
مخاطر الإرهاب الدولي وضرورة التعاون الدولي لمكافحته
Risks of International Terrorism & Necessity of
International Cooperation to Combat it
بسام محمد خضور جامعة تشرين باللاذقية – كلية الاقتصاد – قسم الاقتصاد والتخطيط – اختصاص العلاقات الدولية. دمشق
Bessam Med Khadhour (Syria)
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 25 الصفحة 63.
Abstract:
International terrorism is one of the most serious phenomena facing the international community because of its negative effects on individuals and societies, which requires concerted international efforts to combat it and combat its means of financing.
The study shows the importance of international cooperation in this field, as its positive impact on the elimination of all protection of terrorism, which in turn contributes to the maintenance of international peace and security.
The study aims to identify the characteristics of international terrorism, clarify the effects of terrorism on the State and individuals, and explain the measures and policies adopted by States in the fight against terrorism and clarify the benefits of international cooperation in the fight against terrorism.
keywords: International Terrorism; International Cooperation; Terrorism Combat; International Community; International Agreements; Sources of Criminalizing Terrorism; Geneva Convention for the Prevention and Punishment of Terrorism of 1937; European Convention on the Suppression of Terrorism of 1977.
1- ملخص:
يعتبر الإرهاب الدولي من أخطر الظواهر التي تواجه المجتمع الدولي لما يتركه من آثار سلبية على الأفراد والمجتمعات الأمر الذي يتطلب ضرورة تضافر الجهود الدولية لمحاربته ومكافحة سبل تمويله.
تظهر الدراسة أهمية التعاون الدولي في هذا المجال، لما يتركه من أثر إيجابي في القضاء على كافة مظاهر الإرهاب الأمر الذي يساهم بدوره في صيانة السلم والأمن الدوليين.
الكلمات المفتاحية: الإرهاب الدولي- التعاون الدولي- مكافحة الإرهاب – المجتمع الدولي- الاتفاقيات الدولية- مصادر تجريم الإرهاب. اتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الأعمال الإرهابية 1937 – الاتفاقية الأوروبية لقمع الإرهاب 1977.
2- مقدمة:
يمرّ العالم في المرحلة الراهنة بتطور الأساليب المستخدمة من قبل الإرهاب ومريديه، حتّى بات هذا الموضوع المشكلة الأولى بين كل المشكلات الأمنية التي تتصف بها الظروف العالمية اليوم، فالإرهاب يمارس نشاطه في العادة بعيداً عن القنوات الشرعية المعترف بها، ولأن القائمين بالأعمال الإرهابية يخشون أساساً من التعرف عليهم لذلك أصبح عملهم يأخذ طابع السريّة الشديدة وتوجه ضرباتهم إلى مواقع غير متوقعة، ولأنهم لا يستطيعوا غالباً مواجهة السلطات القائمة بسبب ما تملكه من قدرات عسكرية وأمنية منتظمة، فإن المدنيين الذين لا حول لهم هم الجهة المستهدفة من الإرهابيين الذين يسعون لإشاعة الذعر وزعزعة الاستقرار في المجتمع وهزّ السلطة القائمة في الدولة[1].
فتطور ظاهرة الإرهاب وتوسعها لم تمكن المجتمع الدولي من وضع تعريف موحد للظاهرة الإرهابية وهو ما يصعّب من عملية محاربته، فمصطلح الإرهاب يتسم بالغموض ويفتقر إلى اليقين، وبالرغم من أن الظاهرة ككل ليست حديثة بل عانت منها المجتمعات القديمة ولو بصورة مختلفة على ما هو عليه حالياً إلا أنه هنالك أحداث ساهمت في تغيير تاريخ الإرهاب ونظرة العالم إليه منها أحداث 11 سبتمبر 2001[2].
فحتى ولو لم تكن هجمات 11 سبتمبر سابقة من نوعها في العالم فيما يخص الأعمال الإرهابية إلا أنها قد غيرت من نظرة العالم للظاهرة الإرهابية، الأمر الذي دفع بالدول الكبرى وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية بإعلان الحرب على الإرهاب، وتتمثل هذه السياسة في التصدي لأي عمل إرهابي والوقوف في وجه أي دولة تدعم الأعمال الإرهابية بمختلف الطرق (حملات عسكرية، اقتصادية، إعلانية …..).
والمنطقة العربية هي الأخرى لم تكن بعيدة عن مسرح الأحداث الدولية، حيث عانت من هذه الظاهرة منذ العصور القديمة، ورغبةً منها في تغيير هذا الوضع، سعت كغيرها من الدول الكبرى التي ساهمت في محاربة هذه الظاهرة إلى توحيد جهودها، وعززت التعاون فيما بينها، فكانت بداية هذا التعاون عام 1983، حيث قامت الدول العربية بوضع استراتيجية أمنية عربية عن طريق مجلس وزراء الداخلية العرب والتي تلتها مجموعة من القرارات والمشاريع بالإضافة إلى الاستراتيجيات التي كانت منصبة دائماً في دائرة محاربة الإرهاب، وقد توجت هذه الجهود في النهاية بإبرام الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998 والتي كانت تهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول العربية لمكافحة الإرهاب[3].
3- مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في التساؤل الرئيس المتعلق بكيفية مواجهة الإرهاب الدولي من قبل المجتمع الدولي بعد تزايد جرائمه وانتشارها في شتى أنحاء العالم خاصةً وأن الأمر أصبح يتطلب تعاون دولي لمكافحة تمويله وهذا بدوره يحتاج إيجاد موقف موحد أو على الأقل توحيد الجهود لمواجهة هذه الظاهرة أو الحد منها.
4- أهمية البحث:
تكمن أهمية البحث في ناحيتين:
1- إلقاء الضوء على ما تحقق من جهود في إطار مكافحة الإرهاب الدولي.
2- إبراز أهمية التعاون الدولي في إطار مكافحة دعم وتمويل الإرهاب.
5- أهداف البحث:
1- بيان سمات الإرهاب الدولي.
2- إيضاح الآثار التي يخلفها الإرهاب على الدولة والأفراد.
3- بيان الإجراءات والسياسات التي تتبعها الدول في مكافحة الإرهاب.
4- إيضاح الفوائد التي يحققها التعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب.
6- منهج البحث:
سيتم اتباع المنهج الوصفي التحليلي في تحليل ظاهرة الإرهاب من وجهة النظر الدولية، كما سيتم اتباع المنهج التاريخي للوقوف على بعض الأحداث التاريخية التي أسهمت في تنامي ظاهرة الإرهاب الدولي وتطورها.
7- المناقشة:
أولاً: مفهوم الإرهاب الدولي:
يشير الواقع إلى أن خطورة الإرهاب لا تقاس بعدد الضحايا أو بعدد مرتكبي جرائم الإرهاب، بل تقاس بقدرة الإرهاب على نشر الخطر، فكل عمل إرهابي يحدث في أي مكان في العالم يولد إحساساً بالخوف والقلق لدى الإنسان، ليس على مستوى مواطني الدولة التي وقع فيها هذا العمل الإرهابي فحسب وإنما على مستوى العالم كله، وذلك لأن الإرهاب غير محدود بمواقع أرضية معينة أو أشخاص بذواتهم[4].
وأصبح الحديث عن ظاهرة الإرهاب يرتبط بشكل مباشر بحياة الإنسان، فالإنسان لا يتنصل عن قيم الخير التي اكتسبها بالفطرة إلا عندما يصبح في ظروف غير طبيعية تجعله يتجه لممارسة أفعال الشر نتيجة فقدانه مناهج الحياة السياسية والنفسية والاقتصادية ، فهو لا يثور على واقعه سعياً إلى تغييره إلا بعد أن يعاني صراعاً في عالمه الداخلي الناجم عن الواقع المضطرب، وهذا يعني أن الإرهاب يمثل حالة انعكاس لواقع يشكو الانفصال بين قيم الخير والشر وبين الاستواء والانحراف في الذات الفردية والجماعية، وبات تحديد ماهية الإرهاب يشير إلى عملية شائكة وصعبة لصدورها عن أسس نفسية وتابعة لذات فاعلها، لذلك لم يكن من السهل حصول اتفاق بين الأفراد والجماعات على تحديد حقيقة الأفراد، وهي حالة بديهية وذلك لاختلاف الأفراد في فهمهم للأشياء وتفسيرها من ناحية وتبعاً لأنظمة المجتمعات وقوانينها من ناحية أخرى وهذا ما جعل تحديد الإرهاب يشكو الاتفاق الدقيق[5].
ثانياً: دوافع الإرهاب الدولي:
تتعدد تتباين الدوافع والأسباب الكامنة لتصاعد الأعمال الإرهابية خاصة في المجال الدولي والذي أصبح فيه أسلوب الإرهاب يتطور دوماً لإحداث مزيد من العنف وزعزعة الاستقرار وإثارة جو من عدم الاطمئنان وتختلف الدوافع في كل عمل إرهابي عن غيره فترى الباعث غالباً سياسياً وقد يكون إعلامياً أو اقتصادياً، وقد يرتكب العمل الإرهابي ولا تعرف دوافعه بسب وفاة مرتكبه أو لعدم توصل السلطات لحقيقة وأسباب العملية الإرهابية[6].
ثالثاً: أركان الإرهاب الدولي:
إن أركان الإرهاب الدولي هي كما يلي[7]:
1- الركن المادي:
يتكون الركن المادي لجريمة الإرهاب الدولي من أي عمل من أعمال العنف الموجه إلى شخص أو مجموعة من الأشخاص أو الرهائن أو المنشآت أو الممتلكات وينجم عن هذا العنف تخويف أو ترويع للمواطنين أو السلطات مثل أفعال تفجير المنشآت العامة أو تدميرها.
2- الركن المعنوي:
يتوافر الركن المعنوي في جريمة الإرهاب الدولي متى توافر لدى القائم بالعمل الإرهابي قصد العنف للتخويف والإرهاب للمستهدفين من تلك الأفعال الإرهابية فتعد الأعمال الإرهابية كما لو كانت رسالة موجهة أو نوعاً من الدعاية لنشر حالة الرعب مستخدمين في ذلك الهدف الذي من أجله وجهت الأعمال الإرهابية.
3- الركن الدولي:
يشترط لاستكمال أركان جريمة الإرهاب الدولي أن تكون أفعال العنف المستخدمة في العملية الإرهابية قد تمت بناءً على خطة مرسومة من قبل دولة ضد دولة أخرى أو على الأقل بتشجيع من دولة ما أو بناءً على رضاها أو دعمها أو موافقتها فالجاني هنا يعمل باسم الدولة ولحسابها ولا يشترط فيه أن يكون حاملاً لجنسيتها.
رابعاً: الآثار التي يخلفها الإرهاب على الدولة والأفراد:
ينتج عن الأعمال الإرهابية آثار سلبية تمس بأمن الدولة واستقرارها، فمن جهة فهي تضرب سياسة الدولة الداخلية والخارجية، ومن جهة أخرى فهي تعرقل حياة الإفراد.
وهذا ما سنتطرق إليه ضمن العناصر التالية:
1- على الدولة:
يعتبر الإرهاب من أهم الأسباب التي تهدد أمن واستقرار الدولة فتطور وتقدم أي بلد يرتكز على أمنه الداخلي، وللإرهاب أخطار على المستوى الدولي في كلا الجانين المادي والبشري.
يؤثر الإرهاب على الدولة من عدة جوانب، فمن الجانب السياسي فإنه يؤثر في العلاقات السياسية بين الدول حيث أن الدولة التي ستتعرض لعمل إرهابي حتماً ستحقد على الدولة التي ينتمي إليها مرتكبي تلك الجريمة الإرهابية، ومثال على ذلك: الموقف المتخذ من طرف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية تجاه العالم العربي الإسلامي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، الذي اتسم بالعداء والنفور باعتبار أن معظم مرتكبي ذلك العمل الإجرامي من العرب والمسلمين.
كما أن للإرهاب أثر اجتماعي على الدولة، فازدهار أي دولة مرتبط بشكل وثيق باستقرارها الداخلي والخارجي من خلال تماسك مختلف الفصائل والمذاهب الموجودة في تلك الدولة، وذلك لأن الإرهاب يسعى إلى إحداث الفتن بين هذه الطوائف.
كما أن الآثار الاقتصادية والتنموية لا تقل خطورة عن الآثار السياسية والاجتماعية فالإرهاب يمس بصفة مباشرة استقرار الدولة وأمن مواطنيها ما يسبب عرقلة الاقتصاد الوطني ، إضافةً إلى ذلك فإن ضخ أموال زائدة للتصدي ومكافحة الإرهاب يؤثر على ميزانية الدولة، ضف إليه أن الدولة تصرف أموالاً زائدة لإعادة إعمار ما أسفرت عنه العمليات الإرهابية من خسائر، والدولة التي تتعرض لهجمات إرهابية تجد صعوبة في استقطاب الاستثمار الأجنبي نظراً لخوف المستثمرين الأجانب من ضخ أموالهم في هذه الدولة غير المستقرة الأوضاع ، وتعتبر الدول المعتمدة على السياحة في زيادة دخلها القومي المتضرر الأكبر من الإرهاب، حيث أن الأمن هو المطلب الأول لأي سائح.
2- على الأفراد:
يهدد الإرهاب أمن واستقرار الأفراد سواء على أرواحهم أو على ممتلكاتهم، ويعتبر العنصر البشري من أخطر العناصر التي يهددها الإرهاب باعتبار أنه لا يعوض.
فالأعمال الإرهابية تحدث آثاراً مؤلمة على الإنسان، حيث تنتهك حقوقه بأبشع الطرق من خلال حرمانه من حقوقه الأساسية، كالحق في الحياة والأمن والعيش في سلام لما تلحق من آلام ومعاناة وسفك لدماء الأبرياء، وتزايد الإرهاب وانتشار أعماله الإرهابية أدى إلى اغتصاب الكثير من حقوق الإنسان الأساسية التي ضمنتها الأديان والأعراف على مر الأزمنة، وكذلك ضمنتها المواثيق الدولية من خلال الشرعية الدولية لحقوق الإنسان ونخص بالذكر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948. والذي جاء لحماية حقوق الأفراد إذ تنص المادة 3 منه على أنه: “لكل فرد الحق في الحياة والحرية والسلامة الشخصية”، أما المادة 5 فهي تحمي الإنسان من مختلف الاعتداءات البدنية والمعنوية وذلك بنصها: “لا يعرض أي إنسان للتعذيب أو للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة”، كما لم يغفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، عن حماية حرية الإنسان وهذا من خلال نص المادة 9 منه: “لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفيا”.
خامساً: التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب:
لم يعد الإرهاب يمثل ظاهرة تستهدف دولة معينة دون غيرها، أو مجموعة عرقية أو اثنية أو سياسية بعينها، بل تبين أن الإرهاب مشكلة ذات حساسية هدفها النظام الدولي بأكمله، لذلك لا يمكن فهم هذه الظاهرة أو التعامل معها استناداً إلى إفرازات العوامل الداخلية (المحلية) في الأساس، وإنما انعكاس لوضع دولي يرتبط بأطراف، وشبكات، ومصالح مختلفة تمثل تهديداً قائماً أو محتملاً لمعظم دول العالم، وبدأت هذه الرؤية تثبت صحتها وجديتها، إذ توالت الأعمال الإرهابية في مناطق عديدة في أرجاء العالم مما أدى إلى تنامي الشعور لدى جميع أطراف المجتمع الدولي بأنها ليست خارج دائرة أعمال الإرهاب، وبأنها ليست بمأمن منها كما كانت تظن أو تأمل، وبذلك أصبح المجتمع الدولي واعياً تماماً ومدركاً لخطورة وسرعة انتشار الظاهرة الإرهابية.
لذلك بذلت العديد من الجهود الدولية في محاولة الحد من انتشار ظاهرة الإرهاب ومحاصرتها حصاراً محكماً بما يؤدي إلى القضاء عليها فيما بعد، ولم تكن هذه الجهود تدور في فراغ، وإنما كان هدفها التأثير في البيئة المحيطة والأطراف الأخرى بكل ما تحمله من عناصر القوة أو الضعف، وهي تستلزم حشد وتوظيف موارد القوة اللازمة، وهو أمر لا يتوافر لأية دولة بشكل مطلق، وفي جميع اللحظات؛ وذلك لما لكل دولة من مشكلات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، تعاني منها بدرجات متفاوتة سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى الخارجي.
ورغم كافة الجهود الدولية المبذولة في هذا المجال لإيجاد الحلول القانونية الساعية لتوفير قدر من الاتساق بين النظم القانونية المختلفة، وتقليل فجوة التعارض والتفاوت بينها، وابتكار صيغ إجرائية لمواجهة الصعوبات الناشئة عن التطبيق، فإن هذه الجهود الدولية والتي تمثلت في الاتفاقيات الدولية والإقليمية، ونماذج الاتفاقيات الصادرة عن المؤتمرات التخصصية التي تقام لمنع الجريمة من قبل الأمم المتحدة، لم تسفر عن تطبيق مجال أعمال السلطات التقديرية للدول، وهي تلك الأعمال التي تحرص الدول على الإبقاء عليها في مثل تلك الاتفاقيات، إلى جانب خلو أغلب الاتفاقيات من وسائل مواجهة أو مراجعة الدول الرافضة أو المتقاعسة، وغياب الآليات المركزية التي تمنح القرارات مقتضيات التنفيذ، إذ يصطدم ذلك بطبيعة الحال بالمبادئ المستقرة قانوناً بشأن سيادة الدول على أراضيها، والاعتبارات السياسية التي ما زالت تحول دون وصول القانون الدولي بعد لأحكام واضحة حول نظام مسؤولية الدولة، باعتباره شخصاً من أشخاص القانون الدولي في هذا السياق.
ويمثل التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب أحد صنوف التعاون بين الدول في علاقاتها الخارجية، ويقصد به تبادل العون والمساعدة وتضافر الجهود المشتركة، لتحقيق نفع أو خدمة جماعية، وفي مجال التصدي لمخاطر وتهديدات الإجرام وما يرتبط به من مجالات أخرى كمجال العدالة الجنائية، ومجال الأمن، أو تنظيم مشكلات الحدود والسيادة التي قد تعترض الجهود الوطنية لملاحقة المجرمين، وتعاقب مصادر التهديد، ويمكن أن تكون هذه المساعدة على مستويات قضائية أو تشريعية أو شرطية، وقد تكون موضوعية أو إجرائية، وقد تقتصر على جهود دولتين فقط أو تمتد إقليمياً أو عالمياً[8].
وهناك مبررات قوية للتعاون الدولي الأمني من أجل التصدي للمنظمات الإرهابية، وذلك بسبب ازدياد قوة هذه المنظمات وتنوعها، بحيث أصبحت تدير أنشطتها الاجرامية في مناطق مختلفة من العالم. ونظراً لما تتمتع به هذه المنظمات من حركة عالمية وقدرة على استغلال التجارة المشروعة من أجل التستر ورائها، واستخدام النظام المصرفي العالمي لتكديس العائدات المتأتية من جرائمها ونقلها وغسلها، فسيكون من الصعب جداً على أية دولة بمفردها، ومهما كانت الوسائل والموارد المتوفرة لديها، أن تتصدى بشكل كاف للإرهاب دون أن تعتمد على شكل من أشكال التعاون الدولي[9].
وقد أدركت دول العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أن إلحاق أفدح الخسائر بأي طرف دولي لا يستلزم بالضرورة المواجهة العسكرية المباشرة أو توفير آلة حربية متطورة أو قدرة اقتصادية قادرة على تغطية نفقات الحرب التقليدية، لذا قامت الدول ومنذ عام (1919) بتكليف لجنة من فقهاء القانون لدراسة المشكلات المتعلقة بمسؤولية مجرمي الحرب، إذ أدرجت هذه اللجنة الإرهاب المنظم في المرتبة الثانية في قائمة جرائم الحرب التي ضمت (32) جريمة، وأوصت اللجنة بالإسراع في تجريمها لا سيما في الحالات التي تزداد فيها حوادث القتل والذبح، وعقد في عام (1926) في العاصمة البلجيكية (بروكسل) أول مؤتمر قانوني حول الإرهاب تحت شعار “اعتماد إجراءات تشريعية مشتركة”، تلاه مؤتمر توحيد القانون الجنائي في (وارسو) عام (1927)، الذي لم يشر لمصطلح الإرهاب لعدم شيوع استعماله آنذاك، لكن أغلب أعماله تضمنت دراسة الأفعال المرتكبة في الخارج والتي تنطوي على استعمال غير محدد للعنف واستعمال وسائل من شأنها إحداث خطر عام[10].
وعليه فقد بات التعاون الدولي في مواجهة الإرهاب يعكس السياسة العامة التي تتفق مع الظروف والمتغيرات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية للدول، أعضاء الجماعة الدولية، وصولاً إلى التكامل الدولي الأمني الهادف إلى مكافحة الجريمة في شتى أشكالها وكافة مجالاتها، للحفاظ على الأمن الدولي، وأمن ومؤسسات وهيئات الدول أعضاء الجماعة الدولية، وتبادل الخبرات والمعلومات الأمنية.
سادساً: المردودات الإيجابية المترتبة على تحقيق التعاون الدولي الأمني:
لقد أدت متطلبات مكافحة الإجرام المنظم في أوروبا إلى تطوير غير مسبوق في أساليب التعاون الأمني الدولي، كما أوجدت نماذج من التعاون الأمني الدولي كانت مجهولة من قبل، وأعني بذلك أوجه التعاون في مجال إقامة وتنفيذ مشروعات مشتركة، علاوة على الشرطة الفيدرالية، وفي ضوء الجهود الدولية الأمنية في مجال مكافحة الإرهاب المنظم، يمكن أن يحقق التعاون الدولي الأمني على الساحات المختلفة عدة أهداف رئيسية تمثل في حقيقتها أوجهاً للتعاون، وتزيد من قدر الحرص على ضرورة الوصول إليه، ويمكن القول أن تلك الأهداف تمثل في حقيقتها غايات تسعى كافة المؤسسات الأمنية إلى ضرورة تحقيقها بغض النظر عن قدرة كفاءتها، ذلك أن الأداء الأمني يعتمد في انطلاقه دائماً على مزيد من تحقيق هذا التعاون، وصولاً إلى أهداف لا يمكن إطلاقاً إدراكها دون تعميق جسور التعاون بين المؤسسات الأمنية المختلفة[11].
ويمكن حصر أهم تلك الأهداف فيما يلي[12]:
1-التنسيق بين المؤسسات الأمنية بآلياتها المختلفة في الساحات الأمنية الإقليمية والدولية، بما يحقق في النهاية حصر معدلات الجريمة ويحول دون استفحالها.
2- استكمال أي نقص في المعلومات الأمنية، وذلك بالتعاون لتجميع عناصر تلك المعلومات ليتكامل بها في النهاية كشف أبعاد الجرائم وخطط الإعداد لإتمام ارتكابها.
3- إتاحة الفرصة للتعرف على التجارب الأمنية الدولية في المؤسسات الأمنية الخارجية، بشكل يسهل من إمكان نقل إيجابيات تلك التجارب والحيلولة دون تكرار سلبياتها، وذلك بالبدء دائماً مما انتهت إليه وحققته من نتائج أمنية رائدة.
4- إمكان نقل الخبرات الأمنية وذلك بإتاحة الفرصة أيضاً للخبراء في المجالات المختلفة بالاستعانة بمعارفهم في إثراء العمل الأمني وتطويره الدائم.
5- وضع الأسس العلمية لإجراء الدراسات والبحوث المشتركة بين المؤسسات الأمنية ومراكز البحث العلمي الأمني، تطويراً للعمل الأمني وإثراءً لمردوداته عل الساحات المختلفة.
سابعاً: أمثلة عن مصادر تجريم الإرهاب على المستوى الدولي:
اهتمت الدول بالإرهاب الدولي وسارعت إلى إبرام العديد من الاتفاقيات الدولية لمنع ومعاقبة الأعمال الإرهابية الموجهة ضد الدولة، وأهم هذه الاتفاقيات[13]:
1- اتفاقية جنيف لمنع ومعاقبة الأعمال الإرهابية 1937:
عقد مؤتمر دولي في مدينة جنيف بسويسرا خلال الفترة من 1-16 نوفمبر 1937 بهدف التوصل لاتفاقية دولية لمكافحة الإرهاب الدولي، وقد بحث المؤتمر المشروعات المقدمة وتوصل في النهاية إلى اتفاقيتين الأولى لمنع ومعاقبة الإرهاب الدولي.
جاء تعريف الإرهاب الدولي في الفقرة الثانية من المادة الأولى من الاتفاقية حيث نصت على أنه يراد بعبارة أعمال الإرهاب الأفعال الجنائية الموجهة ضد الدولة ويكون القصد منها أو يكون من شأنها إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات معينة أو جماعات من الناس أو لدى الجمهور.
وقد حددت المادة الثانية من هذه الاتفاقية الأعمال التي تعد من قبيل الأعمال الإرهابية وأوردتها على سبيل المثال لا الحصر.
وقد ألقت الاتفاقية على عاتق الدول الأعضاء فيها التزاماً بتجريم تلك الأفعال إذا وقعت على إقليمها وكانت موجهة ضد دولة من الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية علاوةً على التزام الدول بتضمين تشريعاتها الوطنية تأثيم لتلك الأفعال الإرهابية كذلك إلزامها بتجريم بعض الأفعال التي تقع على إقليمها وتكون ذات صلة بالأعمال الإرهابية.
2-الاتفاقية الدولية لقمع الإرهاب 1977:
تعد من أبرز الاتفاقيات التي تصدت لجرائم الإرهاب الدولي حيث شارك فيها جميع الأعضاء في مجلس التعاون الأوروبي وقد صدقت جميع هذه الدول على الاتفاقية دون أي تحفظات.
وتهدف الاتفاقية إلى المساهمة في قمع أعمال الإرهاب السياسي ذات الطابع الدولي عندما تشكل اعتداء على الحقوق والحريات الأساسية للأشخاص وقد تضمنت الاتفاقية ذات المبادئ التي سبق وأن أوصى بها قرار لجنة الوزراء في المجلس الأوروبي في 24 يناير 1974 بقرار أدان به الإرهاب الدولي وأكد على ضرورة تسليم مرتكبي الأفعال الإرهابية إلى الدول صاحبة الشأن.
ومن أبرز ما تتميز به هذه الاتفاقية كونها قد عددت مجموعة من الجرائم التي تعتبر بمثابة جرائم إرهابية تلزم الدولة المطالبة بالتسليم.
8- الاستنتاجات:
1 – موضوع التعاون الدولي هو تبادل المساعدة والمنافع المشتركة، بين سلطات أكثر من دولة، وغرضه التصدي للجرائم التي تتعدى حدود الدولة الواحدة بما يكفل تحقيق الأمن والعدالة للأفراد والدول.
2 – للتعاون الدولي وسائل متعددة منها تبادل المعلومات وتبادل الخبرات والمساعدة التقنية وغيرها من الأشكال.
3 – للتعاون الدولي دور عظيم لا يقدر بثمن كونه يحول دون وقوع جرائم إرهابية، وكونه يساهم في كشف خفايا الكثير من الجرائم الإرهابية التي يبرع مرتكبوها في إخفاء آثار قد تدل عليها.
9- التوصيات:
1-يجب أن لا تقتصر مكافحة الإرهاب على تبادل المعلومات، بل إن التدريب وتبادل الخبرات والمساعدة التقنية لا تقل أهمية عن تبادل المعلومات لذلك يجب على المجتمع الدولي أن يولي عناصر التدريب والمساعدة التقنية أهمية كبيرة.
2- يجب أن تبذل كل دولة ما لديها من جهود وإمكانيات لمكافحة الإرهاب لأن مكافحة الإرهاب ليست مهمة دولة واحدة دون غيرها من الدول، بل إنها تحتاج إلى تضافر جهود المجتمع الدولي بأكمله.
3- يجب أن ينجح المجتمع الدولي في إصدار اتفاقية دولية فعالة لمكافحة الإرهاب، وأن تنشأ آلية دولية لمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي من الجوانب الفنية المتعلقة بتبادل المعلومات، وملاحقة الإرهابيين، والاتفاق على قواعد تسليمهم ومحاكمتهم طبقاً لقواعد القانون الدولي التي تسفر الاتفاقية عن إعمالها في هذا الشأن.
قائمة المراجع
المراجع باللغة العربية:
- شاكر أجريد الخوالدة, دور المملكة الأردنية الهاشمية في مكافحة الإرهاب الدولي وفق قرارات الأمم المتحدة, ماجستير, قسم العلوم السياسية كلية الآداب والعلوم, جامعة الشرق الأوسط, الأردن , 2015.
- أحمد إبراهيم مصطفى سليمان، حتمية التعاون الدولي الأمني لمواجهة الإرهاب المنظم والمردودات الإيجابية, مركز الإعلام الأمني, الأكاديمية الملكية للشرطة, القاهرة, 2009.
- أحمد إبراهيم مصطفى سليمان، الإرهاب والجريمة المنظمة- التجريم وسبل المواجهة, دار الطلائع, القاهرة, 2006.
- خالد السيد، الإرهاب الدولي والجهود المبذولة لمكافحته, مركز الإعلام الأمني, البحرين, 2014,
- عمر حسن عدس، آفاق التعاون الأمني الدولي- روافد لانطلاق الأداء الأمني, مجلة مركز بحوث الشرطة, أكاديمية الشرطة, القاهرة, 1997.
- شرشور ليدية، إقجطال محند، التعاون العربي في مكافحة جريمة الإرهاب, قسم القانون العام, كلية الحقوق والعلوم السياسية, جامعة عبد الرحمن ميرة, الجزائر, 2017.
- هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية, دار الكتب العمية, بيروت, 2005.
- أمير فرج يوسف، مكافحة الإرهاب, مكتبة الوفاء القانونية, الإسكندرية, 2011.
المراجع باللغة الإنكليزية:
- Droit Glaser,International penal conventional,Bruxells, 1970.
- Anderson Malcom, Policing the World- Interpol and the
- Politics of International Police Cooperation, Oxford ClarendonPress, 1989.
.
[1]شاكر أجريد الخوالدة, دور المملكة الأردنية الهاشمية في مكافحة الإرهاب الدولي وفق قرارات الأمم المتحدة, ماجستير, قسم العلوم السياسية كلية الآداب والعلوم, جامعة الشرق الأوسط, الأردن , 2015, ص8.
[2]شرشور ليدية، إقجط المحند، التعاون العربي في مكافحة جريمة الإرهاب, ماجستير, قسم القانون العام, كلية الحقوق والعلوم السياسية, جامعة عبدالرحمن ميرة, الجزائر, 2017, ص 7.
[3]أمير فرج يوسف، مكافحة الإرهاب, مكتبة الوفاء القانونية, الإسكندرية, 2011, ص3.
[4]أحمد إبراهيم مصطفى سليمان، الإرهاب والجريمة المنظمة- التجريم وسبل المواجهة, دار الطلائع, القاهرة, 2006, ص10.
[5]هيثم عبد السلام محمد، مفهوم الإرهاب في الشريعة الإسلامية, دار الكتب العمية, بيروت, 2005, ص 63.
[6]خالد السيد، الإرهاب الدولي والجهود المبذولة لمكافحته, مركز الإعلام الأمني, البحرين, 2014, ص2.
[7]المصدر السابق, ص3.
[8]مصدر سابق, ص 50.
[9]Anderson Malcom, Policing the World- Interpol and the Politics ofInternational Police Cooperation, Oxford Clarendon Press, 1989, P 26.
[10]Droit Glaser, International penal conventional, Bruxells, 1970, P24.
[11]أحمد إبراهيم مصطفى سليمان، حتمية التعاون الدولي الأمني لمواجهة الإرهاب المنظم والمردودات الإيجابية, مركز الإعلام الأمني, الأكاديمية الملكية للشرطة, القاهرة, 2009, ص4.
[12]عمر حسن عدس، آفاق التعاون الأمني الدولي- روافد لانطلاق الأداء الأمني, مجلة مركزب حوث الشرطة, أكاديمية الشرطة, القاهرة, 1997, ص3.
[13]مصدر سابق, ص4.