جدلية العلاقة بين المنهج النقدي والدراسات الاجتماعية (المفاهيم والتأثير)
The dialectic of the relationship between the critical method and social studies
(concepts and influence)
د. مــروة علي حسين (كلية الإمام الكاظم/ واسط، العراق)
Dr. Marwa Ali Hussein, Imam Al-Kadhim College, Wasit, Iraq
ورقة منشورة في : كتاب أعمال مؤتمر العلوم الاجتماعية ودورها في بناء الأمم ونهضتها 2022 الصفحة 55.
Abstract
The critical method is indeed influential in the development of social studies; This effect is evident through the methods and methods of research and its techniques, The departure of Western thought from the influence of the philosophical works of Aristotle and others, enabled critical methods to benefit from the development in modern sciences, Relying on the theoretical perception and applied analysis of texts, critics, researchers and academics are now appointing critical and literary theories, so they reduce them to specific data and postulates, and then proceed to apply them to texts; To confirm what they initially imposed.
The research is exposed to the problematic of the methodology between critical and social, and the concept of social sciences and its historical development, and knowing the extent of the impact of the critical method on the social sciences, as well as trying to answer the fundamental questions related to this topic of how the social phenomenon is a subject of critical study, and how the researcher can employ and choose his critical method his choice of studying a social phenomenon; By applying a critical method to find out the answer to these questions.
Keywords: dialectical, method, criticism, social studies, human studies, concepts, influence.
الملخص:
إنّ للمنهج النقدي فعلا مؤثرا في تطوير الدراسات الاجتماعية؛ ويظهر هذا الأثر جلياً من خلال طرق وأساليب البحث وتقنياته, فخروج الفكر الغربي من سطوة المؤلفات الفلسفية لأرسطو وغيره، أتاح للمناهج النقدية الانتفاع من التطور الحاصل في العلوم الحديثة؛ باعتمادها على التصور النظري والتحليل التطبيقي للنصوص، حتى غدا النقاد والباحثون والأكاديميون يعينون النظريات النقدية والأدبية، فاختزلوها بمعطيات ومسلمات محددة، ومن ثم شرعوا في تطبيقها على النصوص؛ لتأكيد ما قاموا بفرضه بداية.
الكلمات المفتاحية: جدلية، المنهج، النقدي، الدراسات الاجتماعية، الدراسات الإنسانية، المفاهيم, التأثير.
المقدمة:
عندما نريد التأصيل للمناهج النقدية لا بدّ لنا من العودة إلى بدايات هذا النقد، الذي بدأ نقداً فطرياً ساذجاً أو تأثرياً ينأى عن التقويم والتعليل، ليس له سوى الاستحسان قبولاً أو الاستهجان رفضاً قبل أن يصبح هذا القبول أو عدمه علماً له قواعد وأصول يعلل من خلالها موقفه من الأثر الذي يعالجه, ولا جَرَمَ أنَّ هذا التعليل اتخذ طرقاً شتى للوصول إلى ذلك تقويما وتفسيرا تحت تأثير فلسفات وتيارات فكرية أنتجتها الإنسانية خلال عصور تقدمها وتطورها فنشأت مذاهب وطرائق ومناهج نقدية مختلفة، كان منها: المنهج التاريخي، والمنهج التأثيري، والنفسي، والاجتماعي، والبنيوي.
يطرح توظيف المنهج في بحوث العلوم الاجتماعية إشكالية مرتبطة بتحديد نوعية المنهج الذي يصلح للموضوع المراد البحث فيه، أهي مناهج كمية أم كيفية أم إجرائية؟ وكذلك إشكال توظيف منهج واحد أم مناهج متعددة في البحث نفسه, وبالنتيجة تعددت الآراء حول ذلك, فيرى عدد من الباحثين أنَّ مسألة المنهج يجب حسمها منذ بداية البحث بانتهاج منهج معين، يراه الباحث أو الأكاديمي منهجاً صالحاً لما يبحث فيه، والذين يقولون بهذا الراي: يرون أنَّ تعدد المناهج مؤشر على عدم استيعاب الباحث لمضمون المنهج نظرياً وشكلياً، ويرى آخرون أنّه بإمكان الباحث توظيف مناهج متعددة في البحث نفسه والمزج بن تلك المناهج كمياً وكيفياً وإجرائيا.
يتعرض البحث الى إشكالية المنهجية بين النقدي والاجتماعي، ومفهوم العلوم الاجتماعية وتطورها تأريخيا، ومعرفة مدى تأثير المنهج النقدي على العلوم الاجتماعية، فضلاً عن محاولة الإجابة عن الأسئلة الجوهرية المرتبطة بهذا الموضوع والمتمثلة بــكيفية تكوّن الظاهرة الاجتماعية موضوعاً للدراسة النقدية، وكيف يمكن للباحث توظيف واختيار منهجه النقدي واختياره لدراسة ظاهرة اجتماعية؛ من خلال تطبيق المنهج التحليلي لمعرفة الإجابة عن هذه التساؤلات وسبر أغوار النصوص, ومن ثَمَّ أنهيتُ البحث بخاتمة أوجزتُ فيها أهم النتائج التي توصلت إليها، تلا ذلك قائمة بأهم المصادر المراجع التي اعتمدت عليها في بحثي, ختاماً اسأله تعالى التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.
المبحث الأول
مفهوم المنهج بين النقدي والاجتماعي
تعاني أغلب المجتمعات المعاصرة من أزمة شاملة، يتبدى لنا أنها أكثر من مجرد أزمة اقتصادية على الرغم من أن ظاهرها يشي بذلك، والحقيقة أنها كذلك فضلا عن كونها اجتماعية، ثقافية، سياسية وربما حتى أخلاقية، الامر الذي أدى الى انعكاسها على مختلف المؤسسات والقيم، مؤثرة بذلك في البنية الاجتماعية بكاملها، حتى غدت تتجلى في التوجهات الفكرية لعدد من العلوم والتخصصات المختلفة، هذا على الصعيد العام، اما على الصعيد الخاص فتوجد أزمة كثيرا ما يتم إغفالها وتسليط الضوء عليها، ألا وهي أزمة العلوم الاجتماعية وصعوبة توجيهها في احتواء ما سبق.
إن علم الاجتماع يُعد العلم الذي تفرض طبيعته إقحامه في مسار التنمية المجتمعية أكثر من غيره من العلوم الاخرى؛ إذ إنه يطرح على الفور مسألة علاقاته بالمجتمع نظرا إلى موضوعاته وإشكالياته ومناهجه ونتائجه.
من المعلوم أن الأدب نتاج أديب تأثر بالمحيط والبيئة التي ينتمي إليها بكل ظروفها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ونتاجه هذا صادر تبعا لمدى تأثير هذه البيئة الثقافية فيه، تاركا في الوقت ذاته بصمته الخاصة به وموقفه من مجتمعه، وبهذا فأنه ملزم بالتعبير عن رغبات وآمال وتطلعات مجتمعه الذي ينتمي اليه([1])؛ ولِذا يجدر بعلمائه التزود بالوسائل والعدد الإبداعية والعلمية الكفيلة بالتفكير الواعي والشمولي قدر الإمكان؛ لضم كل ما يرتبط بهذا العلم وعلاقاته المتعددة؛ وذلك خدمة لكل من علم الاجتماع والمجتمع الذي يتطور فيه. فالمنهج الاجتماعي يبحث عن مقام الكسر المشترك :الكاتب يشترك مع أفراد طبقته الاجتماعية، والتجربة التي يُعبر عنها يُشاركه فيها أفراد آخرون، ومحتوى عمله ينهض على ملاحظة التصرف الإنساني، والعمل نفسه في ضمير القراء الاجتماعي، وسيكون ممثلا عنه([2]), والنقد هو الآخر من يحكم جمالية النتاج الأدبي الصادر من قبل الأديب وهو يُدرك ذلك تماما؛ لأن نتاجه الأدبي مزيج بين المضمون الاجتماعي والجمال الفني، فالتفاعل بينهما حاصل من قبل الأديب وكذلك المتلقي([3])، كما أن هذه الإشكالية لا تقل قدما عن علم الاجتماع، الذي هو جزء لا يتجزأ منه؛ إذ إن عالم الاجتماع مضطر دائما إلى التساؤل حول علاقته بالمجتمع الذي يعيش ويعمل فيه، ما يطرح مسألة غاية في الأهمية وهي إنتاج علم اجتماع يصلح للمجتمع الذي يعيش فيه عالم الاجتماع، ولا سيما أنَّ كل ممارسة سوسيولوجية تتوقف على الدراسة الواعية للعلاقات التي تربط هذا الأخير بمجتمعه، ومن هنا يمكننا طرح إشكالية مسألة النقدية في العلوم الاجتماعية من زاويتين: زاوية الموضوع, وزاوية المنهج.
أ – إشكالية الموضوع: كيف يمكن للظاهرة الاجتماعية أن تغدو موضوعا للعلم أي موضوعا لدراسة منهجية؟ في حال عدّها ظاهرة واعية والدارس والمدروس معا هو الإنسان.
ب – إشكالية المنهج: بعد أن تعين العلوم الاجتماعية موضوعها، كيف لها أن تقاربه؟ وهل تستوفي هذه المقاربة شرط النقدية وعن أي شرط نتحدث ؟
إذا كان النموذج الذي أتبث فائدته وجدواه لمقاربة الظواهر هو نموذج العلوم التجريبية، فهل للعلوم الاجتماعية أن تقتبس هذا المنهج، أم أنها مطالبة بالتمرد ضد هذا النموذج النقدي الطبيعي؛ لتؤسس لنفسها طريقها المنهجي الخاص بها والذي يلائم خصوصية الظواهر الاجتماعية؟
في مفهوم المنهج والمنهج النقدي:
المنهج مصدر مشتق من الفعل (نَهَجَ) بمعنى: طرق أو سلك أو اتَّبَع، والنهج والمنهج، والمنهاج تعني: الطريق الواضح([4]) وأنهج الطريق أي استبان وصار نهجا واضحًا، ونهجت الطريق اذا ابنته وأوضحته([5]).
أما اصطلاحاً: طريقة يصل بها إنسان إلى حقيقة أو معرفة([6]), وهو بذلك ينتمي إلى علم الإبستمولوجيا ويعني علم المعرفيات أو نظرية المعرفة، فالمنهج يمثل “الطريق المؤدي إلى الكشف عن الحقيقة في العلوم، بوساطة طائفة من القواعد العامة، تهيمن على سائر العقل وتحدد عملياته الفكرية حتى يصل إلى نتيجة معلومة”([7]) .
لقد ارتبط مفهوم المنهج تاريخيا أولا بالمنطق، فأصبح يدل على الوسائل والإجراءات العقلية طبقا للحدود المنطقية التي تؤدي إلى نتائج معينة، ومن ثم فإن الدلالة الاصطلاحية لمصطلح منهج انطلقت من اليونانية، واستمرت في الثقافة الإسلامية، لتصل إلى عصر النهضة، وهي ما تزال محتفظة بالتصورات الصورية طبقا للمنطق الأرسطي بحدوده وطرق استنباطه” فالمنهج في هذه المرحلة كان يطلق على المنهج العقلي؛ لأنه يلتزم بحدود الجهاز العقلي ليستخرج النتائج منها”([8])، إلَّا أن المنهج العقلي بعد عصر النهضة بدأ يسلك نهجا مغايرا يتسم بنوع من الخصوصية لا سيما مع) ديكارت) في كتابه) مقال في المنهج (ومن ثم فقد اقترن بالتيار العلمي، وهذا التيار لا يحتكم إلى العقل فحسب، وإنما إلى الواقع ومعطياته وقوانينه، انطلاقا من كون العلم يعد “نشاطا إنسانيا موجها يهدف إلى وصف الظواهر التي يدرسها ويصنفها في أنواع، ولكنه لا يقتصر على هذا الهدف بل يحاول اكتشاف العلاقات بين الظواهر المختلفة”([9])؛ وتبعاً لذلك فقد عين الدارسون أهداف العلم في ثلاثة: الفهم، والتنبؤ، والضبط والتحكم، فالفهم يتمثّل في اشتماله التعرف على الظاهرة وتبيانها والكشف عما أدى الى وجودها ووقوعها، فضلا عن فهم ما ينتج عن تلك الظواهر، أما التنبؤ فهو توقعات مدروسة لما سيحدث في المستقبل من قبل خبراء العلوم، وفق عدة معايير ومعلومات، وعليه يكون مفهومه ينضوي تحت الاستنتاج الذي يقوم به الباحث نتيجة لمعرفته السابقة بالظاهرة المدروسة، وهذا الاستنتاج لا يعد صحيحا إلا إذا استطاع إثبات صحته تجريبيا، في حين يرتبط الضبط والتحكم بالهدفين السابقين، ويتحدد في السيطرة على العوامل المتحكمة في الظاهرة ([10])
عليه فإن النقد يتخذ من الأدب مادته وجوهره، فهو يسعى لتفسير المادة الأدبية، والقراءة المعمقة لما ووراء السطر بهدف استخلاص القيم الفنية والخصائص الجوهرية التي تميز العمل الأدبي من غيره؛ إذ عرف النَّقْد فعرَّف، بأنّه تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها، ويأتي بمعنى فَحْص الشيء وكَشْف عيوبه, فضلاً عن قول ابن فارس: النون والقاف والدال، أصلٌ صحيح يدلُّ على إبراز شيء وبروزه, من ذلك: النقد في الحافِر، وهو تقشُّره، والنقد في الضِّرس: تكسُّره، وذلك يكون بتكشُّف لِيطه عنه. ومن الباب: نقد الدرهم، وذلك أنْ يكشف عن حاله في جودته أو غير ذلك. ودرهم نقد: وازنٌ جيد، كأنَّه قد كشف عن حاله فعلم([11])، جاء في لسان العرب: “والنقد والتنقاد: تمييز الدراهم ومعرفة جيدها من رديئها، قال الشاعر:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة *** نـــفـــيَ الــــدراهم تنــقـــــاد الصياريفِ
فيكون معناه “تحليل الآثار الأدبية، والتعرف إلى العناصر المكونة لها للانتهاء إلى إصدار حكم يتعلق بمبلغها من الإجادة”([12])، فهو تعبيرٌ عن موقفٍ كلي متكامل في النظرة إلى الفن عامَّةً، أو إلى الشِّعر خاصَّةً، يبدأ بالتذوُّق؛ أي: القدرة على التمييز، ويعبرُ منها إلى التفسير والتعليل والتحليل والتقييم، خطوات لا تُغنِي إحداها عن الأخرى، وهي متدرجةٌ على هذا النسق؛ كي يتَّخذَ الموقف نهجًا واضحًا، مؤصلاً على قواعد – جزئيَّة أو عامَّة – مؤيدًا بقوَّة الملكة بعد قوَّة التمييز.([13])
ووفق ما تقدم يمكن القول: إن تعريف النقد الأدبي الحديث لا يبتعد كثيرًا عن مُعطاه المعجميّ والّلغوي، فالفكرة الأساسية من النقد تبقى واحدة ألا وهي: تحليل النصوص وتمييز جيدها من رديئها وإبراز محاسنها وعيوبها، وهذا ما سار عليه النقد القديم وفاضل الشعراء على أساس منه، واتبعه المحدثون من بعدهم، غير أنّ النقد الأدبي الحديث قد أخذ يتجه نحو المنهجية العلمية؛ فأصبح علمًا قائمًا بذاته مستقلًا في اصطلاحاته وتصنيفاته العلمية عن سائر العلوم التي تسعى إلى تفسير الأدب وشرحه وتتبّع ترجمة أصحابه.
المبحث الثاني
أثر المنهج النقدي في تطور العلوم الاجتماعية
مفهوم العلوم الاجتماعية وتطورها التاريخي:
علم الاجتماع هو الدراسة العلمية للعلاقات التي تقوم بين الناس، ولما يترتب على هذه العلاقات من آثار([14])، أي أنه يُعنى بدراسة الحياة الاجتماعية، والسلوكيات، والتفاعلات الاجتماعية للأفراد والجماعات والمجتمعات، شاملا مجموعة من التخصصات الأكاديمية التي تُعنى بفحص المجتمع، ودراسة سلوكهم، ومدى تطورهم الثقافي، وبنائهم الاجتماعي، وتأثيراتهم على العالم، كما يعد توجها أكاديميا حديثا بشكل نسبي، حيث شهد تطورا مذهلا في القرن التاسع عشر الميلادي، فكان يهتم بشكل أساس بالعمليات والقواعد الاجتماعية التي تجمع أو تفرق الناس سواء كان ذلك كأفراد أو كجماعات أو تنظيمات اجتماعية([15])، وأهم ممثلي هذا التعريف”ماكس فبر”، و”جورج سيمل”, وهناك فريق ثان يمثل المدرسة الاجتماعية، ويرى أصحابه أنَّ وظيفة علم الاجتماع وضع المبادئ العامة والأساسية التي ترسي عليها العلوم الاجتماعية ووضع أسس الدراسة ومناهج البحث([16])، وآخرون يرونه علم يدرس المبادئ التي تحقق الوحدة المجتمعية وتطورها، أمثال”ماكيفر”، وفريق آخر تماما يرى بأن وظيفة علم الاجتماع الأساسية هي دراسته التراث الاجتماعي بمكوناته )عادات، تقاليد، أعراف) أمثال سمنر”، وهذا الفريق الأخير يتجه بعلم الاجتماع اتجاها أنثروبولوجيا([17])، وبغض النظر عن كل هذه الاختلافات حول تحديد موضوع علم الاجتماع الحقيقي، فأنها تتفق جميعا في اعتبار موضوع هذا العلم هو دراسة مجتمعه في بنائه ونظمه وظواهره، بشكل علمي تحليلي تفسيري؛ للوصول إلى جملة القوانين التي تحكمه.
تأثير المنهج النقدي في العلوم الاجتماعية:
يعد المنهج الاجتماعي من المناهج الأساسية في الدراسات الأدبية والنقدية، وقد تولد هذا المنهج من المنهج التاريخي، وهو منهج يربط بين الأدب والمجتمع بطبقاته المختلفة، فيكون الأدب ممثلاً للحياة على المستوى الجماعي لا الفردي؛ باعتبار أن المجتمع هو المنتج الفعلي للأعمال الإبداعية، فالقارئ حاضر في ذهن الأديب وهو وسيلته وغايته في وقتٍ معاً ([18]) .
ويتفق معظم الباحثين على أن الإرهاصات الأولى للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب ونقده بدأت منهجياً منذ أن أصدرت “مدام دي ستايل” عام 1800م كتابها “الأدب في علاقته بالأنظمة الاجتماعية”، فقد تبنت مبدأ أن الأدب تعبير عن المجتمع([19]) .
ويمكن عد التحليلات التي اشتمل عليها كتاب الناقد “تين” في كتابه “تاريخ الأدب وتحليله عام 1863م، أحد أبرز التطبيقات الممثلة للمنهج الاجتماعي في دراسة الأدب وتحليله([20]).
أما جذوره فالواقع أن اتجاه الأدب نحو المجتمع وتعبيره عنه عند الغرب لا يرجع إلى هذه الفترة الزمنية من العصور الحديثة؛ بل يرجع إلى عصور وأزمان أبعد من هذا بكثير، وتاريخ آداب هذه الأمم خير شاهد على هذا، فأقدم النماذج الأدبية التي عرفتها الأمم القديمة مثل بعض الملاحم (كالإلياذة والأوديسة) تثبت لبعض الباحثين أنها ليست من تأليف هوميروس وحده بل هي تراث شعبي شارك في تأليفه الكثير من الشعراء؛ للتعبير عن واقعهم، وينطبق هذا الحكم على كليلة ودمنة الذي لم ينفرد بتأليف قصصه مؤلف بعينه, بل تشارك في ذلك كثير من علماء وحكماء الهند ويتضح هذا من قول عبد الله بن المقفع:” هذا كتاب كليلة ودمنة وهو مما وضعه علماء الهند من الأمثال والأحاديث التي ألهموا أن يدخلوا فيها أبلغ ما وجدوا من القول في الذي أرادوا”([21]).
أما ما يخص المنهج الاجتماعي في النقد الأوروبي الحديث، فقد كان للفكر المادي الماركسي أثر في تطور المنهج الاجتماعي، وإكسابه إطاراً منهجياً وشكلاً فكرياً ناضجاً، ومن المتقرر في الفلسفة الماركسية أن المجتمع يتكون من بنيتين: دنيا: يمثلها النتاج المادي المتجلي في البنية الاقتصادية، وعليا: تتمثل في النظم الثقافية والفكرية والسياسية المتولدة عن البنية الأساسية الأولى، وأن أي تغير في قوى الإنتاج المادية لابد أن يُحدث تغيراً في العلاقات والنظم الفكرية ([22]).
واعتماداً على ما سبق؛ ظهرت نظرية “الانعكاس” التي طورتها الواقعية، إلا أن المشكلة التي كانت تواجه هذه النظرية تتمثل في فرضية مؤداها، أنه كلما ازدهر المجتمع في نظمه السياسية والحضارية والاقتصادية؛ ازدهر الأدب، إلا أن مراجعة تاريخ الآداب والمجتمعات أثبتت أن التلازم ليس صحيحاً؛ ولا أدل على ذلك من العصر العباسي الثاني الذي كان أنموذجاً لتفكك الدولة، وانتقال السلطة من العرب إلى العجم، ونشوء الدويلات، كل هذه الظواهر السلبية اقترنت بنشوء حقبة من الأدب الذي تميز بالإبداع الشعري في الثقافة العربية ([23]) .
لقد قدَّم الماركسيون تصوراً لتفادي هذه المشكلة، سموه ” قانون العصور الطويلة”، مفاده أن نتيجة التطور الاقتصادي والسياسي والثقافي وارتباطه بالتطور الإبداعي الأدبي لا يظهر مباشرة؛ بل يلزم ذلك مرور أجيال وعصور طويلة حتى يتفاعل الأدب مع مظاهر التطور المختلفة ويكتسب القوة منها، فهذا القانون يرفض ارتباط الأدب بالمجتمع في فترات وجيزة ([24]).
وقد عملت الماركسية مع الواقعية جنباً إلى جنب على تعميق الاتجاه الذي يدعو إلى التلازم بين التطور الاجتماعي والازدهار الأدبي؛ مما أسهم في ازدهار “علم الاجتماع” بتنوعاته المختلفة، كان من بينها علم نشأ قبل منتصف القرن العشرين أطلق عليه: علم “اجتماع الأدب” أو “سوسيولوجيا الأدب”، وقد تأثر هذا العلم بالتطورات التي حدثت في الأدب من جانب، وما حدث في مناهج علم الاجتماع من جانب آخر ([25]) .
أهم أعلامه في الغرب إلى جانب كارل ماركس، وسان سيمون (1760/1825) لوسيان غولدمان جورج لوكاش .
كما نجد في تراثنا النقدي القديم نقداً للمجتمع وسلوكياته ككتاب “البخلاء” للجاحظ، والحرص على الربط بين المعنى الشريف واللفظ الشريف الذي نجده عند بشر بن المعتمر، وبعض الملاحظات المنتشرة في كتب النقد القديم التي تحث على الربط بين المستوى التعبيري ومستوى المتلقين([26]) .
أما في النقد الحديث، فلم يكن لهذا المنهج رواد بارزون مقتنعون به، يربطون بين الإنتاج المادي والنتاج الأدبي كما يوجد في روسيا، ولكننا نجد بعض الدعوات إلى العناية بالاتجاه الاجتماعي في النقد الأدبي عند شبلي شميل، وسلامة موسى، وعمر الفاخوري، وقد اقترب هذا المنهج من المدرسة الجدلية عند محمود أمين العالم، وعبد العظيم أنبس، ولوبس عوض، حتى كان تجليه في النقد الآيديولوجي عند محمد مندور([27]) .
لقد تأثرت الدراسات والأبحاث في مجالات العلوم الاجتماعية بالمنهج النقدي بمعناه الاصطلاحي، فالدراسات الأدبية أفادت من الطفرة التي عرفتها العلوم الحديثة، بفضل تطور المنهج النقدي؛ إذ أصبح المنهج النقدي يعتمد على التصور النظري والتحليل النصي التطبيقي, ويعني هذا أن الناقد صار يحدد مجموعة من النظريات النقدية والأدبية ومنطلقاتها الفلسفية والإبستمولوجية ويختزلها في فرضيات ومعطيات أو مسلمات، ثم ينتقل بعد ذلك إلى التأكد من تلك التصورات النظرية عن طريق التحليل النصي والتطبيق الإجرائي؛ ليستخلص مجموعة من النتائج والخلاصات التركيبية، بعدما كان النقد عبارة عن أحكام انطباعية وذوقية وموازنات ذات أحكام تأثرية مبنية على الاستنتاجات الذاتية.
وبما أنَّ علم الاجتماع يعرف بأنه “دراسة الحياة الاجتماعية للبشر، سواء بشكل مجموعات، أم مجتمعات”([28])، أو بأنه “علم دراسة الإنسان والمجتمع دراسة علمية، تعتمد على المنهج العلمي، وما يقتضيه هذا المنهج من أسس وقواعد وأساليب في البحث”([29])، وانطلاقا من هذا التعريف؛ فإن علم الاجتماع يتداخل مع باقي العلوم الإنسانية إلا أنه يختلف عنها في الوقت نفسه؛ لأن العلوم الأخرى تُعنى بدراسة جانب من جوانب الإنسان والمجتمع وما يحيط بهما، في حين يدرس علم الاجتماع المجتمع ككل في ثباته وتغيره، ويدرس الإنسان من خلال علاقته بالمجتمع([30]).
إن مجال علم الاجتماع هو مؤشرات الأحداث المتداخلة بين الأفراد جميعهم ممن يسهمون في الحياة الأدبية، بشكل مباشر أو غير مباشر، فغايته الحياة الأدبية وليس الأدب؛ إذ يهتم بمكانة الأدب في المجتمع، وعلاقة الأدب بالفنون الأخرى، واستهلاك الأدب مثل: نسبة القراءة، ومنافسة وسائل التسلية لها، والكتب التي مارست نفوذها على المجتمع, فضلاً عن نظام الحياة الأدبية، وينخرط في سلكه حجم النشاط الأدبي ونوعيته، والمؤسسات التي تتدخل فيه كالجامعات والمجامع العلمية واللغوية والمسابقات الأدبية والنقد والصحافة، وكذلك التأثيرات على الحياة الأدبية ووظيفة الأدب الاجتماعية، ويتمخض عما ذُكر آنفاً؛ اشتراك الإبداعات الأدبية في بلورة الوعي والسلوك الاجتماعيين.
معلقة زهير بن أبي سُلمى في ضوء المنهج الاجتماعي:
إنَّ العلاقة بين الأديب الشاعر والمجتمع الذي ينتمي إليه وطيدة ومتينة وعريقة الأسباب كما قدمنا سابقا، وقد سعى كثير من الباحثين والنقاد إلى إثبات هذه العلاقة بين الأدب والمجتمع؛ فقد ذهب كارل ماركس إلى أن الأدب هو الذي يعكس ولو بطريقة ملتوية أحياناً العلاقات الاجتماعية([31])، ومنهم من يرى أنَّ الأدب” صورة معبرة تعبيراً حقيقياً عن المجتمع الذي يحيا فيه الأديب والذي تربى في أحضانه منذ نعومة أظفاره وقد تفاعل مع مقوماته”([32])، ومهما كانت نسبة المضمون الأدبي من الواقع الاجتماعي تبقى للأدب وظيفته الاجتماعية الهادفة نحو التأثير في المتلقي.
هناك الكثير من القيم ومكارم الأخلاق التي كانت في العصر الجاهلي، فتخلق بها بعضهم، ودعوا إليها، وعلى رأس هؤلاء الشعراء الذين يمثلون الإعلام في ذلك العصر، زهير بن أبي سُلمى، وأشهر قصيدة تضمنت القيم والمكارم هي معلقته والتي يقول في مطلعها:
أَمِـــنْ أُمِّ أَوْفَـــى دِمْــنَــةٌ لَــــمْ تَـكَـلَّــمِ بِـحَــوْمَــانَــةِ الـــــدُّرَّاجِ فَـالـمُـتَـثَــلَّــمِ([33])
أطل زهير في قصيدته على بعض الاعراف والتقاليد الاجتماعية الايجابية والسلبية، فشكل بذلك مادة مهمة استثمرها في شعره رغبةً منه في تشخيصها ووضع العلاج المناسب لها، بوصفه ناقداً وشاعرا فضلا عن كونه جزءاً من هذا المجتمع.
وقد شهد زهير حرب السباق وتطاحن القبائل، ورأى أن الحروب من أشدّ الويلات على الإنسان فكرهها كرهاً صادقاً، وسعى في أمر الصلح، وامتدح المصلحين، وندّد بالمحرّضين على استخدام قوة السلاح، ودعا إلى نبذ الأحقاد، ووقف موقف الحكم والقاضي، كما وقف موقف الهادي والمرشد والمصلح, وكان مبدأه أن ما يُحلّ سلمياً خير مما يُحَل حربياً، وأن الحرب هي آخر ما يجب اللجوء إليه، وأن الطيش و العناد يقودان إلى الدمار، مستعملا المدح لبيان القيم الاجتماعية الفاضلة:
فَأَقْسَمْتُ بِالْبَيْتِ الذِّي طَافَ حَوْلَهُ رِجَـالٌ بَـنَوْهُ مِنْ قُـرَيْشٍ وَجُرْهُـــــــمِ يَمِـينًا لَنِعْمَ الـسَّيدَانِ وُجِـدْتُمَـــــــــــــــــــــا عَـلَى كُلِّ حَـالٍ مِنْ سَحِيلٍ وَمُبْرَمِ تَدَارَكْتُما عَبْسَاً وَذُبْـيَانَ بَـعْدَمــــــــــــــــَا تَـفَانَوْا وَدَقُّـوا بَـيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَمِ وَقَدْ قُلْتُمَا إِنْ نُدْرِكِ السِّلْمَ وَاسِعــــــــاً بِـمَالٍ وَمَـعْرُوفٍ مِنَ الْقَوْلِ نَسْلَمِ فَأَصْبَحْتُمَا مِنْهَا عَـلَى خَيْرِ مَوْطِنٍ بَـعِيدَيْن فِيهَا مِـــنْ عُــــقُــــوقٍ وَمَـأْثَــمِ عَظِيمَيْنِ في عُــلْيَا مَــــعَـــدٍّ هُـدِيْتُمَــــــــا وَمَنْ يَسْتَبِحْ كَنْزَاً مِنْ المَجْدِ يَعْظُمِ
تُـعَفَّى الْـكُــلُــومُ بِالْمِــئــيِنَ فَــأَصْبَحَتْ يُـنَجِّمُهَا مَــنْ لَـيْـــسَ فِيهَا بِـمُجْــــــــرِمِ
….. ……
ومَـــنْ يــعصِ أطــرافَ الـزُّجــــــاجِ فــإنّه يـــطــيعُ العــوالي رُكبَت كلَّ لَهـــــــــــذَمِ([34])
فقد أراد زهير أن يقول: إنَّ من أبى الصلح لم يكن له بدّ من الحرب، فلم يقل ذلك مباشرة؛ بل ذهب يبحث عن صورة تمثل الصلح عندهم، وسرعان ما برقت بذهنه عادة كانت معروفة لديهم، وهي أن يستقبلوا أعداءهم إذا أرادوا الصلح بأزجّة الرماح، إلَّا أن طبيعة الحياة آنذاك ومقتضياتها القبلية الجاهلية لن تُمكن زهير _ على الرغم من حبه للسلام_ من الخروج عن سنة المجتمع؛ فهنالك العِرض والشرف، وهنالك العصبية التي تدعو إلى مناصرة أبناء العشيرة، وهنالك تقاليد الثأر، والدفاع عن الجار، وهنالك موارد المياه ومراعي القطعان، والطبيعة البشرية في شتّى أهوالها وأطماعها, كلّ ذلك يفرض على الجاهلي أنْ لا يتغاضى عن وسيلة السلاح، وأن لا يظهر بمظهر الضعف في مجتمع لا يؤمن إلَّا بالقوة، إذ يقول:
ومَن لا يذُد عن حَوضِهِ بسلاحِهِ يهدَّم ومَن لا يظلِمِ الناسَ يُظلَمِ([35])
أما فيما يتعلق بالحياة الفردية الشخصية، فهو يريد للإنسان أن يتحلّى بالوفاء والبرّ؛ أملاً في نشر قِيم الخير والمودة بين أبناء جلدته, وإرساء مبادئ والأخلاق السامقة, والمُثُل المنيفة ارتجاء الظفر بالحياة الفاضلة, على شاكلة قول شاعرنا:
ومَن يوفِ لا يُذمَم ومَن يُهدَ قلبُه إلى مطـــمــئنّ الـــــبرِّ لا يتَجَمجَمِ([36])
ولعل من البديهي أنْ نقول: إنَّ شاعرنا أخذ يدعو الإنسان إلى المصانعة والسياسة فيما يخص الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية، ويحضّه على بذل المعروف والسخاء والتفضّل على القوم؛ ليقي عِرضه ويلقى الحمد, إذ إنَّ الإحسان إلى الآخرين كثيراً ما يدرأ شرورهم ويجعل الإنسان يشرب عسل الوِداد بدلا من علقم الخصومة والعَداء, فيجني المرء بحُسن صَنيعه ثمار دماثة أخلاقه في مشهده ومغيبه أليس هو الذي يقول:
ومَــن لا يُــصـــانع فــي أمــورٍ كثـــــــــــــــــــــيرةٍ يُضَرَّس بأنياب ويوطأ بمَنسِمِ
ومَن يجعلِ المعروفَ من دون عِرضِهِ يَفِره ومَن لا يتَّقِ الشّتمَ يُشتَمِ ([37])
فزهير لم يبتعد عن حكمة الشعب فيما ذُكِرَ آنفاً، كما أنّه لم يبتعد عنها في بيته الذي رنا فيه إلى تأديب الطفل منذ نعومة أظفاره وإرشاده إلى سواء السبيل؛ لتقويم عوده الغض قبل أنْ يكبر ويعانق السماء؛ فيشق على الإنسان التحكم به وتغيير مساره فاستمع له حين يقول:
وإنّ سَفاهَ الشيخِ لا حِلمَ بعدَهُ وإنّ الفتى بعد السفاهةِ يحلُمِ([38])
وأمّا اولئك الذين يرون الموت يطاردهم، فيتمادون في الهروب، فلم ينسهم زهير؛ إذ بيَّنَ لهم تعذر الفوز بالخلود باستثناء خلود الإنسان بأعماله الحسنة وطيب الذكر, كما أكد لهم أنَّ الموت أمر لا مفر منه؛ فهو سبيلٌ سلكه الماضون وسيسلكه الباقون وهو كأس نهل منه الأنبياء وتجرع غصصه الأشقياء, ولا ينفد ماؤه ما بقي الإنسان في هذه الدنيا ولا أدل على ذلك من قوله:
ومن هابَ أسبابَ المنايا ينَلنَهُ وإن يرقَ أسبابَ السماءِ بسُلَّمِ([39])
أما الذين يحاولون إخفاء نقائصهم عن الناس، وهم يتسترون وراء أصابعهم فهم في ضلال مبين؛ إذ إنَّ “المرء مخبوء تحت لسانه”([40]), فضلاً عن أنَّ مصاعب الحياة وركوب الأهوال عادة ما يظهران حقيقة الآخرين ويكشفان عن ما يكنونه بين جوانحهم؛ فـ ” ما أضمر إنسان شيئاً إلا ظهر منه في صفحات وجهه وفلتات لسانه”([41])؛ فالنكبات تبين لنا مقادير الرجال وتعرب لنا عن من يليق به النأي والهجران, ومنْ يستأهل صفو الوداد, وآية ذلك قول زهير:
ومَهما تَكن عندَ امرئٍ من خَليقةٍ وإن خالَها تَخفى على الناسِ تُعلَمِ([42])
فهذه المساوئ والخلال غير المحبذة لا بدّ لها من أن تعلم مهما طال الزمان على إخفائه لا سيما أن الطريق الطويل كشاف للعيوب، فالذين يلحفون في الطلب فينالون، فأمرهم لن يطول؛ لأن لكلّ شيء نهاية:
سألنا فأعطَيتُم وعُدنا فعُدتُمُ ومَن أكثر التسآلَ يوماً سيُحرَمِ([43])
فاللجاجة والإلحاف أمر مُمِضّ ومزعج فلا يجيز التمادي بهما والاندفاع وراءهما, وتبعا لما أجملنا فيه القول؛ كان المنهج الاجتماعي وسيلة لكشف مضامين الشاعر الاجتماعية التي تناولها وعالجها؛ فضلا عن اتباع زهير الأسلوب الشمولي لطرحه هذه القضايا التي عالجها؛ فهو لم يهتم بأمر مجتمعه المعاصر وحسب؛ بل إنَّه نظر إلى المجتمع الانساني بصورة عامة ورغب في إصلاح كلما اقتدر عليه والتوسل بكله ما حباه الله إياه من إمكانات شعرية لاتخاذه وُصلة إلى نيل أوطاره؛ أملاً في الظفر بمجتمع فاضل طَيِّب الأعراق.
خاتمة واستنتاجات:
يتبين من خلال ما سبق فعل المنهج الاجتماعي المؤثر في تطور الدراسات النقدية، لاسيما النقد الحديث, وقد اتضح هذا التأثير بطرق البحث وأساليبه وتقنيات البحث والدراسة، التي تهدف إلى الفهم والتنبؤ والضبط والتحكم، كما تبين هذا التأثر بعدد من العلوم التي عدت مرجعيات أساسية في ظهور معظم المناهج الحديثة، التي ما كانت لتظهر لولا هذا الارتباط العضوي بينها وبين هذه العلوم .
إن الأسس المنهجية التي توافق عليها العلماء والفلاسفة والدارسون منذ ظهور المنهج النقدي الحديث، كان لها الأثر الاكبر في حدوث ذلك الارتباط العضوي بين المنهج النقدي، والتطور الذي جرى مع العلوم الاجتماعية.
إن العلاقة بين النقدي والاجتماعي، تكاد تقترب من التمازج والانصهار فيما بينها، في ضوء التطور الهائل الحادث في العلوم الاجتماعية، واقترابها من العلوم التجريبية الى حد كبير .
كما أن الظاهرة الاجتماعية يمكن أن تُدرس على وفق منهج بحثي يجمع بين التفسير الذي يختص بالعلوم الطبيعية، والفهم الخاص بالعلوم الاجتماعية، من أجل أن تقترب العلوم الاجتماعية من النقدية في منهجيتها، ونتائجها البحثية، فالنقد الاجتماعي لا يعلمنا قراءة النصوص فقط؛ بل يوسع من إدراكنا اجتماعيا، كما أنه ترك للقارئ فسحة ومساحة لإبراز ذاته؛ إذ لم یعد المعنى وفق هذا المنهج هو الموجود فقط أو المحصور في النصوص، وإنما جعل مكانا للقارئ لإبداء رايه اجتماعيا، بوصف تلك القراءة النقدية الاجتماعية قراءة للتقدم الإيجابي، وابتكار يربط بين البنى التحتية والفوقية وبين أبناء المجتمع وما حملوه من سلوكيات متوارثة ومبتكرة على حد سواء .
مراجع البحث:
- اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، د. عبد الباسط عبد المعطي، عالم المعرفة، الكويت، 1981م.
- الإعجاز والإيجاز, الثعالبي, مكتبة القرآن, القاهرة_ مِصر, (د.ت).
- البحث العلمي، مفهومه أدواته أساليبه، ذوقان عبيدات واخرون، دار الفكر، الاردن، ١٩٨٩م.
- تاريخ النقد الأدبي عند العرب”؛ إحسان عباس، دار الثقافة: بيروت، ط(4)، 1983م.
- ديوان زهير بن ابي سلمى، حمدو طماس، دار المعرفة، بيروت – لبنان، (ط2)، 2005م.
- سيكولوجية الإبداع في الفن والأدب، يوسف ميخائيل اسعد، دار الشؤون الثقافية العامة(آفاق أدبية(، بغداد، (د.ت)
- الصحاح (أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ( ت ٣٩٣ ه، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ط1 ، ١٩٩٩ م.
- علم الاجتماع العام، كمال التابعي، علي المكاوي، دار النصر، القاهرة، مصر، 2002م.
- الفاضل, المُبَرِّد, ط3, دار الكتب المصرية, القاهرة_ مِصر, 1421هـ.
- في رحاب الكلمة دراسات أدبية ونقدية، مهدي شاكر العبيدي، مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 2011م .
- في قضايا النقد العربي القديم، د. حميد قبايلي، مركز الكتاب الاكاديمي، 2020م.
- كليلة ودمنة، ابن المقفع، مكتبة زهران، مصر، 2005م.
- لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور) ت711هـ، ط1، دار صادر، بيروت.
- مدارس النقد الأدبي الحديث، د. محمد عبد المنعم خفاجي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ط1، (د.ت).
- المدخل إلى علم الاجتماع العام، أحمد طاهر مسعود، دار جليس الزمان للنشر والتوزيع الاردن، عمان، (د.ط)، 2011م.
- المدخل الى علم الاجتماع، د. محمد الجوهري، كلية الآداب، جامعة القاهرة،2007م.
- المدخل الى علم الاجتماع، مصطفى الخشاب، القاهرة، مصر، 1996م.
- المعجم الادبي، جواد عبد النور، دار العلم للملايين، لبنان، ط1، 1979م.
- مقاييس اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، ت: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، 1979م.
- مناهج البحث العلمي، عبد الرحمن بدوي، دار النهضة، المطبعة العالمية، القاهرة، ١٩٦٣م.
- مناهج النقد الأدبي، أنريك أندرسون إمبرت، دار المعارف، العراق، 1992م.
- مناهج النقد المعاصر، د. صلاح فضل ، ميريت للنشر، القاهرة، ط ١، ٢٠٠٢ م.
- منهج البحث الادبي، د. علي جواد الطاهر ، مكتبة اللغة العربية، بغداد، ط3، 1974م.
- الموسوعة الحرة، شبكة الانترنيت، مادة: علم الاجتماع، https://ar.wikipedia.org
- النقد الأدبي الحديث، أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة، سعد ابو الرضا محمد، دار الادب الاسلامي العالمية، السعودية، 2008م,
- النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه، صالح هويدي، ط1، منشورات جامعة السابع من إبريل، 1426ه.
- النقد الأدبي ومدارسه الحديثة ستانلي هايمن، ترجمة :د .إحسان عباس، ود. محمد يوسف نجم، (دار الفكر العربي، القاهرة )د.ط(, )د.ت(.
- النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية، عبدالله الغذامي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الرابعة ، 2001 م.
([1]) يُنظر: في النقد الأدبي الحديث) منطلقات وتطبيقات(، د.فائق مصطفى، ود.عبد الرضا علي، ,وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة الموصل، طبعة مزيدة منقحة، 2000 م: 61.
([2]) يُنظر: مناهج النقد الأدبي، أنريك أندرسون إمبرت، ترجمة : د. احمد الطاهر مكي، مكتبة الآداب، القاهرة: 62.
([3]) يُنظر: مناهج النقد الأدبي، أنريك أندرسون إمبرت: 61، ويُنظر: النقد الثقافي قراءة في الأنساق الثقافية العربية: عبدالله الغذامي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الرابعة ، 2001 م: 24.
([4]) ينظر: لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور) ت711هـ، ط1 ، دار صادر، بيروت، مادة: نهج.
([5]) ينظر : الصحاح ، (أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري ( ت ٣٩٣ ه، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، ط ، ١٩٩٩ م، ج ١ : ٣٠٤.
([6]) ينظر: منهج البحث الادبي، علي جواد الطاهر ، مكتبة اللغة العربية، بغداد، ، ط3، 1974م: 17.
([7]) مناهج البحث العلمي، عبد الرحمن بدوي، دار النهضة، المطبعة العالمية، القاهرة، ١٩٦٣ م: 5.
([8]) مناهج النقد المعاصر، صلاح فضل ، ميريت للنشر، القاهرة، ط ١، ٢٠٠٢ م:9.
([9]) البحث العلمي :مفهومه أدواته أساليبه، ذوقان عبيدات واخرون، دار الفكر ، الاردن، ١٩٨٩م:1٠.
([11]) ينظر: مقاييس اللغة؛ ابن فارس:2/755، وينظر: لسان العرب، ابن منظور: 14/254.
([12]) المعجم الادبي، جواد عبد النور، دار العلم للملايين، لبنان، ط1، 1979م: 283، وينظر: في قضايا النقد العربي القديم: 8.
([13]) تاريخ النقد الأدبي عند العرب، إحسان عباس، دار الثقافة: بيروت، ط(4)، 1983م: 5.
([14]) المدخل الى علم الاجتماع، محمد الجوهري، كلية الآداب، جامعة القاهرة،2007م: 7.
([15]) ينظر: المدخل إلى علم الاجتماع العام، أحمد طاهر مسعود، دار جليس الزمان للنشر والتوزيع الاردن، عمان، (د.ط)، 2011م: 23.
([16]) ينظر: علم الاجتماع العام، كمال التابعي، علي المكاوي، دار النصر، القاهرة، مصر، 2002م: 12.
([17]) ينظر: المدخل الى علم الاجتماع، مصطفى الخشاب، القاهرة، مصر، 1996: 23.
([18]) ينظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه، صالح هويدي، ط1، منشورات جامعة السابع من إبريل، 1426هـ: 100.
([19]) ينظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 101.
([21]) كليلة ودمنة، ابن المقفع، مكتبة زهران، مصر، 2005م: 56
[22])) ينظر: النقد الأدبي الحديث، قضاياه ومناهجه: 103.
([24]) ينظر: مناهج النقد المعاصر: 46-47.
([25]) ينظر: مناهج النقد المعاصر: 47.
([26]) ينظر: النقد الأدبي الحديث، أسسه الجمالية ومناهجه المعاصرة: 73.
([28]) الموسوعة الحرة، شبكة الانترنيت، مادة: علم الاجتماع، https://ar.wikipedia.org
([29]) اتجاهات نظرية في علم الاجتماع، د. عبد الباسط عبد المعطي، عالم المعرفة، الكويت ،1981م: 23.
([31]) النقد الأدبي ومدارسه الحديثة :ستانلي هايمن ، ترجمة : د. إحسان عباس، ود. محمد يوسف نجم، (دار الفكر العربي، القاهرة، )د.ط(و)د.ت(: 65، ويُنظر: مدارس النقد الأدبي الحديث، د. محمد عبد المنعم خفاجي، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الأولى: 1 .
([32]) سيكولوجية الإبداع في الفن والأدب، يوسف ميخائيل اسعد، دار الشؤون الثقافية العامة(آفاق أدبية(بغداد :31، ويُنظر: في رحاب الكلمة دراسات أدبية ونقدية ، مهدي شاكر العبيدي، مطبعة النعمان، النجف الاشرف، 2011 م: 5.
([33]) ديوان زهير بن أبي سُلمى: حمدو طماس، دار المعرفة، بيروت– لبنان، ط:2، 2005م: 64، الدمنة : بقايا الدار التي رام عليها الرماد، حومانة الدراج والمتلثم: موضعان مشهوران بالحجاز.
([34])ديوان زهير بن أبي سلمى: 66، 67، جرهم: قبيلة عربية بائدة، السحيل: هو المعقود على قوة واحدة والمفتول عليها، المبرم: المعقود على قواتين اثنين، منشم: عطارة في الجاهلية يضرب المثل بها في التطير والتشاؤم، الكلوم: جمع كلم، وهو الجرح.
([36]) ديوان زهير بن أبي سلمى: 70.
([38]) م. ن: 71، سفاه: من السفيه الذي لا يرجى حلمه وعقله.
([39]) ديوان زهير بن أبي سلمى: 70، يرق: يصعد.
[40])) الفاضل, المُبَرِّد, ط3, دار الكتب المصرية, القاهرة_ مِصر, 1421هـ: 6.
[41])) الإعجاز والإيجاز, الثعالبي, مكتبة القرآن, القاهرة_ مِصر, (د.ت): 39.
([42]) ديوان زهير بن أبي سلمى: 70، الخليقة يراد بها الاخلاق.