
متضمنات الخطاب الغزلي في شعر المرأة قراءة تداولية
أ.د ليلى شعبان رضوان / كلية الآداب/ قسم اللغة العربية/ جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
المملكة العربية السعودية
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 41 الصفحة 9 .
Vers une étude pragmatique
Pr. Laïla Shaaban Radwan, Université Imam Abd Alrahman Ben Fayssal, Faculté des lettres، département d’arabe
Résumé
Cette étude vise à interpréter le discours de la femme courtoise en appliquant une analyse pragmatique des présupposés et des sous- entendus. Nous nous basons dans ces études sur un ensemble de mécanismes et de grammaires qui découlent de cette discipline ladite :
- Le sous-entendu، c’est un concept qu’on doit à l’analyse de discours qui étudie des phénomènes liés à l’interprétation du discours dans le contexte de sa production en considérant les présupposés et le sous- entendus. Par exemple، le fait de dire qu’il existe un discours propre aux femmes dans lequel elles détournent la parole afin de pouvoir dire ce qui leur sont interdit de dire en faisant appel aux sous-entendus et aux présupposés. Ainsi، par laquelle pratique nous avons eu une langue riche de sous-entendu.
Pour réaliser cette étude، nous essayons de répondre à certaines questions :
- Quelle est la particularité du discours féminin ? ;
- Pourquoi les femmes utilisent les sous-entendus dans leur discours ?
Mots-clefs : Discours، sous-entendu، présupposé، pragmatique، implicites
ملخص البحث:تسعى هذه الدراسة إلى استجلاء المعنى المضمر في خطاب المرأة المتغزلة مستفيداً من آليات الدرس التداولي في تحليل الخطاب ، الذي يرتكز على مجموعة من القواعد والآليات ومنها : متضمنات القول ، وهو أحد المفاهيم الذي يرصد جملة من الظواهر المتعلقة بجوانب ضمنية من قوانين الخطاب ، تحكمها ظروف الخطاب العامة كالافتراض المسبق والقول المضمر منطلقا من التسليم بوجود خطاب خاص بالمرأة عمدت فيه إلى المواربة في الحديث ، لتمويه القصد الحقيقي لخطابها ، فرامت بسط ما لايقال عن طريق ما يقال ، وقدمت لغة تكتنز بما يسمى الإضمار .
ولتحقيق ذلك نجيب عن الأسئلة الآتية:
ما خصوصية خطاب المرأة؟ ولماذا تنحو المرأة في خطابها إلى الإضمار؟
ما دور التداولية في تأويل المتضمنات؟
كلمات مفتاحية خطاب، مضمر، افتراض مسبق، تداولية، متضمنات.
مقدمة:
إن المتكلم حين يبلغ رسالة ما، قد يزدوج في كلامه الإظهار والإضمار، اللذان يؤوَّلان تأويلات مختلفة حسب السياق الذي يردان فيه، ويعد سياق التلفظ نقطة البداية لتحديد أقوال المخاطب، مايعني ارتباط تواصل الخطاب بالملفوظ والسياق معا. ولقراءة الخطاب وفق الدرس التداولي ينبغي تجاوز الملفوظ اللغوي إلى السياق لاكتنازه بمتضمنات تغني النص فيما لو استنتجت منه، كونها المقصودة من وراء القول.
يهيئ خطاب المرأة الغزلي مرتعاً خصباً لتطبيق التداولية ، لاكتنازه بحاجاتها النفسية والجمالية ، فتغلغلت قصيدتها في تفاصيل حياتها الخاصة ، وحملت لغتها مكنونات نفسها ، فكانت مكمن أسرارها .
لقد شكل الخطاب الغزلي لدى المرأة تحولاً في شكل الخطاب الغزلي المعهود عند الرجل ، الذي اضطلع بالحديث عن المرأة وهواجسها وأفكارها ، فاستأثر بكشف سرها . فإذا بها تنتج خطاباً ، تتناول فيه الرجل ، ليغدو موضوعها بعد أن اعتدنا عليها موضوعاً في شعره . فقالت شعراً ، عمدت فيه إلى طرح قضيتها من منطلق التبعات التي أثقلت كاهلها بنأثير الرجل والمجتمع ؛ وجابهت تحديات وجودها بشعرها ، فأكدت حضورها ووجودها .
لقدارتادت المرأة شعاب القول لتعبر عن إدبار الحياة وإقبالها عليها، فنظمت الشعر، وأودعته أسرارها، وتناقلت الكتب أخبارها، ووسعت لها المجالس ما دامت تنظم شعراً يتوافق مع ما وقر في الثقافة العربية من الإعلاء من قيم الجماعة، أما أن تتغزل وتبدي عواطف الحب والوله، وتصوغ عواطفها شعراً فهذا غير مقبول، ولعل هذا ما يفسر ندرة شعر النساء الوامقات، واقتصاره على المقطعات والنتف، وتراوحه بين الإسرار والإعلان ، كون المرأة المتغزلة تضمر في حديثها أكثر مما تبدي ، وتخفي أكثر مما تظهر لاعتبارات متعددة.
وقد آثرنا عنونة البحث بـ ” متضمنات الخطاب الغزلي في شعر المرأة ” لأن هذه المرأة بالذات لم تشأ دخول دائرة غرض الغزل لتضفي على الحبيب القيم المتعارف عليها عند العرب، أو تصور تجسيده لقيم العفة والطهارة، بل أرادت التعبير عن حبها لرجل ما، وعن الانتقام منه بالحب. فتردد خطابها بين ظاهرتي الإظهار والإضمار، لتبلغ رسالتها الموجهة للآخر، في غفلة من عيون الرقباء، لذلك حمّلت كلامها مدلولات تتجاوز ما تتلفظ به، ليشكل رسالة مشفرة تتوجه بها إلى مخاطب مقصود بعينه، ليفكك شفراتها، ويفهم مرادها، مستنداً في ذلك إلى افتراضات مسبقة.
والمرأة تعدل إلى أسلوب التضمين بدل التصريح، وتوارب بالحديث تحت ضغط ظروف خاصة فرضها عليها المجتمع، لتنتج خطاباً، يعتمد على إيحاءات اللغة أكثر من اعتماده على فنون البلاغة، وتجلى ذلك من خلال مضمرات نفسية، تتوارى خلف دوافع خطابها، فهي تغزلت لتحقق أنوثتها وكينونتها، وتوسلت باللغة لتعبر عن حبها، وباللغة نفسها تعزت عن فقد حبيبها، فحملت اللغة ألامها وأحلامها الغامضة وأشواقها القصية ومكبوتاتها جميعاً، فكانت مسكنها ومأواها، وبها صاغت هويتها، وأعلت من ذاتها ([1]).
ونحن نبحث في هذه الدراسة عما وراء اللغة عن متضمنات قولها متوسلين بإجراءات التداولية في تحليل النص، واتخذنا التأويل وسيلة لتجاوز المعاني المباشرة للخطاب إلى المعاني غير المباشرة بما تسعفنا ملكتنا في التأويل الذي نؤسسه في سياق التلقي الذي يؤدي دوراً محورياً في عملية تأويل الملفوظات.
التداولية ومقاربة الخطاب الأدبي([2]):
لقد انفتح النص الأدبي على المقاربة التداولية عندما عد المنظرون النص الأدبي خطاباً وإن غابت عنه العناصر الخطابية، التي تتجلى في الخطاب اليومي الذي قامت على دراسته التداولية بادئ الأمر، فولجت التداولية النصوص التخييلية والأدبية، واستثمرت نظرياتها في علم اللغة النصي، واستطاعت فك شفراته بإدخالها السياق في أثناء الدراسة ، وقد واجهت صعوبات جمة ؛ لأن النص التخييلي بعيد عن سياقه ، وتغلب عليه اللغة الإيحائية ([3]).فكل قول شعري تخييلي ينجز قولاً متضمنا في القول ، تتجاوز دلالته ” الملفوظ ذاته، وترتكز على مواضعات مضمرة خاصة، وعلى عقد واقع بين الكاتب والقارئ ، إنها طريقة مخصوصة في اللعب مع العلامة”([4]).
وبفضل توجهات التداولية الجديدة، تحوّلت الدراسات اللسانية من مجال اللغة إلى مجال الأدب. وصارت تنعت بالتداولية الأدبية أو “الذرائعية الأدبية” التي موضوعها دراسة النصوص وتحليلها. وبذلك نقلت التداولية النص من الدراسات التي تناولته على المستويات النحوية والدلالية والمعجمية، إلى المستوى التداولي، إذ ركزت جهود المنشغلين بحقل النصوص الأدبية على مفهوم “التواصل ” القائم على أساس الفهم والتأويل. هذا التواصل كان محل اهتمام القراءة بوصفها ” تواصلاً يتحقق بين القارئ وموضوع القراءة، فالوصفية النقدية في إطار عملية القراءة، وظيفة تقوم على أساس السّعي إلى تحقيق تواصل فعّال بين القارئ وموضوع القراءة. وكأي تواصل تحتاج عملية القراءة إلى أسباب لعناصر الموضوع المقروء، وإحاطة بالعوامل الفاعلة فيه، مثل السياق، ومقاصد المتكلم “([5])، فالتداولية إذاً علم تواصلي جديد، يعالج كثيرا من ظواهر اللغة ويفسرها، ويسهم في حل مشاكل التواصل ومعوقاته، وذلك لأنها مجال رحب يستمدّ معارفه من حقول معرفية متعددة، فيمتح من علم الاجتماع وعلم النفس المعرفي، واللسانيات وعلم الاتصال والأنثروبولوجيا، والفلسفة التحليلية ([6]).
وتقوم التداولية المعاصرة على مفاهيم يتداولها الدارسون المعاصرون وهي: الفعل الكلامي، والقصدية، والاستلزام الحواري أو المحايثي، ومتضمنات القول ونظرية الملاءمة ([7]) . ويسعى الإجراء التداولي في تحليله الخطاب ” إلى التركيز على الجوانب الدلالية والسياقية التي تضبط مقاصد النص وغاياته حيث يمثل النص الأدبي فعلاً تواصلياً يؤكد أهمية السياق في تفسير الكلام وتأويله “([8]).
خصوصية خطاب ([9]) المرأة:
يستعمل الإنسان اللغة للتواصل مع غيره لتبيّن قصده، وتحقيق هدفه؛ أي لتحقيق الإفهام والفهم، غير أن أهمية اللغة تتجاوز ذلك، فتتعدى وظيفة الإخبار، إلى إنجاز أعمال لايُستطاع إنجازها من دونها، فالاستعمال هو الذي يخرجها من حالة السكون، فما يتم التبادل به ليس اللغة وفق مصطلح (دوسوسير)، بل الخطاب الذي يستلهم المعنى من الخارج. أي أن المستعمل من اللغة هو الخطاب الذي يتواصل بموجبه على مبدأ الحوارية وتعدد الأصوات، وبوساطة الخطاب ينقل الكلام من الدلالة على الحدث المجرد من الزمن إلى الدلالة على الاسمية، فأصبح في عرف الأصوليين يدل على ما خوطب به، وهو الكلام ([10]).
ومن المعلوم أن الخطاب أعمّ من الجملة، في حين تكوّن الجملة وحدته الأساسية، كما أن العلامة وحدة الجملة، والجملة ليست بحد ذاتها علامة، فالخطاب ليس جملة أيضاً، فهو وعاء يستوعب الجمل ويتضمنها بحسب إجراءات علم الدلالة الذي يبحث في البناء التركيبي للجملة لبيان مقاصد المتكلم ويكشف عن المعنى الذي ينطوي عليه الكلام .
وعلى هذا فنحن نتناول الخطاب الغزلي في شعر المرأة على أنه يتألف من مجموعة من النصوص المتآلفة فيما بينها، وتكوّن بتآلفها رسالة معينة ، مرتبطة ارتباطا فنيا وجماليا وزمانيا ، وتكون هذه الرسالة أو الخطاب محملة بشفرة إلى القارئ أو المتلقي([11]) . فهو الأداة الفاعلة بالكلام بهدف التأثير في المتلقي؛ لأنه في حدود المعنى _ ومن وجهة نظر فلسفية_ هو تخليص المعنى مما يشوبه من ظنون ومتغيرات قد تربك الإفهام لدى المتلقي، لذا هو لا يقدم نفسه على أنه ثابت وكلي بقدر ما يقدم نفسه على أنه نقي وذو معنى ([12]).
ينطلق البحث من الإقرار بوجود خطاب نسوي إبداعي رُسمت ملامحه في التراث الشعري العربي منذ زمن بعيد، لنتجاوز إشكالية تمييز إبداع المرأة من إبداع الرجل التي أثارها النقد العربي الحديث في القرن العشرين، وانقسم النقد حيالها بين مؤيد لوجود خطاب نسوي ومعارض للتسمية أصلا، يجري ” تحت ضغط أيديولوجية ذكورية مركزية يحاول أن يناقض الكتابة النسائية من منظور معايير المساواة على حساب الخصوصية”([13])، هذه المحاولة للمساواة تقوض الحدود الفاصلة بين إبداع الرجل والمرأة، وتلغي خصوصيتهما. فاللغة التي يستخدمها الجنسان لغة واحدة ذكورية، مبذولة لكليهما فهل تتمكن المرأة بلغة ذكورية أن تشكل خصوصية مختلفة نسائية في نصوصها ([14])؟ نعم لقد تمكنت المرأة من ذلك، إذ لم تقف وحدة اللغة دون تشكيلها خطاباً خاصاً بها، يرتبط بذاتها، فهناك كلام مرتبط بالذات المتلفظة، فالرجل من هذه الزاوية لا يستطيع أن يكتب بدل المرأة، لأنه لا يستطيع أن يكتب عن أشياء لا يعيشها ([15]).
إن أساس الاختلاف بين إبداعي كل من الرجل والمرأة يفترضه اختلاف الثقافة والاهتمام بين الجنسين، وقد أعانت اللغة المرأة على تحقيق خصوصيتها، لأن للغة قدرة “على استيعاب الاستخدام الفردي، يحققها من يمارسها، ويشعره بالتفرد أو التميز ويستحضر ذاته، وفكره ورغباته وإرادته داخل رسالته القولية”([16]). ولكننا مع ذلك نرى أن الاختلاف بين خطاب الرجل والمرأة، الذي يؤول إلى تحديد خصوصية خطاب المرأة قد لايتعلق بالفارق الجنسي ولا بخصوصية الثقافة فحسب، فكثير من النساء كتبن، ولم يشف خطابهن عن خصوصية جنسهن، ولذلك لم نعن بدراسة خطاب المرأةالمتغزلة تجزئة الأدب، بل نعني تلك الخصوصية التي تطبع الإبداع الأدبي الذي أنتجته المرأة، ولا يمكن أن يكتبه الرجل، كونه يحمل جراح نفسها وآلامها التي تسبب بها الرجل، فكتبت بكل كينونتها وطرزته بكل ما يلامس ظروف حياتها ووجودها الاجتماعي والحضاري. فتمركز خطابها حول ذاتها، فكان مختلفاً من حيث الحال الثقافية والبيولوجية، التي تستجيب لطبيعتها الأنثوية بما يكوّن هوية جنسية بمفهومها الثقافي، وليس تصنيفاً بيولوجياً مقابل الرجل.
إننا نرى في خطاب المرأة المتغزلة خصوصية تميزه عن الخطاب الغزلي الذكوري إلى حد كبير ، فدل على نفسه في نصوص شعرية توجهت بها المرأة إلى الآخر ، فتضمن كثيرا من تفاصيل عالمها الأنثوي ، الذي عمدت فيه إلى الإسرار حيناً ، والإعلان حيناً آخر ، وتلاحقت فيه متضمنات القول ومضمراته في إطار العلاقة الذكورية بما يمور فيها من حقائق وهواجس ، الأمر الذي جعل نصها في كثير من الأحيان عاصفة لاتهدأ من المعاني المتداخلة ، والدلالات الخفية ، وأحيانا الخادعة التي تموه القصد الحقيقي لتكون بعيدة عن الشبهة التي يمكن أن تنجم من خلال تناولها موضوعات محظورة تعود عليها بالعقاب . لذلك قام خطابها على ازدواجية المعاني والتباسها، والبنى الخطابية المبهمة، فتداخلت المعاني والدلالات الخفية فيه، فهي توارب حيناً، وتخادع أحياناً؛ لتمويه القصد الحقيقي لخطابها مستثمرة عناصر الإيحاء والإشارة والإيماء والرمز التي يبيحها الشعر، فاستثمرتها في خدمة خطابها المشحون بدلالاته المكثفة.
وسنحاول في هذا البحث استبطان المضمر في خطاب المرأة، من خلال تجاوز الملفوظ اللغوي إلى سياق التلفظ لاكتنازه بمضمرات تغني النص، ففي الإضمار بقاء الأثر المقدر في اللفظ؛ لأن اللفظ يفتح سبل تفسير المتضمن في النص. إذ لابد أن يكون فيما أبقت دليلاً على ما ألغت، وعليه يكون الإضمار تغييباً لعنصر ما مع الاحتفاظ به في الذهن، ومن هنا تصبح دراسة الخطاب الأنثوي إنطاق النص بما يسرّ عبر تأمل المستوى الدلالي بين الملفوظ المسكوت عنه أو المكبوت، الذي يحمل خصوصية تلفظات المرأة عن طريق الكشف عن نتاج فني لظروف خاصة ألقت بثقلها على المبدعة مرتين، مرة عبر سلطة المجتمع، ومرة أخرى عبر الرجل ( [17]).
وتفسير المعنى المضمر في شعر المرأة المتغزلة، وتوضيح علاقته بموقف الكلام من شأن التداولية واهتماماتها، التي تدرس اللغة في استعمال الناطقين بها، فما تتلفظ به المرأة بعامة، مشحون بالدلالات التي يتوصل إليها من خلال البحث عما وراء القول، ومعلوم أن الإضمار ضرورة لإنجاز الخطاب بعامة والخطاب الشعري بخاصة.
ويعد الخطاب الأنثوي أقل الخطابات تصريحاً لما تفرضه قيود المجتمع عليه بوصفه خطاباً مغايراً للخطاب السائد الذي يكرس صورتها متلقية لخطاب الرجل، ومذعنة لقراراته.
الأبعاد التداولية في تأويل متضمنات شعر المرأة المتغزلة
تضم المتضمنات كل المعلومات القابلة للنقل عبر قول معين، التي يبقى تفعيلها خاضعاً لبعض خاصيات السياق التعبيري الأدائي ([18])، لذلك سندرس الطريقة التي ترتبط بها القضية بالجملة المعبّر عنها في كلّ الحالات، إذ تتميز عن الدلالة الحرفية للجملة ([19])، وبهذا سيتم التمييز بين المعنى المباشر والمعنى التلميحي، من خلال تناول الافتراض المسبق والمضمر.
إن الافتراض المسبق يقتضيه اللفظ ، ففي كلّ تواصل لساني ينطلق الشركاء من معطيات وافتراضات معترف بها ومتفق عليها بينهم ، وتشكل هذه الافتراضات الخلفية التواصلية الضرورية لتحقيق النجاح في عملية التواصل، وهي محتواة ضمن السياقات والبنى التركيبية العامة ، فمن هذا المنطلق يبرز دور الخلفية المعرفية التي ينبغي توافرها لدى مستخدمي اللغة، فلفهم ملفوظ ما لا يكفي المرء تسخير كفاءته اللغوية، بل عليه كذلك التعويل على معرفة موسوعية، أي معرفة العالم التي اكتسبها([20]) ، فالكفاءة الموسوعية هي “مجموعة معارف ومعتقدات ، ونظام تمثيلات العالم المرجعي وتأولاته وتقويماته ، ونطلق عليه المعلومات المسبقة “([21]) ، وهي ذات شأن في فك ترميز المحتويات المضمرة .
لماذا نلجأ إلى الإضمار؟ قد “يعجز المتكلم لأسباب تتعلق باللياقة عن استعمال العبارة المباشرة، فيلجأ إلى الصيغ المضمرة لتذليل عقبة وجود بعض المحرمات في مجتمع معين، وذلك بغية إحباط بعض الرقابات ذات الطابع الأخلاقي أو السياسي أو القانون والاحتيال على قانون الصمت الذي يحظر التحدث عن بعض الأغراض الخطابية، ففي سياق اجتماعي معين، ثمة العديد من الأمور التي ينبغي إضمارها و” عدم الإتيان على ذكرها”- بشكل مباشر على الأقل “([22]). ومن هذه الأمور الإيغال في الحديث عن المشاعر التي تنتاب المرء في أحواله المختلفة، فكيف بنا بحديث المرأة المتغزلة ، وقد برح بها الحب! فهذه المرأة على جرأتها كانت تعمد في خطابها إلى تضمين قولها مالا تستطيع ذكره صراحة في ملفوظ حديثها، فتسلك مسارب شتى لإبلاغ ماتريد إبلاغه لمخاطب بعينه، وعلينا تأويله- إذا ما أردنا قراءته- حسب السياق الذي ورد فيه والطبقات المقامية التي ينجز ضمنها. فعندما تقول المرأة واصفة حالها ([23]):
تَطَاوَلَ هَذَا اللَّيْلُ تَسْرِي كَوَاكِبُه وَأَرَّقَنِي أَنْ لا حَبِيبَ أُلاعِبُه
فوالله لولا اللهُ والعارُ قبلَه لأمكنتُ من حجليَّ من لا أناسبُه
ليعلمَ من في القيروان مُقامَه أشدُّ عليه من عدوٍ يحاربُه
فإن قولها يفترض: أن ليلها – سابقاً – كان قصيراً ، تقطعه لهواً مع حبيبها، فيمر من دون أن تشعر به، ولم تكن مشغولة بترقب نجومه، كما أن الأفعال:” تطاول ” و” تسري” و”أرقني” تتضمن افتراضًا مسبقًا بمعرفة قطبي المتخاطبين بارتباط إحساس الإنسان المهموم بالزمن، إذ يتحول الليل إلى ليل آخر ، ليس هو الليل المعروف، أو الليل الرومانسي، بل إنه ليل طويل زمنيا ومعنويا، ليل تحتشد فيه الهموم والابتلاء واليأس، فيخرج فيه الزمن من المفهوم الفيزيائي إلى المفهوم النفسي الذي يعمق الإحساس بالوقت، ولاسيما أن المرأة وحيدة مستوحشة ساهرة شاخصة بالنجوم بلا أنيس يشغلها عن ترقب الزمن. فالموقف إذا موقف استيحاش وشعور بالعزلة والانـفـراد والوحشة، وهذا كله مرتبط في التاريخ الإنساني بالتفكير الطويل والتأمل العميق. فقولها ” أَنْ لا حَبِيبَ أُلاعِبُه” يفترض أن المرأة كان لديها حبيب، وأن الحبيب غاب حساً وروحاً بإرادته، وأن أقصى ما تريده هو انتزاع أمنه، وإيقاد نار الشك في صدره، ليتحول ليله إلى تساؤلات، تقض مضجعه.
وهذه الافتراضات تشكل خلفيات التبليغ الضرورية، وهي موصولة بسياق الحال وعلاقة المتكلم بالمخاطب، وقد ترتب على هذا الافتراض فهم المعنى الضمني أو المضمر وهو انحراف الفكر الذي آلت إليه العزلة للتفكير بفعل انتقامي يقطّع الليل ويبدد الظلمة، فألمحت المرأة إلى رغبتها في الانتقام والقيام بالفعل ذاته الذي قام به الحبيب عندما استغل ما منحه إياه الشرع، وتقبله المجتمع بوصفه رجلاً له الحق في التعدد.
فالقول السابق يتضمن معاناة وصرخة أنثى ومنطوقا يحمل تهديداً ووعيداً صارخاً؛ فالمرأة أرادت الانتقام بما يكسر سلطة الرجل، بتحويل الممارسات الذكورية الخاصة بالرجل إليها على خلاف ما منحتها الثقافة العربية للمرأة، لأن من شأنه تكريس سلطتها، وكان يكفيها التلويح باستعدادها للفعل، لكسر هيبة الرجل، مع علمها بعواقب الأمر دينياً واجتماعياً، لذلك ارعوت عن غيها، وبقي قولها تهديداً في وجه مخاطبها. ففي قولها ” العار” يفترض مسبقاً معرفة المتكلم والمخاطب ما تحمله كلمة ” العار” من إشارة إلى صفة فعل مستنكر ، تصم مرتكبه بالخروج عن الشرع، ويدخله دائرة الرجم لمخالفته القيم التي ارتضاها الإسلام من صون العرض ، وهذا ما دفعها إلى التردد في الوقوع في الفعل ، فأقسمت ثم قيدت القسم بلولا ، والقسم يفترض عزماً على الفعل ، ولولا تعقِل الفعل ، لذلك همّت ولم تفعل ، ولكنها أوحت بقدرتها على الفعل انتقاماً لذاتها المجروحة ، فاستخدمت عبارة ” لأمكنتُ من حجليَّ من لا أناسبُه” لتوحي بامتلاكها لجسدها ، وقدرتها على بذله لمن ترغب ، فاختبأت وراء اللغة تأدباً لأنها لاتريد التصريح بما تكنه النفس من قدرة على تمكين أي كان منها ، بمعنى استباحة الذات طوعاً ، وهذا يعني أن فعلها لغوي كامن في الذات ، لايتعدى التلفظ الانتقامي وليس استبدال حب بحب ، إن كلاً من المتكلم والمخاطب يعلمان ثقل الفعل ووطأته على الرجل لو تم ، والمرأة هنا مقتنعة بامتلاك جسدها لإخضاع الرجل والسيطرة عليه ، ليس من خلال المنح بل الإيحاء به ، لأنها تعلم أن من اختار البعد والهجر ، كان مزهوا بانتصاره ، فأراد تأسيس حياة بديلة لاعتقاده أن حياته الأولى تحرسها مواضعات المجتمع ، وأن المرأة لن تضعه في معادلة خاسرة نظراً لمعرفتها اليقينية بحق الرجل في تعدد الزوجات وملك اليمين ، فتقبل الأمر ، وتذعن لقرارات الذكورة ، وإذا به معها في معركة أشد ضراوة مما خبره مع الجند ، لأن العدو هنا ينسل من تحت ثيابه ، ويلوح بطعنه في مقتل .
وعندما تقول علية بنت المهدي ([24]) :
كتمتُ اسمَ الحبيبِ على العباد ورددتُ الصبابةَ في فؤادي
فواشوقاً إلى بلدٍ خلي لعلي باسمِ من أهوى أنادي
يقتضي الملفوظ ” كتمت اسم الحبيب” أن الشاعرة تحب رجلا ، وأن أحدا ما يعرف اسمه ، ولكنها لأسباب في نفسها لن تبوح للعامة باسمه ، والكتمان يحمل الإخفاء الإرادي لأمر قد تخجل منه ، أو تخاف منه، ولكنه قد يكون أيضاً وسيلة لتنبيه القارئ لدفعه للبحث عن الحبيب وما يحيط بإشكالية الإخفاء والكتمان ، ولا يتم ذلك إلا بتجاوز الملفوظات ومكوناتها اللغوية، فالفعل ” كتمت” يقتضي افتراضا مسبقا مفاده، “خشيت من التصريح باسم الحبيب “، وهنا على المتلقي مشاركة المتلفظ في هذا الافتراض كاتفاق غير معلن، وبمثابة الشرط لملفوظ لاحق، وهو صون الحب المكنون في دواخل القلب ، كما يوحي الفعل “كتمت” بأقوال مضمرة من قبيل: أخجل من ذكر اسم الحبيب والتعريف به ،لأنه خادم ، وأنا ابنة الخلفاء . والذكر يعرض الشاعرة للعقاب الاجتماعي، لذلك تاقت إلى بلد قصي لايعرفها أحد فيه؛ لتبوح باسم حبيبها، فانتماؤها للخلفاء يشكل ضغطاً عليها، ويقف حائلا دون التصريح بما رغب فيه، وهذا ما أحال المعاناة إلى الداخل، لتتردد بين حنايا صدرها، إذ لا مجال لتصعيد هواها، إلى غير ذلك من الأقوال المضمرة. كما يحمل البلد الذي تتوق إليه علية تضمين من نوع آخر، فهو بلد غير معرف ” بلد خلي ” بلد نكرة يحقق لها الانفصال عن أهلها (الخلفاء) والمجتمع، ليتاح لها ترديد اسم حبيبها بلا خوف ولاوجل، ومن ثم فإنّ المرأة تخفي –وهي تتكلم- مُضمراً وراءَ كلامها الصريح، ففي القول الآتي([25]):
ليس خطبُ الهوى بخَطبٍ يسير لاينبيك عنه ُ مثل خبيرِ
ليس خطب الهوى يدبّر بالرأي ولا بالقياس والتقديرِ
فعندما تقول المرأة ” ليس خطب الهوى بخطب يسير ” يفترض أن نفسها تضرم بناره، وتعاني لواعجله، وأن النفي يدل على تعدد الأصوات وتداخلها؛ صوت العقل وصوت العاطفة؛ فالمرأة تعبر تعبيراً متزامناً عن الصوتين المتقابلين، اللذين يتبنيان جانب الإثبات (الشأن العظيم) وصوت المتكلم المتبني للنفي (ليس شأنه يسير)، فالنفي يشير إلى إثبات ضمني للشأن العظيم للهوى، وللابتلاء به معا من قبل المتكلمة التي أعياها تفسير ظاهرة الهوى التي تجتاح النفس. ويحمل ملفوظ المرأة معنيين: معنى مباشر ومعنى غير مباشر، يفهم من خلال المعنى الأول بعد ربطه بسياقه، فالمتكلمة سليلة الخلفاء، وتحب وتعاني من حرج هوى رجل ما. يفترض القول إنها في مشكلة عصية، ولاتحل بالتدبر (بالرأي والتفكير). أما المعنى الضمني الذي يمكن أن نستنتجه يتحدد بـأن المرأة ابتليت بحب خادم، ولهذا وصفت الحب بالأمر العظيم الذي خبرته، ولايمكن أن يخضع للرأي والمنطق. وذلك لتنفي عن نفسها سمة الطيش التي يمكن أن تخطر على بال متلقي خطابها على مر الزمن من جهة، ولتؤكد أنها عاقلة لاينقصها التدبر، ولكن الحب لايعقل بالتفكير من جهة أخرى. فالقدر أوقعها فيما لايد لها فيه، وذلك لتسوغ لنفسها ذلك الحب غير المتكافئ، والتعلق بشخص هامشي، لذلك أضمرت في شعرها صراع المركز والهامش، وهي تقول أيضاً ( [26]):
ورابني منهُ أنّي لا أزالُ أرى في طرفهِ قصراً عني إذا نظرا
الريبة هنا شبهة تحمل التشكك في تأثير الحب في نفس الحبيب، فالحبيب مهما كان وضيعا، فإنه يستمد قوته من المحب الذي يعلي من شأن الحبيب بتصاغره أمامه، ولكن المرأة في ريبة من أمرها، لأنها لم تستطع أن تذيب الفارق الطبقي بينها وبين حبيبها، فبقي الخادم الواقعي، يتحكم في الخادم الحبيب، وهذا ما جعلها في ريبة من أمرها، فهو في نظر نفسه مازال خادما، ولم يطمئن يوما إلى نهاية سعيدة تأتلف فيها روحاهما، ولذلك يقصر الطرف عنها، ولايديم النظر إليها بما يوحي لها أنه ليس ندا لها. وفي الحقيقة لايستمد الحب ديمومته إلا من خلال الندية الخارج طبقية، وهذه الندية تُشعر طرفي العلاقة بأهمية كل طرف ومكانته عند الآخر، وهذا الشعور من شأنه أن يمحو الإحساس بالفوقية أو الطبقية بينهما، ولذلك فان مطلب التكافؤ في العلاقة العشقية عامل أساس لقيام رابطة صحيحة.
ولعل حرص المرأة في كلامها على الإخفاء أكثر من التصريح لدى خوضها في بعض الموضوعات المحرمة أو المحظورة التي حرم عليها دخولها – ولاسيما موضوع الحب الذي يعد حكراً على الرجل – كان سبباً في اكتناز قولها بمعان كثيرة ترتبط ” بالتعبير اللساني ، أو ما تثيره العلاقة بين القول والسياق ، فكل قول يثير جزئياً أقوالاً أخرى يضمها أو يخلقها بوعي أو بدونه داخل نظام دائري ، حيث الكل متماسك ، إذ يستحيل التواصل بغير ما هو خفي وضمني ، فالتصريح بكل شيء في رسالة بسيطة يتحول إلى دائرة مغلقة ليس لها نهاية ، لذلك لايمكن أن يقال كل شيء”( [27]) .
فالمرأة عندما تكسر حاجز الممنوع بتلميحات وإشارات في أحيان كثيرة، وتصريحات تخفي معاني ضمنية، يفيض المعنى عن حقيقة الجملة وهذا ما نجده في قول أم الضحاك المحاربية التي أحبت زوجها الضبابي حباً جماً، ولكنه طلقها، فقالت بعد حاولت التغلب على جرحها ([28]):
تعزّيتُ عَن حبّ الضبابي حقبةً وَكلّ عمايا جاهلٍ ستثوبُ
يقول خليل النفس أنت مريبةٌ كلانا لعمري قد صدقت مريب
وأريبنا من لا يؤدي أمانةً ولا يحفظ الأسرار حين يغيب
ألَهفاً بما ضيعتُ ودي وما هفا فؤادي بمن لم يدرِ كيفَ يثيبُ
فما يشكل خلفية لنجاح العملية التبليغية في هذا القول ، ويقدم معلومات لنا لنستند إليها في الوصول إلى المضمرات هو عبارات : ” تعزيت عن حب الضبابي ” و” أنت مريبة ” و” وأريبنا من لا يؤدي أمانةً ” و” عمايا جاهل ” ، التي تفترض أن المرأة فقدت عزيزاً ، وتحاول فرض الصبر على نفسها ، وأنها لاتملك حيلة سواه، وكلا المتخاطبين يعلمان أهمية العزاء في حال الفقد والموت ، ويدركان أيضاً أهمية العزاء في التخفف من آلام الفقد ، لذلك حرصت على افتتاح أبياتها بالفعل ” تعزيت ” الذي يوحي بإجبار الذات على الصبر، لأنه حيلتها الوحيدة ، وأن لاأحد يعزيها ، لأن المقام ليس مقام عزاء متعارف عليه في المجتمع ، ولاسيما أن المرأة في هذه المواقف تتصنع عدم المبالاة بالأمر ، وأن الرجل لم يعد يعنيها . أما قولها ” أنت مريبة ” فالريبة تهمة وشبهة تلحق الرجل لأنه يصرح بالمكنون (الحب) ، وكان من حقه الكتمان ، فالطرفان يدركان مفهوم الريبة ، لذلك يلصقها كل منهما بالآخر ، وهي تعترف بريبتها وعليها أن تتحمل وزرها . كذلك قولها ” عمايا جاهل ستثوب ” فكل من المبلغ والمخاطب على علم مسبق بعمى الجاهل وبعده الحقيقة، التي تحجبها عين الرضا، التي لاترى عيبا فيمن ترضى عنه، وتؤدي إلى غياب صورة الحقيقة، ويعلمان كذلك مسوغات العودة عما سببه عمى البصر عن العيوب، وما يترتب عليه من قرارات خاطئة. ونحن ننطلق من هذه الافتراضات المسبقة – التي يقتضيها اللفظ ويفترضها – للوصول إلى المضمر.
فالفعل المتضمن في القول يشي أن الشاعرة دخلت في لعبة مغالبة الذات، والخروج من الوهم والغفلة، والوقوف على الحقيقة بعد انجلاء الغمة. فقولها تعزيت ، لاتعني تصبرت على الفقد فقط ، بل تكشف أيضاً عن كم الآلام التي عانتها لفترة طويلة حتى دفنت الحب ، وأخرجت الضبابي من قلبها، بعد أن ضيعها وغدر بها ، ولم يعبأ بعواطفها، فأصابها غدره في مقتل ، لذلك طفقت تصبر النفس ومن ثم تقرّب فكرة الطلاق لتستوعبها ، وتكون أدنى إلى القبول لديها بعد صحوة العقل ، ورؤية الأمور على حقيقتها ، فبدأت بتقديم مسوغات فشلها ؛ من خلال افتراضها الوقوع في ريبة الغزل ، ولكنها تحيل الريبة إلى من يخون ولايصون العهد والوقوع في خطأ التقدير من حيث إغداقها الحب على من لايستحقه من جهة أخرى ، وهنا بدأت صحوة العقل ، والتخفف من عقابيل الخيانة بفعل ترديد الأمر وتقليبه على وجوهه ، ولعل هذا ما أوحت به لفظة ( يثوب ) فمن يثوب يتراجع عن الخطأ. ولعل في هذا مقاربة لما تعني به التداولية عندما تلح على ارتباط التواصل الخطابي بالمتلفظ، والمتلفظ إليه والسياق سواء كان لغويا أو غير لغوي.
ويمكن أن يتضمن الفعل ” تعزيت ” أنها آست نفسها، وتصبرت، لأن زوجها لايستحق الحب الذي تكنه له، لذلك تحسرت على ما فات من ودها لمن لم يدر كيف يبادلها حباً بحب. وفي المضمنين إيحاء أن الشاعرة تعمد إلى ترميم ذاتها المنكسرة والانتقام لها من خلال إعلان موت الحب. كما يمكن أن يتضمن خطابها تحذيراً للمرأة في كل زمان ومكان بألا تندفع كثيراً نحو الحب كيلا ترجع خائبة صفر اليدين من علاقتها بالرجل، فتكون صدمتها كبيرة إزاء تحول القلب عنها، وأن تنظر في اختيارها بعين العارف المتبصر. وقد تكون المرأة قد أضمرت حباً عظيماً لزوجها، ولم تستطع التخلص من حبه إلا بعد زمن لم تحدده لذلك نفترض استطالته وامتداده لفترة طويلة، وهذه الفترة وإن طالت فقد أعادتها إلى رشدها، وخلصت إلى حكمة تلخص تجربتها.
ولكن هل كان العزاء فكرة أم بحثاً عن حب جديد، ربما هذا ما يفسره سياق الحديث، فتقول أم الضحاك المحاربية ذاتها في إطار الحديث عن معاناتها ([29]):
سَألتُ المحبّين الّذي تحمّلوا تَباريحَ هَذا الحبّ في سالف الدهرِ
فَقُلتُ لَهم ما يُذهب الحبّ بعدما تَبوّأ ما بينَ الجَوانحِ والصدرِ
فَقالوا شفاء الحبّ حبٌّ يُزيلهُ مِن آخر أو نأيٌ طويلٌ على هجرِ
أَو اليأس حتّى تذهل النفسُ بَعدما رَجت طَمعاً واليأس عونٌ على الصبرِ
ومع التسليم بأن التداولية تستند في إبراز معاني الكلام على النص في علاقته بحال المخاطبين ووضعية المخاطِب، وسياقات اللفظ، فإننا نستند إلى حال المخاطب وهي أم الضحاك، التي بلغت درجة الوصب في حبها لزوجها مع أنه طلقها، وتركها في حيرة من أمرها، لذلك تبحث عن سبل الاستشفاء من عقابيل الحب الذي لم تستطع منه خلاصاً.
يفترض قولها: أنها في حيرة من أمرها، فتحاول البحث عن حل لما هي فيه، لعدم قدرتها على نسيان حبها. ووجود محبات مررنا بالتجربة ذاتها. وبحثها الدائب عما تتأسى به. وأنها محبة وليست حبيبة، وما لهذه المعادلة من ضغوط نفسية هائلة ، تحيل الحياة جحيما، فأن تكون محبة يعني أنها الطرف الخاسر في معادلة الحياة ، ومن هنا نفهم معاناتها ، ولاسيما أن حبها لزوجها بلغ درجة الشدة والأذى، لتمكنه منها. فأرادت استبدال الحب القديم بحب جديد.أو مداواة الحب بالبعد والهجر والنأي.
كما يفترض قولها ذلك الكم الهائل من المعاناة التي تدفعها إلى قراءة التجارب السابقة لتجربتها وأخذ العبرة منها، لتقنع نفسها بوجود تجارب موازية لحالها، فليست هي الوحيدة المستغفلة في هذا العالم، ولعلها تجد في استحضار تلك التجارب عزاء لها .
ولنا هنا أن تساءل من هم المحبون الذين قصدتهم الشاعرة؟ إن ورود اللفظة تذكيراً ومعرفة وجمعاً، يجعلنا نبني افتراضا مسبقا مفاده أن الشاعرة لم تقصد المحبين من الرجال بل أضمرت المحبات اللاتي يتبادلن الشكوى في خلواتهن ، وصرحت بالمحبين ، فهي تقصد بخطابها نساء بعينهم، تحملوا تجارب الوجد وشدائده، وخرجن منها بالعبر التي حددت طرق التأسي عن حب مقيم. ومنها ماحملت تجاربهن من أن الحب لايذهبه إلا حب آخر ، وهذا تحوّل ، لم يُعهد في الغزل القديم ، لأن الحب عندهم يزول بالجفاء والبعد ، فالحب – كما تعرف الشاعرة والمتلقي في الوقت عينه – يقاوم الأفول والزوال ، ويتشبث بالبقاء ليتحول إلى حنين دائم يحيل على ذاته دائماً ، كما في قول أبي تمام([30]):
نَقِّلْ فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِن الهَوى مالحُبُّ إلاّ للحَبيبِ الأوَّلِ
كما تعرف هي المتلقي – في الوقت عينه – أن النأي والبعد يغيران المحبين (لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا!) وأن الحب الجديد يمحو الحب القديم (مِثلَمَا تَطْرُدُ الغُيُومُ الغُيُومَا.. الغَرَامُ الجَدِيدُ يَمحُو القَدِيمَا)، واليأس يحمل النفس لتضمر الحب ثم تسلوه. ولكن وراء هذه الافتراضات معان مضمرة، نتأولها لنتجاوز المعاني الظاهرة؛ والانتقال من معنى مباشر للخطاب إلى معنى غير مباشر، نستند فيه إلى قواعد التخاطب في الملفوظ الأدبي على افتراض أن الشاعرة أقامت تواصلا وتفاعلا بينها وبين نساء مررن بتجربة الحب ذاتها ، فقالت مالاتقصده لأنها على علم بواقع معارف المتلقي، فنحن ” قادرون على اكتناه ما يقصد مما يقال، استنادا إلى تلك المعارف ([31]) .
فالمعنى المضمر هو أن المرأة لاتزال تعاني شجون الحب، ولم تخبر من تسألهن أنها أحبت، ولما تستطع استئصال الحب من قلبها بعد، ولم تتمكن من البوح لهم بتخلي الحبيب عنها، كي لا تفقد احترامها لذاتها، إلا أنها ألمحت بكلمة (هذا الحب) إلى ما تخص الحديث به، وهو معاناتها وتجربتها الأليمة التي تجسد افتقارها للرجل، هذا الافتقار أبقى الرجل مرتكزاً في حديثها.
لقد شعرت المرأة أن لاسلطة لها ، فقد تخلخلت صورة العلاقة بين المحبين في تجربتها ، بوصف الحب سلطة خاصة بالمرأة ، لذلك حاولت تغيير استراتيجياتها في الخطاب الشعري وذلك بتكريس سلطة مضادة خاصة بها مقابل سلطة الرجل التي عززتها الثقافة العربية ، التي أباحت له هجرها ، من هنا تتجلى فاعلية المرأة في تجربة الحب من خلال استبدال الرجل بآخر أو هجره ، لتحاربه بسلاحه ذاته .إن أخطر ما أضمرته الشاعرة تصورها أنها تستطيع أن تنتقم من الرجل باستنساخ شخصيته وما يباح له من التعدد ، والتردد بين امرأة وأخرى ، وإماتهه حبا بحب ، ولاسيما أن تجربتها ما تزال شاخصة ، فقد تخلى عنها زوجها ليؤسس حباً جديداً ، وهي تريد أن تتحول عن حبها له بحب جديد ، وكأنها تريد أن تقول إن من بين خياراتها أن تحول الرجل إلى موضوع ، وأنها تمتلك خيار الحب .
وينبغي أن نشير هنا إلى أن توق المرأة لإيجاد حل لمعضلتها مع الرجل بعد أن أعيتها الوسائل ، وأنها قد بدأت بتجاوز محنتها بمجرد طرح مشكلتها أمام جمع خصتهم بسؤال عام ، أرادت منه حلاً لمشكلتها الخاصة ، فأصاخت إلى نصائح المحبين من ذوي التجارب المتشابهة .
إن المرأة هنا تعيها العاطفة والشعور والإحساس، لذلك غابت ملامح الرجل في شعرها، وربما هذا ما يفسر خطاب المرأة العشقي، ويميزه عن خطاب الرجل الذي لم تعيه العاطفة والقيم الخلقية قدر عنايته بالجمال الخارجي، أما المرأة هنا فهي لاهثة وراء الحب، فتلجأ إلى اللغة لتعبر عن آلامها، ليغدو خطابها صلة الوصل بين ذاتها والعالم الخارجي، فالمرأة الشاعرة استطاعت أن تحول النص إلى ذات أنثوية، والنتيجة تقريب المسافة بين حياتها وفنها.
إن المعنى الضمني هو غاية القول، ولا يشار إليه لسانياً، بل يؤول حسب معطيات السياق الذي قيل فيه القول، ولذلك كانت الغاية من القول حكمة تقدمها للنساء، وكان الوصول إليه عن طريق عمليات استدلالية تداولية بفعل تشغيل عدة معلومات مرتبطة بالذات ومصلحتها ([32]) المتمثلة هنا في الثأر للنفس ممن غدر بها.
وتقول امرأة، تركها زوجها بعد أن ذهب فاتحا مع الجند إلى أذربيجان، فكسب مالا، وأسس حياة جديدة، فاقتنى فرسا، أسماه وردا، وجارية أطلق عليها اسم حبابة، فأرسل رسالة إلى زوجته يخبرها عن أسراره، فكتبت إليه ([33]):
لعمري لئن شطت بعثمان داره وأضحى غنياً بالحبابة والورد
ألا فاقرأه مني السلام وقل له غنينا بفتيان غطارفة مرد
إذا شاء منهم ناشئ مد كفه إلى كفل ريان أو كعثب نهد
فما كنتم تقضون حاجة أهلكم قريباً فيقضوها على النأي والبعد
فأرسل إلينا بالسراح فإنه منانا ولا ندعو لك الله بالرشد
إذا رجع الجند الذي أنت منهم فزادك رب الناس بعداً على بعد
لجأت المرأة إلى أسلوب القسم؛ لتثبت أمراً قد يتشكك في صحته لدى المخاطب، ثم قدمت لنا معرفة تنبني على اللجوء إلى آلية حوارية استدلالية تنطلق من التأسيس لفعل مواجهة فعل الغياب بفعل تأكيد الذات، فخطاب المرأة موجه إلى حاضر في الذهن غائب المقام، بغرض إفهامه مقصوداً مخصوصاً لتحقيق أهداف بعينها. ولعل استحضار المخاطب أو المرسل إليه هو ما أسهم في حركية الخطاب، وأسهم في قدرة المرسل الّتنويعية، ومنحها أفقا لممارسة اختيار استراتيجية خطابها ([34])، فالشاعرة استخدمت اللغة استخداما سياقيا، يقوم على انتقاء ما يتوافق مع الوضع الذي تعيشه هي ويعيشه الرجل. وقد تحقق التواصل بينهما في رسالتين متبادلتين الأولى مفترضة، والثانية أوحت بها الأولى، والرسالتان تكونتا من سلسلة كلامية بينهما، حرص كل منهما على الاستماع للآخر ليفهم قصده.
لقد ظن الرجل أنه قد سيطر على المرأة من خلال امتلاكه سلطة شرعية وسلطة لغوية (الهجر، الطلاق، الضرب) فخاب ظنه، لأنه لم يتوقع أن تتمرد، وتبادله الدور اللغوي، وتكسر سلطته، وتتمرد على المواضعات الاجتماعية، وعلى ما وقر في الثقافة العربية الإسلامية من خضوع المرأة لمقررات العرف والعادة، وقبولها بما منح للرجل من تعددية الحب، وتحريمه على المرأة، لإثارة الغيرة في صدره من خلال زحزحة مكانه، وتهميش دوره، والتلويح بسلطة الجسد.
لقد فهمت المرأة ما نطق به الرجل (المتكلم) نطقاً صريحا أو تلميحاً، بأنه استغنى عنها، فأبلغته رسالة التقطت فيها إشارات كلامه، وردّت عليه تصريحا وتلميحا بما تضمن إحداث التأثير فيه. ووظفت كلمات وتعابير لها مقصدية مباشرة وغير مباشرة ” شطت، غنياً، غنينا، فتيان غطارفة، كفل ريان، كعثب نهد، الحاجة، السراح، زادك بعداً على بعد “، وللبحث عن مقاصدها ينبغي ألا نقف عند ظاهرها، بل لابد من تأويل معانيها لإدراك المعاني الضمنية المرتبطة بها.
فقول المرأة يفترض، أنها كانت تنعم بالحياة مع زوجها. وأنها كانت متقبلة غيابه، وتمني النفس بعودته ليكملا الحياة معاً. ولكن البعد لم يتجسد نوىً إلا بعد استغنائه عنها لدى تغير أحواله وانقلاب أحواله من الفقر إلى الغنى. كما يفترض أن المرأة سفهت دور الرجل في حياتها، عندما ألمحت إلى أن قضاء حوائجها يمكن أن يقوم به أي رجل آخر، وهذا ما أشارت تصريحاً بأنها غنيت عنه بفتيان غطارفة مرد. ولم يعد له مكان لديها فليستمر في غيه وبعده.
هذه هي الافتراضات التي ترتبط بها المعاني الضمنية، التي تشي بنجاح المرأة في الإمساك بزمام أمرها، فغدت آمرة، (اقره، قل، أرسل) وعلى المخاطَب أن يطيع. ولذلك أحالت السلام إلى عداوة، فالسلام كما هو في ثقافتنا تحية وتقارب نفسي وربما نسج علاقات ود وتواصل، تحوّل إلى قطيعة مع عهد قديم، والبدء بعهد جديد سمته العداوة، لذلك عندما أخبرته بغناها عنه، أخبرت من طرف خفي عن وضاعته وقبحه عندما قارنته بالفتيان السيد الكرماء، أي أنهم وافقوا هوى منها لتمتعهم بسمات كانت تتمناها، ولم تجدها في زوجها. وذهبت أكثر من ذلك عندما خاطبته غائباً، فجسدت بعده مادياً ومعنوياً.
وينبغي ألا نغفل الإشارات الشخصية التي أوحت بها وشكلت عنصرا مهما في تحديد العلاقة بين طرفي الخطاب إذ إن” استخدام إشارات معينة يمكن من رسم حدود المسافة الاجتماعية بين طرفي الخطاب”([35]) . فوصف تضاريس جسدها، واستخدامه سلاحاً لإذلال زوجها، محاولة إنعاش ذاكرته من جهة، وإثارة فعل الغيرة من جهة أخرى، وهذا قصدها أولا وآخراً، لذلك استجاب استجابة عاصفة لقولها القائم على التهويل، فآذاه القول أكثر من الفعل الذي لم يتحقق كما ذكرت كتب الأدب ([36]).
لقد احتالت المرأة على الرجل، واحتالت على اللغة، فأوحت بالممنوع، ووقوع الفعل الفاضح، فأثبتت بذلك قدرتها على مواجهة ثقافتها بثقافة الرجل، ومكنت من ذاتها من حيث قدرتها على الفعل والمواجهة، فانتصرت على الرجل بسلاحه ([37]) ، وأزاحت الأحكام النمطية التي صاغها الرجل وحكم بها عليها. وقد أنجز هذا من خلال التخاطب داخل النص الشعري مع ذات أخرى (الزوج) الذي أنشِئ الخطاب لأجله، وطوعت الشاعرة العناصر النصية لخدمتها. والمرأة توغل في إبعاد مرامها عندما تضيق عليها الدوائر، وتطمس مقاصدها، فيصعب تأولها لولا إشارات وتلميحات وبؤر ترد في النص، وتوحي بما خفي، وذلك كأن تختلق المرأة حواراً مع جمادات لتبث ماتريد قوله عن طريق التلميح لاعتبارات كثيرة. فقد يكون الحوار تعبيراً عن مقاصد بعينها، بغية تحميل الخطاب أنواع الأقوال المضمرة والافتراضات المسبقة. فعندما تقول المرأة ([38]):
أَيا جَبَلي نُعمانَ بِاللهِ خَلِّيا نَسيمَ الصَبا يَخلُص إلَيَّ نَسيمُها
فَإنَّ الصَبا ريحٌ إذا ما تَنَفَّسَت عَلى قَلبِ مَحزونٍ تَجَلَّت هًمومُها
أجِد بَردَها أو تشفِ مِنّي حَرارَةً على كَبدٍ لم يَبقَ إلّا صَميمُها
أَيا جَبَلَي وادي عُريعِرَةَ الَّتي نَأَت عَن نَوى قَومي وَحُقَّ قُدومُها
أَلا خَلَّيا مَجرى الجَنوبِ لَعَلَّهُ يَداوي فُؤادي مِن جَواهُ نَسيمُها
وَكَيفَ تُداوي الريحُ شَوقاً مُماطِلاً وَعَيناً طَويلاً بالدُموعِ سُجومُها
وَقَولاً لِرِكبانٍ تَميمِيَّةٍ غَدَت إِلى البَيتِ تَرجو أَن تَحَطَّ جُروحُها
بَأَنَّ بِأكِنانِ الرَغامِ غَريبَةٍ مُوَلَّهَةً ثَكلى طَويلاً نَئيمُها
مُقَطَّعَةً أَحشاؤُها مِن جَوى الهَوى وَتَبريحِ شَوقٍ عاكِفٍ ما يَريمُها
يفترض قول المرأة أن هناك – حيث هي – جبلان يجسدان الحاجز والحجب والمنع والقطع مع الماضي الذي شهد هواها، كما يجسدان حجب الرؤية والانفصال. لذلك التمست منهما برفق السماح بتسلل النسيم عبرهما لتستمر حياتها، فهي بحاجة لبرد الصبا لجلاء همها، وشفاء حرارتها، وعندما أيقنت فشل تواصلها مع الجمادات عادت لمخاطبة الركبان لتخبرهم عن حالها وما تعانيه. وهذه المعاني المفترضة تخفي في طياتها معان أبعد مراماً، لابد لنا لكشفها من تجاوز الظاهر، الذي يوقف الدارس عند حد مظاهر الغربة في شعر المرأة، ولكن سياق القول يحيلنا إلى حال المرأة ولماذا خاطبت الجبل؟ وهي تعرف عقم هذا الخطاب واستحالته، وفشل التواصل بينهما، والحق أنها أرادت بالجبلين زوجها الذي يجثم على صدرها، ويقطع التواصل معها، فترجوه بشكل غير مباشر أن يدعها وشأنها، لتتخفف من أحزانها وألمها وماضيها الذي حملته في قلبها في مقامها الجديد، الذي لم تألفه بعد ولاسيما أنها لم تألف زوجها، ولم يستطع أن يمحو الماضي من نفسها. ولم تكن لتستطيع التصريح بذلك لاعتبارت اجتماعية وأخلاقية.
إن كلا المتخاطبين يعرف دلالة ” الصبا ” على الحب والشوق وإيقاظ الذكريات، وتهييج الذكريات، فضلا على أنه وسيلة تواصل بين المحبين، وهذا ما دعا المرأة عندما أيقنت عدم وصول نسيم الصبا لتبليغ رسالتها بأنها مازالت على عهد الهوى، عدلت إلى الركبان لحمل رسالتها لمن تحب، وتخبره بما آلت إليه حالها بعد تحولها عن المكان الأول، لذلك حددت مكانها الثاني (بأكناف الرغام) لتحمل هذا الانتقال مأساة وجودها، فالمرأة في الذهنية العربية توحي بالاستقرار على عكس الرجل الذي ارتبط بالترحال والحركة والسعي، لذلك عندما تغترب، تهفو إلى موطنها وحبها و” تطلب من الموجودات من حولها مشاركتها مشاعرها وأشواقها، ولا تجد سوى الريح معوضاً لحالة السكون والاستقرار المكاني الذي تعيشه “([39]) . فالمرأة هنا لم تستطع أن تعوض مكانها الأول بما يختزن من مشاعر الحب، ولم تقو على استبدله وهذا ما أوحى به كلامها من خلال كلمات دلت على الضعف والمكابدة ” قلب محزون” ولم يبق إلا بقايا كبد” و ” مولهة ثكلى ” و”طويلا نئيمها ” و ” مقطعة أحشاؤها ” و ” تبريح شوق ” و” غريبة “. كما أن الضعف قد أطر بأساليب الأمر الذي خرج إلى معاني الدعاء والتمني، واستخدام أوصاف لحالها “الجوى، الوله، التبريح ” مع استمرار الحال؛ فالحب ممطول وممتد، والبكاء دائم السجوم، وأنينها دائم، والشوق ملازم لايتحرك ولا يتزحزح. فهذا الحب الكبوت والمعاناة المقيمة مع ضعف الحيلة، وما يضمراه، تعبر بمجملها عن العلاقة الحميمة التي تربطها بالمخاطَب الذي نفترض أنه غير زوجها، وربما هذا ما دعا المرأة إلى ترديد الكلام الواصف لحالها بصيغ متعددة ليفهم المخاطب المقصود منه ” ولولا المخاطب ما احتيج إلى التعبير عمّا في نفس المتكلم “([40]). ولكننا نرى أن خطاب المرأة موجه إلى مخاطبين اثنين؛ أحدهما حاضر في الواقع والآخر حاضر في الذهن، واختارت لإيصال كلامها إليهما الإعلان والإسرار، فأوهمت الأول أنها تشعر بالضيق من حؤول الجبلين لريح الصبا، وأبلغت الثاني أنها أجبرت على قبول الحياة الجديدة عنوة، فاستلبت إرادتها، وناءت بما تحمل في دواخلها من حب وشوق، ولم يعد لها حيلة إلا العيش على الذكرى. ونقول إن الغربة والاغتراب كانتا مبعث الآلام وبركانها الثائر، إذ ينعدم التواصل في الغربة، وهذا مايشير إليه التناقض القيمي بينها وبين زوجها.
ولكن المرأة تحار في إخفاء رموزها الدالة على إعجابها برجل ما ، فتقول إحدى النساء وقد أعجبت برجل وهي برفقة زوجها([41]):
شهدتُ على نفسي بأنك باردُ اللثا تِ وأن الخصرَ منك لطيفُ
وأنك مشبوح([42]) الذراعين خلجم([43]) وأنك إذ تخلو بهن عنيف
فلما علمت بانكشاف رمزها ، عمدت إلى المواربة والإنكار لدى سماع زوجها ما قالت ، وسؤاله لها : من تعنين قالت إياك أعني ، قال كذبت ما أنا كما وصفت فأصدقيني ، قالت : وتكتم علي ، قال: نعم . فأخبرته فطلقها .
ولعل في قول المرأة شاهداً على خطورة الموقف ، فهي متزوجة ، وتقع عينها على رجل يحمل صفات ترغب فيها ، وتحقق لها ملذاتها ، فتصدح بها ، وتقع في مسامع زوجها ، فيغضب لإهانته ، فيتساءل ليقطع الشك باليقين إن كانت تعني رجلاً آخر . فتنكر، وفي الإنكار خوف من العقاب واعتراف ضمني بالخطأ .
فالسؤال والإنكار يستندان إلى افتراض مسبق يستهجن الفعل الذي قامت به المرأة ، ولهذه الافتراضات أهمية في نجاح عملية التواصل والتبليغ، إذ شكلت الأرضية المشتركة أو المعرفة المعرفية لدى المتخاطبين بما يناسب مقام التخاطب وسياق الاستعمال، للانطلاق منه والبناء عليه ، وهو فعل الطلاق .
ولعل مايكشف مضمرات الخطاب هنا قولها ” شهدتُ على نفسي ” ، وفي الشهادة إقرار بفحولة الرجل وقدرته على إمتاع النسوة ، كما يحمل القول أنها تقارنه بزوجها الذي خبرته ، ولكي تراوغ استخدمت كاف الخطاب ليفهم زوجها أنه المعني ، فتركيز صيغ الخطاب حول ضمير المخاطبة يشي بالوظيفة الإفهامية للّغة، والغاية واضحة هنا، لأنّ الضغط على هذا الضمير يدعم صورة الآخر في الموضوع ليكون حاضراً على الدوام في سياق القول مثل حضوره القوي في ذهن منشىء القول، ومن ثم تكون الهيمنة الواسعة لكاف الخطاب التي تتوزع في تفصيلات البيتين، ليكون الموضوع برمته للموصوف ( الرجل) ثم نلحظ نسيجاً غير مترابط للذات التي أنتجت القول، ترامت أطرافه بين الإنكار والإقرار .
ففي البيتين انعطاف الكلام باتجاه الرجل ؛ ففي قولها تكرار لكاف الخطاب ، وتوجه إلى المخاطب بوساطة الكاف التي شغلت وظيفة أساسية ، وهي توجيه الدلالة . لذلك نجد أن ضمير الخطاب قد انفلت من قبضة المرأة بصورة تشي بعدم سيطرة المرأة على اللغة بشكل تام ، ولهذا لم يكن بوسعها نسج خطاب خادع مضلل لزوجها ، لأن المضمر قد انجلى بتوجيه الخطاب مشفوعاً بكاف الخطاب . وهكذا نجد أن الرجل قد فهم مادسته المرأة من كلام، وما أرادت أن يكون خفياً مستوراً ، ولذلك طلقها ، وأخبر بما قالت ، فردت عليه:
غدرتَ بنا بعد التصافي وخُنتنا وشرُّ خلالِ الرجالِ خؤونُها
وضيعّتَ سراً كنتَ أنت أمينُه ولا يحفظُ الأسرارَ إلا أمينُها
فانكشاف المضمر حقق التواصل والإبلاغ والإفهام ، فغير مجرى الحياة . فليس من المتعارف عليه قبول قول المرأة
وهي تتغزل برجل وهي متزوجة ، ولاسيما أن زوجها لم يأخذ كلامها على محمل الإغواء والتأثير ، ودغدغة عواطفه وحثه على إشباع نزعات نفسها . والدليل على ما ذهبنا عليه عتابها له على ما أفشى من سرها ، وليس من تطليقها .
الخاتمة:
نخلص إلى القول إن البحث كان تطبيقاً لأحد الإجراءات التداولية على نص تراثي، فكان وقوفنا على تحديد خصوصية خطاب المرأة المتغزلة، ووضحنا الأسس النظرية للتداولية التي انطلقنا منها في التحليل، وبينا ما لأليات متضمنات القول: الافتراض المسبق والمضمر من إمكانيات التعبير عن المخفي المخبوء في طيات الخطاب.
لقد قادنا البحث إلى القول بخصوصية خطاب المرأة المتغزلة ، نطقت به لإثبات وجودها والمحافظة على كينونتها، فحملت لغتها طبيعتها الأنثوية، وأخفت أسرارها، التي واربت في التعبير عنها خوفا من المجتمع الذي عدها غواية وعليه كتم صوتها، وتدجين كلامها، وحصرها ضمن موضوعة الرجل.
وقد ارتأينا تطبيق الإجراءات التداولية للقبض على متضمنات قولها أو عناصر خطابها الخفي من خلال معرفة القوانين التي ينتظم بها الكلام، فحاولنا ربط استراتيجيات خطاب المرأة وتقنياته (الافتراض المسبق والقول المضمر) بما هو خارج النص من مواضعات وثقافة وتقاليد. وعليه فقد توصلنا إلى أن خطاب المرأة كان لغايات وأهداف محددة، فكان ذا دلالة تضمينية مضمرة، أخفت فيها سرائرها التي نزمع أننا فهمناها من بين السطور، لذلك لم نقف عند ظاهر الكلام، بل انطلقنا منه لتحديد المضمر، وتأويله استناداً إلى مايحيط به من أوضاع سياقية، لنصل إلى أن الإجراء التداولي مكننا من التعرف إلى ما يتضمنه خطاب المرأة من قضايا وإشكالات عانتها في حالي الحب والهجر، وعبرت بصدق عن معاناة المرأة في كل عصر. وذلك لم يكن متيسراً لولا ما أتاحته التداولية من إمكانية دراسة المعنى بموقف الكلام، وتركيزها على سمة الأدب الاتصالية، والاتصال لايمكن أن يكتمل إلا إذا أولينا الأدب وسياقه الاهتمام الذي يستحقانه في تحليل الخطاب المقصود. ونقول أخيراً إن المرأة المتغزلةنجحت في تبليغ ما تريده، انطلاقاً من معرفتها لما يدور في ذهن من تخاطبه. فكانت اللغة كاتمة أسرارها.
مصادر البحث ومراجعه
– استراتيجية الخطاب،مقاربة لغوية تداولية ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،عبد الهادي بن ظافر الشهري، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 2004.
– آليات التداولية في تحليل الخطاب الخطاب الأدبي أنموذجاً: عبد القادر عواد، البيان الكويتية العدد 490، 1مايو، 2011.
– تحليل الخطاب الروائي المفاهيم والتشاكلات: لطفي الشملي، مجلة الراوي العدد 17، النادي الأدبي الثقافي، جدة 2007.
– التداوليات علم استعمال اللغة، حافظ إسماعيلي علوي، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1، 2011.
– التداولية عند العلماء العرب دراسة تداولية لظاهرة ” الأفعال الكلامية ” في التراث اللساني العربي، مسعود صحراوي، دار الطليعة، بيروت، لبنان ط1، 2005.
– الخطاب الشعري في السبعینات (دراسة آلیات تحلیل الخطاب)، أحمد الصغیر المراغي، دار نشر العلم والإیمان، القاهرة، مصر، ط1، 2008.
– ديوان أبي تمام ، شرح الخطيب التبريزي ، تحقيق ، محمد عزام ، دار المعارف ، ط4 ، القاهرة .
– شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، جمع: بشير يموت، المكتبة الأهلية، بيروت، ط1، 1934.
– عندما نتواصل نغير مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج، عبد السلام عشير، أفريقيا الشرق، المغرب، الدار البيضاء، 2006.
– في أدب المرأة، الشركة المصرية، سيد قطب،محمد السيد، وآخرون ، العالمية للنشر، لونجمان – مصر،ط1، 2000.
– كتاب الأمالي، أبو علي القالي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986.
– كتاب الأوراق – قسم أشعار الخلفاء، الصولي، تحقيق هيورث دن، مطبعة الصاوي، ط1، 1936.
– الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: أبو البقاء الكفوي، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، ط2، 1998.
– مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقيه، محمد الأخضر الصبيحي، الدار العربية للعلوم ناشرون،بيروت، 2008.
– مدخل إلى النقد الأنثوي، ويلفرد إل. غويرين وآخرون، ترجمة: نجم عبد الله كاظم، جدة، مجلة نوافذ، ع9، 1999.
– المرأة والكتابة سؤال الخصوصية وبلاغة الاختلاف، بنمسعود، رشيدة، إفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب ط3، 2002.
– المرأة واللغة، عبد الله الغذامي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط3، 2006.
– المضمر، كاترين كيربرات – أوريكيوني، ترجمة: ريتا خاطر، مراجعة جوزيف شريم، المنظمة العربية للترجمة، بيروت لبنان، ط1، 2008.
– المقاربة التداولية، فرنسواز أرمينكو، ترجمة: سعيد علوش، مركز الاتحاد القومي، الرباط – المغرب 1986.
– نتائج الفكر في النحو، السهيلي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1992.
– هل هناك لغة نسائية، محمد برادة، مجلة آفاق، المغرب، العدد 12، أكتوبر 1983.
– الوطن في عيون شواعر العصر الجاهلي وصدر الإسلام، أمينة عبد المولى حراحشة المنارة، المجلد 20، العدد 4، 2014.
([1])ينظر: الهوية والاختلاف في المرأة والكتابة والهامش ، نور الدين أفاوية ، الدار البيضاء ، 1988. ص: 36.
([2]) التداولية مصطلح يقابل مصطلح “براغماتيقا “، لأنّه يفي المطلوب حقه باعتبار دلالته” على معنيي”الاستعمال” و”التفاعل” . في أصول الحوار وتجديد علم الكلام، طه عبد الرحمن، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية 2000. ص: 28. وتعرف على أنها ” نظرية استعمالية، حيث تدرس اللغة في استعمال الناطقين بها، ونظرية تخاطبية تعالج شروط التبليغ والتواصل الذي يقصد إليه الناطقون من وراء الاستعمال للغة” تكامل المعارف ، اللسانيات والمنطق ،حوار مع د.طه عبد الرحمن ،دراسات سيميائية لسانية أدبية،العدد2/1987ـ 1988،المغرب.
([3]) ينظر: التخييل وبناء الأنساق الدلالية نحو مقاربة تداولية، سعيد جبار، رؤية للنشر والتوزيع (د.ط) ، 2013. ص: 467.
([4])فيليب بلانشيه، التداولية من أوستن إلى غوفمان، ص 194
([5]) نظرية المقاصد بين حازم ونظرية الأفعال اللغوية المعاصرة ، محمد أديوان ، مجلة الوصل ، معهد اللغة والأدب العربي ، جامعة تلمسان ، العدد 1 ، جانفي، 1994، جامعة الرباط ، كلية الآداب ، ص 25.
([6]) ينظر : آفاق جديدة في البحث اللغوي المعاصر أحمد محمود نحلة ، ص: 10 – 11.
([7]) ينظر: التداولية عند العلماء العرب دراسة تداولية لظاهرة ” الأفعال الكلامية ” في التراث اللساني العربي ، مسعود صحراوي ، دار الطليعة ، بيروت ، لبنان ط1 ، 2005. ص: 30.
([8]) آليات التداولية في تحليل الخطاب الخطاب الأدبي أنموذجاً، عبد القادر عواد، البيان الكويتية العدد 490، 1مايو، 2011. ص: 38.
([9]) يرجع ظهور مصطلح الخطاب لأول مرة في حقل الدراسات اللغوية الغربية بعد ظهور كتاب العالم اللساني دي سوسير الذي اهتم بالتفريق بين الثنائيات اللغوية، ولاسيما الدال والمدلول، واللغة والكلام، كون اللغة هي المادة الخام التي يشترك فيها المجتمع في التواصل الاجتماعي، والكلام هو الأسلوب الفردي الذي يتميز به الفرد عن أقرانه . ينظر: مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقيه، محمد الأخضر الصبيحي ص: 20 – 21.. ويعرف الخطاب في التداولية أنه :” الملفوظ منظوراً إليه من جهة آليات وعمليات اشتغاله في التواصل، والخطاب كل تلفظ يفترض متكلما ومستمعا، وعند الأول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما ” تحليل الخطاب الروائي المفاهيم والتشاكلات ، لطفي الشملي ، مجلة الراوي العدد 17 ، النادي الأدبي الثقافي ، جدة 2007. ص:8. ويفترض مصطلح الخطاب وجود طرفين أو أكثر بينهم عملية تواصل من خلال رسالة لفظية يقصد منها التبليغ والإفهام، وفيما عدا ذلك لايُسمى خطاباً . ينظر : نظر: الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء الكفوي ، تحقيق: عدنان درويش ومحمد المصري ، مؤسسة الرسالة ، بيروت لبنان ، ط2 ، 1998. ص: 419. وعلى هذا فالخطاب هو الصيغة التي نختارها لتوصيل أفكارنا إلى الآخرين والصيغة التي نتلقى بها أفكارهم. وقد يتجاوز الخطاب هذا المفهوم الضيق ليدل على ما يصدر من كلام أو إشارة أو إبداع فني ، ما يعني أنه الممارسة الفعلية الاجتماعية للنص . ينظر: مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقيه، محمد الأخضر الصبيحي، ص: 62.
([10]) ينظر: الخطاب الشرعي وطرق استثماره ،إدريس حمادي المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ط 1، 1994. ص:21.
([11]) الخطاب الشعري في السبعینات (دراسة آلیات تحلیل الخطاب) ، أحمد الصغیر المراغي ، دار نشر العلم والإیمان، القاهرة ،مصر،ط1، 2008. ص: 17.
([12]) ينظر: مدخل إلى علم النص ومجالات تطبيقيه، محمد الأخضر الصبيحي ، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2008. ص: 73.
([13])المرأة والكتابة سؤال الخصوصية وبلاغة الاختلاف ، بنمسعود، رشيدة ، إفريقيا الشرق ، الدار البيضاء، المغرب ط3 ، 2002. ص: 90.
([14]) ينظر: المرأة واللغة الغذامي، محمد عبد الله ، المركز الثقافي العربي ، بيروت – لبنان، ط:3 ، 2006م ، ص: 8.
([15] ) هل هناك لغة نسائية ، محمد برادة ، مجلة آفاق، المغرب ، العدد 12، أكتوبر 1983. ص: 135.
([16] ) في أدب المرأة، الشركة المصرية ، سيد قطب ، محمد السيد، وآخرون ، العالمية للنشر، لونجمان – مصر،ط1، 2000. ص: 49.
([17]) ينظر: مدخل إلى النقد الأنثوي، ويلفرد إل. غويرين وآخرون، ترجمة: نجم عبد الله كاظم، جدة، مجلة نوافذ، ع9، 1999/ 99- 100.
([19]) المقاربة التداولية، فرنسواز أرمينكو، ترجمة: سعيد علوش، مركز الاتحاد القومي ، الرباط – المغرب- (د.ط) ، 1986. ص: 51.
([20]) المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، دومينيك مونقانو، ترجمة: محمد يحياتن، منشورات الاختلاف- الجزائر- ط5 ، 2005. ص: 45.
([21])المضمر ، كاترين كيربرات – أوريكيوني ، ص :285.
([23]) شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام ، جمع: بشير يموت، المكتبة الأهلية ، بيروت ، ط1 ، 1934. ص: 179.
([24]) كتاب الأوراق – قسم أشعار الخلفاء ، الصولي ، تحقيق هيورث دن ، مطبعة الصاوي ، ط1 ، 1936. ص: 65.
([25]) كتاب الأوراق – قسم أشعار الخلفاء ، الصولي ، ص: 65.
([27]) عندما نتواصل نغير مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج، عبد السلام عشير، أفريقيا الشرق، المغرب ، الدار البيضاء ، 2006. ص: 47.
([28]) شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام ، جمع: بشير يموت، ص: 65- 66.
(([29] شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، جمع: بشير يموت، ص: 64.
([30]) ديوان أبي تمام ، شرح الخطيب التبريزي ، تحقيق ، محمد عزام ، دار المعارف ، ط4 ، القاهرة . 4/ 253.
([31]) التداوليات علم استعمال اللغة ، حافظ إسماعيلي علوي ، عالم الكتب الحديث، الأردن، ط1 ، 2011. ص :215.
([32]) عندما نتواصل نغير مقاربة تداولية معرفية لآليات التواصل والحجاج ، عبد السلام عشير ، ص: 48.
([33]) شاعرات العرب في الجاهلية والإسلام، جمع: بشير يموت، ص: 155. وينظر أيضاً: بلاغات النساء لابن طيفور، ص: 117- 118.
([34]) استراتيجية الخطاب، مقاربة لغوية تداولية ،دار الكتاب الجديد المتحدة ،عبد الهادي بن ظافر الشهري، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 2004. ص: 48.
([35]) نقلا عن كتاب تداولية النص الشعري جمهرة اشعار العرب نموذجاً ، شيتر رحيمة ، ص: 212.
([36]) ينظر: بلاغات النساء لابن طيفور ، ص: 117- 118.
([37]) المرأة واللغة ، عبد الله الغذامي ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، ط3 ، 2006. ص: 93.
([38]) كتاب الأمالي ، أبو علي القالي ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1986. ج2، ص:202. ولم يورد القالي إلا الأبيات الثلاثة الأولى.
وينظر أيضاً: شاعرات العرب، بشير يموت، ص: 62.
([39]) الوطن في عيون شواعر العصر الجاهلي وصدر الإسلام ، أمينة عبد المولى حراحشة المنارة، المجلد 20، العدد 4، 2014.
([40]) نتائج الفكر في النحو ، السهيلي ، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، ط1 ، 1992. ص: 170.
([41]) بلاغات النساء ، بن طيفور، ص: 193.
([42]) المشبوح: الرجلُ العُظَام. لسان العرب : مادة ( شبح).
([43]) الخَلْجَمُ والخَلَيْجَمُ: الجَسيم العظيم، وقيل: هو الطويل المُنْجَذِبُ الخَلْقِ، وقيل: هو الطويل فقط . لسان العرب : مادة ( خلجم ).