الاستبدال ودوره في اتساق الغزل عند الشریف المرتضى
Replacement and its role in the consistency of spinning in Al-Sherif Al-Muradha
عفت مرداني ـ طالبة الدكتوراه، قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إیران
سمیة حسنعلیان أستاذ مشارك، قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة أصفهان، أصفهان، إیران
سید فضل اله میرقادری أستاذ، قسم اللغة العربیة وآدابها بجامعة شیراز، شیراز، إیرا ن
Effat mardani1, Somayyeh Hassanalian2, Sayyid Fazlullah Mirqadri 3
- PhD student, Faculty of Arabic Language and Literature, University of Isfahan
- Associate Professor, Faculty of Arabic Language and Literature, University of Isfahan (responsible Author).
- Professor, Factulty of Arabic Language and Literature, University of Shiraz,
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 71 الصفحة 23 .
Abstract
Textual linguistics has opened horizons towards interest in the analysis of the text, as it is the largest major unit conveying meaning and moving from the linguistics of the sentence to the linguistics of the text. Wasl, by adopting a form of textual cohesion and one of the means of casting, is one of the most important elements that emphasize and help to enhance textual coherence and looms large in the text of the text. He is able to create a close connection between one part of the text and another preceding it by creating a relationship between a backward and an advanced element. Proceeding from that, substitution is one of the most important sources of text cohesion in Sharif Al-Murtada’s ghazals.
According to the descriptive-analytical approach, this study seeks to reveal the types of substitution and their effect on the consistency of these ghazals.
Through a study of Sharif Al-Murtada’s spin, it was found that substitution has an important role in achieving textual coherence. By extrapolating the poet’s ghazals, it was noticed that verbal substitution is more than actual substitution and nominal substitution. The total of these tools amounted to 67 tools, so the verbal replacement is 19 repetitions and the percentage is 58%, the actual replacement is 11 repetitions and the percentage is 33%, the nominal substitution is 3 repetitions and the percentage is 9%.
Key words: textual consistency, substitution, flirtation, and the honorable noble.
الملخص:
إنّ اللسانيات النصيّة قد فتحت آفاقاً نحو الاهتمام بتحليل النصّ باعتباره أکبر الوحدة الکبری الناقلة للمعنی والانتقال من لسانيات الجملة إلی لسانيات النصّ. والوصل، باعتماده صورةً من صور التماسک النصيّ وأحد وسائل السبک، يعتبر من أهمّ العلاقات العناصر التي تؤکّد وتساعد علی تعزیز الاتساق النصيّ وتلوح في نسیج النصّ. فهو يستطیع خلقَ صلة وثيقة بين جزء واحد من أجزاء النص وآخر سابق عليه عبر إيجاد علاقة بين عنصر متأخّر وعنصر متقدِّم. وانطلاقاً من ذلک، فإنّ الاستبدال يُعدّ من أهمّ مصادر تماسک النصّ في غزليات الشریف المرتضی.
وتسعی هذه الدراسة، وفق المنهج الوصفيّ-التحليلیّ، إلی أن تكشف عن أنواع الاستبدال وأثرها في اتساق هذه الغزلیات.
من خلال دراسة غزل الشريف المرتضی، تبيّن أنّ للاستبدال دوراً هامّاً في تحقّق الترابط النصّيّ. من خلال استقراء غزلیات الشاعر لُوحِظَ أنّ الاستبدال القولي أکثر من الاستبدال الفعلي والاستبدال الإسمي. وبلغ مجموع هذه الأدوات 67 أداةً، بحیث الاستبدال القولي 19 تکرار والنسبة المئویة 58%، والاستبدال الفعلي 11 تکرار والنسبة المئویة 33%، والاستبدال الإسمي 3 تکرار والنسبة المئویة 9%.
المفردات الرئيسة: الاتساق النصي، الاستبدال، الغزل، الشریف المرتضی.
المقدمة
يعدّ التماسك النصيّ من الاتجاهات الحدیثة في دراسة النصوص اللغویّة. والاتساق بوصفه أحد أشکال التماسک، هو تماسک شديد بين الأجزاء المشکلّة لنصٍّ ما عبر الاستعانة بالأدوات التي تحقق هذا الترابط علی مستوی النصّ. ویعتبر الاستبدال أداة من أدوات الاتساق النصي التي تعمل علی تحقیق الترابط في النص. المراد بالاستبدال «صورة من صور التماسک النصي التي تتم في المستوی النحوي المعجمي، بین کلمات أو عبارات، وهو عملیة تتم داخل النص، إنّه تعویض عنصر في النّص بعنصر آخر» (بوقرة، 2009 م: 83). فالاستبدال هو عملیة من عملیات الترابط النصي التي تتم في المستوی النحوي والمعجمي بین العبارات من النص وهو عملیة تتشکّل داخل النص، ویستخلص من کونه عملیة داخل النص أنّه نصي، علی أنّ معظم حالات الاستبدال في النص قبلیة أي علاقة بین عنصر متأخر وعنصر متقدم (بخولة، 2014م: 18-19).
فالنص یحتاج إلی عناصر تربط أجزاءه فیما بینها، فالاستبدال هو وسیلة من وسائل التماسک التي تدلّ علی تقوية الأسباب بين الجملات وجعل المتواليات مترابطة متماسکة، وأنّ فکرة الاستبدال هي عملیة ربط الکلام واستمراريّة أحداث النص وأفکاره بشکل بديع وأسلوب رائع بواسطة مجموعة من الأدوات، والتي من شأنها جعل أجزاء النص مترابطة متماسکة. فالاستبدال یضفي جمالاً علی الأسلوب، لما فیه من تنوع في الألفاط، الأمر الذي جعله محط اهتمام الباحثین لما لأدوات الاستبدال من دور أساسي لا غنی عنها داخل النص للحکم علی تحقیق الاتساق والترابط النصي. بعبارة أخری إنّ التمایزات والوظائف اللغویة المختلفة هي التي تبني الدلالة اعتباراً من استبدال عنصر لغوي بعنصر آخر، وإلی حدّ ذاتها تعتبر میزة فریدة في اللغة العربیة لتناول الدلالة، وبالفعل تُعدُّ سمة بارزة من حیث التنوع الوظیفي اللغوي لاستبدال الوظائف اللغویة بالمتشابهة لها من حیث الدلالة.
فاستمداد القارئ من تمایز وظیفة لغویة عن وظیفة أخری واستبداله عنصراً لغویاً بعنصر آخر یمُتّانه في الحصول علی الدلالة والوصول إلی اتساق النص اللغوی (صالح بک وسعید سواري، 2019 م: 5). ذلک أنّ «الاستبدال قائم في النحو القدیم علی اعتبار أنّ الجملة الخبریة هي الشکل الأساسي» (عامر، لاتا: 8). و«علی أنّه عدول أو استبدال من الجملة الخبریة» (الراجحي، 1986 م: 102). والاستبدال حسب تصنیف الباحثین ثلاثة أنواع، وهي: استبدال اسمي، استبدال فعلي، استبدال قولي» (بخولة، 2014م: 18-19) .
فإنّ الشعر وحدة لغویة بین أبیاتها علاقات محددة وهو کبنیان مرصوص یشد بعضه بعضاً. ومن الآلیات الاتساقیة المهمة التي تکشف عن مدی الارتباط بین أبیاته هي أدوات الاستبدال. فتکمن وظیفة الاستبدال في مساهمته وبشکل مباشر في اتساق النص، وذلک أنّه یُعد عملیة داخلیة بین الکلمات والعبارات المُشکلة للنص، ومعظم حالاته قبلیة، إذ یُذکر العنصر ثم یُستبدل في الجملة نفسها أو في جمل أخری بعنصر لغوي آخر، ویُدرک الترابط والتعالق بین العنصر المستبدل والعنصر المستبدل به بشکل ضمني من خلال سیاق النص (عزوز،2016م: 66). وهکذا نری أنّ الأدوات الاستبدالیة قد احتلت محوراً مرکزیاً في دراسات التماسک النصي بحيث ربّما لا نبالغ إذ قلنا لا تؤدّي الوظيفة الفنيّة المرجوة من القصيدة إلّا من خلال االاستبدال. وكحصیلة لما سبق یمكن القول أنّ للاستبدال وظیفة أساسیة تُساعد في تماسک الشکلي للنصوص الشعریة واتساقها.
الشریف المرتضی من أبرز الشعراء المهتمّین بآلیات الانسجام وقد یتمثّل الاستبدال من أهم الأدوات الشعریة الاتساقیة عنده ومن هذا المنطلق، قام هذا البحث بدراسة أنماط الاستبدال المستخدمة في شعر الشریف المرتضی، وکما سبق القول أنّ الشعر عبارة عن الأبیات المتتالیة، ولکي تکون کوحدة متماسکة متناسقة تحتاج إلی عناصر تربط بعضها بعضاً وتساهم في تماسک الأبیات وترابطها، وعلیه فقد جاءت أنواع الاستبدال مختلفة ومتنوعة علی تنوع وظیفة کل نوع، ما یساهم في اتساق الأبیات، ولو ذهبنا نبحث في أغراض الشریف المرتضی الشعریة المختلفة عن غرضٍ یمثّل استخدام أنواع الاستبدال أوضح تمثیلٍ، ما وجدنا مثل أشعاره الغزلیة في قدرتها علی هذا التمثیل، وذلک لأنّنا وجدناه قد استعمل الاستبدال في کلّ غزلٍ تقريباً وهذه هي نسبة جيّدة تکشف عن مدی أهمية هذا العنصر الاتساقي لديه ومساهمته في تکوین غزله. وهذا هو الدلیل القاطع والبرهان الصارم علی اختیار هذه الأشعار للدراسة في مرآة العناصر الاستبدالیة وذلك للكشف عن الترابط بین أجزائها ودورها في التعبیر عن أحاسیس الشاعر وعواطفه الوقادة. یعدّ الاستبدال أحد الآلیات التي تساهم في الربط بین أجزاء النص وتماسكه. ویجب توافر العناصر الاستبدالیة المتمثلة في الاستبدال الاسمي والاستبدال الفعلي والاستبدال القولي في كل قصیدة؛ لأنّها من عوامل وحدة القصیدة العضویة وتمفصل بنياتها.
إنّ ثراء غزل الشاعر بالكثیر من العناصر الجمالیة وتشبّعها بعناصر التماسك النصي في آنٍ واحدٍ، دفعنا إلی الاهتمام بدراسة عناصر الاستبدال ودورها في الترابط الفني واتساق الاشعار الغزلیة للشریف المرتضی. وللوصول للهدف المرجو من خلال هذه الدراسة اقتضی البحث الإجابة علی التساؤلات التالیة:
1- ما هي أنماط الاستبدال وأثرها في اتساق الأشعار الغزلیة للشريف المرتضی وترابطها؟
2- فیم تتمثّل فعالية هذه الأنماط والعناصر لتجسيد اتساق هذه الأشعار عند الشاعر؟
3- كيف أسهمت أنماط الاستبدال في بناء هندسة الغزل عند الشاعر للتعبیر عن عواطفه وأحاسیسه؟
ونظراً إلی أنّ الغزل قد احتلّ مساحة کبیرة في دیوان الشریف المرتضی، حیث أنّ الشاعر تناوله في أغلب قصائده ومقطعاته، فتصبو هذه الدراسة إلی البحث عن أدوات الاستبدال من خلال أشعاره الغزلیة قاطبة.
خلفیة البحث :
تناولت دراسات عدیدة آلیات الاتساق والانسجام بین النظریة والتطبیق، في حین إنّ الدراسات المعنیة بأنماط الاستبدال کعنصر اتساقي في النصوص الأدبیة قلیلة؛ إذ لم یقم أحد من الباحثین بتخصیص دراسة شاملة وافیة تتناول دور الاستبدال في مجال الشعر. أما بالنسبة إلی دراسات آلیات التماسک النصي، ومن خلالها أدوات الاستبدال التي تم انجازها في الشعر، وهي موضع وقوفنا، فنذکر بعضها للإفادة:
دراسة أعدّها کاظم عبدالله عبد النبي، (2013م) موسومة بـ (أثر التماسک النصي في تکوین الصورة البیانیة شعر خالد الکاتب أنموذجاً)، وسار البحث فکشف عن معظم ماله صلة في تماسک الصورة البیانیة وما تنتجه الوسائل النصیة من حراک شعوري في النص أو بین النص والأحداث المحیطة، محاولاً أن یبحث عن مدی استخدام الأدوات والآلیات المقترحة من قبل الدارسین لدراسة التماسک النصي في شعر خالد الکاتب لکونه شاعراً لم یُدرس شعره فیما سبق دراسة أکادیمیة.
وتطرقت هناء دادة موسی، (2014م) في الدراسة المعنونة بـ (الاتساق والانسجام ومظاهرهما في قصیدة “بطاقة هویة” لمحمود درویش)، إلی البحث عن مفهوم الاتساق ومظاهره في الترابط الشکلي للقصیدة، معالجةً مفهوم الانسجام ومظاهره في الترابط الدلالي للقصیدة.
وقامت نورة سوفي، (2015م) في دراستها الموسومة بـ (الاتساق والانسجام في دیوان “إفضاءات في أذن صاحبة الجلالة” لطارق ثابت)، بدراسة أدوات الاتساق والانسجام في منجز طارق ثابت الشعري، هادفاً إلی التعرف علی مدی إسهام هذین العنصرین في تحقیق الترابط الشکلي والتلاحم الدلالي في هذا الدیوان.
ودراسة أعدّتها فطیمة خلاف، (2016م) معنونة بـ (آلیات التماسک النصي في قصیدة فدوی طوقان هل تذکر؟- دراسة لسانیة- )، تتطرق فيها الباحثة إلی دراسة الجانب النظري والجانب الدراسي التحلیلي التطبیقي، وقد جاء الجانب النظري مُعنوناً بمفاهیم رئیسة ومصطلحات أساسیة للتماسک النصي، والجانب التحلیلي التطبیقي خصصته الباحثة للحدیث عن آلیات الاتساق والانسجام محاولة استظهارها في قصیدة هل تذکر؟ لفدوی طوقان.
وهناك دراسة قام بتحقیقها محمد محمود علیان المصري (2018م) المعنونة بـ «التماسک النصي في شعر عزّ الدین المناصرة»، وفي ضوء علم اللغة النصي سعت هذه الدراسة إلی الکشف عن وسائل التماسک النصي وأدواته الموظفة في شعر المناصرة وتحلیلها، وشرح الدلالات التي تؤدیها کل أداة من تلک الأدوات.
لقد عکف -کما نری- کثیر من الباحثین علی دراسة آلیات التماسک النصي کلیّاً من النواحي المختلفة وتناولوا أدوات الاتساق والانسجام فیها، غیر أنّهم لم یهتموا بالاستبدال في دراسة مستقلة وهي موضع وقوفنا. أما فیما یخص الشاعر الشریف المرتضی، فقد تمت دراسات ومقالات قلیلة بشأن أشعار الشریف المرتضی، والسبب راجع إلی أنّه لقد غطت شهرته في مجال الفقه والأصول والعقائد وعلم الكلام علی شهرته في مجال الأدب، وفیما یخص الدراسات التي تتعلق بأشعار الشریف المرتضی، فلابد من الإشارة إلی:
دراسة تناولت بنیة مراثي الإمام الحسین علیه السلام ومضامینها في دیون الشریف المرتضی (1430 هـ.ق) بقلم محمد إسماعیل زاده، وقام الباحث فیها بتصنیف أبیات مختارة من هذه المراثي في إطار موضوعي ثمّ بادر بتحلیل بناء هذه القصائد مستنداً إلی الأبیات المشتملة علی القیم الفنیة للتعبیر عن عاطفته الدینیة ولوعته . ولقد بیّن الباحث في هذه المراثي التي کان ینظمها الشاعر عادة في یوم عاشورا، عن قدرة أشعاره علی حمل الفکر والعقیدة من دون أن یفقد فنیّتها.
وکذلک تطرّقت صابرة سیاوشي ومولا شكاري میر (1392 هـ.ش) في مقال بعنوان: “صورة الإمام حسین (ع) الرمزیة في شعر الشریف المرتضی” إلی كیفیة تصویر شخصیة الإمام الحسین علیه السلام ومیزاتها المتجلّیة في شعر الشریف المرتضی، وتبیین عواطف الشاعر تجاه الإمام الحسین علیه السلام علی أساس المنهج الوصفي-التحلیلي. وقد عبّر الباحث عن صور الإمام حسین علیه السلام بما اشتملت علیه من قرائن ورموز تنطبق تماماً علی ما جری في واقعة الطف الألیمة من أحداث ومواقف، وما صاحب ذلک من مشاعر وأحاسیس وانفعالات.
وهناک دراسة إیوان كسری في شعر البحتري والشریف المرتضی؛ دراسة أسلوبیة موازنة (2016م) وقامت رؤیا کمالی وسمیة حسنعلیان بموازنةٍ بین قصیدتي الشریف المرتضی والبحتري في وصف «إیوان كسری»، فهذا البحث حاول أن یحلّلهما ویبیّن کیفیة انعکاس الإیوان ووجوه الاشتراک والاختلاف بینهما معتمداً علی المنهج الوصفي- التحلیلي، وفق الرؤیة الإسلوبیة مصنّفاً ساحته في خمسة أقسام: قسمٌ في تحلیل المضمون، وقسمٌ في تحلیل وصفهما من ناحیة الموسیقی، والألفاظ، والصور البلاغیة.
ظهر من خلال الدراسة في المواطن المشترکة بین القصیدتین أنّ الشاعرین بذلا منتهی جهودهما في اختیار الألفاظ الفصیحة الموافقة للمضمون، وذلک بجانب الاهتمام بخلق الصور البدیعة وصدق الشاعرین في الوصف، وهذا کله رغم اختلاف القصیدتین في المضمون الذي جعل قصیدة البحتري في ساحة الأدب الغنائي وقصیدة الشریف المرتضی في الأدب التعلیمي.
وهناک دراسة الإحاله وتوظیفها فی تماسک القصیده الدینیه عند الشریف المرتضی قصیده الغدیر نموذجاً (2019م) وقامت عفت مرداني وحسنعلیان بدراسة الإحالة وتوظيفها في تماسك قصیدة الغدیر للشریف المرتضی لتبیین كیفیة استخدام العناصر الإحالیة ومدی إسهامها في اتساق قصیدته الدینیة وفق المنهج التوصیفي التحلیلي مع الاستعانة بالمنهج الإحصائي. واتضح لنا من خلال تحليل العناصر الإحالیة في ضوء علم اللغة النصيّ أنّ هناك مجموعة من العناصر قد تضافرت لتشكيل بناء القصیدة الدینیة عنده وتشييد بنيتها الدلاليّة فتباینت عناصر الإحالة ووسائلها في القصیدة، إذ نجد أنّ الإحالة النصیة طغت علی القصیدة، حیث أكثرَ الشاعرُ من استخدام الإحالة النصیة القبلیة بالمقارنة مع الإحالة البعدیة وهذا الاستخدام أسهم بشكل كبیر في تماسك وترابط أبیات القصیدة، وقیمتها الفنیة تكمن في مزاوجة الشاعر بین العناصر الإحالیة والصور الفنیة مما جعل غرضه أقرب إلی الإدراك.
وفیما یخص الدراسات التي تناولت أنواع الاستبدال ودورها في تماسک الأشعار الغزلیة للشریف المرتضی بالبحث والدراسة، وهي موضع وقوفنا فلم نعثر علی دراسة أكادیمیة فنیة، وظل موضوعاً بكراً. هذه الدراسات أمدّتنا ببعض الأفكار والمعلومات الرئیسة التي لا غنی عنها وسددتنا في كثیر من الآراء وكانت کمنارٍ یضيء لنا دروبَ البحث المظلمة. ونظراً إلی أنّ الشریف المرتضی هو من الشعراء البارزین، فلاتزال الحاجة إلی مزید من الأبحاث حول أعماله. أما الدراسة التي بین یدینا حاولت کشف أنماط الاستبدال ودوره في اتساق الغزل عند الشریف المرتضی، مما یتطلب تسلط الضوء علی أشعار لم تلق العنایة من الدارسین.
2-الإطار النظري للبحث:
2-1- الاستبدال وأنماطه
یحتلّ التماسک مکاناً مرکزیاً في الأبحاث والدراسات في مجال لسانیات النص، بحیث لا یمکننا أن نجد مؤلفاً ینتمي إلی مجالات لسانیات النص دون هذا المفهوم. التماسک في علم اللغة الحدیث یعني «التلاحم بین أجزاء النص الواحد، بحیث توجد علاقة بین کل مکون من مکونات النص وبقیة أجزائه، فیصبح نسیجاً واحداً» (عبد المقصود، 2013م: 8). فالتماسک النصي یعتمد في الأساس علی ترابط معاني الجمل في النص، وذلک من خلال مجموعة العلاقات التي تربط أواصر النص بعضها ببعض، فهو یقوم بإیجاد الترابط النصي من الجانب الشکلي، والجانب الدلالي المضموني. «فالتماسک -بهذا المعنی- یعني العلاقات أو الأدوات الشکلیة والدلالیة التي تسهم في الربط بین عناصر النص الداخلیة، وبین النص والبیئة المحیطة من ناحیة أخری» (الفقي، 2000م، ج1: 96)؛ إذ یعتمد الترابط علی المستوی السطحي علی وسائل لغویة ذات وظیفة مشترکة أما التماسک الآخر الذي یعني الوحدة والاستمرار والتشابک فیقوم علی قواعد وأبنیة تصویریة تجریدیة، وقد أدت هذه الخاصیة الجوهریة لها إلی الاختلاف بین علماء النص في محاولاتهم المتکررة والمتباینة لاکتشافها، إذن فالعلاقات التي تقوم بین الجمل أو العبارات في متتالیة نصیة یمکن أن ترتکز علی الدلالات وهي العلاقات الداخلیة أو علی الروابط بین العناصر المشار إلیها أو المدلول علیها في الخارج (فضل، 1992م: 123). فتماسک النص یحتاج إلی تماسک شکلي والذي یظهر علی سطح النص وإلی التماسک المعنوي الذي تحققه خاصیة الانسجام، والأول یُقصد به الاتساق والثاني یُطلق علیه مصطلح الانسجام.
يركز علم لغة النص علی دراسة الاتساق لأنّه یعمل علی خلق الترابط الشدید علی المستوی الشكلي للنص، مما یحقق تماسك أجزائه من خلال علاقات الترابط اللفظیة و«یترتّب علی ذلك أن یصبح من الضروري أن تقدّم اللغة بدائل متعددة لسبك عبارات سطحیة دون إهدار لترابط المعلومات الكامنة تحتها، هذه المجموعات من البدائل تدلّ المشاركین في الاتصال في الواقع علی القسط النشط من المعلومات وهو الذي سیحدث توسیعه وتعدیله.» (دي بوجراند، 1998م: 299) وتعتمد ظاهرة الاتساق علی خمسة محاور في تحلیل النص وهي: «الإحالة (Reference)، الاستبدال (Substitution)، الحذف (Ellipsis)، الربط أو العطف (Conjunction) والاتساق المعجمي (Lexical Cohesion) (Halliday and Hasan, 1980: pp .303-304).
یعتبر الاستبدال من عناصر الاتساق بين أجزاء الجمل. والاستبدال هو «صورة عن التماسك النصّي، التي تتمّ في المستوى النحويّ المعجميّ بین كلمات أو عبارات، وهو عملیة تتمّ داخل النصّ. إنّه تعویض عنصر في النصّ بعنصر آخر، وصورته المشهورة استبدال لفظة بكلمات» (بوقرة، 2009 م: 63). وعملية الاستبدال هي «عملية تتمّ داخل النصّ، إنّه تعویض عنصر في النصّ بعنصر آخر» (جاسم، 2018 م: 18). صورة الاستبدال وفقا لنظرية هاليداي، هو عملية تتم داخل النص لا من خارجه، فيعوض عنصر من عناصر النص بعنصر آخر منه أيضا، مما يعني أن الاستبدال يمثل شكلا من أشكال العلاقات النصية القبلية، فالعنصر المتأخر يكون بديلا لعنصر متقدم مما يفضي إلى تماسك النص واتساقه (عبابنة، 2005 م: 126).
فهذه العملية تحقّق دوراً هامّاً في تحقيق الاتساق والتماسک النصّي، فهو يتمّ على المستوى النّحوي والمعجمي داخل النصّ.
أنواع الاستبدال هي:
استبدال اسمي : هو حلول الاسم مکان الآخر مع تأدية وظيفته التركيبة داخل النصّ.
استبدال فعلي : وهو أن يحلّ الفعل محل فعل آخر مؤدياً وظيفته التركيبية.
استبدال قولي : وهو استبدال قول مكان آخر في حالة تأدية وظيفته
فهذه العملية الاتساقية يساهم بشکل أساس في ترابط النصوص وتماسكها وتلاحمها وتعالقها. يشترك الاستبدال مع الإحالة في علاقة الاتساق والتماسک النصي، إلا أنه يختلف عنها في كونه علاقة تتم في المستوى المعجمي النحوي بين الكلمات والعبارات، بينما الإحالة علاقة معنوية تقع في المستوى الدلالي في النصوص، وهذا هو الفارق الأساس بین الاستبدال والإحالة.
فهذه الأدوات من أهم الأدوات التي تؤكِّد اتِّساق الخطاب من عدمه. هذه العنایة البالغة بالتلاحم والترابط بین أجزاء النص علی مستواه الشکلي، تمنح الاستبدال قیمةً تجدر بالدراسة في تحلیل جمالیات النصوص والکشف عن ترابط الجمل فيها مع بعضها بعضاً بوسائل لغوية معينة.
3- أنماط الاستبدال في الأشعار الغزلیة للشریف المرتضی
تکمن أهمية الاستبدال في تحقیق التلاحم والتماسک في النص، وکثیراً ما نراه یعوّض لفظ في النص بلفظ آخر أي یذکر عنصرٌ ثمّ یستبدل في الجملة نفسها أو في جملة أخری بعنصر لغوي آخر. «وهو یتم علی المستوی النحوي والمعجمي داخل النص.
إنّ الوظیفة الاتساقیة للاستبدال تشير إلی أنّه «ارتباط بین مكونین من مكونات النص أو عالم النص یسمح لثانیهما أن ینشط هیكل المعلومات المشتركة بینه و بین الأول ، و من هنا یصلح قسط كبیر من أمثلته أن ینسجم مع نموذج التنشیط الموسع للمعلومات المستعملة» (دي بوجراند، 1998م: 300 ).
ویختلف الاستبدال عن الإحالة في أنّ هذه الأخیرة تقع علی المستوی الدلالي، کما أنّها أحیاناً تحیل علی أشیاء خارج النص. کما یتمیّز الاستبدال عن الإحالة أیضاً، في أنّ معظم حالاته قبلیة؛ وذلک أنّ العلاقةَ بین الکلمات فیه تکون بین عنصر متأخّر وعنصر متقدم» (الصبیحي، 2008 م: 91). یقول إبراهیم خلیل: «والفرق بین الاستبدال والإحالة، أنّ الثاني یحیل علی شيء غیر لغوي في أُویقات معینة، في حین أنّ الاستبدال یکون بوضع لفظ مکان لفظ آخر، لزیادة الصلة بین هذا اللفظ وذلک الذي یجاوره، أو ذلک اللفظ الذي یدلُّ علی الشيء الذي تقدم ذکره» (خلیل، 1997م: 138). فالاستبدال حسب تصنیف الباحثین ثلاثة أنواع، وهي: الاستبدال الإسمي والاستبدال الفعلي والاستبدال القولي.
وانطلاقاً من هذا التقسیم حاولنا إظهار الأشعار التي حصل فیها الاستبدال للتعبیر عن أثره في تماسک النص الشعري وترابط أجزائه، ففي تتبعنا لدراسة أدوات الاستبدال في أشعار الشریف المرتضی، وجدنا أنّ تعابیره وکلماته المستخدمة في أشعاره الغزلیة في قمة الروعة والإیجاز والإلهام والمعاني الرفیعة العمیقة.
ونحن لا نرید الآن أن نخوض في تفاصیل کثيرة، ولکن یمکن أن نعتبر الشریف المرتضی عن طریق تلک الخطوط العریضة التي وضعها في کلا دیوانیه واحداً من شعراء الغزل العفیف حیث تتجلّي وتظهر علامات الغزل العفیف في أشعاره من العفة فی الحب، الوفاء والتوحد فی المحبوبة، وذکر ألم الفراق وشدة الحزن، وتذکر الخواطر القدیمة وغیرها. جمیعها من مظاهر الغزل العفیف البارزة والتي ظهرت جلیّاً في أشعاره، خاصة عبر توظیف الاستبدال للتعبیر عن تجربته الشعوریة ومشاعره الدفینة. فالشريف المرتضی يستطیع القيام بهذا المهام علی أحسن وجه، بحيث یؤدّي الاستبدال دوراً بناء في غزل الشاعر، حیث ظهرت المرأة علی صفحات غزل الشاعر امرأة عربیة خالصة العروبة تتمثّل فیها کلّ أنواع الطهر و العفاف، فلعبت الأدوات الاستبدالیة دوراً هاماً في اتساق تعابیره المصبوغة بعاطفة الحنین والأحاسیس النبیلة وربط أجزائها.
ویصبو هذا البحث إلی دراسة الاستبدال، بوصفه أداة من أدوات الاتساق النحوي، في غزل الشاعر العفیف والبحث عن خصائصه وممیزاته الجدیدة.
ولقد استنتجنا بأنّ الاستبدال القولي من أهمّ أنواع الاستبدال في غزله وأکثرها حضوراً، ثم الاستبدال الفعلي ویلیه الاستبدال القولي، وبلغ مجموع هذه الأدوات 67 أداةً، والجدول الآتي یبیّن حضور کل أداة من الأدوات الاستبدالیة المذکورة في غزل الشاعر:
نوع الاستبدال التکرار النسبة المئویة
الاستبدال القولي 19 58%
الاستبدال الفعلي 11 33%
الاستبدال الإسمي 3 9%
المجموع 33 100%
3-5- أنواع الاستبدال في غزل الشریف المرتضی
وإذا کانت هذه الأنواع المختلفة متماثلة، فإنّ معانيها ودلالاتها متباینة. فإنّ الاستبدال يسهم في إیجاز الألفاظ مع الاحتفاظ علی الدلالات المنشودة. وبعد النظر في الجدول السابق والنموذج الإحصائي الذي رصدنا فیه العناصر الاستبدالیة الموجودة في أشعار الشاعر الغزلیة وحددنا فیه مواضعها وأنواعها، سنحاول فیما یأتي شرح وتحلیل بعض النماذج التطبیقیة من غزل الشاعر مع التركیز علی أثر العناصر الاستبدالیة في تماسكها. من نماذج قوله في الاستبدال:
3-3-1- الاستبدال القولي:
وهذا النوع من الاستبدال لیس استبدالاً لکلمة داخل الجملة، وإنما هو استبدال لجملة بکاملها، وعلیه تقع في البدایة جملة الاستبدال لتأتي بعدها الکلمة المستبدلة خارج حدود الجملة، باستخدام بعض الکلمات مثل: هذا، ذلک (شبل محمد، 2009م: 115). ویبلغ عدد الاستبدال القولي في (19) مرة، من أصل (33) مرة؛ أي بنسبة (58 )، وتحتلّ کلمة “ذلک” ساحة ملحوظة من أدوات الاستبدال القولي، حیث عملت علی الترابط بین الأبیات الشعرية وزادت علی اتساق المنجز الشعري وتماسکه. ومن أبرز أمثلة الاستبدال القولي نذکر بعض الأبیات التي وردت فیها:
فَما خَفَقَت إلّا کذاکَ جوانحٌ
ولا نَبضت إلّا کذاک عروقُ
وقد ضلَّ فیه الکاشحونَ وقُطِّعَت
عوائقُ کانت قبلَ ذاک تَعوقُ
فعَرفُ الوصال یومَ ذاک مُنَشَّرٌ
وَعذبُ المُنی صِرفٌ هناک مَذوقُ
فلم یبقَ للسّاري سُریً في لُبانةٍ
ولا لِطَروقٍ للرِّحالِ طُروقُ
(الشریف المرتضی، 1997م:2/399-402)
فلاحظنا من خلال هذه الأبیات أنّ الشاعر یستخدم الاستبدال القولي، فجاءت في البیتین الأول والثاني لفظة “ذاک” لتکون استبدالاً عن مجموعة من الجمل وهذه اللفظة لیست استبدالاً لکلمة في الأبیات السابقة، بل هي استبدال بمجموعة من جُملٍ تحدّث عنها الشاعر، فاستخدم تقنیة الاستبدال القولي تجنّباً لتکرار الجمل. يستخدم الشاعر هذا النوع من الاستبدال من قبیل
التنویع في المعنى. یمکن تمثیل هذا الاستخدام في البیت الأول بما یأتي:
شکّل وصف الطبیعة محوراً بارزاً في الشعر العربي، وفي الغزل – مثل غیره من الأغراض الشعریة العربیة- نجد هذه العلاقة المتینة بین الشاعر ومظاهر الطبیعة، «بحکم هذه العلاقة الوثیقة بین هولاء الشعراء ومظاهر هذه الطبیعة تبیّن هذا التأثیر فی الغزل العذري متمثّلاً بالطبیعة المتحرکة وتشمل أنواع الحیوانات، والطبیعة الصامتة وتشتمل النباتات والظواهر الکونیة والکواکب والأنواء…الخ من مظاهر طبیعیة صامتة، فکانت استجابة الشاعر العذري لعناصر الطبیعة، تمثل ما یحمله من تصورات معبرة عن إلهامه الذاتي فضلاً عن مشارکتها إیّاه لأوضاعه العاطفیة» (الکناني،2011م:75). وشاعرنا الفنان الشریف المرتضی وظّف الطبیعة في مطلع غزله، حیث قام بوصف البرق وحالاته المختلفة من اللمعان والإضاءة في الأفق، وبذلک قد اتخذ منه وسیلة للتعبیر عن المشابهة والمماثلة بین البرق والحبیبة. فجاء إسم الإشارة “ذاک” في هذا البیت، لیکون بدیلاً عن جمل قد تطرّق إلیها في الأبیات السابقة، فالقاريء لا یفهم هذا المعنی إلا بعد الرجوع إلی السابق والتدقيق في النصّ للحصول علی المستبدَل.
وبهذه الطریقة يسهم الاستبدال في انسجام الشعر ویشارک في اتساقه بشکل بديع لطيف. فنری أنّ الشاعر قد سبک بین هذا البیت وتلک الأبیات الشعریة الطویلة السابقة عن طریق الاستبدال القولي وذلک لإیجاد الترابط النصي بین الأبیات والابتعاد عن التکرار، کما یتیح هذا الأسلوب للقارئ مجالاً واسعاً لإدراک المعاني وأفکار الشاعر دون أن یقع في دائرة التکرار والرتابة، ولکلّ من الاستبدال والتشبیه في هذا البیت أثره في ترسیخ المعنی وقوة التصویر.
ونجد مصداق استعمال اسم الإشارة “ذاک” في البیت الثاني، حیث یقول الشاعر: قد جاءني علی غفلةٍ من الرقباء فلم یعلموا به، وقد تخطّی ما کان یعوق بیني وبینه. استبدل الشاعر عدة الجُمَل (کیفیة اللقاء ووصال الحبیبة بعد الهجر وتلک المسافات المتباعدة التي قدفصلت بینهما) باسم الإشارة (ذاک) في البیت الذي تلاها، وذلک لإیجاد الربط بین الأبیات التي تدور حول المعنی الواحد المراد تصویره دون أن یکرّر هذه الجمل مرّة أخری، بل نراه یختار تقنیة الاستبدال القولي لإبراز المعنی وتصویره تصویراً واضحاً یساعد القارئ لإدراک المعاني إدراکاً عمیقاً، فیمکن التعرض إلی هذا الاستبدال علی الشکل الآتي:
یمثّل الاستبدال القولي بأنماطه المختلفة مصدراً مهمّاً من المصادر التي يستخدمها الشریف المرتضی لتحقيق الترابط والتماسک بین أبیاته الغزلیة العفیفة؛ إذ جاءت لتمثل الاتساق الحقیقي بین مطلع الغزل وخاتمته. فنراه یوظّف جمیع أنماط الاستبدال القولي في شعر واحد، إذ یستخدم لفظة (ذاک) ولفظة (هناک) معاً في البیت الثالث، إذ جاء إسم الإشارة “ذاک” ولفظ “هناک” بدیلَین عن الجملتین (کانت رائحة طیبة لذلک الیوم الذي نعمنا فیه بالوصل، وتحققت لنا فیه أمنیات اللقاء)، فقام الشاعر بتوظیف لفظتَي (ذاک وهناک) دون أن یحتاج إلی إعادة ذکر الجملتین، لکي یتحقق سبکُ النص الشعري وتلاحمه. وهکذا یلعب الاستبدال دوراً هاماً في اتساق النص واختصاره مع مراعاة دلالاته المقصودة. فنبیّن استبدال لفظتَي (ذاک وهناک) بهاتین الجملتین:
وجاء الشاعر بنمط آخر من أنماط الاستبدال القولي، حیث یتم بتوظیف “لا”، فهي «تستخدم بدلاً من قولٍ آخر یسبق القول الأصلي أو یلحقه» (حمادي ووردة قراقریة،2016م: 36). وأخیراً ولیس آخراً نجد مصداق استعمال “لا” في البیت الرابع، حیث یقول الشاعر: بعد اندحار الظلام انقضت حاجة الطارق، ولم یبقَ له سبیل لیعتاد النیام، لانقضاء زمن الإتیان لیلاً. فبدل أن یکرّر الشاعر جملة (ولم یبقَ لطَروقٍ سبیلٌ) مرّة أخری في صدر الشطر الثاني، استبدل هذه الجملة بحرف “لا”، فأراد الاختصار دون إخلالٍ في إیصال مقاصده مادام الشاعر قد ترک الباب مفتوحاً بحذفه الجملة السابقة، فسنحت للقارئ هذه الفرصة لتصوّر هذه الجملة المستبدلة. والشکل الآتي یبیّن حضور المستبدِل والمستبدَل في هذا البیت:
وهذا الاستبدال یزید من تماسک البیت وانسجام الشطرَین وویجعل المفهوم الرئیس للقصیدة متماسکاً ومترابطاً أکثر فأکثر. فهذا الحشد الکثير والکمّ الهائل من الأنماط الاستبدالیة القولیة في قصیدة واحدة کشف النقاب عن توجه الشاعر إلی سبک أبیاته الشعریة والاستبدال القولي کخیط یربط بدایة القصیدة إلی نهایتها ویحقّق التماسک فیها.
هناک نماذج کثیرة لاستخدام الاستبدال القولي وأنماطه في أشعار الشاعر الغزلیة، لکننا نکتفي بهذه النماذج التي أشرنا إلیها سابقاً علی سبیل “القلیل یدلّ علی الکثیر”. فلاحظنا خلال النماذج المذکورة أنّ أنماط الاستبدال القولي لیست للتعویض والابتعاد عن التکرار فحسب، بل إنّها تجعل النص الشعري أکثر حیویة وهذا نتیجةُ علاقة ربطٍ بین أبیاتٍ لا رابطَ بینها في معظم الحالات وهي مزیج من الموضوعات المختلفة، إذ یعمل الاستبدال القولي علی التماسک بین الأبیات المتتالیة من بدایة القصیدة حتی نهایتها ممّا يجعل مقاطعها بناء متراصاً موحداَ منظماً رصيناً لا سبيل للتخلل ولا الخلل إليه.
3-3-2- الاستبدال الفعلي:
وفیه یحلّ فعل محل فعل آخر متقدم علیه، ویمثّله استخدام الفعل “یفعل” (خطابي، 1991م: 20). والمقصود بالاستبدال الفعلي هو أن یتمّ توظیف الفعل “یفعل” أو أحدی اشتقاقاته، فیکون الاستبدال بفعل أو جملة، ولم یذکر النصیون سوی صیغة “یفعل” واشتقاقاتها في الاستبدال الفعلي، مع أنّه یمکن استعمال غیر هذه الصیغة العامة وسیلة للاستبدال، فمثلاً التضمین في الأفعال من الاستبدال، واستعمال أسماء الأفعال من الاستبدال أیضاً، «وإذا سألت شخصاً مثلاً لتقریره: أقابلت فلاناً أمس؟ فأجاب: حدث أو حصل، کان الفعل المذکور في الجواب بدیلاً عن الفعل الوارد في السؤال، فکأنّه قال: قابلته» (أبوکطیفة، 2018م: 99). ویتم الاستبدال الفعلي من خلال النظر وإدراک العلاقة الترابطیة بین بیتین أو أکثر ویوظّف أفعالاً مثل (کان، فعل …). ویتحقق الاستبدال الفعلي في غزل شاعرنا الشریف المرتضی بفضل فعل “کان” و”فعل” المفیدان للتعویض والاستبدال تجنباً إعادة الفعل مرة أخری، ولقد وردت شواهد الاستبدال الفعلي في 11 مرة، من أصل (33) مرة؛ إي بنسبة (33%)، علی نحو ما جاء في قول الشاعر:
فَلم تکُ إلّا عفّةٌ ونزاهةٌ
وإلّا اشتکاءٌ للغرامِ رقیقُ
فإن لَم یَکن ثغرُ الدُّجَی مُتبسِّماً
وَإن لم یکُن هذا الصَّباحُ بعینهِ
فَسَیفُکَ یا أُفقَ الصَّباحِ ذَلوقُ
فَجانبُ شَرقِ الرَّکَبِ فیه حَریقُ
(الشریف المرتضی، 1997م:2/401 و402) .
نجد خلال هذه الأبیات الشعرية أنّ مجموعة من الاستبدالات الفعلیة قد أسهمت في اتساق الأبیات، ومن ثم اتساق القصیدة کلها. فاستبدل الشاعر الجملتین (لم نقترف الإثم والذنوب، لم نتحدث فیه إلا عن لواعج الشوق) بفعل (لم تکُ) في البیت الأول. وهذه الاستراتيجية هي استجابة من الشاعر لکي يجعل شعره متماسکاً منسجماً. فالشاعر یقرّ بأنّ حبّه عفیف طاهر نقي، فقد حقق له حضور الفعل”لم تکُ” احتراساً منه نبّه الشاعر أن لا یجعله قوله هذا في موضع الاتهام باقتراف الإثم، لأنّه عبّر عن اللقاء الذي حدث بینه وبین الحبیبة في لیلة مظلمة علی غفلة من الکاشحین أو الوشاة والرقباء. وکان لابد له من الإتیان بالعفة والنزاهة صراحة لئلا یُثیر کلامه الریبة والشک في نفس القارئ. فالشاعر لا یألو جهداً في توجیه القارئ بأن یستبدل فعل (عدم ارتکاب الذنب) بفعل (لم تکُ)، وإنّ اتخاذ الاستبدال الفعلي في هذا البیت هو ضربُ عصفورَین بحجرٍ لأنّه رغم الأهمیة البالغة في إبراز شخصیة الشاعر العفیفة وتمثیل حبّه الصادق البعید عن مستنقع الإثم، قد یکون دالّاً علی التماسک الشکلي وعلی موضوع القصیدة ومضمونها ویعبّر عن الترابط الشکلي والدلالي معاً في نهایة الإیجاز. فیمکن تمثیل هذا الاستخدام في البیت الأول بما یأتي:
ونجد مصداق استخدام الفعل “لم یکُن” في البیتین الثاني والثالث، حیث یقول الشاعر: إذا لم یخطر في اللیل بارقٌ فیفتّر ثغرُهُ بذاک البریق، وهما بمثابة التبسم، فإنّ للصبح سيفاً لامعاً یقطع ظلمة اللیل، وإذا لم یُزِل فلق الصبح ذلک النوم الخفیف، فإنّ شروق الشمس دعت الرکب للمسیر، وکأنّ حرائق قد اشتعلت بجانبه. فنلحظ أنّ الشاعر قد استبدل الشاعر الفعلین (لم یخطر ولم یُزِل) بالفعل (لم یکُن) في صدر البیتین الثاني والثالث. فیمکن التعرض إلی هذا الاستبدال علی الشکل الآتي:
إنّ المتأمّل في هذین البیتین یجد علاقة بین المستبدل والمستبدل منه. فیشترك اللفظانِ في الدلالة وهذا الاشتراک یُعطي الاستمراریة للبیتین ومن ثمّ یجعل القصیدة کلاً متماسکاً، فالشاعر یختار تقنیة الاستبدال الفعلي للإبانة عن غایته المنشودة، لکن قیمة هذین البیتین لا تکمن في استخدام الاستبدال الفعلي فحسب، بل فقد شبّه الشاعر في البیت الثاني الدجی بالإنسان، فلما حذف الإنسان وجاء بـ “ثغر” کانت استعارة مکنیة مرشحة لأنّه ذکر ما یلائم المشبه به؛ لأنّ الثغر والابتسام من لوازم الإنسان، لا من لوازم الدجی، کما استخدم في الشطر الثاني، الصورة الاستعاریة في “أفق الصبح” إذ شبّهه بالإنسان، فأسهم هذا الاستخدام في تجسیم المعنی وتشخیصه بأن جعل الصبح وهو غیر عاقل في هیئة العاقل علی سبیل التمثیل وناداه مما أسهم في إیضاح المعنی وأثر في البعد النفسي للنص. کما أنّ الشاعر في البیت الثاني کني بـ”الابتسام” عن بزوغ الشمس، وقد وظف شاعرنا الحذّاق الربط بین الأجزاء المکونة للأبیات الشعریة بصورة موحیة وجمیلة حین صوّر اندحار الظلام وشروق الشمس، وهذا الاندماج بین الاستبدال الفعلي من جهة والاستعارة والکنایة من جهة أخری یجعل البیت ذا قیمة فنیة عالیة.
من المعلوم عبر الأبیات الشعرية المذکورة أنّ توظیف الاستبدال الفعلي یعطي النصّ الشعري نوعاً لافتاً للنظر من الاستمرارية التي تجعل الشاعر ینشد أشعاره دون أي صعوبة ولا تعسّرٍ، إذ تتیح هذه التقنية مجالاً أرحب للشاعر في استبدل الفعل بإحدی اشتقاقات “فعل” أو ما یوازیها في الدلالة مما یجعل القصیدة تخرج من قفص الرتابة والتکرار المخلّ ضمن طریقة الصور الشعریة وتطریز الأسلوب. فمن خلالها تم تماسک النص الشعري وربط الکلام ببعضه وتقویة أوصاره.
3-3-3- الاستبدال الاسمي:
ویقصد به استبدال لغوي اسمي بعنصر آخر یحمل المدلول نفسه ، ویمکن أن نعبر بإحدی الکلمات التالیة (واحد- نفس- آخر- ذات) (بوعمامة، 2017م: 76). فإنّ الاستبدال الإسمي يکون باستخدام عناصر لغويّة اسميّة کـ (آخر، نفس و… ) .
يکون الاستبدال الاسميّ أقلّ أنواع الاستبدال حضوراً في غزليات الشاعر ، إذ جاءت أنماطه في ثلاثة مواضع، فعلی الرغم من قلة حضورها، کان لها دور کبیر وفاعل في اتساق الأبیات الشعریة وإنشاء الرابطة بينها. فنجدها في قوله:
فمن مدمعٍ جامدٍ للفراقِ
وآخرَ واهي الکُلَی قاطرِ
) الشریف المرتضی، 1997م:2/85(
فالتقدیر: ومدمع آخر. نلاحظ أنّ الشاعر یرکّز علی لفظ (آخر) کأداة استبدال لغويّ اسميّ تسهم في ترابط النص واتساقه؛ إذ یستبدل الشاعر لفظ (مدمع) في الشطر الأول بلفظ (آخر) في الشطر الثاني، لعدم الوقوع في فخّ تکرار اللفظ أي المدمع.
فإنّننا لا نفهم المعنی المراد من لفظ (آخر) إلا بالرجوع إلی المصراع السابق من البیت. وهذا ما يثير إعجاب القاريء ویسهم في الترابط النصيّ بين أجزاء الشعر.
ویشكو الشاعر غدر الزمان الذي جعل حبیبته تفارقه، ويصف حال الأحباء من جیشان الشعور وفرط البکاء في حالة استعدادهم للرحیل، إذ یقول: وکانت دموعهم إما جامدة في مکان من ألم الفراق، وإما هاطلة من أحشاء ضعیفة. أما الشریف المرتضی فلا یقدم استبداله في صورة بسیطةً، بل یعتمد علی الصورة المجازیة لإبراز المعنی وتصویره تصویراً فعالاً. وفي هذا البیت یعمد الشاعر إلی استخدام المجاز المرسل مع قرینة المحلیة، فأطلق المحلَ (مدمع) وأراد به الحال وهو الدموع، لأنّه لیس بالإمکان أن یکون المدمع جامداً أو هاطلاً من حیث هو مجری الدمع، وإنّما الدموع الجاریة من المدمع هي تکون إما جامداً وإما هاطلاً، وذلک یکون لحثّ القارئ علی التفاعل مع مضمون البیت، فتتیح هذه الصورة المجازیة للقارئ مجالاً واسعاً للتخییل، فالشاعر الفنان لم یکتف بإتیان المجاز المرسل بل يلجأ إلی استخدام الصور الفنیة بواسطة الأضداد . فهو جعل “الجامد” و”القاطر” لتمثیل آلامه وأحزانه بسبب فراق الحبیبة وهجرها، بعد أن یرحلوا. فنری أنّ هذا الاندماج بین الصورتین التعبیریتین (المجاز المرسل والطباق) أضفی علی المعاني رونقاً وبهاءً وجعل المفهوم الرئیس للبیت متماسکاً ومترابطاً أکثر فأکثر. والشکل الآتي یبیّن حضور الاستبدال الاسمي في هذا البیت:
وهناک أداة أخری من أدوات الاستبدال التي توحي بمجيء “نفسي” مستبدلاً لضمیر آخر متقدم علیه:
أ تنسَی إذ لدیک شُجونُ نفـسي
وإذ معک ارتباعي واصطیافي؟
)الشریف المرتضی، 1997م:2/328(
ففي هذا البیت ربطت أداة الاستبدال (نفسي) بین هذا البیت وما سبقه مما أسهم في تماسک القصیدة. فعلي القاريء الرجوع إلی ما سبق من الکلام والنص لکي يملأ الفراغَ الذي يترکه الاستبدال. وفي هذه الأثناء (البحث عن المستبدَل)، جرت عملية الترابط النصيّ وتماسکه. نری الشاعر قد عبّر عن التوحد في الحبیبة، وهذا الوفاء الذي یبدیه الشاعر یعکس صدق مشاعره وإخلاصه في حبّه؛ ولذلک نجده یقرّ بأنّه یحبّ امرأة واحدة یخصّها بأموره ویرتاح إلیها في کل وقت، وقد تقترن أداة الاستفهام (أ) بأداة الاستبدال الاسمي (نفسي) التي أدت إلی الربط بین أجزاء البیت من خلال إضافة معاني جدیدة إلی النص الشعري عن طریق اللوم والتوبیخ، لأنّ الشاعر یشکو من استماع الحبیبة إلی قول الواشین، فإنّه یخاف أنّ الوشاة أو العاذلین یعمدون إلی السعایة والنمامة لإثارة العداوة والبغضاء في نفس حبیبته حتی یغیّروا مشاعرها، فلا بدّ للشاعر من أن یؤکد علی عشقه للحبیبة وإخلاصه في ذلک العشق وثباته علیه، فیختار تقنیة الاستبدال الاسمي ویأتي بـ “نفسي” بدلاً من أن یقول “شجوني ” وذلک للترکیز من خلالها علی سیطرة الحب علیه سیطرة تامة لا یستطیع التخلص منه بین عشیة وضحاها، کما یرکّز علی أنه لا ینبغي للمحبوب الإصغاء إلی أکاذيب الوشاة ودسائسهم ومکایدهم.
فیدلّ توظیف هذا الاستبدال علی هذا الموقف النفسي للشاعر الذي یکون مسیطراً علی القصیدة، ویزید من الوحدة العضویة؛ لأنّ العاطفة لدیه ذات لون واحد، ولکنه قد خرج الاستفهام بـ (أ) هنا إلی دلالة مجازیة تتمثل في النفي واللوم، ویقصد الشاعر من هذا الاندماج بین الاستفهام و الاستبدال، أن یعبر عن شکواه تجاه هذا الوضع.
فالشاعر يدرک خصوصیة هذه الأدوات إدراکاً تامّاً، لهذا، يلجأ إلی توظيف هذه الأدوات واستخدامها في هيئة صورٍ تخدم النص ویحثّ المتلقي علی المتابعة لما یأتي بعد هذا السؤال، وذلک لإیجاد الترابط بین أبیات القصیدة، «فالاستفهام یوفر حریة لإشراک القارئ، وتمکینه من إبداء رأیه-بعد التثبّت- وربّما یتعاطف مع الشاعر المتکلّم، أو یؤیّده في وجهة نظره، وهذا الأسلوب یوفّر حریّة أکثر من غیره من الأسالیب الأخری التي یضیق فیها هامش الحریة المتاح للمتلقي» (الشبلي، 2012م:138). وهذا ما یزید النص سبکاً وتماسکاً. فیمکن التعرض إلی هذا الاستبدال علی الشکل الآتي:
وجاء الشاعر بنمط آخر من أنماط الاستبدال الاسمي، حیث یتم بتوظیف “واحد” في البیت التالي:
وَحَسَبتِ في الشکوی لساناً واحداً
لو لم تکن لي بالشکایة ألسُنُ
)الشریف المرتضی، 1997م:3/ 420 (
ففي هذه الصورة، الشاعر العفیف یعاني من حرقة الحبّ ولکنّه سیبقي عاشقاً یتلذذ بهذا الحبّ السرمديّ، فیکتم شکواه ولا یبوح بها للآخرين، بینما الحبیبة تشکو دائماً. وقد استبدل الشاعر تعبیره عن کثرة شکوی الحبیبة بأداة “واحد”، فکان بإمکانه أن یطیل کلامه بذکر حالات الحبیبة عند الشکوی وعذابها من الحب، ولکنه استبدلها بکلمة وهي کلمة “واحداً”. هنا أسهمت لفظة (واحداً) في اتساق البیت وتماسک القصیدة. فهي تفید التأکید، أي أنّ الحبیبة تکثر من الشکوی في سبیل الحب، کأنّها ذات لسان واحد، وهذا علی سبیل المبالغة، مما یجعل المقصود من البیت أکثر وضوحاً. فیمکن تمثیل الاستبدال الاسمي في هذا البیت بما یأتي:
یدلّ توظیف هذه الاستبدالات الاسمیة في غزل الشریف المرتضی علی رغبة الشاعر في الالتزام بالاستمرارية لنصه الشعري وإیجاد الترابط بین الأبیات والابتعاد عن الرتابة التي تحدث في المقطوعات الشعرية إثر عدم الاکتفاء بالأدوات الاستبدالیة.
ویمکن تلخیص تلک النتائج في المخطط الآتي:
الخاتمة والنتائج:
من خلال دراسة غزل الشريف المرتضی، تبيّن أنّ للاستبدال دوراً هامّاً في تحقّق الترابط النصّيّ. من خلال استقراء غزلیات الشاعر لُوحِظَ أنّ:
– الاستبدال القولي أکثر من الاستبدال الفعلي والاستبدال الإسمي. وبلغ مجموع هذه الأدوات 67 أداةً، بحیث الاستبدال القولي 19 تکرار والنسبة المئویة 58%، وهي نسبة عالية جدّا، کانت توحي بوجود الترابط والانسجام القويّ بين أجزاء هذه الأشعار. وتحتلّ کلمة “ذلک” ساحة ملحوظة من أدوات هذا النوع من الاستبدال، وأيضاً نجد الاستبدال القولي باستخدام حرف “لا”. وبلغ مجموع الاستبدال الفعلي 11 تکرار والنسبة المئویة 33%، ویتم الاستبدال الفعلي من خلال توظیف فعلي “کان” و”فعل” المفیدان للتعویض والاستبدال تجنباً إعادة الفعل مرة أخری. والاستبدال الإسمي 3 تکرارات والنسبة المئویة 9%، وإنّ الاستبدال الاسمي يکون باستخدام عناصر لغويّة اسميّة کآخر ونفس. وبذلک نلخص إلی أن:
– أنواع الاستبدال المتمثلة في الاستبدال القولي والاستبدال الفعلي والاستبدال الاسمي تسهم بشکل کبیر في تماسک غزل الشاعر.
– وهذا التنوع في استخدام أنواع الاستبدال یکشف عن قدرة الاستبدال علی استمراریة القصیدة وسبک الأبیات وتماسکها، إضافة إلی أنّه یجنب تکرار الألفاظ الذي قد یؤثر سلباً علی شعره وإیصال أغراضه المنشودة، وذلک من خلال تعویضها بألفاظ أخری توازیها في الدلالة من دون أن یفقد کلامه فنیته، فقد وجدنا أنّ أشعاره الغزلیة زاخرة بالفنون الشعریة والأدوات الاستبدالیة مما یجعل غزله یتّسم بالحیوية والمرونة ضمن عملية التماسک والتلاحم بین الأجزاء المکونة لأشعاره.
المصادر والمراجع:
الف) المصادر العربیة
أ- الکتب
بخولة، بن الدين (2014م). الاتساق والانسجام النصي، الآليات والروابط، الجزائر: دار التنوير.
بوقرة، نعمان (2009م). المصطلحات الأساسیة في لسانیات النصّ وتحلیل الخطاب دراسة معجمیة، الأردن: عالم الكتب الحدیث.
جاسم، جاسم علی (2018م). أبحاث في علم اللغة النصّي وتحليل الخطاب، بیروت: دارالکتب العلمية.
خطابي، محمد (1991م) لسانيات النصّ (مدخل إلى انسجام الخطاب)، بيروت: المركز الثقافي العربي.
خلیل، إبراهیم (1997م). الأسلوبیة ونظریة النص، بيروت: المؤسسة العربیة للدراسات والنشر
دي بوجراند، روبرت. (1998م). النصّ والخطاب والإجراء (ترجمة تمام حسان). القاهرة: عالم الكتب.
الراجحي، عبده (1986م). النحو العربي والدرس الحدیث بحث في المنهج، بیروت: دار النهضة العربیة.
شبل محمد، عزة (2009م). علم لغة النص النظریة والتطبیق، القاهرة: مکتبة الآداب.
الشبلي، حربي نعیم محمد؛ (2012). الغدیریات في الشعر العربي. نجف، العتبة العلویة المقدسة
عبد المقصود، حسن محمد (2013م) تماسک النص – الأسس والأهداف، مصر: دار السلام.
عزوز، فوزیة (2016م) المقاربة النصیة من تأصیل نظري إلى إجراء تطبیقي، الأردن: دار كنوز المعرفة.
فضل، صلاح (1992م). بلاغة الخطاب وعلم النص، الکویت أغسطس: سلسلة عالم المعرفة.
الفقي، صبحي إبراهیم (2000م) علم اللغة النصّي بین النظریة والتطبیق- دراسة تطبیقیة على السور المكیة، القاهرة: دار قباء.
الکناني، دلال هاشم.(2011). الصورة الشعریة في الغزل العذري. دمشق: دار الحوار.
المرتضی، شریف. (1997 م). دیوان (شرح: محمد ألتونجي). (ج2). بیروت: دار الجیل.
الصبيحي، محمد الأحضر (2008م). مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقه، بيروت: الدار العربية للعلوم
بـ- المقالات
أبوکطیفة، مجیب سعد (2018م) «الاستبدال وأثره في سبک النص عهد الإمام علي علیه السلام إلی مالک الأشتر أنموذجاً»، مجلة الباحث، العدد 27.
صالح بک، مجید وسعید سواري (2019م). «القراءة الدلالیة للموت في الشعر الجاهلي علی ضوء علاقة الاستبدال اللغوي»، الجرجاني مجلة علمیة محکمة متخصصة في تأصیل البلاغة والنقد الأدبي، العدد الثاني، السنة الثانیة. صص1-20.
عامرحسن، عرفة عبدالمقصود، (لاتا). «ظاهرة الاستبدال في نحو الجملة ونحو النص»، مجلة کلیة الدراسات الإسلامیة والعربیة، دبي.
عبابنة، يحي وآمنة صالح الزغبي (2013م). «عناصر الإتساق والإنسجام النصي»، مجلة جامعة دمشق، المجلد 29 العدد 12.
جـ- الرسائل
بوعمامة، بختي(2017م). التماسک النصي في الخطاب الشعري العربي القدیم “لامیة العرب للشَّنفری أنموذجاً”، رسالة الماجستیر، الأستاذ المشرف: سعدالله الزهرة. جامعة وهران1-أحمد بن بلة- : کلیة الآداب واللغات والفنون
حمادي، حسیبة ووردة قراقریة (2016م). التماسک النصي في دیوان “أبي العتاهیة” قصائد مختارة، رسالة الماجستیر، الأستاذ المشرف: جمعة مسعودي. جامعة العربي بن مهیدي أم البواقي: کلیة الآداب واللغات
ب) المصادر الانجلیزیة
Halliday, M, A, K and Hasan, R (1980), Cohesion in English, Great Britian, Longman