
الهوية الوطنية الامريكية: دراسة في الثوابت والتحديات للسياسة الخارجية
م.د مالك محسن العيساوي، كلية العلوم السياسية- الجامعة المستنصرية، العراق.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 15 الصفحة 49.
الملخص:بحكم ما تمتلك الولايات المتحدة الامريكية من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية واعتبارية، ولكونها البلد الاقوى على الساحة الدولية ، رغم ذلك ، فانها باتت تعاني على مر الزمن الكثير من الانكسارات الملحوظة على الصعيد الخارجي ، والتي هي انعكاسات لما تعانيه من تراجع وانقسام داخلي، الامر الذي يستوجب على اي مراقب للشأن العام الدولي، ان يتوقع اتجاهات سياسية معادية للولايات المتحدة الامريكية .
Abstract:
According to what the United States of America had as ; Political, Economic, Military, Cultural and Prestigious Power . that make it the Strongest Country in the International Order. But through the time, the United States of America become unqualified for its external Role, because of its regression through the internal divisions which cause any observer to understand the condition and also excepts the aggressive political trends of the united states.
مقدمة:ان ما حصل في 11 ايلول/ سبتمبر 2001، شكل منعطفاً كبيرا في حياة الشعب الامريكي المغرور والمتباهي بقدرة وامكانات دولته للوصول لأية نقطة في العالم تشكل تهديداً له، الا ان ما حصل في تلك الحادثة وقد باتت النيران متوقدة ومدمرة داخل البيت الامريكي، كان اعلاناً على افلاس ذلك الادعاء وعدم صحته. وازاء ذلك، فقد كان القلق شديدا على وحدة وقوة الوطن الامريكي لاسيما بعد ان تلمس السياسيون الأمريكيون قلة عاطفة الشعب الامريكي ازاء ما يتعرض له وطنهم من مخاطر.
ان الولايات المتحدة الامريكية وفي تصور جميع سكانها قوة لا تجارى “Hyper Power” ولذلك فان الصدمة التي حصلت في 11 سبتمبر 2001، لم تكن هينة او عابرة. فهذا البلد له شكل محدد واقتصاد يضع الاولوية دائما للكسب المادي، مع الاستعداد الكامل للتجاوز عن الظلم الناتج عن ذلك، وسطوة عسكرية يرهبها العالم كله، مع التشديد على اهمية العقيدة الدينية بكل ما يتبعها من قيود، وهم في ذلك يحذون للترويج للمثالية المتفوقة لأسلوب الحياة الامريكية، لان كون المرء وطنياً يلزمه بالضرورة ان يؤمن بان الولايات المتحدة تتفوق على كافة المجتمعات الاخرى بما فيها المجتمعات الاكثر قدماً وحضارة ووعيا كحال المجتمعات الاوروبية. والاكيد ان ذلك غرورا لايطاق لازم الامريكيين دوماً.
وهذا البحث يحاول الوصول الى مقاربة موضوعية في تأشير المفاهيم الوطنية الامريكية وطبيعة تعاملها مع المحيط الدولي لاسيما وان الولايات المتحدة الامريكية مازالت القوة الاعظم في الحياة الدولية، ولها من التأثير والنفوذ الشيء الكثير. ولذلك فقد قسمنا البحث الى مطلبين: فضلا عن المقدمة والخاتمة وفقا بالاتي:
المطلب الاول: القيم والمفاهيم الوطنية الامريكية.
المطلب الثاني: التحديات التي تواجه الهوية القومية الامريكية.
المطلب الاول: القيم والمفاهيم الوطنية الامريكية
ان حب الوطن عند جميع شعوب العالم، كان دوما من اسمى الفضائل واكثرها رسوخاً واستمرارية وهذا ما يمكن تلمسه في القدسية التي يعطيها المواطن لعلم وطنه ونشيده الوطني او في التمسك بالشارات التي لها علاقة صميمية بالوطن وتاريخه، وهذا يتخذ اشكالا عدة، يحاول الجميع ان يبرزوها ويشيروا اليها بالاحترام والمحبة وبالطريقة التي تضمن استمرارها مع الاجيال.
وفي الولايات المتحدة الامريكية، يتخذ التعبير عن المفاهيم الوطنية والالتزام بها اشكالا متعددة، بعضها ايجابي وبعضها سلبي. الا ان القاسم المشترك بينهما يؤكد على ضرورة ان يؤمن الفرد الامريكي بتفوق دولته ومجتمعه على كافة المجتمعات والدول الاخرى، كون ذلك الطرح يتماهى وما تحقق لهذه الدولة من امكانات وقوة وقدرة لم يسبقها اليها احدا على مر العصور التاريخية فالتفرد الامريكي بالقوة الان، اوسع واخطر مما كان متوفراً لاي قيصر روماني، بحكم النطاق الجغرافي للصراع وما وفره العلم من مستحدثات هائلة وغير مطروقة، مما اعطى الارجحية للولايات المتحدة الامريكية من حكم الدنيا بقاراتها ومحيطاتها وفضائها الكوني، وهو وضع غير مسبوق([1]).
وهذه الاستثنائية يفهمها الامريكيون مؤسسة على ركنين اساسين مرتبطين بالشخصية الامريكية، الاول: الحرية والثاني الفردية، لانهم يرون ان الحرية تقود الى الفردية وهذه تقود الى الاستقلالية والاخيرة تقود الى السيطرة على النفس، والسيطرة على النفس تبدأ بالسيطرة على اللسان الذي تؤكد الثقافة الامريكية على الهدوء ان لم يكن على الصمت الذي يفهم على انه”استعلاء” على الاخرين([2]).
وهذا ما يجعل الشعب الامريكي وسياسيه متلبسون بالعظمة والتفرد عن الاخرين كونهم جعلوا هذه القارة قلب العالم ومحركة الاول.
والنبرة الأوسع قبولا وانتشاراً ضمن المفاهيم الوطنية الامريكية تتمثل بالترويج للمثالية المتفوقة لأسلوب الحياة الامريكي التي لا تضاهيا ايه اساليب اخرى مهما كانت نجاحاتها، وهذا ما يؤكد عليه المحافظون بكافة صورهم ومرجعياتهم الفكرية لاعتبارها احد اشكال التعبير عن الوطنية([3]) وتجذر هذا الطرح عند الاعم من الشعب الامريكي والايمان به، ينعكس سلباً في شكل التعامل مع البيئة الدولية ومشاكلها، كون من يتعاطى هذا الامر يشعر بالتفوق عن الاخرين، وهذا ما يمنحه حسب التصور الامريكي، الحكمة والفطنة والعدل فيما يقترحه ويطلب تنفيذه. وبلا شك ان اتساع وشيوع مثل هذه الافكار، ينم عن عنصرية متزمتة اقرب ان تكون متقاربة وما كانت تقول به النازية والفاشية في عصرهما الذهبي. لكن الممارسات الامريكية في المحيط الدولي تكذب ذلك التصور والادعاء ازاء ما اتسمت به من عدوانية وظلم متعمد دون اعتبار لأية مشروعية اخلاقية وانسانية اخرى([4]).
وعلى الرغم من ان ما يواجه فريق المحافظين هم فريق الليبراليين، الا انهم لا يختلفون على الهدف المراد الوصول اليه، بل ان جل اختلافهم منصب على الاساليب التي توصلهم لذلك الهدف. فالليبراليون، يرون ان مظاهر الحياة الامريكية، تستوجب من الجميع اسمى درجات التقدير والاولية، وهو ما لم يضعه فريق المحافظين ضمن اولوته. كما ان شكل المعارضة التي يمارسها الليبراليون تتوجه من خلال الصندوق الانتخابي والحياة الديمقراطية، وهذا ما يزدريه الفريق الاخر. واشد الانتقادات التي يوجهها الليبراليون لمنافسيهم من المحافظين، تنصب على الظلم الفادح الناتج عن اقتصاد السوق الذي لايهتم او يرعى كثير من أوجه الحياة الامريكية، مثل الصحة والتعليم والثقافة([5]) وهذا بلا شك سينعكس في شكل التعامل مع المحيط الدولي، الامر الذي يولد ازمات وتشنجات كثيرة تجبر الولايات المتحدة على التعاطي معها، وفقا لمفهوم القوة والهيمنة الذي يؤمن به المحافظون، مما يزيد من مساحة الكره والرفض للسياسه الامريكية وقواعدها الحياتية.
أن الوصول الى وطنية أمريكية ناقدة وناكرة للذات، لم تجد قبولاً لدى من نصبوا انفسهم حماة المتناقضات، فهانتغتون- يشير الى قلقه الشديد على وحدة وقوة وطنية، كون الوطنية اصبحت عند الجميع عاطفة مهددة بالانقراض، كما اصبح الكسب المادي والقوة العسكرية والورع الديني من السمات الثابتة للشخصية الامريكية شبه الرسمية([6]). اما الاستبداد الذي يخشاه الفريق الليبرالي والذي لا يمانعه فريق المحافظين، فقد انتشر داخل امريكا وخارجها على السواء، مما اذن بوجود مخاطر جمة على الحياة الديمقراطية([7]).
والحديث في اطار المفاهيم الوطنية الامريكية، يرتبط دوماً بالتزمت والتمايز ولا سيما من قبل فريق المحافظين ذوي الصوت العالي في الحياة الامريكية، مستغلين النزعة الدينية الاصولية التي بدأت تنتشر في المجتمع الامريكي بشكل واسع. فبعضهم يرى ان هوية الامة تشكلت يوم اكتشفها المستعمرون البريطانيون الذين جلبوا معهم ثقافة مميزة تتضمن اللغة الانكليزية والقيم البروتستانية والنزعة الفردية والالتزام الديني واحترام القانون([8]). اي اهتم يقصرون وجود الهوية الامريكية على الانجلو- ساكسون المعتنقين الديانة البروتستانتينية تحديدا والذين يحملون كل الفضائل الايمانية، في حين ان الولايات المتحدة باتت موطناً لمهاجرين كثيرين من مختلف انحاء العالم ومن ثقافات وديانات متعددة.
لقد اثر الدين المطبق في المجتمع الامريكي حتى في صياغة القرارات السياسية ذات الشان المتعلق في السياسة الخارجية الامريكية، بحيث بدى في اوقات كثيرة، وكأنه صدى لموعظة دينية وليس لمنهج سياسي لدولة بحجم وتاثير الولايات المتحدة، وقد كان هذا الامر اكثر من بارز وبطريقة فاضحة احيانا ايام رئاسة- بوش الابن-2000-2008، حينما خطفت مجموعة من المحافظين الجدد وبما اشتهر عنهم من اصولية دينية كل حجم وتاثير الولايات المتحدة العالمي، بحيث بات البيت الابيض مكاناً للتلقين الديني وليس مقراً لتقرير السياسات، حينما بدى مقر الرئاسة الامريكية مقرا للصلاة يقوم بها المعنيون بين قراءتين جماعيتين للعهد القديم والعهد الجديد بإدارة شؤون امريكا والعالم([9])، وكما نلمس ذلك واضحا في تصرفات وقرارات الرئيس ترامب منذ اعتلائه سدة الرئاسة ولعل في قراره نقل سفارة الولايات المتحدة الامريكية للقدس، عينة واضحة لتلك الاتجاهات.
ويرى- هانتنغون- بانه الى وقت قريب فان الاخرين من غير البيض البروتستانت الانجلو- ساكسون، لم يصبحوا امريكيين الا بعد ان اعتنقوا القيم الثقافية والسياسية الانجلو- بروتستانتية الامريكية([10]) وفي الحقيقة فان من وصلوا الى الولايات المتحدة بعد ذلك، لم يتكيفوا تماماً فقط، بل وتخلوا بمرور الوقت عن كثير من سماتهم المميزة. فعلى الرغم من ان الالمان هم اكبر الجماعات المهاجرة من اوربا، فمن الصعب اليوم ان تجد لهم اثرا يذكر وبشكل واضح ومتميز، والمثل ينطبق على الاعداد الكبيرة من الايرلنديين والاسكتلنديين كونهم انصهروا وذابوا في المجتمع المختلط المتعدد الاعراق، فضلا عن الزواج المختلط والعلاقات الاخرى مما جعل امريكي الحاضر يتحدرون من اصول مختلفة([11]).
ويشدد الكثيرون- واغلبهم من الفريق المحافظ- على ان الاصول البروتستانتية تعتبر عنصراً رئيسا في الهوية الامريكية. ونجد ذلك مغالاة متزمتة لا تستقيم والحياة العصرية كون الولايات المتحدة لم تكن الا موطنا لمن هاجر اليها واستقر وتفاعل مع حركية مجتمعها بما يخدم المجتمع الامريكي. صحيح ان ديانة كل المستكشفين تقريبا كانت البروتستانتينية، لكن ذلك لا يحمل الزاماً على الجميع ممن جاءوا بعدهم واستوطنوا هذا الحيز الجغرافي بان يتابعوهم بما أمنوا به. فضلا عن ذلك، ان حركة الاصلاح الديني التي قادها “مارتن لوثر” وتابعها من بعده “جون كالفن” في سنوات القرن الثالث عشر، كانت موجودة لاكثر من قرنين قبل اكتشاف امريكا، وكانت قيمها قد اندمجت تماماً في الحياة الاوربية والامريكية بحلول ذلك الوقت([12]).
ان فرض عنصر ديني محدد على الثقافة السياسية الامريكية، امر يصيب الجميع بالدهشة والصدمة، ليس لانه لا لزوم له، وانما ايضا لانه باعث على الفرقة. فالولايات المتحدة ومنذ ان وطأ المستوطنون الاوائل الارض الامريكية، لم يكن في نيتهم ان يجعلوها منبراً واقليما دينياً، بقدر ما تجذر في سعيهم، الحصول على الحرية والدفاع عنها بغض النظر عما يؤمن به الفرد الامريكي، ودليلنا على ذلك، ان من وقع على وثيقة الاستقلال عام 1776، كان كاثوليكياً، كما ان المؤتمر الدستوري الذي انعقد عام 1787، كان يضم بين اعضائه التسعة والثلاثين اثنين من الكاثوليك([13]) وهذا يؤكد ان النزعة الدينية المتشددة والطاغية في الوقت الحاضر، لم تكن حاضرة في ذهن وعقل الاباء المؤسسين وهم بصدد بناء تجربة تكون اولى ملامحها الحرية الفردية في كل شيء وبعيداً عن أي شيء([14]).
لقد ظلت القارة الامريكية للجميع ممن اتجهوا نحوها، قارة مليئة بالفرص التي قد تؤدي للانتقال لحالة احسن، وربما تصل بصاحبها حد الثراء، اذا استطاع الامساك بفرصته، لأنه يعيش في بلد غني في الموارد وبلا حدود. كما ان هجرة من اتجه نحوها كانت مشروطة بالتخلي عن القديم بكل موروثاته والبدء من جديد لمن يبغون الفرص الطموحة. وهنا بدأت في الظهور مجموعة قيم مثيرة ومرنة في مواجهة احوال عالمها الجديد، من رغبة في استكشافه والنفاذ الى عمقه والقسوة في التعامل معه، من ادراك انها لا تستطيع ان تعود الى حيث كانت قبل ان تعبر المحيط([15]).
لقد عد المهاجرون الجدد، ولا سيما المتدينون منهم، ان العالم الجديد هو ارض الميعاد، وهذا ما بان حتى في مواعظهم لمن رافقهم في رحلة المشاق عبر المحيط باتجاه الارض الجديدة، حيث عدت المستعمرة الاولى التي اقامها المستوطنون في “New England” بمثابة “اورشليم” وكأنهاارض حباها الله واكرمها للمهاجرين الجدد والذين اسماهم القسس البروتستانت بانهم شعب الله المختار بعد ان عجز سكانها الاصليين عن تطويرها واستثمارها بشكل صالح([16]).
ومثل تلك الامور دفعت هؤلاء المهاجرين ان يتماثلوا في كل شيء جديد، بعد ان ينفضوا عن ظهورهم كل احمال الماضي استعداداً لإقامة مجتمع جديد ومتطور. وهذه الظاهر من حيث كونها استثناء في مسار التاريخ، فرضت نفسها على عقلية المهاجرين وسيكولوجيتهم، فقد وجدوا انفسهم متحررين من اسر التاريخ والجغرافيا في قارة واسعة غنية بالموارد، مما ادى الى حركية عالية تبدت في صور متعددة ابرزها الاندفاعية الاستيطانية نحو الغرب والتي انتهت اواخر القرن التاسع عشر باستكمال فتح القارة واستعمارها([17]).
ولذلك فإزاء هذا الثراء الكبير والنطاق الجغرافي غير المحدود، ترسخ في مفهوم الوطنية الامريكية، ان الشعب الامريكي مسكون بحقيقة مفادها، انه يجسد امراً الهياً قاده الى الاستيطان وابادة الشعب الامريكي الاصلي واستعباد الاخرين تمهيدا للسيطرة والهيمنة على العالم([18]) دون ان ننسى ان الامريكيين من اكثر الشعوب الغربية اهتماما بالدين والتمثل في محتواه، وهذا متأت من كونه ذا صلة بالموجات المهاجرة الاولى للعالم الجديد من المضطهدين دينياً. ولذلك نجد الكثير من الامريكيين متمسكين بالتطبيق البروتستانتي دينياً، لانه بتقديرهم قد ساهم في عملية التوحد الاجتماعي، كما وانه بفضل القيم التي يحملها كان عاملاً اساسياً في رقي الدولة الامريكية عن سواها من الامم والشعوب، كونها مكلفة بانجاز وظيفة رسالية لنشر هذه القيم خارج حدودها الجغرافية([19]) بل ان المؤرخ الامريكي “دانيال بورستني” ذهب اكثر من ذلك في تمجيده الشعب الامريكي بطريقة متناهية، حينما يقول “ان الشعب الامريكي هو شعب الله وكل خصم له يعد عدواً لله”([20]).
ان مجموعة القيم والمفاهيم الوطنية الامريكية، والتي باتت الى حد كبير انعكاس لحركية وتفاعل وتصريف الامور من قبل المجتمع الامريكي، كانت في بداياتها تحمل الكثير من المثاليات الانسانية، الا انها وبحكم القدرة التي تعبر عنها القوة في الجانب العسكري والسياسي والاقتصادي والاعتباري، انحرفت كثيرا عن مساراتها الاصلية، بل انها ابتعدت كثيرا عن وقواعدها الاساسية، مما سبب اختلالاً داخلياً، ورفضا وادانه على عموم المحيط الخارجي، الامر الذي افقد الولايات المتحدة الامريكية الكثير من مصداقيتها وقبولها في المجتمع الدولي وبالشكل الذي لا يتوافق وما متوفر تحت يد الساسة الامريكيين من وسائل وموارد تمكنهم ان ياخذوا العالم معهم في اية قضية، دون الحاجة للتعبير عن ذلك بالوسائل الخشنة والصلبة. الا ان غرور القوة والامكانات المتوفرة مع فقدان الحس الانساني، جعل الولايات المتحدة تتنصل كثيراً عن القواعد الوطنية التي ارساها الاباء المؤسسون لهذه الدولة الباذخة، مما اوقعهم في تناقض حتى مع اساسيات الفكر الذي اقيمت على اساسه هذه الدولة.
المطلب الثاني: التحديات التي تواجه الهوية القومية الامريكية
تواجه كل مجموعة قيم ومفاهيم ذات بعد وطني او قومي، جملة من التحديات التي تستهدف اختراقها او تعطيلها او الغائها، ان امكنها ذلك. والكثير من شعوب العالم عاشت وتعيش مثل هذه الحالة سواءا في زمانها الايجابي او السلبي، كون المجتمع الدولي مجتمع صراعي بشكلية العنيف والناعم، كما ان الانسان جبل منذ الخليقة في السعي نحو مصالحة وامنه واستقراراه ومشروعه المستقبلي.
ومن اولى التحديات التي يراها مفكروا الولايات الامريكية وكتابها والتي اشاروا اليها كثيرا، ما سموه بـ”الاسبنة” والمقصود بها توصيف الامريكيين المهاجرين من دول امريكا اللاتينية والمنحدرين من اصول اسبانية، كونهم ذوي اعداد كبيرة مع يرافق ذلك من كثرة المواليد مما يتيح لهم ان يطوقوا الولايات المتحدة من اجزاء كبيرة من الوطن الامريكي([21]).
ويرى- هانتنغتون- ان هذه المخاطر متأتية من كون هذه الشريحة ما زالت متمسكة بتقاليدها واعرافها وحتى لغتها الاسبانية، مع تحفظهم على الكثير من القيم والتقاليد التي تنسجم والحياة الامريكية، كما انهم ظلوا متمسكين بالتقليد الكاثيوليكي دينيا وسعوا نحو كسب الاخرين باتجاههم، في حين انا نلاحظ انه قال وكما اشرنا في المطلب الاول، ان نجاح المهاجر في الولايات المتحدة، يستوجب عليه ان يتماهى والسائد دينياً واخلاقياً فيها بعد ان ينفض كل قديمة قبل ان يعبروا الحدود باتجاهها([22]).
وخوف- هانتنغتون- وغيره من المفكرين، ياتي من مراقبته للأعداء المتزايدة من المهاجرين اللاتينيين. ففي التعداد السكاني لعام 1970، شكل الامريكيون الاسبان الذي ترجع اصولهم العائلية الى دول امريكا اللاتينية نسبة 4.5% من السكان. اما في تعداد عام 2000، قد ارتفعت نسبتهم الى “12,5” في حين ان نسبتهم في تعداد 2010، ارتفعت الى “15.3%” وقد جاء “58,5%” من هؤلاء من اصول مكسيكية، بينما جاء مواطنوابورتوريكا في المرتبة الثانية وبنسبة “9.6%” يليهم الكوبيين بنسبة “3.5%”، ثم خليط من دول امريكا اللاتينية يحتل ما تبقى من النسبة المئوية. وما يزيد من قلق علماء الاجتماع الامريكيين، ان العائلات الاسبانية الاصل لديها “2,7%” طفل في المتوسط، بينما يدور الرقم عند العائلات الامريكية البيضاء حول “1.8” طفل والذي يقل عن الحد المطلوب للحفاظ على معدل الاحلال([23]).
ويختلف تدفق المهاجرين من ذوي الاصول الاسبانية عن غيره، نظرا لقرب الولايات المتحدة جغرافيا من المكسيك والدول الاخرى المتحدثة بالإسبانية في القارة اللاتينية. ومن الواضح ان هذا القرب الجغرافي يسهل الهجرة الى الولايات المتحدة، وخاصة الهجرة غير الشرعية والتي تمثل ما يقارب “45%” من الاسبان الموجودين على الاراضي الامريكية([24]).
ويجب ان نؤشر هنا، ان قرب اوطان المهاجرين للولايات المتحدة، يضعف من ولائهم لأمريكا حتى عند الجيل الثاني والثالث ويزعمهانتنغتون- ان الكثير منهم يحتفظ باللغة الاسبانية كلغتهم الام بل ويطالبون بفصول دراسية ثنائية اللغة لابنائهم، كما انهم يختارون العيش في احياء خاصة بهم بعيدا عن الاختلاط مع الامريكيين من البيض، كما ان اغلب اجازاتهم السنوية يقضوها في بلدانهم الاصلية([25]).
بل انه يتخوف من هذه الهجرة ولا سيما المكسيكية منها، بسبب السهول النسبية في دخولهم للولايات المتحدة في ان تجري تحولات سكانية عكسية في المناطق التي استولت عليها الولايات المتحدة من المكسيك بالقوة في ثلاثينيات واربعينيات القرن التاسع عشر([26]). في حين ان الادارة السياسية المكسيكية، تجد ان اكبر مشكلة للمكسيك، هي مجاورتها للولايات المتحدة، كونها تستنزف الكفاءات المكسيكية واليد العاملة الرخيصة، فضلا عن كونها ممر اساسي لتجارة المخدرات القادمة من كولومبيا، الامر الذي يؤثر على الامن والصحة والاجور داخل المكسيك([27]).
ونجد ان- هانتغتون- يغالي كثيرا في مخاوفة من الهجرة اللاتينية، كون ان جميع سكان الولايات المتحدة هم من المهاجرين الذين استطاعوا ان يتكيفوا مع السائد من الثقافة والقيم الاجتماعية والانسانية في المجتمع، مع ترسخ ولائهم الوطني لبلدهم الجديد. وتعتقد أن مخاوفه محكومة بإرث ثقافي متزمت يجد في وعاء الثقافة الانجلو- ساكسونية المعيار الاساس في درجة الولاء الوطني، وهذا ما يدلل على تعصب لا اخلاقي وانساني غير مبرر وذو نزعات عدوانية.
ومن التحديات الاساسية الاخرى التي يعاني منها المجتمع الامريكي في الوقت الحاضر ولها من الانعكاسات الشيء الكبير في البيئة الدولية، ما يمكن ان نسميه بتجذر الاصولية “Fundamentalism” لديهم وعليهم. فإزاء العدوانية الامريكية الموجهة بالضد من الكثير من ثقافات واديان العام، وفي المقدمة منهم الدين الاسلامي، باتت لوحة العلاقات المتفاعلة في هذا الجانب، ذات منحى عدواني ان لم يكن دموي بامتياز، كون الامر لم يعد محصورا موضعيا في حيز جغرافي معين، بل حيثما كان للمسلمين حضورا وتواجدا، وهذا ما يمكن تلمسه في افغانستان والعراق وفلسطين ولبنان وايران، بل وحتى داخل الاراضي الامريكية ازاء المسلمين الامريكيين، لا سيما بعد ان دخلت الكثير من الآراء والمفاهيم الصهيونية داخل الفكر الديني المطبق في الولايات المتحدة، بحيث بدى بمكان، ان التفرقة بين العقيدة الدينية الامريكية والمفاهيم الصهيونية امر في غاية الصعوبة([28]).
لقد شكلت الاتجاهات الصهيونية عنصراً بارزا في الحياة الثقافية والسياسية الامريكية منذ البدايات الاولى لاستيطان العالم الجديد، وبشكل اوسع خلال النصف الثاني للقرن السابع عشر([29]). كما ارتبطت افكار “شعب الله المختار” و”ارض الميعاد” و”وعد الله” بالمهاجرين البروتستانت البيوريتانيين الاوائل الذين هاجروا للعالم الجديد من اجل استعماره. لذا اصطبغت هذه النزعة البروتستانتية بصبغة يهودية، وانبثق من هذا اللاهوت البروتستانتي البيوريتاني مسيحية صهيونية امريكية قبل صهيونية “هرتزل” بحدود قرن من السنين([30])، وهذا التراث رفد الثقافة والسياسة في الولايات المتحدة باعتقاد “الالتزام” باقامة اسرائيل وعودة اليهود اليها والانحياز لهم كالتزام لاهوتي وثقافي، ومن ثم سياسي([31]) هذه الانحيازات المطلقة، بقدر ما اشاعت اصولية دينية داخل الولايات المتحدة، فانها دفعت الاخرين “المسلمين” للرد عليها بأصولية دينية متزمتة اخرى، مما دفع طرفي العلاقة ان ينظر احدهما للأخر بعدوانية وعدم ثقة والارتياب في كل انشطتهما، مما خلق جوا عدوانياً وخطيراً حيثما كان للمؤمنين بهذه الديانات تواجداً. كما ان هذه الاصولية والتي تمارسها الدولة الاقوى في العالم اتجاه الاخرين، عطلت ان لم تكن قد اسقطت كل وسائل السياسة والدبلوماسية المطلوب توفرها لعلاقات الشعوب والثقافات مع بعضها، لاسيما وان حالات الريبة والشك باتت الحاكمة في النظر والتصرف ازاء الاخر، مما دفع بالتطرف ان يحقق له مساحات واسعة عند كلا الطرفين.
والغريب ان هذه الاصولية المتزمتة والالتزام المطلق بما تسعى اليه اسرائيل وتنفذه، يوقع الكثير من الخسائر الكبيرة في المصالح والامن الامريكي، وهذا ما يتقاطع ومفهوم “البرغماتية” الذي قدمته التجربة الامريكية للحياة الانسانية بشكل عام. ومع وعي الجانب الامريكي بهذه الحالة وما تسببه من خسائر فان تدوير سياساتهم في هذا الامر تنتهي للانحياز والقبول بما ترغب به اسرائيل، حتى وان كان الامر يضر بمصالح الولايات المتحدة الامريكية ويعرض امنها للخطر، وهذا ما عبرت عنه احداث 11 سبتمبر 2001 التي فضحت الادعاء الامريكي بالتفوق والريادة والزعامة المطلقة([32]).
فالأصولية الدينية الشائعة في الولايات المتحدة مكنت الصهيونية المسيحية لانتشار في الاصولية الانجيلية المطبقة في الولايات المتحدة، بحيث باتت ترى في العهد القديم “التوراة” الكتاب الوحيد للاجتهاد ولاستنباط الاحكام والفلسفة الدينيتين، كما ان هذه الفرق حولت العهد القديم من كتاب ديني الى كتاب سياسي يقوم على قاعدة العهد الالهي بالأرض المقدسة للشعب اليهودي المختار([33]).
ان تجذر الاصولية الدينية بما يتبعها من اجراءات تأخذ معنى القوة والقسر والاكراه، سيضيق مساحة الحوار الحضاري المتبادل بين الحضارات تحت حجج ومسوغات لاتستند اغلبها الاعلى اغراءات القوة وغرور التصرف المتحقق، الا ان مخاطر ذلك ستكون اشد واقسى في المنظور المستقبلي. كما ان التزمت في التمسك بمثل هذه الخيارات، سيصيب اي مجتمع بالتأكل والتفتت مهما امتلك من قوة، فكيف الحال وفي مجتمع جميع سكانه مهاجرين ومن خلفيات ثقافية ودينية متعددة كحال المجتمع الامريكي.
ومن اخطر التحديات الخطرة والمهمة التي تواجه الولايات المتحدة، غياب المعايير الاخلاقية في المجتمع الامريكي، مع ما يرافق ذلك من انتشار قيم الاستهلاك والفساد والجريمة المنظمة وتعاطي المخدرات، بحيث ان جرائم القتل، تعد العامل الاول للوفاة في الولايات المتحدة، وهذا بحد ذاته يؤشر عدوانية المجتمع ازاء افراده. كما ان الاباحة والشذوذ الجنسي في المجتمع الامريكي هي “التي تفكك الولايات المتحدة الامريكية”([34]).
هذه الامور مجتمعه ستفعل الكثير في تأكل القواعد الايجابية لاي مجتمع مما يصيبه بالوهن والانكسار. فضلا عن ذلك، ان المفاهيم التي يتخذها صناع القرار الامريكي عن الديمقراطية وحقوق الانسان، لا تعدو غير ادعاءات زائفة اكثر من كونها ممارسة حقيقية، ولعل سجل الولايات المتحدة في الحقل الدولي، تدلنا على مدى مصداقية ذلك الادعاء الامريكي الزائف. فكم من شعب اضطهد، وكم من دولة سحقت، وكم من مجتمع مزق، لاشيءالا لكون سياسته لا تتوافق وما تريده واشنطن وترغب به، كونها السيد الاول للعالم([35]) وحصول ذلك يدفع العلاقات الدولية لحالة من التأزمات الشديدة الخطورة ويجعل من موضوعة الامن والسلام الدوليين، مقولة ركيكة الثبات امام رغبات واهواء المتحكم والقادر على الفعل الحقيقي.
كما يواجه المجتمع الامريكي تحدياً اخرا يؤثر في قاعدة المفاهيم والقيم الوطنية والمتعلق بما يسمى بـ”النكوص الحضاري” المتوافق والمتناغم مع عدد من مظاهر التفكك الاجتماعي التي ستؤثر في موقع الولايات المتحدة كقائد للنظام الدولي([36]). ومن ابرز تلك التحديات، اتساع ظاهرة الفقر وازدياد عدد العاطلين، مع ارتفاع تكاليف التعويضات الصحية ونفقات التربية والتعليم والافتقار لرعاية اجتماعية كما هي الحال في عموم دول القارة الاوربية. يضاف الى ذلك تفكك التلاحم الاجتماعي وتصدع الاسرة وارتفاع معدلات الطلاق التي تجسدها حالات التفكك الاسري، فضلا عن العلاقات خارج اطار العلاقة الزوجية المرتفعة باضطراد، مما يشير الى الانقسامات بين الثقافات والفئات المكونة للمجتمع الامريكي([37]).
بناءا على ما سبق فقد قادت نسبة الانخفاض الحكومي على الخدمات الاجتماعية الى تفشي ظاهرة الادمان والجريمة وتعاطي المخدرات، بحيث باتت الولايات المتحدة هي الاولى في استهلاك الكحوليات والادمان على المخدرات، فضلا عن انها الدولة الاولى في العالم من حيث عدد المصابين بمرض “الايدز AIDS” والامراض المزمنة الاخرى، مما ادى الى تراجعها الى المرتبة(15) عالمياً في معدل الفرد الذي يعد مؤشرا على تطور اي مجتمع من المجتمعات، لاسيما وانها الدولة الاولى في العالم في الطب والعمليات الطبية([38]).
ان وضوح حالات التفكك الاسري والتصدع الاجتماعي والانهيار التربوي والاخلاقي، وهي حالات تعبر عن نفسها في عدد من الصور، توهن المجتمع وتصيب نسيجه الاجتماعي بالتصدع والانكسار وبهذا الجانب يشير “نعوم تشومسكي” عالم اللسانيات الامريكي المعروف، على ان انهيار المجتمع الامريكي عائد بسبب طغيان حزب رجال الاعمال والاثرياء على حساب الاعم من الناس، لان سياسة صنع القرار الامريكي تخدم بشكل رئيس مصالح اصحاب الشركات العملاقة والاثرياء دون مبالاة بحقوق الغالبية من الشعب الامريكي، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة بلدا غير ديمقراطي، بل نظاما تحكمه طغمة من الاثرياء واصحاب الشركات واللوبيات التي تمارس غشاً على باقي افراد الشعب الامريكي([39]).
هذا الاتجاه يدفع المفاهيم والقواعد الوطنية ان تواجه في تعاملها مع البيئة الدولية التحدي المقترن بـ”البزنيس” ولا سيما في تاثيره على الشخصية الامريكية وشكل تعاملها وتعاطيها مع المجتمع الدولي الذي هو مجتمع صراعي، فالبزنس يحول الشخصية الامريكية الى وسيلة بيع، وتصبح العلاقات والتحالفات عبارة عن معاملات بيع، وهذا بدوره يؤثر على الحافز للتطوير الذي ينحدر الى مجرد جشع، بحيث يصبح المال معيار للنجاح، كما توظف معظم الطاقات الفكرية لابحاث السوق الخارجية فلا يبقى منها شيء للتامل الداخلي، لان لغة التجارة ستطغي على المفردات الاخلاقية([40]).
ان الولايات المتحدة الامريكية، ليست مجتمعا ملائكياً او مكانا كهنوتياً، لكن الصحيح ان لكل مجتمع قيمه وقواعده الاخلاقية والاجتماعية والمعيارية، لان بدون تلك القواعد والقيم، فان المجتمع ينهار ويتشظى ان لم ينفجر. لكن ان تطغى لغة المال والبيزنس على ما عداه من حالات، يشكل انحداراً اخلاقيا وانسانياً، يصيب المجتمع اولا، ثم تنتشر عدواه حيثما كان بإمكانه ان يتواجد. وبحكم ان الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم في الوقت الحاضر، فان تجميد او ركن كل القواعد والقيم الوطنية لصالح البيزنس، امر يشكل بالغ الخطورة على الجميع، وهذا ما مارسته مع العديد من دول العالم تبعا لاوضاع البيزنس الحاصلة مع هذا الطرف او ذاك، بحيث تضيع الحقيقة تحت ركام هائل من المسوغات والتبريرات وفي ذلك خطورة على اوضاع البيئة الدولية، لان الكثير من الدول تشتري سلامتها والمخاطر التي قد تتعرض لها من خلال البيزنس مع العميل الامريكي الذي يجيد فن العلاقات العامة وبما يديم استمرار دوي اصوات المعامل والمصانع المرتبطة بالبيزنس، والبيئة الدولية مليئة بمثل هذه النماذج او الحالات.
ان حصول ذلك لا تقف مخاطرة على المجتمع الدولي، بل انه خيانة لقواعد تأسيس الوطن الامريكي وفقا لما انجزه الاباء المؤسسين. لكن ما يلفت الانتباه، ان هذا التعامل يزداد قوة واتساعاً دون ان يوقفه موقف اخلاقي او انساني او اعتباري، بل وحتى وطني.
ان الاختلالات الهيكلية في الجسد الامريكي تعود بالاساس الى تعدد وتمايز المجموعة العرقية والثقافية التي يشكل منها المجتمع الامريكي،والتي ادت الى افتقار الشعب الامريكي الى وحدة التخاطب بسبب التمايزات العرقية والاثنية والدينية([41]) وبحسب مكتب التعداد الامريكي، انه بحلول العام 2050، سيتكون المجتمع الامريكي من “23%” من ذوي الاصول الاسبانية، و”16%” من السود، و”10%” من الاسيويين، وهذا ما اخاف- هانتغنون- الذي علق بالقول “اذا نجحت الولايات المتحدة الامريكية في السابق باستيعاب المهاجرين، فانهم في الغالب كانوا اوربيين، فهل ستنجح مستقبلاً عندما يصبح “50%” من السكان اللاتينيين او من غير البيض([42]).
ان المجتمع الامريكي الذي اتسعت فيه دائرة الفقر وارتفعت معدلات البطالة وانخفض فيه مستوى التعليم، مع تدهور الخدمات الصحية والاجتماعية وتفشي ظاهرة الادمان والجريمة، فضلاً عن تفكك التلاحم الاجتماعي وتصدع الاسرة، سيصيب المفاهيم والقواعد الوطنية الجامعة، بضرر كبير يؤذن بمخاطر جمة في نشاط ودور الولايات المتحدة في المجتمع الدولي، الامر الذي تبدو ملامحه واضحة منذ الان، بأنه دور عدواني وعنيف وبلا ضوابط، مما يعرض امن وسلام المجتمع الدولي لمخاطر لا يمكن تحديدها.
الخاتمة:
دون ادنى ريب، ان قواعد واساسيات المفاهيم الوطنية لاي بلد، تلعب دوراً كبيراً في توضيح العمل الوطني على الصعيدين الداخلي والخارجي، واي نكوص او تراجع او تشظي فيهما، سيكون واضحاً ومعلوماً عند الجميع، وبشكل خاص على صعيد العلاقات الدولية، كون تلك العلاقة وحسن ادائها في محيط البيئة الدولية، هو انعكاس ثابت لما تحفل به السياسة الداخلية.
والولايات المتحدة وبحكم ما توفر تحت يديها في الوقت الحاضر من قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية واعتبارية، ولكونها البلد الاعظم على الساحة الدولية وما يفعله دورها من تاثير، باتت تعاني الكثير من الانكسارات الملحوظة على الصعيد الخارجي والتي هي ارتدادات واضحة لما تعانيه من تراجع وانقسام داخلي، الامر الذي يستوجب على اي مراقب للشأن العام الدولي، ان يتوقع اتجاهات سياسية عدوانية ووحشية للولايات على الصعيد الخارجي، كونها فشلت او غير قادرة على تعديل او معالجة ما تعانيه من انكسارات وتراجعات داخلية، تحققت بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية والانسانية المبنية على اعلى درجات “الانانية” المفرطة بالنرجسية على حساب الاعم من الشعب الامريكي. وحصول ذلك وانعكاسه على الصعيد الدولي، يرتب اجواءا ومناخات عدوانية وظالمة ومدمرة على الجميع، كون الولايات المتحدة الامريكية، ما زالت الفاعل الاول والرئيس في ساحة العلاقات الدولية.
([1])محمد حسنين هيكل، الامبراطورية الامريكية والاغارة على العراق،دار الشروق، القاهرة، ط2، 2003، ص313.
([2])نعوم كلاين، صعود رأسمالية الكوارث ، شركة المطبوعات للنشر، دبي، 2010، ص109.
([3]).WillamJ.Bennett, America: The last best Hope, V:1, Thomas Nelson, New york 2006, P.186
([4]) حميد حمد السعدون، الفوضى الامريكية: دراسة في الافكار والسياسة الخارجية، ميزبوتاميا، بغداد،2013، ص134.
([5]).Robert B. Reich, Reason: Why Liberals Will win the Battle for Amenica. Khopt. New york 2004.P:156.
([6]).Samuel P.Huntington. Who are we the challenges to Americas National Ldentity. Simon and Schusher 2004, P:207.
([7]).Robert Reich, Op. cit, P:182.
([8]).Samuel Hunton, Op.. cit, P:217.
([9])اريك لوران، عالم بوش السري، ترجمة سوزان قازان، دار الخيال للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت، 2003، ص:19.
([10]).Samue; Huntington, Op.cit, P:226.
([11])اندر وهاكر، اللعب على اوتار الوطنية: من هو الامريكي، مجلة وجهات نظر، القاهرة،العدد(167) اغسطس2004، ص:27.
([12])حميد حمد السعدون، مصدر سابق، ص24-52.
([13])نورتون فريش وريتشارد ستيفنز، الفكر السياسي الامريكي: البعد الفلسفي في ادارة شؤون الامريكية، ترجمة هشام عبدالله المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 1991، ص39-40.
([14])شوقي جلال، العقل الامريكي يفكر: من الحرية الفردية الى مسخ الكائنات، الهيئة المصرية، القاهرة ،2010، ص86.
([15])محمد حسنين هيكل، مصدر سابق، ص:19.
([16])رضا هلال، تفكيك امريكا. الاعلامية للنشر، القاهرة، 1998، ص95.
([17]).Wikkam J. Bennett, OP.cit, P:259.
([18])ميشال بوغنون، امريكا التوتاليتارية: الولايات المتحدة والعالم الى أين؟ ترجمة خليل احمد خليل، دار الساقي، بيروت،2002، ص78.
([19])شوقي جلال، مصدر سابق، ص:112.
([20])فاضل الربيعي، ما بعد الاستشراق “الغزو الامريكي للعراق وعودة الكولونيات البيضاء، مركز دراسات العربية، بيروت2007، ص134.
([21]).Samuel Huntington, Op. cit. P:246.
([23])اندروهاكر، مصدر سابق، ص28.
([24]).Samuel Huntington, Op. VIt, P:248.
([26])هادي قبيسي، السياسية الخارجية الامريكية بين مدرستين: المحافظية الجديدة والواقعية، الدار العربية للعلوم، ناشرون، بيروت، 2008، ص168.
([27])تجارة المخدرات وممرات العبور للولايات المتحدة الامريكية، مجلة وجهات نظر، القاهرة، العدد(46) يناير2002، ص36.
([28])حميد حمد السعدون، الحوار الحضاري بين الاصولية الدينية وسياسية الهيمنة الامريكية، ط2، مركز العراق للدراسات، بغداد- بيروت،2010، ص58.
([29])غريس هالسل، يد الله، ، ترجمة محمد السماك، دار الشروق، القاهرة، 2000، ص61.
([30])يوسف الحسن، البعد الديني في السياسة الامريكية تجاه الصراع العربي- الصهيوني، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت،1990، ص37
([31])رضا هلال، المسيح اليهودي ونهاية العالم ، مكتبة الشروق، القاهرة، 2001، ص95.
([32]) حميد حمد السعدون، الفوضى الامريكية، مصدر سابق، ص176.
([33])محمد السماك، الاصولية الانجيلية ، مركز دراسات العالم الاسلامي، مصر1991، ص40.
([34])زبيغنيوبريجسنكي، الفوضى: الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين ، ترجمة مالك فاضل، الاهلية للنشر والتوزيع، عمان1999، ص89.
([35])حميد حمد السعدون، الفوضى الامريكية ، مصدر سابق، ص224.
([36])احسان محمد الحسن، مظاهر التفكك الاجتماعي في المجتمع الامريكي، مجلة الحكمة، بغداد، العدد(3)1999، ص16.
([37])روجيةغارودي، الولايات المتحدة طليعة الانهيار، النهار للطباعة والنشر، القاهرة، 1998، ص68.
([38])عبد الخالق عبدالله، حكاية السياسة ، مجد للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت،2006، ص282-283.
([39])نقلا عن: احمد الرمح، الانهيار الامريكي ما بين الواقع والسنينة، مجلة الفكر السياسي، دمشق، العدد(21) 2005، ص139-140.
([40])اندرو هاكر، مصدر سابق، ص29.
([41])منعم صامي العمار، نحو عالم متعدد الاقطاب: التألفات الاستراتيجية بين القوى الكبرى واثرها في بناء هيكلية النظام الدولي في القرن الحادي والعشرين “الاقليم الاسيوي أنموذجاً” سلسلة دراسات ستراتيجية، مركز الدراسات الدولية، بغداد2001، ص17.
([42])نقلا عن: سيد ابو ضيف احمد”الهيمنة الامريكية، نموذج القطب الواحد، عالم الفكر، الكويت، العدد(13) اذار 2003، ص18.