اتجاهات تدريس السّردية التاريخية في الجامعات الفلسطينيّة
Teachings historical narratives’ trends in Palestinian universities
د. رمزي عودة/ معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي، فلسطين
Dr Ramzi Odah/Palestine Institute for National Security Researches, Palestine
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 88 الصفحة 9.
Abstract:
The study examined the trends of teaching historical narrative in the Palestinian courses taught in Palestinian universities, with the aim of identifying the content of the Palestinian historical narrative in the courses of teaching the Palestinian cause, and whether these courses are capable to present a scientific Palestinian historical narrative, which able to refuting the Zionist historical narrative.
By using the qualitative analytical method in analyzing the content of ten books from the Palestinian cause course books taught in Palestinian universities, the study reached the following most important results:
1- There is no consensus in the content of the curriculum for the Palestinian cause in national universities.
2- The majority of educational curricula for the Palestinian cause are influenced by the biblical narrative.
3- There is a clear absence of the Palestinian or Arab historical narrative in the educational curricula of the Palestinian cause course.
The study recommended the necessity of strengthening the historical scientific contributions on the Palestinian, Arab and international levels in building a historical Palestinian narrative, so that this narrative relies on archaeological research without being affected by the biblical religious narratives.
key Words: Palestinian historical narrative, refutation of the Zionist historical narrative, curriculum for the Palestinian cause, Palestinian universities.
ملخص:
بَحثت هذه الدراسة في اتجاهات تدريس السردية التاريخية في مساقات القضية الفلسطينية التي تُدَرَّسُ في الجامعات الفلسطينية؛ بهدف التَّعرف على مضمون الرواية التاريخية الفلسطينية في مناهج تدريس القضية الفلسطينية، وإذا ما كانت هذه المناهج قادرةً على تقديم رواية تاريخية فلسطينية علمية تستطيع تفنيد الرواية التاريخية الصهيونية، ومن خلال استخدام المنهج الكيفي التحليلي في تحليل مضمون عشرة كتب للقضية الفلسطينية تُدرسُ في الجامعات الفلسطينية، ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة النتائج الآتية:
- لا يوجد توافق في محتوى منهاج القضية الفلسطينية في الجامعات الوطنية.
- تتأثر غالبية المناهج التعليمية للقضية الفلسطينية بالرواية التوراتية.
- هناك غياب واضح للسردية التاريخية الفلسطينية أو العربية في المناهج التعليمية لمساقات القضية الفلسطينية.
وقد أوصت الدراسة بضرورة تعزيز الإسهامات العلمية التاريخية فلسطينياً وعربياً ودولياً في بناء سردية فلسطينية تاريخية، بحيث تعتمد هذه الرواية على الأبحاث الأثرية دون التأثر بالروايات الدينية التوراتية.
الكلمات المفتاحية: السردية التاريخية الفلسطينية، تفنيد الرواية التاريخية الصهيونية، منهاج القضية الفلسطينية، الجامعات الفلسطينية.
تَقديم:
لا يختلفُ غالبيةُ المؤرخين والأثريين العرب والفلسطينيين على نتيجة غياب سردية تاريخية فلسطينية قادرة على تفنيد الرواية التاريخية الصهيونية، وهي رواية تقوم على الخرافات التي يصعب تصديقها كما وصفها “ألن بابيه”؛ مثل فلسطين هي أرض الميعاد، واليهود شعب الله المختار، و فلسطين أرض بلا شعبٍ لشعب بلا أرض، وفي النتيجة فإن غياب السردية التاريخية العربية الموحدة والمتماسكة حول التاريخ القديم لفلسطين، وتأثر السرديات العربية التاريخية بالروايات الدينية وبالأساطير التوراتية، كلها عوامل أدت إلى “الاستحواذ الصهيوني” على الرواية التاريخية الفلسطينية، وبدا كأن المناهج التعليمية التي تدرس في الجامعات الفلسطينية تتأثر دون إدراك بالرواية الصهيونية التاريخية، وهذا ما أسماه باسم رعد بالاستحواذ على الذات[1].
هناك سبع عشرة جامعة وكلية جامعية فلسطينية في الضفة الغربية وغزة تطرح لطلبتها مساقات تعليمية حول القضية الفلسطينية، وغالبية هذه المساقات تُطرح في سياق متطلبات جامعية حرة لجميع الطلبة مثل جامعة بيت لحم وجامعة فلسطين الأهلية، والبعض الآخر من الجامعات يَطرح مساقات حول القضية الفلسطينية باعتبارها متطلبات تخصص للعلوم السياسية أو التاريخ مثل جامعة النجاح وجامعة بيرزيت، ومن جانب آخر، فإن بعض الجامعات الفلسطينية تولي موضوع الرواية التاريخية الفلسطينية أهمية ووزنًا في كتب القضية الفلسطينية مثل جامعة بيت لحم وجامعة القدس المفتوحة وجامعة القدس، إلا أن البعض الآخر يمرُّ مرور الكرام على هذا الفصل (تاريخ فلسطين القديم) رغم أهميته مثل جامعة الخليل وجامعة فلسطين (غزة)، وتبدو الإشكالية أكبر في بعض الجامعات مثل جامعة بيت لحم التي طرحت مساقات أخرى غير القضية الفلسطينية كمساقات حرة بحيث أصبح بإمكان الطالب أن يختار مادة حرة غير القضية الفلسطينية في برنامج البكالوريوس، وهذا أدى إلى تخريج عدد من طلبتنا دون معرفة حقيقية بالرواية التاريخية الفلسطينية.
وقد أشارت نتائج دراسة أبي حامد إلى أن مستوى المعرفة السياسية لدى طلبة جامعة النجاح الوطنية متدن[2]، كما أشارت نتائج دراسة الشامي إلى أن درجة المعرفة السياسية للطلبة الجامعيين في جامعة الأقصى بلغت درجة متوسطة لا تتجاوز نسبة 63.7%.[3]بالمقابل، أشارت نتائج دراسة دويكات إلى ارتفاع درجة المعرفة السياسية للطلبة الجامعيين في فلسطين لتصل إلى درجة مرتفعة بلغت 73.2%[4]، وفي النتيجة لا يوجد اتفاق في النتائج العلمية حول درجة المعرفة السياسية للطلبة الجامعيين الفلسطينيين، وتبدو هذه النتيجة معقدة أكثر إذا ما أخذنا موضوعة المعرفة المتعلقة بالرواية التاريخية الفلسطينية، ففي دراسة أجراها الجعبري استنتج الباحث اختلاف مضمون مقررات مساقات تاريخ القضية الفلسطينية في الجامعات الوطنية[5]، يقول الجعبري في هذا السياق : “هناك عدم اتفاق بين أقسام التاريخ حول طبيعة العديد من المقررات، وطبيعة تقسيمها على الحقب التاريخية المتعددة أو على أساس موضوعي أو جغرافي”[6].
تستخدم الدارسة المنهج الوصفي التحليلي من خلال أداة تحليل المضمون، وتعتمد أداة تحليل المضمون المستخدمة على وضع عدة مؤشرات أو مقاييس، يتم البحث في كيفية تناولها في المناهج التدريسية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، أما عينة الدراسة فتشمل عشرة مناهج تعليمية للقضية الفلسطينية في عدة جامعات فلسطينية هي: جامعة فلسطين غزة، الجامعة الإسلامية، جامعة غزة، الجامعة العربية الأمريكية، جامعة بيت لحم، جامعة فلسطين الأهلية، جامعة القدس المفتوحة، جامعة القدس، جامعة الخليل، جامعة النجاح.[7]
وتسعى هذه الدراسة إلى البحث في مضمون الرواية التاريخية الفلسطينية في مناهج تدريس القضية الفلسطينية، وإذا ما كانت هذه المناهج قادرة على تقديم رواية تاريخية فلسطينية علمية أم أنها متأثرة بالروايات التوراتية، كما تسعى الدراسة إلى تحديد قدرة هذه المناهج على تفنيد وتفكيك الرواية التاريخية الصهيونية من خلال استخدام الأدوات العلمية التاريخية وعلم الآثار.
ثانيا: مشكلة الدراسة…الصراع على الرواية
تأثرت الكتابة التاريخية لفلسطين في العهد القديم بالرواية التاريخية التوراتية وظهرت كتابات أولبرابت ووبرايت ثم آلت ونورث، ومندهول وغوتفالد لتعبر عن كتابة التاريخ بطريقة تخدم نشوء الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وتتلخّص الرواية التاريخية الصهيونية بنصوص العهد القديم، والتي تعتبر بني إسرائيل ضحايا لتعذيب وكفر الفراعنة المصريين، وهو الذي دعا نبيهم موسى الى الخروج بقومه مع بدايات العصر الحديدي من بطش فرعون إلى أرض فلسطين التي وعدهم بها الرب، وأثناء هروبهم إلى فلسطين، حدث التيه في صحراء سيناء، إلى أن وصلوا بعد عدة عقود إلى فلسطين عبر الأردن، فدخلوا أريحا فاتحين على يد يوشع بن نون في العام 1260 ق.م تقريباً، وبعد أن هزموا الكنعانيين هناك نجحوا في بناء مملكتهم الموحدة على يد الملك داوود الذي توسعت مملكته من النيل إلى الفرات إلى أن جاء حكم ابنه سليمان الذي بدوره بنى هيكلهم الأول في العام (963-923 ق.م) ق.م، وبعد ازدهار حضارة بني إسرائيل في عهد سليمان، توفى الأخير لتنقسم مملكته إلى مملكتين؛ الأولى المملكة الشمالية “إسرائيل” وعاصمتها شكيم، والثانية المملكة الجنوبية “يهودا” وعاصمتها بيت المقدس، وبالمحصلة لم تدم حكم هاتين المملكتين طويلاً، حيث دبَّ الصراع بينهما ونجح الأشوريون على يد سرجون الأشوري في عام 721 ق.م بتدمير مملكة إسرائيل وسبي ملوكهم، كما نجح نبوخذ نصر الملك البابلي في العام 586 ق.م في تمدير مملكة يهودا وتدمير هيكلهم، إضافة إلى أن الأخير سبى اليهود إلى بابل فيما عرف بالسبي البابلي، ثم نجح الملك الفارس “قورش” بالتغلب على مملكة البابليين وإعادة حلفائه اليهود إلى فلسطين وأمرهم ببناء الهكيل مرة أخرى[8]، ومن ثم توالت على هذه الفترة حكم الملوك اليهود القضاة في فلسطين، إلى أن جاء الحكم الروماني وتم تدمير الهيكل على يد تيطس الروماني عام 70 م، وسرعان ما تم القضاء على وجود اليهود في فلسطين لاسيما بعد انتشار المسيحية على يد قسطنطين الإمبراطور الروماني وأمه هيلانة التي بنت غالبية الكنائس المقدسة في فلسطين[9].
وفي مقابل هذه الرواية التاريخية التوراتية لفلسطين، بدأ نشاط مهم ومؤثر لإعادة كتابة التاريخ الفلسطيني بعيداً عن التحيز للرواية التوراتية، وهي كتابة بالمجمل تدعمت بتطور الاكتشافات الأركيولجية الحديثة في فلسطين مثل ألواح ايبلا في الألف الثالث قبل الميلاد، وألواح رأس شمرا، و”نصوص اللعنة”، وغيرها الكثير، وظهرت في أعمال كيت وايتلام وطومسون وغيرهم الكثير من الدراسات العلمية التاريخية التي تفند الرواية التاريخية التوراتية وتعتبرها خارج إطار الحقيقة التاريخية.
يؤكد وايتلام أن دولة إسرائيل القديمة موجودة، ولكنها تعتبر جزءا تاريخيا بسيطا من تاريخ فلسطين القديم، ولم تستطع بأي حال من الأحوال إبادة الحضارة الكنعانية، أما فراس السواح فيميز بين التاريخي واللاتاريخي في الرواية التوراتية، وبينما يعتقد أن تاريخ بني إسرائيل ظهر في عهد الدولة الإسرائيلية التي بناها الملك عمري عام 880 ق.م فإن الإصحاحات التوراتية التي تتحدث عن الخروج من مصر وحكم القضاة كلها تعتبر من قبيل الملاحم الأسطورية التي لا ترتقي إلى مفهوم الحقيقة التاريخية[10].
وفي سياق زيف الرواية التوراتية تبعاً للاكتشافات الأركيولوجية، أورد الدكتور عفيف بهنسي في كتابه “تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار” العديد من نتائج الدراسات الأركيولوجية التي تفند الرواية التاريخية التوراتية، وفي ذلك الإطار يشير الأسـتاذ اليهـودي هـارفي وايـس Weiss Hفي بحثه في ألواح ايبلا “بأن المكتـشفات في رأس الـشمرة وفي مـاري ثم في إيـبلا تـبين لنـا يومـاً بعـد يـوم، أن أحـداث التوراة تمت متأخرة جداً عن الأحداث التي جرت في بلاد أكاد وماري وإيبلا وكنعــان، ولقــد جــاءت مختلطــة غامــضة متناقــضة”[11]، كما أشار العالم والمؤرخ ويلـز ( Wells) إلى أن سليمان لم يكـن يهوديـاً ولا عبريـاً، بـل كـان كنعانيـاً بلغتـه وعقيدته، ولم يترك منشآت وحضارة، وليست المبالغة التوارتية عن عهده إلا وهمـاً وكبريـاء، فلقـد كـان سـليمان ضـعيفاً أمـام غيـره”[12]، إضافة إلى ذلك، بينت نتائج دراسات «يسرائيل فنكلشتاين» رئـيس المعهـد الأركيولـوجي في جامعـة تـل أبيـب، أنه في القـرن العاشـر،قبـل المـيلاد “كانـت أورشـليم علـى حالـة متواضـعة، حيـث لـم يـزد فيهـا عـدد القرى عن عشرين قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن بـضعة آلاف نـسمة غالبيتهم من الرعاة المرتحلين، ويتابع فنلكشتاين في معرض رده على أسئلة عن بحثه لصحيفة “نيويورك تايمز” استناداً إلى فهمي، ليس هناك أيّ دليل على الإطلاق يثبـت وجـود مملكـة موحـدة عظمـى حكمـت مـن القـدس أقـاليم ضـخمة، إن قـدس الملك داوود لم تكن أكثر من قرية فقيرة في ذلك الوقت”[13]، ولا يخرج زئيف هيرتسوج العالم الإسرائيلي التاريخي عن سياق النتائج السابقة، حينما أشار إلى أن نتائجه الأركيولوجية بأنها لم تعثر …
“علـى شــيء يتفــق والروايـة التوراتيـة، إن قـصص الآبـاء (إبـراهيم- – يعقـوب إسـحاق ) في سـفر التكـوين هـي مجـرد أسـاطير، نحـن لـم نهـبط إلـى مـصر ولـم نخـرج بالتـالي منها، لم نتهِ في صحراء سيناء، لم ندخل فلسطين بحملة عـسكرية واجتيـاح، إن مملكة داود وسليمان التي توصف في التوراة بأنها دولـة عظمـى، كانـت في أفضل أحوالها مملكة قبلية صغيرة”.[14]
من جانبه، يشير منى في كتابه “مقدمة في تاريخ فلسطين” إلى أن مملكة يهوذا وتسمى المملكة الجنوبية من الخطأ وصفها يهودا، حيث إن مصطلح يهود لم يظهر قبل القرن الثاني للميلاد، ويرى المؤلف بأن الديانة اليهودية على عكس الرأي السائد هي ديانة تبشيرية، ولم تقتصر فقط على بني إسرائيل[15]، ويؤكد منى على أهمية النتائج التي توصلت إليها أعمال لمكة ووكوت ووايتلام والتي تؤكد على أن بني إسرائيل ما هم إلا نتاج عملية محلية معقدة جرت في فلسطين بمعنى أن سكان المناطق الجبلية في فلسطين والذين أنشئوا ممالك إسرائيل ويهوذا لم يختلفوا عرقياً عن السكان في بقية أنحاء فلسطين[16].
وفي موضوعة اللغات السامية، يشير الدكتور عمر الغول إلى أن النقوش السامية القديمة يمكن قراءتها بأكثر من لغة سواء كانت هذه اللغة كنعانية أو عبرية[17]، ويؤكد على هذه النتيجة ولفنسون: في أعماله حول اللغات السامية، يقول ولفنستون”إن الكنعانيين والعبرانيين والأراميين إنما هم فروع لأصل مشترك بينهم جميعاً، ولا يمكن أن يقال إن هذه اللغة متفرعة عن الأخرى استناداً إلى قوة الشبه بينهم…وأما شدة القرب بين اللغتين لا يمكن أن تدل إلا على شيء واحد هو أن اللغتين هما في الواقع لغة واحدة””[18]
وفي أطروحة مختلفة، يؤكد خان بأن الكنعانيين هم خلفاء الأموريين وهم شعب عربي سامي سكن البلاد في القرن الثالث قبل الميلاد، أما بني إسرائيل فقد دخلوا البلاد بأعداد صغيرة وغير مسلحين ثم لاحقاً بدؤوا بحمل السلاح، في هذا السياق، يقول غوستاف لوبون بأن بني إسرائيل كانوا مجموعة من القبائل البدوية الصغيرة غير المنسجمة التي تقوم على القتل والسلب والنهب[19].
وفي سياق النظرة التشكيكية للرواية التاريخية التوراتية، أشارت كتابات تومسون طومسون بما لا يدعو إلى الشك أن روايات العهد القديم “امتزجت بالفكاهة والقصص الشيقة والأساطير أكثر من كونها كتابة تاريخية حقيقية للتاريخ”[20]، كما يؤكد طومسون على أن “النقوش التي وصفت مملكة إسرائيل كنقش ميشع أو حفرية دير علا أو نقش أدريمي وغيرها من النقوش ليست نقوشا تاريخية وإنما يطغى عليها الطابع التخيلي القصصي؛ أي أنها مليئة بالقصص والحكايات الأسطورية حول ملوك إسرائيل أو أحداث ماضية تتناقلها الأجيال ثم توضع بنقش”[21]، بل إن بعض النقوش والحديث هنا لطومسون”، مثل” نقش أدريمي ملك ألالاخ وهو نقش بضمير المتكلم وهي تتحدث عن الملك ألالاخ بالرغم من أن الملك حكم المدينة قبل قرنين من النقش” كما أن نقش ميشع ” يقدم لنا دليلا على أن العهد القديم يجمع حكايات شديدة القدم من ماضي فلسطين ويعيد إنتاجها من جديد”[22]
ويؤكد كيت وايتلام في كتابه “اختلاق إسرائيل القديمة…إسكات التاريخ الفلسطيني” بأن اعتبار التوراة مصدراً للديانة التوحيدية، وتأثر البروتستناتية بالعهد القديم، إضافة إلى النزعة الإمبريالية الغربية التي ترى في اليهودية مصدراً للحضارة الغربية، كلها عوامل ساهمت في هيمنة النموذج التوراتي للتاريخ في فهم التاريخ القديم لفلسطين مع أن مملكة إسرائيل لا تمثل سوى حقبة تاريخية صغيرة من هذا التاريخ[23].
ويورد وايتلام في دراسته مختلف نتائج الدراسات التاريخية التي تؤكد وجود حضارة كنعانية كبيرة في فلسطين القديمة، ومن هذه الدراسات: دراسة هـيـوز التي أكدت أن التسلسل الزمني في سفري القضاة وصموئيل هو خيـال مـحـض اخـتـرعـه اليهود، ودراسة فيليب ديفيس التي تؤكد على أن “إسرائيل القديمة” المذكورة في الدراسات التوراتية هي من اختراع عقول العلماء التوراتيين”، ودراسة كوت حول نقش مرنبتاح الذي أعاد قراءته معتبراً إسرائيل بأنها «قبيلة فلسطينية أو اتحاد كونفدرالي قبلي» مبني على قراءة لـنـقـش مرنبتاح والدراسات الأنثروبولوجية للمجتمـعـات الـقـبـلـيـة[24].
من جانب آخر، يجادل خزعل الماجدي بأن شعوب البحر المعروفين بالفلسطينيين كان لهم حضارة مميزة ولكنهم كانوا شعباً صغيراً سرعان ما اندمج خلال قرنين من الزمن مع الكنعانيين وذابوا فيهم، كما أن علم الآثار لا يعترف بأي آثار لغزو في بداية العصر الحديدي سواء من بني إسرائيل أو من أي قوم آخرين[25]. إضافة إلى ذلك، يتابع الماجدي، أنه في العام 1000 ق.م عندما جاء داوود كما تخبرنا به قصص التوراة وخاض حرباً مع الفلسطينيين، في الوقت الذي نحن نعرف بأن تسمية الفلسطينيين جاءت لاحقة في العهد الروماني، و بالنسبة لداوود فهو من قبيلة يهوذا وليس يهودا، ويرى خزعل بأن ادعاء التوراة أن داوود بنى مملكة كبيرة من النيل إلى الفرات هو محض تخيل، حيث لا ذكر لهذه الإمبراطورية في كل حوليات الآشوريين ولا المصريين، وهو بهذا الفكر يرفض وجود أي هيكل لليهود، حيث إن أوصاف الهيكل المزعوم لا تبتعد عن وصف المعابد السورية (آلهة الخصب)، ولا يوجد أي ارتباط بها في الديانة اليهودية، من جانب آخر، فإن ربط سليمان ببلقيس يعتبر خطأ تاريخياً على حد قول الماجدي، حيث إن بلقيس ذكرت بالقرن الرابع قبل الميلاد، والتوارة حسب خزعل نصوص أدبية أقدم من هذا التاريخ وفيها مبالغة وتغني بالماضي، ويقول خزعل لا توجد وثيقة أشورية تتحدث عن الممالك المنقسمة اليهودية، فقط ذكرت أن الملك سرجون سبى السامرة والسامرة مدينة كنعانية حيث إن الكنعانيين أسسوا نظام دولة المدينة فكل مدينة لها ديانة وملك، وفي الفترة البطليموسية على يد بطليومس الثاني320ق.م أراد أن “يهلين” سوريا فقاوموا الهلينة كثيراً مما دعاه إلى التعرف على اليهود وديانتهم، فجمع بطليومس الثاني التوراة باليونانية، وهنا عرفت التوراة كنص متسلسل وكانت قبلها قصاصات مختلفة ومتباينة، ويرى الماجدي أن الدولة الوحيدة اليهودية التي يمكن اعتبارها حقيقة تاريخية هي الدولة المكابية، والشيء العجيب أن سفر المكابيين غير معترف فيه في التناخ كنص مقدس، أما بالنسبة لكلمة اليهود كدين فقد أطلقت عليهم في القرن الأول الميلادي[26].
من التحليل السابق، يظهر جليا أن الرواية التاريخية ربما تعني أكثر من حقيقة واحدة، وفي حالة الروايات التاريخية الإسرائيلية والفلسطينية، التي غالبًا ما تكون متنافسة وعكسية السرديات، تصبح أهمية فهم وتحليل السرد غير المألوف أمرًا بالغ الأهمية)[27]، من جانب آخر، فإن فهم هذه السرديات التاريخية من قبل الطلبة يعتمد على الموروث الثقافي والحضاري لهم لاسيما في بيئة الصراع، وهو الأمر الذي يقيد قدرتهم النقدية لمثل هذه السرديات، كما أن افتراض وجود معرفة سابقة لدى الطلبة بهذه السردية التاريخية عند تصميم الكتب الجامعية يؤدي بشكل أو بآخر إلى عدم فهم السرديات التاريخية من قبل الطلبة وضياعهم بين النصوص التاريخية[28].
ثالثاً: مقاييس التحقق في بناء الرواية الفلسطينية في المناهج التعليمية للقضية الفلسطينية في الجامعات الوطنية
- تحليل عرض المحتوي للتاريخ القديم في كتب القضية الفلسطينية في الجامعات الوطنية:
هنالك عدة مؤشرات قمت باستخدامها في تحليل عرض المحتوى التاريخي في وحدة التاريخ القديم في كتب القضية الفلسطينية المستخدمة في الجامعات الوطنية وهي وجود مقدمة للوحدة، وجود أهداف محددة للوحدة، المفاهيم واضحة ومحددة، وجود صور توضيحية، وجود قائمة بالمراجع، وجود ملخص للنتائج)[29].
جدول رقم (1):نتائج تحليل كتب القضية الفلسطينية في الجامعات الوطنية في ضوء المعايير الخاصة بتنظيم وعرض المحتوى
اسم الجامعة | اسم الكتاب | المؤلف | عدد الصفحات الخاصة بالتاريخ القديم | عدد الصور الأثرية | وجود مقدمة | تحديد هدف الوحدة | تحديد المفاهيم | وجود قائمة اعتمد عليها المؤلف | وجود ملخص بالنتائج | |
جامعة فلسطين غزة | دراسات فلسطينية وعربية | كمال الشاعر | 10 | لا | لا | لا | غياب مفهوم الرواية التاريخية ، الأسطورة ، الأعمال الأثرية،…الخ) | لا | لا | |
جامعة غزة | دراسات فلسطينية | أشرف الغليظ | 16 | لا | توجد | يوجد | لا | لا | لا | |
جامعة النجاح | دراسات فلسطينية 1050 | عثمان عثمان، عبد الستار قاسم، نايف أبو خلف، رائد نعيرات | 30 | لا | توجد | توجد | يوجد تحديد للأساطير والرد عليها | نعم | يوجد | |
جامعة القدس | بيت المقدس عبر التاريخ | معتصم الناصر | 50 | 8 | يوجد | يوجد | يوجد | توجد | يوجد | |
الجامعة الإسلامية غزة | دراسات في القضية الفلسطينية | زكريا السنوار وآخرين | 24 | لا | لا | لا | لا | توجد | لا | |
جامعة بيت لحم | القضية الفلسطينية | قسطينطين زريق ، كيت وايتلام، الن بابيه | 56 | لا | لا | لا | يوجد | لا | لا | |
جامعة فلسطين الأهلية | سلسلة دراسات منهجية في القضية الفلسطينية | محسن صالح | 4 | لا | يوجد | لا | لا | يوجد | لا | |
جامعة الخليل | ملخص مادة القضية الفلسطينية | 0 | 0 | لا | لا | لا | لا | لا | ||
الجامعة العربية الأمريكية | دراسات وأبحاث في القضية الفلسطينية | حماد حسين | 20 | لا | يوجد | يوجد | لا | نعم | لا | |
جامعة القدس المفتوحة | فلسطين والقضية الفلسطينية | لا يوجد | الكتروني سلايد | 10 | يوجد | يوجد | يوجد | لا | يوجد |
يشير تحليل عرض محتوى منهاج القضية الفلسطينية في الجامعات الوطنية إلى عدد من النتائج أهمها:
- إن الوزن النسبي للتاريخ القديم في كتب القضية مختلف تبعا لكتب القضية الفلسطينية المستخدمة في كل جامعة، فبعض الكتب لا تعطي أي أهمية أو وزن للتاريخ القديم مثل كتاب ” سلسلة دراسات منهجية في القضية الفلسطينية ” في جامعة فلسطين الأهلية، و “ملخص مادة القضية الفلسطينية” في جامعة الخليل، إلا أن بعض الجامعات تعطي وزنا مهما للتاريخ القديم في مراجعها، وأبرز هذه الجامعات: جامعة بيت لحم في المرتبة الأولى من حيث استخدامها لمرجع “تاريخ القضية الفلسطينية: ثم جامعة القدس في استخدام كتاب “بيت المقدس عبر التاريخ”، وأخيراً جامعة النجاح بكتابها “دراسات فلسطينية”.
- من المستغرب أن غالبية المراجع المستخدمة في تدريس القضية الفلسطينية لا تستخدم الصور الأثرية من أجل توضيحها للطلبة، وتكتفي هذه المراجع بالنصوص وهي في العادة أقل قدرة على جذب الطلبة وإفهامهم للآثار المكتشفة مقارنة بالصور والنقوش، وتأتي جامعة القدس المفتوحة في مرجعها “فلسطين والقضية الفلسطينية” في المرتبة الأولى حيث استخدمت عشر صور، وتأتي جامعة القدس في كتابها “بيت المقدس عبر التاريخ” في المرتبة الثانية حيث تضمن المرجع ثماني صور ونقوش فقط.
- برغم وجود مقدمة لوحدة التاريخ القديم مهم في شرح المعارف الممكن الحصول عليها من الوحدة ، إلا أن أربعة مراجع جامعية للقضية الفلسطينية خلت في وحدة التاريخ القديم من وجود مقدمة وهي جامعة فلسطين غزة، الجامعة الإسلامية غزة، جامعة بيت لحم، جامعة الخليل، أما باقي الجامعات في عينة الدراسة فقد اشتملت وحدة التاريخ القديم لفلسطين على مقدمة.
- برغم أن وجود أهداف محددة للوحدة تعتبر مهمة جداً في شرح الغايات المعرفية التي يجب على الطالب الحصول عليها من الوحدة حول التاريخ القديم لفلسطين، إلا أن خمس جامعات وطنية لم تحتوِ مراجعها في القضية الفلسطينية على أهداف محددة لوحدة التاريخ القديم، وهي: جامعة فلسطين غزة، الجامعة الإسلامية غزة، جامعة بيت لحم، جامعة فلسطين الأهلية، الجامعة العربية الأمريكية.
- إن تحديد المفاهيم التاريخية يعتبر أمرا مهما في توضيح السردية التاريخية لأن افتراض معرفتها من قبل الطلبة سيلقي بظلاله السلبية على فهم الطلبة لوحدة التاريخ القديم في فلسطين، في الواقع فإن ست جامعات فلسطينية لم تشرح لطلبتها في منهج القضية الفلسطينية- وحدة التاريخ القديم- مفهوم التاريخ ولا مفهوم السردية التاريخية ولا أسس الحقيقة التاريخية، وهذه الجامعات هي جامعة فلسطين غزة، جامعة غزة، الجامعة الإسلامية غزة، جامعة فلسطين الأهلية، جامعة الخليل، والجامعة العربية الأمريكية.
- إن وجود قائمة مراجع لوحدة التاريخ القديم في كتب القضية الفلسطينية المستخدمة في الجامعات الوطنية يساعد الطلبة على الرجوع إلى هذه المراجع عند البحث العلمي أو عند الرغبة في توضيح اللبس في السرديات التاريخية أو المفاهيم، كما أن وجود مراجع للتاريخ القديم يشير إلى أهمية اعتماد المنهج العلمي التاريخي في الوصول إلى الحقيقة التاريخية، ومع هذا، فإن نصف عينة الدراسة لم تستخدم في وحدة التاريخ القديم أي مراجع، ومن هذه الكتب الجامعية كتب جامعة فلسطين غزة، جامعة غزة، جامعة بيت لحم، جامعة الخليل، جامعة القدس المفتوحة.
- إن وجود ملخص لكل وحدة مهم جداً في تحديد النتائج التعليمية في كل وحدة وتسليط الضوء عليها من قبل الدارس، ولكن غالبية كتب القضية الفلسطينية لم يتم وضع ملخصات لوحدة التاريخ القديم فيها، ثلاث جامعات فقط استخدمت ملخصات للتاريخ القديم في كتب القضية الفلسطينية المستخدمة فيها وهي جامعة النجاح، جامعة القدس، وجامعة القدس المفتوحة.
- تحليل محتوى التاريخ القديم في كتب القضية الفلسطينية المستخدمة في الجامعات الوطنية:
هنالك عدد من المؤشرات تمّ الاعتماد عليها لدراسة أسس بناء الرواية التاريخية في المناهج التعليمية الجامعية للقضية الفلسطينية، وهي[30]:
- تعريف المصطلحات:
أولا: تتفق غالبية المراجع المستخدمة في الجامعات الفلسطينية بأن الكنعانيين هم شعوب سامية قدموا من جزيرة العرب في الفترة ما بين 4000 مثل الجامعة الأمريكية إلى 2500 سنة قبل الميلاد مثل جامعة فلسطين الأهلية، وفي الواقع، لا يوجد توافق على تاريخ قدوم الكنعانيين إلى أرض فلسطين، ولكن الاتفاق نجده عامة في قدوم الكنعانيين إلى فلسطين قبل بني إسرائيل والذين غزوا فلسطين في العام 1300 قبل الميلاد، ومن الواضح أن الاتفاق على هذه المضامين له بعض الدلالات السياسية والتاريخية أهمها:
- أن الكنعانيين لهم أحقية في الأرض لأنهم استوطنوا فلسطين قبل بني إسرائيل، والغالب حسب اعتقادي بأن وجود بني إسرائيل بعد الوجود الفعلي للكنعانيين- لا يعزز الرواية التاريخية الفلسطينية، لأن الحضارات القديمة كما هو متعارف عليه تتلوها حضارات وهكذا مثل البابليين والأشوريين والأكادييين وهكذا، الفكرة المهمة التي يجب على هذه المراجع البحث فيها هيأن الحقبة التاريخية لبني إسرائيل في فلسطين كانت قصيرة ولم تستطع أن تمحي الحضارة الكنعانية وإنما سرعان ما اندمجت بها تماماً كما حدث في اندماج الفلسطينيين بالكنعانيين وهو ما تتفق عليه غالبية المراجع الجامعية، ولكن لا يوجد أي مرجع يتحدث عن اندماج بني إسرائيل بالكنعانيين.
- إن الكنعانيين هم عرب ساميون بالرغم من عدم وجود أدلة تاريخية قوية تدعم هذا الافتراض[31]، ربما فقط مرجع جامعة القدس في منهجه دراسات القدس بحث في هذه الأدلة ولكن باقي المراجع الجامعية اعتبرته حقيقة تاريخية مثبتة دون البحث فيها) والفكرة في هذه المراجع سياسية بحتة من أجل جعل الصراع في الفترة الحالية بين العرب واليهود، وليس بين الكنعانيين الفلسطينيين واليهود.
ثانيا: غالبية المراجع المستخدمة لا تحاول نقاش ما جاء في رسائل العمارنة حول مناشدة الملك الكنعاني “عبد خيتا” لفرعون ملك مصر بضرورة نجدته من قبائل “العبيرو”، كتاب جامعة القدس اعتبره تأكيداً على وجود العبرانيين وكأنما هو إقرار بوجودهم التاريخي مع بداية العصر الحديدي، وفي الواقع، هنالك فرق بين بني إسرائيل والعبرانيين ولا يمكن الاستناد إلى هذه الكلمة (عبيرو) لإثبات الوجود التاريخي لبني إسرائيل كغزاة إلى فلسطين، بل إنها قد تشير إلى وجود قبائل غازية في شرق النهر إلى فلسطين وليس بالضرورة أن تكون بني إسرائيل.
ثالثا: تجمع غالبية المناهج الجامعية على أن الفلسطينيين هم من شعوب البحر قدموا من جزيرة كريت، وتتفق أيضاً على أن هذه الشعوب سكنت في السهل الساحلي الجنوبي في فلسطين وحاربت بني إسرائيل حرباً شديدةً متأثرة طبعاً بالرواية التوراتية حول الحرب بين داوود وجالوت، ولكن للأسف لم تشر هذه المناهج إلى مراجع مهمة نظرت إلى الفلسطينيين على كونهم قبائل كنعانية هاجرت إلى كريت ثم عادت إلى فلسطين. كما تم إغفال وجهة النظر التي تقول بأن الفلسطينيين وإن كانوا قد قدموا إلى بلاد كنعان أنهم كانوا قبائل صغيرة العدد سرعان ما اندمجت بالحضارة الكنعانية.
رابعا: تأثرت غالبية المناهج التعليمية موضوعة الدراسة بالرواية التاريخية الدينية وخاصة منهج جامعة القدس المفتوحة وجامعة غزة والجامعة الأمريكية وغيرها، وهي الرواية التي تتحدث عن بني إسرائيل كونهم ساميين أبناء يعقوب وإبراهيم، ومن خروج بني إسرائيل من مصر إلى فلسطين وغزة وأريحا وإنشاء مملكة داوود وبناء الهيكل على يد سليمان وانقسام مملكة اليهود وحدوث السبي العراقي إلى آخره من الرواية الدينية، وفي الواقع، لا يوجد أي إثباتات أركيولوجية لهذه الرواية ولا يمكن الاعتماد عليها في تدريس طلاب التاريخ القديم للقضية الفلسطينية، وذلك للأسباب الآتية:
- لا توجد أدلة تاريخية تثبت وجود بني إسرائيل في مصر أو تثبت وجود مملكة داوود الكبرى أو معبد سليمان، أو تثبت المعارك الدينية المروية في التوراة، أما بعض النقوش التي تعتمدها المراجع الإسرائيلية التاريخية لإثبات روايتهم التاريخية مثل نقش ميشع ونقش إسرائيل وغيرها فيجب تدريسها للطلبة وتفنيدها من خلال استعراض القراءات التاريخية المختلفة لعلماء النقوش والتي تشير بشكل واضح إلى نوع من الميثولوجيا الدينية التصورية التي لا ترتقي إلى مستوى الحقيقة التاريخية.
- إن رواية الهيكل تعتريها العديد من الشكوك الواقعية سواء من حيث صغر مساحة القدس “يبوس” وقلة عدد سكانها في التاريخ القديم، وهو الأمر الذي يتنافى مع وجود هيكل كبير كما يتم وصفه في الموروث التوراتي، وفي الحقيقة فإن وصف هيكل سليمان لا يخرج عن وصف آلهة الخصب السورية المنتشرة حينها في معظم المدن السورية وليس من المنطق أن تستطيع مملكة داوود- إن وجدت- بضعف الإمكانات التقنية والمالية أن تنشئ هيكلاً بهذا الحجم.
خامسا: إن الاعتراف بكون بني إسرائيل قبائل غازية أو العبيرو كما ورد في غالبية مناهج تاريخ فلسطين القديم يتنافى مع العديد من الدراسات التاريخية التي تتحدث عن كون بني إسرائيل قبيلة صغيرة محلية كنعانية أو أنها قبائل بدوية صغيرة العدد زحفت بالتدرج الزمني واستوطنت أجزاء صغيرة من بلاد كنعان. وفي واقع الأمر، النظرية الأكثر شيوعًا بين العلماء هي أن المستوطنين هاجروا إلى المرتفعات من الأراضي المنخفضة الكنعانية، بحيث كان الإسرائيليون الأوائل هم أساسًا من الكنعانيين[32]، من جانب آخر، فإن عدم ذكر الحولويات الأشورية والمصرية لأي ذكر لبني إسرائيل على كونهم خرجوا من مصر أو أنشئوا مملكة، يضعف احتمالية كونهم قبائل غازية من مصر، [33]هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإننا لم نجد أي استيراد للحضارة المصرية القديمة في النقوش والآثار القليلة التي تتحدث عن بني إسرائيل إن صدق تأويلها، وحتى اللغة التي كان يستخدمها بنو إسرائيل هي لغة كنعانية أو لهجة من اللهجات الكنعانية المحلية، وهذا يزيد من احتمالية كون بني إسرائيل قبيلة محلية كنعانية.
سادساً: هناك خلط واضح في المناهج التعليمية التي تدرس في الجامعات الوطنية حول مفهوم بني إسرائيل واليهود، فالاختلاف التاريخي واضح بين المفهومين، فاليهودية ديانة تطورت تاريخياً على فترات تاريخية طويلة وتأثرت كثيراً في مراحل تطورها بالمعتقدات الكنعانية والعراقية القديمة (الإله يهوه، ايل، بعل…الخ) وكانت اليهودية تعرف بالعراق بالموسوية، وأول جمع لكتاب اليهود كان على يد الملك بطليومس في القرن الثالث قبل الميلاد، وأول إشارة لليهود كانت في القرن الثالث الميلادي، بل إن مخطوطات قمران التي تضمنت أول نسخة تاريخية للعهد القديم في القرن الأول الميلادي تقريباً لم تتحدث عن اليهود، وإنما عن الطائفة الأسينية. وبالضرورة، فإن عملية الفصل بين بني إسرائيل واليهودية عملية مهمة في تعزيز الرواية الفلسطينية، وخاصة إذا اعتبرنا بني إسرائيل قبيلة محلية كنعانية طورت مفهوم التوحيد على مدى عقود ولم تنجح في تعميم هذه الشريعة إلا عندما اندمجت في الثقافة الأم وهي الثقافة الكنعانية وليس العكس.
سابعاً: إن فكرة السبي العراقي لليهود سواء الأول عام 721 ق.م أو الثاني عام 586 ق.م استخدمت في سياق تأكيد وجود ممالك إسرائيلية منقسمة عن المملكة الأم وهي مملكة داوود وسليمان، وفي السياق فإن هذا التأكيد يشكل اعترافا ضمنياً بوجود بني إسرائيل كحضارة مهمة في التاريخ الفلسطيني القديم ولكنه ينافي الحقائق التاريخية حسب الآتي:
- إن وجود مملكة داوود الكبيرة من النيل إلى الفرات فكرة غير عقلانية وغير تاريخية أيضا، حيث لم ترو الحوليات الآشورية أو المصرية أي خبر عن هذه الممكلة بالرغم من أن هذه الحوليات تتحدث عن كل شيء في المنطقة حتى لو كان بسيطاً.
- إنه من غير المنطقي تصور أي دولة في فلسطين منذ القدم وحتى الآن تستطيع أن تكون إمبراطورية في المنطقة بسبب وجود الإمبراطويات المشرقية العظيمة في مصر والعراق وبلاد فارس، بل على العكس، كانت فلسطين في هذه الفترة وخاصة في العصر الحديدي تعتبر من أملاك الدولة المصرية وفي فترات لاحقة كانت خاضعة للحكم البابلي ومن ثم الفارسي، ولم يكن بإمكان الفلسطينيين القدماء تحدي هيمنة الإمبراطويات الكبيرة إلا في فترات محدودة وفي غالبيتها لم تنجح مثل هذه المحاولات كما حدث في فترة الهكسوس وغزو مصر إن صحت النظرية التاريخية بأن الهكسوس هم قبائل كنعانية بدوية أو عمورية.
- إن تسمية مملكة يهودا كما تسميها المراجع والمناهج التعليمة هي تسمية خطأً، لأن التسمية الصحيحة هي مملكة يهوذا؛ حيث إن كلمة يهود لم تظهر إلا في القرن الثالث بعد الميلاد، وبالضرورة فإن مملكة يهوذا والتي كانت عاصمتها أورشليم (أورشليم هي تسمية كنعانية معناها مدينة الإله سالم الكنعاني) هي مملكة كنعانية وليست مملكة يهودية.
- في الواقع لم يعرف الكنعانيون ممالك كبيرة كما هو متضمن في الموروث التوراتي، وإنما كانت بلاد كنعان تشمل دول المدن تماماً كدولة المدينة في اليونان، وهذه الحقيقة متضمنة بوضوح في رسائل تل العمارنة، وفي النتيجة، فإن ممالك بلاد كنعان المتصورة في التوراة، سواء كانت إسرائيلية أو كنعانية، هي نوع من أنواع التهويل والمبالغة ولا تتناسب مع طبيعة الثقافة والسياسة في بلاد كنعان.
ب-أسماء الأماكن:
بشكل عام لم تهتم المناهج التعليمية بالجامعات الوطنية كثيرا بتحديد المواقع وأسماء المدن الكنعانية والتعريف عن أصالتها ومحاولة الانعتاق من الأسماء التوراتية لهذه المدن، فعلى سبيل المثال بعض المناهج تحدثت عن اسم أورشاليم بأنها مدينة السلام، وهو اسم توراتي بالأساس، والاسم الصحيح هو مدينة الإله سالم الكنعاني، وهو ما تم ذكره في منهج جامعة القدس المفتوحة، وبنفس السياق تعرف غالبية المناهج مثل جامعة القدس المفتوحة الاسم القديم لأريحا بأنها مدينة القمر، وهو اسم توراتي والأغلب أن الاسم الصحيح منشق من الأصل الكنعاني “الرائحة”، بالنسبة لبعض المناهج مثل منهج الجامعة الأهلية ذكرت الاسم الكنعاني للمدن الفلسطينية مثل عكا وحيفا ويافا ولكن غالبية المناهج ومنها منهج جامعة النجاح ترجع تسمية عكا إلى عكو على سبيل المثال ولكن المصادر الهيروغليفية المصرية سمت هذه المدينة بعكا وهو الاسم الصحيح وليس عكو.
وأخيراً، فإن إفراد أقسام في دراسة تاريخ القضية الفلسطينية حول المدن الكنعانية ووصف الآثار الكنعانية الموجودة فيها سيؤدي إلى تفنيد الرواية التاريخية التوراتية وسيعزز من الوعي لدى الطلبة الفلسطينيين بتاريخية وأصالة مدنهم من الناحية التاريخية والحضارية.
ج- المواقع الدينية:
يبدو مستهجناً أن أياً من المناهج التعليمية الجامعية لمساق القضية الفلسطينية لا تتناول توضيحاً تاريخياً أو أركيولوجياً لغالبية المواقع التي يدعي اليهود أنها تثبت آثارهم في فلسطين مثل قلعة داوود، قبر يوسف، حارة اليهود، المسجد الإبراهيمي، الهيكل…) وهنا لم يرد تفنيداً لهذه المواقع أو شروحات عليها تفصيلية إلا في القليل من هذه المناهج مثل مساق دراسات القدس في جامعة القدس، ومعظم المناهج التعليمية تناولت موضوع الهيكل بالتفنيد والدحض مثل مساق جامعة القدس المفتوحة ومساق جامعة فلسطين الأهلية. الإشكالية أن هذه المناهج تستخدم أدوات دينية في بعض الأحيان لتفنيد رواية الهيكل مثل أن المسلمين يرثون الأماكن المقدسة في ديانات التوحيد السابقة باعتبار أن إبراهيم وموسى كانوا موحدين ومسلمين، أو أن اليهود لم يعودوا شعب الله المختار إلى آخره من الأدلة الدينية التي لا ترتقي إلى مستوى الحقيقة التاريخية.
من جانب آخر، تورد بعض المناهج التعليمية الجامعية جزءًا من الموروث الديني التوراتي عند الحديث عن المواقع الدينية، على سبيل المثال، ورد في مساق الجامعة الأمريكية وكذلك القدس المفتوحة أن ملكي صادق الملك الكنعاني بنى المسجد الأقصى، وفي الواقع إن ملكي صادق تم وروده كملك كنعاني في التوراة وليس هناك ما يثبت أنه شخصية تاريخية، من زاوية أخرى، فإن المسجد الأقصى بني على يد الملك العربي المسلم عبد الملك بن مروان ولا يمكن إرجاع بنائه إلى آدم أو ملكي صادق على حد تعبير بعض المناهج الجامعية التعليمية.
وفي الوقت الذي اكتفت فيه بعض المناهج التعليمية الجامعية بالاستنتاج بأنه لا يوجد أي آثار لليهود أو بني إسرائيل في فلسطين دون خوض جدلية وجود مخطوطات قمران أو بعض النقوش التي تشير إلى وجود بني إسرائيل في المنطقة، وكأنما تعتمد هذه المناهج على التلقين دون الإقناع والتفكير مثل منهاج جامعة الخليل الذي لخص النتائج دون الولوج الأركيولوجي أو التاريخي فيها، بل إن منهاج جامعة القدس المفتوحة أشار الى أهمية مخطوطات قمران في توضيح التطور الحضاري في فلسطين في العهد اليوناني دون أن يحدد تضمينها للعهد القديم ودون أن يشير الى كيف دلت مخطوطات قمران على هذا المستوى الحضاري!.
بالنسبة لجامعة غزة، فقد سردت في منهجها حول الرواية التاريخية شروحات دينية أسقطتها على المواقع الدينية، مشيرةً إلى أن النبي إبراهيم قد هاجر إلى فلسطين ثم قصدها موسى عليه السلام وعلى أرضها عاش الأنبياء سليمان و داوود وغيرهم، ولم تبتعد جامعة النجاح عن الاشارة الى الرواية التوراتية عندما تحدثت عن غزو يوشع بن نون إلى أريحا عام 1186 ق.م بعد الخروج من مصر، وفي الحقيقة فإن القارئ لهذه المناهج يستشعر نوعاً من التناقض الغريب، ففي الوقت الذي تعترف غالبية هذه المناهج بالرواية التاريخية وحكم داوود وسليمان وتدمير تيطس الروماني للقدس والهيكل عام 70م، فإن هذه المناهج تورد في أجزاء أخرى فيها بأنه لا يوجد هيكل أو أي آثار لليهود في فلسطين! من جانب آخر فإن بعض ما ورد في هذه المناهج مثل منهاج الجامعة الإسلامية تشير بشكل غير مباشر الى أن الرومان أوكلوا حكم فلسطين لأسرة عربية (أسرة حرد) وكان أبرزهم الملك هيرودس (37 قبل الميلاد) الذي اهتم بالعمران وبناء المعابد، وهنالك إشارات في مناهج جامعة القدس المفتوحة إلى هيردوس العربي باعتباره الذي بنى الهيكل الثاني، وتغفل هذه المناهج بأن هيرودس كان يهودياً، بالمقابل هنالك مناهج تعليمية عمدت بشكل جيد إلى تفنيد الرواية التاريخية التوراتية مثل منهاج جامعة القدس ومنهاج جامعة بيت لحم وجامعة فلسطين الأهلية، وجميعها أوردت بعض نتائج دراسات طومسون أو عالمة الآثار كينيون التي وجدت قبور تعود إلى العصر البرونزي المبكر(3200 ق.م-2000 ق.م) وهي تعود للعموريين، وقد وجدت أيضا سور يبوسي للمدينة يعود إلى العصر البرونزي الأوسط.
د- الإنجازات الحضارية الإقليمية:
هنالك غزارة في المناهج الجامعية حول القضية الفلسطينية في إفراد معلومات مهمة عن حضارة الكنعانيين القديمة في فلسطين، فقد أشار منهاج جامعة غزة إلى أسماء المكتشفات الأثرية الكنعانية مثل تل تعنك ومجدو وتل عراد وغيرها ولكن دون تحديد ماهية هذه الآثار وقراءة نقوشها، كما أشار مساق الجامعة الأمريكية الى وجود حضارة مهمة للكنعانيين وأنه كان عندهم آلهة متعددة لهم وأهمها عشتار، إلا أن المنهاج يشير بشكل متأثر بالمورث التوراتي بأن ملكي صادق هو ملك كنعاني، وترجع له أنه هو الذي بنى المسجد الأقصى، وأفردت جامعة فلسطين الأهلية وجامعة القدس المفتوحة وجامعة الخليل وجامعة غزة معلومات مفيدة عن حضارة الكنعانيين القدماء سواء في صباغة الأقمشة والزجاج والخزف وحفر الآبار القديمة والمصطبات الزراعية وأدوات الري وبناء القصور، إلا أنها لم توضح في مساقاتها صوراً توضيحا أو نقوش تثبت حضارة الكنعانيين، من جانبها، ركز مساق جامعة بيت لحم على اختراع الكنعانيين للأبجدية مشيرة إلى لوح أوغاريت، إلا أن مساق جامعة النجاح فصل ما بين اللغة العربية والكنعانية عندما تحدث الكتاب عن أن العربية بدأت تظهر بعد الفتوحات الإسلامية، وفي الواقع فان العلاقة بين العربية والكنعانية والعبرية يجب أن يتم توضيحها بشكل علمي مفصل نظراً للدلالة التاريخية لعملية تطور اللغات السامية في فهم التاريخ القديم لفلسطين.
وفي النتيجة فقد تضمن منهاج جامعة بيت لحم الإشارة بوضوح إلى نتيجة دراسة طومسون بأن إسرائيل التاريخية لم تكن إلا لحظة عابرة في تاريخ فلسطين القديم، وبالضرورة يجب الاهتمام بتاريخ فلسطين القديم كموضوع قائم بحد ذاته وليس كخلفية لتاريخ إسرائيل كما هو قائم في الوقت الحاضر في الدراسات التوراتية، وفي نفس السياق أكد منهاج جامعة القدس مقولة طومسون بأن الخصائص الديمغرافية في فلسطين لم تتغير تقريبا منذ العصر الحجري وحتى الآن تقريبا نافياً المزاعم التوراتية بالأساس.
وفي سياق الاستمرارية الحضارية للشعب الكنعاني في فلسطين، لم تفرد المساقات الجامعية توضيحاً للعادات والتقاليد واللهجات المحلية الموجودة لدى الشعب الفلسطيني الحالي والتي تعتبر امتدادا لحضارة الكنعانيين، وفي مساق القدس المفتوحة، هنالك إشارة واضحة إلى اندماج المجموعات المهاجرة بالشعب الكنعاني، إلا أن المنهاج ولا حتى غيره من المناهج الجامعية محل الدراسة يوضح الامتداد الحضاري الكنعاني في مجالات الزراعة والثقافة والعادات السائدة واللهجات العامية في الوقت الحالي للشعب الفلسطيني.
في الحقيقة، يمكن القول أنه في هذه الظروف السياسية المعقدة، تكونت مراكز قوى محلية من كنعانية وآرامية وغالباً ما امتزجت مع المجموعات المهاجرة التي يطلق عليها شعوب البحر والقبائل العبرية إلا أن الاستمرارية الحضارية والإنجازات المعمارية كانت لسكان فلسطين الأصليين (الكنعانيين) وهي التي ميزت هذا العصر، في هذا الإطار يقول باسم رعد:
“يمكن ربط جوانب التراث الفلسطيني والعادات الشعبية (مثل عادات القرية والبستنة والصلة مع الأرض واللغة الشعبية والأطعمة والتطريز وغيرها) بالعمق التاريخي كوسيلة أساسية لتوفير الشعور بالفخر والانتماء لدى الجيل الصاعد، وخاصة في مواجهة الإدعاءات الصهيونية، يمكن مثلاً تفسير موضوع الزراعة بدون ري (زراعة بعلية) المذكور في أحد الكتب المدرسية كإشارة إلى الإله الكنعاني حفظته اللغة الشعبية آلاف السنين. وهنالك أمثلة عديدة أخرى متوفرة في الدراسات الأنثروبولوجية، بما في ذلك الوثائق القديمة التي كتبها توفيق كنعان وعمر صالح البرغوثي وجوستاف دالمان”.
أما بالنسبة للدكتور مصلح كناعنة فقد أقر في محاضرة له بأن الكنعانيين عندما تم تعريب اللغة بعد فترة طويلة من الحكم الإسلامي العربي استخدموا اللغة العربية في المخاطبة الرسمية والكتابات ولكنهم استمروا في الحديث بلغتهم الخاصة[34]، وبالتالي هنالك العديد من القوالب اللغوية والثقافية السائدة لدى الشعب الفلسطيني والتي ترجع أصولها إلى الكنعانيين القدماء، وفي موسوعته المعنونة “موسوعة المفرَدات غير العربيّة في العاميّة الفلسطينيّة” حدد كناعنة 538 كلمة عامية في اللهجة الفلسطينية ترجع أصولها إلى الكنعانية والآرامية والسريانية، وهذا يوضح أن الشعب الفلسطيني الحالي هو امتداد للحضارة الكنعانية[35].
رابعا: نحو بناء سردية تاريخية فلسطينية:
ليس من السهل الوصول إلى سردية تاريخية فلسطينية في هذه المقال، ولكن يمكن تقديم مجموعة من التوصيات الأساسية للباحثين لعلها تفلح في اشتمال عدد من العناصر الأساسية في الرواية التاريخية الفلسطينية، وأهم هذه العناصر:
- إن الكنعانيين الأجداد هم السكان الأصليين في فلسطين حيث نشأت حضارتهم في الألف الثالث قبل الميلاد في فلسطين وفي سوريا (عرفت حضارة الكنعانيين في سوريا ولبنان بالحضارة الفينيقية).
- إن وجود قبائل استوطنت في فلسطين في العصر الحديدي مثل الفلسطينين أو بني إسرائيل لم يؤد إلى تدمير الحضارة الكنعانية وإنما على العكس، وكما يجادل خزعل الماجدي فقد نجحت الحضارة الكنعانية باحتواء هذه القبائل ودمجها بلغتها وثقافتها ودينها.
- إن إسقاط الرواية الدينية على هجرة بني إسرائيل من مصر إلى فلسطين وإقحام شخصيات أسطورية في الرواية التاريخية مثل الملك داوود أو سليمان أو يوشع بن نون كلها رواية لا تجد أي جذور تاريخية أركيولوجية في فلسطين أو خارجها.
- إن كثيراً من النقوش التاريخية التي نسبت إلى اليهود القدماء أو أكدت روايتهم والتي وجدت في مصر أو الأردن أو فلسطين هي إما نتاج للمبالغة العاطفية من كتبة التوراة الذين سبوا في العراق وتأثروا بدياناتهم القديمة أو بالأساطير السائدة في هذا الوقت كما يقول طومسون، وإما أنها يمكن أن تقرأ في السياق الكنعاني أو السياق العبري كما يجادل أستاذ اللغات القديمة الدكتور عمر الغول، لاسيما أن اللغة العبرية هي نتاج واضح للغة الكنعانية أو كأنها تعتبر لهجة محلية كنعانية.
- ليس بالضرورة أن ننظر إلى بني إسرائيل على كونهم غرباء عن المورورث الكنعاني، حيث إن اعتبارهم هكذا هو تأثر واضح بالموروث التوراتي، وإنما على العكس تدل الشواهد التاريخية والأركيلوجية بأن بني إسرائيل هم نتاج محلي كنعاني ليس إلا، وحتى إذا ما أخذنا صفة الخصوصية لهذه القبيلة، فإن تاريخها في فلسطين لا يمثل سوى حقبة تاريخية صغيرة جداً ولا يمكن فهمها بعيداً عن السياق الكنعاني الفلسطيني كما يقول كيث وايتلام.
- اليهودية كديانة لا يمكن النظر إليها إلا على كونها مزيجاً من الثقافات والأساطير الكنعانية والعراقية، ولم تظهر إلا بعد أكثر من 500 عام بعد وفاة النبي موسى المفترض، ولم تنجح اليهودية في صبغة الإطار الثقافي الكنعاني إلا في القرن الثالث الميلادي ولم تظهر كدولة سياسية ذات طابع ديني إلا في عصر المكابيين.
- بعد سيطرة الرومان في القرن الأول الميلادي على القدس وهروب العديد من اليهود من القدس ومن ثم ازدادت عملية الهروب والانقراض التدريجي لليهود في عهد الملك قسطنطين حيث انتشرت المسيحية في القرن الثالث الميلادي، وفي النتيجة فإن غالبية سكان فلسطين الكنعانيين تحولوا من الديانة اليهودية إلى الديانة المسيحية.
- لا يوجد أي صلة بين بني إسرائيل واليهود الحاليين، فغالبية اليهود الحاليين هم من قبائل الخزر التي اعتنقت اليهودية في القرن العاشر الميلادي، وبدا أن اليهودية ديانة تبشيرية وليست ديانة مغلقة كما يدعي التوراتيون، وقد انتشرت في أجزاء من آسيا وأفريقيا وأمريكا وبالضرورة، فإن الربط التاريخي بين اليهود القدماء واليهود الحاليين إغفال منحاز للحقيقة التاريخية التي تفضي إلى كون الحركة الصهيونية استخدمت الديانة اليهودية كأداة لاستعمار فلسطين.
قائمة المراجع:
1-ياسر أبو حامد، ياسر، مستوى المعرفة السياسية لدى طلبة الجامعات الفلسطينية بالتطبيق على طلبة جامعة النجاح الوطنية، مجلة جامعة الاستقلال للأبحاث، المجلد (4) العدد (1) حزيران 2019.
2-عفيف البهنسي، تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار، دمشق: منشورات الهيئة العامة للكتاب،2009.
3-طارق الجعبري، واقع تدريس تاريخ فلسطين في الجامعات الفلسطينية: دراسة تحليلية للخطط الدراسية في أقسام التاريخ، مجلة جيل العلوم الإنسانية و الاجتماعية العدد 59، 2020.
4-ضرار الحروب، تقويم محتوى مناهج التاريخ الفلسطينية والإسرائيلية للمرحلة الثانوية في ضوء الحقائق التاريخية، غزة: الجامعة الإسلامية، 2016.
5-ظغر الإسلام خان، تاريخ فلسطين القديم منذ أول عزو يهودي إلى آخر غزو صليبي 1220 ق.م. 1359 م، الطبعة 3، بيروت: دار النقاش، 1981.
6=أمين درواشة، الرّواية التاريخية…المفهوم والنّشأة، 2019، استرجعت في 8 نيسان، 2022، من https://bilarabiya.net/10665.html
7-سامح دويكات، دور الشباب الفلسطيني في المشاركة السياسية والفعاليات الجماهيرية الوطنية (1993-2015)، رسالة ماجستير غير منشورة، نابلس: جامعة النجاح،2016.
9-باسم رعد، منهاج التاريخ والهوية: الفلسطينيون من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر، مجلة سياسات العدد 23 ( رام الله ، معهد السياسات العامة )، 2013.
10-باسم رعد، التاريخ الخفي فلسطين، حوض المتوسط والمنطقة العربية، بيروت: دار الآداب للنشر، 2014.
12- فراس السواح، فراس، تاريخ اليهود و البحث عن مملكة أورشليم، دمشق، دار علاء الدين، 2015.
13-صالح الشامي. مستوى المشاركة السياسية لدى الشباب الجامعي الفلسطيني في عصر العولمة : دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعة الأقصى في خان يونس، غزة: جامعة الأقصى، 2011.
14-ماهر الشريف. تاريخ فلسطين القديم في الكتابة العربية قراءة في الإشكاليات. مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 99. 2014.
16-توماس طومسون، توماس، أسفار العهد القديم في التاريخ..اختلاق الماضي. ترجمة: عبد الوهاب علوب. المجلس الأعلى للثقافة، 2000.
17-حسن عبادي، موسوعة المفردات غير العربيّة في العاميّة الفلسطينيّة” للدكتور مصلح كناعنة، استرجعت في 28يناير، 2022 منhttps://elhmra.com/article-50177
18-عمر الغول، محاضرة حول قراءة النقوش القديمة، مؤتمر “اتجاهات جديدة في بناء سردية تاريخية فلسطينية، عمان 16-19 يناير 2022.
19-خزعل الماجدي، المعتقدات الكنعانية، عمان: دار الشروق، 2001.
20-خزعل الماجدي. تفنيد الرواية التاريخية، محاضرة على اليوتيوب 2020 https://www.youtube.com/watch?v=62f4G9KJCBM
21-مصلح كناهنة، ملتقى حضارات فلسطين القديمة، ندوة الكترونية لمصلح كناعنة، تحت عنوان ” العامية الفلسطينية بين الموروث الكنعاني واللغة العربية ،26 يناير 2022.
22-زياد منى، مقدمة في تاريخ فلسطين القديم، بيروت: بيسلن للنشر والتوزيع، 2000.
23-سمية هندي، تحليل كتب التربية الوطنية للمرحلة الأساسية الدنيا في المنهاج الفلسطيني (دراسة نقدية)، نابلس: جامعة النجاح، 2009.
24-كيث وايتلام، كيث، اختلاق إسرائيل القديمة… إسكات التاريخ الفلسطيني، ترجمة: سحر الهنيدي، الكويت: عالم المعرفة، 1999.
25-اسرائيل ولفنسون، إسرائيل، تاريخ اللغات السامية، ط1، القاهرة: مطبعة الاعتماد، 1929.
26- Bekerman, Z. The complexities of teaching historical conflictual narratives in integrated Palestinian-Jewish schools in Israel. International Review of Education, 55(2),2009
27-Dessel, A., Ali, N., & Mishkin, A.Learning about Palestinian narratives: What are the barriers for Jewish college students?. Peace and Conflict: Journal of Peace Psychology, 20(4), 2014. p365.
28-Furas, Y. We the Semites: reading ancient history in mandate Palestine. Contemporary Levant, 5(1), 2020.
29-Faust, A. The emergence of Iron Age Israel: On origins and habitus. In Israel’s Exodus in Transdisciplinary Perspective (pp. 467-482). Springer, Cham.2015.
30- Paton, L. B. Canaanite influence on the religion of Israel. The American Journal of Theology, 18(2), 1914.
31- Sparks, K. L. Religion, identity and the origins of Ancient Israel. Religion Compass, 1(6), 2007.
32- Tsumura, D. T.Canaan, Canaanites. Dictionary of the Old Testament: Historical Books,2005.
[1]باسم رعد، التاريخ الخفي فلسطين، حوض المتوسط والمنطقة العربية، بيروت: دار الآداب للنشر، 2014.
[2]ياسر أبو حامد، مستوى المعرفة السياسية لدى طلبة الجامعات الفلسطينية بالتطبيق على طلبة جامعة النجاح الوطنية، مجلة جامعة الاستقلال للأبحاث، المجلد (4) العدد (1)، حزيران 2019، ص 117-162.
[3]صالح الشامي، مستوى المشاركة السياسية لدى الشباب الجامعي الفلسطيني في عصر العولمة : دراسة ميدانية على عينة من طلبة جامعة الأقصى في خان يونس، غزة: جامعة الأقصى،2011.
[4]سامح دويكات، دور الشباب الفلسطيني في المشاركة السياسية والفعاليات الجماهيرية الوطنية (1993-2015)، رسالة ماجستير غير منشورة، نابلس: جامعة النجاح، فلسطين، 2016.
[5]طارق الجعبري، واقع تدريس تاريخ فلسطين في الجامعات الفلسطينية: دراسة تحليلية للخطط الدراسية في أقسام التاريخ، مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية العدد 59، 2020، ص 45.
[6]المرجع السابق
[7]تعتبر هذه الجامعات المختارة هي أكبر الجامعات الفلسطينية وأهمها، كما أنها موزعة على كافة محافظات الوطن، الجامعة الوحيدة الكبيرة التي تم استثناؤها من هذه الدراسة هي جامعة بيرزيت لامتناع أستاذ مادة تاريخ القضية الفلسطينية عن التعاون في تقديم مادته العلمية لاعتبارات ليست معروفة من قبل الباحث.
[8]فراس السواح، فراس، تاريخ اليهود والبحث عن مملكة أورشليم، دمشق، دار علاء الدين، 2015، ص 170- 194.
[9]خزعلال ماجدي، تفنيد الرواية التاريخية، محاضرة على اليوتيوب https://www.youtube.com/watch?v=62f4G9KJCBM . 2020، وينظر أيضا ماهر الشريف، تاريخ فلسطين القديم في الكتابة العربية قراءة في الإشكاليات، مجلة الدراسات الفلسطينية عدد 99، 2014، ص 68-96.
[10]المرجع السابق.
[11]عفيف البهنسي، تاريخ فلسطين القديم من خلال علم الآثار، دمشق: منشورات الهيئة العامة للكتاب،2009.
[12]المرجع السابق، ص 87.
[13]المرجع السابق، ص 122.
[14]المرجع السابق.
[15]زياد منى، مقدمة في تاريخ فلسطين القديم، بيروت: بيسلن للنشر والتوزيع،2000.
[16]المرجع السابق، ص 24-32.
[17]الغول، عمر، (2022)، محاضرة حول قراءة النقوش القديمة، مؤتمر “اتجاهات جديدة في بناء سردية تاريخية فلسطينية، عمان 16-19 يناير 2022.
[18]إسرائيل ولفنسون، تاريخ اللغات السامية، ط1، القاهرة: مطبعة الاعتماد،1929.
[19]ظفر الإسلام خان، (1981)، تاريخ فلسطين القديم منذ أول عزو يهودي إلى آخر غزو صليبي 1220 ق.م. 1359 م، الطبعة 3، بيروت: دار النقاش،1981، ص 41-42.
[20]توماس طومسون، أسفار العهد القديم في التاريخ، اختلاق الماضي، ترجمة: عبد الوهاب علوب، المجلس الأعلى للثقافة، 2000، ص 27.
[21]المرجع السابق، ص28.
[22]المرجع السابق، ص30
[23]وكيث وايتلام، اختلاق إسرائيل القديمة، إسكات التاريخ الفلسطيني، ترجمة: سحر الهنيدي، الكويت: عالم المعرفة، 1993.
[24]المرجع السابق.
[25]خزعل الماجدي، المعتقدات الكنعانية، عمان: دار الشروق، 2001.
[26]خزعل الماجدي، مرجع سابق، 2020.
[27]Dessel, A., Ali, N., & Mishkin, A. (2014). Learning about Palestinian narratives: What are the barriers for Jewish college students?. Peace and Conflict: Journal of Peace Psychology, 20(4), p368.
[28]Bekerman, Z. (2009). The complexities of teaching historical conflictual narratives in integrated Palestinian-Jewish schools in Israel. International Review of Education, 55(2), 235-250, p 248.
[29]تعتمد هذه المؤشرات في كافة الدراسات المستخدمة في تحليل المضمون في المناهج المدرسية والتعليمية، على سبيل المثال ينظر دراسةسمية هندي، تحليل كتب التربية الوطنية للمرحلة الأساسية الدنيا في المنهاج الفلسطيني (دراسة نقدية)، نابلس: جامعة النجاح،2009، وكذلك دراسة ضرار الحروب تقويم محتوى مناهج التاريخ الفلسطينية والإسرائيلية للمرحلة الثانوية في ضوء الحقائق التاريخية، غزة: الجامعة الإسلامية، 2016.
[30]تم استيراد هذه المؤشرات بتصرف من دراسة باسم رعد حول تقييم مناهج التربية في وزارة التربية والتعليم الفلسطيني في موضوعة بناء السردية التاريخية الفلسطينية، ينظر باسم رعد : منهاج التاريخ والهوية: الفلسطينيون من العصور القديمة حتى الوقت الحاضر ،مجلة سياسات العدد 23 (رام الله، معهد السياسات العامة)،2013.
[31]يجادل فيوراس Furasبأن مصطلح “السامية” تسمية عنصرية حتمية صُيغت في بيئة علمية كان فيها التقليد التاريخي واللغوي، واحتضن الخطاب العنصري حول السامية ، بهدف تخليص أنفسهم من الحاضر المهمش أو المحفوف بالمخاطر، وقد لعب اليهود دورًا نشطًا في اختراع السامية كفئة وجودية “طبيعية”،وقد بنو روايتهم التاريخية كتجسيد للصراع الحالي بين الصهاينة والفلسطينيين، ينظر في هذا الإطار :
Furas, Y. We the Semites: reading ancient history in mandate Palestine. Contemporary Levant, 5(1), 33-43.2020.
[32]Sparks, K. L. Religion, identity and the origins of Ancient Israel. Religion Compass, 1(6), 587-614.2007.
[33]يرى فايست Avraham Faust (2015) أن العديد من أولئك الذين أصبحوا إسرائيليين في النهاية كانوا من أصول كنعانية ، فإن المجموعة الأولى كانت تتكون أساسًا من الرعاة الشاسو، انضمت مجموعات أخرى ، بما في ذلك على الأرجح مجموعة صغيرة من “مجموعات الخروج” التي غادرت مصر، وتم إستيعابهم جميعًا تدريجيًا في إسرائيل المتنامية، متقبلين تاريخها وممارساتها وتقاليدها،ينظر
Faust, A. The emergence of Iron Age Israel: On origins and habitus. In Israel’s Exodus in Transdisciplinary Perspective (pp. 467-482). Springer, Cham, 2015
بدوره، يجادل باتون Paton بأن النظرية الاكثر قبولا ًهي أن التقاليد البابلية هاجرت إلى كنعان قبل فترة طويلة من الغزو العبراني ، وتعلمها العبرانيون من الكنعانيين بعد إقامتهم في الأرض، وتشهد السجلات البابلية على ذلك لما يقرب من عامين قبل عام 1700 قبل الميلاد، وعليه ، فإن العناصر البابلية في العهد القديم هي أيضا عناصر كنعانية، ينظر
Paton, L. B. Canaanite influence on the religion of Israel. The American Journal of Theology, 18(2), 205-224.1914.
كما يجادل تسومورا Tsumura بأن الدين الكنعاني كان له تأثير على الحياة الدينية لبني إسرائيل، ينظر :
Tsumura, D. T. Canaan, Canaanites. Dictionary of the Old Testament: Historical Books, 122-32. 2005.
[34]مصلح كناعنه، ملتقى حضارات فلسطين القديمة، ندوة الكترونية، تحت عنوان ” العامية الفلسطينية بين الموروث الكنعاني واللغة العربية ،26 يناير 2022.
[35]حسن عبادي، موسوعة المفردات غير العربيّة في العاميّة الفلسطينيّة”، استرجعت في 28 يناير، 2022 منhttps://elhmra.com/article-50177