
سنحاول في هذه المداخلة أن نبين كيف استلهم الكاتب التاريخ الواقعي وحتى الأسطوري واستقراء الواقع الراهن من خلالهما واستشراف المستقبل أيضاً، وكيف ظهر ذلك من خلال (الشخصيات، الزمان والمكان).
إن الرواية من أكثر الأشكال الأدبية تداولاً وانتشاراً، ويرجع ذلك إلى أنها تضع للقارئ عالماً مسبوكاً بطابع سردي مشوق ينتقل فيه الراوي من العالم الواقعي إلى عوالم خيالية موازية له. وهي ـ في كنهها ـ نقد له، بطريقة فنية وأدبية تنقل الحقائق والخيالات في شكل يرتقي بالأدبية النصية إلى الشعرية النصية، وإذن فالنص الروائي الحديث يجمع في طياته بين الأدبية واللغوية من جهة والأسلوبية الشعرية من جهة أخرى، والمتمعن في العمق الدلالي للجمال الفني السردي في الروايات يتراءى له أن هذا السبك الأدبي المحكم لم يكن عفوياً، بل له ارتباطات فنية وحضارية تتناص والإبداع الأدبي العربي القديم، وذلك من حيث التصوير وكذا الايقاع.
وإننا في هذا البحث نحاول تجلية الأبعاد السردية المتآلفة فيما بينها في البناء الروائي لرواية المستنقع للمحسن بن هنية، كنموذج للسردية العربية المتميزة، والتي تتعدى البعد الجمالي الفني، وحتى الإبداعي اللغوي إلى السردية الشعرية في أسمى تجلياتها الفكرية (السياسية، الفلسفية والتاريخية). وإيماءتها للمعاني بوجه غير مباشر، فتجعل الفكر الفردي والجمعي يسافر بعيداً لربط الحاضر بالماضي ولمقارنة المعنوي بالحسي وربط الخرافي والأسطوري بالواقعي،
محاولة الكشف عن مدى تعبير الرواية –عموما– عن بيئاتها العربية المنتجة لها وتفاعلها مع أحداثها التاريخية والاجتماعية الواقعية والسياسية، ومضامينها الثقافية والحضارية فالرواية بهذا المفهوم يمكن لها أن تحمل هوية متفرد في السرد العربي الحديث والمعاصر.
ويؤكد رولان بارت Roland Barthes. أن الإنتاج الأدبي ليس انعكاساً للواقع، بل انعكاسٌ لانعكاسٍ في المسافة القائمة بين الواقع وشكل انعكاسه يشمل « جملة من العناصر المعقدة تتضامن وتنتج آثاراً أيديولوجية معينة. فالكاتب لا يكتب أيديولوجيا بل يعكس بشكل لا مباشر جملة تناقضات اجتماعية تحت تأثير أيديولوجيا معينة » ([1]).
كما بين “رولان بارت” مقولة الشكلانيين الروس Formaliste du Russe Les على أن الشكل الفني للنص الأدبي ليس حلية ولا مجموعة من القواعد يجب على الأديب إتباعها بل هو « تشخيص لأحاسيس ملتصقة بتجاويف الذات وبأعماق الموضوع، وعلى الكاتب أن يواجه العالم والأشياء وأن يختار عزلته أو حضوره مع الآخرين »([2]).
كما أنه لا يمكن قراءة أي عمل أدبي فني قراءة نقدية بعيداً عن أيديولوجيا الكاتب فبين الكاتب وعمله « مسافة ثنائية البعد تحددها عملية الكتابة وسيرورة التخييل الأدبية مسافة بين أيديولوجيا الكاتب والأيديولوجيا التي أنتج تحتها وفيها عمله الأدبي، ومسافة أخرى بين أيديولوجيا الكاتب والأيديولوجيا التي تحكم عمله الأدبي وتنتج آثاراً أيديولوجية معينة»([3]) وهذا ما يمكن أن نجده في رواية المستنقع التي بين يدينا للتحليل النقدي والتي لم تنفك تصطبغ بألوان الأيديولوجية البورقيبية السلطوية التي حاصرة الفكر التحرري الأيديولوجي لدى المحسن بن هنية.
غير أن الجيرداس جوليان غريماس A.J.Greimas يرى أن أيديولوجية النص « لا تكمن في مرجعيته وإنما في طاقته على تغيير الدلالات الأصلية المشحونة فيه»([4]) وهذا الذي يفسر البعد الفني الإبداعي للأعمال الأدبية والذي نلتمسه في رواية المستنقع في البعد الأسطوري والتخييلي الذي ربط فيه الكاتب الحياة السياسية في تونس بالحياة الأسطورية في ألف ليلة وليلة، من خلال الربط بين أشخاص الرواية وشخوص ألف ليلة وليلة وبالتحديد بين مريم الفتاة الريفية وشهرزاد السارد المتوقد في ألف ليلة وليلة.
وفي هذا السياق يشير الدكتور عبد الملك مرتاض بقوله:« الشخصية هي هذا العالم الذي يتمحور حوله كل الوظائف والهواجس والعواطف والميول، فهي مصدر إفراز الشّر في السلوك الدرامي داخل عمل قصصي ما، فهي –بهذا المفهوم- فعل أو حدث، وهي في الوقت ذاته تتعرض لإفـراز هذا الشر أو ذلك الخـير، وهي- بهذا المفهـوم- وظيفـة أو موضوع، ثم إنها هي التي تسرد لغيرها، أو يقع عليها سرد غيرها. وهي -بهذا المفهوم- أداة وصف» ([5]).
وإننا حين نتحدث عن السرد بمعزل عن الشخصية يكون بمعنى التتابع والموالاة، أما حين نتحدث عنه في تداخل مع الشخصية فإنه يكون بمعنى التعدية والتجاوز ويغتدي مركباً، لأنه يحمل معنى في نفسه ومعنى آخر مع الشخصية التي يحرّكها هو، وإن كان « السرد في مفهوم كثير من الذهنيات المثقفة لدينا، هو ما خلف الحوار في عمل قصصي ما»([6]) وهي النظرة لا تتوافق مع السرد الروائي الفني الذي ينهض في أكثره على الحوار بنوعيه وكما في رواية المستنقع التي هي في مجملها حوار داخلي تجريه البطلة بينها وبين نفسها لتطلع عليه رئيسها في العمل ولكنها في الأخير تطلع الجميع على هذا الحوار الفني المسرود.
غير أن السرد الذي يفرض نفسه بثقل، هو ذلك السرد الإجرائي الذي يؤدي إلى قراءة جديدة للعلاقات التقليدية وتعويضها بعلاقات نسيجية بنائية، من شأنها لملمة الخيوط الدرامية التي تُفَعِّلُ الشخصية وتعمل على تنامي مساراتها المختلفة، ومن ثم يظهر بناؤها، لأن السرد الذي نقصده نتمثّله “كالبناء أو النساج، والصورة الذهنية المنطبقة كالقالب الذي يبنى فيه، والمنوال الذي ينسج عليه”([7]). ولكن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: ما علاقة السرد بالشخصية؟
- الشخصيات في رواية المستنقع
لا يمكن أن نعتبر الشخصية الروائية وجوداً واقعياً،« وإنما هي مفهوم تخييلي، تدل عليه التعبيرات المستخدمة في الرواية. هكذا تتجسّد الشخصية الروائية ـ حسب رولان بارت ـ (كائنات من ورق) لتتخذ شكلاً دالاً من خلال اللغة، وهي ليست أكثر من قضية لسانية، حسب تودوروف.
وإذا كان فيليب هامون([8]) Ph. Hamon يرى أن الشخصية الروائية هي تركيب يقوم به القارئ أكثر مما يقوم به النصّ، فإن الشخصية عند رولان بارت بأنها نتاج عمل تأليفي.
ولهذا السبب لجـأ بعض الباحثين إلى طريقة خاصة في تحديد هوية الشخصية الحكائية تعتمد محور القارئ، لأنه هو الذي يُكَوِّنُ ـ بالتدريج وعبر القراءة ـ صورة عنها، وذلك بوساطة مصادر إخبارية ثلاثة، هي:
1 ـ ما يُخبر به الراوي: ويكون ذلك عبر أقوال مباشرة مصرح بها وليست استنتاجات، ولكننا لو نظرنا إلى هذا المبدأ واعتمدناه في رواية المستنقع لوجدنا أن هناك تضارب بين الصورة الحقيقية التي تكون عليها الشخصية الموصوفة من قبل الراوي الذي هو ـ البطلة ـ لأنها تسرد في كثير من الأحيان رؤاها الخيالية للشخصيات بحس تصورها وليس بالشكل الذي هم عليه، ومثال ذلك قولها في وصف سي حسان في بداية الرواية فتقول:
« كنت أحياناً أراك جبلاً بعيد المنال، يعز تسلقه أو سبر فجاج أدغاله وشق أحراشه، وأحياناً أخرى كنت أتخيلك بحراً عميقاً تعجز شباكي عن صيد حيتانه أو الغوص حتى قعره ولملمة أصدافه»([9]).
2 ـ ما تُخبر به الشخصيات ذاتها: ويكون ذلك أقوال غير مباشرة تصرح بها الشخصيات داخل العمل الروائي، وهذا أيضاً قد يكون من قبيل التصورات التي لا يمكن اعتمادها للكشف عن ملامح الشخصيات الروائية.
3 ـ ما يستنتجه القارئ من أخبار عن طريق سلوك الشخصيات: ويكون ذلك من خلال قراءة سلوكات الشخصيات وتصرفاتهم أي المعطيات التداولية (نوايا الشخصيات وليست أفعالها ولا أقوالها في حد ذاتها)، وهذا هو في الأغلب الذي يبني صورة الشخصية الروائية لدى القارئ لأنه المعني الأول بتصورها والتفاعل معها.
ثم تعدّدت التصنيفات بعد ذلك: فرأى فيليب هامون أن الشخصية في الحكي هي تركيب جديد يقوم به القارئ أكثر مما هي تركيب يقوم به النصّ »([10])
وفي رواية المستنقع نقرأ ذلك من خلال توظيف أسماء أسطورية شهرزاد وشهريار.
ونجد تصرفات هناء البطلة التي تتغير من مرحلة إلى أخرى متراوحة بين القوة والضعف هي الشخصية الدينامكية الأولى في الرواية لتفاعلها الكبير مع أفكارها وأفكار الآخرين ومع الفترات الزمنية التي تعيشها، كما أن التحول المفاجئ لسلوك سي حسان الثابت طوال الرواية وتحوله من صاحب مجلة إلى بائع علف في السوق لأمر يبين بدية التفاعل الديناميكي لهذه الشخصية التي بدت وكأنها شخصية سكونية ثابتة طوال السرد الروائي على الرغم من سكونية موقفه اتجاه النساء.
وهذا ما نلمسه في شخصية هناء الشخصية الرئيسية المحورية في رواية المستنقع، فهي التي تنقل لنا كل التفاصيل التي تراها في نفسها وفي الآخرين وهي بالتالي تلعب دور السارد والمشارك في الأحداث معاً.
- الشخصيـــات الروائيــة في روايــة المستنقـــع :
هناء بشراوي: وهي بطلة هاته الرواية وكاتبتها فهي فتاة ريفية عشقت الحياة والعمل والنجاح وتراءى لها ذلك في بناء عظيم هو العمل تحت رئاسة سي حسان الذي كان في عينها أكثر من رئيس وأرقى من حبيب ولنقل بأنه أستاذها المثالي في الحياة. أما أمها وأبيها فحاضران في الرواية بحكم الوصف والتقاليد والبيئة الريفية وبحكم السرد الوصفي لحياتها في بيتهم وفي المدينة وبين كل ذلك حالاتها النفسية المتقلبة بين الحين والحين، والرواية في الحقيقة هي مذكراتها التي كتبتها لتقدمها لي سي حسان بعد أن دق ناقوس الحياة الزوجية معلن خطر تواجد مثل هاته الكتابة بين يديها خاصة وأن خطيبها رشيد يضع فيها ثقة كبيرة ولن تسمح هي بأن تقع بين أيديه مثل هاته الكتابة التي أصبحت تمثل عبأ ثقيلاً عليها فأرادت أن تتخلص منها في شكل هدية إلى سي حسان المعني الوحيد ـ من طرف هناء ـ بالبوح والاعتراف بعد أن أبحر زورق حياتها بعيداً عن كل تلك الأحداث.
حسان الحداد (سي حسان كما تدعوه هناء حباً واحتراماً): المدير الوقور والمعلم البالغ الذي كانت ترنو إليه هناء وتراقب كل شيء بعينيه وأفكاره فلم تكن تقوم بشيء إلا بعد الرجوع إليه فلم تكن علاقتها به علاقة راقنة بمديرها بل كانت تتعداه إلى أكثر من ذلك، ولكن الأمر يتأزم بعد أن تستجوبه الشرطة وكان ذلك على يد صديقه القديم إبراهيم الخالدي ضابط الشرطة.
مريـم: شهرزاد كما تسميها هناء وهي الفتاة الريفية صاحبة السرد المسترسل واقتناص أخبار الناس في القرية وفي كل مكان وخاصة في الأعراس والتجمعات وهي التي تخطف عبد العزيز العشيق الثالث لهناء في المنعرج الأخير للرواية.
زهو بالحاج: الكاتبة والصحفية والقاصة المشهورة والتي كانت كومة لهب جنسي وهي التي نافست هناء أول الأمر في سي حسان لكنها بعد الأزمة تزوجت بفريد وسافرت معه إلى الخارج ولم تعد إلا بعد تغير الأوضاع في البلاد عند نهاية الرواية وهي الصديقة الوفية لهناء إلى آخر الرواية، وأختها المعتقلة لدى الشرطة وهي حبلى محركة الأحداث السياسية في الرواية.
فريد بوبكر: المشرف التقني للمجلة ولم يكن له دور مهمة في الرواية سوى التبعية لزهو واصطيادها له في بادئ الأمر كمتنفس جنسي ثم حتمية الزواج به في الأزمة التي طالتهما معاً بعد اعتقال شقيقيه واستجوابه من طرف الشرطة مع زهو ثم استجواب سي حسان .
عمار بن زايد: العشيق الأول لهناء ليس له حضور في مسرح أحداث الرواية غير أنه كان الحاجز النفسي الأول لعبد العزيز الذي كان على علم بعلاقته بهناء قديماً وهو من معارضي الحزب الحاكم لذا جز به في المعتقل وبقى رمزاً للمعارضة فقط.
عبد العزيز صديق الدراسة لهناء وكانوا يدعونه (عبد العزيز أبو الرياضيات أو عبد العزيز طلاس) وهو الرجل الذي عشقته هناء بعد عمار وسي حسان وأملت الارتباط به ولكن رياح الحياة عصفت به إلى أحضان مريم صديقة هناء المرحة.
سي علي بن عزوز: عضو الحزب الدستوري الحاكم الممثل للسلطة.
وهذا ما نلتمسه في رواية المستنقع، وقد يتجلى ذلك من خلال العنوان الإضافي “التحليق بجناح واحد” إن كلمة التحليق تبين البعد الخيال في الرواية، والجناح تبين البعد الخرافي، كما تبين كلمة واحدة الهروب من الواقع الأليم رغم العجز الذي ينتاب المجتمع فيؤدي العنوان الإضافي زمنية وللكشف عن ماهية الزمن لابد من طرح التساؤلات التالية: الزمن طلق أم نسبي؟ الزمن دائري أم خطي؟ الزمن موضوعي أم ذاتي؟ الزمن ماض أم حاضر أم مستقبل؟
إن أهم ما يلاحظ في رواية المستنقع ذات البعد الأيديولوجي السياسي في طرحها العام و حتى مما يتجلى في العنوان بوصف المجال السياسي بالمستنقع الآسن الغرم الذي تفوح رائحته وينبغي الابتعاد عنه ومن يبقى فيه فهو من الديدان أو الذباب، غير أن هذا الطرح لم يتم بطريقة مباشرة فقد أبدع الكاتب محسن بن هنية في اقتناص دور المرأة هناء ووصف أدق تفاصيل مكنونات النفس الأنثوية وهذا الإبداع لا محال هو نتيجة تجربة وخبرة بعالم النساء لأنه يتعدى السرد البسيط والأوصاف الظاهرة في الأنوثة إلى أبعد حدود ممكنة في الانفعالات اللاشعورية للجنس الأنثوي، ثم إن الرواية لتغرق في سيل من الوصف المباح لتفاصيل العملية الجنسية ـ كما في ألف ليلـة وليلـةـ حتى أن الطـرح الجـاد للقضايـا السياسية والفكرية كان عن طريق فضيحة أخت زهـو بالاغتصـاب وأكثـر من ذلك فقـد ربط بين حادثـة الاغتصاب والسجـن فيما يلي: « رأيتها تخرج من رحم الخيال شامخة مشرئبة العنق ترنو نحو الأفق تسامق التاريخ في امتداده. وتحوي في صدرها من خرجن من رحم الأم الرؤوم… قالت أنا جئت من خلاصة أملاح تربتها و تكونت من زلال مائها،.. وهذا السماد مركب من عظام الذين سبقوني من عليسـة، وحنبعـل([11])، وسحنون، وابن الجزار، وابن خلدون، وخير الدين، ومن والاهم في النهج… أنا تونس وأنا ابنتها وهي أمي وإن سجنت، ومطلبي الحرية فلتهدم السجون على رؤوس السجانين. فالشمس تعلو على السحب وسينفجر المصباح و يحرق بزيته العناكب، … زعموا أني زانية وأن حملي سفاح. هم أبناء الزواني ولقطاء قمامة الغرب حتى وإن تحلوا بملابس الشرق. يكيدون كيداً ليجهضوا هذا الذي يكبر يوما بعد يوم في رحمي… وقد علموا أنه ينتسب إلى أبناء الشعب الذين لا غرف لهم يمارسون فيها الجنس مقابل دريهمات »([12])
- ذكــر الحــدث مجــرد مــن التـاريــخ:
إن ذكر الأحداث مجردة من إطارها التاريخي المعروف يهدف من خلاله الكاتب إلى التعميم، والشمولية فهو يريد أيبين لنا بأن مثل هذه الأحداث ـ وخاصة حين تكلم عن التعذيب ـ تعم وتشمل عالماً أكبر من رقعة بلاده تونس وتتعداها إلى العالم الثالث وإلى الأمة العربية تحديداً.
فرواية المستنقع: تروي أحداث وقعت في الفترة البورقيبية ولكن السرد التاريخي للأحداث من خلال الاسترجاع لم يكن تاريخياً بالمفهوم المعروف للتاريخ بل كان سرداً فنياً ونقدياً للفترة البورقبية من جهة ووصفاً حالِّياً للجو السياسي للبلاد وللوطن العربي ككل بأنه متعفن كالمستنقع والغرم ويتجلى هذا في العبارة التالية التي هون فيها سي حسان المدير من روعه هناء البطلة حين أرادت الاستقالة من الحزب لما سمعته من زميلتها زهو ومن فريد و من حسان عن التعذيب الممارس في المعتقلات والسجون، فيقول سي حسان: « إن التعذيب في أقطار العالم الثالث وفي أقطارنا العربية حالة عادية من أيام الحلاج .. ولعل ما عندنا أقل من أقطار أخرى.. ولتقتنعي أقدم لك هذا الكتاب شرق المتوسط… اقرئي الكتاب وحدثيني في هذا الشأن »([13])
وفي الحدث المجرد من التاريخ نجد أيضاً ذكر التاريخ مبهماً فشهر جانفي في تاريخ تونس مرتبط بأحداث ثورة الخبز التي شكلت أزمة حقيقية و كان ذلك في 26 جانفي 1980 لم يعر الكاتب أهمية للزمن الكرونولوجي لكنه نبه إلى رمزية الشهر كيوم لإعادة الإعلان بالولاء للزعيم لأنه في ذلك اليوم ألغى الزعيم مرسوم زيادة سعر الخبز ونلمس ذلك في قوله: « ثم اتخـذ شهر جانفي ذكرى أو مناسبة القلاقـل واصطناع الأزمات، وفي الأخير تقرأ برقية تأييد للزعيم »([14])
- المفارقــة الزمنيــة بيـن المنطــق الواقــع:
يستحضر الكاتب مفارقة زمنية يبين من خلالها مدى التناقض الحاصل في البلاد و مدى استبداد الزعماء والحكام فرأى بشكل منطقي انقلاب المنطق في الواقع فيقول على لسان سي حسان:« …إن منطق هذا الزمان لا يسافر إلا في القطار… أما منطق أفلاطـون فمطيته جحش أعرج دبر ظهـره فلا يصلـح للركوب أو المنافسة، وهكذا يكون منطق أفلاطون الجحشي ليس من المنطق في شيء إذا أراد منافسة القطار في الركض.» ([15]).
ونلمس المفارقة هنا أيضاً حين تعبر عن تداخل الزمن في بعضه البعض تعبيراً عن عدم الإحساس به ومروره سريعاً فتقول: « فالزمان ابتلع الزمان وانفرط زمام التمييز. كنت أدري أني أنثى… نعم أنثى، وفي جسدي اكتملت خصائصها. »([16])
- التصويـر السـردي :
ويحاول بن هنية في المستنقع أن يصور الحياة التونسية في ظل الحكم القاهر، تصويراً سينمائياً يلغى به الحدود الزمانية الفاصلة بين الصورة اللغوية و الصورة المرئية، غير أن الكتابة الفنية السردية التي ترقى إلى هذا المستوى التصويري تسمى بـ: التصوير السردي وهو التصوير الذي نطالع فيه الأدب القصصي عموماً.
يكتسب النص الوظيفة الشعرية بفضل « إسقاط مبدأ المماثلة من محور الاختيار إلى محور التأليف وتنتج عن ذلك البنية التي تسمى التوازي»([17]) وتشمل عند جاكوبسن أدوات شعرية تكرارية، منها الجناس القافية، التصريع، السجع، التطريز، التقسيم، المقابلة، التقطيع، الترصيع، النبرة والتنغيم وهاته البنية ـ بنية التوازي ـ هي التي تستوعب الصور الشعرية بما فيها ما يسمى في البلاغة القديمة بالاستعارات والرموز(ففي الشعر تتحقق الصورة الشعرية باعتماد الاستعارة بينما في النثر القصصي فتتحقق بفعل الكنايات والمجاز بأنواعه.
ويمكننا أن نقول « وباختصار فإن العديد من الملامح الشعرية لا ينتسب إلى علم اللغة فحسب، وإنما ينتسب إلى مجموع نظرية الدّلائل أي إلى السيميولوجيا أو( السيميوطيقا) العامة… فمسألة العلاقات يبن الكلمة والعالم لا تخص فن اللغة فحسب، وإنما تخصُّ أيضاً كل أشكال الخطاب »([18]).
فالرواية بهذا المفهوم هي قراءة هجينة للواقع الاجتماعي والسياسي، من منظور تخييلي وبأبعاد نفسية عميقة.
- شعرية العنـوان:
العنوان هو اختزال للنصوص، وفيه تكمن بداية النص و منتهاه، فهو يؤدي جملة من المعاني تخدم النصفي تركيبه المقتضب « يمتاز العنوان من الناحية السيميائية بعلاقة إرتباطية عضوية مع النص، مشكلاً بنية تعادلية كبرى تتألف من محورين أساسيين في العملية الإبداعية هما: العنوان/النص. ومن هنا يصبح العنوان المناص الذي تستند إليه النص الموازي، فالمناصة هي عملية التفاعل ذاتها وطرفاها الرئيسيان هما النص الموازي والمناص، حيث تتحدد العلاقة بينهما من خلال جزء المناص كبنية نصية مستقلة، ومتكاملة بذاتها، … ونجد أنفسنا أمام بنية نصية جديدة لا علاقة لها بالأولى إلا من خلال البحث والتأمل..» ([19])
وظيفــة العنــوان: حسبما حددها جيرار جينيت هي أربع وظائف وهي كتالي:
- الإغراء : وهي المنطلق الذي يبنى عليه العنوان.
- الإيحاء : والوظيفة الإيحائية « تنهض على الإيحاء بالمعنى، فالكاتب يخاطب من القارئ ثقافة وملكات، ويستعمل من اللغة طاقتها في الترميز، و ليس همه التوصل إلى المضمون أو الشكل بقدر ما تعنيه مفاجأة القارئ » ([20])
- الوصف: وهو الصور الرمزية التصويرية لفحوى الموضع، كما في رواية المستنقع فإن صورة المستنقع تصف الأحداث المتعفنة والأسنة التي في الرواية.
- التعيين : هناك الكثير من الروايات لها نفس العنوان وسواء كان هذا التشابه أو التطابق في العنوان عمدياً أو محض صدفة فذلك ما يبين وحدة الفكرة التي يرمي إليها كل كاتب، ويشترك بن هنية في عنوان روايته المستنقع مع الروائي الكبير حنا مينة في روايته المستنقع وهذا ما يبين الرؤية المتحدة للروائيين في المشرق والمغرب حيال تفسخ الأنظمة السلطوية في البلاد العربية ولكن بن هنية يضيف عنواناً إسنادياً للعنوان الرئيس، وهو ( أو التحليق بجناح واحد) وهذا العنوان يعضد العنوان الرئيس في منحى قيمي آخر وهو زيادة على الظلم الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة فإنها تمنع أو تكبح الانطلاق الإبداعي في كل المجالات، فعملية التحليق إيحاء ايجابي لكنه يفقد معناه حينما يكون بجناح واحد لأن العملية تصبح ضرباً من العبث و الجنون الذي مآله الفشل الذريع أو السقوط اللولبي.
- الإعـلان أو الإشـهـار: ويمكننا أن نضيف وظيفة أخرى وهي الإعلان لمحتوى السرد الروائي أو الإشهار غير الصريح لفحوى الرسالة التي تتضمنها الرواية.
أو التحليق بجناح واحد: وقـد كتب هذا العنوان بالون الأحمر رمزاً للخطر وللتحدي معاً وكتب بطريقة برايا ليكون مستشعراً بالنظر وباللمس وفي ذلك دلالة على صمود هذا المستنقع ووضوحه وبقائه.
وهناك سبابة ليد غير ظاهر تخرج من اسم المؤلف محسن بن هنية، وهي ملطخة بالوحل تشير من الأعلى إلى الأسفل إلى باقي الأيادي الملطخة بالوحل، والسبابة رمز للتشهد، والاستشهاد، والتوحيد في عرف الثقافة الإسلامية وعليه يمكننا قراءة الصورة كما يلي:
- السبابة تشير إلى هؤلاء الملطخين بالوحل، طالبة لهم النجدة.
- السبابة تشير إلى هؤلاء الملطخين بالوحل، معلنة استشهادهم.
- السبابة هي للمحسن بن هنية نفسه، يتشهد التشهد الأخير، معلناً عن استشهاده داخل هذا المستنقع الكبير، ولعل ما يؤيد هذا المذهب هو وقوع العنوان الفرعي أو التحليق بجناح واحد فوق النقاط الممتدة للعنوان الرئيس المستنقع معلنة امتداد هذا المستنقع وتواصله دون انقطاع، وأن كل محاول للتحليق مآله الوقوع في المستنقع .
وامتداد نقاط العنوان الرئيس المستنقع إشارة إلى امتداد الظلم و القهر والتعفن في الأنظمة الحاكمة.
المستنقع مكان الوحل والتعفن والمياه الآسنة لا حياة فيه لغير الحشرات والجراثيم
رغم النجاح الذي حققه سي حسان إلا أنه يبقى دائماً داخل هذا المستنقع الآسن والمريع.
« لم أدر هل واصل الكلام أم توقف… الذي أدريه أنني فقدت جناحي الثاني وأدركت أني ارتفعت فوق السحاب بجناح واحد من الوهم وأني ركبت طائر الخيال. والآن أصارع السقوط تحليقاً بجناح واحدة وأنني لا أقوى على التقدم، فالجناح الواحد كالمجداف الواحد يجعل الحركة دوران حول الذات»([21]) .
- السـرد الأسطـوري فـي الروايــة :
ويتجلى ذلك من خلال محاولة ربط الأحداث بما هو موجود في ألف ليلة وليلة بل وتعداه إلى ربط شخصية مريم بشخصية شهرزاد ومن ثمة فالإسقاط يقتضي أن بورقيبة المتسلط والدكتاتور الذي يعيش في بذخ ولا يعبأ بحال الرعية هو الملك شهريار ومن خلال المقارنة بألف ليلة وليلة نلتمس أيضاً التعميم فما أبعد العراق بتونس جغرافياً وما أقربها منها فكرياً وحالاً وسياسة وهذا ما يربط الوطن العربي كله فساد الأنظمة الحاكمة وهيمنتها الديكتاتورية الرعناء.
- استعمــال ضمائــر الخطــاب فـي الســرد :
إن هذا الاستعمال المكثف لضمائر المخاطب يلغي البعد الزمني الفاصل بين زمن السرد وزمن وقوع الأحداث فيصهر التخاطب التباعد الزمني فنعيش الأحداث المروية وكأنها تقع فعلاً أمامنا الآن ومن أمثلة ذلك ـ وهي كثير لأن هناء دائماً تهاب سي حسان سواء كان أمامها في المشهد السردي أم كان غائباً عنها فهو دائم الحضور في نفسهـا وفكرها ولذا فالخطاب في مجمل الرواية موجه له فنجد قولها في بداية الرواية :« كنتُ أحياناً أراك جبلاً بعيد المنال
حدثتـك أني مجبولة على حب الصعاب كان علي أن أدخل عالمـك
أنا لا أستجدي عواطفـك سيدي أقص عليك هذه الواقعة المؤلمة لاعتقادي سيدي بأنـك ستقف إلى صفي…..ومرة أخرى تركت بياضاً بين الفقرات حتى لا أثقل عليـك بقصتي و حتى لا أسقط في الاستجداء. »([22])
- البنية الزمانية في رواية المستنقع
- الإيقــاع الزمـــني في رواية المستنقــــع([23]) :
لقد اعتمد السرد في رواية المستنقع على الاسترجاع فكان هذا كفيل بأن يحدث ايقاعاً زمني مختلفاً عن الكرونولوجيا الزمنية وذلك لأن الاسترجاع لم يكن للأحداث فقط بل مزجت بالعواطف والتخيلات والأمال فكانت الأحداث عبارة عن وقع للعواطف والاحاسيس ويتجلى ذلك بوضوح حين يكون السرد على لسان مريم القروية التي كانت تحاكي شهرزاد في ألف ليلة و ليلة.
لقد اعتمد المحسن بن هنية على الهندسة الفنية للبناء السردي الذي حاول أن يأخذنا معه في هذه الرواية الأيديولوجية الفنية، فكانت الرواية في مجملها عملاً فنياً نقدياً، استطاع ببراعته السردية أن يشكل طابعاً روائياً خاصاً به، نلمس من خلالها نزعته التحررية وثورته على كل أنواع القهر والظلم التي تمارسها الأنظمة الحاكمة في الوطن العربي وفي تونس على الخصوص وبالأخص في الفترة البورقيبية التي اختارها الكاتب لتكون نموذجاً لأشكال القهر السياسي للأنظمة العربية، ولعل معايشة الكاتب لهذه الفترة جعله يصفها بأدق تفاصيلها، على مستوى البطلة هناء وكذا المثقف المنهار في الرواية وهو سي حسان الذي يمثل المواطن العربي المثقف البائس الذي تنهار كل أحلامه في النهوض بمجتمع عربي قوي سياسياً مجتمع يرفض كل ألوان القهر والعبودية.
هذا ما أراد الكاتب أن يبلغه لنا من خلال أسلوبه المتفرد في تحور أحداث السرد من المستوى الفرد لشخصيات الرواية، ليندمج معها القارئ العربي تلقائياً كشخصية مشاركة من خلال النماذج البشرية التي صممها المحسن بن هنية في روايته.
يعتمد البناء السردي لرواية المستنقع على التداخل بين ما هو واقعي وخرافي وما هو حالي وما هو ماضي ولقد كانت هاته الرواية معرضاً فنياً فكرياً وأدبياً وسياسياً، فهي أصعب ما يكون على المبدع، بأن يلم كل هاته الألوان الفكرية في بوتقة الإبداع الأدبي الروائي وقد امتازت بسبك لغوي متين وكذا شاعرية مرهفة وخفاقة، فالرواية تتطلب قدراً هاماً من الشعرية هو الذي يميزها عن بقية ألوان السرد المعروفة كالحكاية والسيرة.
ومن ثمة فإننا نجد بعض الشعراء قد تحوّل عن معاناة الشعر « إلى إبداع الرواية، ظانين أنها أسهل إبداعاً، على الرغم من أنها الجنس الأدبي الأصعب والأكثر تعقيداً في بناء الشخصيات وتوظيف الزمان والمكان… إلخ. »([24]).
وتعتمد رواية المستنقع العنصر التاريخي الحقيقي مرتكزاً للأحداث الروائية حتى أنها تنتهي بالخروج إلى الشارع التونسي الحقيقي في لحظة تاريخية من التحول الحاصل في تاريخ تونس، فالرواية بذلك كانت « معتمدة الوثيقة التاريخية، دون أن تلتزم بها تماماً. وهنا ميزة الروائي الناجح الذي يعتمد التاريخ منطلقاً دون أن يجعله قيداً يحدّ من حرية حركته في الزمن، فيصوّر الأحداث والأشخاص تخييلياً، جامعاً بين التاريخ والتخييل.
لا نجد أحكام القيمة في المنهج البنيوي لأنه من المناهج الوصفية التي تُعنى بالتحليل وحده، ولا تجاوزه إلى إعطاء حكم قيمة على المبدعات الأدبية التي تحللها. ولهذا فإن كثيراً من المبدعين يرون أن النقاد يغمطونهم حقهم من المدح، ناسين أن هذا المنهج هو منهج وصفي لا قيمي، وأن مجرد دراسة الناقد البنيوي لهذا الأدب أو الأثر الفني إنما يعني ـ ضمناً ـ رغبته فيه وفي إشهاره »([25])
لولــوج البناء الزمني للرواية لا بد من المرور عند ثلاث مفارقات زمنية([26]):
الأولى: الترتيب والنظام ويحدث نتيجة الانحراف الزمني في القصة (آو ما يطلق عليه زمن القصة) والنظام الزمني لترتيبها في السرد (زمن القص).
الثانية: وتحدث بين الديمومة النسبية في القصة وديمومة السرد (أي طوله) أو ما يطلق عليه الإيقاع الروائي أي سرعة النص وبطؤه
الثالثة: التواتر ويحدث بين طاقة التكرار في القصة وطاقة التكرار في السرد
تفرض طبيعة الكتابة أن يرتب الروائي الوقائع تتابعياً، لأنه لا يستطيع أن يروي عددا من الوقائع في أن واحد لذا فان ثمة مفارقة ما بين زمن الوقائع وزمن سردها([27]).
ونعني بزمن الوقائع؛ انه زمن ما تحكي عنه الرواية ينفتح باتجاه الماضي فيروي أحداثا تاريخية أو أحداثا ذاتية، أما زمن السرد أو القص فهو زمن الحاضر الروائي أو الزمن الذي ينهض فيه السرد([28]).
وقد يعمد المؤلف إلى ترتيب أحداث الرواية اعتمادا على تصور جمالي يلغي تتابـع أحداث القصة (التخيل) وتسلسلها التقليدي مستعيضا عنه بالتحريف الزمني الذي لا يلتزم بالتتابع (الكرونولوجي) الطبيعي، بل يتصرف في ترتيبها تبعا لغايات فنية يقتضيها البناء الروائي([29]).
يؤدي عدم تطابق زمن القصة مع زمن القص إلى أحداث مفارقات سردية وخلخلة في زمن الحضور يتم بموجبها استرجاع أحداث أو استباقها([30]).
هناك تقسيمات عدة لمفهوم الزمن في حقل السرديات ولعلها تدور إجمالاً في قسمين اثنين وهما([31]) :
- الزمن الداخلي (النفسي الذي يشعر به الإنسان في داخله وهو لا منطقي ولا تسلسلي ولا يخضع لأي ضابط ).
- الزمن الخارجي ( الطبيعي وهو الذي تسير الحياة والكون بأسره على إيقاعه المتواتر والمستمر).
زمن الرواية التاريخية : ليس تاريخاً بمعنى الكلمة ولا واقعياً بمعنى الكلمة أيضاً، لأن الروايات التاريخية في حقيقتها هي قراءات للحاضر بعيون الماضي أو لنقل بأنها رؤية تستتر وراء التاريخ لتكشف الحاضر الأليم و تفضحه وتبين استمراره من الماضي البعيد لأن الحاضر هو مبتغاها الحقيقي وليس الماضي بعينه، وهذا ما يسمى بفنتازيا التاريخ، أو التحليق في الخيال.
وهذا ما نلتمسه في رواية المستنقع، وقد يتجلى ذلك من خلال العنوان الإضافي ” التحليق بجناح واحد ” إن كلمة التحليق تبين البعد الخيالي في الرواية، والجناح تبين البعد الخرافي، كما تبين كلمة واحد الهروب من الواقع الأليم رغم العجز الذي ينتاب المجتمع فيؤدي العنوان الإضافي زمنية
أما عن زمن القراءة، فهو ما يمكن أن نراه من زاوية مختلفة، هي زاوية ربط الأحداث التاريخية الأصلية بالأحداث الأصلية التي يعيشها الكاتب وأوحت له بالربط بين الأمور.
- الخوف من السلطة الحاكمة.
- الرغبة في قراءة الواقع بنظرة مغايرة للواقع.
- تعميم الأحداث إلى رقعة أوسع وأشمل(زمنياً، أيديولوجياً، مجالياً أو مكانياً)
- إقحام المأمول الشخصي المنتظر في الواقع الماضي كنوع من التعويض.
- البنية المكانية في رواية المستنقع
- فضاء المكان الروائي([32]) .
ولعل دراسة (شعرية الفضاء) « لغاستون باشلار G.Bachlard1957 هي التي نبهت النقاد والباحثين إلى أهمية المكان في الإبداع الروائي العربي، فكان غالب هلسا هو أول الدارسين العرب للمكان، وذلك في كتابه (المكان في الرواية العربية). درس فيه التأثير المتبادل بين المكان والسكان، وأظهر أن المكان ليس ساكناً، بل هو قابل للتغيير بفعل الزمان. وقد صنّف المكان في أربعة أنواع:
1 ـ المكان المجازي، وهو المكان الذي نجده في رواية الأحداث المتتالية، حيث نجد المكان ساحة للأحداث ومكملاً لها، وليس عنصراً مهماً في العمل الروائي، إنه مكان سلبي، لعدم خضوعه لأفعال الشخصيات، فهو لا يعد أن يكون صورة مكانية جامدة، ولكن لها دلالتها الرمزية، كما هي قصور الملك شهريار في الرواية.
2 ـ المكان الهندسي، وهو المكان الذي تعرضه الرواية بدقة وحياد، من خلال أبعاده الخارجية.
3 ـ المكان كتجربة معاشة داخل العمل الروائي، وهو قادر على إثارة ذكرى المكان عند المتلقي.
4 ـ ثمّ أضاف لها (المكان المعادي) كالسجن والمنفى والطبيعة الخالية من البشر، ومكان الغربة، ويدخل تحت السلطة الأبوية، بخلاف الأماكن الثلاثة السابقة فيراها أماكن أمومية.
و قد اعترض بعضهم على هذه التقسيمات، فرأى أن المكان كله مجازي في الرواية، و(المكان) يمثّل الخلفية التي تقع فيها أحداث الرواية، أمّا (الزمن) فيتمثل في هذه الأحداث نفسها. وإذا كان (الزمان) يرتبط بالإدراك النفسي، فإن (المكان) يرتبط بالإدراك الحسّي. وإذا كان (الزمان) يرتبط بالأفعال والأحداث، وأسلوب عرضها هو السرد، فإن أسلوب تقديم (المكان) هو الوصف.
ولقد قسم النقاد الفضاء المكاني إلى خمسة أنواع([33])، هي:
1 ـ الفضاء الروائي: هو فضاء لفظي يختلف عن الأماكن المدركة بالسمع أو بالبصر، فهو يتكون من التقاء فضاء الألفاظ بفضاء الرموز الطباعية، وهو المظهر التخييلي أو الحكائي، ولا تخلو منه أي قصة أو رواية أو مسرحية لأنه يوفر الدعامة الأساسية للعمل الفني القصصي.
2 ـ الفضاء النّصّي/الطباعي: هو الحيّز الذي تشغله الكتابة ذاتها، باعتبارها أحرفاً طباعية على مساحة الورق. ويندرج ضمنه كل من تصميم الغلاف، ووضع المقدمة، وتنظيم الفصول، وتشكيل العناوين، وتغيرات حروف الطباعة والفراغات البينين بين الكلمات والسطور والفقرات…الخ،
3 ـ الفضاء الدلالي: وقد تحدث عنه جيرار جينيت فرأى أن لغة الأدب لا تقوم بوظيفتها بطريقة بسيطة، إذ يمكن للكلمة الواحدة أن تحمل أكثر من معنى واحد، فهناك المعنى الحقيقي، والمعنى المجازي…
4 ـ الفضاء كمنظور أو كرؤية: وقد تحدثت عنه جوليا كريستيفا فرأت أن الفضاء مراقَب بوساطة وجهة النظر الوحيدة للكاتب، والتي تهيمن على مجموع الخطاب بحيث يكون المؤلف متجمعاً في نقطة واحدة.
5 ـ الفضاء الجُـغـــــرافـي: وهو الحيّز الذي تتحرك فيه شخصيات وأبطال الرواية، وإن كان هذا الفضاء بالنسبة للرواية المستنقع محدد في تونس وسيدي بوزيد والمجلة ولكن الوظيفة والدلالية لا تنحصر في جغرافية المنطقة المحددة بل تلجها الأبعاد الأخرى كالوطن والشوارع والطرق …الخ، ويمكن أن نميّز في رواية المستنقع أماكن الثنائيات الضدّية التالية:
1 ـ أماكن الانتقال العامة وهي المدن (تونس وسيدي بوزيد) والشوارع والريف.
2 ـ أماكن الإقامة الاختيارية، في مقر المجلة والغرف والزاوية.
3 ـ أماكن الإقامة الإجبارية، في فضاء السجن الذي بقيت فيه زهو بالحاج وأختها وزميلها فريد بوبكر.
- المكـــان في روايــة المستنـقــع:
إن البيئة الموصوفة في الرواية لها أثر كبير على شخصيات الرواية، من جهة وعلى القارئ من جهة أخرى، فهذا الوصف هو الذي يحفز الشخصيات على القيام بالأحداث، أو يوحي للقارئ بالأحداث المتوالية تبعاً لمعطيات الأماكن الموصوفة داخل الرواية أو التي تتحرك فيها شخصيات الرواية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالأماكن المجازية والأسطورية ونصادفها في رواية المستنقع على صورتين وذلك في المكان المجازي الأول وهو المستنقع الذي يوحي للقارئ بتصرفات هناء وسي حسان والمتطرفين من الخوانجية وفي المكان الأسطوري المثمثل في استحضار قصور ألف ليلة وليلة على مستوى المخيلة للقارئ وللبطلة هناء ورفيقتها البدوية مريم كما يوحي بنظام الحكم الظالم الذي يمارسه شهريار على رعيته وعلى شهرزاد بالتحديد، ويحيل القارئ مباشرة على الفكرة التي يريدها الكاتب وهي ظلم النظام الحاكم وممارساته المتعسفة كما هي في ألف ليلة وليلة مع شهريار.
ولقد اعتمد المحسن بن هنية وصف البيئة التي تدور فيها أحداث الرواية وهي مدينة سيدي بوزيد التونيسة والتي هي في الأصل الموطن الحقيقي للمحسن بن هنية، ويمكننا أن نحدد أهم الأماكن التي وردت في رواية المستنقع كالتالي:
المستنقع: وهو المكان المجازي الذي بنى عليه الكاتب روايته، وهو الهدف المنشود الذي تحامت أحداث الرواية، بكل تفاصيلها إلى توضيحه وتبيينه كفكرة، وهو كمكان حقيقي، يكشف بدلالاته التي أحسن الكاتب بتوضيحها وفي أكثر من موضع لتوضيح وفضح الأحداث السياسية الحقيقية التي جرت في تونس وتجري في كثير من الدول العربية ودول العالم الثالث على العموم أينما كانت، وفي أي زمن كانت، فهذا المكان المجازي دل هنا فكرة عميقة لا يمكن تحديدها بدقة بواسطة اللغة ولذا كان من البداية ومن العنوان واضح المسار المتعفن الذي يشي به هذا المكان وعلى جميع المجالات السياسية والاجتماعية والنفسية والفكرية لشخوص وشخصيات الرواية وللشخصيات الواقعية في الحياة برمتها في منظور الكاتب.
ويتضح ذلك من رؤية الكاتب في هذا المقطع الذي يخاطب فيه سي حسان البطلة هناء وبالتالي من خلالها كل إنسان فيقول: « يا هناء ألم أقل لك أن السياسة مستنقع والمستنقع بقدر ما يتعفن ماؤه بقدر ما يتخاصم ويتقاتل فوق صفحته الذباب والحشرات»([34]) فوصفه للمستنقع يحيل بالمطابقة على المجتمع أو لنقل المجتمعات، وصف المتعاملين بالسياسة بأنهم حشرات وذباب وفي ذلك غاية الوصف والنقد.
والتحذير من النفاق السياسي يتجلى في الوصف النقدي الذي قدمه من خلال تحقيق الصورة المجازية للمستنقع ونقلها في صورة حقيقية تجعل القارئ يقتنع بواقعية المكان داخل الرواية ويظهر ذلك من خلال المقطع الموالي: «…عليك الآن النظر إلى جسدك، بداية برأسك ثم أطرافك ودفق أدران الماء الملوث الذي تسرب من أذنيك إلى داخل جمجمتك، وحتى ملابسك هي الأخرى متعفنة بماء المستنقع وتحيط بك روائح الغرم، لا تجزعي كثيراً فلست أنت الأخيرة، ولست أنت في قلب الخطأ حتى لو أنك بعد لم تتقني السباحة في المستنقع » ([35])
الثكنة: وتعد الثكنة من الأماكن المخلة التي ليس للفرد في اختيار الدخول إليها فهي كالسجن تماماً بل وإنها تفوق السجن بعدم الركون إلى الراحة، ويدعم وصف الثكنة توضيح صورة المستنقع، أو صورة الاستبداد من خلال الممارسات اللا إنسانية التي يتعامل بها الضباط داخل الثكنة ومن ذلك المقطع الذي يتكلم فيه سي حسان مسترجعاً ذكرياته في أداء أكذوبة الواجب الوطني كما سماها فيقول:«… جندت ككل الشباب وكان ذلك يبدو لي قدراً لا مفر منه، والحقيقة هي كذلك لأني مملوك لمالك البلاد باسم أداء الواجب…([36])»([37]) ثم يسترسل في وصف المكان وما يقع به من تطويع الأشخاص ليكونوا على استعداد للقيام بكل ما يطلب منهم فيقول: « منذ الساعات الأولى أدركت أني مثل قطعة الحديد التي توضع على النار ليصنع منها مشكاً أو خازوقاً حسب رغبة الصانع.
وأن بداية الصنع كانت بحلق شعري الجميل بحدة وإلقائه في القمامة… »([38])
وبعد أن يكشف سي حسان كل الممارسات الشنيعة التي يمارسها النظام باسم القانون يطرح سؤالاً حائراً فيقول:« وانتصب أمامي السؤال…أهذا من واجبنا اتجاه الوطن..؟ »([39])
ويرد ذكر الثكنة في هذا المقطع الذي يشير فيه الكاتب إلى ما يجري في الثكنة وهي نموذج مصغر لنظام الحكم في البلاد وأن زعيمها هو النموذج المصغر لزعيم البلاد ولكن المبادئ التي تبنى عليها الثكنة هي نفسها التي تبنى عليها البلاد فيقول: « وإن أول خطاب يوجه لك في المكان الذي يدعى الثكنة هو: اسمــع وأطـع و لا تسأل أو تجادل فهذا المكان فيه تعليمات ليس لك خيار في رفضها أو عدم الالتزام بها.
وإن سيد الثكنة يقول لك: اسمع جيداً، جيداً ها أنا ربك أنا إلهك… فلا أوامر لغيري، ومن الآن أترك معتقداتك خارج هذا المكان، و لا تفكر إلا في نسيان مقولة لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق… التي تكون قد سمعتها من أبيك أو معلمك أو شيخك، فالطاعة لي وحدي، أفهمت..؟ الأمر ما آمر… إن الاعتقاد بمحمد وربه وكتابه والملائكة هؤلاء كلهم لا يدخلون الثكنة »([40]).
الحبـــس: يمثل الحبس (السجن) أيضاً مكاناً رامزاً لسطوة السلطة وجبروتها وسلاحاً فتاكاً من أسلحتها، و يوظفه الكاتب في صورتين الأولى وهي صورة الحبس الحقيقي التي تتضح من خلال المقطع الذي يبين دخول أخت زهـو بالحـاج السجـن «…لا يقل عن مكوث أخت زهو في السجن »([41]) وكذلك من خلال المقطع الذي يبين الخوف الذي ينتاب الناس من ذكر هذا المكان ومن دخل إليه بعدما دخلت أخت زهـو: « يا ربي، إني سمعت الناس يقولون إنها حبلى وهي في الحبس… والله يهلك أولاد الحرام. »([42]). وهي تمثل صورة المواطن الضعيف المغلوب على أمره والذي سلب كل ما لديه من طرف السلطة وذلك باسم القانون.
والصورة الثاني هي صورة الخوف الذي ينتاب المجندين من التدخل في شؤون النظام أو الحديث في السياسة، أو المطالبة بالحقوق داخل الثكنة فيكون السجن هو صورة الرحمة التي يفوقها العذاب الجسمي الشنيع ونلمس ذلك من هذا المقطع: « .. وأن هذا الكلام سيحولنا إلى خونة خارجين وأن ألطف ما قد يلحق بنا من عذاب هو الزنزانات الانفرادية»([43])
أما الصورة الأخرى فهي صورة السجن الافتراضي والذي يتضح من خلال صورة البطالة التي آلات إليها هناء اثر تضاؤل عمل المجلة فتقول في نفسها: « أنا وقبل كل شيء، خاصة وأني أشعر بفراغ وأني لا أقوم بأي عمل وأنت تدفعين لي مقابلاً دون مقابل، فأنا على استعداد للبطالة والمكوث في بيتنا.
قلت هذا وأنا أدرك أن المكوث في البيت عندي لا يقل عن مكوث أخت زهو في السجن »([44]).
الحــزب : يمثل مكاناً للعمل السياسي الآسن، ولذا عند دخول هناء الحزب كان ذلك في نظر سي حسان وقوعها في المستنقع وعليها أن تُجيدَ السباحة فيه، وأنه لا خروج من هذا المستنقع. « أليس في هذا سقوط في المستنقع الذي كثيراً ما تحدثت عنه…؟ » ([45]).
و الحزب بمفهومه السياسي لا يمثل مكاناً ولكنه بالمفهوم الاجتماعي يمثل فضاءً مكانياً آمناً من شرور السلطة، ويرد ذكر ذلك في قوله: « إن الحزب الدستوري لعب الدور الأكبر في صنع تاريخ تونس الحديثة وتشييد دولة مدنية لا تستند إلى الجيش كما هو حال جل الدول الأخرى من العالم الثالث أو التي تشبهها من حيث الظروف»([46]). ولهذا حينما دلجت هناء الحزب كانت قد وضعت أول خطوة في المستنقع السياسي الكبير، وكان هذا الدخول الحقيقي للحزب تحقيقاً للدخول المجازي في المستنقع.
المجلــة: وهي فضاء روائي تدور فيه الأحداث، وهي تحمل دلالة المعرفة من جهة والبحث عن الحقائق من جهة أخرى، وعدم نجاح المجلة في تحقيق المراد، من كشف الحقائق، وتوفير الأموال اللازمة لسي حسان وانتقاله للسوق لبيع الأعلاف، صورة دلالية واضحة، عن فشل الإعلام والأحزاب المعارضة في الوطن العربي من كشف تلاعبات الزعماء العرب.
ونتبين الفضاء المكان للمجلة من الوهلة الأولى حين بحث هناء عن عمل وضفرها به لجرأتها في الطلب وصدق سي حسان معها ومع نفسه في توظيف الأكفأ، ولكنها لم تكن سوى راقنة لما يكته سي حسان أو زهو بالحاج، ويرد ذكر المجلة في هذا المقطع الذي يحدد وظيفة « المهندس فريد بوبكر… سيكون المشرف على إخراج المجلة »([47]).
ويرد ذكرها في المرة الثانية بعد أن أصبحت خراباً فشبهتها هناء بالسجن الذي تقبع فيه أخت زهـو، لأنها لم تعد تعمل ولم يعد هناك بريد يفد إليها و بالتالي دخول المجلة في حالة الانهيار، كما يجسده هذا المقطع: « إذاً لماذا نذكر المجلة..؟ دعها نائمة في ثلجها…مع الملاحظ أن البريد نقص ولم يصلني أي بحث أو إبداع طيلة شهر، وكما ذكرت لك إلا شكاوي المشتركين والقراء والتساؤلات.»([48]).
والمجلة كمكان جغرافي تلعب دوراً قيما في توضيح رمزية السلطة الثالثة التي يصبو إليها سي حسان ولكنه يفشل في النهوض بهذه السلطة أمام قوة وسطوة وجبروة وظلم القوى السياسية المتحكمة في زمام الأمور في البلاد ولذا فإن انهيار المجلة يعد خيبة أمل بالنسبة لسي حسان وللمواطن العربي أيضاً.
مدينة سيدي بوزيد: ويرد ذكر مدينة سيدي بوزيد كثيراً في الرواية لأن الأبطال ينتمون إلى هذه المدينة وتظافرت عدة معطيات([49]) لتعطيها الحيز الأكبر في أمكنة الرواية الجغرافية، كما أنه يصور في هذا المقطع التركيبة السكانية القبلية التي تشكل مدينة ويطبعها بالطابع الريفي الذي يصر الكاتب على أنه من أهم مقومات المدينة وفي ذلك رمزية لنقاء المكان وطيبة السكان فيقول: « قلت لك سابقاً أن سيدي بوزيد ليس لها خصائص المدن، فهي حسب تحديدي عاصمة ريف أو هي مركز أرياف. ولم تتجاوز حتى مفهوم القرية… كل هذه الأعراف والأطراف بدأت تشكل صورة تشبه المدينة، تلك هي سيدي بوزيد »([50]).
وقد حاول الكاتب أن يبين معالم هذه المدينة التي كما وصفها بأنها لا تملك مقومات المدن، لأن الطابع الفلاحي الريفي لا يفارقه، وها هو في هذا المقطع يصف بعض جوانب الريف في سيدي بوزيد ـ على لسان هناء ـ فيقول: « كنت أتابع مسار عائلتي وأنا أكتشف حقائق قد لا يراها إلا الذي ضاعت منه في صخب المدن.
كنت مثلاً أتابع بلذة بالغة وممتعة العلاقة القائمة يبن أمي والغراء، وأم الزين، وأم العجول، والذي يدهشني هو التفاهم بينهن حيث كانت تفهم لغتهم وتحدد رغباتهم وتحلل لي من خلال الحوار ماذا تريد كل واحدة، فتقدم الكلأ المجفف أو الماء ثم تربت على رأس هذه وظهر الأخرى. والغريب أن ثلاثتُهُن يمنحنها ثقة لا تمنح لغيرها….
… والذي أدهشني أن أبي إذا سمع ثغاء نعجة أو خروفا يعرفها من لحن الثغاء فيـردد: شوفـوا النعجة الدرعاء فإن بها كـذا، و كان يفهـم ما تريد، أو النعجة العكـروت أو الصردي أو الجندي أو الغربي، ولكل واحدة صفة أو اسم كما هي الحال مع البقرات ثم أراها تتبع الراعي أو أبي في انتظام غير منفرط»([51]).
الــزاويـــة: وتمثل الزاوية وإن كان ذكرها في الرواية مجرد ذكر دون قيام أبطال الرواية بأحداث داخلها لكنها كانت تمثل الحضور الفعال من خلال تحالفها مع السلطة الحاكمة ودفاع سي علي بن عزوز مع العمدة وهما يمثلان السلطة في البلاد، فهذا التحالف مع السلطة هو بمثابة التواطؤ ضد مصالح المواطنين الذين صورهم الكاتب في غاية الالتصاق والالتحام بهذا المكان فصور لنا في هذا المشهد صورة التوقف والتعطل الكبير والعامة عن العمل وعن الدراسة من الكبار والصغار لحضور الـــزردة فيقول: «… وسائل النقل وسيارات النقل الريفي كلها مجندة لنقل الزرادة بمعنى قاصدي زردة الولي الصالح سيدي بوزيد وقبل أن يخوض عبد العزيز في مفهوم الزردة تراءى لي وجه سي عبد الرحمان معلمنا في الابتدائي الذي أثار زوبعة حين حاول منع التلاميذ من التغيب عن الدروس والذهاب إلى الزردة مع ذويهـم، ودخل في جدل مع الأولياء، وحضر سي علي بن عـزوز مع العمدة وحذراه من موقفه هذا، فكيف له أن يعترض على زيارة الولي الصالح ولا يخشى على نفسه »([52]).
كما يبين في هذا المقطع الولاء الكبير الذي يوليه الناس للزاوية عن جهل، فبين أن إيمانهم بالزاوية وتعاليمها ومشايخها أكبر في نفوسهم من الإيمان بالله نفسه فيقول في هذا المقطع: «… فكثيراً ما يخشى الناس أصحاب هذه الزوايا أكثر من خشيتهم الله، ويحلفون به على الحنث ولا يجرؤون على الحلف بالأولياء»([53]).
الوطـــن: وهو المكان الغائب الذي طالما بحث عنه سي حسان و هناء، ـ والمواطن العربي من خلالهما ـ فبالرغم من هذا الغياب للوطن بمفهومه الحقيقي عند سي حسان وهناء إلا أن له حضوراً قوياً في أذهانهما والتوق إليه مجسداً حقيقة هو الذي جعله يقول:«… إن أمر الدفاع عن الوطن وحمايته هي أكاذيب ليس خلفها إلا مصالح السلطة وأزلامها. والوطن ذاته لا يمثل قطعة من الأرض رسم لها السلطان حدوداً وقال: أنا إله داخل هذه الحدود… »([54]).
ولهذا نجده يستعيض عن فكرة الوطن الواقع بالوطن الوهمي والمجسد في قصور شهريار وهو بذلك يرمي إلى بعد تحقيق هذا الحلم الذي أضحى يقترب من الأسطورة، فتعالق صورة قصور ألف ليلة وليلة والوطن الأكبر تمخض عنها صورة مزج بين التاريخ والأسطوري حين ذكر التتار والقصورة معاً في هذا المقطع وكأنه ينتظر تتاراً آخر ليحطم قصور السلطة الحاكمة اليوم في البلاد فيقول: « وقد تكون القصور التي أدخلتني لها شهرزاد قد عبثت بها معاول التتار وابتلعها الزمن بعد أن انطلقت السيارة بصاحبها يبحث عن مقر يأويه. وجدت نفسي في سيدي بوزيد، لا فرات ولا دجلة.» ([55]).
ولكنه لا يبتعد كثيراً في هذا الحلم الحالم لأنه يعود في نهاية المقطع ليجد نفسه في المكان الجغرافي الحقيقي سيدي بوزيد، ويخرج من التاريخ لا فرات ولا دجلة لأنه يبحث عن وطن جديد.
وفي هذا المقطع يحاول أن يعقد مقارنة بين تاريخ الغرب والشرق ويبن أن فترات الغياهب التي عاشها الغرب قديماً نعيشها نحن اليوم في بلداننا العربية فيقول:«… فالقرون الوسطى معرة بالنسبة للغرب و أوربا خاصة حيث كانت غياهب التخلف وفي أعلى درجات العبودية والاستبداد. ثم بعدها جاء طغيان الكنيسة ومحاكم التفتيش، في حين كان العرب والمسلمون في قمة قيادة الحضارة البشرية وقدوة الأمم بظهور العلوم وسواء في بغداد أو غرناطة أو القيروان، وانتشار الآداب والفنون وإعادة دور الفلسفة والرياضيات وكذلك…»([56]) وهو إذ يصف الغرب في تاريخهم القديم بأنهم كانوا في العبودية والاستبداد يسدل ذلك على واقع الأمة العربية والإسلامية اليوم وهو يشير إلى انجازات الحضارة العربية الإسلامية فيذكرنا ببـغداد وبغرناطـة والقيـروان … وما كانت عليه من ازدهـار ورقي في شتى المجـالات، وما آلـت إليه الآن من مهانة وذل وسقطات.
وقد دار الصراع في الرواية بين مكانين متضادين يمكن أن نعبر عنه وفق الثنائيات التقاطبية التالية:
(المقــدس ≠ المــدنس) | ( الوطن ≠ تونس ) | لأنه لم تعد تونس تمثل الوطن الذي يحلم به الشعب فتدنست صورة الوطن الحلم من خلل تونس الواقع. |
( المسجد ≠ الزاوية ) | لأن الزاوية كانت تساند الحاكم في اضطهاده للشعب وكذا تشجيعها للخرافات والدروشات والخزعبلات أفقدها قيمتها كمكان للعباد فلم تعد بمقابل المسجد الذي ينير حياة الشعب بوصفه مكاناً للعبادة والراحة النفسية. | |
( الوطن ≠ الثكنة ) | وتمثل الثكنة مكاناً مدنساً لأنها لا تعترف للفرد بوطنية ولا بدين غير الذين تفرضهما عليه فيصبح الفرد داخلها لا وطن له غير أرضها وحدودها ولا دين له غير أوامرها وتعاليمها. | |
(المهـيـمــن ≠ المهيـمـن علـيــه) | ( تونس ≠ سيدي بوزيد) | تسيطر تونس العاصمة بمركزيتها على كامل ولاياتها وأنحائها قرى كانت أم حواضر ومدن وسيدي بوزيد تمثل الأثنين معاً فهي المدينة الريفية المقهورة والواقعة تحت هيمنة السلطة المركزية التونسية. |
( الحزب ≠ المجلة ) | يسيطر الحزب على المجلة التي تمثل الصوت الحر أو المتحرر أو الذي يحاول التحرر من قبضة الهيمنة الحزبية التي لا تسمح بالخبر الحر الذي لا يخدم مصالح الحزب ورؤساء الحزب وأعضائه ومن ثمة السيطرة على الفكر ككل داخل الوطن. | |
( الحبس ≠ المجلة ) | الحبس وهو يمثل مكان التهديد للمجلة وعمالها فهو يحاصرها كما يحاصرها الحزب أو بمعنى أدق الجلة محصورة بين هيمنتين التبعية للحزب أو المكوث في السجن كبديل عن عن عدم التبعية وكلاهما قيد وهيمنة وسيطرة. | |
( الثكنة ≠ ( الوطن + سيدي بوزيد + المجلة ) | الثكنة تهيمن على كل التراب الوطني المجالي الجغرافي و الفكري البشري فلا مكان لأي شيئ داخلها فهي ألة الهيمن في يد النظام الحاكم. | |
( المستنقع ≠ الوطن ) | المستنقع الوهم يصبح حقيقة ـ بأفعال و تجاوزات الحكام والمسيرين من رؤساء الأحزاب وأعضائه ـ فتسيطر وتهيمن على الوطن الحلم الذي يصبو إليه الكاتب والتونسيين الوطنيين المقهورين داخل هذا المستنقع الآسن العفن . |
- المستنقــع السياسي في رواية المستنقع:
يبدأ المحسن تصوير الصراع السياسي القائم في بلاده ـ تونس ـ من خلال تصوير هيمنة الحزب الحاكم على زمام الأمور والسلطة في البلاد فيقول موضحاً هذه السيطرة: « إن الحزب الدستوري لعب الدور الأكبر في صنع تاريخ تونس الحديثة وتشييد دولة مدنية لا تستند إلى الجيش كما هو حال جل الدول الأخرى من العالم الثالث أو التي تشبهها من حيث الظروف»([57])
وهو الرأي الذي تنصب فيه جميع معطيات الرواية و تتضافر لتبليغه للقارئ بدءاً من العنوان إلى المتن السردي إلى المتن الاحالي و الدلالي و الرمزي و حتى التداولي فحين يقول على لسان سي حسان بطل الرواية الفكري : « يا هناء ألم أقل لك إن السياسة مستنقع و المستنقع بقدر ما يتعفن ماؤه بقدر ما يتخاصم ويتقاتل فوق صفحته الذباب والحشرات… تريد أن تقنعني ـ تقول هنا لسي حسان ـ بأننا حشرات أو كلنا ذباب..؟؟ »([58])
وينتقد الحزب ويربط ذلك بجميع الدول التي تعاني نفس الظروف « إن الحزب الدستوري لعب الدور الأكبر في صنع تاريخ تونس الحديثة و تشييد دولة مدنية لا تستند إلى الجيش كما هو حال جل الدول الأخرى من العالم الثالث أو التي تشبهها من حيث الظروف»([59]).
وتستنجد هناء بالمفكر الرصين سي حسان عند دخولها معترك المستنقع قائلة: « فها أنا الآن أحوج ما أكون إليك لأحدد نهج تصرفي ..إذا قبلت وجب علي السباحة في المستنقع، وتعلم فنون التجديف في بحار المنافقة والمجاملة، ورؤية الأبيض أسود والأسود أبيض، وأن أدرب شفاهي على الضحك في المآتم والحزن في الأفراح وأن أحفظ عن ظهر قلب الكلمات التي تشعـل كفي تصفيقـاً مثل اسم الزعيـم أو أحد صفاته أو ألقابه أو انجازاته…» ([60]).
وفي هذا المقطع نلمس الاستباق المقرر لحقيقة تاريخية وهي اندلاع الثورة ضد نظام بورقيبة وتصوير لحالة التأزم المنذرة باندلاع الثورة في القريب العاجل والتبشير بها فيقول: « إن الأزمة تشتد يوماً بعد يوم . وهي في الأساس أزمة سياسية خلقت أزمات اجتماعية واقتصادية ونفسية متأتاها شيخوخة الزعيم وعجزه عن ادارة الدولة وكثرة الطامعين في خلافته وبكل الوسائل، ثم ضعف الوزير الأول وتقديمه الفلسفة والخيال الأدبي عن الحنكة والدهاء السياسي اللازمين لإدارة الدولة في مثل هذه الظروف. والحال أن الأمور تتفاقم والنذير بالعاصفة أصبح واقعاً والانفجار حاصلاً لا محالة غير أن مخاض الثورة عسير»([61]) وفي هذا إشارة واضحة للمعطى التاريخي المقصود والمعروف وهو خرف الرئيس بورقيبة وطمع الوزراء والساسة من حوله في منصبه والجلوس على الشعب.
كما يبين تهكمه على نظام السلطة وادعائه بإعطاء الحريات وذلك في قوله على سي حسان دائماً « إن القول والادعاء بالحرية وحرية الرأي والحق في التعبير ثم العمل بعكس هذا القول لهو أشد أنواع الاضطهاد والقهر »([62]).
ونجده في هذه المقارنة الرائعة التي تتماهى مع التاريخ والواقع والأسطورة معاً حين يقول: «أنك شهريار وأنا شهرزاد بروح ومرح مريم، وأقص عليك إبداعاتها العذبة من أخبار المغامرات العاطفية، هكذا حتى مطلع الصباح لأخرجك وأخرج من نفسي من صرير الواقع المقرف ولا أتوقف إن صاح الديك أو سكت، فلن أسكت عن الكلام المباح »([63]) واضح من خلال هذا المقطع أن الخطاب للزعيم أو للزعماء والساسة الظلمة الذين يتمتعون بنشوة وسطوة السلطة، ورمز لهم بشهريار الحاكم الظالم الباغي المتمتع بالنساء والقاتل المحترف المتلذذ بالقتل، ومريم التي ترمز إلى المواطن العربي البسيط الذي يحيا حياةً ريفية لا يفقه فيها من أمور السياسة شيئاً، وفي القول الأخير على لسان هناء التي تمثل صوت الكاتب إصرار على القول المباح وهو انتقاد هذه السلطة وردعهـا وردهـا عن التسلط والظلم، ولفظ مباح نلتمس الطلب طلب السماح بالقول والانتقاد وإصرار عليه.
وفي هذا المقطع نجد الصوت الصارخ الذي أراد الكاتب أن يبلغه عن نفسه وعن كل أبي في الحياة أن يكون ملتزماً فلا يفعل وليقل « … فلا أنافق ولا أزاور عن الحقيقة… وسأظل على خطي… لا أبدل الشعر بالشعير ولو هاجت بالنهيـق وصوتت وعلا ضبح خياشيمها ورفعت رؤوسها فهي عندي الحمير وقال ربكم إن أنكر الأصوات لصوت الحمير»([64]).
وتجد هناء نفسها سابحة في هذا المستنقع الآسن فتقول في هذا المقطع: « وبدأت أفقه بعض المسائل منها مسألة الجامعة ودخول الشرطة، فهذا كله مستنقع السياسة. » ([65])
وتحدث هناء نفسها ـ كما في الرواية برمتها ـ عن أمر السياسة والمستنقع الذي يتكلم عنه سي حسان فتقول:« مستنقع السياسة أعدت هذا المصطلح مرات وقلبته على كل الواجهات فوجدته الصق صفة بالسياسة. »([66]).
وتبين أنها لا تريد من السياسة و الحزب و تبعاته سوى راحتها التي افتقدتها فتقول مخاطبة سي حسان « ولكن هذا الذي حدث حال دون ذلك وأثار رائحة مستنقع السياسة التي ملأت محيطك كما أفسدت علي مزاجي.»([67])
ويربط المحسن بن هنية بين الواقعة التاريخية التي حدثت في تونس سنة1981([68]) و ما يقوله سي حسان وهذا ما يؤكد أن سي حسان هو الرؤيا التي يريد المحسن بن هنية أن يوصلها إلينا من خلال آرائه ومن خلال خيبته أيضاً، فنجده يقول:«…يا هناء إن العمل لا يعني أن العلاقة والجودة تقرب صاحبها، ولكن بمعنى أخر أعدت ما كتبت عن ثورة الخبز ووضعت تحت كل كلمة سطرا يحدد علاقة الجمل بالإبداع. »([69])
ويدعوها في هذا المقطع إلى عدم الهروب من مواجهة السياسة لأنها الشبح الذي يطاردنا في كل زمان ومكان، ولابد علينا من مواجهته فيقول :« يا عزيزي نحن نهرب ونغادر مرتع السياسة…ولكن دون أن ندري نجد أنفسنا في مستنقعاتها. »([70])
ويشير المحسن بن هنية إلى خيانة الساسة وعدم إلتزمهم برعايـة بالبـلاد والعبـاد والاهتمام بهم وبيعهم فيقول: « يا عزيز قلبي يا ابن بلدي السلطة باعت بلدي.
يا عزيز عيني بلدي يا بلدي السلطة خانت بلدي »([71])
ونلمح الإبداع اللغوي الكاتب في تلاعبه بالألفاظ في هذا المقطع « وعلي أن أتخلص بذكاء لا يقل عن دهاء رجل السياسة، فأنت تن.شر هذا المقال وترجئ ذاك.»([72]) ويمكننا أن نقرأ هذا الإبداع اللفظي من المحسن بهنية في كتابته فأنت تن.شر فهي تحمل في طياتها البعد الدلالي المزدوج فأنت تن نقرأها (أنت نتن) ونقرأها (أنت شر) وهذا يجمع ما في العمل السياسي من شر وما يشير إليه من نتن المستنقع والعنصر الخطابي المتمثل في ضمير المخاطب الموجه: أنـت وهكذا نـرى أن فكـرة المستنقع والظلـم لا تفارق الرواية في كل مدلولاتها.
ونجده هنا يبين بعد سي حسان عن المستنقع السياسي في قوله: « أنا لست من محترفي السياسة وأنت يا هناء تعرفين ذلك، تعرفين أني فنان ريشته الحروف والكلمات ولوحته النصوص السردية قصة ورواية، ولا أريد أن أتحول إلى جهاز ناطق أو شريط كاسيت أعيد ما أسمع وأكرر الكلام دون تأويل أو تدقيق »([73]) وهنا تتبين الشخصية الحقيقية التي يريد يدعو إليها الكاتب والتي يبتعد عن السياسة وتنتقد ممارساتها في الشكل الاشهاري الذي رمز له بلا مجلة التي أقامها سي حسان وبانهيارها وإفلاسها تتضح مبادرات أو بوادر الظلم في قمع الصوت المشهر والفاضح للممارسات السياسية النتنة على تعبير الكاتب.
ويصور الكاتب محنة الإنسان المثقف التونسي والعربي من خلاله حين يصور لنا سي حسان في هذا المقطع وهو يعبر عن رأيه بعدما فقد مكانته المرموقة ككاتب صحفي وصاحب مجلة بسبب الضغوطات السياسية والمالية التي اضطرته إلى غلق المجلة و التحول إلى تاجر أعلاف كما في هذا المقطع: «… إذا عجز الإنسان عن إبلاغ الأعلاف الفكرية إلى الأدمغة الخاوية ..فتكون بطون المواشي أولى بحصده » ([74]) و
هذا المقطع يبين التحول الذي طرأ للبطل سي حسان وهو في قمة اليأس يسدي نصيحة معاكسة لنفسه وتفكيره وهواه وهذا اليأس نابع من فقدان الأمل في الشعب وثورته، التي كان يستبشر بها دائماً .
ولا ينقطع الكاتب عن التفكير السياسي والإبداعي السردي فيعطينا في هذا المقطع الطويل صورة أخرى للجنين غير الشرعي الذي حملت به أخت زهو بالحاج فرفعه فوق درجة النبوة، لما سيقوم به الشعب من ثورة، ووصفه بابن الشعب بابن تونس في هذا المقطع : « هكذا سمعت صوتها يخترق جدران سجنها. هكذا كانت تصوت وكانت أذان الورى تنصت إليها في لهفة وحذر، ونساء الدنيا يتمثلنها صورة لهن، ويدعون إلى ركوب خيولها وامتطاء سروج كسرجها. وينذرن النذور وغاية النذر أن يحمل حملا مثل حملها، له صوت قبل أن يتكلم بكلام يتردد عبر الأثير وحبراً فوق الصحف وقبل أنه يتحدث به العالم بلغاته و تلهج به. ألسنة الأعاجم، وقد فاق المسيح إذ تكلم قبل المهد وهو بعد في الرحم فقال:
أماه لا تحزني، فلست بغيا وما كان قولك افتراء، وإلا فتجلدي وهزي يدك وارفعي الإصبعين دليل ثورة تأتي على العفن وإسفار النفاق والكذب وسور كتاب السياسة وما حوى من أحزاب الباطل والدجل وآيات الوصولية والمحسوبية والتزلف وصبغ البيض بالسود والأسود بالأبيض. وإذا سألوك من أنا ومن أين جئت؟ قولي لهم يوم ينزل ساحتكم ستسالون ما بال هذه الأرض زلزلت وقصوركم تداعت وتشققت والخفافيش انقرضت والغربان اغتربت والشمس من رؤوسكم دنت واقتربت.
يومها سترون المظلومين يخرجون تدفعهم لهفة كلهفة الجراد المنتشر، وترون جنودكم أمام نارهم كالهشيم المحتضر. عندها تسالون ما الذي حصل؟ فيقال لكم جنين السجينة قد نزل لا عاصم اليوم من أمر الثورة، وقد نضجت رؤوس البغاة وأينع قطافها واستجاب لمطلب الشعب القدر، ولكل زعيم مدة ونصيب من الدهر، وتقرون انه لا يصلح من أبـاده الدهر. ومهما مجدتم ومدحتم، وحتى سبحتم وطبلتم وذكرتم القول ما قال العقل ما هو إلا بشر.
أختاه.. نسيت تفاهاتي وبعض حزازاتي وحتى اعتراضاتي. أختاه أنت الآن امة تحمل في جوفها الخلاص.. آما أنا فبت اقرب للشعراء أهيم معهم في كل واد، ولعلي أقول، أقول أكثر مما أفعل. طوبى لك، يخنقك الدخان ولا تسالين من أين النار، وتحذرين أهل دعاوي المكر المسيء لأهله فلا يحيق إلا بهم وهو محيق بهم ولا محالة. ويومها لا يسال زعيم عن حزبه وعمن تحزبوا له، فقد تولوا وقلبوا له المحن، فهم له منكرون وعنه متخلون، وله خاذلون، ولعمله رافضون ومنه متبرئون. شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا أزلاما كاذبين »([75])
وتكمن الروعة السردية في قلب موازين النظام الاجتماعي والعرف إذ حاول الكاتب أن يجعل من هذا الجنين غير الشرعي والذي هو سبة في جبين أمه إلى بطل قبل ولادته بل وأكثر من ذلك حين أقام المفارقة بجعله أرقى من المسيح، و كل ذلك لينتقد المسؤول الأول على وجوده بهذه الطريقة غير الشرعية وهو النظام الظالم، فأصبح هذا البطل في رحم أمه مباهات لها وأمنية الأمهات الأخر في المجتمع، وهو بذلك يرفع الذنب عن أمه ويحيله إلى النظام الظالم، لأن هذا الجنين سيحول هذا النظام الظالم ويقضي عليه في نُبُوءة الكاتب.
« لم أدر هل واصل الكلام أم توقف… الذي أدريه أنني فقدت جناحي الثاني وأدركت أني ارتفعت فوق السحاب بجناح واحد من الوهم وأني ركبت طائر الخيال. والآن أصارع السقوط تحليقاً بجناح واحدة وأنني لا أقوى على التقدم، فالجناح الواحد كالمجداف الواحد يجعل الحركة دوران حول الذات»([76]) هذا ما أصاب هناء بعدما سمعت ما قاله لها عبد العزيز، وفقدت الأمل في الظفر بحلمها الكبير في الزواج من منه وما أشبه حالة الدوار التي عاشتها هناء وهي تتلقى الصدمة بهذا القول و حال المواطن التونسي والعربي وهو يعيش في دوامة الوهم و البحث عن المبتغى والاستقرار والحرية والديمقراطية، وهنـا نصـادف التصريـح الوحيـد بالعنوان الفرعي للرواية وهو ( أو التحليق بجناح واحد) الذي يبين الحالة التي يكون عليها المواطن العربي وهو يهوي من أعالي أحلامه في العيش داخل هاته المستنقعات السياسية التي تهيمن عليه و تجعله في حالة دوار دائمة وكأنه يطير بجناح واحد فهو يدور ويدور ويدور حول نفسه دون أن يتقدم خطوة إلى الأمام وفي هذا نقد لاذع للأنظمة المستنقعية الظالمة التي تكبح جماح التقدم الحضاري العربي، كما أن التشبيه الثاني يبدو أكثر ارتباطاً بالعنوان الأصلي وهو المستنقع فالتجديف أقرب في حقله الدلالي للمستنقع فصورة التجديف والدوران في دوار المستنقع، أقرب إلى الذهن من صورة السقوط من الأعلى ودوران بسبب التحليق بجناح واحد.
ولا تخلو الرواية من القول الحكمي الصائب إن لم نقل بأنها درر متناثرة من الحكم التي يرمي بها الكاتب في ثنايا الحديث بين أبطال الرواية وبخاصة على لسان سي حسان أو على لسان الراوي المستتر وراءه الكاتب فيقول في مفارقة مدهشة لتبرير انتقاله ـ أي سيحسان ـ من امتهان الصحافة إلى امتهان بيع العلف في الأسواق فيقول:« إن منطق هذا الزمان لا يسافر إلا في هذا القطار… أما منطق أفلاطون([77]) فمطيته جحش أعرج دبر ظهره فلا يصلح للركوب أو المنافسة. وهكذا يكون منطق أفلاطون الجحشي ليس من المنطق في شيء إذا أراد منافسة القطار في الركض.» ([78]).
فسي حسان وفي محاولة يائسة لتبرير موقفه من اعتزاله فن القول واستبداله ببيع العلف ومحاولة أقناعنا بأن هذا العمل فيه نوع من الحرية كان قلباً للموازين بل وقلباً للمنطق في حقيقة الأمر ولكن استدلاله العقلي هذا ناجح في المحاججة لأنه أقرب إلى الواقع فالجحش لا يمكنه بأي منطق أن يسارع القطار.
وفي هذا المقطع الروائي: «… ولكن الحياة لا تتوقف، و ضرب لي مثلاً: النمل يعود للعمل بعد الزلازل والعواصف ولكن الدناصير تنقرض »([79]) نلمس الهاجس الحكمي النقدي الذي يتحلي به الكاتب حين ينتقد الساسة والزعماء بأنهم دينصورات في تسلطهم وتعاظمهم وظلمه ويحذرهم من الثورة التي رأى بأن الزلزال الطبيعي هو رمزها وأن البسطاء من الناس الذين يكدون ويعملون بجد وتفاني لا ينقطعون عن مهام حتى بعد الزلازل والعاصفة والثورات فهم كالنمل الجاد في طلب رزقه وهمته العالية في الجد والعمل وهو خلال ذلك ينتقد المتسلطين والزعماء وينبؤهم بالثورة ويبين أنها لا تؤثر على المستضعفين من الناس الذين لا يخسرون شيئاً، بعد أي كارثة تصيب الأرض، كما أنه يشير بانقراض الدناصير الضخمة المرعبة والمخيفة إلى انهيار الأنظمة السياسية السلطوية الظالمة.
ونلاحظ في هذا المقطع صورة لحال الشباب التونسي تحت السيطرة العسكرية الكاذبة التي تكلم عنها المحسن بن هنية وبأنها أول بوادر ظلم النظام، على لسان البطلة هناء وهي تتحسر على فقدان أخيها باسم أداء الواجب الوطني فيقول: « ثم جاء دور أخي لتلبية الواجب الوطني …هذا الواجب الذي جمد أجر شقيقي وحوله إلى جندي في جيش السلطان، عندها تساءلت عن العلاقة بين الواجب الوطني وتجميد مصدر الرزق.
الشباب المجند هو ضحية ظلم السلطة السياسية وغرورها.»([80]).
وفي هذا المقطع تبيين للحقيقة التي يريدها الكاتب وهي الأكذوبة السياسية التي تستعبد الأفراد بمسمى الوطن والوطنية فيقول:«…إن أمر الدفاع عن الوطن وحمايته هي أكاذيب ليس خلفها إلا مصالح السلطة وأزلامها. والوطن ذاته لا يمثل قطعة من الأرض رسم لها السلطان حدوداً وقال: أنا إله داخل هذه الحدود… »([81]).
وهكذا نجد المحسن في روايته هذه يهاجم كل أنواع التسلط التي يرى فيها ظلم كبير لأفراد الشعب وإن كان ذلك تحت أغطية فكرية واجتماعية ابتدعها هؤلاء الزعماء وأزلامهم الساسة السابحون في غرم المستنقع الكبير.
الملحــــق:
- ملخـص الروايـة :
تبدأ رواية (المستنقع… أوالتحليق بجناح واحد) بسرد مبهم لفتاة ريفية تعمل في المدينة وهي هناء بشراوي بطلة الرواية التي كانت تحترم رئيسها سي حسان (حسان الحداد) إلى درجة كبيرة وهي بين ثنايا هذا الاحترام المفرط تحبه حباً سامياً على الرغم من عزوفه عن الزواج وهي تروي كل الأحداث في شكل اعترافات له، وهذا ما يتبين في نهاية الرواية فهي كتبت هاته الاعترافات في شكل رواية تلخص الفترة التي قضتها معه كسكرتيرة أو راقنة للمجلة الأدبية التي يديرها سي حسان، تعترف هناء بأدق تفاصيل الجوانب النفسية والشعورية واللاشعورية التي كانت تنتابها خلال الفترة الماضية، كان هاجسها البحث عن ذاتها وسط حطامها المنهار أمام صلابة سي حسان وعزوفه عنها وعن جميع النساء فلملمت بما استطاعت من جرأة بناء ماضيها من جديد باعترافاتها فكتبت روايةً بسرد رائق ومشوق.
وتنتقل هناء من سرد الأحداث الواقعية التي كانت تدور في المجلة إلى أغوار نفسها وأدق التفاصيل التي لا يمكن أن يكتشفها غيرها([82]) كما ربطت ذلك بالحياة السياسية ويعد هذا من انسيابات الذكريات والمشاعر والأفكار في ذهن الأديب([83]) وتبدأ بموت أخيها خالد في التجنيد الإجباري و تبين رفضها لموت أخيه بهذه الطريقة لأجل مراسيم الاحتفال التي يقيمها الزعيم، فتستجمع التجارب الحسية والشعورية، التي تضم العقلاني وغير العقلاني وكل ما هو مرتبط بأعمال العقل والنسيان والذاكرة.
وكل ذلك في محاوراتها المونولوجية الانعكاسية من جهة والثنائية مع سي حسان من جهة أخرى، والذي صورته لنا مصدراً للمعرفة أو جبلاً يصعب تسلقه على حد وصفها له.
فمن أنواع التعذيب والإهانة التي يتلقاها الشاب في ظل النظام الظالم إلى قطع مصدر الرزق والتجنيد في جيش الزعيم كنوع من العقوبة والتدجين الاجتماعي للشعب، ثم ينظم إلى المجلة كل من بالحاج زهـو (الكاتبة والقاصة) وصديقة هناء منذ الطفولة ـ وزميلها فريد بوبكر وهما اللذان سوف تتحرك الأحداث السياسية التي تعالجها الرواية حولهما بالأخص زهـو حين تعتقل أختها وهي حامل وتتضارب الآراء بين حملها من الخوانجية اللذين تنتمي إليهم وإلى الشرطة التي اعتقلتها. وتنزلق الأحداث في مجرى أخر بعد أن تصبح هناء محل شك وريبة من طرف زملائها في المجلة لأنها تنتمي إلى الحزب الحاكم أو أنها تسبح في مستنقـع السياسـة ـ على حـد تعبـير الرواية على لسـان سي حسان ـ وتزداد الأحداث تأزماً حين تفرض الشرطة على سي حسان الاستغنـاء على زهـو فريد وتبلغ ذروة التعقيد حين يصدر قرار إغلاق المجلة وتتعقد الأمور على سي حسان الذي يصبح بائعاً للأعلاف ويقول عن مهنته الجديدة حين سألته هناء عن الانعراج الكبير بين الفكر وبيع أعلاف المواشي قال:«… إذا عجز الإنسان عن إبلاغ الأعلاف الفكرية إلى الأدمغة الخاوية ..فتكون بطون المواشي أولى بحصده »([84]).
إنها قمة الانهيار الذي بلغه سي حسـان عند توقيف مجلته، وتبقى هنـاء إلى قـرب سي حسـان في (محنته) مهنته الجديدة ويتلاشى حلمها في الزواج من عبد العزيز بعد أن يطلب منها إعانته لطلب يد صديقتها مريم، فتنهار وتقبل الزواج ـ بعد فشلها في الحب ـ بالطريقة التقليدية من المعلم رشيد قريب والدتها المنخرط في الحزب وتنتهي الرواية بالبشرى التي زفتها إليها زهـو وسمعتها من المذاع وهي أن السجينة وضعت هذا الصباح طفلها وغداً سيطلق سراحها وأن البلاد قد دخلت عهداً جديداً وأن التغيير الذي كان يتنبأ به سي حسان قد حصل وأن الشعب قد رفض حكم الزعيم الذي رأى بأنه قد خرف ولم يعد بإمكانه حكم البلاد.
([1]) فيصل دراج ، الأدب والأيديولوجيا، مجلة الطريق، العدد 5، تشرين الأول، أكتوبر 1979، ص45.
([2]) رولان بارت، درجة الصفر للكتابة، تر: محمد برادة، الشركة المغربية للناشرين المتحدي، دار الطليعة، بيروت، ط1، 1981، ص54.
([4]) سمير مرزوقي ، جميل شاكر ، مدخل إلى نظرية القصص، الدار التونسية للنشر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر ، ص118.
([5])عبد الملك مرتاض، القصة الجزائرية المعاصرة، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1990، ص67.
([6]) عبد الملك مرتاض، ألف ليلة وليلة دراسة سيميائية تفكيكية لحكاية جمال بغداد، ص83.
([7]) ابن خلدون، المقدمة، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني ، مج1، ط2، بيروت لبنان، 1979، ص11،02.
([8]) محمد عزام، شعرية الخطاب السردي –دراسة-، ص11.
([9]) محسن بن هنية، المستنقع أو التحليق بجناح واحد، ص05.
([10]) محمد عزام، شعرية الخطاب السردي –دراسة-، ص11.
([11]) الأميرة عليسة الفنيقية880 قبل الميلاد، وهي مؤسسة مدينة قرطاج، والمسيطرة على سواحل البحر الأأبيض المتوسط.
القائد حنبعل 210-202 قبل الميلاد، قاد الحرب الفينيقية الثانية على ايطاليا ، وفي سنة 202 كانت واقعة جامة التي انهزم فيها القرطاجيين، والتجأ حنبعل إلى الشام ومات بأنطاكية.
ينظر: حسن حسني عبد الوهاب، خلاصة تاريخ تونس، تقديم و تحقيق، حمادي الساحلي، دار الجنوب للنشر، تونس، 2001.
([12]) محسن بن هنية، المستنقع أو التحليق بجناح واحد، ص150-151.
([17]) تزيفتان تودوروف، الشعرية، ص08.
([19]) ناصر يعقوب، اللغة الشعرية و تجلياتها في الرواية العربية، ص100.
([20]) محمود الهميسي، براعة الاستهلال في صناعة العنوان، الموقف الأدبي: اتحاد الكتاب العرب، دمشق، ع33، السنة72 أيار 1997، ص44 .
([21]) محسن بن هنية، المستنقع أو التحليق بجناح واحد، ص240.
([23])http://www.infpe.edu.dz/COURS/Enseignants/Secondaire/Arabe/unite%20html/_private/titre2.htm
.
([24]) محمد عزام، شعرية الخطاب السردي ، دراسة، ص7.
([26]) ينظر: علي عواد، من زمن التخييل إلى زمن الخطاب قراءة في رواية جمعة القيفازي لمؤنس الرزاز، من كتاب دراسات في الرواية العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 1998، ص46.
([27]) ينظر حميد لحمداني: بنية النص السردي من منظور النقد الادبي، بيروت والدار البيضاء ، المركز الثقافي العربي ،ط 1،1991 ،ص73
([28]) يمنى العيد، في معرفة النص دراسات في النقد الأدبي، بيروت، دار الآداب، ط4، 1999، ص235.
([29]) ينظر: علي عواد، من زمن التخييل إلى زمن الخطاب قراءة في رواية جمعة القيفازي لمؤنس الرزاز، من كتاب دراسات في الرواية العربية، ص74.
([30]) ينظر: حميد لحمداني، بنية النص السردي من منظور النقد الأدبي، ص74.
([31] أنظر : هانز ميرهوف، الزمن في الأدب، تر: أسعد رزوق و مراجعة العوضي الوكيل، مؤسسة فرانكلين للطباعة و النشر، القاهرة،نيو يورك، 1972، ص09.
([32]) محمد عزام، شعرية الخطاب السردي –دراسة-، ص68.
([34]) محسن بن هنية، المستنقع أو التحليق بجناح واحد، ص122.
([36]) هذه النقاط لا تعني التتمة بل تعني إحجام الكاتب عن كتابة لفظ الواجب (الوطني) رفضاً منه للاعتراف بهذه الممارسات على أنها من الواجب الوطني ، و يمكن أن نضع مكان النقاط الواجب ( الاستعبادي) مثلاً.
([40]) المصدر نفسه، ص14. لقد آثرت أن أكتب هذا المقطع بخط مخالف لأني رأيت فيه الدلالة الكافية التي يمكن أن يحملها أي مقطع من مقاطع الرواية و كذا لأهميته و أهمية المبادئ التعسفية الظالمة للأنظمة السياسية التي يبينها هذا المقطع، فهو بحق يمثل إبداعاً تاماً.
([49]) دون أن ننسى أن الكاتب المحسن بن هنية هو نفسه من مدينة سيدي بوزيد، و قد زرته فيها و تجولت معه و كان يذكر لي أماكن تحرك أبطال روايته المستنقع، و هذا يبن أن هذه الرواية لها علاقة و طيدة بواق البلاد و بالسيرة الذاتية للكاتب، يمكن أن نعدها من الروايات السير الذاتية.
([68]) انتفاضة شعبية بسبب ارتفاع سعر الخبز، و لكن الأوضاع عادت للاستقرار سريعاً بعيد إرجاع سعر الخبز إلى حاله الأول.
[73] المصدر السابق، ص110.
[74] المصدر نفسه، ص189.
([77]) نظن أن المنطق عرف به تلميذه الفليلسوف اليونان الشهير أرسطو طاليس، أما أفلاطون فعرف بالمدينة الفاضلة و التفكير الطوبـاوي.
([82])و هذا الأسلوب أطلق عليه النقاد مصطلح تيـار الوعـي ( Stream of consciousness ) وهو مصطلح من ابتكار الفيلسوف وعالم النفس الأمريكي “وليام جيمس William James ” وقد ظهر لأول مرة في سلسلة مقالاته في مجلة مايند، 1884.
([83])أنريكي أندرسن أبرت ، القصة القصيرة بين النظرية والتقنين ، تر: علي إبراهيم منوفي ،مراجعة: صلاح فضل المشروع القومي للترجمة ، د.ت ، ص290.
([84]) محسن بن هنية، المستنقع أو التحليق بجناح واحد، خطوات للنشر و التوزيع، تونس، ط1، 2006، ص189.