، حيث تكون الحكمة الشفافة مثل البلور في تلك العوالم، إذ الخلود الحقيقي يكون الأحلام والمعنى اللذين لا يفنيان مثل فناء المادة و الجسد، مهما استمرا في التوالد الفيزيائي.
لقد ولّدت القاصة فضاء الثقافة المخاتلة للخلود المادي من شعرية السرد القصصي التي تمنح وظيفته التداولية طاقة عليا جمالية وإيحائية. إذ الشعرية في السرد القصصي يكون ” جملة الاختيارات من بين العديد من الاحتمالات، أو تركيبة طرائق قابلة للتحليل أو تأليف أشكال تنتج معنى”[20] جديداً يخاتل المعنى الظاهر في السرد، لتوليده فضاء إيحائياً خصب الدلالات و المعاني.
تقودنا هذه الأسيقة في استقراء النسق الثقافي المخاتل للتأنيث والأنسنة إلى أن القصة النسوية أضمرت، وراء نسق خصب النخلة وتأنيثها وأنسنتها، عالمها النفسي الذي تنشد في خباياه سكينة خارج الأفق البشري، تسكنه، وتساكنه في صورة النخلة الأمّ؛ لتستوطن سكينتها فيه، مستعينة بأدوات فنّ القصّ وتقنياته وأساليبه التي تتمركز حول الترميز، والإيحاء و الشعرية والأنسنة وفق جدلية بنائية.
جدلية المخاتلة في بناء نسق أسطورة الخصب الفينيقي
ارتبطت النخلة في ذاكرة القاصة العربية بإرث تمجيد عريق، جعلت النخلة أيقونة خلود الخير والعزة والعطاء. ورمز أمجاد مضيئة في صفحات التاريخ الإنساني. وكان الخصب فيه ذا دلالة قدسية للشجرة، وفيض رموز للاعتداد بالتراث الوجودي للإنسان العربي. فكانت القاصة تستدرج بالنخلة في السرد القصصي الاعتزاز بالانتماء العروبي ورموزه المكانية والإنسانية في أسيقة تاريخية حافلة بنصاعة إنجازاتها الإنسانية. فوجدت في النخلة خصب مجد يجسّده المكان والزمان، فتجعل الذاكرة الثقافية وطناً عزيزاً، مثلما تجلى في سرد قصة ” تبغ وأشياء أخرى..لقاء” إذ تقول القاصة: “كانت الحافلة تنطلق بهم، وهم يتطلعون عبر نوافذها الكبيرة، إلى بغداد أحست أنها تتوحد مع عالم النخيل، تستطيل فجأة لتقف بين الغابات الشامخة، كانوا كلهم يشمخون بعيونه إلى الأعلى يجمعهم الشعر و الحب وأحزان بلادهم، المخبوءة في العيون… قال: إنها تذكره بشموخ الجبل اللبناني، وبأنها أرزة أسطورية، جاءت تعانق نخيل العراق”[21]
يجسّد هذا السرد القصصي تعانق أساطير الحضارة العربية في زمن مجد بلاد الرافدين بصورة نخل أوراك جلجامش، وحدائق ريادة تشريع حمورابي، والمجد الفينيقي الذي أشرف شاطئه على البحر الأبيض المتوسط في رمز أرزة لبنان. وتأتي آية التمجيد في سياق استنهاض بغداد بعد أن طالها الدمار المعاصر.
وظّفت القاصة هدى أبو الشعر في هذه القصة الأسطورة بصفتها بناء درامي حكائي، فدفعت السرد إلى أن يبني من جديد أسطورة الإخصاب، وذلك “وفق عملية ربط جدلي بين الأسطورة العراقية القديمة أسطورة الإخصاب وبين أسطورة الشجرة المقدسة سواء في النص القصصي أو في الجداريات الأثارية، وهي واضحة كما رأينا، وأن لتلك الشجرة القدرة العجيبة علي إخصاب من يأكل ثمرها أو يرش بالماء المقدس، وذلك سر إلهي من أسرار تلك الشجرة المقدسة”[22]. فشكّل التمجيد الأسطوري النسق الثقافي للخصب المجيد. وكانت القصة في بنيتها العميقة تضمر وراء هذا النسق نسقاً ثقافياً مخاتلاً، لا يناقض النسق الظاهر، بل يمتد به إلى أساسي أسطوري، هو في بنيته المعرفية الوثنية الحسية مناقضاً لنسق ثقافة المجد العلمي الذي تتغنى به حضارة اليوم. فقد تجلى في المقتطع السابق تمظهر الذاكرة الأسطوريّة للغة القصّ واضحةً، بدءاً من إعادة بناء الميثيولوجيا العراقية ومفرداتها الكونية في الخلق، والإخصاب، وانتهاء بالمناخ الأسطوري السحري الغيبي الذي فرد جناحه على السرد.
لقد استخدمت القاصة نسق الأسطورة وفق مفهومها الفلسفي العميق ” للتعليل و الرمز ، ثم الإشادة .. . كانت فلسفة وبياناً وقوة اجتماعية ترصد لكل ما يسعى وراءه علماء الإنسان الأنثروبولوجيون من تقييم لحضارات ترجع إلى نحو مئتي قرن قبل الميلاد”[23]، وبذلك استثمرت القاصة قوة التعليل في الأسطورة لبناء أيقونة رمز النخلة في قصتها.
ترتكز الذاكرة الأسطورية للنخلة إلى ثقافية ضاربة الجذور في التكوين الثقافي للنخلة في المعرفة الإنسانية، إذ تعود شجرة النخل في نشأة تكوين مرجعيتها الثقافية إلى أقدم عصور نشأة الإنسان، ومعرفته بالطبيعة ودلالاتها. فقد نسبت شجرة النخل إلى أساطير الشرق المغرقة في القدم في الثقافة الإنسانية، مثل شجرة عشتار المقدسة إلهة الخصب، فقيل: إن كلمة (فينيكس) تعني نوعاً من النخل ينمو على شواطئ فلسطين. وربطت تلك الثقافات بين النخل و الولادة والاستمرار، واستوحوا علاقة توالي الولادة والانبعاث من النخلة. فشاع رمز الفينيق الذي يدل على التجدد، و توالي الانبعاث. واستدلوا عليه بروابط كثرة النخل في بلاد فينيقيا، بلاد كنعان. وكان النخل يكتسب هالة تقديس في أعرافهم وطقوسهم، تواصلت جيلاً بعد جيل[24]. وفي سياق مماثل تحكي أساطير بعلبك “أن طائراً يسمى الفينيق، أو النخيل كان يحج إلى هليوبوليس، أو بعلبك، فيموت، ثم يعاود الحياة من جديد. وورد في الأساطير أن الإله أبولو ولد تحت نخلة، وكذلك ولد بنتون [25].
وظلت ثقافة تقديس النخلة سائدة في ثقافة العرب القديمة إلى ما قبل الإسلام. إذ تجسدت ثقافة النخلة المقدسة عند عرب الجاهلية بعبادتها وتقدسيها فقيل:” العزى كانت تكرّم في نجران على صورة النخلة”. وكذلك نخلة اليمانية مكان قرب مكة[26]. وهذه الدلالات والرموز للنخلة في الثقافة الشرقية لم ينحصر توظيفها في آداب الشرق، بل استلهمه أدباء الغرب وفق مدلولات الثقافة الأسطورية الشرقية مثل ما فعل الشاعر “إزرا باوند” في حديثه عن المائدة الربانية التي تحولت إلى طقوس منها عيد المظلة، وهو اسم لأحد الأعياد الكنعانية في العهد القديم، وهو يمثل احتفالاً باقتراب الحصاد في فلسطين، تستخدم فيه أغصان الليمون، والنخيل. وكذلك نجد أن أحد أعياد الشعانين المصادف الأحد السابق للفصح، تحمل فيه أغصان النخيل. يحدد الشاعر ذلك في حديثه عن الاحتفال بالمائدة الربانية[27] فيقول:” ثمّ دنوّ الأرباب من المصطلي في قلب موطنها، لمَا كان لهذه البدائع أن تجري، ها أنني شجرة وسط الغابة”[28]. يشير الشاعر إلى أنها الشجرة سيدة الحياة بتعبيره الصريح:” أبصرت سيّدة الحياة، أنا حتّى أنا، الطائر مع السنونو، الأخضر والرمادي رداؤها، تجرجر أذياله في طول الريح”[29]. كانت النخلة عند باوند قناعاً فنياً للأنثى، ورمزاً حيوياً لتجلياتها المعنوية والجمالية، فضلاً عن فضاء دلالاتها الأسطورية في تجدد إرادة بناء الحياة. فأعاد بتوظيفه أسطورة النخلة إحياءها عند الكتّاب العرب الذي فضلوا استنساخ مرجعيات الثقافة العربية عن رواد الغرب. وبمعنى أدقّ أسهم توظيفها الغربي في عودة رواد الحداثة العربية إلى مرجعيتها الأسطورية.
جدلية المخاتلة في بناء نسق الخرافة والسحرية
عنيت كاتبات القصة القصيرة العربية كثيراً في إعادة صياغة الحكاية الشعبية الخرافية في تفسير ظواهر طبيعية وحياتية. مستعيدات ثقافة التفسير الحكائي السحري لأحداث ووقائع حياتية. فانطوي السرد القصصي عندهن على ترسبات خرافية. وشاع في بنائهن القصة تضمين سردها رموزاً على صلات وثيقة بالبنية الأنتربولوجية لأحداث القصة وشخصياتها. ووجدن في التكوين السحري والخرافي للحكايات الشعبية مصدر إبداع في قصصهن، يعكس التكوين الثقافي الغيبي في المجتمعات التي تمتد جذور تفكيرها إلى الماضي. إذ” عرفت المجتمعات القديمة طبقة من السحرة يتولى أفرادها مهمة السيطرة على الرياح والتحكم في نزول المطر، مستخدمين أساليب تستند غالباً إلى مبدأ السحر التشاكلي”[30].
انساق الكثير من كاتبات القصة العربية وراء إغراء توظيف الغرائبية الخرافية، ومحاكمة تفكير المجتمعات التي مازالت تستدعي المنهج السحري في فهم الظواهر النفسية والوجودية، والطبيعة. إذ كان الإنسان المعاصر أحياناً يستسلم “على غرار ما كان يفعل الإنسان القديم حين كانت تداهمه الظواهر الكونية، فيحاول جهده السيطرة عليها بتجاربه ومعارفه وسحره وابتهالاته و توسلاته”[31]. وشاع في الثقافات الإنسانية في مختلف مجتمعاتها عقائد تقديس الأشجار و عبادتها. واعتقدوا بأن الأشجار “يسكنها أحد الكائنات الخارقة للطبيعة “[32]. ونجد هذه الرؤية تشكل نسقاً ظاهراً في قصة ” حكاية صوت مغيب” لأميمة الخميس، إذ تروي صراحة أن النخلة تسكنها جنية، فتقول: ” في الحكاية الشعبية أن جنية قادمة من الجنوب الشرقي للصحراء، بداخل جذع نخلة مجوف، عشقت فتى من الإنس، فاستلبت بقدراتها اللابشرية عقله، وأخفته داخل قارورة لتستأثر بغنائه الشجي دون بقية البشر، هذه مجمل الحكاية دون زركشات التفاصيل التي تزدان بها الحكاية الشعبية. وقد قلت لنفسي أخاذة هذه الحكاية إلى الدرجة التي جعلتني أشعر بالصوت المغيّب الذي يتوارى بين طيات السرد، صوت لم يؤده الراوي حتى يفسد سطوة حضور الجنية أو قوة سحرها”[33].
بُنيت هذه القصة على تقنية تداخل صوت الكاتبة مع أصوات شخصيات القصة. فتوهم الكاتبة القارئ أنها تسرد حكاية من المورث الشعبي لسكان الصحراء. يتشكل فيها نسق ثقافي ظاهري يتجلى بنمط تفكيري خرافي يقوم على السحر والخوارق. فتحكي أن جنية سكنت جوف نخلة أحبت فتى جميل الغناء، فجردته من سماته البشرية، ثم سجنته في قارورة لتستأثر بغنائه وحبه. من غير شك أن الإيهام بأن الحكاية مورث حكائي شعبي هو من تقنية القص عند القاصة. فهي تحمّل الخرافة ثقافة الخوارق التي تستلب العقل. وتدفع الإنسان إلى التحليق في خيال غير مضبوط بمنطق بشري، فيعيش في أجواء عالم هلامي يعوّض متبعيه عن مجابهة الوقائع. فالحكاية تبني على تقنية فكرية وفنية تلبس قناع الرمز والإيحاء. تنتج أنساقاً ثقافية متعددة الاتجاهات. وتشكّل مصادرها الحكائية منابع شعرية التي ترقى بالسرد إلى وهج إبداع متشابك الدلالات. فالرمز “جمع خارجي اتفاقي تحكمي بين واقعتين روحيتين، هما المفهوم أو الفكرة من جهة، والصورة من جهة أخرى، إنه جمع يفترض أن تشير فيه هذه الصورة إلى هذا المفهوم”[34].
من غير شك أن القصّ بوصفه فناً يكون جمالياً ، والعلاقة فيه بين الرمز والجمال وشيجة. إذ إن الفنّ “رمز، إنه بكامله رمز. إنه بكامله دلالة”[35]. والقصّ بحث دائم عن الوعي والجمال، وفق هذا السياق للرمز، يتجلى النسق الثقافي المضمر في صورة الصوت المغيب بتعبير الكاتبة التي تتدخل من خارج سرد الحكاية المأثورة لتحدد مقاصد قصها من رواية الحكاية: “فالحكاية تبدو غارقة في محيط الظلام: الجنية، قدومها الليلي، جوف النخلة، ومن ثم غياب الفتى عن الوعي إلى ظلام اللاوعي و الجنون، لم يبادر الراوي إلى البحث عن المعادل الموضوعي الذي يقابل مفردات الظلام، لكي تتم الدائرة الكونية في ثنائيات المتضادات إذا هناك صوت مغيّب، ولهذا سأحاول أن أقتحم التفاصيل التي تلوذ بقداسة التواتر وحرمة التاريخ، وأسعى من خلال صوت مغيب أن أنشئ تفاصيل الحكاية، فجنية اللاوعي المظلمة بحاجة إلى صوت وعي صوت له كثافة الحليب ورغوته، فليكن هذا الصوت هو صوت فتاة إنسية كانت تتعشق الفتى وتنتظره قبل أن يغني أغنيته الأخيرة ويغيب،حكاية صوت مغيب، ليت العصفور الأخضر أتم الحكاية، أو ليته توخى طرقاً أكثر حرصاً في نقلها، فهو قد سردها في تلك الساعة السليمانية التي يكتهل بها النهار، وتتحنّى لحيته بحمرة الأفق، ويرخي النخيل سعفه وراء الجدران ليبترد” [36].
يحدّد صوت الكاتبة الذي يستدرك على الحكاية نسق ثقافة غياب الوعي في التفكير الخرافي الذي استوت عليه القصة. فتنسخ نسق الخرافة، وتستبدل به صوت العقل. وتطلب أن يكون صوت الوعي حاضراً؛ لأن جنية اللاوعي بحاجة إلى صوت وعي له كثافة الحليب ورغوته. بمعنى أدق تطلب القاصة أن يستعيد التفكير منطقه الإنساني. ويستعيد الإنسان صورته الحية التي تغتني بطبيعته الإنسانية،. فالإنسان وجد ليعيش وقائع حية، ويكون فيها بنكهة رائحة حليبه الذي يميّز بشريته ويحدد طاقته، ليجابه الوقائع وفق بتلك الطبيعة، لا بالخوارق والخرافة، أن يجسّد إنسانيته، لا أن يتجاوزها إلى عجائبية من خارج طبيعته. وبذلك يكون الرمز في القصة ” في إجماله المشاعر العميقة التي ينبع منها العمل الأدبي”[37]، و يشكّل هويته الإبداعية، ويمنح أنساقه الثقافية حيوية نابعة من طبيعة الإنسان لا من تخيّل يفضي إلى نمط فكر خرافي بدائي.
جدلية المخاتلة في بناء نسق الانتماء والسكينة
عنيت القصة النسوية بتضمين رسالتها الأدبية رؤى نقدية ثقافية للتفكير الذي يوجه سلوك شخصيات
القصة التي يراد بها نقد ثقافي لبنية تفكير المجتمع العربي. فلم تكن أدبية القصة كما ذهب رومان جاكبسون إلى أن “موضوع علم الأدب ليس الأدب، وإنما هو الأدبية” [38]. فكثيراً ما اعتمدت القصة على خصوصية شخصياتها وفرادة طبائعهم، أو على فرادة الوقائع التي تمرّ بها الشخصيات ومواقفها تجاهها، أكثر من اعتمادها على تقنيات قصّ متفردة تحقق أدبية القصة التي أشار إليها جاكبسون؛ ولذلك كثر بحث كاتبات القصة العربية عن تركيب القصّ الذي يتيح لهن تضمينه رؤى نقدية لثقافة المجتمع، أو زجّ السرد بمضامين ثقافية معرفية. ومثال ذلك ما تطالعنا به القاصة رضوى عاشور في قصتها “رأيت النخلة” إذ حوّلت السرد القصصي إلى تقرير سردي معرفي لثقافة النخلة، مستلّ من الثقافة الإسلامية التي تمجد زراعتها، و تعظّم طيب ثمارها. وتفيض بذكر مآثرها المباركة انطلاقاً من خصوصية فوائدها؛ لتكشف عن انتمائها الثقافي الديني، فتقول :”صحيح أن النساء في عائلتنا الصعيدية لا يخرجن إلى الحقول للفلاحة، ولكن الفلاحة هي حياتهن التي يفتحن عيونهن عليها ويغمضن ساعة الموت عيونهن عليها أيضاً، وأنا أذكر أن بيتنا في القرية كان على سطحه نعناعة وفي قاعه صبارة ببابه نخلة، وأذكر أن أبي رحمه الله كان يقول: إن النخلة شجرة مباركة، أنعم الله بها على عباده، وكرمها بذكرها في القرآن، وأن النبي صلوات الله عليه قال: أكرموا عماتكم النخل، وأنه سمى النخل عماتنا، لأنها خلقة من فضلة طين آدم وأنها تشبه الإنسان، وأنها خلقت من ذكر و أنثى، طويلة ومستقيمة القد، وجمارها على رأسها، كعقل الإنسان في رأسه، إن أصابه سوء هلك، كان أبي يوصي أخوي بالنخل كما كانت أمي توصيني كل فجر”[39].
يتجلى في هذا السرد تعبير مباشر عن النسق الثقافي الظاهري للنخلة في المعرفة الإسلامية. وإظهار تمكين ثقافة انتماء بطلة القصة الفكري والسلوكي. إذ أخذت شجرة النخل مكانتها الكريمة في الذاكرة العربية من كثرة ذكرها في القرآن الكريم، فلقد وردت تسمياتها في(سبع عشرة سورة قرآنية، وبلغ عدد الآيات التي ذكرتها (اثنتين وعشرين) آية[40] وكلها آيات تنصّ على فضل تلك الشجرة، و طيب ثمارها، والدعوة إلى التبصّر في خلقها، بقصد إدراك تجليات عظمة خلق الله، وتنفرد النخلة في أسيقة سورة مريم بتحولها إلى أيقونة رمز للطهارة والنقاء والسكينة والطمأنينة، فضلاً عن طيب رطبها، وأثرها في التفريج عن الإنسان في لحظات الأزمات والكروب: ﴿َحَمَلَتهُ فَٱنتَبَذَت بِهِۦ مَكَانا قَصِيّا (22) فَأَجَاءَهَا ٱلمَخَاضُ إِلَىٰ جِذعِ ٱلنَّخلَةِ قَالَت يَٰلَيتَنِي مِتُّ قَبلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسيا مَّنسِيّا (23) فَنَادَىٰهَا مِن تَحتِهَا أَلَّا تَحزَنِي قَد جَعَلَ رَبُّكِ تَحتَكِ سَرِيّا (24) وَهُزِّي إِلَيكِ بِجِذعِ ٱلنَّخلَةِ تُسَٰقِط عَلَيكِ رُطَبا جَنِيّا (25) فَكُلِي وَٱشرَبِي وَقَرِّي عَينا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلبَشَرِ أَحَدا فَقُولِي إِنِّي نَذَرتُ لِلرَّحمَٰنِ صَوما فَلَن أُكَلِّمَ ٱليَومَ إِنسِيّا (26) فَأَتَت بِهِۦ قَومَهَا تَحمِلُهُۥۖ قَالُواْ يَٰمَريَمُ لَقَد جِئتِ شَيـٔا فَرِيّا (27) يَٰأُختَ هَٰرُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمرَأَ سَوء وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيّا (28) ﴾ [41]
تدلّ نصوص هذه الآيات على مكانة النخل عند العرب والمسلمين، وتشرّب ثقافتهم بأهميتها الاقتصادية والغذائية، بوصفها شجرة كريمة ثمارها مباركة. وتكثر المرويات من الحديث[42] والمأثورات حول فوائد النخلة وبركتها، وقد يكون الكثير منها من وضع القصاصين لكن انتشارها يدل على ترسّخ ثقافة فضائلها في الذاكرة الوجدانية.
تستعيد القاصة رضوى عاشور في سردها أطياف هذه الركائز الدينية في الثقافة الإسلامية تضمنه مختلف تشعبات دلالات النخلة في الثقافة الإسلامية. ولا تفتأ القاصة أن تجعل بطلة القصة فوزية مفعمة بهذه الثقافة الدينية التي تمجد النخلة، فتتبناها، وتحول ثقافتها إلى سلوك عملي يكاد يوحي بهوسها بالنخلة والزراعة. وكاد هذا الهوس أن يشكّل لها اغتراباً عن زملائها. فصارت تشعر بغربتها عنهم. وتحسّ باستهجانهم هوسها الزراعي، فتكشف عن ذلك في سرد مباشر :”في عملي لا يفهمونني و في الحي أيضاً، سمعتهم بأذني يقولون: فوزية المجنونة التي تلقي بنفسها على نوى التمر، كأنه جنيهات الذهب، وهم يستغربون سلوكي، فالواحد منهم يأكل البلحة ويلفظ النواة، ويبصقها من فمه فتسقط بعيداً، أو يبصقها في يده، أو يرميها بعد ذلك بطول ذراعه فتسقط أبعد، أركض لألتقطها وأخبئها في جيبي العميق، وعندما أرجع إلى البيت أضعها على قطنة مبللة أربعة أو خمسة أيام، كل يوم أتعهدها وهي تتفتح وتلين حتى ألمس بيدي طراوتها، فأعرف أن الوقت قد حان، بعد ذلك أدفنها في الطين وأغمرها بالماء وأنتظر”[43].
يقرّ هذا السرد بالحال التي وصلت إليها بطلة القصة نتيجة تمثلها ثقافة دينية. وتجسيدها بهوس زراعة النخلة فيكشف عن النسق الثقافي المخاتل الذي تجلى باغتراب الانتماء الفكري، والمكاني و الزماني. إذ عاشت فوزية غربة واغتراباً في محيطها البيئي. فانطبع تكوينها النفسي بطوابع مأسوية في صراعها مع أحوال الحياة. وأدى بها انتماؤها إلى تفجير الإحساس بالاغتراب الذي أنشأه غياب التوافق بينها، وبين أنماط الحياة التي يعيشها زملاؤها. فأغرقها هذا الإحساس بجملة إحباطات، وإخفاقات متلاحقة، رسّخت فيها توجعاً مأسوياً أقلق معنى انتمائها الثقافي.
إذ يرتبط الاغتراب عضوياً بتوليد الطبع المأسوي الذي يقود إلى عزلة نتجت من “عدم التوافق بين الماهية والوجود، فالاغتراب نقص وتشويه عن الوضع الصحيح”[44]. ويؤدي الشعور بالاغتراب إلى بناء: “انفصال الإنسان عن القيم السائدة لعدم امتلاكه زمام ذاته، فهو حالة من الشعور بالضعف، وسيطرة الآخرين عليه، مما يؤدي إلى صراع الإنسان مع نفسه من أجل تجاوز أخطائه وإسقاطاته”[45]. إذ غالباً ما تعود أسباب الاغتراب إلى انعزال معرفي، ونفسي عن كيانات، أو عناصر مهيمنة في الحياة، أو إلى الانتقال المكاني والتخلي عن حقوق الملكية، أو فقدان غاية ملموسة يحققها الفرد في حياته أو انعدام مغزى الحياة[46]، ويؤدي بالإنسان إلى التطبع بطبع مأسوي، وقد ربط (نيقولا برديائيف) أحد فلاسفة الوجودية الاغتراب بالمأسوي مباشرة. وأطلق عليه لفظ العزلة، ووصفها بأنها: “ظاهرة اجتماعية بمعنى من المعاني، لأنها تفترض الشعور بالذات الأخرى، وإن أكثر أشكال الاغتراب تطرفاً وكآبةً هو ما تعانيه وسط المجتمع في العالم الموضوعي”[47].
وتكون الغربة في الخارج الإنساني، بينما الاغتراب هو في الداخل الإنساني، وكثيراً ما يعيش الإنسان الاغتراب نتيجة الغربة. ولا يلغي ذلك تماماً أن يعيش الإنسان الاغتراب بغير غربة جراء تعذر تأقلمه مع الواقع. و هذا هو حال فوزية في قصة رأيت النخلة، فتعلقها بثقافة النخلة المباركة التي آوت إليها مريم عليها السلام في لحظة تأزم وجودي. فوهبت لها السكينة والطمأنينة. أهدت فوزية الاغتراب والقلق. وبذلك نقض النسق الثقافي المخاتل المضمر لثقافة النخلة النسق الظاهري؛ لأن الكائنات التي تعيش الواقع بدت لفوزية منسلخة عن انتمائها الثقافي والمكاني. فتشتت في مفارق تيه وجودي. وباتت ترفض الكائنات التي تمثّل انتماء مغايراً حتى لو كان أصيلاً في تكوينه الثقافي.
النتائج :نخلص مما سبق إلى نتائج نجملها وفق ما يأتي:
– اتسمت هذه العينة من القصة القصيرة النسوية بانطوائها على جملة أنساق ثقافية.
– تحقق فيها مفهوم النسق الثقافي الذي يتكون وفق جدلية المخاتلة، فيظهر نسقاً ويضمر آخر ينسخه.
– تجلت فيها جدلية المخاتلة في بناء أربعة أنساق ثقافية هي:
– نسق أنسنة النخلة وتأنيثها الذي نسخه نسق الغابية المضمر.
– نسق أسطورة الخصب الفينيقي الذي نسخه نسق التعظيم الواقعي المضمر.
– نسق الخرافة والسحرية الذي نسخه نسق الوعي البشر ي المضمر.
– نسق الانتماء والسكينة الذي نسخه نسق الاغتراب و التيه المضمر.
– ظهر في أسيقة هذه القصص انتماء النسق الثقافي إلى مرجعيات تاريخية، ومعرفية وشعبية.
– عمل النسق الثقافي على انفتاح السرد القصصي على استلهام بنى فنية و فكرية للفنون الأدبية المختلفة.
– تعكس الأنساق الثقافية في هذه القصص الهوية الفكرية والفنية للقصة النسوية.
الخاتمة:
نستدل من سياق دراستنا الثقافية في هذه النماذج القصصية، أن القصة النسوية العربية، عكست التكوين المعرفي والثقافي للقاصات. واستجلت مهارتهن في بناء قصّ استلهم جدلية المخاتلة في بناء الأنساق الثقافية للنخلة، فانبرت القاصات تبحث عن تقنيات حديثة تستجلبها من فنون أدبية متعددة ؛ مما أغنى القصة بطاقات إبداعية، شكّلت ماهية الهوية الإبداعية للقصة النسوية. و أجْلت خصوصية علاقة المرأة بالنخلة، وأنساقها الثقافية التي تميل إلى تأنيثها الناشئ من شبَه الخصب والجمال في النخلة و المرأة. وكان لذلك أثر كبير في فتح مخيلة القاصة على بنى متضاعفة الرموز والإيحاءات الجمالية. أكسبت قصتها فضاءات إبداعية تمازج فيها القصّ بالشعرية، فاتسقت في مدار الإبداع الأدبي بعلامات مضيئة.
المصادر و المراجع:
– القرآن الكريم
المراجع العربية :
1- أحمد، مرشد: أنسنة المكان في روايات عبد الرحمن منيف، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر، الإسكندرية، ط3، 2003.
2- البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري، دار ابن كثير، بيروت،ط1،2002.
3- حسيبة، مصطفى : المعجم الفلسفي، دار أسامة للنشر، عمان، ط1، 2009.
4- الحسين، قصي: أنتربولوجية الصورة و الشعر العربي قبل الإسلام، دار النشر مغفلة، بيروت، ط1، 1993.
5- حميدان، أحمد حسين : أنثى الكلام – دراسات في القصة النسوية الإماراتية، منشورات دائرة الثقافة، الشارقة، 2022.
6- الحموي، ياقوت: معجم البلدان، دار صادر، بيروت،( د.ت).
7- بن خليفة، مشري: الشعرية العربية مرجعياتها وإبدالاتها النصية، مكتبة الحامد، عمان، ط1، 2010.
8 – الرويلي، ميجان،و البازي، سعد : دليل الناقد الأدبي، المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء،ط3 ,2002.
9- الزبيدي، محمد مرتضى الحسني: تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق: عبد الكريم الغرباوي، مطبعة حكومة الكويت، 1967.
10- زكي، أحمد كمال: الأساطير، دار الكاتب العربي للطباعة و النشر، القاهرة ، .1967
11 – زيادة، معن : الموسوعة الفلسفية العربية، منشورات معهد التاريخ العربي, بيروت, ط1، 1986.
12 – سعيد، نبيل رشاد: الفلسفة الوجودية عند نيقولا برديائيف، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2006.
13 – أبو الشعر، هدى: عندما تصبح الذاكرة وطناً، منشورات وزارة الثقافة عمان، 1996.
14 – عبد الحكيم، شوقي: موسوعة الفولكلور: شوقي عبد الحكيم، مكتبة مدبولي، القاهرة،1995.
15- علوش، سعيد: معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، عرض وتقديم وترجمة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ودار سوشبريس، الدار البيضاء، ط1، 1985.
16- الغامدي، أميرة حميدة : القصة القصيرة النسائية في الأدب السعودي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2018.
17 – الغذامي، عبدالله : النقد الثقافي، المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء،ط3 , 2005.
18- الغذامي، عبدالله، و اصطيف، عبد النبي: نقد ثقافي أم نقد أدبي، دار الفكر، دمشق، 2004.
19- فرنسيس، إخلاص :ظل النعناع، دار سائر المشرق، بيروت، ط1، 2022.
20-القيس، امرؤ : الديوان، مراجعة: مصطفى الشافي، شرح: حسن السندوبي، دار الكتب العلمية، بيروت،ط5، 2004.
21- مفتاح، محمد : التشابه والاختلاف، , المركز الثقافي العربي , (د.ت).
22 – مطلوب، أحمد: معجم مصطلحات النقد العربي القديم، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1989.
23- ابن منظور، جمال الدين بن مكرم: لسان العرب، دار صادر، بيروت، ( د.ت).
24- مهران، بيومي: دراسات في الشرق الأدنى القديم: بيومي مهران، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1997.
المراجع المترجمة :
25- إديث، كريزويل : عصر البنيوية، ترجمة :جابر عصفور , دار سعاد الصباح , الكويت، ط1, 1993.
26 – برتليمي،جان: بحث في علم الجمال،ترجمة: أنور عبد العزيز، مراجعة: نظمي لوقا، دار نهضة مصر، القاهرة، 2011.
27 – سيرجيميس، فريزر: الغصن الذهبي دراسة في السحر والدين، ترجمة: أحمد أبو زيد، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، القاهرة، 1971.
28- كروتشه، بينيديتو: المجمل في فلسفة الفن، ترجمة: سامي الدروبي، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1947.
29- لالاند، أندرية: موسوعة لالاند الفلسفية، ترجمة : خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، ط2، 2001.
30 – مجموعة مؤلفين: نظرية المنهج الشكلي: نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة: عبد الكريم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، والشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، ط1، 1982.
الدوريات و المجلات:
31- حديدي، صبحي: إزرا باوند، ترجمة وتقديم، مجلة الكرمل، ع: 85،أثينا،خريف، 2005.
32- الخميس، أميمة: حكاية صوت مغيب: أميمة الخميس، مجلة الآداب، ع: 12، س: 43، بيروت، ديسمبر، 1995.
32 – الدليمي، لطيفة : البحث عن شجرة الحكمة، مجلة الأديب المعاصر، ع: 45، بغداد، صيف 1993.
33- زغريت، خالد: تجليات الأنماط الأسطورية لصورة الشجرة بين إزرا باوند ومحمود درويش، مجلة المعرفة، ع:525، دمشق، يونيو، 2007.
34- صالح، عبد الرزاق، الكشف عن الشجرة المقدسة – ريادة وإبداع في الميثولوجيا العراقية، جريدة (الزمان)، ع: 1888، لندن، 17/8/ 2004.
35- عاشور، رضوى: رأيت النخلة، مختارات فصول، سلسلة شهرية تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،أغسطس،1989.
36- علاونة، إيمان سالم : تشكيل البداية السردية في القصة القصيرة النسوية في الأردن، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مج :46،ع: 3، 2019.
37- العمايرة، حنان إبراهيم، الحياري، معاذ جميل، الحجاحجة، بشير عقاب علي : دراسة في التشكيل السردي في القصة النسوية القصيرة ” شقوق في كف خضرا” نموذجاً، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مج: 47، ع:1، 2020.
38- مبارك، رضوى محمد محروس: رؤية الذات في القصة النسوية المصرية في القرن العشرين – قراءة ثقافية، مجلة حوليات آداب عين شمس، مج: 44، إبريل، 2016.
الرسائل الجامعية :
39- جراية، منال، بقاص، فلة :النسق الثقافي في رواية تلك المحبة للحبيب السائح- مقاربة ثقافية-، رسالة ماجستير , جامعة حمه لخضر، الوادي , الجمهورية الجزائرية, 2019.
40- جواد، نهى عباس: الاغتراب في النص المونودرامي العراقي، رسالة ماجستير، كلية الفنون الجميلة, جامعة بابل, 2006.
41- معاشو، بو وشمة : الأنساق الثقافية في الشعر الجاهلي، رسالة دكتوراه, جامعة جيلالي ليابس، كلية الآداب واللغات الفنون الجمهورية الجزائرية، 2019.
42- مرعي، جنان خير الله: الاغتراب في الشعر النسوي في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي، رسالة ماجستير، كلية التربية للبنات, جامعة تكريت، 2003.
[1] – رؤية الذات في القصة النسوية المصرية في القرن العشرين – قراءة ثقافية- : رضوى محمد محروس مبارك، مجلة حوليات آداب عين شمس، مج : 44، إبريل، 2016.
[2] – دراسة في التشكيل السردي في القصة النسوية القصيرة ” شقوق في كف خضرا” نموذجاً : حنان إبراهيم العمايرة، معاذ جميل الحياري، بشير عقاب علي الحجاحجة، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مج: 47، ع:1، 2020. و:تشكيل البداية السردية في القصة القصيرة النسوية في الأردن: إيمان سالم علاونة، مجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية، مج :46،ع: 3، 2019.
[3] – أنثى الكلام، دراسات في القصة النسوية الإماراتية: أحمد حسين حميدان، منشورات دائرة الثقافة، الشارقة، 2022.
[4] – القصة القصيرة النسائية في الأدب السعودي: أميرة حميدة الغامدي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، 2018.
[5] – يرجع استعمال النقاد العرب لفظ الجدل إلى أسيقة معناه اللغوي التي يراد بها “تناظر بين اثنين أو أكثر، وتتميز بطابع التضاد، معتمدة في ذلك على تعارض المعايير القيمية أدبياً ” ، و الجدل مصدر الفعل الثلاثي جَدَلَ؛ أي أحكم فتله، وجَادَلَهُ: خاصمه، مجادلةً وجدالاً، والاسم الجَدَلُ هو شدة الخصومة. تنظر (مادة:جدل )في: تاج العروس من جواهر القاموس: محمد مرتضى الحسيني الزبيدي, تحقيق عبد الكريم الغرباوي، مطبعة حكومة الكويت، 1967. و: معجم مصطلحات النقد العربي القديم: أحمد مطلوب، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 1989، ص: 422.
معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، عرض وتقديم وترجمة: د. سعيد علوش،دار الكتاب اللبناني، بيروت، ودار سوشبريس، الدار البيضاء، ط1، 1985، ص: 60. أما في الفلسفة فيطلق على ” فنّ تقسيم الأشياء إلى أنواع، وأصناف للتمكن من فحصها ومناقشتها”، ينظر: موسوعة لالاند الفلسفية : أندرية لالاند، ترجمة : خليل أحمد خليل، منشورات عويدات، بيروت، ط2، 2001، ص: 272. ويعد أول من استعمله هو الفيلسوف “زينون الإيلي”، وتبعه “أفلاطون” الذي قصد به السعي للتوصل إلى البرهان الحقيقي، وأراد بها “أرسطو” مجموعة الاستدلالات المبنية على وجهات نظر محتملة. وصار لفظ الجدل في العصر الوسيط يستعمل لوصف التحليل، أو الخطاب المعقد، أو غير المجدي، وتحوّل معناه في القرن التاسع عشر على يد “هيغل” إلى قانون يحدد سيرة الفكر، والواقع عبر تفاعلات النفي، وحلّ المشكلات المتناقضات، و في القرن العشرين أصبحت الجدلية تعني كل فكر يأخذ بعين الاعتبار جذرياً دينامية الظاهرات التاريخية وتناقضاتها، ينظر: المعجم الفلسفي : د. مصطفى حسيبة، دار أسامة للنشر، عمان، ط1، 2009، ص: 154، 155. و قد ذهب “إيمانويل كانط” إلى إطلاق اسم الجدليات على كل الاستدلالات الوهمية التي تعتمد العقل، ويحدد الجدل عموماً بأنه منطق المظهر؛ فالمظاهر إما أن تكون منطقية، أي معنوية، عقلية، وإما أن تكون تجريبية، أي محسوسة، وإما إعلائية، أي ناجمة عن طبيعة عقلنا، أو روحنا بالذات، ينظر: موسوعة لالاند الفلسفية، ص: 273.
[6] – تنظر : (مادة :ختل)في : تاج العروس، و: لسان العرب: جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، دار صادر، بيروت، ( د.ت).
[7] – فقد رأى “واران” أنه : مجموعة من الأشياء أو الوقائع المترابطة فيما بينها بالتفاعل أو الاعتماد المتبادل، ينظر: – الأنساق الثقافية في الشعر الجاهلي: بووشمة معاشو , رسالة دكتوراه, جامعة جيلالي ليابس، كلية الآداب واللغات و الفنون، الجمهورية الجزائرية، 2019 , ص: 31. أما “ولمان” فرآه ” مجموعة من العناصر, لها نظام معين, وتدخل في علاقات مع بعضها البعض لتؤدي وظيفة معينة بالنسبة للفرد” ، ينظر: – الأنساق الثقافية في الشعر الجاهلي , ص:31. وحدد “تالكوتبارسونز” النسق بأنه “نظام ينطوي على أفراد فاعلين, تتحدد علاقاتهم بمواقفهم وأدوارهم التي تنبع من الرموز المشتركة والمقررة ثقافياً في إطار هذا النسق، وعلى النحو يغدو معه مفهوم النسق الاجتماعي أوسع من مفهوم البناء الاجتماعي” ، ينظر: عصر البنيوية : إديث كريزويل, ترجمة :جابر عصفور , دار سعاد الصباح , الكويت، ط1, 1993م، ص: 411. أما “محمد مفتاح” فجعله “مكوناً من مجموعة من العناصر أو الأجزاء التي يترابط بعضها ببعض, مع وجود مميز، أو مميزات بين كل عنصر وآخر” ، ينظر: التشابه والاختلاف: محمد مفتاح , المركز الثقافي العربي , (د.ت) , ص: 158،159.
[8]– النقد الثقافي : عبد الله الغذامي , المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء،ط3 , 2005، ص: 79.
[9]– دليل الناقد الأدبي : ميجان الرويلي وسعد البازي , المركز الثقافي العربي , الدار البيضاء،ط3 ,2002, ص: 310.
[10]– ينظر: النقد الثقافي: الغذامي , ص: 71. وأشار الغذامي إلى أن مفهوم النسق المضمر في نظرية النقد الثقافي مفهوم مركزي “والمقصود هنا أن الثقافة تملك أنساقها الخاصة التي هي أنساق مهيمنة، وتتوسل لهذه الهيمنة عبر التخفي عبر أقنعة سميكة وأهم هذه الأقنعة هو في دعوانا الأقنعة الجمالية” ينظر: نقد ثقافي أم نقد أدبي : د. عبدالله محمد الغذامي ود. عبد النبي اصطيف، دار الفكر، دمشق، 2004، ص: 30. وحدد الغذامي الشروط التي تجعل منه نسقاً مضمراً مرتبطاً بالنقد الثقافي، ولا يخرج إلى النقد الأدبي، وهي وجود نسقين يحدثان معاً، أحدهما مضمر والآخر علني، ويكون المضمر نقيضاً وناسخاً للعلني، ويكون النص موضوع فحص جمالي، وذا قبول جماهيري، ينظر: المرجع السابق، ص: 32.
[11]– النسق الثقافي في رواية تلك المحبة للحبيب السائح – مقاربة ثقافية- : منال جراية وفلة بقاص , رسالة ماجستير , جامعة الشهيد حمه لخضر، الوادي , الجمهورية الجزائرية,2019 ص:47.
[12]– المرجع السابق، ص:42.
[13] – ظل النعناع : إخلاص فرنسيس، دار سائر المشرق، بيروت، ط1، 2022، 119.
[14] – ديوان امرئ القيس، مراجعة: مصطفى الشافي، شرح: حسن السندوبي، دار الكتب العلمية، بيروت،ط5، 2004، ص: 56، 57.
[15] – أنتربولوجية الصورة و الشعر العربي قبل الإسلام: د. قصي الحسين، دار النشر مغفلة، بيروت، ط1، 1993، ص: 156.
[16] – أنسنة المكان في روايات عبد الرحمن منيف: مرشد أحمد، دار الوفاء لدنيا الطباعة و النشر، الإسكندرية، ط3، 2003،ص: 7.
[17] – موسوعة لالاند ، ص: 571.
[18] – ظل النعناع، ص: 119.
[19] – البحث عن شجرة الحكمة: لطفية الدليمي، مجلة الأديب المعاصر، ع: 45، بغداد، صيف 1993، ص: 61.
[20] – الشعرية العربية مرجعياتها وإبدالاتها النصية: مشري بن خليفة،، مكتبة الحامد، عمان، ط1، 2010، ص: 22.
[21] – عندما تصبح الذاكرة وطناً: هدى أبو الشعر، منشورات وزارة الثقافة عمان، 1996، ص: 55.
[22] – الكشف عن الشجرة المقدسة ريادة وإبداع في الميثولوجيا العراقية: عبد الرزاق صالح، جريدة الزمان،ع: 1888، لندن،17/8/ 2004، ص:10.
[23] – الأساطير : د. أحمد كمال زكي، دار الكاتب العربي للطباعة و النشر، القاهرة ، 1967 ، ص: 7.
[24] – دراسات في الشرق الأدنى القديم: بيومي مهران، دار المعرفة الجامعية، القاهرة،1997،ص: 120.
[25] – موسوعة الفولكلور: شوقي عبد الحكيم، مكتبة مدبولي، القاهرة،1995، ص:666.
[26] – معجم البلدان: ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت،( د.ت)،ج:4، ص: 77.
[27] – تجليات الأنماط الأسطورية لصورة الشجرة بين إزرا باوند ومحمود درويش: خالد زغريت، مجلة المعرفة،ع:525، دمشق،يونيو،2007،ص: 329.
[28] – إزرا باوند، ترجمة وتقديم: صبحي حديدي، مجلة الكرمل، ع: 85،أثينا، خريف، 2005،ص: 12.
[29] -المرجع السابق، ص:12.
[30] – الغصن الذهبي دراسة في السحر والدين: سيرجيميس فريزر، ترجمة: أحمد أبو زيد، الهيئة المصرية العامة، القاهرة، 1971، ص: 250.
[31] – أنتربولوجية الصورة و الشعر العربي قبل الإسلام، ص:333.
[32] – الغصن الذهبي، ص: 406.
[33] – حكاية صوت مغيب: أميمة الخميس، مجلة الآداب، ع: 12، س: 43، بيروت، ديسمبر، 1995، ص: 44.
[34] – المجمل في فلسفة الفن: بينيديتو كروتشه، ترجمة: سامي الدروبي، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1، 1947، ص: 50.
[35] – المرجع السابق، ص: 52.
[36] – حكاية صوت مغيب، ص: 44.
[37] – بحث في علم الجمال: جان برتليمي، ترجمة: أنور عبد العزيز، مراجعة: نظمي لوقا، دار نهضة مصر، القاهرة، 2011، ص: 567.
[38] – نظرية المنهج الشكلي: نصوص الشكلانيين الروس، ترجمة عبد الكريم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، والشركة المغربية للناشرين المتحدين، الرباط، ط1، 1982، ص:10.
[39] – رأيت النخلة: رضوى عاشور، مختارات فصول، سلسلة شهرية تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،أغسطس،1989، ص: 87.
[40] – ( البقرة: 266)، و ( الأنعام: 99) و (طه:71)، و ( الأنعام: 141)،و ( الكهف: 32)،و ( الشعراء: 148)، و(ق: 10) و( القمر:20)، و(الرحمن: 11) و ( الرحمن: 68)،و (الحاقة:7)،و (عبس:29)،و ( الرعد: 4)، ( النحل: 11) و( النحل:67) و، ( الإسراء: 91)، و( مريم: 23) و (مريم: 25)و ( المؤمنون: 19)،و ( يس: 34).
[41] – (مريم:23-28).
[42] – روى البخاري عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: ” كَانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا، فَسَكَنَتْ “. ينظر: صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، دار ابن كثير، بيروت،ط1،2002، 3585.
[43] – رأيت النخلة، ص: 86.
[44]– الموسوعة الفلسفية العربية: معن زيادة, معهد التاريخ العربي, بيروت, ط1، 1986 ,ج:2،ص:39.
[45]– الاغتراب في النص المونودرامي العراقي: نهى عباس جواد, رسالة ماجستير، كلية الفنون الجميلة, جامعة بابل, 2006، ص:6.
[46]– الاغتراب في الشعر النسوي في عصر صدر الإسلام والعصر الأموي: جنان خير الله مرعي, رسالة ماجستير، كلية التربية للبنات, جامعة تكريت، 2003, ص:8.
[47]– الفلسفة الوجودية عند نيقولا برديائيف: نبيل رشاد سعيد، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، ط1، 2006،ص:166.