
انعكاسات ظاهرة الهجرة الخارجية على بنية الأسرة ووظائف أفرادها في المجتمع النفزاوي “دراسة سوسيوديموغرافية”
د.نعيمة الفقيه/الإدارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بقبلي،تونس
حدي حرشاني/أخصائية اجتماعية بهيئة الحقيقة والكرامة،تونس
مقال صدر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 33 ص 131.
ملخص:فرضت الهجرة الخارجية نفسها على المستوى الأكاديمي ومستوى المؤسّسات البحثية بسبب تزايد تأثيراتها التي تمسّ بدرجة أولى الأسرة. ومن هنا تأتي أهمية هذه المقالة لإثبات أنّ الهجرة أصبحت واقعا نلتمسه في قسم هامّ من الأسر سواء بنفزاوة التي شهدت تزايدا مطردا لهجرة أرباب الأسر منذ الستينات أو بتونسوللإجابة عن إشكال هام مازال مطروحا يتعلّق بظاهرة الهجرة الخارجية وانعكاساتها في بنية ووظائف أسرة المهاجر وعلاقات أفرادها. تهدف هذه الدراسة إلى التعرّف على حقيقة الحراك السكاني نحو الخارج بنفزاوة وتبيّن تاريخها وتزايدها ومن ثمّ الكشف عن تأثيراتها على أسرة المهاجر الباقية بمنطقة المنشأ. وبيّنت الدراسة أنّه يمكن للهجرة أن تلعب دورا مهمّا في النهوض بالأسرة كما لها أن تأثر سلبا على هذهالخلية الاجتماعية.
الكلمات المفتاحيّة: الهجرة الخارجية- الأسرة- العلاقات الأسرية- الحراك السكاني- بنية ووظائف الأسرة .
مقدمة:
أصبحت الهجرة الدّوليّة اليوم ظاهرة حيويّة على المستويين البنائي والوظيفي في خارطة المجتمع النّفزاوي خصوصا والمجتمع التّونسي والمغاربي بصفة عامّة. وأصبح من العسير التّقليل من قيمتها أو التّغاضي عنها للأهمّيّة الّتي تكتسيها في الآونة الأخيرة، فقد أثبتت الاحصائيّات ارتفاع معدّلات هذه الظّاهرة حيث بلغ عدد الجالية التّونسيّة بالخارج سنة 2009 ما يقارب 1098212 مهاجرا(وزارة الشؤون الاجتماعية والتضامن، 2009).وتزايدت صلتها بالأسرة، بشكل باتت فيه التّحرّكات الهجريّة وخصوصا تحرّكات الأزواج ذات أثر واضح في خصائص الأسرة البنيويّة والوظيفيّة.ولا شكّ في أنّ التّفاعل القائم بين الخليّة الأسريّة وعمليّة التّحرّك السّكّاني لجدير بأن يفضي إلى تحوّلات عميقة تعيشها الأسرة إلى درجة أصبحت فيها الهجرة والأسرة يمثّلان مع بعضهما البعض النّقطة المركزيّة في سياسات الدّول سواء المصدّرة أو المستقبلة للمهاجرين وفي البرامج التّنمويّة العربيّة والمتوسّطيّة والأوروبّيّة والعالميّة. ولئن عمل عديد الباحثين على تناول موضوع الهجرة الدّوليّة في مستوى تأثيرها على الأسرة مولين الأهمّية القصوى للانعكاسات على الجانب الاقتصادي مع التّغاضي جزئيّا أو كلّيّا عن انعكاساتها في بقيّة الجوانب الحياتيّة الأسريّة، فإنّ ذلك جعلنا نجد الفرصة سانحة حتّى نقدّم مقالا حديثا وأكثر جدّيّة مواكبا لتطوّرات الهجرة وبعيدا عن الدّراسات السّابقة في الآن ذاته وبشكل يتوافق مع زاوية النّظر المتعولمة لدراسة الأسرة الحديثة في ضوء تصاعد تحرّكات أفرادها نحو الدّول الغربيّة.
لقد عرف المجتمع النّفزاوي[1] ظاهرة الهجرة الدّوليّة منذ زمن طويل، وما تزال حتّى الآن تشكّل متغيّرا أساسيّا في بنائه الاجتماعي وفي العلاقة بين أسر المهاجرين والعالم الغربي. هذه الظّاهرة تزايدت أكثر في السّنوات الرّاهنة نظرا للإقبال عليها من طرف متساكني المنطقة- مجال البحث، وبدت جد منتشرة بالجهة بشكل باتت تمسّ فيه نسبة هامّة من الأسر. ورغم انعكاساتها السّلبيّة سواء على الصّعيد الأسري أو الاجتماعي، إلّا أنّها تلقى المزيد من الاقبال من قبل كمّ هائل من أصيلي الجهة الّذين يتوافدون على تجربة التّواجد بالخارج الّتي تحكمها عوامل اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة ونفسيّة دافعة أو جاذبة تحدّد للمهاجر النّفزاوي اتّباع منحى يتماشى وحاجته إلى الانتقال إلى الخارج، وهو ما تبيّنته النّظريّات المعاصرة للهجرة الّتي اعتبرت التّوجّه نحو الغرب محكوم بقوى الطّرد وقوى الجذب. وقد تختلف نظريّات الهجرة الدّوليّة في تفسير أسبابها ونتائجها تبعا لاختلاف زوايا نظر الباحثين لهذه المسألة، إلّا أنّها تجمع على اتّفاق يقرّ بأنّ الهجرة الخارجيّة ظاهرة أملتها مقتضيات التّغيّر الاجتماعي وعزّزتها حاجة المهاجرين لتحسين أوضاع أسرهم الباقية بنفزاوة.
من الأكيد أنّ الهجرة الدّوليّة ليست بظاهرة جديدة في مجتمع نفزاوة ولكن جديدها هو ما يحصل من تغيّر في حجمها وأنماطها ودوافعها وآثارها بشكل يجعل منها استراتيجيّة تقوّي ديناميكيّة الأسرة وتزيد في فعاليّتها على إثر تعزيز منزلتها الاجتماعيّة. وهو ما يجعل من هذه الظّاهرة في حاجة لنموذج فكري معاصر مواكب للحداثة ومتطلّبات العصر يتناول انعكاسات هذه الظّاهرة بصورة شموليّة على الوحدة الأسريّة الّتي لعبت دورا كبيرا في خلق هذه الحركيّة السّكّانيّة، ومن ثمّ جاءت هذه الدّراسة لتلقي الضّوء على ظاهرة هجرة أرباب الأسر في خضم الحداثة المتعولمة من نفزاوة نحو الخارج في ظلّ هذه الظّروف والمعطيات يشكّل أمرا ذا أهمّيّة لما قد تبرزه الدّراسة من نتائج سواء على الأسر الباقية أو على المجتمع المحليّ والوطني بشكل عامّ، حقائق يمكن الاستفادة منها على المستويين العلمي والعملي. واقتضت المحاولة التّأسيسيّة لهذه الدّراسة تنزيل البحث ضمن سياق نظري تمثّل في نظريّة الجذب والطرد ونظريّة التّغيّر الاجتماعي ونظريّة الحاجيات التّكميليّة لروبرت وونش ونظريّة الأدوار لدوكستر، هذه النّظريّات يتنزّل اختيارها في سياق التّفاعل الجدلي للباحثة المتزامن مع الظاهرة المدروسة بشكل يمكّنها من مقاربة الظاهرة الهجريّة وفكّ ملابساتها الخفيّة للكشف عن كيفيّة اشتغالها وحقيقة تأثيرها على أسرة المهاجر. أردفنا هذه النّظريات بدراسة ميدانية تؤكّد مدى فاعليّتها الإجرائية في فهم واستجلاء باطن الظاهرة وإظهار أشكال التفاعل الأسري مع تجربة تحرك أرباب الأسر نحو الخارج.وكنتيجة لهذه الدراسة فإن للهجرة إسهامات هامة تساعد الأسرة على تحقيق حاجياتها والرقي بأدوارها وعلاقات أفرادها ومكانتها وذلك عبر تنمية مداخيلها وتحسين مستوى عيشها ودعم قيمها الثقافية والسلوكية وأدوارها الاجتماعية والاقتصادية والرقي بوضعها الديموغرافي. كما أن هناك أثر واضح لغياب الأب في انتشار بعض السلوكيات اللاسوية لدى الزوجين والأبناء ويكون لها بعض المخاطر على الحياة الأسرية التي يشوبها الخلل والتفكك وتصبح مهددة بالاندثار في ظل تواجد الأب بالمهجر.
في ضوء ما سبق حاولنا صياغة الإشكالية المركزية التالية: كيف تعيش الأسرة الباقية بنفزاوة هجرة الأب؟ وماهي مختلف التحولات التي تشهدها؟
أهمية الدراسة :
تبرز أهمية الدراسة الحالية من خلال أهمية الهجرة الخارجية وعلاقتها بالأسرة الباقية بمنطقة الأصل، هذه الأخيرة التي تعتبر من المواضيع الشديدة الأهمية والتي تشكل تحديا مطروحا خاصة في عصر تشهد فيه مناطق العالم المزيد من الانفتاح على بعضها البعض وتتزايد فيه الحاجة للتحركات السكانية. كما تبرز أهمية هذه الدراسة من خلال العمل على الإسهام في تشكيل أرضية علمية تكون بدورها منطلقا وإطارا مرجعيا لفهم ظاهرة سكانية ميزت ومازالت تميز جهة نفزاوة والكشف عن أبرز خصوصياتها وإفرازاتها داخل أهم الوحدات الاجتماعية ألا وهي الأسرة.
I– الإطار المفاهيمي للدراسة :
1- مفهوم الهجرة الخارجية :
حسب الدّكتور الأمين الكلّاعي “تعدّ الهجرة الخارجيّة الحالة الّتي يجتاز فيها المهاجر حدود بلاده البرّيّة أو البحريّة أو الجوّيّة متّجها إلى بلد آخر”(الأمين الكلاعي، 2002). وتعتبر الحاجة للهجرة الخارجية متأكّدة وتستجيب للتّقسيم العالمي للعمل، فالدّول الأجنبيّة بتركيبتها السّكانّية وخصائصها الدّيموغرافيّة وتكدّس ثرواتها وأنماط إنتاجها المتطوّرة تظلّ رغم حدّها لتيّارات الهجرة مواطن استقطاب لمجتمعات نامية ذات كثافة سكّانيّة مرتفعة ونمط إنتاجي فلاحي تقليدي ومستوى عيش متدنّ. فالهجرة الخارجيّة في هذا المستوى تظهر بمثابة الاستراتيجيّة السّكّانيّة المعدّلة لمتطلّبات النّمو والتّنمية بين الدّول النّامية والدّول المتقدّمة، لذلك أصبحت لهذه الظّاهرة مكانة متميّزة في حياة الأسر والمجتمعات وفي اقتصاديّات أغلب الدّول خاصّة وأنّها تعدّ مورد رزق لأسر كثيرة في هذا العالم .
وتعريفنا الإجرائي للهجرة الخارجيّة في هذه الدراسة يتمثل في “أنّ الهجرة عمليّة مغادرة لأرض الوطن تجاه أماكن أخرى من العالم حيث تتوفّر سبل تحسين الحياة وللخروج من وضعيّة اجتماعيّة لعيش أخرى أفضل. وتكون دوافع هذه المغادرة عديدة ومتنوّعة كلّ حسب أسبابه الخاصّة وأهدافه المرسومة بصورة مسبقة وتكون الأسرة الباقية الحلقة المعبّرة عمّا ينجرّ عن الهجرة من تأثيرات تعكس قيمتها المتزايدة في السّنوات الأخيرة”.
2- مفهوم الأسرة :
تعدّ الأسرة حسب علم الاجتماع “وحدة اجتماعيّة يقترن بها رجل بإمراة في علاقة مشروعة يقرّها العرف والدّين بعقد رسمي موثوق عبر مسيرة المجتمع التّطوّريّة تسفر عن إنجاب أبناء وتجمعهم معيشة مشتركة في مكان واحد”(مجموعة من المؤلفين، 1992).
وتظهر الأسرة كما تراها الباحثة إجرائيّا “مؤسّسة اجتماعيّة إنسانيّة تتألّف من الأبوين والأبناء، ومجموع الأسر تكوّن النّسيج المجتمعي لبلد معيّن. نظريّا تأخذ هذه الخليّة شكلين هما الأسرة النّواة والأسرة الممتدّة وواقعيّا بجهة نفزاوة تتواجد الأسرة الانتقاليّة إلى جانب الشّكلين المذكورين وهي الأسرة الّتي تمثّل مواصفات الأسرة النّواة وفي نفس الوقت لا تنقطع تواصليّا عن الأسرة الممتدّة وخصوصيّاتها”. وتتجلّى الأسرة بمثابة حقيقة اجتماعيّة ضروريّة في حياة الفرد والمجتمع على حدّ السّواء، تسهم من جهة في تعزيز وجود الفرد وحقوقه ومكانته وبناء شخصيّته عبر منظومة العلاقات القائمة داخل هذه الخليّة، ومن جهة أخرى تعزّز الموروث الاجتماعي والثّقافي للمجتمعات، فهي مصدر انتعاش الأفراد وحمايتهم، وأداة للرّقي بالمجتمعات.هذا يقرّ بأنّ أيّة تحرّكات هجريّة لأحد أفراد هذه المؤسّسة يكون لها أثر جليّ على بنية ووظائف الأسرة الّتي تعدّ مصدر للظّاهرة السّكّانيّة موضوع الدّرس ألا وهي الهجرة الدّوليّة.
3- مفهوم التغير الاجتماعي :
استخدم هذا المصطلح لدى علماء الاجتماع للإشارة إلى ظاهرة التّحوّل والنّمو والتّكامل والتّكيّف، فهو يعني الأوضاع الجديدة الّتي تطرأ على البناء الاجتماعي والنّظم والعادات وأدوات المجتمع نتيجة لتشريع أو قاعدة جديدة لضبط السّلوك، أو كنتاج لتغيّر في بناء فرعي أو في جانب من الوجود الاجتماعي أو البيئة الطّبيعيّة أو الاجتماعيّة. أمّا روس فينسب إلى تعريف التّغيّر الاجتماعي بوصفه “التّعديلات الّتي تحدث في المعاني والقيم الّتي تنشر في المجتمع أو بين بعض جماعاته الفرعيّة”(محمد الجوهري، 1995).
II– الإطار النظري للدراسة :
1- المسار التّاريخي للهجرة الخارجيّة بجهة نفزاوة :
إنّ التّوجّه نحو الخارج بمنطقة نفزاوة ليست بظاهرة جديدة بل قديمة متجدّدة تتأصّل بتاريخ الجهة منذ زمن بعيد. ويعود ميلاد هذه الظّاهرة إلى القرن 19 وهو ما يمثّل فترة انتصاب الاستعمار الفرنسي. وما توصّلنا إليه هو أنّ التّدفّقات الهجريّة في بداية مسارها التّاريخي لم تكن هامّة لكنّها تزايدت بعد حرب 1939-1945 وبصورة خاصّة إثر الاستقلال. وتبيّن من خلال الأدبيّات الخاصّة بالهجرة أنّ التّعدادات السّكّانية لم تتناول الاحصائيّات الخاصّة بالمهاجرين إلّا منذ تعداد 1966،(Baduel, 1980) وهو ما يجعلنا بصدد غموض يكتسي الاحصائيّات الحقيقيّة للجالية النّفزاويّة بالخارج في بداية تاريخها. لكنّ تتبّع تاريخ الجهة والتّعمّق في أبحاث السّوسيولوجي بيير روبير بادييل يمكّن من التّوصّل إلى معرفة تاريخ عمليّة الهجرة بنفزاوة والّذي ينقسم إلى ثلاث أطوار رئيسيّة وهي:
– طور ما قبل الاستقلال: هجرة خارجيّة شبه منعدمة: كما الحال على مستوى وطني كانت الهجرة نحو الخارج بجهة نفزاوة ضعيفة جدّا. في تلك الفترة غادر القليل من النّفزاويين المنطقة وتوجّهــــوا نحــــو فرنســــا بصفة مؤقّتـــــــة بهــــدف العمل،ولم يتجاوز عددهـــم 20 مهاجرا،ثمّ تزايد هذا العدد قليلا ليبلغ قرابة الأربعين فردا على إثر الحرب ولقد التحق آنذاك ثلّة من النّفزاويين بالجيوش الفرنسيّة وشاركوا في معركة مونتي كاسينو(Baduel, 1980).
– طور الحكم الذّاتي بتونس: بداية التّدفّقات الهجريّة المؤقّتة:في هذه الفترة وجدت حالات من التّيّارات الهجريّة بالجهة لكنّها ظلّت ضعيفة ومحدودة، وكانت حالات المغادرة على إثر جملة من التّوصيات المتّأتية من طرف مسؤول بجمنة والّذي قام بتوجيه عدد من النّفزاويين نحو فرنسا.
– طور تزايد الهجرة الخارجيّة: 1964 – 1973: عاشت الجهة في هذه الفترة تزايدا هامّا للتّيّارات الهجريّة،فقد بدأت التّوجّهات نحو الخارج سنة 1964 وتواصلت بصورة متزايدة حتى سنة 1973.
2- تطوّر ظاهرة الهجرة الخارجيّة بجهة نفزاوة
بما أنّ المجتمع كيان متغيّر تظهر الهجرة الخارجيّة معطى غير ثابت فهي عمليّة سكّانيّة متزايدة في ديناميكيّتها بفضل تزايد عدد المهاجرين واتساع دائرة التّوجه نحو الخارج من جميع الفئات العمريّة والشّرائح الاجتماعيّة إلى أن أضحت ظاهرة ملفتة للانتباه.
جدول رقم (1):معطيات إحصائية حول عدد المهاجرين بجهة نفزاوة
السنة | 1973 | 1975 | 2004 | 2010 |
عدد المهاجرين | 8673 | 3558 | 1066 | 18813 |
المصدر: بن حمادي، 1979، ص249، المعهد الوطني لإحصاء
أثناء الفترة المتراوحة بين سنتي 1964 و1974، توخّت بلادنا سياسة هجريّة هدفها تجاوز الأزمة الاقتصادية الّتي يعيشها المجتمع عبر إبرام جملة من الاتّفاقيات مع دول أوروبّية وأخرى عربيّة ممّا سهّل تدفّق المهاجرين نحو الخارج. ووقع تنظيم هذه التّدفّقات عبر عقود عمل تزايدت من (1.7%) من جملة العقود من قبل ديوان الهجرة لسنة 1964، لتصل (6.5%) سنة 1970، و(15.7%) سنة 1973(Baduel, 1980). وهو ما يفسّر تزايد حجم ظاهرة الهجرة الخارجيّة في تونس وفي نفزاوة على وجه الخصوص، حيث بلغ عدد المهاجرين بمجتمعنا المحلّي سنة 1973، 8673 مهاجرا. وعلى ضوء الاحصائيات المتحصّل عليها نلحظ تراجع هذا العدد سنة 1975 ليصل إلى 3558 مهاجرا فقط، وذلك مردّه الاجراءات الّتي قامت بها فرنسا بغية توقيف التيّارات الهجريّة بسبب الأزمة الّتي تواجهها، وهو ما جعل البلاد تشهد عودة كمّ هائل من المهاجرين بدءا من سنة 1974. ورغم تواصل التّدفّقات الهجريّة إلّا أنّها ظلّت محدودة إلى فترة ما بعد الاستقلال وحتّى بدء السّتينات، لكنّها عرفت تزايدا مطردا في السّنوات الأخيرة،بشكل وصل فيه عدد المهاجرين إلى 18813 مهاجرا سنة 2010 بعد أن كان سنة 2004، 1066 مهاجرا فقط.
ما نستطيع استقراءه، هو تزايد ظاهرة الهجرة الدّولية بنفزاوة، ورغم اضطراب تطوّرها إلّا أنّها تظلّ ظاهرة حيّة يقبل على خوضها متساكني المنطقة بطريقة تعكس ديناميكيّة المجتمع الّذي تتصاعد تحرّكات أفراده نحو الخارج. ونتبيّن بصورة جليّة تطوّر الظّاهرة المدروسة من خلال الرّسم البياني التّالي:
الرّسم البياني رقم (1) :يوضّح تطوّر حجم ظاهرة الهجرة الخارجيّة بنفزاوة
كانت الهجرة في الماضي وليدة السّياسة الاستعمارية والوضعيّة الصّعبة الّتي تعيشها نفزاوة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، لكن اليوم أصبحت الهجرة نتاجا للعولمة وحريّة الاقتصاد والتّحوّلات الاجتماعيّة العميقة، إلى درجة أصبحت فيها الجهة غير ملائمة لعديد الأهالي من منتجين فلّاحين صغار وحرفيّين وطلبة وعاطلين عن العمل، من شباب ومن أرباب أسر، خاصّة على إثر شعورهم بعدم الأمان في ظلّ تحوّلات عالميّة متقلّبة (الأزمات الاقتصاديّة، عدم استقرار الفلاحة) وتطوّر وسائل الاعلام الّتي تبث صورة متميّزة عن العالم الغربي، بشكل يقوّي الحاجة للمغادرة والاتّجاه نحو مجتمعات تعتبر آفاقا في ظلّها يرنو الفرد للرّقيّ بوضعه المهني والشّخصي والأسري. في هذا المستوى يقول ويثول كاثرين عند حوصلته للهجرة الخارجيّة في عصر العولمة “أوّلا ما يدفع الحركيّة ليس أبدا الهروب من البؤس بقدر، ماهي حالة جذب تمثّلها الدّول الغنيّة لشريحة ذات تعليم عال وسكّان حركيّين للبحث عن فرص أفضل، وإذا كانت أوروبّا تتطلّب هذه الكفاءات الّتي تمثّل نسبة هامّة من التّيّارات(Baduel, 1980)، فهي تظلّ أيضا إفرازا للاستعمار والعولمة، خاصّة في زمن تطوّرت فيه العلاقات بين الجنسين، الثّقافة والصّورة المتميّزة الّتي تبثّها وسائل الاعلام حول أوروبّا. من هذا المنطلق، وتحت ضغط ظروف عدّة بنفزاوة تجلّت التّحرّكات نحو الخارج كحتميّة توجب على العديد من الأفراد القيام بها سواء خوّلت لهم الظّروف ذلك أم لم تخوّل.
3- تحويلات المهاجرين :
يقوم المهاجر بمدّ أسرته الباقية بنفزاوة بتحويلات متنوّعة تتمثّل في التحويلات المالية والعينيّة والثقافية، وهي تبقى دليلا واضحا على الصلة الوثيقة بين المهاجر وأسرته.وبالرّغم من ضعف نصيب جهة نفزاوة من جملة التّحويلات (3%)، إلّا أنّ العائدات الماليّة في هذه المنطقة، تسجّل تطوّرا متواصلا. والنّقص الكبير في مستوى إحصائيّات التّحويلات على مستوى الجهة، لم يمنعنا من الحصول على معطيات توضّح لنا حجم التّدفّقات الماليّة وتطورّها خلال العشريّة الأخيرة، وقع جمعها في الجدول التّالي:
جدول رقم (2) :يوضّح التّحويلات الماليّة بنفزاوة خلال العشريّة الأخيرة
المبلغ-أد- | السّنة |
3500 | 1996 |
3500 | 1997 |
3900 | 1998 |
4300 | 1999 |
3400 | 2000 |
4700 | 2001 |
4500 | 2002 |
4500 | 2003 |
5500 | 2004 |
6400 | 2005 |
7130 | 2006 |
51330 | الجملة |
المصدر: ديوان التونسيين بالخارج بولاية قبلّي
تبيّن هذه المعطيات التّزايد المطّرد للعائدات الماليّة بجهة نفزاوة، فقد تطوّرت بوتيرة تصل إلى (6.34%) سنويّا في الفترة الممتدّة بين سنتي 1966 و2004، حيث انتقلت من 3500 ألف دينار إلى 7130 ألف دينار. ولمزيد تبيّن تطوّر هذه التّحويلات، نتتبّع تزايدها في الرّسم البياني التّالي:
الرّسم البياني رقم (2) :يوضّح تطوّر التّحويلات الماليّة في العشريّة الأخيرة بنفزاوة
ودخل الأسرة الباقية أفضل ممّا كان عليه في السّابق ومردّ ذلك حسب بحث للمنظمة العالميّة للعمل أجر المهاجر الجيّد بالدّول الغربيّة والّذي يكون أرفع خمس مرّات تقريبا من أجر العامل في البلدان ضعيفة الأجر. وحتّى نتراءى أكثر الدّور الفعّال للهجرة في الارتقاء بحياة الأسرة، وخاصّة على المستوى المادّي، سوف نعرض مؤشّرات هامّة تدلّ على تطوّر نصيب الأسرة الواحدة بتونس من تحويلات المهاجرين.
جدول رقم (3) :يوضّح تطوّر نصيب الأسرة الواحدة بتونس من تحويلات المهاجرين
السّنة | 1975 | 1980 | 1984 | 1989 | 1994 | 1999 | 2004 |
الكمّيّة(د) | 57 | 112 | 193 | 318 | 408 | 525 | 815 |
البنك المركزي لتونس
رسم بياني رقم (3) :يوضّح تطوّر نصيب الأسرة الواحدة بتونس من تحويلات المهاجرين
4 – انعكاسات الهجرة الخارجيّة على الأسرة الباقية بنفزاوة :
4-1- الهجرة جسر رقي وحداثة وتنمية لأسرة المهاجر :
بالرّؤية الشّاملة الّتي لم تغفل عن خصوصيّة المرحلة الّتي تمرّ بها الأسرة في ظلّ الهجرة، ندرك بأنّ الهجرة ظاهرة جد ملموسة داخل مجتمعنا النّفزاوي وأوّل تأثيراتها تكون على مستوى الأسرة الباقية الّتي تتشارك رغم المسافات مع الأب في تجربة التّحرّك نحو الخارج وتشهد تحوّلات هامّة في بناءاتها الرّمزيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة ومواقفها وسلوكيّاتها. وتسهم الهجرة الخارجية في تحسين حياة أسرة المهاجر الباقية، على إثر المكاسب الّتي تحقّقها، مكاسب تمثّلت في ارتفاع الدّخل وتزايد مستويات الاستهلاك بشكل يضمن الحماية الاجتماعيّة للأسرة، ودعم جدارتها الانتمائيّة للجهة(K. Mohamed, 2006). من هنا يكون تأثير الهجرة على أسر المهاجرين وعلى المنطقة ككلّ في المجال الاقتصادي لم يكن غائبا، ذلك أنّ التّأثيرات الايجابيّة في مداخيل الأسر حسّنت الأنشطة الاقتصاديّة بمختلف أوجهها، وسهّلت بروز الاستثمارات الّتي نجحت في الحدّ من معضلة البطالة، حتّى ولو بصورة نسبيّة، عبر خلق مواطن الشّغل(S. Nejib, 1996). كما طوّرت تحويلات المهاجرين مستويات السّكن والاستهلاك والفلاحة والتّجارة وعمليّة الادّخار الّتي “حقّقت الأمان بحصول عديد الأسر الّتي ليس لها دخل فلاحي على دخل جديد” (P. Baduel, 1980)، بشكل لعبت فيه عائدات الهجرة دورا مهمّا في تطوير النّموذج المعيشي الأسري بجعله يتلاءم مع الخصائص الاقتصاديّة لمجتمع الغرب وتمويل التّنمية الاقتصاديّة بالجهة الّتي ساعدتها الهجرة على الخروج من عزلتها، بربطها بجهات أخرى بالبلاد والخارج، وانفتاحها على معالم التّنمية، الّتي طالما كافحت من أجلها وضحّى عديد الآباء في سبيل تحقيقها بالابتعاد عن أسرهم وتحمّل متاعب التّواجد في الغرب، لكنّ هذه التّضحية لم تذهب هباء، فقد وقع تلمّس مكاسبها على مستوى أسر المهاجرين، وعلى مستوى الجهة الّتي بلغت التّنمية المنتظرة بفضل تزايد التّحرّكات السّكّانيّة نحو الخارج.
من الأكيد أنّ الأسرة الباقية تتشرّب بتجربة الهجرة الدّوليّة،بإتاحة الفرصة لها لاعتناق الحداثة والتّغيّر نحو الأفضل، على إثر دعم قدرتها على تحسين مستوى عيشها والرّقيّ بنمطه. وتتجاوز تأثيرات الهجرة ذلك، لتحدث تحوّلات اجتماعيّة وثقافيّة ونفسيّة هامّة لدى المغترب في حدّ ذاته، وفي حياة الزّوجة والأولاد، فتكون أداة فعّالة في تجاوز مخلّفات البعد، ونسج علاقات قويّة بين مختلف أعضاء الأسرة، ودعم أدوراهم ومكانتهم، وتمكينهم من تحقيق ما يستجدّ من حوائج مادّيّة ومعنويّة.
لقد بدت التّيّارات الهجريّة أمرا واقعيّا، ساعد على تعزيز مكانة الزّوجة وأدوارها، سواء داخل أسرتها أو مجتمعها النّفزاوي، وتسهيل نجاحها في التّواصل مع أبنائها وزوجها، الّذي ثبت أنّه يشاركها المسؤوليّة ويمدّها بشحنات معنويّة تزيد في قوّتها وصبرها ومثابرتها للنّهوض بشؤون الأسرة والاحاطة بالأبناء، خاصّة وأنّ غياب الأب يرتبط ارتباطا جوهريّا بتعديل سلوك الأمّ تجاه الأطفال، وسلوك الأبناء تجاه الأبوين، إذ أظهرت المعطيات نضجهم وتكيّفهم مع غياب أبيهم، بشكل يقدّرون فيه تضحيات الأمّ وأتعاب ومجازفة الأب، فيتولّد حسّ المسؤوليّة لديهم، ويكونون نموذجا حيّا في التّربية والأخلاق والتّفوّق الدّراسي، بشكل ينعكس على الأسرة الّتي تشهد انسجاما كبيرا وتوازنا يدعّمه التّفاهم والتّرابط السّليم بين الزّوجين.
وفق هذا، تتجلّى انجازات الهجرة في اثرائها للحياة الأسريّة بالشّكل والمعنى، وتوطيد منزلة الأسرة في محيطها المحلّي وتوسيع علاقاتها ببقيّة المؤسّسات الاجتماعيّة، كما تفرز داخل هذه الخليّة الانسانيّة قيما رمزيّة وثقافيّة واجتماعيّة تجددّ تصوّرات الأفراد حول الاستهلاك والسّكن والتّرفيه، وتدعّم قيمهم التّضامنيّة. وهو ما يقوّي بناء الأسرة، ويخوّل لها الحصول على مكانة اجتماعيّة رفيعة تعكس قدرة الزّوجة الخلّاقة وحكمة الأب اللّامتناهية ووعي الأبناء الرّشيد ونجاح مشروع الهجرة. وتتّسع دائرة انجازات الهجرة عندما تقف إلى جانب المجتمع المحلّي فتسهّل عمليّة التّنمية به على المستويات الاقتصاديّة والاجتماعيّة، من خلال دورها الرّائد في التّخفيف من عديد الآفات والمشاكل، من قبيل الفقر والبطالة واشكاليّة التّشغيل، وتعزيز القوائم الأخلاقيّة، وتهيئة أسس التّقدّم والرّقيّ والحداثة، بخلق أسر متوازنة، قادرة على مجابهة الصّعاب وفهم الواقع وبناء المستقبل.
لابدّ أن نشير إلى أنّ الهجرة الخارجيّة ظاهرة لا تفرزها عمليّة التّنشئة الاجتماعيّة، أي أنّ الفرد لا يتربّى على أن يكون مهاجرا.بل لأنّ المجتمعات لا تستطيع أن تستمرّ في وجودها وتطوّرها وتواصلها مع بعضها البعض إذا تغيّبت ظاهرة الهجرة، لأنّ في ضمورها على حدّ قول الباحثة تتدهور عديد الأسر ويغيب وجودها. ومن هنا، تكون الهجرة ظاهرة فرضتها وأفرزتها التّحوّلات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، ودوافع متعدّدة ومتنوّعة عاشها المهاجر ، وهي تظلّ في خدمة الأسرة بدعم تواجد أعضائها، وتقوية وجودها، وجعلها قوّة فاعلة تساند المجتمع النّفزاوي في عمليّة التّنمية الاجتماعيّة الّتي باتت الهجرة الخارجيّة في العصر الرّاهن من أهمّ روافدها ومن “أهمّ عوامل التحول الاجتماعي“(باقر سلمان النجار، 2001).
من الأكيد ذكره، أنّ الهجرة الخارجيّة ذات مضمون ايجابي لكلّ طرف في الهجرة…ويلخّص لنا راي راست هذا بالقول: “إنّه لوضع لا يوجد فيه أيّ خاسر،فالمهاجر في انتقاله إلى دول أخرى يتلقّى بالإضافة إلى الأجر العالي التدريب الفنّي والمهني الّذي فيما بعد يساهم في عمليّة التّنمية في دول المنشأ“(باقر سلمان النجار، 2001) ويعكس المجتمع النّفزاوي ذلك الّذي استفاد كثيرا من مكتسبات مهاجريه.
وخلافا لعديد التّصوّرات الّتي ترى بأنّ المنظومة الثّقافيّة بنفزاوة ذات ثقل واقعي ليس بالإمكان تغييرها أثبتت التّجارب البحثيّة بأنّ أسرة المهاجر تتشرّب العالم الاجتماعي وقواعده داخل المحيط المتواجدة به، إلى درجة تصل فيها إلى تبطّن المجتمع والواقع الموضوعي، وفي نفس الوقت ترسخ لمحتويات الهجرة الخارجيّة بحيث تصبح ثقافتها أكثر وعيا وتقبّلا لمستجدّات الحداثة المتعولمة، فتغدو العقليّات والتّصوّرات والسّلوكيّات داخل الفضاء الأسري قابلة للتّبدّل والتّحوّل. وحسببيرغر تتوخّى الأسرة الباقية مسارا ثقافيّا “يحتفظ باستمرار بالواقع ويعدّله في آن واحد…يقع التّخلّي عن بعض العناصر وتضاف أخرى وذلك إضعافا لبعض مجالات الواقع ودعما لأخرى”(P. Berger, T. Luckmann, 1986) ، أي أنّها بمجرّد حلول الأب بالمهجر واحتكاكه بالغرب تقوم أسرته الباقية بتبنّي مسارات تتأسّس على علاقات تفاعليّة مع محتويات الواقع المحلّي للمجتمع النّفزاوي (التّماشي مع جملة من الممارسات الدّينيّة والسّلوكيّة، احترام العادات والتّقاليد والتّمثّلات والمعتقدات،…) والاتّصال بالواقع الجديد الّذي سوف يكون داعما للواقع الذّاتي للأفراد فتكتسب بذلك الهجرة قيمة في تعزيز ثقافة الأسرة بتقوية اجراءاتها الدّفاعيّة والّتي تتناسب مع حالة غياب الأب ومتطلّبات المجتمع المحلّي ومع الحداثة الّتي تأتّت بها تحرّكات الأب، إلى أن تغدو الهجرة عمليّة تضمّ بناء ثقافة أسريّة تقوم على التّفاعل الواعي بين الثّقافة النّفزاويّة الرّاسخة والتّجديدات المحاكية لأفكار العالم الغربي، وتتجاوز أسرة المهاجر ذلك لتكتسب في ظلّ الهجرة مكتسبات ديموغرافية خاصة فيما يخصّ بنيتها الحدثية المستقاة من العالم الغربي التي أصبحت تتميز صغر الحجم والاستقلالية.
4-2- هجرة الأب وغيابه شرخ في حياة أسرة المهاجر :
حسب عديد الدراسات“الاندماج في المجتمع المستقبل يمثّل مزايا ورضاء من الصّعب التّخلّي عنها”(محمد الخاشاني)اليوم من قبل المهاجر وأسرته ومجتمعه، لكن هذا لا ينفي أنّ عددا من الأسر مازالت تعاني الحاجة بسبب فشل مشروع الهجرة في النهوض بأحوالها المعيشية. ومن الأكيد أنّ تظافر جملة من العوامل المخلّة بالتّكيّف الأسري في ظلّ الهجرة الخارجيّة يؤدّي حتما إلى اهتزاز كيان أسرة المهاجر الّتي تكون عرضة لعدم التّوازن والوهن والاضطراب في بنيتها ووظائفها وعلاقات الأفراد وسطها. ورغم التّواصل بين الأب المتواجد في الخارج والأسرة الباقية بنفزاوة إلّا أنّ البعد وغياب استمراريّة الوصال من شأنه خلق فجوة في حياة الأسرة الّتي تعيش العديد من الاشكاليّات والاخفاقات بسبب غياب السّلطة الأبويّة والخلل الطّارئ في المهامّ والأدوار واصطدام رغبات كلّ من الزّوجين والأبناء بالواقع الّذي جعلته تنقّلات الأب يخالف ما ناشدوه وما عاشوه من أحلام وطموحات. وهو ما ينتج أجواء صراعيّة قد تكون مؤقّتة سريعا ما تنتهي كما يمكن أن تكون مزمنة بحيث تعيق الأداء الأسري وتفرز شرخا كبيرا في العلاقات والقيم والسّلوكيات السّائدة لدى كافّة الأطراف، ممّا يفضي في نهاية المطاف إلى التّفكّك الأسري وفي حالات مستعصية إلى الطّلاق بهدف القضاء على العوائق الّتي تواجه الزّوجين والأبناء في توافقهم الأسري، فتزيد بذلك حالات الطلاق وانحراف الأحداث في المجتمع المحلي الذي بات يعاني من عراقيل جديدة تعرقل مساره التنموي والتي كانت نتاجا لهجرة الآباء. هذه العراقيل تتمثل بالأساس في خسارة الموارد البشرية على إثر مغادرة الشباب واختلال التركيبة السكانية الشيء الذي يعمّق الهوة بين المجتمعين النفزاوي والغربي ويزيد من التبعية للخارج.
III– الدراسة الميدانية :
- نوع الدراسة :
إنّ الطابع الديموغرافي لهذه الدراسة دفعنا إلى مقاربة ظاهرة الهجرة الخارجية واقعيا بنفزاوة وقياس مختلف انعكاساتها على الأسرة الباقية بالاعتماد على الدراسة الكمية وتوخي المنهج الكمي وذلك عبر توخي الإحصائيات والمعطيات وتحليلها وتفسيرها لنتوصل إلى استنتاجات هامة يمكن تعميمها وتوخيها كقوانين عامة تصلح لكل الدراسات المستقبلية والمرتبطة بظاهرة الهجرة الخارجية.
2- أدوات جمع البيانات :
لقد تمّ جمع بيانات الدراسة الحالية من خلال استمارة استبيان عن طريق المقابلة الميدانية بمفردات عينة الدراسة.
3- عينة البحث :
بهدف مقاربة الظاهرة بصفة شاملة وتفاديا للانزياح عن الموضوعية عند الحديث عن الهجرة الخارجية وتأثيراتها على الصعيد الأسري، أثرنا على أنفسنا توجيه أربعة استبيانات وجهناها إلى أربعة مجموعات مختلفة، أولاها تمثلت في أسر المهاجرين الباقية بنفزاوة (عينة بها 300 مفردة) وثانيها تمثلت في الأسر العادية المأخوذة للمقارنة (عينة بها 200 مفردة) والثالثة تتمثل في مديري المعاهد الإعدادية والثانوية (عينة بها 14 مفردة) والأخيرة تتمثل في مواطني نفزاوة (عينة بها 200 مفردة). وقد كانت العينات عشوائية وهي طريقة تتناسب مع طبيعة الدراسة.
4- تحليل نتائج الدراسة الميدانية :
انطلاقا من الإشكالية ومن خلال المعالجة النظرية والميدانية لهذه الدراسة توصلنا إلى نتائج هامة نتبينها كما يلي:
– نتائج تتعلق بخصائص المهاجرين عند القيام بعملية الهجرة :
أشارت البيانات إلى أنّ مهاجري منطقة نفزاوة يتميزون عند مغادرة المنطقة نحو المهجر بانخفاض المستوى التعليمي مع هيمنة للمهاجرين ذوي المستويات المادية المتدنية (80% من مفردات العينة) والعاطلين عن العمل، كما أظهرت النتائج أنه رغم وجود مهاجرين في حالة زواج عند المغادرة (30% من مفردات العينة) إلا أن النسبة الأهم تبقى لدى العزاب الذين يمثلون الفئة الأكثر ميلا للهجرة.
– نتائج تتعلق بعوامل الهجرة ودوافعها بنفزاوة :
تبين لنا من معطيات البحث أنّ منطقة نفزاوة تمثل فضاء خصبا لانبثاق مشروع الهجرة الدولية من خلال توفر عديد العوامل والتي تمكنا من تبويبها إلى ثلاثة أصناف وهي كما يلي:
– عوامل طاردة: وحسب البيانات تتمثل في جملة العوامل الاقتصادية كالبطالة وقلة فرص التشغيل وتدني مستوى العيش وهو ما أدلى به 40 % من مفردات العينة، وعوامل اجتماعية وأسرية تمثلت في رفض الوضع الفردي والاجتماعي، الهروب من ضغط المجتمع (التخلف، الانغلاق، الرقابة،…) وهذا ما صرح به 11% من مجموع أفراد العينة، هذا زيادة على عامل تدني نوعية التعليم العالي والبحث العلمي ومحدودية الآفاق عند التخرج وقلة فرص التشغيل خاصة في المناطق الداخلية بتونس.
– عوامل جاذبة: أكدت البيانات بأنّ التوجه نحو الخارج تحكمه الرغبة في العيش في دول الرفاهية والحداثة، هذا بالإضافة إلى التفاوت بين المجتمعين النفزاوي والغربي ووجود عوامل نفسية تلح بمغادرة نفزاوة والتحرك نحو الخارج على إثر التأثر بمن هاجر ومحاولة تقليده أو التأثر بما تبثه وسائل الإعلام والشبكة العنكبوتية عن الغرب ومغرياته.
– عوامل موضوعية: تبين لنا من نتائج البحث الميداني أنّ الخصائص المناخية الصعبة بنفزاوة (الجفاف، الحرارة، الرياح،…) والتحولات الاجتماعية خلقت احتياجات للأفراد الذين باتوا يرون الخارج السبيل الوحيد لتحقيقها.
– نتائج تتعلق بانعكاسات الأسرة وآثارها على الأسرة الباقية والمجتمع المحلي :
* على الصعيدالاقتصادي: أدلت البيانات بأنّ التحويلات التي يرسلها الأب تلعب دورا كبيرا في تحسين الحياة الاقتصادية للأسرة ويظهر ذلك من خلال تحسن ظروف عيش الأسرة (90% من الأسرة المستجوبة حالتها جيدة) وتحسن الدخل الشهري فحسب خصائص العينات يتراوح دخل أسر المهاجرين الباقية بين 300د و1000د في حين يتراوح لدى الأسر المأخوذة للمقارنة بين 300د و500د. كما أسهت الهجرة في تحسين استهلاك الأسرة التي استفادت من التحويلات في تمويل الإنفاق على الحاجيات الأساسية ومصاريف الأبناء التعليمية والعلاجية (48% من مجموع العينة أدلت بذلك). هذا واستفادت الأسر من التحويلات في القيام بعمليات ادخارية أو استثمارية ويوجه الاستثماربصفة أولية لقطاع السكن ومن ثم للفلاحة ومن ثم لقطاعات أخرى.
ورغم المكتسبات الاقتصادية التي تتحقق للأسرة في ظل تواجد الأب بالخارج أفادت المعطيات بأنّ الهجرة لم تنجح في تحسين حياة جميع الأسر الباقية حيث تبين من البحث الميداني أنّ 35% من مجموع مفردات العينة عجزت عن تحسين دخلها وحتى في صورة تحسنه فقد كان ذلك بشكل محدود. كما أظهرت المعطيات بأن القطاع الفلاحي بجهة نفزاوة في ظل الهجرة بات يشكوالإهمال وضعف الإقبال من حيث الممارسة (25% من عينة أسر المهاجرين صرحت بذلك). هذا وأكدت البيانات أنّ الهجرة لم تكن لها مساهمة قوية في دعم الاستثمار بنفزاوة حيث كانت أغلب الأسر توجه استثماراتها لقطاعات ضعيفة المردودية، كما أن تحرك الآباء نحو الخارج كان له انعكاس خطير على الجهة من خلال ترسيخ عقلية التواكل واستنزاف القوى البشرية وخلق المزيد من التبعية للخارج وأدلى بهذه الحقائق 18% من مجموع مفردات عينة أسر المهاجرين.
* على الصعيد الاجتماعي: تبين جليا من خلال معطيات البحث الميداني بأنّ الهجرة ساعدت على تحسين الأوضاع الاجتماعية والنفسية للأسر الباقية وذلك من خلال:
– تثمين دور زوجة المهاجر التي أصبحت في ظل غياب الزوج تتبنى العديد من الأدوار المتناسقة وتتمثل في الأدوار الاقتصادية عبر تلقي التحويلات والتصرف في الممتلكات، الأدوار التربوية والتعليمية التي تخص الأبناء، وأكدت المعطيات بأنّ هذه الأدوار تشهد اتساعا عند عودة الزوج أثناء زيارته للأسرة.
– حصول الزوجة على منزلة اجتماعية راقية على إثر نجاحها في التخلص من نموذج حياتي رجعي واعتناق نموذج حياتي حدثي ونظام فكري عصري. كما مكنت الهجرة الزوجة على إثبات نفسها كزوجة وكامرأة بالحصول على المزيد من الحرية والاستقلالية وتحمل المسؤولية.
– دعم قيمة المهاجر من خلال تمكينه من إثبات نجاحه في التغلب على الغربة والتضحية وبلورة نجاح ذاتي وأسري واجتماعي وهو ما عزز دوره كمهاجر وزوج وأب له اسهامات جادة في النهوض بأحوال أسرته وضمان استقرارها وتواجدها بالمجتمع المحلي.
– إثراء الحياة الزوجية من خلال تقوية الروابط بين الزوجين وتمكينهما من تلبية الحاجيات المادية والمعنوية ودعم التوحد بينهما من خلال تحمل مسؤولية مشتركة في كنف من التفاهم (78% من الأسر أدلت بأنّ التفاهمجيد، 80% أدلت بأنّ العلاقة جيدة، 50% أدلت بأنّ القرارات تتم بالتشاور وبأنّ الهجرة جعلت حياة الزوجين أفضل من الماضي بتحقيق الاستقرار الأسري المنشود).
– تحسين الأوضاع التربوية والتعليمية لأبناء المهاجر فقد صرحت 50% من مجموع مفردات عينة أسر المهاجرين بتحسن نتائج الأبناء، كما أفاد 50% من عينة مديري المعاهد الإعدادية والثانوية بأنّ نتائج أبناء المهاجرين المدرسية أفضل من نتائج بقية التلاميذ.
وأظهرت نتائج الدراسة الميدانية بأنّ التأثير الإيجابي لهجرة الأب لا ينكر خطورتها على الحياة الاجتماعية والنفسية للأسرة فقد أشارت بعض الأسر إلى وجود ظاهرة التفكك الأسري الذي لم تألفه قبل عملية الهجرة فقد صرحت بأنّ تواجد الأب بالمهجر أفضى إلى اختلال الأدوار واضطراب العلاقات(صرحت بذلك 36% من مجموع أفراد العينة) وانحلال السلوكيات (16% من الأسر المستجوبة أكدت ذلك). من هنا نتبين حقيقة اصطدام توقعات أفراد الأسرة مع واقع معقد أنتجته الهجرة بشكل بات كل من الأب والزوجة والأبناء يعانون إشكاليات متعددة من أبرزها عبء المسؤوليّة على الزّوجة وصعوبة تعويضها للأب خاصة في ظلّ وجودها في محيط اجتماعي يكبّلها بعادات رجعيّة ووقوعها تحت رقابة الأسرة الموسّعة وضغوطات الانتقادات الجارحة المشككة في قدراتها (عبّرت عن ذلك 48% من الأسر المستجوبة)، هذا إلى جانب تدهور أوضاع الأبناء السّلوكيّة والتّربويّة والتّعليميّة وتردّي وضع الزّوج المهاجر الذي بينت المعطيات بأنه بات يعاني الغربة في الخارج وفي نفزاوة ويشعر بأنّه مجرّد مصدر مالي يموّل أسرته، كما أفادت البيانات بأنّه بدأ يتشكّى من الأسرة بسبب: تبذير الزّوجة (32%)، إتّهام الزّوجة بارتكاب سلوكيّات سيّئة (10%)، ضعف تربية ونتائج الأبناء المدرسيّة (10%)، انحراف الأبناء وعدم سيطرة الأم عليهم (10%)، ضعف قيمته نفسانيّا وعاطفيّا لدى الأسرة (18%)، عدم مدّه بكافّة ما يدور في الأسرة (15%)، تدخّل الأهل في شؤون الأسرة (5%).
تظهر البيانات بأنّ هجرة الأب تتسبّب لدى قسم من الأسر في خلق أجواء صراعيّة تعيق الأداء الأسري ممّا يفرز التّفكّك الأسري وفي حالات أخرى الطّلاق. فقد عبّرت (30%) من أسر المهاجرين عن عجز الهجرة عن تحقيق رقيّها النّفسي والعلائقي.
* على الصعيد الثقافي:أفضت بيانات الدراسة الميدانية أهمية الهجرة في تعزيز ثقافة الأسرة وجعلها في ظل الانفتاح على الغرب أكثر حداثة (60% من مفردات العينة أدلت بذلك) حيث أصبحت تتبنىقيما جديدة ساعدتها على تجديد أنماط التفكير ونماذج العلاقات داخلها ومع محيطها المحلي دون القطيعة مع ثقافة نفزاوة المحافظة، الشيء الذي حفز الأسر العادية لتقليد أسر المهاجرين في مستوى بنائها وعلاقاتها وقيمها ووظائفها وسلوكيّاتها. هذا وقد أظهرت النتائج بأنّ المزاوجة بين الثّقافة الغربيّة والثّقافة المحلّيّة يفقد الأسرة هويّتها بطريقة تخلّ بقيم أفرادها وسلوكيّاتهم ، كما عبّر 30% من عينة مواطني نفزاوة عن التأثير السلبي للهجرة على ثقافة الأسرة.
* على الصعيد الديموغرافي: إنّ البيانات المتحصل عليها أظهرت بأنّ هجرة الأب تسهم في خلق تحولات إيجابية في خصائص الأسرة الديموغرافية وذلك من خلال تغيير سلوكها الإنجابي والسعي للتخفيض في معدل الولادات بشكل جدّد بنيتها بتحوّلها إلى أسرة نواتيّة تتماشى مع النموذج الأسري الغربي وهذه الحقيقة عبّرت عنها 76% من مجموع عينة أسر المهاجرين، كما أفادت النتائج بأنّ تحرّك الآباء نحو المهجر عزّز عمليّة التّحضّر وهو ما أفادتنا به 18% من الأسر المستجوبة وخفّض من ظاهرة النزوح (عبّر عن ذلك 30% من مجموع أفراد عينة أسر المهاجرين).هذا وأدلت البيانات أنّ الهجرة ساعدت المجتمع المحلّي على الضّغط على النّمو الدّيموغرافي وتحقيق التّوازن بين الموارد البشريّة والموارد المحلّيّة والتّخفيف من اختلالات التّركيبة الدّيموغرافيّة. هذه المكتسبات الديموغرافية لا تنكر بتسبّب الهجرة فيإفراغ المنطقة من الشّباب والكهول في سنّ العمل وهو ما يؤدّي إلى نقص الفئة النّشيطة وهيمنة الإناث على الذّكور في تركيبة السّكّان بشكل يخلّ بالتّركيبة الدّيموغرافيّة عبر إفراز اللّاتوازن بين الجنسين. هذا الوضع يعرقل المسار التّنموي للمجتمع النّفزاوي خاصّة على الصّعيد الاقتصادي.
* آثار الهجرة الخارجية :
أظهرت البيانات أنّ حراك أرباب الأسر نحو مجتمع الغرب يخلّف آثارا متنوّعة داخل الوسط الأسري والاجتماعي ويمكن تبويبها حسب المعطيات الميدانية إلى آثار اجتماعية وتتمثل في الطلاق وانحراف الأحداث وانتشار ظواهر الاختلافاتالاجتماعية والهجرة الغير شرعية والهجرة النسائية وآثار ديموغرافية وتتمثل في اختلال التركيبة السكانية عبر تزايد عدد الإناث بالمجتمع المحلي على حساب عدد الذكور واختلال هيكلة الفئة النشيطة من خلال تزايد عدد المسنين على حساب عدد الشباب الذين يمثلون القوى المحركة لعملية التنمية بمجتمع نفزاوة وتونس عموما.
خاتمة:
من عرضنا السابق لنتائج الدراسة النظرية منها والميدانية نتبيّن حقيقة مهمة مفادها: «أنّ الهجرة الخارجيّة ظاهرة سكّانيّة تتخلّل الحياة الأسريّة تثري وتحسّن وتدعّم حياة أسرة المهاجر والمجتمع رغم ما تتسبّب فيه من اشكاليّات وآثار. فالهجرة تظلّ أبوابا شاسعة فيها تجد الأسرة السّبيل الّذي عبره تبلغ حاجياتها الّتي تتعطّش لتلبيتها وإشباعها وهي دواء للمشكلات الّتي اعترضت المهاجر في حياته. وطالما كانت الهجرة على النّحو المشار إليه، فإنّها تقوّي البنى الأسريّة والاجتماعيّة الّتي تصبح بمعزل عن عوامل الحاجة والتّفكّك والعجز، كما تحمي المهاجر وأبنائه وزوجته من عوامل الاضطراب والتّوتّر وتحمي المجتمع من التّخلّف والانغلاق”. ورغم ما أحدثته الهجرة في حياة الأسرة من نجاحات ومكتسبات استفاد منها كافّة أفراد أسرة المهاجر، وإنجازات يسّرت بلوغ أسس التّحديث والتّنمية داخل المجتمع المحلّي والوطني عموما، إلّا أنّ هذا لا يخفي بأنّ الهجرة الخارجيّة تتحوّل في بعض الأحيان إلى أزمة تقوّض الكيان الأسري وتتسبّب في تصدّع العلاقات الأسريّة وانهيار عديد الأسر فيعاني المجتمع آثار ذلك من خلال تزايد حالات الطّلاق وظاهرة انحراف الأحداث. وقد تكون الهجرة أكثر خطورة وتهديدا لحياة الأسر إذا لم تلق هذه الظّاهرة حلولا جوهريّة واهتماما يساعد على تيسير نجاحها وسموّها على أرض الواقع داخل الفضاء الأسري والاجتماعي دون عواقب.
* توصيات الدراسة :
في ضوء ما انتهت إليه الدراسة من نتائج توصلنا إلى صياغة جملة من التوصيات لضمان نجاح وفاعلية الهجرة الخارجية في دعم استقرار وتوازن الأسرة الباقية:
– توصيات أسرية: على الأسرة توجيه سلوك أفرادها الوجهة الاجتماعيّة السّويّة، فهي النّسق الّذي يكون له أثر عميق في بناء شخصية الأبناء وتحديد اتّجاهاتهم ومواقفهم إذ تظلّ حلقة الوصل بين الفرد والمجتمع من جهة، وبين المهاجر ووطنه الأصلي من جهة أخرى. فهي الدّرع الإنساني الحصين لأفرادها من مخاطر الهجرة عبر نقلها لثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده بشكل يمكّنهم من الصّلاح في ظلّ غياب الأب والمساهمة بحيويّة في عمليّة البناء الاجتماعي.
– توصيات مجتمعيّة: أهمّيّة دور أصحاب القرار السّياسي في سنّ قوانين ووضع سياسات تعمل على حماية أسرة المهاجر وتعالج اشكاليّاتها.
– توصيات علمية: نوصي بإجراء بعض الدراسات التي تثيرها الدراسة الحالية منها: دراسات تتبّعيّة للنّموّ النّفسي لأبناء المهاجرين بمنطقة نفزاوة، دراسات مسحيّة وصفيّة للمشكلات الّتي تواجه زوجات المهاجرين في دول الإرسال، دراسات تقويميّة لتأثير ثقافة الغرب المتأتّية عن طريق الأب المهاجر في ثقافة الأسرة وسلوكيّاتها، دراسات الحاجات النّفسيّة والارشاديّة لأسر المهاجرين بدول المنشأ.
قائمة المصادر و المراجع:
- الأمين الكلّاعي ، الهجرة التّونسيّة إلى الدّول العربيّة ، (تونس: مركز النّشر الجامعي، 2000).
- باقر سلمان النجار، حلم الهجرة للثروة: الهجرة والعمالة المهاجرة في الخليج العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، تشرين الثاني نوفمبر، 2001).
- سناء الخولي، الأسرة والحياة العائليّة، (مصر: دار النّهضة للطّباعة والنّشر، 1988).
- يونس حمّادي، مبادئ علم الدّيموغرافيا، (بغداد: جامعة جامع الموصل، 1985).
- سكينة أحمد محمّد هاشم، علاقة المهاجر بالمجتمع الأصلي: إنعكاسات الهجرة الدّوليّة على المجتمع اليمني، (اليمن: المركز الوطني للمعلومات، 2004).
- محمّد الجوهري، التّغيّر الاجتماعي، (الإسكندرية: دار المعرفة الجامعيّة، 1995).
- محمّد كاشاني، المرأة المغربيّة المهاجرة في الحيز الاقتصادي للدّول المستقبلة: بعض المعالم، (المغرب: مجلّة قانونيّة وسياسيّة و اقتصاديّة ، مرجع النّساء والهجرات، عدد خاص).
- مجموعة من المؤلّفين، دراسات في المجتمع العربي المعاصر، تحرير الأستاذ زكريّا، (سوريا: دمشق، ط1، مطبعة الأهالي للطّباعة والنّشر والتّوزيع، 1992).
- وزارة الشّؤون الاجتماعية والتّضامن: ديوان التّونسيّين بالخارج:التّونسيّون بالخارج: تواصل حضاري وسند للتّنمية،(تونس، 2009).
- البنك التونسي المركزي، بعض الإحصائيات المتعلقة بالتحويلات.
- Baduel (Pierre Robert),société et émigration temporaire au Nefzaoua: sud Tunisien, (1980)
- Ben Hammadi: La population des oasis de Nefzaoua, Thèse de 3éme cycle de géographie, (France : Lyon II, France, 1979).
- -Khachani, Mohamed, Khachani, Mohamed, L’impact de la migration sur la société Marocaine, International congress, (Rabat Marruecos : Madrid, Human development,Universidad Mohamed V, 2006).
- Safir, Najib, “La dynamique migratoire au Maghreb”, (Switzerland : Geneva IOM/ UNFPA, Policy Workshop On Emigration Dynamics In the Arab Region, ,7-8 october, 1996).
- -P (Berger), T (Luckmann), La construction sociale de la réalité, traduit par Pierre Taminiaux, (Paris : édition méridiens, klincksieck, 1986).
[1]نفزاوة تمثل منطقة البحث الميداني، وهي ولاية تسمى حاليا قبلي تقع في جنوب البلاد التونسية، وتم اختيارها لأنها عرفت بظاهرة الهجرة الخارجية منذ الستينات ومازالت متواصلة إلى حدود اليوم.