
البعد الثقافي للعولمة وأثره على الهوية الثقافية للشباب العربي / الشباب الجامعي الجزائري – نموذجاً-
أ. وارم العـيد – جامعة البشير الإبراهيمي– برج بوعريريج- الجزائر
مقال نشر في العدد الثاني من مجلة جيل العلوم الإنسانية والاجتماعية ص 9
للإطلاع على العدد كاملا اضغط على الغلاف:
هدفت الدراسة إلى وصف البعد الثقافي للعولمة، وتبيان آثارها الثقافية على الهوية الثقافية للشباب وسبل التعامل معها للحد من تأثيراتها السلبية، ولتحقيق هذه الأهداف استخدم الباحثان المنهج الوصفي التحليلي في معالجة موضوعات البحث، وقد بلغت عينة الدراسة 200 طالبا وطالبة، وكانت جامعة البشير الإبراهيمي – ببرج بوعريريج- الإطار المكاني الذي أجريت فيه الدراسة الميدانية، وقد استخدم الباحثان الوسائل الإحصائية(التكرارات والنسب المئوية)، وقد توصل البحث إلى أن العولمة الثقافية تؤثر سلباً ومن هذه التأثيرات: التأثير في الهوية الإسلامية للشباب، كغياب الالتزام بتعاليم الدين، وتشويه اللغة العربية، وتم التركيز في هذا البحث على تعيين مجال العولمة هل هي تنحصر في أنها ظاهرة اقتصادية أو سياسية أو تقنية فحسب أم هي بالإضافة إلى ذلك تمثل تحديا فكريا وثقافيا ولغويا، وسلوكيا خصوصا على الشباب كما حاولنا تحديد مخاطرها على الجوانب الثقافية.
Résumé
Cette étude visait à décrire la dimension culturelle de la mondialisation, et d’illustrer leur jeunesse identité culturelle culturelle et les moyens d’y faire face pour réduire ses impacts négatifs, et pour atteindre ces objectifs chercheurs ont utilisé l’approche descriptive analytique dans le traitement des sujets de recherche, a atteint l’échantillon de l’étude de 200 étudiants et une étudiante de l’Université de Bachir Ibrahimi – bordj bou Arreridj – cadre spatial qui a mené une étude sur le terrain, les chercheurs ont utilisé des méthodes statistiques (fréquences et pourcentages), a la recherche a révélé que la mondialisation culturelle affecter négativement et ces effets: l’influence de l’identité islamique de la jeunesse, et de déformer la langue arabe, a été l’objectif de cette recherche est de mettre la mondialisation limitée par le fait qu’elle phénomène économique ou politique, ou seulement d’ordre technique ou sont en plus de contester intellectuellement, culturellement, linguistiquement et comportemental, en particulier sur les jeunes également essayer de déterminer les risques pour les aspects culturels
المحور الأول: إشكالية البحث وأهميته
1- المقدمة :
يرقص الناس رقصة التانغو الأرجنتينية في باريس، ورقصة البكوتسي الكامرونية في دكار، والصالصا الكوبية في لوس أنجلس، ويقدم ماكدونالد شطائر اللحم المفروم (الهامبورغر) في بكين، ونجد أطعمة كانتون في سوهو، ويثير فن الرماية بالقوس الروح الجرمانية، وتغزو الفطيرة الباريسية إفريقيا الغربية وفي بومباي نشاهد البابا عبر المندفزيون، أما الفيليبينيون فينوحون على الهواء مباشرة أميرة بلاد الغال. هكذا وصف جان بيير فارني في مقدمة كتابه ” عولمة الثقافة” رواج خليط المنتوجات الثقافية في العالم اليوم .
وعليه يعتبر موضوع العولمة وتأثيراتها على الهوية أحد الموضوعات المهمة التي بدأ الباحثون منذ منتصف القرن الماضي الاهتمام بها نظرا لحداثة مفهوم العولمة نسبيا، وكذا التأثيرات العميقة التي تتركها هذه الظاهرة بمختلف تجلياتها على الهوية، وهو ما جعل مجموعة من المجتمعات في مختلف أرجاء العالم تتجاوب مع العولمة بطرق مختلفة حيث رأى فيها البعض عاملا سلبيا ومؤثرا على الهوية عن طريق تذويب الملامح الثقافية والدينية لهذه المجتمعات وقولبتها وفق نظام غربي محض بينما رأى فيها البعض الآخر أنها عامل مساهم في التقدم و التطور بعيدا عن التقاليد البالية و العادات التي لا معنى من بقائها في الوقت الراهن، الذي يتسم بالتحديات الجسيمة تشمل جميع مناحي الحياة الاقتصادية منها والسياسية والتقنية والمعلوماتية …وتتعدى هذه الأخيرة في حد ذاتها سابقاتها، لما يطبع عصر العولمة الذي يقوده أباطرة المعلومات من محاولات لتغيير المعالم الثقافية والفكرية المميزة للمجتمعات الإنسانية..
وبالتالي يعد البعد الثقافي للعولمة من أخطر أبعادها، فهي تعني إشاعة قيم ومبادئ ومعايير ثقافة واحدة وإحلالها محل الثقافات الأخرى، مما يعني تلاشي القيم والثقافات القومية وإحلال القيم الثقافية للبلاد الأكثر تقدما محلها، وخاصة أمريكا وأوربا، الأمر الذي قد ينعكس سلبا على الهوية الثقافية للشباب العربي والجزائري بالخصوص.
وهنا تكمن أهمية البحث الحالي في التعرف على المتغيرات الجديدة التي تؤثر على الهوية الثقافية، ، ومدى تأثيراتها السلبية على الشباب الجامعي وهويته الثقافية من خلال مكوناتها كالدين، واللغة وبعض مظاهر القيم الثقافية.
2- الإشكالية:
يعيش العالم أجمع ظاهرة قد تشكل تحديا لغالبية الدول، وبخاصة الدول العربية يشار إليه بتحدي العولمة challenge of globalization الذي أخذ يتسارع في الآونة الأخيرة مستمدًا قوته من الثورة العلمية والتكنولوجية ومن التطورات المذهلة في وسائل الاتصالات والمعلومات التي تقود الطريق إلى المستقبل وقد يصعب تحديد لحظة ولادة العولمة كواقع اقتصادي و سياسي وثقافي، لكن يمكن القول أن هناك اعتقادًا واسع الانتشار بأن العولمة قد برزت مع بروز الحداثة.
فالعولمة ليست موضوعًا جديدًا، وإن كان الحديث عنها قد كثر في السنوات الأخيرة من القرن العشرين بل إن بعضهم يرى أنها ظاهرة مستمرة منذ فجر التاريخ، وإن اختلفت مسمياتها وأهدافها وأدواتها، ومن هنا فقد احتلت قضية العولمة بسلبياتها وإيجابياتها مكانًا متقدما في السنوات الأخيرة لدى الدارسين والباحثين في محاولة لفهم تلك الظاهرة التي أصبحت واقعًا يفرض نفسه في شتى ميادين الحياة وأهمها ما يمكن تسميته بالعولمة الثقافية.
والعولمة ببعدها الثقافي والذي يعني ثقافة بحدود ثقافية معينة من خلال انتشار الأفكار والمعتقدات والقيم والقناعات وأنماط الحياة والأذواق ذات الصبغة الغربية على الصعيد العالمي، عن طريق الانفتاح بين الثقافات العالمية بفعل وسائل الاتصال الحديثة، والانتقال الحر للأفكار والمعلومات.
وبالتالي فهي أصل العولمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأخلاقية، لأن الثقافة هي التي تهيئ الأذهان والنفوس لقبول تلك الأنواع الأخرى، فالثقافة عنصر أساسي في حياة كل فرد وكل مجتمع، وهي تشمل العادات والتقاليد، والمعتقدات والقيم، وأنماط الحياة المختلفة، والفنون والآداب وحقوق الإنسان وللعولمة الثقافية وسائلها ومضامينها، فوسائلها هي الآلات والأدوات والأجهزة التكنولوجية أما مضامينها ومحتواها فهي البرامج الفكرية والتصورات الأدبية والفنية والمذاهب النقدية، والآراء الإيديولوجية، ووجهات النظر السياسية، ونمط الحياة، والتقاليد الاجتماعية في المأكل والملبس والمشرب والبرامج التمثيلية الغنائية والموسيقية وما شابه ذلك ومن هنا نجد أن العولمة ليست نظاما اقتصاديا فحسب بل ترتبط ارتباطا عضويا مع وسائل الاتصال الحديثة التي تنشر فكرا معينا وثقافة معينة.
فالعولمة التي تعني تعميم نموذج الحضارة الغربية – خاصة الأمريكية – وأنماطها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على العالم كله، يمكن اعتبار الجانب الثقافي أهم أثر من آثارها، ويمكن إرجاع السبب في ذلك إلى ظهور تيار العولمة الذي يريد جعل العالم قرية صغيرة، الأمر الذي أحدث اتصالا وتبادلا للثقافات بين الدول، وقد شكل هذا الاتصال تهديدا للهوية الثقافية وما يرتبط بها من أخلاق ومبادئ يشكل الدين، واللغة أساسا لها.
ولقد أشار الكاتب الأمريكي “صمويل هنتغتون” والمنظر للعولمة الأمريكية في كتابه (صراع الحضارات) إلى أن العالم يتوجه نحو حرب حضارية تكون فيها القيم الثقافية الرمزية هي الحدود الثقافية بين الحضارات، وكل من ينتمي إلى هذه الهوية المكونة من الدين واللغة والتاريخ والتراث الثقافي فالنقاش حول الهوية قد أصبح سائدا في ساحات النقاش الفكري في العالم في الدول الضعيفة والقوية والمتقدمة.
والهوية لأي شعب أو أمة هي حصيلة الدين واللغة والفكر والتاريخ والفنون والآداب والتراث والقيم والعادات والأخلاق والوجدان ومعايير العقل والسلوك، وغيرها من مقومات التي تتمايز بها الأمم والشعوب والمجتمعات، وليست كل هذه المكونات ثابتة بل بعضها يتغير حسب المستجدات الإنسانية والحضارية.
ومما لا شك فيه أن للعولمة أثرًا كبيرًا وواضحًا في الهوية الثقافية بشهادة الباحثين ورغم اختلافهم في تقدير هذا الأثر وخطورته، مما أبرز مواقف متعددة ومتباينة من العولمة فالمؤيدون لظاهرة العولمة يرون أنها تسهم في انتشار التكنولوجيا الحديثة من مركزها في العالم المتقدم اقتصاديًا إلى باقي أنحاء العالم، ومن ثم زيادة الإنتاج زيادة واضحة ويرون أن ذلك في حد ذاته يغفر للعولمة أي تأثير سلبي يمكن أن ينتج عنها في الهوية الثقافية بل يرى بعضهم أن هذا التأثير بسيط وبعضهم الآخر أكثر تفاؤلا حيث يرى أن الهوية الثقافية سوف تستفيد من العولمة بدلا من أن تتضرر، كما يرى أنصار هذا الرأي أن العولمة تسهم إسهامًا واضحًا في نقل المعلومات وتخزينها وتوفيرها لمن يريد الانتفاع بها، وفي سبيل ذلك تهون الهوية الثقافية (1)
والواقع يشير إلى أن في أكثر من موطن وبلد في العالم عنده نوع من “هستيريا الهوية”ويتمثل ذلك في عدم اندماج الفرد بسهولة وبشكل طبيعي، كما كان الأمر في الأمس في علاقاته مع الأسرة والعمل مع الجماعة والأمة.
فمحاولة تنميط سلوكيات البشر وثقافتهم في المجتمعات كافة وإخضاعها لقيم وأنماط سلوك سائدة في ثقافات معولمة، أمر يحمل إمكانية تفجير أزمة هوية ثقافية التي أصبحت من المسائل الرئيسية التي تواجه المجتمعات الإسلامية، فأخطر التحديات هو ما قد تتعرض له المكونات الأساسية للهوية الثقافية متمثلة في الإسلام واللغة العربية والقيم الثقافية، فمن الثابت أن العولمة تعتمد على اللغة الانجليزية، كما أن صورة العرب والمسلمين في الإعلام الغربي المهيمن على الساحة الدولية لا تعبر عن الواقع بالإضافة إلى أن الإعلام الغربي يتعامل مع العرب بحكم علاقات الاستعمار والتبعية.
وقد تلعب ثورة الاتصالات دورا أساسيا في إحداث هذا التأثير الثقافي، فبدلا من الحدود الثقافية الوطنية والقومية تطرح إيديولوجيا العولمة حدودا أخرى غير مرئية ترسمها الشبكة العنكبوتية والقنوات الفضائية بفرض الهينة على الأذواق والفكر والسلوك، فأكثر ما يلفت الانتباه في ظواهر العولمة في المجال الثقافي هو المدى الذي بلغته الثقافة الشعبية الأمريكية من الانتشار والسيطرة على أذواق الناس في العالم، فقد أصبحت الموسيقى والبرامج التلفزيونية والمسلسلات، والأفلام السينمائية الأمريكية منتشرة في أرجاء العالم، كما أن النمط الأمريكي في اللباس، والأطعمة السريعة، والمشروبات، وغيرها من السلوكيات الاستهلاكية انتشرت على نطاق واسع، ويبدوا أنها تعتمد في نشر نمطها الثقافي على تفوقها التقني وهيمنتها السياسية والعسكرية.
لقد أصبح شبابنا في عصرنا الحاضر عبيدا لما تقدمه له القنوات الفضائية ومواقع الانترنت والهواتف المحمولة من برامج ومحتويات، كما أنه أصبح يقلد كل ما يشاهده عبر هذه الوسائط، من سلوكيات وعادات وتقاليد سواء كانت مفيدة أم مضرة بالنسبة له، وذلك تحت شعار الموضة والتفتح على الآخر ومواكبة تطورات العصر، وما نشاهده اليوم في واقعنا من اختلاط وانحلال للأخلاق وانتشار للعلاقات غير الشرعية داخل مؤسساتنا التعليمية وأيضا انتشار للجريمة والعنف والاغتصاب والغش والرشوة والمخدرات وتبادل الصور الإباحية بين الشباب خير دليل على مخاطر وسلبيات القنوات الفضائية وشبكة الانترنت والهواتف المحمولة وغيرها من الوسائط الإعلامية الحديثة، لقد جعلت هذه الوسائط الشاب الجزائري يعيش في عالم لا يدرك ماذا يفعل فيه حيث جعلته يعيش في عالم خيالي بعيدا عن مجتمعه وأسرته، يفكرا دوما في محاولة الوصول إلى هذا العالم المثالي الذي صورته وزرعته له وسائط الإعلام والاتصال في مخيلته، مما ولد لدى شبابنا مرض الإحباط والقنوط واليأس من واقعه المعاش ومحاولة ركوب أمواج البحر.
لا نستطيع أن ننكر أنَّ العالم قد أصبحَ اليوم قريةً كونيةً سريعة َالتغيّرِ والتّأثر ببعضها البعض، فالوقوفُ على طبيعة التحديات التي تواجهُ جيل الشباب تمنحُنا معرفةً كافية عن واقعنا الحالي وكيف نتجه نحو المستقبل وما الذي تفرضه علينا معطيات العولمة من عبء التوجهات نحو الشباب الذين هم حصونُ أمتنا المنيعة إذا استطعنا أن نسلحَهُم بالوعي والمعرفة والثقافةِ الكافية لمواجهة هذه التحديات، وقد عبّر أحد الباحثين عن ذلك بقوله” يمكنُ أن نقولَ إنَّ جيلَ الشبابِ هو أمضى أسلحة العالم العربي في صراعه المصيري من أجل خروجه منْ كهوف الظلام وصنعِ مستقبلٍ أفضل”.
و هو فضلا عن ذلك صاحبُ هذا المستقبل غيرَ أنَّ الظروف التي تضع العالمَ العربيَّ على نقطة تحولٍ حاسمةٍ في تاريخه، هي نفسها التي تضع الشباب في (أزمة)، فهمْ إذن للأمة الأمل ومصدر الخطر في وقتٍ واحد “(1).
هذه الأزمة التي تجعلهم يعيشون حياة التناقض فهم مثاليون على المستوى النظري في حياة مهمشة في الواقع، وللإعلام الدور الأعظم في التأثير في الشباب بشكل يفوق تأثير الأسرة والجامعة أحيانا.
ولهذا يري العلماء أن الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية أصبح التحدي المطروح علينا بشدة في عصر السماوات المفتوحة التي تكتظ بالأقمار الصناعية التي تحمل مئات القنوات التلفزيونية من كل أنحاء العالم بما تنطوي عليه من تأثيرات مختلفة تشكل الفكر والوجدان للشباب على حد السواء، فالإحساس بالخطر يستلزم البحث عن الهوية و الانتماء حتى لا نتعرض للصراع.
وترجع معظم الكتابات والأبحاث العديد من المشكلات التي يعاني منها شباب اليوم إلى اضطراب النسق القيمي لديه، حيث يحدث الصراع بين ما تربى ونشأ عليه من قيم تدعو إلى التراحم والتواد والإيثار والصدق والأمانة والقناعة، وبين ما يراه ويسمعه يوميًا في تعاملاته من أساليب وآراء تدعو إلى اعتناق القيم السلبية مثل الأثرة والمنفعة الشخصية وحب الذات والحصول على الحقوق دون أداء الواجبات فالمؤثرات المادية والنفعية التي تسود في ظل العولمة، تؤثر في المراهق والشاب وتجعله يقع في حيرة بين تمسكه بما نشأ وتربي عليه، وما يتمشى مع معتقداته وقيمه وبين الانسياق مع الأوضاع الجديدة التي يتعايش معها يوميًا. هذا الصراع يؤدي بالشباب إلى اضطراب هويته ويفقده الإحساس بالهوية ويصبح مضطربًا وجدانيًا مما يؤثر على طريقة سلوكه وأفكاره وهذا ما توصلت إليه العديد من الدراسات مثل دراسة ثيلهمر(Theilhemer) عام1992، و ليفتانو Levitan)) وآخرين عام 1992، وميتون (Mayton) عام 1990.(1)
لقد غيرت تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة البيئة التي يعيش فيها شبابنا عن تلك التي كانت منذ زمن، فإذا كانت هذه الوسائل غيرت من أسلوب حياتنا وانتقالنا ووقت فراغنا وعلاقاتنا مع الأسرة والأصدقاء فكيف سيكون للأجيال الجديدة التي ستعيش في بيئة من الوسائل المعلوماتية الأكثر تطورا بما لا يقاس بحاضرنا، وماذا سيحدث للخصوصيات والهويات المميزة بالصيغة التي نفكر فيها اليوم؟(2)
إن وجودنا كشباب جزائري عربي إسلامي في التاريخ والجغرافيا مرهون بالمقام الأول بوجودنا الثقافي في الوقت الذي أصبحت المجتمعات الغربية تروج لثقافاتها وقيمها وأنماطها السلوكية المتناقضة مع ثقافاتنا المحلية والتي باتت تهدد الخصوصيات الثقافية والحضارية لبلداننا وأوطاننا التي أصبحت تعيش حالة تبعية ثقافية من خلال ما أفرزته العولمة والتكنولوجيا.
وبما أن ثقافة الآخر ثقافة استهلاكية فإن شباب مجتمعاتنا أمام تحديات المحافظة على هويتنا الثقافية وتحديد أين يقف فيها الثابت عن المتحول، ولعل هذه التحديات المتعلقة بالهوية الثقافية قد شغلت بال المفكرين والباحثين إذ برزت القضية منذ زمن ولكنها اليوم تبرز تحت تأثير عامل قوي لا تستطيع المجتمعات والدول إلا التأثر به، وهو ثورة العولمة.
ويوجد بين مفهومي الهوية والعولمة علاقات جدلية فريدة من نوعها في طبيعة العلاقة بين المفاهيم، إنهما مفهومان متجاذبان متقاطبان متكاملان في آن واحد، وفي دائرة هذا التجاذب والتقاطب والتكامل يأخذ مفهوم الهوية على الغالب “دور الطريدة” بينما يأخذ مفهوم العولمة دور “الصياد” حسب تعبير الدكتور علي وطفة(3)
وفي إطار هذه الإشكالية تسعى الدراسة الراهنة إلى طرح مجموعة من القضايا والتساؤلات المثارة بين المثقفين والمهمومين بقضايا الهوية والشخصية في ظل تجليات العولمة الثقافية والاجتماعية وتأثيراتها الوافدة على تغريب الذات وتهميش الشخصية وتعميم نوع آخر من ثقافة الاستهلاك المفعم بالقيم النفعية والثقافة الشعبية الغربية وغيرها من الثقافات الأخرى التي تنتشر اليوم بصورة سريعة بين الفئات الاجتماعية المختلفة، تسلبهم الهوية وقد يتحول الإنسان العربي إلى مواطن مغترب عن ذاته وعن وطنه وعن قيمه الأصيلة. وفي ضوء ما سبق، تتحدد مشكلة الدراسة في بحث واقع هوية الشباب الجزائري الثقافية، في ظل تحديات العولمة والذي تنبثق عنه مجموعة تساؤلات فرعية هي :
- ما مكانة الدين الإسلامي كمكون أساسي للهوية الثقافية الجزائرية، لدى الشباب الجامعي في ظل العولمة ؟
- ما مكانة اللغة العربية كعنصر أساسي من عناصر الهوية الثقافية لدى الشباب الجامعي خصوصا في ظل بروز اللغات الأجنبية ؟
- ما مدى تأثر القيم الثقافية للشباب الجامعي الجزائري، خصوصا في ظل ثورة الاتصال والإعلام الحديثة كوسيلة أساسية للعولمة ؟
3- أهداف البحث :
– التعرف على المتغيرات الجديدة التي تؤثر على الهوية الثقافية.
– دراسة وفهم وجهة نظر المفكرين والعلماء وموقفهم تجاه العولمة، ومدى تأثيراتها السلبية والإيجابية على الشباب الجامعي وهويته الثقافية من خلال الدين الإسلامي، واللغة العربية وبعض مظاهر القيم الثقافية.
– التعرف على مواقف الشباب الجامعي من العولمة ورؤيتهم للثقافات الوافدة.
4- فرضيات البحث :
– تؤثر العولمة سلبا على مكانة الدين الإسلامي لدى الشباب الجامعي.
– تؤثر العولمة سلبا على اللغة العربية .
– تؤثر العولمة سلبا على مظاهر القيم الثقافية لدى الشباب الجامعي.
5- أهم المفاهيم والمصطلحات الواردة في البحث :
1- مفهوم الهوية:( Identity – Identitas- Identité)
حسب الدكتور أحمد بن نعمان في نوعين اثنين: (1)
الأول: هوية فردية : و تعتمد أساسا على المميزات الجسدية التي تميز كل كائن بشري عن الآخر. الثاني:هوية وطنية أو قومية: و هو مجموعة الصفات أو السمات الثقافية العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الأفراد الذين ينتمون إلى أمة من الأمم و التي تجعلهم يعرفون و يتميزون بصفاتهم تلك عما سواهم من أفراد الأمم الأخرى.
فالهوية ببساطة عبارة عن مركب من العناصر المرجعية المادية والاجتماعية والذاتية المصطفاة التي تسمح بتعريف خاص للفاعل الاجتماعي (2)وطالما هي مركب من عناصر، فهي بالضرورة متغيرة، في الوقت ذاته تتميز فيه بثبات معين، فالهوية منظور لها سوسيولوجيا متغير من المتغيرات ومن هنا ينشأ مفهوم ‘ أزمة الهوية ‘ نتيجة تعرضها لمتغيرات. فالأزمة ليست في الهوية ذاتها بل في العقل وقدرته على استيعاب المتغيرات.
2– مفهوم الهوية الثقافية: يمكن تعريف الهوية الثقافية والحضارية لأمة من الأمم بأنها “القدر الثابت، والجوهري والمشترك من السمات والقسمات العامة التي تميز حضارة هذه الأمة عن غيرها من الحضارات والتي تجعل للشخصية الوطنية أو القومية طابعًا يتميز به عن الشخصيات الوطنية والقومية الأخرى” )3(
3– العولمة: تعني: “انفتاح العالم على بعضه ..في التجارة والاقتصاد والسياسية والإعلام والثقافة الخ.. دون قيود ولا حدود ولا حواجز” . (4)
أما العولمة الثقافية فتشير إلى بروز الثقافة كسلعة عالمية تسوق كأي سلعة تجارية أخرى ومن ثم بروز وعي وإدراك ومفاهيم وقناعات ورموز ووسائط ثقافية عالمية الطابع وهي محاولة لوضع شعوب العالم في قوالب فكرية موحدة وذلك لسلخها عن ثقافتها وموروثها الحضاري، فالعولمة نظام يقفز على الدولة والأمة والوطن نظام يريد رفع الحواجز والحدود، إنه نظام يعمل على إفراغ الهوية الجماعية للأمة من أي محتوى، ويدفع إلى التفتيت والتشتيت ليربط الناس بعالم اللاأمة واللاوطن واللادولة )5( .
وهناك من يرى بأن العولمة الثقافية ما هي إلا توحيد القيم حول المرأة و الأسرة، و حول الرغبة و الحاجة و أنماط الاستهلاك في الذوق و المأكل و الملبس، إنها توحيد طريقة التفكير و النظر إلى الذات و إلى الآخر و إلى القيم و إلى كل ما يعبر عنه السلوك، و هذه الثقافة التي تدعو العولمة إلى توحيدها ([1]).
المحور الثاني: الإطار النظري
1 – مدخل إلى مفهوم الهوية الثقافية: في معجم المفاهيم الفلسفية الذي جاء فيه: ” إنها ميزة ما هو متماثل، سواء تعلق الأمر بعلاقة الاستمرارية التي يقيمها فرد مع ذاته”.[2](2)
أما أنثروبولوجياً فيحضر المفهوم كعلامة غير منفصلة عن مسلسل الفردنة، أي كشكل من أشكال التمايز بين الطبقات نفسها، فمن أجل إعطاء هوية لفرد ما أو لمجموعة من الأفراد، يبدو لزاماً التمييز بين ما ليسوا هم، وبالمقابل ينبغي فهم الفرد في خصوصيته، كما يجب أخذ هويته التاريخية بعين الاعتبار.
وقول الفارابي: “هوية الشيء، وعينته، وتشخصه، وخصوصيته، ووجوده المنفرد له، كل واحد، وقولنا إنه هو إشارة إلى هويته، وخصوصيته، ووجوده المنفرد له الذي لا يقع فيه اشتراك”(3) كما نجد مفهوم آخر هو ” فلسفة الهوية ” ( philosophie de L’identité ) اصطلاح فلسفة الهوية على مذهب ( شيلينغ ) القائل بوحدة الطبيعة والفكر، ووحدة المثل الأعلى والواقع، وكل فلسفة من هذا القبيل، لأنها تجمع بينهما في وحدة لتنفصل, وترجعهما إلى شيء واحد هو المطلق.
الهوية صفة موضوعين من موضوعات الفكر ،رغم اختلافهما في الزمان والمكان متشابهين في كيفيات واحدة، وتسمى هذه بالهوية الكيفية،أو الهوية النوعية.(4)
ومنه يمكن تعريف الهوية بأنها: السمات والسلوكيات التي تميز الشباب الجامعي الجزائري عن غيرهم، وتكوِّن ذاتهم، وترتبط ارتباطًا واضحًا بالممارسات الثقافية الموروثة، و المنبثقة عن الإسلام، والمكونة من العناصر الأساسية: الدين الإسلامي، اللغة العربية، والقيم الثقافية.
إن الهوية الثقافية والحضارية لأمة، هي القدر الثابت والجوهرية والمشترك من السمات والقسمات التي تميز حضارة أمة عن غيرها من الحضارات والتي تجعل الشخصية الوطنية أو القومية طابعا تتميز به عن الشخصيات الأخرى.(1)
ويوجد هناك مفهوم تاريخي أكثر ملائمة للهوية الثقافية وضعه استيوارت هال:
فالهوية الثقافية بالنسبة له هي “موضوع صيرورة شأنه شأن “الوجود” إنها موضوع ينتمي للمستقبل بقدر ما ينتمي للماضي… (2)
وهناك تصوران للهوية الثقافية:
1- التصور الثابت الستاتيكي للهوية الثقافية: الذي يرى أن الهوية الثقافية، عبارة عن شيء اكتمل وانتهى وتحقق في الماضي، في فترة زمنية معينة، أو نموذج اجتماعي معين وأن الحاضر ما هو إلا محاولة إدراك هذا المثال وتحقيقه.
2- التصور التاريخي والديناميكي للهوية الثقافية: الذي يرى أن الهوية الثقافية شيء يتم اكتسابه وتعديله باستمرار، وليس أبدا ماهية ثابتة، أي إن الهوية قابلة للتحول والتطور، ويمكن النظر إلى الهوية في صورتها الديناميكية على أنها مجموعة من المقررات الجماعية التي يتبناها مجتمع ما، في زمن محدد للتعبير عن القيم الجوهرية (العقائدية) والاجتماعية والجمالية والاقتصادية والتكنولوجية والتي تشكل في مجموعها صورة متكاملة عن ثقافة هذا المجتمع.
ولقد أشار تقرير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عام سنة 1987 بعنوان إستراتيجية تطوير التربية العربية عن الذاتية الثقافية، أنها تعني “بأننا أفراد ننتمي إلى جماعة لغوية محلية، أو إقليمية أو وطنية، بما لها من قيم أخلاقية وجمالية تميزها عن غيرها من الثقافات”(3) فالهوية الثقافية تختلف من عقيدة إلى أخرى، ومن شعب، إلى شعب، ومن مرحلة زمنية إلى أخرى.
– مكونات الهوية الثقافية: الشكل التالي يبين ذلك :
ولد هذا المفهوم وهو ينطوي على عناصر الجذب والشد والتدافع والتنافر، مما أدى إلى الاعتقاد بأن طبيعة العولمة تتطلب وصفها بأنها ظاهرة عرضية، تتعلق بتطور المجتمع البشري والتغيرات العالمية، من حيث هي في بداية التكوين ولم تتشكل نهائيا، الأمر الذي يجعل من الصعب تحديد الرأي المناسب والموحد الذي يمكن الأخذ به للإحاطة بالظاهرة.
وقد أطلق بعض الكتاب والمفكرين على العولمة “النظام العالمي الجديد” وهذا المصطلح استخدمه الرئيس الأمريكي جورج بوش-الأب- في خطاب وجهه للأمة الأمريكية بمناسبة إرساله القوات الأمريكية إلى الخليج (بعد أسبوع واحد من نشوب الأزمة في أغسطس 1990م). (1)
وربّما يوحي هذا الإطلاق- النظام العالمي الجديد- بأن اللفظة ذات مضامين سياسية بحتة ولكن في الحقيقة تشمل مضامين سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية وتربوية، بمعنى آخر تشمل مضامين تتعلق بكل جوانب الحياة الإنسانية.
ولقد فرضت العولمة نفسها في الحياة المعاصرة، على العديد من المستويات، سياسياً واقتصادياً فكرياً وعلمياً، ثقافياً وإعلامياً تربوياً وتعليمياً.
وكثرت التعاريف التي توضح معنى العولمة، نذكر هنا بعضاً منها، ثم نذكر التعريف الذي نرى أنّه قد يعبر عن المعنى الحقيقي لظاهرة العولمة.
ومن هذه التعريفات: يقول جيمس روزانو أحد علماء السياسة الأمريكيين عن العولـمة: “إنّها العلاقة بين مستويات متعددة لتحليل الاقتصاد والسياسة والثقافة والأيديولوجيا، وتشمل: إعادة الإنتاج وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل، وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول نتيجة الصراع بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة”.(1)
* والكاتب الأمريكي الشهير ـ وليم جريدرـ في كتابه الصادر عام 1977م بعنوان( عالم واحد..مستعدون أم لا) وصف العولمة “بأنها آلة عجيبة نتجت عن الثورة الصناعية والتجارية العالمية وأنّها قادرة على الحصاد وعلى التدمير، وأنّها تنطلق متجاهلة الحدود الدولية المعروفة، وبقدر ما هي منعشة، فهي مخيفة، فلا يوجد من يمسك بدفة قيادتها، ومن ثمّ لا يمكن التحكم في سرعتها ولا في اتجاهاتها “(2).
قال الكاتب الأمريكي المعروف (توماس فريدمان) ذات مرة: “إنَّ العولمة هي أشبه بقطعة بيتزا يضع عليها كل بلدٍ في العالم بعض المكونات من إنتاجه المحلي: فالهندي يضع عليها مثلاً البهارات الحارة، والأمريكي يضع عليها السجق، والإيطالي يضع عليها الزيتون. بمعنى أنَّ بإمكان كل بلد أن تكون له مساهمته في العولمة، مساهمة ًتنبع من تخصصه وتميزه في مجال معين. غير أنّ الحاصل فعلياً هو أنَّ خيارات دعاة العولمة الجديدة محدودة، فإما أن تكون ملحقاً بهم، وإمَّا أن تكون مختلفاً عنهم” (3).
البعد الثقافي:
لقد اختلفت الآراء حول العولمة الثقافية فهناك من يرفض و هناك من يقبل إمكانية عولمة الثقافة، فالبعض يقول بأن الثقافة لا تعولم و أن أية عولمة هي في حقيقة الأمر هيمنة لثقافة معينة على الثقافات الأخرى، و هذه الهيمنة تستند إلى قوة من خارج مجال الثقافة سواء كانت مستمدة من مجال التكنولوجيا أم الاقتصاد أم القهر السياسي، و يقول البعض الآخر باستحالة قيام ثقافة معولمة فبالرغم من انتشار العولمة في مجالات أخرى فلن تمتد إلى مجال الثقافة، و يتوقع آخرون وجود نوعية جديدة من العلاقة بين العولمة و الثقافة التي لا تقوم على هيمنة ثقافة واحدة فقط و لا التنوع الثقافي فحسب.
و هناك من يرى بأن العولمة الثقافية ما هي إلا توحيد القيم حول المرأة و الأسرة، و حول الرغبة و الحاجة و أنماط الاستهلاك في الذوق و المأكل و الملبس، إلى توحيد طريقة (1) التفكير و النظر إلى الذات و إلى الآخر و إلى القيم و إلى كل ما يعبر عنه السلوك، و هذه الثقافة التي تدعو العولمة إلى توحيدها.
و قد أشار نعوم تشومسكي الأكاديمي الأمريكي إلى قضية العولمة الثقافية بقوله: “إن العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف أي على العالم كله ،
وفي هذا الصدد يقول وزير العدل الفرنسي الحالي(Jack tobon) :إن الإنترنت شكل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر في المقاطعات الكندية بلغت الهيمنة الأمريكية في مجال تدفق البرامج الإعلامية والتلفاز إلى حد دعا بعض الخبراء إلى التنبيه إلى أن الأطفال الكنديين أصبحوا لا يدركون أنهم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية.
و الحقيقة رغم كل هذه المعارضات للعولمة الأمريكية للمجتمعات إلا أن محاولات العولمة الثقافية للنمط الأمريكي في المجتمعات العربية جارية سواء من قبل الأمريكان أنفسهم أم من قبل العرب الذين يعملون على صب هذه الثقافة و مزجها بالثقافة العربية و أرى أنهم لم يدركوا حتى الآن تميز كل ثقافة عن الأخرى و صعوبة هذه العولمة الثقافية رغم ما يبدو ظاهريا من تقبلها، حيث نشهد في الإعلام العربي تعريب كثير من البرامج الأمريكية و منها برنامج لحظة الحقيقة و الذي تبث إعلاناته هذه الأيام في قناة Mbc 4 وفي رأيي أن هذه البرامج التي تعمل لأجل هذه العولمة الثقافية نجدها غافلة عن كل القيم التي يحملها المجتمع العربي .
إذن فالعولمة الثقافية رغم ضراوتها و وجودها فعلا في عدة مجتمعات من بينها المجتمع الجزائري، إلا أنه حتى الآن لم يتم هضمها في هذه المجتمعات و لم يتم تقبلها و إن كان هذا ظاهريا، و أقصد بذلك العولمة الثقافية السلبية، و إلا فهناك قيما ثقافية تم تقبلها في المجتمع السعودي و سوف يشار إليها عند الحديث عن أثر العولمة في المجتمع الجزائري.
– الاستنتاجات والتوصيات:
عالجت هذه الدراسة العولمة بوصفها ظاهرة ثقافية، سرعان ما تداخلت مع المتغيرات السياسية والاقتصادية، والإعلامية، لتصبح تحدياً رئيسياً لهوية الشباب الجامعي، وكلما وجدت فرصة استخدمت لغزوها ثقافياً وفكرياً .
وتم إجراء الدراسة من خلال واقع العناصر الأساسية المكونة للهوية الثقافية وهي (الدين، اللغة، وبعض مظاهر القيم الثقافية) تبين أن: هناك تأثير نسبي للعولمة على الهوية الثقافية من خلال عناصرها المذكورة .
اتضح أن الالتزام بالدين الإسلامي مهم جدا لدى فئة الشباب المبحوثين، إلا أننا نجد الأغلبية من المبحوثين لا يشاركون في الأنشطة الدينية، كما دلت النتائج بأن معظم الأفراد لا يرتادون المدارس القرآنية، وأن العدد الأكبر من أفراد العينة يرون أن أبرز معيار يحدد مكانة وقيمة الإنسان في المجتمع الجزائري هي المال والسلطة والنفوذ.
أما التساؤل حول اللغة؟ فتبين أن نسبة كبيرة من أفراد العينة يرون أن الشخص الذي يتقن اللغات الأجنبية شخص متحضر، وأن الاستعمار من بين أهم الأسباب التي أدت إلى إهمال اللغة العربية، كما اتضح لنا أن أغلبية المبحوثين يزورون مواقع أجنبية على الشبكة العنكبوتية .
فإذا “كانت العربية أداة صالحة لكتابة العلوم أكثر من عشرة قرون، وكانت لغة الحضارة في كل هذه المدة، فما بالها تعجز عن هذه المهمات اليوم؟! إنها ليست عاجزة، ولكن أبناءها عاجزون، وإنها ليست قاصرة ولكن أبناءها أكثرهم قاصرون”.
ومن خلال وصف البعد الاتصالي للعولمة متجسداً بالتطور التكنولوجي الحالي في ميدان الإعلام والاتصال ، كان تساؤلنا حول واقع القيم الثقافية؟ وتبين أن :
أغلبية أفراد العينة يملكون الهاتف النقال، كما أن أغلبية المبحوثين يوافقون على وجود علاقة تعارف وحب قبل الزواج.
كما نجد أن الأغلبية من المبحوثين يختارون لباسهم على أساس الأزياء أو (الموضة)، بالدرجة الأولى كما أن الشباب الجامعي يرى أن الثقافة الغربية أحسن من الثقافة الجزائرية بالدرجة الأولى وفي نوع الحياة التي يعيشونها.
كما يمكن أن نستنتج من خلال هذه الدراسة أن:
مشكلة الهوية لم تناقش إلا في زمن العولمة إذ لم يكن لها وجود قبل ذلك، فالناس وسط هذا الخضم الكبير من التشابك والاتصال يتساءلون من نحن؟ وما هي هويتنا؟ وما هي لغتنا؟ وكما نقول إن: العولمة توحد الناس من أعلى وتفرقهم من أسفل وتوحدهم في القمة وتفرقهم في القاع بمعنى أن توحدهم في أدوات الاتصال والنقود والبنوك وسبل المواصلات وفي العديد من الصور المتشابهة لدرجة أنك قد لا تستطيع أن تفرق بين العديد من مدن العالم التي أصبحت متشابهة وذات طابع عالمي موحد، ولكن في نفس الوقت الذي تخلق فيه العولمة كل هذه الصور المتشابهة، فهي تخلق أيضا تفككا على المستوى الثقافي.
كما أن التغير عندما يكون سريعا يحدث ما نسميه في علم الاجتماع الثقافي “فجوة ثقافية” وقد حدثت طفرة كبيرة جدا في التكنولوجيا وفي تبني أساليب حديثة ومتطورة وهو ما أدى إلى ارتباك ثقافي وظهرت لدينا صور جديدة من السلوك داخل المجتمعات، ويعبر عن نفسه في عدة صور ومنها الاستهلاك، وسنذكر بعض الأمثلة مثل: استهلاك المجتمعات الجزائري للسيارات، فقد أصبح العرف الآن هو اقتناء أحدث الصيحات في عالم السيارات والحصول على أفضل الموديلات، والبعد عن السبب الحقيقي الذي صنعت له السيارة، وهناك أمثلة أخرى مثل استخدام الهواتف النقالة بشكل غير رشيد.
ومن خلال هذه النتائج يمكن القول أن العولمة بتحدياتها قد أثرت على الهوية الثقافية للشباب الجامعي وبالأخص على (الدين، واللغة، والقيم الثقافية)، كما يمكن القول أن الشباب الجامعي يعيش حالة من الانبهار بالثقافة الغربية وأسلوب الحياة الغربية، وهذه التبعية الفكرية والانبهار الحضاري دائما يحدث في الشعوب المتأخرة ثقافياً وعلمياً واقتصادياً … والتي تؤدى بدورها إلى انصهار الهوية الثقافية وأن يصبح التقليد سيد الموقف خصوصا لدى فئة الشباب لذلك لابد كباحثين من إعطاء بعض الاقتراحات:
مما سبق يدعونا للتأكيد على أهمية العمل الجاد الهادف إلى تحقيق مناعة إعلامية تخدم الأمن الثقافي العربي لشبابنا وتحافظ على لغته الأم اللغة العربية ،كما تحفظ عليه دينه ، وقيمه واعتزازه بمقومات هويته الثقافية وأصالته التي تصبح عامل بناء وتطوير وإبداع بدل أن تكون عامل إحباط وشعور بالدونية والنقص، ومن خلال ما تم عرضه حول العولمة و انعكاساتها على الهوية الثقافية يمكن الخروج ببعض الاقتراحات و التوصيات نراها كفيلة للتخفيف من آثارها و مواجهتها ،وقد انتهى البحث إلى المقترحات الآتية:
1. الالتفات إلى التراث العربي الإسلامي لإعادة قراءته وتكييفه ثم توظيفه بالشكل الذي يجعلنا نستفيد منه في ظل العولمة الثقافية الحاصلة، بجعله نقطة قوة تحمي الهوية الثقافية وباعتباره عنصرا هاما من عناصرها، و ليس نقاط ضعف.
2. مواجهة العولمة بالتعليم والتدريب والتثقيف والتحصين ورفع الكفاءة وزيادة الإنتاج ومحاربة الجهل وخفض معدلات الأمية المرتفعة عند المسلمين.
3. العناية الخاصة بالبرامج والمسلسلات والأفلام المعدة من قبل القائمين على القنوات التلفزيونية، لما لها من تأثير على الهوية الثقافية، والعمل على الحد من بث البرامج وأفلام الكرتون المستوردة من ثقافات أخرى وتهذيبها لتناسب ثقافتنا العربية الإسلامية.
4. الاهتمام باللغة العربية وبطرق تدريسها للناشئة والشباب باعتبارها الحامية لروح المجتمع وهويته الثقافية .
5. العناية باللغة العربية في وسائل الإعلام ومناهج التعليم وتسهيل تدريسها وتحبيبها للطلاب، ومن العناية باللغة العربية تفعيل التعريب والترجمة والتقليص من التعلق باللغات الأخرى إلا في حدود الحاجة اللازمة.
6. إعداد برامج تربوية وتعليمية وإعلامية تخدم تقوية ارتباط الشباب في المجتمع الجزائري بعناصر و أبعاد هويته الثقافية.
7. ضرورة التأني عند اتخاذ المواقف والآراء القطعية بخصوص ظاهرة العولمة والانشغال بالبحث عن أسلم السبل للتعامل معها كظاهرة موضوعية.
يقول المهاتما غاندي”: لا أريد أن يكون منزلي محاطا بالجدران من جميع الجوانب ونوافذي مسدودة، أريد أن تهب ثقافات كل الأرض بمحاذاة منزلي وبكل حرية، لكني أرفض أن أنلقب بهبوب أي واحدة منها.”
هذه بعض الأفكار وغيرها كثير في سبيل مواجهة العولمة وهي وإن فرضت علينا واقعاً ليس من اختيارنا، لكنها لا تستطيع منعنا من الاختيار.
الهوامش:
1- الكتب :
- 1. أحمد بن نعمان: الهوية الوطنية – الحقائق و المغالطات، دار الأمة للطباعة و الترجمة و النشر و التوزيع، الجزائر، 1995.
- 2. أحمد عبد الله العلي: العولمة والتربية، دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2002.
- جورج لارين: الإيديولوجيا والهوية الثقافية، الحداثة وحضور العالم الثالث، ترجمة فريال حسن خليفة، مكتبة مدبولي، ط1، 2002.
- محمد سعيد أبو زعرور: العولمة ، دار البيارق، عمان، الأردن، ط1 ، 1998.
- نعيمة شومان :العولـمة بين النظم التكنولوجية الحديثة، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت، 1998.
- علاء زهير الرواشدة: العولمة و المجتمع، دار الحامد للنشر والتوزيع، الأردن، 2008.
- عزت حجازي: الشباب العربي ومشكلاته، موسوعة عالم المعرفة، الطبعة الأولى، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985.
- تركي الحمد : الثقافة العربية في عصر العولمة ، دار الساقي، ط1، بيروت، لبنان، 1999.
- يعقوبي محمود: معجم الفلسفة، الميزان للنشر والتوزيع، ط2، الجزائر، 1973.
2- الملتقيات والمجلات العلمية:
- كنعان أحمد: العولمة والبحث العلمي واقعًا وطموحًا، ندوة العولمة والتعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي المنعقدة بجامعة العلوم والتقنيات والطب، بالتعاون مع اتحاد الجامعات العربية 2000/11/23- ، تونس، 00 20.
- أسعد ملي : العولمة بين التكيف والممانعة ، مجلة جامعة دمشق للآداب والعلوم الإنسانية سورية، مجلد 23 العدد الثاني، 2007.
- محمد عابد الجابري: العولمة و الهوية الثقافية، عشر أطروحات، مجلة المستقبل العربي، العدد228،1998.
- عزيز مشواط: إشكالية الهوية في العلوم الإنسانية، مأزق الإشكال وقلق المفهوم، جريدة المنعطف، العدد 2377، 28 أفريل 2005.
3- المواقع الالكترونية:
- علي وطفة: تصدعات الهوية وهزائمها، موقع اتحاد الكتاب العرب، تم تصفح الموقع يوم: (10.02.2010): http://www.soufaouakthakafia.maktoubblog.com
- إبراهيم الحسن: الهوية الثقافية الصحراوية، مقال على شبكة الانترنيت، www. Alarbio.com.
- 3. عادل بدر سليمان: ثقافة الشباب المعاصر بين عولمة التعليم وتعليم العولمة ، جريدة النور، 2008 .15\7\2009. http://www.shababona.com/shabab/content/view/380/1/>