
المناص التخييلي في الرواية العربية نحو خطاب سردي متجدد في الألفية الثالثة
الدكتور عبد الحق بلعابد أستاذ نظرية الأدب والأدب المقارن المشارك
جامعة قطر، وجامعةالجزائر2
بحث نشر بكتاب أعمال مؤتمر الرواية العربية في الألفية الثالثة ومشكل القراءة في الوطن العربي: الجزائر العاصمة 21-22|08|2016 ، ص 33. (للتحميل يرجى الضغط هنا)
- مقدمة :
إن المناص بحسب ج.جينيت نمط من أماط المتعاليات النصية، يتشكل من رابط هي عموما أقل ظهورا وأكثر بعدا من المجموع الذي يشكله عمل أدبي، فلا يمكننا معرفة نص ما أو تسميته إلا بمناصه، فقلما يظهر النص عاريا عن عتبات لفظية أو بصرية تحدده مثل (اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال، كلمة الناشر…)،وهذا من أجل تقديمه للجمهور، أو بأكثر دقة جعله حاضرا في الوجود قصد استقباله واستهلاكه.
هذا المناص لم يذكره ج.جينيت في كتابه، لكننا شققناه من فهمنا، ومحضناه بفكرنا من المناص العام نفسه، فإذا كان المناص عامة (مناص المؤلف، ومناص الناشر) يقع في تلك المنطقة المترددة بين الداخل والخارج، فإن المناص التخييلي هو من يحرك هذه المنطقة المترددة، لأنه يسكنها وتسكنه، فهو يتواجد في ذلك البرزخ النصي/المناصي، أي في عالم التخييل السردي (في عالم كأنه هو ؟)، كل يوم يسرد موضوعا جديدا في هذا العالم المتعولم.
والمناص التخييلي، مناص يختلف عن المناص العادي كونه يتخذ من منطقة التخييل، وهي منطقة اللاحسم سكناه، لتخرج مسؤوليته عن المؤلف والناشر، لتقع هذه المرة على عاتق السارد، لأنه المحرك الفعلي لهذا المناص التخييلي/ السردي، وهذا ما سنحاول اختباره على مدونات سرية عربية وهي تغير موضوعاتها مجربة فضاءات كتابية مختلفة؟
- المناص وخطاب العتبات عند ج.جينيت :
المناص بحسب ج.جينيت نمط من أماط المتعاليات النصية،يتشكل من رابط هي عموما أقل ظهورا وأكثر بعدا من المجموع الذي يشكله عمل أدبي[1]،فلا يمكننا معرفة نص ما أو تسميته إلا بمناصه، فقلما يظهر النص عاريا عن عتبات لفظية أو بصرية تحدده مثل(اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال، كلمة الناشر…)،وهذا من أجل تقديمه للجمهور، أو بأكثر دقة جعله حاضرا في الوجود قصد استقباله واستهلاكه.
فالمناص عند ج.جينيت هو ” كل ما يجعل من النص كتابا يقترح نفسه على قرائه أو بصفة عامة على جمهوره، فهو أكثر من جدار ذو حدود متماسكة، نقصد به هنا تلك العتبة، أو بتعبير “بورخيس” ذلك البهو الذي يسمح لكل منا دخوله أو رجوع منه…”[2]، وهو ذلك البهو الذي نلج إليه محاورين فيه كل من المؤلف الواقعي/الحقيقي، أو التخييلي المفترض، كونه منجم من الأسئلة[3]، لا يخلق عن طول حفر وقراءة.
- أنواع المناص عامة :
لما علمنا أن المناص ،هو تلك الخطابات المصاحبة للنص/الكتاب من العنوان، صورة الغلاف، كلمة الناشر، الجلادة، وحتى قائمة المنشورات…[4]، أي بتعبير ج.جينيت ” كل هذه المنطقة الفضائية والمادية من النص المحيط التي تكون تحت المسؤولية المباشرة والأساسية للناشر أو بأكثر دقة للنشر”[5]، وهذا بعد استشارة الكاتب الذي تربطه بالناشر علاقة تعاقدية تجارية من جهة، وجمالية من جهة أخرى، فيما يخص إخراج الكتاب طباعيا وفنيا، محتكما في ذلك إلى أدبيات صنعة الكتاب (bibliologie) المحققة للقيمة المناصية بعد تحقيق الكتاب/صناعة الكتاب لقيمته السلعية، كمنتوج قابل للبيع والاستهلاك[6]، والحفظ في المكتبات.
ليقدم لنا ج.جينيت تقسيما عاما للمناص، محددا فيه أنواعه[7]،التي بقيت غامضة تلمح أكثر مما تصرح، وهذا ما لاحظه(فيليب لان)[8] على ج.جينيت الذي اكتفى فيما قدمه من تقسيمنات بالمكونات المناصية الخاصة بالمؤلف التي أولاها الاهتمام تاركا الأقسام الأخرى، التي جاءت متداخلة احتاجت منا قراءة متأنية ومتدبرة لما أضافه أيضا فيليب لان لها، لتأتي أنواع المناص كالتالي :
1- المناص النشري(مناص الناشر) :
ويتمثل في تلك الإنتاجات المناصية التي تعود مسؤوليتها للناشر المنخرط في صناعة الكتاب،وهي أقل تحديدا عند ج.جينيت، إذ تتمثل في (الغلاف، الجلادة، كلمة الناشر، الإشهار…)[9]،حيث تقع مسؤولية هذا المناص على عاتق الناشر ومتعاونيه ( كتاب دار النشر، مدراء السلاسل، الملحقين الصحفيين،…) وكل هذه المنطقة تعرف بالمناص النشري.
2- المناص التأليفي (مناص المؤلف) :
ويتمثل هو الآخر في تلك المصاحبات الخطابية التي تعود مسؤوليتها بالأساس للكاتب/المؤلف،إذ ينخرط فيها كل من(اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال….).
3- المناص التخييلي :
هذا المناص لم يذكره ج.جينيت في كتابه، لكننا شققناه من فهما، ومحضناه بفكرنا من المناص العام نفسه، فإذا كان المناص عامة(مناص المؤلف، ومناص الناشر) يقع في تلك المنطقة المترددة بين الداخل والخارج، فإن المناص التخييلي هو يحرك هذه المنطقة المترددة، لأنه يسكنها وتسكنه، فهو يتواجد في ذلك البرزخ النصي/المناصي، أي في عالم التخييل السردي(في عالم كأنه هو ؟).
والمناص التخييلي كما قلنا هو مناص للمؤلف أو للناشر، غير أنه مناص يختلف عن المناص العادي كونه يتخذ من منطقة التخييل، منطقة لا حسم سكناه، لتخرج مسؤوليته عن المؤلف والناشر، لتقع هذه المرة على السارد، لأنه المحرك الفعلي لهذا المناص التخييلي/ السردي.
والمناص التخييلي، يأخذ أنواع وأقسام ومبادئ ووظائف المناص العادي التي مرت بنا سابقا،فهو إما يكون مناصا لمؤلف ضمني، وإما مناصا لناشر ضمني، بقسميهما النص المحيط التخييلي وعناصره، والنص الفوقي التخييلي وعناصره هو الآخر، فالملاحظ أن سمة التخييلي هي التي فرقت بين المناصين المناص الواقعي والمناص التخييلي.
غير أن هذا المناص يكتنفه لالتباس لجدته، وتجريبيته في الكتابة السردية من جهة، وصعوبة مسالكه التحليلية، وتعقيد اشتغالاته من جهة أخرى، وهذا كله يرجع لعدم وعي الكتاب به، لأننا قلما نجد كاتبا يوظف هذا المناص التخييلي في رواياته. والملاحظ أن المناص عامة ينقسم على نفسه إلى قسمين رئيسيين هما النص المحيط و النص الفوقي، ولكن بهذه الأنواع السابقات سيتخصص، ليصبع عندنا أقسام ثواني للمناص النشري، والمناص الـتأليفي( وكذلك المناص التخييلي أحد أنواع المناص الجديدة)، والتي لا تخرج عن أقسام المناص عامة، وهذا ما اقتضته الضرورة العملية والمنهجية :
3-1 – أقسام المناص عامة :
وهذا ما لاحظناه سابقا إذ نجد كل من المناص النشري والمناص التأليفي ينقسمان على نفسيهما إلى أقسام ثواني واصفة وشارحة لهما، تتشكل بداخلها عناصر مناصية مهمة تساعدنا في فهم النص وتأويليه، والقول نفسه ينسحب على المناص التخييلي :
1- النص المحيط :
1-1- النص المحيط peritexte:
وهو من أقسام المناص عامة، أي ما يدور بفلك النص من مصاحبات من اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، الإهداء، الاستهلال…[10]، فهو كل ما يتعلق بالمظهر الخارجي للكتاب بما فيها الصورة المصاحبة للغلاف، و كلمة الناشر الواقعة في الصفحة الرابعة للغلاف، ليأخذ إحدى عشر فصلا من كتابه “عتبات” لجينيت[11]، كما تندرج تحته نصوص ثواني هي:
* النص المحيط النشري: peritexte Editorial
والذي يضم تحته كل من (الغلاف، الجلادة، كلمة الناشر، السلسلة…)، وقد عرفت تطورا مع تقدم الطباعة الرقمية.
* النص المحيط التأليفي: peritexte auctorial
والذي يضم تحته كل من(اسم الكاتب، العنوان، العنوان الفرعي، العناوين الداخلية، الاستهلال، التصدير، التمهيد…)[12].
ما يمكن ملاحظته في هذا الجدول، وبالخصوص ما جاء في النص المحيط النشري، هو أنه سبق وأن قلنا أن ج.جينيت لم يول اهتماما كبيرا بالمناص النشري، على الرغم من ذكره لوظيفته التداولية[13]، إلا أنه لم يهمله كلية، فنجده مثلا في دراسته للغلاف عنصر مناصي، يأتي على تاريخه ونشأته وتطوره، وتحديد تقسيماته، دون أن يقدم لنا تحديدا للصورة المرفقة للغلاف وكيفيات تحليلها، إلا ما أسعفنا به من إطار إجرائي عام لفهم اشتغالات الغلاف والمناص عامة[14]، وقد تطور الدرس المناصي في تحليل العتبات التي لم يشتغل عليها ج.جينيت على يد خليفته (فليب لان) في كتابه الذي احتفى فيه كثيرا بالمناص النشري[15].
1-2- النص الفوقي: Epitexte
هو كل تلك الخطابات التي نجدها خارج الكتاب، ولكنها تتعلق به لشرحه وتفسيره وتأويله، كالاستجوابات، المراسلات الخاصة، والتعليقات، والمؤتمرات، والندوات، واللقاءات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية…[16].
وهذه العناصر المناصية للنص الفوقي تنحصر في الفصول المتبقية من كتاب (عتبات)[17]، وينقسم النص الفوقي بدوره إلى :
* النص الفوقي النشري: Epitexte Editorial
ويندرج تحته كل من (الإشهار، وقائمة المنشورات، والملحق الصحفي لدار النشر…)[18].
* النص الفوقي التأليفي : Epitexte auctorial
وينقسم هو الآخر بحسب “جينيت” إلى [19]:
1- النص الفوقي العام(Epitexte public) : ويتمثل في اللقاءات الصحفية، والإذاعية والتلفزيونية التي تقام مع الكاتب، وكذلك المناقشات والندوات التي تعقد حول أعماله، إلى جانب التعليقات الذاتية التي تكون من طرف الكاتب نفسه حول كتبه.
2- النص الفوقي الخاص: Epitxte privé
ويندرج تحته كل من المراسلات، بين الكاتب والمقربين منه من الكتاب أو القراء إلى جانب المذكرات الحميمية الخاصة بالكاتب، والنص القبلي(avant-texte) أي كل أعماله المخطوطة التي لم ينشرها بعد وهو بصدد تحكيكها وتنقيحها، قبل الخروج للعلن مطبوعة.
- تمظهرات المناص التخييلي في الرواية العربية :
وسنتعرض في هذه النقطة لتمظهرات المناص التخييلي في الرواية العربية، من خلال نماذج مختارة، لأن العمل البحثي ما يزال قائما للحفر في هذا المبحث النقدي المتجدد :
4-1- المناص التخييلي والمناص المضاعف :
يدخل المناص التخييلي في الإمكانات التجريبية للكتابة السردية، إذ ينسج هذا المناص عالما تخييليا يفارق العالم الواقعي للمناص الأصلي، لهذا وسمنهاه بالمناص المضاعف لمناصه الأصلي، لإغنائه بقراءة سردية من داخل النص لا من مصاحباته فقط.
يمكن أن نقرأ ذلك من خلال رواية ( السيدة من تل أبيب) للروائي الفلسطيني ربعي المدهون[20]، والتي تحاول تجريبا كتابيا جديدا، بكتابتها بقلم الشخصية الرئيسية ( وليد دهمان) رواية داخل الرواية الأصل، وهذه الأخيرة التي تملك مناصها الأصلي الظاهر على صفحة الغلاف، من : ( اسم المؤلف، وعنوان الرواية، وصورة الرواية، والمؤشر الجنسي، ودار النشر….)، وغير ذلك من النصوص الموازية …. غير أننا لما نصل إلى منتصف الرواية، وبتحديد إلى (الصفحة 117) يتبادل الكاتب الواقعي دوره السردي مع الكاتب الضمني وليد دهمان ( الشخصية الرئيسية في الرواية)، ليسرد روايته لها روايتها التي تختلف وتأتلف مع الرواية الأصل، هذه الرواية التي ستحمل لنا مناصا مغايرا لمناصها الأصلي بكل مصاحباته المذكورة سابقا، وهنا سنقف عند أحد أقسام المناص التخييلي، الوارد في هذه الرواية المتخيلية: |
- المحيط التخييلي (التأليفي):
وهذا القسم من المناص التخييلي يجمع إليه كلا من : اسم المؤلف، عنوان الرواية، المؤشر الجنسي، دار النشر، الإهداء….
- اسم المؤلف التخييلي :
وهنا ندخل في صنعة المناص المضاعف، إذ يوهمنا النص أن هناك رواية أخرى لكاتب/ سارد آخر ، وهو (وليد دهمان)، أحد الأقنعة السردية للكاتب الواقعي، الذي سرد حكايته منذ بداية الرواية[21]، فنحن أمام كاتب متخيلا يضاعف الحكي ويغنيه، ويحدد مسؤوليته الأدبية، وحقوقه الفكرية على عمله.
|
كما نعرف فإن المؤشر الجنسي من بين العناصر المناصية الدالة على جنس العمل الأدبي، وهو يلعب نفس الدور والوظيفة في المناص التخييلي بإيهامنا باستمرارية هذا المؤشر داخل هذه الرواية التخييلية، وبهذا سيضاعف الوظيفة التكوينية للنص، ويحدد كيفيات تداوله القرائي.
- الإهداء الروائي التخييلي:
نجد من بين العتبات التخييلية المصاحبة للمناص التخييلي، عتبة الإهداء، غير أننا وجدنا الرواية الأصل عارية من الإهداء، غير أن الرواية التخييلية تطالعنا بإهداء تخييليا، يفارق خطابه الرسمي، كونه يضمن الشكر والعرفان لكل من ساعد المؤلف، أو ساهم معه ماديا ومعنويا في رحلة الكتابة سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو مؤسسات.
غير أن الإهداء التخييلي جاء مخلخلا للمعادلة خطاب الإهداء أيضا ( من، إلى)، التي عرفناها عند المشتغلين على نظرية المناص وعلى رأسهم (ج.جينيت) الذي أورد مثل هذا الاحتمال، إلا أنه جعله من بين الإهداءات النادرة، التي تهدي فيها شخصية سردية إلى مؤلفها الواقعي شاكرة إياها ومعترفة بفضله، وهذا يعد من الظواهر السردية التجريبية الجديدة، يهدي وليد دهمان روايته المتخيلية (ظلال لبيت واحد) للمؤلف الواقعي ربعي المدهون:[23]
ولا ينسى المؤلف الضمني ( وليد دهمان) توسيع خطاب إهدائه إلى مجتمع الرواية المتمثل في ( أهله بغزة)، وهذا أيضا من ممكنات التجريب السردي.
كما يمكننا أن نشير أن الكاتب استخدم في المناصه التخييلي، القسم الثاني من النص المحيط، وهو النص المحيط النشرين لما أوهمنا أن الرواية التخييلية صادرة عن نفسه دار النشر الخاصة بالرواية الأصل وهي ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ببيروت).
4-2- المناص التخييلي وخطاب الإهداء :
لقد أشرنا سابقا للدور الكبير الذي يلعبه المناص التخييلي باعتباره مناصا مضاعفا، يلتزم كل عتباته، كما جئنا على ذكر خطاب الإهداء في رواية ربعي المدهون، بكونها أحد العلامات التجريبية في الكتابة السردية العربية المعاصرة، وهذا التجريب الكتابي قد عرف من قبل عند الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته ( طوق الياسمين)[24].
فإذا علمنا أن خطاب الإهداء، هو خطاب اعتراف بالجميل، وعرفان من الكاتب لكل معيل له على شواغل الكتابة، وتقدير لهم، لهذا كان تقليدا تأليفيا عريقا مارسه العديد من الكتاب على مرّ العصور المتعاقبة بأشكال متعددة، ليعرف تطورا كبيرا في عصرنا الحالي مع تحول الوسائط الكتابية الجديدة من الورقية إلى الرقمية، وهنا بحث آخر يحتاج إلى تدبيرات أخرى.
وبرجوعنا إلى الإمكانات السردية الجديدة التي استخدمها الروائي في رواية ( طوق الياسمين)، والتي لم يشتغل عليها الكثير من الروائيين، وحتى (ج.جينيت) لم يقدم هذا الاحتمال لخطاب الإهداء، بأن يهدي الكاتب الواقعي عمله إلى أحد شخصياته الرئيسية ( عيد العشاب) التي رافقته في مشوار الكاتبة المضني والمحفوف بالانكسارات والانتصارات منذ ثمانينيات القرن الماضي في روايته ( وقع الأحذية الخشنة)، وصولا إلى العشرية السوداء الذي أظهرت لنا هذه الرواية وروايات أخرى، فتستحق هذه الشخصية الروائية العرفان لمساهمتها في رصد حيوات شخصيات مجتمع الرواية، فحق له الإهداء بعد الإهداء العائلي، إلى زوجته الشاعرة ( زينب الأعوج) وتذكيرا بزمن الفتنة وعشرية الدم والنار وحراس النوايا، أن يتذكر تلك الصداقة السردية الحاضرة التي جمعته بالشخصية السردية (عيد العشاب) يقول:[25]
- الإهداء العائلي :
- الإهداء التخييلي للعيد العشاب :[26]
وعليه فخطاب الإهداء عند الروائي عرفان تسحبه الذاكرة من أعماق النسيان إلى شطآن التذكر الممتزجة بين الواقعي والسردي.
4-3- المناص التخييلي وخطاب الترجمة ( التخييلية) :
إن التجريب السردي للرواية العربية، لم يكتف فقط ببعض العتبات النصية الظاهرة على المناص التخييلي، بل تجاوزه إلى أحد العناصر المناصية التي لم يلتفت إليها في المناص العام ( الأصلي)، حتى عند مؤسسي هذه النظرية (ج.جينيت)، فقد أشار إليها هذا الأخير إشارة عابرة في خاتمة كتابه (عتبات)، إذ جعلها أحد عناصر النص الفوقي، مثلها مثل النقد.
إلا أننا لم نجد من المشتغلين بعده على العتبات، لم يولوها اهتماما، كون ترجمة العمل الأدبي، ومنها الرواية ستنقلنا من علامات ثقافية وسردية إلى علامات ثقافية وسردية أخرى، باختلافية عوالمها الممكنة. فنحن نرى أن خطاب الترجمة، وإن كان بحسب تقسيم (ج.جينيت) أحد عناصر النص الفوقي (التأليفي)، غير أنه لم يدفع بهذا الطرح قدما، ولا أحد من أتباعه، فكيف يكون أحد العناصر، والترجمة ستستقل ينصها الخاص، الذي سيحمل كتاب خاص، بلغة مخصوصة ودار نشر ربما مغايرة عن دار النشر المصدرة للنص الأصلي ومناصه، لهذا سنتجاوز كون خطاب الترجمة عتبة تخيلية فقط، لتصبح مناصا تخييليا يضاعف مناصه الأصلي أيضا، وقد سميناه في غير هذا البحث بـ( مناص الترجمة).
وهذا المناص الترجمي سيحمل نفس أقسام المناص الأصلي، مع بعض الخصوصيات التي يحملها هذا الخطاب الناقل للمعارف والثقافات، وهنا سنركز على جديد ما توصلنا إليه من أن للترجمة مناصها المغاير للمناص العام للنص الأصلي، وهذا ما سنشتغل عليه في أحد الروايات القليلة التي وعت بهذا المناص الترجمي (التخييلي)، وهي رواية ( ساق البانبو) للروائي الكويتي سعود السنعوسي[27]؛ فالناظر للرواية يجد أن لها مناص أصلي ظاهر على صفحة الغلاف، تحمل العتبات المتعارف عليه : ( اسم الكاتب، عنوان الرواية، صورة الغلاف، المؤشر الجنسي، علامة دار النشر ….)، وهذا ما يظهر أيضا في الصفحة الثانية للغلاف : |
وبعد تجاوزنا للصفحة الثانية التي تعيد علينا ما ورد في صفحة الغلاف، والصفحة الثالثة الحاملة لمعلومات النشر، تطالعنا صفحة جديد، تحمل عتبات نصية تغاير على ما وجدناه في صفحة الغلاف، هذا هو مكان ما سميناه المناص الترجمي :
3-1- اسم الكاتب الضمني ( التخييلي) :
هنا يختفي اسم الكاتب الواقعي ( سعود السنعوسي)، لينقل إلى السارد ذاك الشخصية الرئيسية في الرواية ( هوزيه ماندوزا)، الذي يكتب أصلا باللغة الفليبينية ( JOSE MENDOZA)، وهذا قصد الإيهام بالترجمة التخييلية، وعليه فقد حددت المسؤولية الأدبية والحقوق الفكرية للعمل الأدبي.
3-2- العنوان التخييلي للرواية :
والأمر نفسه، يظهر على العنوان الذي كتب باللغة الفليبينية، ثم نقلت كلماته للغة العربية، من قبل مترجم الرواية الذي استعان به الكاتب الضمني، فعنوان ساق البانبو باللغة الفيلبينية هو : (ANG TANGKAYA NG KAWAYAN )، ويمكن لهذا العنوان أن تقام عليه دراسة مستقلة للكشف عن شعريته ووظائفه وطاقته التأويلية المتحولة بفعل الترجمة.
صورة موضحة للصفحة الخاصة بالمناص الترجمي : |
3-3- اسم المترجم ( التخييلي) :
وهذا هو العنصر المناصي الجديد الذي لم نجده في المناص المضاعف ( التخييلي) في رواية ( ربعي المدهون)، هنا مناص الترجمة يلعب دورا مهما باعتباره من العناصر التجريبية الجديدة، إذ يوهمنا الكاتب الواقعي أن الرواية مكتوبة بالفلبينية، لهذا احتاجت لمترجم لها للغة العربية، غير أننا نجد أن هذا المترجم كائن تخييلي، يعد من الشخصيات السردية ي الرواية اسمه ( إبراهيم سلام)، قام بترجمة الرواية إلى اللغة العربية.
ويوغل الكاتب الواقعي في الإيهام، لما يقدم لنا توطئة عن هذا المترجم/السارد المتقن، فهو متخصص في الترجمة من اللغة الفلبينية إلى العربية والعكس، وهو من حاملي الشهادات المتخصصة في اللغة العربية بالكويت، قد عمل بالصحافة وكتابة المقالات عن العمالة الفليبينية الوافدة، لهذا كله هو الأقدر على ترجمة مثل هذا العمل[28].
غير أن الذي يعيدنا إلى المناص التخييلي مرة أخرى، تلك العتبة النصية التخييلية ( التصدير)[29]، فقد قدم المترجم التخييلي ( إبراهيم سلام)، تصديرا لكيفية ترجمته لرواية ساق البانبو، والجهد الذي بدله فيها، فنحن هنا أمام تصدير تخييلي للعمل المترجم، يذكر فيه كل الصعوبات الترجمية والخصوصيات اللغوية التي عجز عن نقلها، للاختلاف الثقافي بين اللغتين، والمرجعيات المعرفية العالمة والشفهية المختلفة أيضا، إلى جانب صعوبة نقل أسماء الأعلام، وفي الأخير يوهمنا بتخليه عن أي مسؤولية أدبية أو فكرية الواردة في النص الروائي المترجم. لتنقلنا هذه العتبة التخييلية إلى عتبة أخرى، هي عتبة المراجعة اللغوية بعد الانتهاء من العمل الترجمي، والتي تقوم بها شخصية تخييلية أخرى ذكر اسمها وهي ( خولة راشد)، وقد شكرها المترجم على عملها المتقن، بهذا نكون أمام مناص ترجمي ( تخييلي) مكتمل العناصر، ظهر في إحدى الأعمال الروائي التي شقت طريقها نحو احتراف التجريب في الصنعة الروائية.
- مناص الترجمة الوارد في الرواية :
- خاتمة :
وبعد طول هذا المسلك البحثي، نجد أنفسنا أمام كتابة تجريبية حداثية، طبعت جيلا بكامله، وهي في استمرار مفكرة في طرائق كتابية، ومسالك سردية أخرى كفيلة بتحديث أشكال الرواية العربية ومواضيعها، وهذا ما يضطر الناقد لاجتراح آليات تحليلية تواكب هذا التحديث، وهذا ما اكتشفناه من خلال دراستنا لما تضمنته روايات واسني الأعرج وربعي المدهون وسعود السنعوسي، إذ وجدنا هؤلاء الروائيون يجربون تقنية جديدة في الكتابة، احتجنا فيها لتفكير نقدي متجدد، فلم نكتف بما توقف عنده المشتغلون في حقلي السرديات والشعريات تحديدا، ولكن أردنا أن نبني من خلال تنظيراتهم، تنظيرا آخر لآلية نقدية شققناها من آلياتهم، لم يأتو على ذكرها أو اشتغال عليها، وهي المناص التخييلي، الذي قمنا بتشغيله قصد قراءة هذه عتبات التخييلية، فمن قال أن الرواية لا تفكر في آلياتها القرائية التي ستكشف عن شعريتها وسرديتها.
[1]– G.Genette,plimpsestes,ed du seuil,paris,1982,pp.7-8. .
[3] -,p.10. G.Genette,plimpsestes
[4] – Philippe Lane,la périphérie du texte,ed.Nathan,paris,1992. p.14-17.
[5] – G.Genette,seuils,p. 11
[6] – المرجع نفسه.
[7] – G.Genette,seuils,p. 11
[8] – Philippe Lane,la périphérie du texte,ed.Nathan,paris,1992. pp.17-18.
[9] – المرجع نفسه،ص9.
[10] -21. G.Genette,seuils,p.
[11] – المرجع نفسه.
[12] – لقد اعتمدنا في هذا التقسيم على ما جاء في نمذجة المناص العام عند ج.جينيت، وكذلك التفصيلات التي قدمها فيلب لان في كتابه، كما كما خالفنا هذا الأخير بأن سوينا بين أقسام المناص كما جاء في الجدول أعلاه أي النص المحيط التأليفي مع النص المحيط النشري، والنص الفوقي التأليفي مع النص الفوقي النشري، وهذا ما لم نجده عند فليب لان، وهذا كله قصد تبسيط هذه النمذجة واستيعابها من قبل القارئ.
[13] -G.Genette,seuils,pp.08-16-17.
[14] – وسنأتي على هذه النقطة بالتفصيل لما ندرس صورة الغلاف ،,كيفية تحليلها وتأويلها من خلال الدرس المناصي.
[15] – Philippe Lane,la périphérie du texte,ed.Nathan,paris,1992.
[16] – G.Genette,seuils,pp.346-398 .
[17] – G.Genette,seuils,pp.11-346-374-398.
[18] – Philippe Lane,la périphérie du texte,ed.Nathan,paris,1992,p.21.
[19] – المرجع نفسه، ص 18-21.
[20] – ربعي المدهون، رواية السيدة من تل أبيب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 3، بيروت، لبنان، سنة 2010.
[21] – رواية السيدة من تل أبيب ص 3.
[22] – الرواية، ص 117.
[23] – رواية السيدة من تل أبيب، ضمن الرواية التخييلية ( الإهداء)، ص 18.
[24] – واسيني الأعرج، رواية طوق الياسمين، المركز الثقافي العربي، ط1، بيروت، لبنان، سنة 2004.
[25] – الرواية ( الإهداء)، ص 5.
[26] – الرواية (الإهداء)، ص 5.
[27] – سعود السنعوسي، رواية ساق البانبو، الدار العربية للعلوم ناشرون، ط1، بيروت، لبنان، سنة 2012.
[28] – رواية ساق البانبو ( المترجم)، ص 9.
[29] – الرواية ( كلمة المترجم)، ص 11.