
استراتيجيات الإعلام الأمني ومساهمته في بناء منظومة للأمن والدفاع
الدكتورة/ صليحة كبابي، أستاذة محاضرة بكلية العلوم السياسية / جامعة قسنطينة 3، الجزائر.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 15 الصفحة 63.
Abstract
The use of certain security information’s’ strategy is linked to the nature of the means used by the media institutions, and the credibility of these means, attractiveness differences, and the degree of its spread to reach the target audience. Security Media as a special form will participate in providing a range of functions to the individual, and to the society by improving security conditions’ for citizens, and ensure their well-being across its responsibilities in the establishment of a strong basis of security with a defensives’ means that will be in accordance to the nature of society and the requirements of the individuals on one side, as well as the quality of the institutions’ security and their ability to adapt and respond the magnitude of changes and developments produced by these demands diversity on the other one.
Key Words : Media, Security, Security Media
Résume
L’utilisation de certaines stratégies médiatiques de sécurité est liée à la nature des moyens utilisés par les institutions des médias, et la crédibilité de ces moyens ; ainsi que l’ampleur de leur propagation a atteindre le public ciblé par l’information dans toute ses formes et ses différentes sources de réalités. La Sécurité Media comme domaine spécialisé pourra donc améliorer les conditions sécuritaires des citoyens et assurer leur bien-être, en assumant plus de responsabilités visa a vis la société d’une part ; et promouvoir la qualité des institutions de sécurité et de ses organes afin de répondre aux besoins du citoyen dans leur diversité d’autre part.
Mots clés : Media, sécurité, sécurité-media
الملخصإن تبني إستراتيجية إعلامية أمنية معينة مرتبط بطبيعة الوسائل المستخدمة من قبل مؤسسات الإعلام، ومدى مصداقية هذه الوسائل وجاذبيتها ودرجة انتشارها للوصول إلى الجمهور المستهدف والمعني بالمعلومة على اختلاف مصادرها وحقيقتها. والإعلام الأمني كإعلام متخصص سيساهم باستراتيجياته في تقديم مجموعة من الوظائف المتعلقة بالفرد، والمجتمع والتركيز على تحسين الظروف الأمنية للمواطن وضمان رفاهه عبر تحمل مسؤولياته في بناء ووضع قاعدة أمنية ووسائل دفاعية تتماشى وطبيعة المجتمع ومتطلبات الأفراد فيه من جانب. وكذا نوعية مؤسسات الأمن وأجهزته في القدرة على التكيف والاستجابة لحجم التغيرات والمستجدات التي تفرزها تلك المطالب بتنوعها من جانب آخر.
الكلمات المفتاحية: الإعلام، منظومة الأمن، الإعلام الأمني
يعتبر الاعلام من الوسائل الاتصالية المرتبطة بالمعرفة، والرؤية، وهو أداة توعية تساهم في تعليم الفرد ومساعدته على التعامل مع إشكالية العلاقة بين: الأشياء، الأشخاص والأفكار كعوالم متداخلة تشترك وتتفاعل فيها سلوكياتنا وفق نمط ثقافي معين، يتحدد من خلال أسبقية عالم الأشياء أو عالم الأشخاص أو عالم الأفكار، وأن رجحان أحدهم هو الذي يميز كل مجتمع عن سواه. ولقد مثلت التطورات العلمية التقنية خلال النصف الثاني من القرن العشرين قاعدة أساسية لتشكل حالة جديدة من الحضارة الإنسانية تميزت بتحقيق إنجازات مذهلة في تقنيات الإعلام ووسائل الاتصال فضلا عن عدد آخر من الإنجازات التقنية التي حازت على اهتمام كثير من المراقبين والباحثين، لكنها في الوقت نفسه أهملت مشاكل أخرى متعلقة بإشكالية بناء قاعدة معرفية مِؤمنة بأنماط إعلامية تتناسب وحجم التطور وكذا ظروف تكوين الفرد في ظروف الأزمات الفكرية والثقافية المصاحبة لحالة التطور هذه. كما أن تبني إستراتيجية إعلامية أمنية معينة مرتبط بطبيعة الوسائل المستخدمة من قبل مؤسسات الإعلام ومدى مصداقية هذه الوسائل وجاذبيتها ودرجة انتشارها للوصول إلى الجمهور المستهدف والمعني بالمعلومة على اختلاف مصادرها وحقيقتها. والإعلام الأمني كإعلام متخصص سيساهم باستراتيجياته في تقديم مجموعة من الوظائف المتعلقة بالفرد والمجتمع والتركيز على تحسين الظروف الأمنية للمواطن وضمان رفاهه عبر تحمل مسؤولياته في بناء ووضع قاعدة أمنية ووسائل دفاعية تتماشى وطبيعة المجتمع ومتطلبات الأفراد فيه من جانب، وكذا نوعية مؤسسات الأمن وأجهزته في القدرة على التكيف والاستجابة لحجم التغيرات والمستجدات التي تفرزها تلك المطالب بتنوعها.
فكيف يساهم الإعلام الأمني بوسائله المختلفة واستراتيجياته في بناء منظومة أمنية ودفاعية بالنظر إلى طبيعة المجتمعات وخصوصياتها؟
بحث هذه الإشكالية يتطلب الإجابة على الأسئلة الآتية:
ما هو مفهوم الإعلام بالنظر إلى علاقته بالأمن وبأبعاده المختلفة؟
ما هي وظيفة الإعلام الأمني ودوره في وصف الأخطار والتهديدات على المجتمع بما يساعد أجهزة الأمن من شرطة وجيش على وضع الترتيبات الضرورية للمواجهة والدفاع؟
ما هي مختلف استراتيجيات الإعلام الأمني لممارسة وظائفه؟
- مفهوم الإعلام الأمني
قبل التطرق إلى أهم التعاريف التي تناولت مفهوم الإعلام الأمني يجب التأكيد على أهمية علاقة الأمن بالإعلام، وكيف تحول الأمن من مجرد مهمة تقوم بها الأجهزة الأمنية في الدولة إلى مسؤولية تتشارك فيها أجهزة الإعلام والأمن على حد سواء .فباتساع دائرة الأمن وتناوله لمختلف أبعاد الحياة اليومية للمواطن ظهر وبالتبعية الأمن السياسي، والأمن الثقافي، والأمن الاقتصادي، الأمن الغذائي… وكلها مظاهر لتحقيق الأمن بمفهومه العام.
فالأمن وان اختلفت المصطلحات الخاصة به بحسب اختلاف آراء المفكرين، إلاً أنه “من جانب موضوعي يحدد غياب التهديدات على القيم المركزية (الموجودة). ومن جانب ذاتي هو الخوف من أن تتعرض هذه القيم المركزية للهجوم”. وهو التعريف الذي قدمه “ارنولد وولفرز“(WOLFERS Arnold)[1] ودعمه في ذلك”جوزيف ناي” بقوله:” أن الأمن لا يعني بالمحصلة إلَا الشعور بغياب التهديد أو الخطر[2]“. أما “باري بازن” (BAZAN Barry) فعرفه “على أنه استمرار التحرر من أي تهديد[3]“. فأغلب وجهات النظر حول مفهوم الأمن تلتقي في جوهرها عند قاسم مشترك وهو إدراكها أن الأمن وان دلَ على شيء فإنما يدُل عموما على انعدام الخوف. وهو الخوف الذي تناوله الإعلام بمختلف وسائله من خلال تزويد الجمهور بالحقائق والأخبار والأرقام والآراء، وكذا التقارير التي تمكنه من البقاء متصلا بمؤسسات الأمن الأساسية للعمل على ضمان أمن المواطن ورفاهه.
ومنه يمكن تعريف الإعلام من خلال “كافة أوجه النشاطات الاتصالية التي تستهدف تزويد الجمهور بكافة الحقائق والأخبار الصحيحة والمعلومات السليمة عن القضايا والموضوعات والمشكلات بطريقة موضوعية ودون تحريف. بما يؤدي إلى خلق أكبر درجة ممكنة من المعرفة والوعي والإدراك، والإحاطة الشاملة بىفئات الجمهور المتلقي للمادة الإعلامية وبكافة الحقائق والمعلومات الصحيحة عن تلك القضايا والموضوعات، بما يسهم في تنوير الرأي العام، وتكوين الرأي الصائب لديه عن الوقائع والموضوعات والمشكلات المثارة.”[4]
وعرف العالم الألماني المتخصص في شؤون الإعلام “أوتوجروت” الإعلام بأنه:” التعبير الموضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولاتها واتجاهاتها في نفس الوقت. والمقصود بالتعبير الموضوعي: الاعتماد على الحقائق والأرقام والإحصائيات.”[5] وهي الإحصائيات والحقائق التي مثلت وتمثل متغيرا حاكما للأنشطة الاقتصادية والتكنولوجية، والمعرفية والمعلوماتية والسياسية وغيرها من المستجدات التي فرضت على الأجهزة الأمنية البحث عن الآليات المناسبة للتعامل الفعال مع تلك المستجدات. وهذا بالنظر إلى الدور الذي يلعبه الإعلام الأمني كإعلام متخصص ونمط معلوماتي يهدف إلى نشر الوعي والتعريف بالأخطار والتهديدات على مجتمع من المجتمعات. ومن ذلك إعطاء الإشارات والتحذيرات من وجود خطر سواء داخلي أو خارجي ليكون أداة فعالة في بناء الاتصال والتواصل بين المواطن وأجهزة الأمن. فالأمن والإعلام هما محورين أساسيين يلتقيان في هدف واحد تمثله مصلحة المواطن رغم اختلافهما في وجهات النظر.
لقد تعددت التعريفات التي قدمها الباحثون لمفهوم الإعلام الأمني وذلك تبعًا للجانب الذي ركز عليه الباحث في تناوله لمفهومي الأمن والإعلام. ولما كان الإعلام الأمني فرعًا من فروع الإعلام المتخصص كما ذكرت سابقا فهو يهدف إلى إخبار الجمهور أو قطاع معين منه بموضوعات تخص الأمن ويقوم به رجال الأمن ذاتهم[6]. ويتضمن الإعلام الأمني معلومات هامة وكاملة لتغطية الأحداث والحقائق والقوانين المتعلقة بأمن المجتمع واستقراره[7]. وقد عرفه الدكتور“الجحني” استاذ في قسم الشرطية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية: “بأنه نوع من الإعلام المتخصص، وهو كل ما تقوم به الجهات ذات العلاقة من أنشطة إعلامية ودعوية وتوعية بهدف المحافظة على أمن الفرد والجماعة، وأمن الوطن ومكتسباته في ظل المقاصد والمصالح المعتبرة “.[8]“فالإعلام الأمني هو مجموعة العمليات المتكاملة التي تقوم بها أجهزة الإعلام المتخصصة لإيجاد نوع من التوازن في المجتمع، والعمل على المحافظة على نظمه البنائية الاجتماعية والسياسية والثقافية بتحقيق أمن واستقرار الفرد والجماعة. ذلك أن الإعلام الأمني يعمل على دعم الأجهزة الأمنية ويساعد على ترشيد دور أجهزة الأمن العاملة في مجال مكافحة الجريمة والوقاية منها وتوعية الجمهور وتوجيه سلوكه.
وعرف اللواء “إبراهيم ناجي” الإعلام الأمني على أنه:”مختلف الرسائل الإعلامية المدروسة والتي تصدر بهدف توجيه الرأي العام لتحقيق الخطة الشاملة، والتصدي للأسباب الدافعة لارتكاب الجريمة، والتوعية بأخطار ومخاطر الجرائم. وكذا إرشاد المواطنين بأسلوب يضمن عدم وقوعهم فريسة للجريمة، وتبصير الجمهور بأساليب الوقاية منها عبر اتخاذ تدابير مختلفة وتنمية الحس الأمني لديهم.”[9]
ويركز آخرون على مفهوم الإعلام الأمني من زاوية أسلوب الاتصال الذي يُتَبع في مجال الإعلام الأمني. ومن ثم فهو الإعلام الذي يتحقق بمبادرة من رجال الأمن إما بطريقة مباشرة لإنتاج الرسائل الإعلامية، كالبرامج الأمنية الإذاعية والتلفزيونية والأفلام السينمائية وغيرها، أو بطريقة غير مباشرة مثل تزويد الصحف بالأخبار والأحوال الأمنية ومجرياتها بشكل موضوعي يعتمد على المعلومات الموثوق بها.[10]
واعتبر الباحث في علوم الاتصال”جاسم ميرز” أن تعريف الإعلام الأمني يتطلب تحديد الإطار المعرفي له والذي يستند إلى جملة من الخصائص أهمها[11]:
- أن الإعلام الأمني هو إعلام متعاون مع أجهزة الإعلام الأخرى، وأنه يعمل على تحقيق أهداف المؤسسات الأمنية من خلال خلق انطباعات إيجابية عنها في أذهان الجمهور.
- هو إعلام يتوافق وسياسة الدولة ولا يتعارض مع مصالحها في الحفاظ على الاستقرار من خلال التصدي للإعلام المفتوح الذي يهدد أمن المجتمع وقيمه.
- أنه إعلام صادق وموضوعي في تناوله للحقائق والمعلومات والقوانين التي تمس بأمن الدولة والمواطن فيها.
كما أن للإعلام الأمني خصائص قد تُصعِبُ من الخوض في مضمونه، لكنها تميزه عن غيره من أنواع الإعلام الأخرى،كونه إعلام واسع وشامل بالنظر إلى ما يفرضه المفهوم لحديث للأمن بأبعاده المتعددة. وهو إعلام حساس، دقيق وموجه لوصف سلوكيات الجمهور تبعا لتنوع المواد الأمنية وتنوع حاجاته الاتصالية.
على هذا الأساس ومن خلال تلك الخصائص يمكن تعريف الإعلام الأمني على أنه:”بث الشعور الصادق بالأمن وحسن التوجه إلى وسائله وطرقه، حتى يشعر الإنسان بأمنه على حياته ودينه وعرضه، وماله وعلى سائر حقوقه الأساسية دون خوف من سلطة أو جور.”[12] وهذا الشعور بالأمان يتطلب ضمان تحقق الأمن الداخلي للدولة والمجتمع بما يضمن نشر الثقافة والمعرفة الأمنية في المجتمع. وهي الوظيفة التي يضطلع بها الإعلام الأمني بالنظر إلى تنوع عمل الأجهزة الأمنية واختلاف طبيعة عملها.
- استراتيجيات الإعلام الأمني
قبل التطرق إلى إستراتيجية الإعلام الأمني وهدفه في تحقيق الأمن وبناء الدفاع يجب بحث وتناول دوره، وهذا من خلال الوظائف التي يقوم بها والتي تحدد وتساهم في وضع تلك الاستراتيجيات. حيث تعد الوظيفة الأمنية للإعلام أحد الاهتمامات المتخصصة التي عرفها الإعلام الحديث، وذلك عبر استخدام مختلف أساليب وفنون العمل الإعلامي والقدرات الأمنية التي تعمل على:[13]
– تنمية روح المشاركة والارتباط بين الأجهزة الأمنية وأبناء المجتمع على أساس أن تحقيق الأمن يمثل ضرورة أساسية للمواطنين وهو ما يتطلب تكاثف جهود الجميع.
– إعداد البيانات والأخبار الإعلامية المتعلقة والقيام بالتغطية الإعلامية لكافة الأحداث المتعلقة بالجوانب الأمنية.
– التعريف بالأنشطة المختلفة التي تقدمها أجهزة الأمن والتي تدخل في مجال عمل الحكومة والخدمات الرسمية التي يحتاج إليها المواطنون، وكذا شرح الإجراءات اللازمة لحصول المواطنين على هذه الخدمات.
– التوعية الأمنية بكل ما هو جديد في نطاق الجريمة، خاصة الجرائم الالكترونية وغيرها من أنواع الجرائم الجديدة التي ساهمت التكنولوجيا ووسائل الاتصال في الترويج لها.بالإضافة إلى محاولة غرس المفاهيم الأمنية لدى الأفراد وتحصينهم من الوقوع في ممارسة الجريمة، بما يدعم أوجه التعاون بينهم وبين أجهزة الأمن. ويعرف الدكتور”بركة بن زامل الحوشان” وكيل الهيئة العلمية لكلية العلوم الاجتماعية بجامعة نايف للعلوم الأمنية التوعية الأمنية بأنها: “ضمان إدراك الفرد لذاته وإدراكه للظروف المحيطة به، وتكوين اتجاه عقلي ايجابي نحو الموضوعات العامة للمجتمع. وتشتمل التوعية اتجاه عقلي يعكس تصور الفرد لذاته ولأهمية سيادة الأمن على المواقف الاجتماعية والظروف المحيطة في المجتمع. ويتبلور ذلك في ترسيخ مفهوم الوقاية من الجريمة في الأذهان، وتعليم الأفراد كيفية إدارة حياتهم المعيشية العادية بطرق وأساليب تكفل لهم ولذويهم، وأموالهم الحماية والأمن. وذلك من خلال دفع الجمهور للمشاركة في أداء وظائفه بما يزيد من فعالية الأمن ودعم الجهود الذاتية للمشاركة في وضع حلول لما يحدث من مشكلات عامة”.[14]
– توجيه الجمهور للإجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة خطر داهم أو عند مشاهدة جريمة. وهذا عن طريق تفعيل سبل الاتصال بين الأجهزة الأمنية من جانب والجمهور من جانب آخر، ومحاولة إثراء الروح المعنوية والمادية لكل مقومات الدفاع عن القيم الثقافية. حيث يعمل الإعلام على تضييق الهوة بين الثقافة العامة والمعرفة العلمية الأمنية التي ظلت لفترة طويلة حكرا على المتخصصين في المجال الأمني.[15]
– التسويق للسياسات والأنشطة الأمنية المختلفة والاستطلاع المنتظم لآراء المواطنين بصدد الخدمات التي تقدمها وزارة الداخلية في الدولة، وذلك للتوصل إلى الأساليب الملائمة لتطوير الأداء والاستمرار.
– السعي المستمر والمنظم لتشكيل بيئة حاضنة للأنشطة الأمنية وخلق رأي عام مساند لها عبر توفير قاعدة معلومات أمنية تضمن للرأي العام الحق في معرفة ما يدور حوله من قضايا المجتمع ومشكلاته[16]. وكذا الاطلاع على الإعلام الخارجي وحدود العلاقة بين الواقع والأخبار الخاطئة والمزيفة التي قد تؤثر سلبا على توجهات الرأي العام وردود أفعاله.
– المتابعة الدقيقة والمستمرة لما ينشر في وسائل الإعلام المختلفة المحلية والدولية بصدد الموضوعات الأمنية أو ذات الصلة بأجهزة الأمن، والعمل على توثيقها وتحليلها من زوايا ومنظورات متعددة والاستفادة منها في وضع الاستراتيجيات والخطط الأمنية. ثم إيجاد الآليات التي تكفل التنسيق والتعاون مع وسائل الإعلام المختلفة في المجتمع عبر إعداد السيناريوهات اللازمة لطرق تعامل الإعلام مع الأزمات الأمنية المحتملة أو الموجودة. فما هي أهم الاستراتيجيات والآليات التي يوظفها الإعلام في تحقيق الأمن؟
إذا كانت الإستراتيجية هي: تنظيم للإمكانيات والقوى المتوفرة بغية بلوغ هدف معين، والتي يتضمن تنفيذها اعتماد مجموعة من الخطط التي تتحدد بالنظر إلى الإمكانيات البشرية والمادية والفنية والمالية المتاحة، فان تنظيم مختلف النشاطات والوسائل المتوفرة لتحقيق الأهداف المحددة من قبل رجال الإعلام للتعريف بالمشكلة الأمنية وأسبابها، وإيجاد الحلول لها يتطلب رسم الخطط ووضع الترتيبات التي تساعد الأجهزة الأمنية في القيام بعملها في إقامة منظومة للأمن والدفاع. عبر التقنيات والأدوات والوسائل والتعرف على مختلف المركبات والأجزاء وطريقة تفاعلها للوصول إلى التفكير والوعي بأهمية المشكلة وتوصيف طرق الحل لها.
وبالنظر إلى طبيعة الوظيفة التي يضطلع بها الإعلام الأمني عن طريق التوعية الجماهيرية والحث على المشاركة في إقرار الأمن وإيجاد برامج موحدة تُصنع بحرفية وعناية كاملة لتوجيه الرأي العام المحلي والعالمي، فانه من المناسب تبني الاستراتيجيات الآتية:
1- الإستراتيجية الديناميكية النفسية:
وتقوم هذه الإستراتيجية على الافتراضات الأساسية لعلم النفس، أي على فكرة أن السيطرة على السلوك داخليا يتم وفقا لصيغة التعليم الأساسية:المؤثر- الفرد- الاستجابة، وعليه يمكن أن تتباين سلوكيات أشخاص كانوا قد تعرضوا لنفس المؤثر.[17]حيث تركز هذه الإستراتيجية على العوامل المكتسبة لدى الفرد والتي تضم: المفاهيم، الاحتياجات، الدوافع، المعتقدات أسباب القلق، المصالح القيم، الآراء والمواقف،كمزيج معقد من مكونات سوسيولوجية وجدانية وإدراكية قابلة للتعديل عكس الخصائص البيولوجية التي من الصعب أو المستحيل تعديلها.[18]وإذا كانت العواطف تمثل أساسا واضحا لاستراتيجيات الإقناع والقدرة على التأثير، غير أن النظرية الديناميكية النفسية تركز أكثر على العوامل الإدراكية لكونها عوامل مكتسبة يمكن استخدامها في عملية التطبيع الاجتماعي والترويج لتعليم جديد يعدل من السلوك أو يُكَون سلوكا جديدا. والافتراض أنه بالإمكان التأثير على البنية الإدراكية للإنسان يجعل من الإقناع الجماهيري عن طريق وسائل الإعلام عملية ممكنة وأكيدة. ذلك أن المعلومات التي يتم التخطيط لها بمهارة وتقديمها من خلال وسائل الاتصال الجماهيرية يمكن استخدامها بفعالية للسيطرة على السلوك البشري والتأثير على العوامل الإدراكية للفرد، وتعديل الخصائص النفسية للأفراد عن طريق تقديم معلومات جديدة يتعلمونها ثم يستجيبون لها. ذلك أن العامل النفسي هو المحدد لعملية التأثير، ولهذا استخدمت عدة أساليب نفسية لتحقيق الإقناع[19]والتأثير الانفعالي والعاطفي على المتلقي للمادة الإعلامية وتوجيهه للاستجابة لمختلف الظواهر الأمنية بطريقة إيجابية تؤكد فكرة أن موقع الأمن الأساسي هو فكر الإنسان أولا.
2- الإستراتيجية الثقافية الاجتماعية:
تقترح هذه الإستراتيجية تقديم رسائل إعلامية مقنعة تحدد أو تعيد تحديد المتطلبات الثقافية وقواعد السلوك لدي الأفراد والجماعات داخل المجتمع، بحيث يؤدي ذلك إلي تعديل في السلوك الاجتماعي. والفكرة الأساسية التي تقوم عليها هذه الإستراتيجية هي أن السلوك الفردي تسيطر عليه توقعات وضوابط اجتماعية داخل النظم الاجتماعية، وبالتالي فان إقناع الفرد يأتي عبر إحداث تعديل في الضوابط الاجتماعية والثقافية داخل المجتمع وإعادة صياغتها بما يخدم مصالح المواطن وتحقيق أمنه.ذلك أن العوامل الثقافية والاجتماعية تشكل خطوطا توجيهية لسلوك الفرد داخل الجماعة[20]وتعمل على بناء وإعادة بناء الأنساق القيمية للمجتمع وأفراده من جانب. ويساهم الإعلام عامة والأمني بصفة خاصة في تعديل تصرفات الفرد من خلال وصف وتناول تصرفات الجماعة وأفعالها من جانب آخر. فقد يغير شخص نشأ في مجتمع أو جماعة لا تحترم إشارات المرور سلوكه إذا انتقل إلى بيئة اجتماعية يراعي أعضاء الجماعة فيها قانون المرور، وتقوم فيها وسائل الإعلام بدورها في الإخبار بأهمية احترام القانون وعقوبة اختراقه. وذلك انطلاقا من فكرة أن الثقافية الاجتماعية تقوم على مبدأ: “تعلم، امتثل أو تعاقب” بدلا من مبدأ “تعلم، أشعر، أعمل. “وهو ما يتطلبه هذا النوع من الإستراتيجية التي تُحَدِدْ من خلالها رسائل الإقناع الموجهة للفرد من خلال وصف قواعد السلوك الاجتماعي ومتطلباته، وتحكم الأنشطة التي يحاول رجل الإعلام أن يحدثها[21] بالموازاة مع رجل الأمن لتشكيل المنظومة القيمية النفسية والاجتماعية للفرد.
3- إستراتيجية إنشاء وبناء المعاني:
وتقوم هذه الإستراتيجية على أن التأثير الإعلامي أو الإقناع يحدث عندما تنجح وسائل الإعلام في تعديل المعاني والصور والرموز المحيطة بالإنسان، وإكسابها معاني جديدة. ذلك أن وسائل الإعلام تعمل على خلق صور ذهنية عن العالم في أذهان الناس، تجعلهم يتصرفون بناء على هذه الصور والرموز. وبالتالي تحدد سلوكياتهم تجاه القضايا التي تعالجها[22] وخاصة الأمنية منها، أي تلك المرتبطة بالأمن المجتمعي في صوره المختلفة. كما أنها تساعد الملتقى على ترتيب المعاني الداخلية حسب أولويتها وتجعل مواضيع معينة ذات أهمية وأخرى أقل أهمية، وتحدد التفكير في مواضيع معينة دون غيرها. ومنه تقوم بإنشاء المعاني وتوسيعها واستبدالها بمعاني أخرى لها دلائل في لغة المجتمع.
4- إستراتيجية الموقف المشكل:
يستخدم رجال الإعلام هذه الإستراتيجية كتقنية سليمة أثناء حدوث أزمات أمنية وكوارث قد تهدد الأمن العام للدولة. وتتميز هذه الإستراتيجية عن سابقتها في كونها لا تهدف إلي تحقيق الإقناع بشكل مباشر، بل إلى مساعدة الجمهور على متابعة الأحداث وتحليلها كمقدمة لتشكيل الرأي والرأي العام. كما أنها تستخدم لتقييم مدى كفاءة وفاعلية النظام الإعلامي ووحداته المختلفة في القيام بدوره ووظائفه في توفير المعلومات وحرية تداول الآراء أثناء تعرض الدولة لتهديدات وأخطار على أمنها، سواء كانت من إنتاج الأوضاع الداخلية المحلية، أو من جهات خارجية لها القدرة على اختراق المجتمع وقيمه.
ومهما تنوعت الإستراتيجية وآلياتها فان دور الإعلام الأمني في تحقيق الأمن وهندسة الخطط الدفاعية مرتبط بالقدرة على إحداث التغيير في السلوك الاجتماعي السلبي وتحويله إلى توجه إيجابي متفاعل مع أجهزة الأمن من خلال مشاركتها في التصدي للجريمة بأنواعها. وهو السلوك الذي يتطلب إحداث التعاون وتنميته بين مؤسسات الأمن والإعلام لإنجاح إستراتيجية التلقين والتوجيه. وهي الإستراتيجية التي تعتمد الشرح المبسط والمقنع لمختلف الضوابط التي تحكم النظام العام. وذلك من خلال البرامج الإذاعية وتلفزيونية، وبيانات معززة بالصور والرسوم. وهو التلقين الذي يتبنى التعريف بالأنظمة الاجتماعية والقانونية، والتعاليم الدينية، والقيم الثقافية والمقومات الوطنية[23].
غير أن سياسة التلقين والتوجيه وكذا الإرشاد التي يجب على الإعلام الأمني اعتمادها تتطلب اعتماد الدقة الفنية والمعرفة القانونية والإشارات النفسية والتحليلية الهادفة. واستخدام الكفاءات الفكرية والمهنية[24]لإقناع الجمهور وتوعيته والتأثير فيه بما يخدم الأمن ويعزز الدفاع.
كما أن نجاح هذه الاستراتيجيات مرتبط بمدى تحقيق الانسجام بين ثلاثة عوامل تؤثر في استجابة الجمهور تجاه التحذيرات من الأزمة والتهديد على الأمن وهي:
- طبيعة ونموذج المنبه (التحذير) وكيفية الاستجابة له. وهذا يتطلب بحث طبيعة المادة الإعلامية وكيفية إنتاج وإعداد البرامج والقصص والمسلسلات والحصص والمسرحيات، وكذا نوعية الأجهزة والآليات المستخدمة من قبل وسائل الإعلام.
- عوامل تدخل في تفسير الجمهور لرسائل التحذير: وهي مختلف الظروف التي يتلقى فيها الجمهور الرسالة الإعلامية وكذا علاقة الجمهور بأجهزة الأمن: هل هي علاقة ثقة أم أنها علاقة تزيف وخداع من جهة. ثم أبعاد الأفكار الإعلامية وقدرتها على بناء جسور للتواصل والعلاقات العامة بين الجمهور ورجل الأمن، والحصول على الرضا المتبادل الذي يعزز تقاسم المسؤولية المشتركة.
- صورة الجمهور لدي المخططين والقائمين على بناء الأمن والدفاع:أي كيف يتصور المخططون والقائمين على مؤسسات الأمن طبيعة الجماهير التي سيخاطبونها، وكيف ستكون ردود أفعالهم تجاه السياسة الأمنية المتبعة في إدارة الأزمات ووضع الخطط اللازمة للوقاية من أخطار الجرائم بأنواعها. كما أن البحث في طبيعة الجمهور وسلوكياته مرهون بالدور الذي يقوم به الإعلام الأمني في التوجيه، الإرشاد، والإقناع كما ذكرنا سابق. ومتى حدث التوافق والانسجام في التعامل مع هذه العناصر الثلاثة السابقة سيكون من السهل على الإعلام الأمني كإعلام متخصص صياغة إستراتيجية إعلامية لإدارة الأزمات والوقاية منها.
كخلاصة لهذه الورقة يمكن القول أن تنوع الاستراتيجيات وتعددها لا يعني بالضرورة نجاح الإعلام الأمني في بناء وهندسة منظومة للأمن والدفاع. لأن ذلك مرهون بطبيعة المجتمع الذي تعمل فيه أجهز الإعلام، وقدرتها على القضاء على التناقض الموجود بين قيم ذلك المجتمع وما تعرضه وسائل الاتصال والإعلام من ومواد وبرامج من ناحية. ثم وجوب حدوث التكامل بين الجمهور، رجل الإعلام ورجل الأمن من ناحية أخرى. وهذا من خلال إيجاد البدائل المرتبطة بقيم الأمة وعاداتها وحضارتها والاستعانة بوكالات وأجهزة وخبراء وفنيين مختصين لإحداث التنسيق بين وحدات الأمن وعناصره وبين رجل الإعلام والمواطن. وهو الأمر الذي نفتقره في عالمنا العربي، خاصة وأن أجهزة الأمن في بلداننا هي أجهزة سرية بعيدة في تكوينها وأفكارها وأفرادها عن المواطن كجمهور يحق له الحصول على المعلومة ومعرفة الحقائق. الأمر الذي يسب غياب الثقافة الأمنية كمعلومات لدى رجل الإعلام مما ينقص من دوره في بناء الحس الأمني والوعي بالمسؤولية الاجتماعية لدى المواطن.
كما أن واقع المجتمعات العربية يؤكد عجز المواطن، ورجل الإعلام وكذا رجل الأمن عن التمكن من المساهمة في تحقيق التنمية كمعطى أساسي للأمن. وهذا بسبب تعدد العوامل المؤثرة في بناء فرد واعي ومنتج، ومنها المؤثرات السياسية والاقتصادية والسكانية التي تخل بالنظم التعليمية والتربوية والتثقيفية الكفيلة بخلق نسيج للعلاقات المتوازنة داخل المجتمع.
1 WOLFERS (Arnold)، “National Security as an Ambiguous Symbol”، Political Science Quarterly, Vol. 67, n°: 4 (Dec, 1952)، The Academy of political science,
in ( http://www.jstor.org/stable/2145138), accessed: 05/11/2012 19:57.
[2]مازن إسماعيل الرمضاني، “مقدمة في الجوانب النظرية لمفهوم الأمن الخارجي”، مجلة الأمن والجماهير، السنة الثانية العدد 04، العراق، تموز-يوليو 1981، ص70.
[3]BATTISTELLA(Dario), Théories- des Relations Internationales, Paris, Presses de Sciences Po, 2006, p462.
[4] فتحي الأبياري، نحو إعلام دولي جديد: دراسات إعلامية معاصرة، دط، مصر، د.د.ن، 1988، ص 16.
[5]حسن عبد الحميد أحمد رشوان، العلاقات الاجتماعية في القوات المسلحة، دراسة في علم الاجتماع العسكري، ط 2 الإسكندرية، د.د.ن، 2004، ص 126.
[6]سعد الدغمان، “الإعلام الأمني…التعريف، الوظائف، الإشكاليات”، الإمارات العربية المتحدة، مركز الإعلام الأمني على الموقع ( http://www.policemc.gov.bh/mcms-store/pdf)، يوم 20 أكتوبر 2016، سا 22.
[7]جاسم خليل ميرزا ناصر، الإعلام الأمني والتوعية من الانحراف الفكري، الرياض، جامعة نايف للعلوم الأمنية 2007، ص6.
[8]الجحني علي فايز، الإعلام الأمني والوقاية من الجريمة، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2000، ص 32.
[9]حمدي محمد شعبان، الإعلام الأمني وإدارة الأزمات والكوارث، د ط،مصر، الشركة العربية المتحدة للتسويق والتوريدات، 2005، ص44.
[10]سعد الدغمان، مرجع سابق.
[11]بسام عبد الرحمان المشاقبة، الإعلام الأمني بين الواقع والطموح، الأردن،عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط1 2012، ص124 .
[12]بسام عبد الرحمان المشاقبة، الإعلام الأمني بين الواقع والطموح، ط1، عمان، الأردن، دار أسامة للنشر والتوزيع2012، ص122.
[13]سعد الدغمان، مرجع سابق.
[14]محي الدين عبد الحليم وآخرون،الإعلام الأمني العربي قضاياه ومشكلاته، دط، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، مركز الدراسات والبحوث، 2002، ص156.
[15] بسام عبد الرحمن المشاقبة، مرجع سابق، ص 179.
[16] نفس المرجع، ص 181.
[17] حسين سالم الشرعة، “الأساليب الأمنية في الإعلام الأمني”، الرياض، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، 2005، على الموقع: ( http://www.mhceg.com/2016/10/pdf_88.html).
[18] ملفين ديفلير، ساندرا بول روكيتش، نظريات وسائل الإعلام، ترجمة كمال عبد الرءوف،مصر،القاهرة، الدار الدولية للاستثمارات الثقافية، 2002، ط4، ص 380.
[19] ملفين ديفلير، ساندرا بول روكيتش، مرجع سابق، ص 383.
[20]أديب خضور، دور الإعلام التربوي في مكافحة المخدرات – كيف يعالج الإعلام العربي المخدرات – دراسة ميدانية، سوريا، دمشق المكتبة الإعلامية، 1995، ط1،ص16 .
[21]عامر مصباح، الإقناع الاجتماعي، خليفة النظرية والياته العملية، ديوان المطبوعات الجامعية، بن عكنون، د.ط،2005،ص 53.
[22] ملفين ديفلر وساندرا بولروكيتش: مرجع سايق، ص ص 398،399 .
[23]عبد الله شقرون، “واقع العلاقة بين الأعلام والأمن في الوطن العربي”، مجموعة مؤلفين، علاقة الإعلام بالمسائل الأمنية في المجتمع العربي الرياض، المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، 1988، ص ص53، 54.
[24]نفس المرجع ص55.