
مسعودة الوزكيتية: امرأة وراء عظمة أحمد المنصور السعدي
Masaouda Alwzkitiya: A woman behind the greatness of Ahmed Almansour Alsaadi.
ادريس أقبوش، جامعة ابن طفيل، المغرب
AKABOUCH IDRISS, Université Ibn Tofail, Maroc
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 62 الصفحة 127.
ملخص:
تعتبر دراسة العنصر النسوي بالمغرب من أهم الدراسات التي ما تزال تشكو من نقص كبير في التراكم التاريخي بشكل خاص والتراكم المعرفي بشكل عام، فهو مجال لا يزال بكرا يحتاج إلى دراسات وأبحاث تقدم لمحة عن العنصر النسوي بالمغرب وما قام به من أدوار على مر التاريخ. ومن هنا تأتي أهمية هذه الورقة التي تهدف إلى التعريف بمسعودة الوزكيتية ودورها السياسي في عهد ابنها أحمد المنصور الذهبي، فقد حظيت لرجاحة عقلها بمكانة خاصة شجعتها على القيام بأعمال اجتماعية ساهمت في تنمية وإثراء مجالات مختلفة، ومنها المجال الديني حيث قامت بتحبيس أملاكا عظيمة لصالح المسجد الجامع بمراكش، وأعطت الدليل على فعالية المرأة المغربية وما تمتاز به من حنكة ودهاء. كما كانت القدوة لما يمكن أن تفعله نساء المنطقة كلما أتيحت لهن الفرصة، لأن التربة التي أنبتت شخصية مسعودة الوزكيتية أنبتت شخصيات أخرى وعددهن كثير، لكن دخلن غياهب الصمت، وحكم عليهن التاريخ الرسمي بالإعدام السياسي.
الكلمات المفتاحية: مسعودة الوزكيتية، العنصر النسوي، الحياة السياسية، الحياة الاجتماعية، الحياة الدينية.Abstract:
The study of the feminist component in Morocco is considered to be one of the most important studies that still suffer from a great lack of historical accumulation in particular and knowledge accumulation in general, it is an area that is still fresh and needs studies and research to provide a glimpse into the feminist component in Morocco and its roles throughout history. Hence the importance of this paper, which aims to define Masaouda Alwzkitiya and her political role in the era of her son Ahmed Almansour Aldahbi, her special intelligencet encouraged her to carry out social activites that contributed to the development and enrichment of various fields, including the religious field, where she dedicated more properties for the Great Mosque in Marrakech, she proved the effectiveness of the Moroccan Woman and her skillfulness and cunning as well, as she was the model for other women in the region who can seize the opportunity whenever, because the background where Masaouda grown contributed to the appearance of more great women, who were ignored by the official history.
Key words: Masaouda Alwazkitia, The female component, Political life, Social life, Religious life.
مقدمة:
إن تاريخ المغرب مليء بأعلام وأقطاب وشخصيات بارزة طرحت على الساحة المغربية وخلدت أمجادا في كل نواحي الحياة، وتركت بصماتها الواضحة في شتى الميادين، يفتخر بها التاريخ المغربي والإنسان المغربي، لأنها تنم عن عبقرية فذة ونبوغ ساطع، وتدل بما لا يدع مجالا للشك، عن المشاركة الفعالة في بناء صرح التراث البشري، وفي هذا الصدد يمكن القول بأن المرأة المغربية لعبت دورا بارزا في المجتمع في مختلف مراحل التاريخ، ولكن تاريخها لا زال غير معروفا، وذلك لسببين اثنين: قلة المصادر التي تهتم بدور المرأة وإهمال معظمها لدور المرأة في المجتمع الرجولي، فالاستوغرافية العربية لم تهتم بدور المرأة في تاريخ المغرب، هذا الدور الذي كان حاسما في كثير من المناسبات التاريخية، هذا النقص في الكتابات التاريخية العربية التي تعرضت لتاريخ المغرب ابتداء من القرون 16، 17، 18م، والتي جاء فيها دور المرأة مرتبطا دائما بالأب أو الزوج أو الابن. لقد انتهكت هذه الآراء ماضي المرأة المغربية، وأجحفت ما قامت به من أعمال، مما حثنا وبإصرار على التنقيب في التاريخ الاجتماعي المغربي الحديث والقيام بحفريات علمية لتشخيص الظاهرة الاجتماعية لهذا العنصر الموجود، المنسي، وللكشف عن فعاليته في ميادين الحياة بما فيها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية…
1- تعريف مسعودة الوزكيتية ومميزاتها:
للاطلاع على الصور يرجى تحميل مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 62 .
- تعريفهـا:
الحرة عودة أو مسعودة الوزكيتية هي أم المؤمنين على لسان عبد الهادي التازي([1])، بنت الشيخ الأجل أبي العباس أحمد بن عبد الوزكيتي الورزازتي، وحسب ما ذكره الناصري فهي أمازيغية.
لقد تزوج بها محمد المهدي الملقب بأمغار أي الشيخ وأنجبت ولدا اسمه أحمد المنصور الذهبي. وما نعرف عنها حسب المصادر والمراجع([2])، أنها كانت صالحة وناسكة([3])وقوامة([4]). أما لفظ الحرة فقد تعني المرأة التي تتوفر على حريتها مقابل الأمة وكانت الحرة في الحريم تعني الزوجة الشرعية كما يرتبط هذا اللفظ (الحرة) أيضا ارتباطا وثيقا بمفهوم الشرف والنخبة والفئة العليا، كما يتضمن كذلك معنى المقاومة. وكل هذه المعاني كانت حاضرة في تلك الشخصية، وفيما يخص لفظ عودة فهو مخفف على لسان الأمازيغ.
ولابد أن نشير في هذا النطاق إلى ما ذكره المؤرخون من أن السيدة مسعودة الوزكيتية هذه هي التي صحبت ابنها أحمد وأخاه عبد الملك إلى القسطنطينية العظمى وهي التي أقنعت السلطان سليم بمساعدة الأخوين على تملك المغرب([5])، وقد توفيت ليلة الثلاثاء السابع والعشرين من محرم عام 1000هـ/1591م([6]).
- مميزاتها الشخصية:
- على المستوى الأخلاقي والفكري:
امرأة صالحة حريصة على اقتناء المفاخر وفعل الخير، ومن محاسنها فهي الصالحة الصوامة القوامة الكثيرة الأوراد المشفقة على العباد، والسعي في الخيرات وأعمال البر والإيثار المتسمة بديوان الأولياء، الموفقة بفضل الله لأعمال الصالحين الأتقياء، والمتفضلة على نساء أهل زمانها، لكونها معروفة بسداد النظر وإصابة الرأي([7]). وهذا ما جعل أحمد المنصور يشاورها في كل أموره رغم عظمة ملكه وضخامة قدره فهو أطوع الناس إليها، إذ يأتيها إلى منزلها في كل يوم ويقبل يدها ويفاوضها في أموره ولا ينصرف عنها إلا برضاها تماما، واتفق على هذا كل من خدمها، ودخل منزلها من النساء، وما كلمته قط في مسألة إلا قضاها، ومن هنا يمكن القول بأن برها أعظم من أن أحصيه وأدخله تحت حصر، ولو كانت الأشجار أقلامي ومدادي البحر ولذلك كانت سندا معنويا وأخلاقيا لأحمد المنصور الذهبي([8]). وإذا كان يقال أن الجيش يد السلطان، والدواوين ريشته والشرطة عيناه، والوارث مستقبله، فإن مسعودة الوزكيتية كان لها دور كبير في حماية ظهر السلطان وحل الكثير من مستعصيات الأمور في الخفاء، واستمالة القلوب وتقريب النافرين وإبعاد الخطيرين وكشف المتآمرين، وهذا راجع إلى المعرفة الصائبة في شتى المجالات.
- على مستوى اللباس (قراءة في الصورة):
– الصورة رسما وليس وضعة تستعيد حالة إنسانية مفردة. وهناك فرق كبير بين الرسم والحالة الإنسانية.
– الرسم تحقيق لنماذج تستعيد صورة إيديولوجية عن الشيء الممثل. إن الرسم لا يلتقط المفرد (هذه المرأة هنا والآن أمام العدسة)، بل يرسم صورة تتحقق في خلالها كل النساء المنتميات إلى دائرة ثقافية بعينها، وهو ما يعني أن الأمر يتعلق بتصنيف قائم على أحكام إيديولوجية وثقافية بل عرقية أحيانا.
– الصورة مرتبطة بالمفرد، إن إنتاج الدلالة داخله يعد إلى جزء منه إلى الواقف، إننا نبحث عن المفرد في الصورة، أما النموذج فيأتي به الرسم باعتباره دالة على مجموع الثقافي لا على النسخة المخصوصة.
-استنادا إلى هذه الملاحظات يمكن البحث عن الدلالات الممكنة أو بعضها على الأقل في الصورة. فهي تزخر بدلالات مسكوكة الغاية منها تجسيد رؤيا لنظام الحكم ولطبيعة العلاقات الاجتماعية بما فيها العلاقة بين رجل وامرأة.
1-الوضعة Pose: دالة على موقف يمزج بين إكراهات الوضعة الأمامية حيث تستمد الصورة وجودها من الإمكانية التي توفرها للمشاهد في أن “يتعرف” على الموضوع الممثل في كليتها، ولكنه يستثني العينين، ليمرر خصائص الجانبية حيث تنساب العين على الصورة وتلتقط الأساسي دون أن يأسرها شيء ما، وتلك طبيعة النموذج في كل الحالات: إنه كلي ومطواع ويكشف ومع ذلك يرسم على وجه الصورة مسحة من الحياد.
وهذا ما يبدو من خلال حضور العينين في الصورة. فصاحب الرسم لا يلتقط دلالة بعينها بل يرسم صورة لعينين يتوجهان إلى أفق خرجا مدار العين المشاهدة، إن العين المشاهدة تتأمل وترسم خارطة للحنان أو الشوق أو الإعجاب دون أن ترد العينان المصورتان. إنهما خارج الحكم وداخله في الوقت ذاته، خارجه لأنها لا تقول الاستفزاز والتوسل أو الدعوة إلى المشاركة، ولكنهما داخل الحكم، فالمتفرج يحكم استنادا إلى خصائص يعرفها من قبل: عيون العربية المسلمة لهما الخصائص التالية…إنه حكم بدون أية قيمة موضوعية، ولكنه يندرج ضمن التيمات الاجتماعية التي تبحث عن الهوية في كل شيء.
2-الصورة دالة على الجدية والوقار الذي يستدعيه كل نموذج:
العقيق: وفي هذا العقيق نصادف حضور ملامح أمازيغية بشكل دقيق كما نلاحظ أيضا حضور الفستان من ثوب الحرير وربطه إلى عنق الصدر.
حال الكتفين: زوايا مستقيمة.
حالة اليدين: مضمومتين إلى الصدر تذكير بوضع الصلاة أو بوضع الوقوف أمام سيد أو مسؤول كبير.
وفي الحالتين معا إنهما دالتين على الطاعة والخضوع.
إنها تذكير بوضع المرأة بصفتها كائنا تابعا كما تريد ذلك الإيديولوجية الذكورية.
التسبيح: وهذا يتضمن دلالة دينية دالة على تشبعها بالتعبد.
الوضع الثالث: يشير إلى العقد الذي يزين رأس المرأة وهو مزيج بين:
- أداة زينة تذكر بميل المرأة إلى الذهب والتجمل.
- أداة تصنيف أولي يشير إلى تبعية المرأة باعتبارها موضوعا للزينة المعدة للرجل.
- أداة ضبط سياسي من حيث إحالة العقد على ما يشبه التاج، وهي إحالة على نظم ملكي، يذكر من حيث الاشتغال بتيمة الحريم كما تداولتها كتب الأقدميين، وكما تتحقق حاليا بأشكال أخرى.
- دورها في الحياة الاجتماعية:
إن الحديث عن تلك الشخصية (مسعودة الوزكيتية) وما قامت به من أفعال اجتماعية يتضح لنا بأن أفعال برها لا تحصى ولكن سنقتصر الحديث على البعض منها:
- المسجد الجامع بباب دكالة بمراكش:
يعتبر هذا المسجد من أهم المساجد في العصر السعدي، في كل من مراكش أو فاس على السواء، ومما زاد في أهميته أن أم المنصور أمدته بمكتبة عظيمة، أوقفت عليها جملة وافرة من الكتب العلمية. وتنافس على إهداء هذه الكتب العلمية إلى هذه المكتبة كل من أحمد المنصور، وأبنائه وأحفاده، وجملة من العلماء والمعنيين، ومن المخطوطات الباقية من هذه المكتبة اليوم في المكتبة العامة بمراكش المخطوطات التي تحمل أرقام: 64 و 112 و 136([9]).
- تاريخ بناء المسجد:
لقد تضاربت الروايات حول تاريخ بناء المسجد، فالأفراني يقول بأنه تم تشيد المسجد عام 965/1557م([10])، بينما يذكر نص ابن القاضي (المنتقى) الذي أورده السلاوي تاريخ 995هـ/1586م وهكذا نجد أنفسنا أمام تاريخين مختلفين تفصل بينهما مدة ثلاثين عاما كاملة.
ومن المعروف أن الحرة للامسعودة الوزكيتية أنجبت ولدها أحمد المنصور بفاس سنة 956هـ، وقد ولى الخلافة بعد واقعة وادي المخازن سنة 986هـ وإذا نظرنا الآن إلى تاريخ ولادة المنصور السعدي سنة 956هـ باعتبارها أحد سنوات الحمل بالنسبة للسيدة للامسعودة، فإنه يبدو ظاهر الأمر أن التاريخ الذي أورده الأفراني لتأسيس المسجد يكاد يكون مقبولا على ضوء قصة الحمل والوحم ورغبة الحرة للامسعودة في التكفير عن ذلك بعمل الخير وبناء المسجد الجامع. ومع هذا فإننا لا نقبل الأخذ بتاريخ الأفراني ونفضل التاريخ الذي نقله صاحب الاستقصا لعدة أسباب.
وأول هذه الأسباب التي تجعلنا نستبعد سنة 965هـ باعتبارها غير ملائمة لتأسيس مثل ذلك المسجد الجامع ما رواه المؤرخون من أنه (في سنة 965هـ كان بالمغرب وباء عظيم وفناء الرجال)، وكذلك عدم رواج الفلاحة والاقتصاد وتوفر الصناع المهرة. ومن جهة أخرى فقد واجب علينا النظر في ظروف وأحوال الحرة للامسعودة الاجتماعية والاقتصادية التي تساعدها على مواجهة نفقات بناء مسجد جامع، بالإضافة إلى النظر في ظروف وأحوال ملوك الأشراف السعديين فيما بين سنتي 965هـ-995هـ.
إن تلك الظروف التاريخية ابتداء من 965هـ إلى عام 986هـ توضح لنا أن الحرة للامسعودة الوزكيتية لم يكن لها من الاستقرار بمراكش ولا المال والإمكانيات اللازمة لبناء مسجد جامع على هذا النحو قبل أن يستقر القرار لولدها المنصور السعدي على كرسي الملك سنة 986هـ وتدفق النفائس والأموال عليه.
ولعل تلك الظروف التي ذكرناها تساعدنا على قبول رواية ابن القاضي التي نقلها صاحب الاستقصا بكونها شيدت المسجد الجامع المذكور سنة 995هـ.
- الدوافع التي أدت إلى بناء هذا المسجد:
يورد الناصري قصة طريفة لبنائه إذ يؤكد بأن العامة تزعم أنها بنت المسجد المذكور كفارة لما انتهكته من حرمة رمضان، وذلك أنها دخلت بستانا من بساتين قصورها وهي في حالة الوحم فرأت به خوخا ورمانا فتناولتهما وأكلت منهما في نهار رمضان، ثم ندمت على ما صدر منها، وفعلت أفعالا كثيرة من باب البر رجاء أن يتجاوز الله عنها، ومنها الجامع المذكور ولا زال النساء والصبيان يسجعون بقضيتها إلى الآن فيقولون عودة أكلت رمضان بالخوخ والرمان، في أسجاع غير هذه ولفظ عودة مخفف من مسعودة على طريقة الأمازيغ([11]).
- تخطيط وعمارة المسجد:
هذا المسجد عبارة عن بيت للصلاة يشتمل على ثلاث قبات في البلاطة الوسطى، أحدها وسط البلاطة والأخريات في طرفيها، وكل من بوابات الجامع يحتوي على دهليز تعلوه قبة. وتوجد به عدة أشكال من العقود موزعة بين أنحاء المسجد، وهي تضفي عليه مزيدا من الروعة ويشتمل كذلك على سبع بلاطات وأربعة أساكيب. وصحن المسجد يكاد يكون مربعا (29× 30 مترا)، وتحيط به أروقة يعلو الرواق الداخلي منها قبتان، ويعتبر تعدد القبات تطويرا للتصميم الموحدي، إذ نجد القبات تعلو البوابات أيضا وتبلغ مساحة الفناء (36×38 مترا)([12]). وكسائر الجوامع التي شيدها السعديون فإن جامع باب دكالة خصصت له المؤسسة عدة أوقاف وجهزته بعدد من الخزانات الملحقة فضلا عن الكراسي العلمية.
- أهم الأوقاف التي قامت بتحبيسها عليه:
ارتبط نظام تطور الوقف، أو الحبس كما يدعى بالمغرب، بالتطور السياسي، فالوقف أو الحبس يدر عائدات هامة حينما يكون هناك استقرار سياسي واهتمام بتنظيم إدارة الوقف واستغلاله، ومن هنا يمكن القول بأن موارد الأحباس التي توقف على مساجد المدينة، يجب صرفها بالدرجة الأولى في مصالح المسجد الأعظم، وما ينفق في مصالح المساجد الأخرى حسب ترتيب كثرة من يؤمها من المسلمين([13]). وفي هذا النطاق يمكن الحديث على أن مسعودة الوزكيتية أوقفت على هذا المسجد أوقافا عظيمة، وذلك لوجه الله العظيم ورجاء ثوابه الجسيم، وقامت بتحبيس سبعين حانوتا غير نصف حانوت الواجبة لها في نصفها من القيسارية المشتركة بينها وبين مساكين المارستان المخترعة لها وسط سوق الحضرة المراكشية. وجميع هذه المنافع جعلته حبسا مؤيدا، ووقفا مخلدا، إضافة إلى إمداده بعين الماء لإسباغ الطهور وإرواء الظماء([14]).
وعلاوة عل ما سبق ذكره فلا يكاد يخلو مسجد كبير في أية مدينة مغربية من مكتبة عامة تشتمل زيادة على مصاحف القرآن الكريم على كتب قليلة أو كثيرة من العلوم الدينية واللغوية وغيرها، وتفتح هذه المكتبات في وجه عموم المستفيدين من العلماء والطلبة للقراءة أو المقابلة داخل الحريم المتصل بغرفة الكتب أو في البلاط المتصل بها من المسجد، وذلك في أوقات معينة([15])، وهذا ما دفع مسعودة الوزكيتية إلى تأسيس مكتبة جامع الحرة بمراكش عام 995هـ/1587م، بنتها في قبلة الجامع الذي شيدته بباب دكالة وأوقفت عليها جملة وافرة من الكتب العلمية([16]).
2-2 بناء جسر على وادي أم الربيع:
أم الربيع الذي ينبع من الأطلس المتوسط ويخترق سهول تادلا ودكالة وتامسنا ويصب في المحيط الأطلسي على مقربة من أسوار مدينة أزمور.كان الفيضان الذي يحدث بهذا النهر شتاء يقتضي إنشاء ممرات عائمة على قرب منتفخة يمر عليها السكان من ضفة إلى أخرى. وفي هذا النهر يصطاد سمك “الشابل” الذي يملح ويجفف حيث كان يصدر إلى البرتغال قبل أن يستعيد السعديون أزمور. وهذا ما أدى بها إلى بناء قنطرة على وادي أن الربيع في طريق مراكش، وتدعى قنطرة حواتة، وقد أنجزت سنة 1591م([17]).
2-3 دورها في عملية النفافير:
إذا سمعت “الزواكة” في موعد الإفطار فاعلم أنك في مراكش. وإذا سمعت “النفار” قبيل آذان الفجر فاعلم أنك في مراكش، والحكاية تقول إن صعود النفافرية للمآذن لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور يرجع للعهد السعدي. حيث أم المنصور الذهبي جعلت النفافرية يقومون بالدعوات الصالحة لها ويطلبوا من الله أن يغفر لها بعد أن أفطرت في رمضان عمدا، لذلك نفهم لماذا يقول النفايري “عودة كالت رمضان بالخوخ والرمان اغفر لها يا رحمان”([18]).
في كل رمضان وبعد كل صلاة تراويح في مسجد الكتبية الشهير يعلو صوت الغيطة عاليا ليعزف بها مقاطع روحية ترجع بهواتها إلى عهد السعديين وإلى عهد من فطرت عمدا وأرادت أن يغفر لها الرحمان. وحسب ما قيل فإنها كانت تحبس ما تملكه من ذهبها الخالص لفائدة النفافرية على أساس أن يقوموا بالدعوات الصالحة لها. لذلك فإن النفافري يقول على إيقاعات النفار ما يلي:
عودة كالا رمضان
بالخوخ والرمان
اغفر لها يا رحمان([19]).
خلاصة:
وفي الختام يمكن القول بأنني لم أكن أقصد بسرد هذا التاريخ إلى تشريح جثة فانية بهدف الاستطلاع والاسترواح، ولكنني كنت أرجو من وراء هذه العملية أن أذكر الذين يستفيدون من التجارب بأنه ليس في إمكاننا أن نتجاهل أو نغض الطرف عن الدور البارز للمرأة في بناء الحضارة الإنسانية. فمن خلال ما تجمع لدينا من حقائق اتضح أن مغربيات التاريخ الحديث لم تكن عاجزات أو متهاونات، بل كانت بعضهن في مستوى الأحداث التاريخية، فكشفن عن وعيهن وساهمن مساهمة بارزة في الميدان السياسي والاقتصادي، وما قامت به مسعودة الوزكيتية خير دليل على ذلك، ومن هنا يمكن القول بأن ما بلغته المرأة اليوم وتبلغه في أيامها القادمة يرجع إلى أولئك المتقدمات اللائي على كواهلهن توالت الخطوات وتسلسلت الحلقات.
قائمة المراجع :
- ابن القاضي (أحمد بن محمد بن أبي العافية المكناسي)، المنتقى المقصور على مأتر الخليفة المنصور، تحقيق محمد زروق، الجزء الأول، مكتبة الرباط، 1986.
- الأفراني (محمد الصغير بن الحاج بن عبد الله)، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تقديم وتحقيق عبد اللطيف الشادلي، مطبعة النجاح الجديد، الدار البيضاء، 1988، الطبعة الأولى.
- التازي (عبد الهادي)، المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1992، الطبعة الأولى.
- المقري (أحمد بن محمد)، روضة الأس، العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحاضرتين مراكش وفاس، المطبعة الملكية، الرباط، 1983، الطبعة الثانية.
- الناصري (أبو العباس أحمد بن خالد)، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق الأستاذ جعفر الناصري والأستاذ الناصري، الجزء الخامس، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1955.
- حجي (محمد)، الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، مطبعة فضالة، المحمدية، 1977.
- حركات (إبراهيم)، السياسة والمجتمع في العصر السعدي، دار الرشاد الحديث، الدار البيضاء، 1987.
- علي حسن إبراهيم، أحمد المنصور الذهبي، دار الثقافة، 1987، الطبعة الأولى.
- مدغري رشيدة علوي، شخصيات نسائية عالمة وتمثلاتها بالمغرب والأندلس، معجم أعلام نساء مغربيات.
- www-almarrakchia.net.
[1]– التازي (عبد الهادي)، المرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1992، الطبعة الأولى، ص، 230.
[2]– علي حسن (إبراهيم)، أحمد المنصور الذهبي، دار الثقافة، 1987، الطبعة الأولى، ص، 167.
[3]– ناسكة: المتعبدة الزاهدة.
[4]– القوامة: تكثر من إقامة الصلاة.
[5]– التازي (عبد الهادي)، المرجع السابق، ص، 232.
[6]– علي حسن (إبراهيم)، المرجع السابق، ص، 160.
[7]– المقري (أحمد بن محمد)، روضة الآس، العاطرة الأنفاس في ذكر من لقيته من أعلام الحاضرتين مراكش وفاس، المطبعة الملكية، الرباط، 1983، الطبعة الثانية، ص، 64.
[8]– ابن القاضي (أحمد بن محمد ابن أبي العافية المكناسي)، المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور، تحقيق محمد زروق، الجزء الأول، مكتبة المعارف، الرباط، 1986، ص، 516.
[9]– ابن القاضي (أحمد)، م.س، ص، 257.
[10]– الأفراني (محمد الصغير بن الحاج بن عبد الله)، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي، تقديم وتحقيق عبد اللطيف الشادلي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1988، الطبعة الأولى، ص، 160.
[11]– الناصري (أبو العباس أحمد بن خالد)، الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، تحقيق الأستاذ جعفر الناصري والأستاذ الناصري، الجزء الخامس، دار الكتاب، الدار البيضاء، 1995، ص، 118.
[12]– حركات (إبراهيم)، السياسة والمجتمع في العصر السعدي، دار الرشاد الحديث، الدار البيضاء، 1987، ص، 310.
[13]– نفس المرجع، ص، 193.
[14]– ابن القاضي (أحمد)، م.س، ص، 258-259.
[15]– حجي (محمد)، الحياة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين، مطبعة فضالة، 1977، ص، 184.
[16]– نفس المرجع، ص، 185.
[17]– حركات (إبراهيم)، المرجع السابق، ص، 307.
[18]– www.almarrakchia.net.
[19]-نقلا عن:www.almarrakchia.net..