جَدَلِيَّةُ العَــلاَقَةِ بَينَ الشِّعـــرِ وَالتَّارِيـــــخِ «قِرَاءَة فِي نَماذِجَ ثَورِيَّةٍ مِن الشِّعــرِ الجَــزَائِرِيِّ الحَـدِيثِ»
The dialectic relationship between poetry and history
«reading in some revolutionary models of modern Algerian poetry»
أحمــــد ونّاسي (جامعـة مُحمَّد خَيضَر، بسكـــــرة، الجَــــزائِــر)
Ahmed Ouannassi, University of Mohamed Khider, Biskra, Algeria.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 75 الصفحة 69.
مُلَخَّــصُ:
تَهدِف هذه الورقة البحثِيَّة إلى الوقوف على العلاقة القائمة بين الخطابين الشِّعرِي والتَّارِيخي، وبيان بعض أوجُه التَّشابه والاختلاف بينهما، بمعنى الحفاظ على الموروث التاريخي مُتمثِّلاً في الثـَّورة، بواسطة الأداة الفنِّيَّة الـمُتمَثِّلة في الشِّعــرِ.
وقد اختارت هذه الدِّراسة نماذِج من الشِّعـرِ الجَــزائري الثَّوريِّ موضوعا لها؛ لما تحمله من دلالات وصَبغةٍ قَــويَّة، كونُها تُجسِّد الحِــسَّ الثَّـــورِي عند شعـــراء هذه المرحلة، في إطار مُقاربةٍ تعتمِدُ مُـحاورة التاريخ، بأقلامٍ جزائرية، عاصرت الأحداث التاريخيـَّــة لثورة نوفمبر 1954م المجيدة.
الكَلِماتُ المِفتاحِيَّة: الشِّعـــر، التَّاريـــــخ، الخِــطاب، ثــــورة نُوفمبَــر، الجَــــزائِـــر.
Abstract:
This research paper aims at examining the relationship between poetic and historical discourse, and showing some similarities and differences between them, in the sense of preserving the historical heritage represented in the revolution, using the artistic tool which is poetry.
This study has chosen examples of Algerian revolutionary poetry as a topic. Because of its strong connotations and pigmentation, as it embodies the revolutionary sense of the poets of this stage, and the summit of their artistic sincerity, within the framework of an approach that adopts the dialogue of history with Algerian writers that have lived through the historical events of the glorious November revolution 1954 ad.
Key words: poetry, history, discourse, November revolution, Algeria.
مُقدَّمَة
كانت الثَّورة التَّحرِيريَّة الجــزائريَّــــة حَدَثا عظِيما، حين كتب الله لهاذا الشَّعبِ أن يخوض أشرَفَ معركةٍ، وأعنفَ جِهاد عرفته البشرية في عصرها الحديث؛ إذ بِدُخول الاستعمارِ الفرنسي بلادنا أحدث تحوُّلاً كبيرًا في مضامين الشِّعــر الجزائِري، فظهر نوع من القصائد التي تُؤيِّدُ الثَّورة، وتَتَغنَّى بِها، وتَحُثُّ على الجِهادِ، لاسترجاعِ السِّيَّادةِ المسلُوبة.
ولقد طَبَعت الثَّورةُ مَسِيرَة الأدب الحديث في الجـَــزائِر، من خلال القضايا التي عَكَسها الشِّعــر الجَـــزائـــري في هذهِ المرحَلةِ من تاريخِ البَلدِ، والموضوعات التي تناولها، ما أَكسَبَ الثَّـــورة بذلك أبعادًا أخرى.
فكان الحِسُّ الثَّورِيُّ من أكثر الجوانبِ وأهَمِّها في شِعرِنا الجـــزائري الحديثِ، ولا تكاد تَمرُّ مُناسبةٌ أو حَدَث إلا وضَمَّنَهُ الشُّعراءُ في قصائدهم، فتجاوبوا معها تَجاوُبًا مُطلقًا، وسَخَّروا كلَّ أقلامِهم لِتخليد مآثر الثَّورةِ، فَكثُرت الأقـــلام التي رافَقَت وقائِعَها، وتَناولَتها في شتَّى المجالات، وسارت معها جنبًا إلى جنبٍ، تُؤرِّخُ لها، وتُدوِّن أحداثَها، وتَطـــــوُّراتها.
كما أنَّ الثَّورة أثَّرت في الشِّعـــرِ الجـَــــزائريِّ، وأَغنَتْهُ بِتَجاربَ إبداعِيَّة مُتميِّزة، فاحتلَّ مكانةً مرمُوقةً، بِغزارَةِ إنتاجِ الشُّعراءِ وتَنوُّعِه، وصِدقِهم في فَنِّهم ومشاعِرهم، صِدقًا يُعوِّض أحيانًا عن جوانب فنِّـــيـَّة أخرى، حتى غدا الشِّعــر سِلاحًا نِضاليا، يُوظِّفُه الشَّاعِر الجـَــزائِري تَندِيدًا بالاستبدادِ، ورفضًا للاستعـباد.
ومن هذا الـمُنطَلقِ تُحاوِل هذهِ الدِّراسة الإجابة عن الإشكاليـَّـة الرَّئيسَة التَّاليــَّــة:
كَيف تَجلَّت العـــلاقةُ القائِمَة بين الشِّعــرِ والتَّــارِيخ مِن خِلال النَّماذِج الثَّــورِيَّة لِلشِّعـــرِ الجَـــزائِري الحَدِيث؟
تَنبَثِق منه الأسئلة الفَــرعِيَّة الآتيـــة:
كيف تفاعَلَ الشُّعــراء الجــزائريُّـــون مع الموروثِ التَّارِيخي في نَصِّهم الإبداعِي؟
إلى أيِّ مدى استطاعت القصيدة الثَّــوريَّة التَّعبِير عن الأحداثِ التَّارِيخيَّة التي عاشتها الجَـــزائِر في ثَورَتِها المباركة؟
هل وُفِّقَ شُعراء الحِقبة الثَّــورية في صيَّاغَة قَصائدِهم انطلاقا من المادة التَّاريخِية؟
أمَّا المنهَجُ الذي سيضبِطُ مادَّة البحثِ، فهو المنهجُ التَّارِيخي، القائِم على السَّردِ، لِكونهِ الأَنسَب والأقرَب لِطبيعةِ الموضوعِ، والقائم على جمَعِ المادَّةِ التارِيخيَّة، ودِراستِها، ونَقدِها، كما استعنَّا بالمنهجِ الوصفِي التَّحلِيلي، المعتَمدِ على وصفِ أبرزِ الأحداثِ، وتَحليلِ بعض المـقولات، واستنتاج جُملةٍ من الأحكام المرتبطة بها.
1/ مَاهِيَةُ الأَدَبِ الثَّــــوْرِيِّ:
هُناك من يرى أن أدبَ الثَّــورة هو الذي يعيش معها، ويُعايِشُها عن قرب، مُلتَحِما بِلحمِها وعَظْمِها، يختصُّ هُمومَها ومكاسِبها، يُواكب عن كَثَب أحداثَها ووقائعَها، يَغمِسُ قَلمَه في دمِها ولهِيبِها.[1]، وقد جاءت الثَّــوراتُ، والأدب الثوري، لِيُلقِيَّا بالمسؤولية على الكاتِب، والشَّاعر، فيما أصبح معروفًا بالالتِـــزام، أي التــــزام الأديب بِقضايَا المجتمع.[2]
كما لا نُنكِر مدى مُواكبَة الأدب بِوَجهٍ عام، والشِّعر بِوَجهٍ خاص لمسيرةِ الثِّـورة التَّحرِيريَّة، مُترصِّدًا الأحداثَ ووقائعَها، مُحتَضِنا لِعذابات وطموحات الجماهيرِ الشَّعبِية، وهي تُساهِم بِكلِّ ثِقلها مُساهَمةً فعَّالة في إبداعِ مَلحمةٍ ثورِية خالدة.[3]
مما سبق يتَّضح أنَّ هذا الأدب الذي يصطلح عليه «الأدب الثوري» هو الذي يتزامن مع الثَّـورة، يُسايِر أحداثَها، ويتَغلغَل في داخِلها، ويذُوبُ ويَنصَهِر في أحداثها وحيثياتها، أو لِنَقُل: هو الأدبُ الذي يولَدُ من رحِم الثَّورة، ويشُبُّ عن الطوق وسط نارها ولَظاها، ويتشبَّع بمبادئها السَّمحة، حين يغدو ساكنا في مُهجتِها، ومن هنا نستطيع الإشارة إلى علاقة وطيدة بين ثـورة نوفمبر والأدب، هذا الأخير الذي يوثِّق لها، ويُدوِّنُ حيثياتها، لِيفتَح عُيون الشَّعب وبصِيرتَه، ويفتَح الأذهان الـمُوصَدة على حقيقة الجهادِ.
وقد كان للثَّــورةِ التَّحريرِيَّة في الجــَـزائر فضلٌ عظيمٌ على الأدبِ؛ إذ فتحَت أمامَه الآفاق الرَّحبة الفسيحة، ماكان ليَحلُم بِها من قبل، لولا الدَّمُ، والنَّارُ، والحديدُ، فتفجَّرَت نتيجةً لذلك القَرائحُ والمواهبُ بأدَبٍ واقعي صادقٍ ينبُضُ بالثَّــورةِ، كلماتُه ملتهِبة مُتأجِّجةٌ، حروفُه من نارٍ ونُور.[4]، كما شكَّلت الثورة محورا أساسيًا عند الشُّعراء الجـَـزائـــريِّين؛ لأنَّها أسالت الحِبر الكثير، وأراقَت الهمَّ، لأنَّه الوطن، ولأنَّها حُرقة الوطنِ، التي ولَّدَت في نفس الشَّاعر صُمودًا وتَحدِّيا، فأخرج الشَّعبَ من سُباتِه تأثُّرًا غاضِبًا، رغم نقص العُدُّةِ والعَتادِ.[5]
فلا يجِب أن نُنكِر فضلَ ثورتِنا على أدبنا الوطني؛ لأنَّها فتحَت الباب على مِصراعَيه، وعبَّدَت الطــريق له، وفَرشَتها وُرودًا، لكن هذا لم يكُن ليتأتيَّ لولا الدِّماء التي أُرِيقَت، والنَّار التي اضطرَمَت في كلِّ مكانٍ، ضِف إلى ذلك لُغة الرَّصاص التي جعَلَت القرائِحَ تَجودُ بأدبٍ صادقٍ صافٍ، يفِيضُ بالكَلمةِ الثَّورِية الرَّصِينةِ الملتهِبةِ بألفاظٍ حمراءَ قانِية، مُشِعَّة كدِماء الشُّهداء.
كما استقطَبَت ثورةُ نوفمبَر الكُبرى مُعظَم التَّجمُّعات السياسيَّة، والتّيارات الوطنيَّة، وقد أيَّدها الشُّعراء، وتجلَّى هذا التَّأييدُ أوَّلا في اعتِبارهم الكلمة سلاحا في خدمة الثَّورة، وفي اعترافهم بأسبقيَّة السَّيفِ على القَلَم خلال المعركة.[6]
إنّ الثَّورة الجـَــزائرية المجيدة تُمثِّل لحظةً زمنِيَّةً فارِقة في التاريخِ الحديث، وحينما يقتَرِن الشِّعــر بهذه اللَّحظة، فإنَّنا نكونُ أمام مُتعَتَينِ: مُتعة الفنِّ الشِّعرِي؛ بِجَماله، وخَيالِه، وتَصويرِه، ومُوسيقاه، ومُتعة الموضوع؛ بِزَخَمه، وهَــولِه، ورَوعَتهِ، وجلاله، وكان الشِّعر دائما هو الشَّرارة الأولى التي تنطلق منها كُبرى الثَّورات، لِتحريرِ الإنسان من قُيود الظلم والاستعباد.[7]
وقد ألهَمَت الثَّـورة الشِّعر كثيرا من الموضوعات التي لم يكن يخوض فيها من قبل؛ فقد حرَّرَته الثورة من قُيودِ الرمز، والإشارة، والمهادنةِ، والخوفِ، والإصلاح، الموقَّر.[8]، ومنه فالشُّعراء التفتوا إلى الثورة الجزائرية في جانبها السِّياسِي، وعَدُّوا الكلمة لا تَقلُّ شأنًا عن البندقية والرَّشَّاش؛ فهي الذُّروة المتوهِّجة لغالِبيَّة الثَّورات، وعندما ترتبط بالأحداث النِّضاليَّة الجليلة، تجتَمِع بذلك روعةُ الشِّعرِ، وهَوْلُ الوقائعِ، ما يجعل القلم المبدع يجود بأعذب الأوزانِ، ويُعبِّرُ عن دواخله، فيتحرَّرُ من القيود التي تُكبِّل الشُّعوب في غُرَّة كِفاحِهم.
كما أنّ الشِّعر لا يكون ثورِيًّا إلا إذا احتَضَنَته الثَّـورة، فالشِّعر وِفقا لهذا الرأي الأخير يجوزُ أن يكون ثورِيًّا في ظروف يسودها الإقطاع، ولكنَّهُ بما فيه من تصوُّرٍ لجدليَّة الواقع، وحتمية التَّغيِير، يَكشِفُ بِرُؤاه عن الموقف الأيديولوجي الصَّحيح.[9]
فالبيان والشِّعر مهما بلغها من السِّحرِ، لا يرقيان لبلوغ قِمة الواقع بجماليَّاتِه، وامتداداتِه، بعُنفوَّانِه، ومُتفجِّراته، والثَّـورة الجزائرية هي واقع وفِعلٌ، وانفجارٌ أصدَق وأبلَغ من الحُلمِ والخَيال، وأعظَم سِحرًا وشِعرا من البلاغة والبيان.[10]
حتى نقولَ أنَّ الشِّعر ثوري يَجبُ أن يكون في رحاب الثَّـورة، وتَتهيَّأ له الظُّروفُ التي تساعِدُهُ على مُسايرةِ الواقِع، وتَجعَلَهُ يُساهِم في التَّغيِير، لتتَّضِح الرُّؤى الأيديولوجية، كما أنَّ البيانَ والشِّعـر مهما حقَّقا من مُتعةٍ فنِّيَّة، يستطيع الرُّقِي إلى قِمَّة الواقِع بمُختَلفِ جمالياته، ولنا في ثورتِنا المجيدة أحسَنَ مِثال، وأروَعَ أنمُوذجٍ يُجسِّد هذه المفارقة.
2/ طَبِيعَة العَلاَقةِ بينَ الخِطابَينِ الشِّعرِي والتَّارِيخِي:
إنَّ الأدبَ العربيَّ لم يَعرِف هذا الجِدال النَّظرِي حول علاقَة الشِّعرِ بالتَّاريخِ إلا في العصور الإسلاميَّةِ المتأخِّرة، وذلك أن الشِّعر كان هو السائد في المجتمع العربي الجاهلي؛ وقد جسَّد الشِّعر هذه العلاقة في أشعارِ الجاهِليِّين التي خلَّدَت أيَّام العرب، وحروبَهُم مع جيرانِهم، بالإضافة إلى النِّزاعاتِ المحلِّيَّة مثل: حرب داحِسَ والغَبـــراء، التي استمرَّت نِصفَ قرنٍ، وحرب البَسوس، وهناك أيضا لامية الشَّنفَرَى التي عبَّرَت عن مرجعية تاريخية مُحدَّدة في حياة المجتمع العربي، ويمكن أيضا اعتبار نقائض جَرِيرٍ والفَرَزْدَق جَمهَرَة الشُّعراء الذين تحلَّقُوا حولهم أنَّها تاريخ المجتمع الأموي على مدى أربعين سنة.[11]
ومنه يُمكِن القول: أنَّ العلاقة القائمَةَ بين الشِّعرِ والتارِيخِ عرَفَها الأدبُ العربيُّ، حتى ولو كان ذلك مُؤخَّرا، وهو ما يتجلَّى في أيَّام العرب، باعتبار أن الشِّعر تِجارتُهم، وديوانُهم، فارتبطت الأحداث التي عايشوها بقصائدهم ومُطوَّلاتِهم، وهو ما من شأنه اعتباره وَجهًا من وُجوهِ الخِطابَينِ المذكورَينِ آنفا.
وفيما يَخُصُّ طبيعة الخِطابَين فإنَّ الشِّعرَ هو عبارة عن أشكالٍ تعبيرِيَّة جَمَالِية في تحوُّلٍ مُطَّرِد، ولا تخضع لأيِّ منطق وضعي غير منطَقِها الداخلي، أما طَبِيعة الخِطاب التَّارِيخي فإنَّه يمكننا أن نقول عنه: أنَّه نَسَقٌ من الأقوال أو الأفعال، وهو بذلك يخضع لقانون السَّبَبِية ويتبع في عَرضِه للأحداثِ خطأ أُحاديَّ الاتجاه، ويسيِرُ من الخَلف إلى الأمام؛ أي من الماضي إلى الحاضر، والتاريخ كَشَكلٍ من أشكالِ التَّواصُل يُحاوِل أن يُدمِج هذا النَّسق من الأقوال والأفعال في حاضر المجتمعِ، مِثلما يُحاول بعض المؤرخين النَّبشَ في سَوءاتِ ماضيهم، قَصدَ بَلبَلَتِه وهزِّ شخصِيَّتهِ.[12]، ومنه يتَّضح أن الخِطاب الشِّعري ما تعلَّق بجملة من الألوان التي تتَّسم بالجمالية، وتَخضَع بمنطقها الداخلي، في حين الخطاب التَّاريخي ما اتَّكأ على جملة الأنساق القولية والفعلية، التي يسعى جاهدا إلى مَزجِها في واقع المجتمع.
ومنذ القِدم بحث أَرِسْطُو في كتابه «فنُّ الشِّعر» عن العلاقة بين الشِّعر والتاريخ، وانتهى بانتصاره للشِّعر، باعتباره أكثر فلسفيَّة من التاريخ، وقد لاحظ أنَّ ما يُفرِّق بين هذين الخطابين هو أن الشِّعر يحكي ما يمكن أن يحدث، في حين أن التاريــخ يحكي ما حدث حقيقة.[13]؛ فالعلاقة بين الشِّعــري والتاريخي هنا إيمانيَّة إذ تَحكُمها سُنن الإسلام، التي لا يكون التاريخ فاعلا إلا إذا مَرَّ من خلالها.[14]
كما نؤُكِّد حتما أنَّنا لا نروم بهذه العلاقة أن يَسرُد الشاعر مجموعة من الوقائع التاريخية، وإن فعل فستكون وِفق رُؤيتهِ لا رؤية المؤرِّخ، وكذلك فعل الشاعر مُفْدِي زَكَرِيَّاء ـــ رحمه الله ـــ في إلياذته التي تُوضَع في قالَب الشِّعر الملحمي، الذي يُجسِّد بطولة الشَّعب الجــزائري منذ فجر التاريخ.[15]
يمكننا القول استِنادًا إلى ما سَبَق: أنَّ علاقة التارِيخِ بالشِّعر علاقة مُعقَّدَة؛ فمنهم من يرى أنها إيمانية تتعلَّق بِسُننِ الإسلام، المرتبطة بالتَّاريخِ وتتفاعل معه، أما أَرِسطُو فقد انتصر للشِّعرِ، لأنه يتجاوز الأحداث الواقعية، إلى أخرى لم تحدث، في حين التاريخ يَقتصِر على الحقائق الثابتة فقط؛ فالشَّاعر بروايته لوقائع التاريخ تكون حسب رُؤيتِه المحضة، لا رؤية المؤرخ، وهو ما يتَّضِح بالشِّعر المرتبط بالملاحم، كما نجده جلِيًّا في كثير من النَّماذِج الثَّورية في شِعرنا الجـَــزائري الحديث.
- 3. أَوجُه الاختِلاف والائتِلاف بين الخِطابَينِ الشِّعرِي والتَّارِيخي
3.1 أَوجُه الاختِلاَفِ:
إنَّ الشِّعر يُمكن أن يتميَّز عن التارِيخِ في كونِه يندرجُ ضمن منظور جمالي، وقنواتٍ تعبِيريَّة، تُحاول أن تتجاوز الاستثنائي والمتبذِّل إلى تأسيس القوانين العامة التي تتحكَّم في المجتمع والثَّقافة، في حين أن التاريخ لا يبحث في الكُلِّيَّات بِقَدْر ما يؤكد على فردِيَّة الأحداث وفُرادَتِها، وعدم قابليتها للتَّكرار، وبذلك يَحصُرُ التاريخ خِطابه في حدود السياق الذي أنتج الأحداث، ويبقى أسيرَ النَّظرة الأُحادِية للأحداث، في حين أن الشِّعر يتجاوز آنية الحدث، لِرَبطهِ بالسِّيَّاق الإنساني، والقبض في جوهره ودلالته.[16]، وقد يكون الشِّعر مَعنِيًّا بِقَدْر ما، بمفهوم التَّاريخ أكثر من التاريخ نفسِهِ.[17]، ومنه نستطيع القول أنَّ الشِّعر يسعى جاهدا كي يزيد عن الأشياءِ المتداوَلةِ، إلى إنشاء جمُلة من القوانين التي لها صِلة بثقافة المجتمع، وكذا الاتِّصال بجوهر الإنسان، في حين يَحصُر التارِيخ اتجاهه في نِطاق أُحادِيِّ، وسياق مُنتَجٍ للأحداث.
لقد استنتج أَرِسطو وهو صاحب العقل الاستنتاجي، والمنطق الصُّورِي، أن الشِّعر يحكي العام، في حين أن التارِيخ يحكي الخاص، وقد راجَت هذه الفكرة عند مُؤرِّخِي القرون الوسطى الأورُوبِية، فمال الكثير منهم إلى تقريب التاريخِ من الشِّعرِ، ومن الأدب بِصفة عامة.[18]، كما أنهَّما يختلفان من حيث المرجِعيَّة المباشرة، والسياق المولّد للدلالة، وذلك لأن كل نمط خِطابي يميلُ إلى سياق ثقافِيِّ وتاريخي مُحدَّد له سِماته وحُدودهُ.[19]
وقد ساهم الشِّعر في أكثر من مَرَّة في تدوين التاريخ، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشِرة؛ وذلك لأنَّ ما يتميَّزُ به الشِّعر من قدرة على تجسيد الحقائق التاريخية دون أن يقصد إلى ذلك، أو يجعل من الحقائق التاريخيَّة هدفا لقول الشاعر، في حين أن التاريخ يقصد إلى تَجلِيَّة الحقائق الاجتماعية، أو التاريخية، والتَّركيزِ على أهم المحطَّات في حياة الشعوب والأفراد.[20]، ومنه يتَّضِح – حسب أرسطو- أن الشِّعر يقتَصِر على الأحداثِ العامة، ويُشارِك في تدوين الحقائِق التي يرمي الشَّاعر إلى رصدِها، بِخلاَف التَّارِيخ المرتبط بالأحداث الخاصَّة، مُرتكِزا على الوقفات المشرقة في حياة الأمم.
2.3 أَوجُهُ الائتِلافِ:
يشتَرِك كلٌّ من الشِّعر والتارِيخ في كونِهما نِتاجًا فكريا لغويا بالدرجة الأولى، ويبلُغانِ معرِفة إنسانية، وتجربة وجدانية، تتعلق بالإنسان في علاقته بذاتِهِ ومُحيطهِ.[21]
وبما أن الشِّعر والتارِيخ نِتاج لُغوي؛ أي يعتمد على اللغة كأداة للتوصيل والتبليغ، فكيف نستطيع التمييز بين الشعر والتاريخ؟ لا يمكن أن تكون التَّفعيلة والثَّقافة وحدهما كافِيَّتَيْنِ للتَّميِيز بين هذين النوعين من الخطاب، وحتى السياق الشِّعري والتاريخي ذاته عاجز عن التمييز بينهما؛ لأن الشِّعر قد يعتمد هو الآخر ويَتَّكئ على خلفية تاريخية، كما قد يستشهِد المؤرِّخ بالنُّصوص الشِّعرِية، للتأكد على نفي قضية أو إتيانها، وفي هذه الحالة يصير الشِّعر من الأدوات المساعدة في إنتاج التاريخ.[22]، ومنه نستطيع القول: أنَّ الشِّعر يتَّفِق مع التَّارِيخ باعتبار كل واحد منهما يُوضَع لتكوين علاقة فِكرية تربط الإنسان بمحيطه، وكلاهما يرتكز على اللُّغَة للإيصال، كما أن التَّفرِيق بينهما حتى في الجانب السياقي، لا يؤدِّي إلى نتيجة، بحكم أن الشِّعر يقوم على إرهاصات تاريخية، لبيان مسألة مُحدَّدة، لذا عُدَّ الشِّعر من الأشياء التي يُستَعان بها في صناعة التارِيخِ.
يقول مَالِك حَدَّاد: «إنَّ التَّارِيخ والأدب شيئٌ واحد؛ فالكاتِب الذي يَعتبِر نفسه مُنتَمِيا للثورة الجزائرية، والذي يشتَرِك في هذه الثَّورة ليس بالضَّرورةِ شخصًا سيَّاسيًّا، ولكِنَّه بالضَّرورة يُسهِم بعمل سيَّاسيٍّ، وليس علينا أن نختار نحن الكُتَّاب الجزائريين، فلقد اخترنا وانتهى الأمر، والتزمنا الثَّورة، والتحقنا بها دون أي وجل.»[23]
ولا شكَّ أن الأديب الذي يفقِد اتِّصاله بتارِيخ قومِه، وتُراثِ أُمَّتِه، لا يصلُحُ بحالٍ ما أن يُعبِّر عن وجدانها المعاصر، لأنَّ فُقدان وعيِهِ كشخصيَّتِها يجعلُه أجنبِيًّا عنها غرِيبًا عليها.[24]، فمن خلال ما سبق يتَّضِح أن الأدب والتارِيخ لا يعدُوَّان أن يكُونا فنَّينِ مُتطابِقَين، كما أنّ الكتّاب المعاصرين للثورة لا يُمكِن عَدُّهُم من رجال السياسة، فإذا انقطعت العلاقة بين الأديب وصِلَتِه بتاريخ أُمَّتِهِ، وماضيه التَّلِيد، لا يُتِيح له ذلك التَّعبِير عن أفكاره الرَّاهنة السَّائِدةِ في واقِعه المـعِيش.
4/ نَمَاذِج مِن الشِّعرِ الثـَّورِيِّ الجَــــــزائِرِي الحَدِيثِ
لقد حرَّكت المأساة قرائح الشُّعراء، فجاهروا في شِعرهم بِنقمَتِهم، وبِدعوتِهم إلى الكفاح من أجل الحرية والاستقلال. فَتَحوَّل الشِّعر مع الحركة الوطنية من مَوقفِ الرَّفضِ والدِّفاع، إلى الدَّعوة للهجوم والحربِ.[25]، فَيطِلُّ علينا بعد عام من أحداث الثامن ماي المأساوية مُحمَّد العِيد آل خَلِيفَة برفقةِ القائد الكشفي مُحمَّد الهادِي شَرِيف (المدعو مُحمَّد جنادي) بنشيد «مِن جِبَالِنَا» لِيُؤكِّد ضرورَةَ التَّوجُّهِ الثَّوري مَلاذًا أخيرًا للمُقاومةِ، يقول:[26] [المضارع]
مِنْ جِبَالِنَا طَلَعَ صَوْتُ الْأَحْــرَارِ | يُنَادِيـــــــــــــــــــــــــــنَا لِلْاسْــــتِــــقْــــــــــــــلاَلِ |
يُنَادِيـــــــــــــــــــــــــنَا لِلْاسْتِقْــــــــــــــــــــــلاَلِ | لِاسْتِقْــــــــــــــــــــــــــــلاَلِ وَطَنِــــــــــــــــــــــــــنَــا |
تَضْحِيَّـــــــــــــــــــــتُـــــــنَا لِلْوَطَــــــــــــــــــــــــــــنِ | خَيْــــــــــــرٌ مِــــــــــــــــنَ الْحَيَــــــــــــــــــــــــــــــاةِ |
أُضَحــــِّــــــــــــــــــي بِحَيَــــــــــــــــاتِـــــــــــــــــــــي | وَبِــــــــــمَــــــــــــــالِي عَلَيْـــــــــــــــــــــــــــــــــــــكِ |
فهذا النَّشيد الذي ألَّفَه الشَّاعر آل خَلِيفَة بِمَعيَّة زميله يُعَدُّ أنموذجا واضحا على شَحذِ الِهمم، واستِنهاضِ العزائم، ومثالاً قوِيما به يُقْتَدَى، في درب التَّضحِية بالنَّفس والنفيس، والوطن الغالي المـفدَّى، من أجل أن تحيا الجزائر، وتُرفرِف رايتها خفَّاقةً في السَّماء. وقد كان لهذه الكلمات مفعول السِّحر في المجاهدين إبان ثَورةِ نوفمبر المجيدة، وعلى وقْعِها ازداد المجاهدون حماسًا وعزيمة، واقتحمُوا ساحة الوغى، تَحدوهُم وطنية صادقة، وعزيمة جارِفة، وشِعارُهم «النَّصرُ الأَكيد، أو الاستِشهادُ في سَبيلِ الله».
كما فجَّرَت حوادث مايُّو غضب الشَّاعر الجـَــزائري نُور الدِّين تِيضَافِي، فَنَظم على إثرها قصيدة قويَّة النَّبَرات عُنوانُها «أُغنِيَّة النَّاجِين مِن الخَطَرِ»، وفيها شَجبٌ لِعُنف المستعمر في هذا اليوم الدَّامي، الذي حمل النَّاجِين منه أمانةَ الثَّأر لإخوانهم، ومنها قوله[27]:
يَا جَــــزَائِرُ يَا ابْنَةَ كُلِّ لَفْظَــــةٍ ثَائِــــــــرَةٍ
فَسِّــــرِي لِي هَذَا الْحَــقَّ الْأَعْمَـــى، هَــذَا الْكُـــــرْهَ الْمُـــــرَوِّضَ
فَسِّـــــرِي لِي هَــــذَا الشَّــــرَّ الْعَــــــــالَمِيَّ
فَسِّــرِي لِي مُصِيبَتَنَا فِي أَنْ نَعِيشَ، وَمُصِيبَـــتَنَا فِي أَنْ نَكُـــونَ فِي الْوُجُـــودِ
يَاجَـــزَائِرُ عَلِّمِينِي الْكُـــــــرْهَ[28]
تتصاعدُ النَّبرَة الثَّورية للشَّاعر من خلال النِّداء المتكرِّر الذي يُوجِّهه للجزائر، ويصِفُها بالثائرة، ثم يتساءل عن هذا الحرمان الذي يُؤجِّج عاطفة الكُرهِ للمُستدمِر الغاشم، والعمل الشَّنيع الذي اقترفه دون وجه حق، ثم يواصل تساؤله عن المصاب الجلل الذي ألمَّ بِوطَنِه، ليعود مرَّةً أخرى لنداء الوطن، رغبة منه في إتقان كُرهِ العدو، وحمل مشاعِر البُغض له، تُجاه هذا الشَّرِّ الذي يَظهَرُ من خلال خِطابه أنَّه يتوعَّدُهُ.
وبما أنَّ الشَّاعر ذو حِسٍّ مُرهَف، فإنه كان من أول الناس شُعورًا بإرادة التَّغيِير والتطويرِ، والإفصاحِ عنهما، بِما يَتناسبُ مع هذا الانقلاب، الذي يَهزُّ أركان نَفسِهِ، وهو يَعيشُ زَخَم هذه الثَّورة، بكُلِّ حرارتِها وبكُلِّ أبعادها.[29]؛ وهو ما تجلَّى عند شاعر الثورة مُفدِي زَكَرِيَّاء في قَصيدَتِه «فلا عِزَّ حتَّى تَستَقِلَّ جَزائِر»، مُعَبِّئًا الشَّعب، ومُحفِّزًا له بالكلمة الثَّائِرة، ولم يَصِف أحد حقيقة المجُاهدِين كما وصَفَهُم بِعبارَاتٍ بديعة، بقوله:[30] [الطويل]
وَأَشْرَبْتُــــهُ حُبَّ الشَّهَــــادَةِ، فَارْتَمَـــــــــــى | عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْت ـــ تُلْــهِبُـــهُ الذِّكْـــــرَى |
وَطَالَبْتُــــــهُ بِالْمَهْـــــــــرِ، إِنْ رَامَ عِــــــــــــــــــزَّةً | فَأَسْــــرَعَ مِنْ أَرْوَاحِــــهِ، يَدْفَــــــــــعُ الْمَهْــــــــرَا |
وَلَقَّنْتُــــــــــــهُ: أَنَّ الْجِهَــــــــــــــادَ عَقِيــــــــــــــدَةٌ | طَوَى الْأَزَلُ الْعُلْوِيُّ ـــ فِي صَدْرِهَا ـــ سِـرَّا |
فالشَّاعر في هذه الأبيات يَبُثُّ الحَماس والعزيمة في الشَّعب الأبِيِّ، المتعلَّق بالشَّهادةِ حدَّ الثُّمالة؛ فيصِف اقتحامَهُ للأهوال نارًا في الهشِيم، رغم اقتِناعه أنَّ المـــَهر غالٍ غلاء هذا الوطن، فراح الشَّعب يدفعُ أعزَّ ما يملِكُ مَهرًا لِوطَنِه الحبيب الذي طالبه به الشَّاعر، ثم يَنتَقِل إلى تلقِينه دُروس التَّضحِية والكِفاح لأبناءِ الوطَن، الذِين خاضُوا المعامِع بكُلِّ شَجاعةٍ واقتِدار.
وقد ثار الجزائري، وبِثَورتِهِ هذه كانت انطلاقة أوَّل نوفمبر بردًا وسلامًا على الثائِرين، وشُؤمًا ونَحسًا على المعتدين[31]، يقول الشَّاعر
صَالح خَرْفِي:[32][الكامل]
بَايَعْــــتُ مِــنْ بَيْنِ الشُّهُــورِ (نُوفَمْبَــرَا) | وَرَفَعْــتُ مِنْـــهُ لِصَــوْتِ شَعْــــبِي مِنْــبَــــرَا |
شَهْــــــرُ الْمَوَاقِفِ وَالْبُطُـــــولَةِ قِفْ بِنَـــا | فِي مَسْمَـــــعِ الدُّنْيَــا، وَسَجِّـــلْ لِلْــــوَرَى |
فَلَأَنْتَ مَطْلَـــــــــــعُ فَجْــــــرِنَا وَزِنَادِ بُرْكَــا | نٍ، أَثْـــــــــــرَتْ كَمِـــــــــينَــــــهُ فَتَفَــــجَّـــــــــــــرَا |
يتغنَّى الشَّاعر في هذه الأبيات بِشَهر الثَّورة، ويُولِيه أهميَّة بالِغة، فَبايع نوفمبر لأنَّه شهرُ البطولات الذي سال فيه دم الشُّهداء، ورَوَّى تُرابَ أرضِنا الطَّاهرة، التي اعشَوشَبَت بُطولة وشُموخًا، كما أنَّه مصدر إلهامه؛ لأنَّه يمثِّل اليَدَ الأولى التي ضَغطَت على زِناد القَدَر، لتتفجَّرَ العزائم، والمنعرج الحاسم في تاريخ الثورة الذي غيَّر مَجرى الحَياة.
أما الشَّاعر مُحمَّد صَالح بَاوِيَة فيقول في قصيدته «الثائر»:[33][الرمل]
يَاجُنُــونَ الثَّـــــــــوْرَةِ الْحَمْـــــــرَاءِ يَجْتَـــــاحُ كَيَــــــــانِي، وَمغَـــــارَاتِ رُبُــــــــــــوعِي
يرسُم الشَّاعر لنا صورة بديعةً من خلال هذا البيت الشعري؛ إذ يجعل الثَّورةَ جُنونًا يجتاحُ جَسدَه، ويسكُن جوارِحَه، ويستَقِرُّ في أضلاعهِ، ومن ثَمَّ تَنتَشِر العدوى إلى كافَّة رُبوعِ الوطنِ الحبِيب، فنحنُ إزاءَ ثورتَينِ، إحداهُما ثورةٌ يُوقِّعُ الرَّصاصُ أحداثَها وتَسقِيها الدِّماء الطَّاهِرات، وأخرى تَعصِفُ بِكِيَّان الشَّاعِر وتَجتاحُهُ، لِتُصبِح مُلهِمَةً له.
أما الشَّاعر عَبد الرَّحمَن الزَّنَاتِي فيقول عن الثورة:[34][البسيطـ]
فِي كُـــــلِّ يَـــــوْمٍ ثَــــوْرَةٌ لِلثَّـــــــــار | فِي أَرْضِــــــنَا كَالـــــرَّعْدِ كَالْإِعْــــــــصَار |
فِي كُــــــلِّ يَوْمٍ ثَــــوْرَةٌ وَقَـــــــــادَة | تَرْمِي الطُّغَـــــــاةَ بِأَسْهُــــمٍ مِنْ نَـــــــــــار |
يظهرُ من خلال هذين البَيتَينِ تَغنِّي الشَّاعر بالثورة، مُؤكِّدا استمرارِيَّتها في أرضنا سائر الأيام، ويُحاول تجسيد عُنفِها، وشِدَّة لَظاها، الذي يُشاكِل الأعاصِير والعواصِف؛ لِينتَقِل إلى إظهارِ صلاَبة الثُّــــوَّار والقادة المــُحنَّكِين، الذين يُنكِّلون بالمعتدين، ويضرِبُونَهم بكفٍّ من حديد، لِيُذِيقُوهُم الويلات والنَّكسات.
وبِمُلاحظةٍ عابِرة على القصيدة الوطنيَّةِ، نَجِد دعوةً مُبكِّرة إلى الجهاد والثَّورة على فرنسا؛ وقد أَجهَد الشُّعراء أنفسهم على توظيف شِعرهم في سبيل الدَّعوةِ إلى الجهاد، وتَحريكِ النُّفوسِ، وحَثِّها على الثَّورةِ على الظُّلم الاستعماري الغاشِم، وتحقيق الاستقلال لِلوُصول إلى عيشِ الحُرّية والكرامة.[35]، يقول الشَّاعر:[الخفيف]
قَــاوِم الظُّلْـمَ يَا أَخِي وَاطْـــرَحِ التَّعَـسُّفَ | وَالـــــــذُّلَّ عَنْــــكَ عِبْـــــــئًا ثَقِيــــــــــــلاً |
مُـــتْ غَـــــــزَالاً وَلاَ تَمُــتْ يَا أَخِـــي شَــــاةً | عَلَى الْخَسْفِ مُوَثِّـــــقًا مَكْبُــــــــولاً |
وَاحْـــــيَ نَسْـــــــــــرًا وَلاَ تَعِـــــشْ دِيكًــــــــــــــــــا | وَلاَ تَرْضَ أَنْ تَكُــــــونَ ذَلِيـــــــــلاً[36] |
تبدو من خلال هذه الأبيات الدَّعوة الصَّريحة إلى الثَّــورة ، واقتِحام المخاطر والأهوال، وذلك بِتَكرار أفعال الأمر(قَاوِمْ، مُتْ، أحْيَ)، كذلك استِخدام أُسلوب النَّهي (لا تَرضَ)، التي تُوجِّه الثَّائر، وتدعُوه إلى الشَّجاعةِ والنِّضال، كما يُظهِر الشَّاعر حَثَّهُ لإخوانِه المجاهدين على مُقاومة الجـُـورِ، الذي جَثَم على الصُّدورِ مُدَّةً طويلة؛ وعدم الخضُوعِ، والخنُوعِ، والاستِكانةِ، والانقيَّادِ، والصَّغارِ، داعِيًّا إلى ضرورة خلعِ القُيودِ والنُّهوض، والعَيشِ كالَّنسرِ فوق القِمَّة الشَّمَّاء، رافِظا كُلَّ أشكالِ الذُّلِّ والهَـــوان.
والشَّاعر ابنُ رَحْمُون لا يترُكُ مناسبَةً، أيًّا كانت تَفُوتُه حتى يُفجِّر في الناس قُنبُلَتَه المختَزِنَة- الدَّعوَة إِلى الجِهَاد والثَّورة- ؛ إذ كلَّما سَمِع بجبهة حرة قد تشكَّلت رافِضةً واقِع الاستعمار المــُــزري، إلا غنَّى فيها ولها أغنية، داعِيا بكل صراحة إلى الثَّورة والجِهاد، وبناء وطن حُرٍّ مُستَقِل، فاسمع إليه وهو يُغرِّدُ كالبُلبُلِ بمناسبة إنشاء (الجَبهَة الجـَــزائِريَّة للدِّفاعِ عن الحـُـــرِّية).[37]يقول:[مجزوء الكامل]
اِرْفَــــعْ لِـــــوَاءَ الْفَاتِحِيـــــــن | وَاهْتِـــفْ بِعَــــــزْمِ الْمُؤْمِنِيـــــــن |
لِتَسُـــــدْ بِــــــلاَدِي وَلْنُعِـــــدْ | مَجْــــدَ الْجُــــــدُودِ الْأَوَّلِيـــــــن |
جَدِّدْ جِهَـــــادَكَ يَا أَخِـــي | مِنْ جَبْـهَةِ الشَّعْبِ الْأَمِيـــن |
بَزَغْتَ صَبَــــاحًا بَاسِـــــمًا | فِي الشَّعْبِ وَضَّاحَ الْجَبِيـن |
فالشَّاعر يُظهر نظرة تفاؤلِيَّة لغدٍ مُشرق؛ إذ يدعو إلى السَّير على خطى الأوائل والتَّأسِّي بهم، وبِمَنهَجِهم المستَبِين، لِتعُود بلادنا إلى كامل أيام زَهوتِهَا، وهذا لن يتأتّى لها إلا بِمُضاعفة الجهود النِّضالية، التي تُستَمَدُّ من هذه الجبهة، التي يُرَى فيها الخلاص، والرامية إلى التنديد بأشكال القمع المـــُـسلَّط على الشَّعب.
أما الشَّاعر مُفدِي زَكَرِيَّاء فيرى أن الشَّعب لم يتحرَّك إلاَّ بعد أن انتظر أمر الله في مُشكِلة حُرِّيته؛ فجاء أمرُه، وأمرُهُ الحقُّ، ولَبَّى دعوة المظلُومِ، لأنَّ الله لا يُحِبُّ الظُّلم، وعليه فأمرُ الشَّعب أمرُ الله،[38] يقول:[39][المتقارب]
وَقَـــالَ لَهُ الشَّعْـبُ: أَمْـــــــــرَكَ رَبِّــــــي! | وَقَــــالَ لَهُ الرَّبُّ: أَمْــــــــرُكَ أَمْــــــرِي!! |
فالشَّاعر يُبيِّنُ استِجابة الشَّعب لِقَدَر خالِقه، عندما اندلعت نيران الحرب، وكان المجاهدون لا يُقْدِمون على عمل إلا ولفظ «الله أكبر»؛ يُدوِّي بينهم، يحدُوهم إيمانٌ بٍالله كبيٌر، فاستجاب لهم وسدَّد خُطاهم، وسهَّل لهم سُبُل التَّفوُّق على أعتى القوى الاستعمارية أنذاك.
وهكذا نجد الثَّورة الجزائرية في شِعر مُفْدِي زَكَرِيَّاء ثَورةً قويَّةً عاتِيَّةً، لكِنَّها تستَمِدُّ قُوَّتَها من الاتكال على الله لا من التَّـواكُل، تَستَمِدُّ قُوَّتها من إيمانها بعداله الله، وقُدرتِه على تحقيق النَّصر لمن يشاء.[40]
وعن صُمود المقاومين وصلابة قُوَّتِهم، وبَسالتِهم في ساحات الوغى يقول مُفْدِي زَكَرِيَّاء:[41][المتقارب]
فَمَــــا انْكَفَــــأَتْ ثَــــــوْرَةٌ فِي السُّهُـــــــــو | لِ، وَلاَ انْطَفَــــــأَتْ ثَـــــوْرَةٌ فِي الْجِبَــــــــــــــــــالِ |
وَلَــــــــــمْ يُحْـــــــــــــنِ أَوْرَاسُ هَــــامَـــــتَــــــــــهُ | وَلاَ هَــــــدَأَتْ عَاصِفَـــــــاتُ الرِّمَــــــــــــــــــــــــــــــــالِ |
وَلاَ اسْتَـــــسْلَمَتْ جُـــــرْجُــــــــرَا لِلْمُغِـــيـــــرِ، وَلاَ أَوْهَــــــــــنَ الْعَـــــزْمَ طُـــــــــــولُ النَّكَـــــــــــــالِ |
يُقِرُّ الشَّاعر بحقيقة واضحة وهي أن ثورات الجزائر عَبر تارِيخها الحافل ما تراجَعَت، وما عادت للوراء؛ سواء في سُهولِها، أو صحارِيها، أو وِهادِها، أو هِضابِها، أو جِبالها، كما يذكُر جبل الأَوْرَاس الأشَم الذي كان مَعقِل الثَّورة مُنذ ميلادِها، ولم يَرضَخ لِلحصار الذي طالَه، واستَمرَّ زئير أُسودِهِ يُسمَعُ في كل ناحيَّةٍ، وكذا جَبل جُرْجُرَة الشَّامِخ الذي كان حْصنًا لِلثُّــوَّار، ولم تُضعِفهُ الضَّربات المتتالِيَّة وظلَّ صابرًا صامدا.
يُمكِنُنا القول إنَّ الشِّعر الجـــزائري الناطِق بالفُصحى قد سار جميعًا هذه المسِيرة في الدَّعوة إلى المقاومة؛ من خلال شكلٍ تقلِيديِّ يتغنَّى بالجِهاد والنِّضالِ، ويدعو إلى وِحدة الجزائر، ثم يواكب الأحداث السِّياسيَّة، ويتَّخذ منها منبرا لدعوته، كما ظلَّ مع ذلك سِجِلاًّ للنِّضال الجزائري، الذي عاش في أعماق التُّربة الجزائِرية مُصفَّدًا بأغلالِ القَهر، فهو يتتبَّع الغزو الفرنسي، ويُعلِّق عليه، ويَلهجُ بالانتصارات، ويرثِي الهــزائِم.[42]، أي أنَّ الشِّعر الفصيح قد كان جنبًا إلى جنبٍ مع المقاومة، ومع الأحداث النِّضالِية يُسايرُها، ويدعو إلى حَتمِيَّة الثورة على الغاصِبين، وكان بذلك الكِتاب الذي يُدوَّن فيه التاريخ الحافل لثورتنا المباركة.
ولم تكن الدعوة إلى الثورة والجهاد مُقتَصِرة على السِّلاح فقط، بل هناك ضروب أخرى، ووسائلَ لا تَقِلُّ عن السِّلاح، إنَّها الكلمة على اختلاف مُستَوياتها، والرأي والمشُورَة.[43]، يقولُ الشَّاعر ابن رحمون:[44][البسيط]
جَاهِدْ بِرَأْيِكَ مَا اسْطَعْتَ الْجِهَـــــــــــادَ وَلاَ | تَحْفُلْ بِبُعْـــــــدِ الْوَنَــى وَالتَّقْيِيـــلِ وَالرَّيْــبِ |
فَإِنَّمَــــــــا الْكَسَـــــــــــــلُ الْعَقْلِــــــــــيُّ آفَتُــــــــــــــــــهُ | أَشَــــــــــدُّ مِنْ شَـــــلَلِ الْأَعْضَــــــــاءِ وَالرُّكَــبِ |
أَلاَ تَـــــــــرَى الْكَسَــــــلَ الْعَقْلِــــــيَّ صَاحِبُـــــــــهُ | يَفِـــــــــــرُّ مِنَ ثَمَـــــــرَاتِ الْجِــــدِّ وَالتَّعَـــــــــــبِ |
يدعُو الشَّاعر من خلال هذه الأبيات إلى ضرورة الجِهاد بشتَّى الوسائل، كما يُبيِّن أنَّ القَلَم لا يَقِلُّ دَورُه وتأثيره في تحريك العواطف، وشحذِ الِهمم، وبَعثِ الحَماسِ، إضافةً إلى أنه يُحذِّرُ من الكسلِ، وما سَينجَرُّ عنه من عواقبَ وخيمةٍ على الفرد والمجتمع.
ويقول الشَّاعر مُحمَّد العِيد آل خَلِيفَة في هذا الصَّدَد:[45][البسيط]
أُسَالِمُ النَّاسَ فِي عَيْشِي فَإِنْ عَمِــدُوا | إِلَى خِصَامِي فَسَيْفِي: الشِّعْـــــــــرُ وَالْأَدَبُ |
وَإِنْ دَعَـــانِي قَــــــوْمِي أَنْ أُنَاصِــــــــــرَهُمْ | فَعُدَّتِي فِي انْتِصَارِي: الشِّعْـــــــــــرُ وَالْأَدَبُ |
فالشَّاعر يُبيِّنُ وسيلتَينِ هامَّتينِ بالنِّسبة إليه وهما الشِّعر والأدب، يلتجِئ إليهما إذا دخل في مِراء مع بعض الفئة من الناس، كما يَلُوذُ إليهما إذا دعاه غَيرُه إلى طلب المعونة؛ وهذا يدل على تعلُّقِ الشَّاعر الكبير بالبَيانِ، وبلِيغ النَّظم، والقوافِي، وتطوِيعِهما في كثير من المواضيعِ التي يُعايِشُها.
كما تَميَّز الشُّعراء الجزائريون في القرن العشرين بِوَفرَة شِعرهم ذو الموضوعات الكثيرة المتعدِّدة، والقضايا المختلفة، وبِنِضَالِه، وصِدق لَهجَتِه، وإخلاصه لِقضيَّتِه، وللقضايا التي تناولها، والموضوعات التي كُتب فيها باختلاف في الأهميَّة بينها.[46]
ويُعَد مُحمَّد العِيد آل خَلِيفَة وهو من الشُّعراء الذين مَكَّنُوا لِدَورِ الشِّعرِ نِضالِيًا في حركة النَّهضة العربيَّة الحَديِثَة، كما كان صوتا مُتَميِّزا في مسيرة الحركة الشِّعرية في (الجزائر)[47]، يقول:[48][البسيط]
شَعْـــبُ الْجَــــــــزَائِرِ كُلُّــــــــهُ أَبْطَالُــــــــهَـــــــا | مِنْ حَـــارِثٍ فِيهَـــــــا وَمِــنْ هَمَّـــــــــامِ |
إِنَّ الْجـَــــــــزَائِرَ أَصْبَحَـــــتْ بِجِهَادِهَــــــا | تَغْزُو الْبِــلاَدَ بِصَيْتِـــــهَا الْمُتَــــرَامِــي |
فَاسْأَلْ (نُوفَمْبَـــــرَ) عَنْ بَنِيـــهَـــا إِنـَّــــــــــهُ | أَدْرَى بِثَـــــــوْرَتِهــِـــــمْ عَلَـــــــى الْأَرْوَامِ |
قَـــدْ دَكَّ فَاتِحَــــــــهُ الْمَعَــــاقِـــلَ فَاتِحًــــــا | فَغَـــــــــــدَا بِذَلِكَ غُــــــــــــرَّةَ الْأَيَّـــــــــــــامِ |
وَاذْكُرْ بِــ (بَاتِنَةَ) الْفِدَى الْمَأْثُــورَ عَنْ | ثُـــــــوَّارِ (أَوْرَاسَ) الرَّفِيـــــــــعِ الْهَـــــــامِ |
فقد أراد الشَّاعر من خلال هذه المقطوعة الشِّعرية البديعة أن يُبيِّن بُطولة الشَّعب الجـَــزائِري الأبِيِّ، ويُعمِّمَها على سائر طبقات المجتمع، ثم يذكُر قِصة جِهاد الأباة التي أصبَحَت مَضْرِبًا لِلمَثلِ، وذاع صَيتُها في كلِّ الآفاق، ذاكرا غُرَّة «نُوفَمبَر» شهر الثورة والبطولة، الذي هبَّ فيه أشبال الثَّورة كما البركان لِيشعِلوها نارًا عارِمة، ثم يُعرِّجُ على الأوراس الأشَمِّ عرين الأسود، وثوَّاره البواسل، الذين ضربوا أروع معاني الفداء.
ويُذكِّر مُفْدِي زَكَرِيَّاء الاحتلال الفرنسي بِكلمات يُظهِر فيها نَبرةَ التَّحدِّي، والذَّود عن الوطن الغالي مَهما تراكَمَت السُّنُون، في مشارق الوطن ومغاربه، يقول:[49][المتقارب]
بَلَى…يَا فِــرَنْسِـــيسُ، هَذَا الْحِمَــى | صَنَـــــعْــــنَا سِيَـــــــــادَتَــــهُ بِالـدِّمَــــــــــــا |
بَلَــــوْنَا السِّنِــــينَ الطِّـــــــوَالَ جِهَــــــادًا | تُبَارِكُــــــنَا مُعْــجِـــــــــزَاتُ السَّمَــــــــا |
مَضَــــــتْ مَائـَـــــةٌ وَثَـــلاَثُـــــونَ عَـــامًــــــــا | نَـــــــذُودُ وَنَأْنَـــــــفُ أَنْ نُهْـــــــــــزَمَـــــا |
صَعَـدْنَا نُقَـــــــاوِمُ شَـــــــــرْقًا وَغَــــــــرْبًـــــا | وَنَجْعَـــــــــــلُ أَرْوَاحَـــــــــنَا سُلَّــــــمَـــــــا |
فالشَّاعر يُخاطِب الاستِدمار بِلهجَة تَفيضُ ثِقةً بالنَّفسِ، ويُذكِّرُه بأنَّ أرضنا الطَّيِّبة صُغنَا حُرِّيتها بدماء الشهداء الطاهرة؛ وذلك عَبْر سلسلة طويلة من المقاومات، وكان الطريق فيها شاقا نحو النصر، من 1830م إلى 1962م، في مختلف ربوع القطر الجزائري، بِهَدف واحد هو الاستشهاد في سبيل الله لِيحيَا الوطن، جاعِلين أرواح من استشهد سُلَّمًا نَرقى به إلى الحرية، التي لا تُدقُّ أبوابُها إلا بِأيادٍ مُضرَّجةٍ بالدِّماء.
وقد كان الشِّعر سلاحا قوميًّا فاعلا لإفرازات شخصِيَّة؛ والشَّاعر مجاهدا بإيمانه، وفِكرهِ، وموقِفهِ، وروحهِ في صَمتِ الواثِقين العاملين، لا دجَّالاً انتهازِيًّا مُرتَزقا، يُتاجِر بالشِّعارات وبالمواقِف، ويتلوَّنُ مع كلِّ وضعٍ وظَرفٍ، يقول مُحمَّد اللّقاني بن السَّائِح[50]:[البسيط]
بَنِي الْجَــــزَائِرِ هَذَا الْمَوْتُ يَكْفِيــــــــنَا | لَقَدْ غُلَّتْ بِحَبْلِ الْجَهْـــــلِ أَيْدِينَــــــا |
بَنِي الْجَــــــزَائِرِ هَذَا الْفَقْــــرُ أَفْقَدَنَــــــــا | كُلَّ اللَّذَائِــــذِ حِينًــــا يَقْتَفِـــي حِينَــــا |
مُدُّوا يَدَيْكُــــــــــمْ فَهَا كَفِّـــي لِنَتَّحِـــــــــدَ | إِنَّ التَّفَـــــــرُّقَ يَا لَلْعَــــــــارِ يُؤْذِينَـــــــــــــا |
هَيَّا نَــــــؤُمُّ زُلاَلَ الْعِلْـــــــــــمِ نَشْرُبُـــــــــــــــهُ | فَالْجَهْـــلُ يَقْتُلُـــنَا وَالْعِلْـــمُ يُحْيِينَـــــا |
يَبدُو من خلال هذه الأبيات أن الشَّاعر ضاق ذِرعًا ببعض الأوضاع التي كانت سائدة آنذاك؛ فها هو يُخاطِب أبناء جِلدَته، ويُخبِرُهم أنَّ حَبل الجَهلِ يُطوِّقُهم، ويُفْلِتُ منهم كلَّ الأشياء الجميلة، ثم يَحُثُّهم على الاعتصام والوحدة، لأنَّ التَّشتُّت خِزيٌ ومهانة، وسُلوكٌ مُشِين، وكلُّ هذا النُّهوض لن يتأتَّى إلا بالعِلم الذي يُحيي أُممًا قَتلَها الجَهل.
وصَوَّر مُفدِي زكَرِيَّاء الثَّورة وأظهَرَها على أنَّها رسالة أزليَّة، جعل منها بُؤرَةَ تَلاقٍ مع الثَّورة على هذا المستوى (الأزَلِيَّة)، وجعل الثَّورَة كذلك (ضَمِير الشَّعب) وصوابه؛ حيث الضَّميرُ في الحقيقة يردَعُ عن فعل الخطأ، ويحاسِب صاحِبَه ويُؤنِّبُه، و(الصَّواب) يعني الابتِعادَ عن الخطأ واتِّباع السبيل الأقوَمِ والأصحِّ، فأصبحت الكلمتان/ضَمِير وصَوَاب/ تتماثَلانِ مع الثَّورة، وتتفاعَلانِ معها، لِكَون الضَّمير والصَّواب يَسعَيان إلى سعادة الإنسان، والثَّورة تَجعَلُه يرتاح من الاستبداد والذُّلِّ الذي يرفُضُه، لِتتحقَّقَ له السَّعادةُ المنشُودةُ.[51]
ويقول في أبياتٍ من قَصيدَةِ (وَتَعَطَّلَت لُغَةُ الكَلاَمِ):[52][الكامل]
يَا ثَــوْرَةَ التَّحْرِيــــــــرِ، أَنْتِ رِسَـــــــالَــةٌ | أَزَلِيَّـــــةٌ، إِعْجَــــــــــازُهَا، الْإِلْهَـــــــــــــــامُ |
الشَّعْبُ، أَنْتِ ضَمِيـرُهُ، وَصَــوَابُـــهُ | وَالْجَيْشُ، أَنْتِ دِمَـــاغُهُ الْعَـــــــلاَّمُ |
ضَــــاقَ الْخِنَاقُ عَلَى دُعَاءِ هَزِيمَةٍ | زَلَّتْ بِهِـــــمْ فِي الثَّــــوْرَةِ الْأَقْـــــدَامُ |
وَلَقَدْ بَهَرْتِ الْعَالَمِيــــنَ وَطَـأْطَـأَتْ | يَا ثَــــوْرَةَ التَّحْرِيــــــرِ دُونَكِ هَــــــــامُ |
يُوجِّه الشَّاعرُ خِطابَه إلى الثَّورة المباركة، ويَصِفُها بالرِّسالة الضَّارِبة جذورُها في القِدَمِ، ويَربِطُها بالشَّعب والجيشِ؛ باعتبار أنَّهُما اللَّذان يُوقِدانِ جَذوَتَها، ويُؤجِّجَان نارها ولهيبها، ويُشَدِّدانِ الخِناق على الطَّائفة المتخاذِلة، بل يَدوسونَهم بِنِعالهم، ماضين في عَزمِهِم لأجل النصر، مُسجَّلِين أروع مشاهد البطولة والنَّصر المؤزَّر، ما جعل الثَّورة الجزائرية مَضرِبَ الـمَثَل في كامل أصقاعِ الدُّنيا.
كما التزم الشَّاعِر بالتَّغنِّي بِثَورةِ بَلدِه، ونشر أخبارها في العالمَ كُلِّه، ليعرِف حقيقَتَها، ويُخلِّد أعمالها ونضالها، هذا الإعلام كان منحوتًا من نبضاتِ الثُّوار، ومُلوَّنًا بِلَونِ دِمائِهم؛ إشارةً بهذا إلى قُوة تصويرِ هذه الثَّورة، المنبعث من قوة نِضالها، والتلميحِ أيضا إلى صِدق التَّعبيرِ وتَقدِيمِه للكون.[53]، يقول[54]:[الكامل]
غَـَنَّــى بِثَـــوْرَتِهَـــا الرَّهِـيبَــــــــةِ، شَاعِــــــــــرٌ | وَشَـدَّ يُخَلِّدُ فِي الْعُـصُـــورِ، قِتَالَهَـــا |
وَاشْـتَـــقَّ مِنْ نَبَضَــاتِـــــهَــــــــا، أَوْزَانَــــــــــهُ | وَاخْتَــارَ مِنْ لَـوْنِ الدِّمَاءِ، جَمَــالَهَـا |
صَهِــــــرَتْهُ آلاَمُ الْجَــــــــزَائِرِ، فَانْبَـــــرَى | يَخْتَــــطُّ مِـنْ آلاَمِـــــــــهِ أَشْكَالَهَــــــــــــــــا |
تَبدُو بِوُضوحٍ في هذه الأبيات نَزعَةُ الفَخرِ عند الشَّاعر، فَيصِف الثَّورة التحريرية بالمفزِعة والمرعِبة، ويتغنَّى بِملاحِمِها النِّضالية، التي جعَلَت قَلَمه يخطُّ أحلى الأشعار، مُستمدا جَمَالها من لون الدِّماء، ومن آلامها ومآسيها أروع الموضوعات والألحان، المرتبطة بوقائع الثَّورة.
أما الشَّاعر عَبد السَّلاَم حَبِيب فقد اهتزَّ لِبطولة الفِدائيِّ (مُحمَّد بن الصَّادِق) الذي قَتل الخائِن (علي شكال)؛ اغتاله في قلب فرنسا، وهو بجوار رئيس الجمهورية الفرنسية (المسيو كُوتِي)، فقال قصيدة بعنوان (مَصرَعُ خَائِن)، قَصيدةُ تُعتَبَر من الشِّعرِ الثَّوريِّ الحديث، الشِّعر الحر، وهي مليئة بشُحنات وطاقاتٍ تعبيرية مُوحِية[55]، يقول:[الرجز]
خُذْهَـا وَدَمْــدَمَ مِنْ مُسَدَّسِهِ رَصَــــاص
خُذْهَـــا فَـقَدْ حَــــانَ الْقِصَـــاص
الْـوَيْــلُ لَكَ يَا خَائِــنَ الشَّعْـــبِ الْجَــــــرِيحِ
لَنْ أَسْتَــرِيحَ..حَـتَّى تَمُـــوتَ
سَأَقْـتُلُكَ..بِاسْـــمِ الْـوَطَــنِ..بِـاسْـمِ الْجِــرَاحِ الرَّاعِــفَةِ
بِاسْمِ الْجَـــزَائِرِ وَالنِّضَـــالِ..خُذْهَا رَصَاصَـــةَ ثاَئِـــــــر[56]
يبدو من خلال هذه المقطوعة غضب الشّاعر وحَنَقُه على هذا الغادِر الذي أدار ظهره لوطنه، ويصِف بطولة المجاهد الأبي الذي رماه برصاصة فأصابت منه مقتلا، ثم يُعبِّر عن غيظِه الكبير تُجاه المتخاذلين الذين يخونون الوطن والشعب، ويتوعَّدُهم بالويل، لأجل الجِراح النازِفة التي تسبَّبُوا فيها، ولأجل الجزائر التي طعنوها من الخَلفِ.
وفي مَوضِع آخر يَعِد الشَّاعر وطنه بالثَّأرِ له ولأهله على اختلاف شرائِحِهم، وعدم السكوت على ما نَهجَتهُ فرنسا يقول مُفْدِي زكرياء:[57][الطويل]
بِــلاَدِي يَمِيــــــــنًا بِالــــــذِي شَــــــرَعَ الْفِـــــــــــــــدَآ | وَبِالْجَيْشِ، فِي السَّاحَاتِ، يَسْتَرْخِصُ الْعُـمْــــرَا |
وَ(بِالْخَمْسَةِ الْأَحْرَارِ) تُخْطَفُ فِي السَّمَــــآ | وَيَحْجُــزُهُمْ فِي السِّجْــنِ، جَــلاَّدُهُـــــمْ أَسْــــــــــرَى |
وَحَـقِّ(الْجَمِيــلاَتِ الثَّـــلاَثِ)[58]وَبِالتِـــــــــــــــــــــي | أَجَابَتْ، فَرَاحَتْ لِلْفِــــدَآ، تَهْــجُـــــرُ الْخِــــــــــــــدْرَا |
سَنَثْــأَرُ! حَتَّـــــى يَعْـلَــــــمَ الْكَـــــــــــــوْنُ أَنَّنَـــــــــــــــــا | أَرَدْنَــا – فَأَرْغَمْـــنَـــــا- بِإِصْـــــــــــرَارِنَا الــدَّهْــــــــــــرَا.. |
يخاطِبُ الشَّاعر في هذه الأبيات وَطَنَه الحبيب، ويُقسِم بمن شرع الكفاح، وبالجيش الذي وَهَب حياتَه في ساحة الوغى، كما أنه يَستحضِر الأحرار الخَمسَة، وحادثة اختِطافِ الطائرة التي كانت تُقِلُّهُم من المغرب الأقصى في 22 أكتوبر 1956م، ثم يُعَرِّجُ على جَميلاتِ الجزائر، وَيُشيدُ بِدَورِ المرأة الجزائرية البُطولي في الثَّــورة المظفَّرَة، ثم يختِم هذه الأبيات بِلهجَة يُظهِر فيها تَحدِّي العدو، ويَعِده بالثأر، وعدم الاستسلام، حتى يتحرَّر الشَّعب، ويَنعَمَ بالحرية.
ونَجِد عند مُحمَّد الصَّالَح بَاوِية أيضا ذِكرًا لمشاركة المرأة في الثَّــورة مُتمَثِّلة في والدتِهِ، يقول:[59][الرمل]
أَقْسَمَتْ أُمِّي بِقَيْدِي، بِجُرُوحِي، سَوْفَ لاَ تَمْسَحُ مِنْ عَيْنِي دُمُوعِي
أَقْسَمَتْ أَنْ تَمْسَـــــــحَ الرَّشَّاشَ وَالْمِدْفَــــعَ وَالْجُــــرْحَ بِمِنْدِيلِ دُمُـــــوعِي
أَقْسَمَتْ أَنْ تَغْسِــــــلَ الْجُـــــــرْحَ وَتَغْـــدُو شُعْلَةً تُضْـــــرِمُ أَحْقَادَ الْجُمُــوعِ
يُواصِل الشَّاعر في هذه الأبيات رَسمَ صُورِ البطولة التي تُسجِّلها والِدتُه، مُتمَثِّلة في عاطفة الأمومة الحانِية، وهي تواجِه موقف الدَّمار، والخراب، والرَّشَّاش، عندما قرَّرَت أن لا تُكَفكِف دموع فَلذَة كَبِدها، لما سَينجَرُّ عن هذا الموقف من ضعفٍ، وإقرارٍ بالهزيمة واليأس، بل ستجعل فِعل المسح لِغرض آخر وهو (مَسْحُ السِّلاحِ)، وكُلُّ ما من شأنه أن يَتَّخِذَه ابنُها لِلدِّفاعِ عن وطنه، فكانت تدفع بأبنائِها إلى ساحات الوغى، وتُحمِّسُهُم لِلثورة، كما أقسَمَت أن لا تتوانى هي الأخرى من أجل نُصرَةِ وطنها، بكل ما أوتِيت من جهد
لِتَنضَمَّ إلى صُفوفِ المناضِلات مُقتَحِمة الأهوال فِداءً للجـــزائــــر.
وهذا الشَّاعر مُحمَّد الهـَـادِي السَّنُوسِي الزَّاهِـــرِي، يُسجِّل لنا في قصيدته «الثَّائِرْ»، موقف الأب الذي فرض عليه الواجب والواقِع الثَّورِيُّ أن يترُك زوجته، وأولادَه، يُعانون ظروفَ الحربِ، ويَلتحِقَ بصفوف المجاهدين، لأنَّ نِداء الوطن قبل كلِّ شيئٍ[60]، ويُصوِّرُ لنا هذا الموقف في قوله[61]:[الكامل]
وَترَكْتُــــهَا تَحْسُـــو الْأَسَــى فِي صِبْيَــةٍ | زُغْــبِ الْحَـــــــوَاصِلِ صِرْنَ كَالْأَيْتَـــــــامِ |
وَصَـــرَخْتُ فِي وَجْهِ الْحَلِيلَةِ قَائِــــلاً: | الْمَـوْتُ أَوْلَـــى بِـي مِنْ اسْتِــسْلاَمِــــــي |
لاَ الْأُمُّ تُثْـــنِيــــنِي وَحَسْبُــــــكَ أَنَّـــــــــــهَا | أُمٌّ، وَلاَ الْأَبُ، أَوْ ذُو الْأَرْحَـــــــــــــــــــامِ |
مَا صِبْيَـــتِي؟ مَاعِـــــــزَّتِي؟ إِنْ لَمْ أَذُدْ | عَنْهُــمْ بِخَافِــــقِ مُهْجَتِــــي وَحُسَــامِي |
يُجسِّد الشَّاعر من خلال هذه الأبيات صورة في غاية الإبداعِ؛ إذ الزَّوجَة صابِرةُ، مُحتَمِلةٌ، مُتفَهِّمةٌ، زَوجَها الذي سيُغادِر المنزل، ليلتَحِق بِرفاق الكفاحِ، ورغم محاولاتِ الأمِّ المتتالِية وتوسُّلِها المتكرِّر، رجاءَ العُدولِ عن رأيه، صمَّمَ، ومَضَى في عَزمِه، لا خوف من الموت، ولا مُبالٍ بالاستسلام، ولو كان أي أحد في مكانِها من أقربائِه، لما استطاع أن يجعله يتراجع عن أداء واجِبهِ المقدَّس.
وهذا الشَّاعر مُحمُّد العِيد الذي رافق شِعر النَّهضة الجـــزَائِرية في جميع مراحلها، وقد ظلَّ مُلتزِما ووفِيًّا لقضايا عصره ومُجتَمعِه، فهاهو يُسجِّل في قصيدته «ثَوْرَةُ بِنْتِ الجَــزَائِر»، صُورا من بطولة المرأة الجزائــرية وإسهامِها في الِجهاد[62]، يقول[63]:[الخفيف]
قَدْ سَبَقْـنَ الرِّجَالَ فِي الْبَـأْسِ صَبْـرًا | وَتَحَــــــــــمَّلْــــنَ فِتْنَــــــــةَ الْأَضْـــــــــــــــــــدَادِ |
كـَـــمْ غَدَوْنـَــا إِلَى جَــــــــــرِيحِ طَرِيــــــحٍ | فَأَسَــــــــــــوْنَا جِـــــــــــــرَاحَهُ بِالضِّمَـــــــــــــادِ |
وَاتَّخَـــــــذْنَا مِنَ الرَّصَـــــــاصِ عُقُــــــودًا | وَانْتَطَــــقْــــــنَا بِهِ عَلَــــــــــى الْأَكْبَــــــــــــــادِ |
فَإِذَا جِنْسُــــــنَا اللَّطِيـــــــــفُ عَنِيـــــــــفٌ | وَشَـــــــــرِيفٌ فِـــــي سَاحَــــةِ الْأَمْجَــــادِ |
يُعزِّزُ الشَّاعر في هذه المقطوعة ماقامت به المرأة الجزائرية وهي تُغذِّي الكِفاح الثَّورِيَّ المسلَّح، فلم تَقِف مَكتُوفَة اليَدينِ، بل سارعَت واستَبقَت الكثير من الرجال في أداء واجِبِها الوطني؛ فَطُورًا تَعتَني بالجريح مُضمِّدةً جِراحاتِه النَّازِفة، وطُورًا تَحمِل الرشَّاش، وتُدافِع عن وطَنِها الأَبيِّ، ضَارِبة أَروعَ مشاهِد التَّضحِيَّة والبُطولة في ميدانِ الشَّرفِ.
أما الشَّاعر صَالَح خَبَّاشَة فَينقُل لنا خلال قصيدته «اللَّبُؤَةُ الجَزَائِرِيَّة»، سنة 1957م، جوانبَ أخرى من صورة المجاهدة وهي تمارِس مُختلَف الأعمال في الجَبَل[64]، يقول[65]:[الكامل]
بِنْتُ الْجَـــزَائِرِ – وَالنِّضَــــالُ يَهُـــــزُّهَا – | تَاقَتْ إِلَى خَــــوْضِ الْغِمَـــــارِ الدَّامِــــــــــــي |
شَقَّتْ إِلَى الْجَبَــــــلِ الأَشَـــمِّ مَسَالِكًــــــــا | مَسْـــــــدُودَةً فِي أَوْجُــــــــــــهِ الْأَخْصَـــــــــــــــامِ |
لَقَدِ انْتَطَقْــــــــــنَا وَمَا انْتَطَقْــــــــــنَ بِفِضَّــــــــةٍ | فَسَبَائِكُ (الْخَـــــرْطُوشِ) خَيْــرُ حِــــــــــــزَامِ |
وَلَهَــــــا يَــــــدٌ لَمَّــــــــاعَــــــةٌ، لاَ بِالسِّــــــــــــــــــــوَا | رِ، وَإِنَّــــــمـَــــا بِمُسَـــــــــــدَّسٍ رَجَّــــــــــــــــــــــــــــامِ |
وَالْكَـــــــفُّ مِنْــــــــهَا تَنْكـُـــــرُ الْحِـــــنَّا وَقَــــدْ | أَلِفَ خِضَــــــــــابَ الــــــــدَّمِ كَالْأَقْــــــــــــــــدَامِ |
يُبيِّن الشَّاعر في هذه المقطوعة الكثير من الصِّفات التي تحلَّت بها المرأة الجزائِــريَّة المقاومة، التَّواقة إلى خوض تجربة النِّضالِ، السَّاعِية لاقتحامِ الهيجاء، وهي واثِقَة الخُطى في الِجبال، غير مبالية بالخطر الدَّاهِم؛ مُتَجرِّدة من كلِّ حُلِيِّها وزِينَتِها، مُستَبدِلَة حِزامَها بالخراطيش، وكَفُّها مُخضَّبٌ بِالدَّمِ لا بالِحنَّاء، تَصولُ وتَجولُ في ساحة الوغى كاللَّبؤة الهَصورةِ، لكنها كالملاك مع الجريحِ في المعركة، وهذا إن دلَّ على شيئٍ إنَّما يدلُّ على دور المرأة الصَّامِدة في الحرب، ورُوحِها الثَّائرَةِ، ومُشاركَتِها المشرِّفَة المكلَّلةِ بالنَّجاحِ.
كما أنَّ السِّجن لم يَفُتْ في عَضُد مُفدِي زَكَرِيَّاء، فمِن غياهِبه أرسلَ نَشِيدَهُ الدَّاوِي «اعصِفِي يا رِيَّاح»، الذي أصبح أثناء الثورة التَّحرِيرية نَشيدًا يُردِّدُهُ الشُّهداء عندما يُواجِهون الـمِقصَلَة.[66]، يقول:[67][مجزوء الرمل]
اَعْصِفِــــــــــي يَارِيـَّــــــــــــــاحْ | وَاقْصِفِــــــــــــــي يَارُعُــــــــــــــــــودْ |
وَاثْخَـــــــــــنِي يَاجِـــــــــرَاحْ | وَاحْدِقِـــــــــــــــــي يَا قُيُــــــــــــودْ |
نَحْــــــــــنُ قَــــوْمٌ أُبَــــــــــــاةْ | |
لَيْسَ فِيـــــــنَا جَبَــــــــــــانْ | |
قَدْ سَئِمْــــنَا الْحَيَـــــــــاةْ | |
فِي الشَّقَا وَالْهَــــــــوَانْ | |
لاَ نَمَــــــــــلُّ الْكِفَـــــــــــــــاحْ | لاَ نَمَـــــــــلُّ الْجِهَـــــــــــــــــــــادْ |
فِي سَبِـــيلِ الْبِــــــــــــــــــلاَدِ |
يلجَأُ الشَّاعر في بداية قصيدته لاستعمال العَصفِ والقَصفِ اللَّذانِ يُثِيرانِ الهَلَع والرُّعبَ في قَلبِ المستَدمِر، ويَحمِلان معنى التَّحدِّي المستَمِر، والوُقُوف النِّد لِلنِّد؛ مادام هناك الكثير من المخلِصين، الأُباة، الصَّنادِيد، الذين عافوا حياة الذُّل والإذعانِ والصَّغار، ثُم يُكرِّر لفظة (لاَ نَمَلُّ)، لِلتَّعبِير عن إِيمان الجزائِري، وإظهارِ رُوحِه الثورية النِّضالِية التي لا يَتخلَّى عنها، فِداءً لِوطنه، وَلو كَلَّفَه ذلك حياتَهُ.
أما الشَّاعِر حَمُّــود رَمضَان فقد حثَّ الشَّعب أن يُطالب بِحقِّه المهضُومِ، وأوضَحَ له طريقَ الدَّعوةِ، ويَرسُمُ له سبيل العَمَل، إيَّاه أن يُطالِب بِحَقِّهِ بِعُنفٍ وشِدَّةٍ، بل بِكياسَةٍ وسِلمٍ وعَملٍ[68]، يقول[69]:[الرمل]
وَانْشِـدِ الْحَـــــقَّ وَطَــــالِبْ مَاتَـــــرَى | فِيـــــهِ خَيْــــــــــــرا لِبَنِـــــيكَ النُّبَـــــــــلاَ |
لاَ بِسِلْـــــــــــمٍ وَهُـــــــدُوءٍ وَهُــــــــــــدَى | وَبِعِـلْــــــــمٍ وَنَشَـــــــــــــاطٍ وَذَكَــــــــــــاء |
انْظُـــــرُوا الْغَــــرْبَ بِعِلْـــــمٍ مَا بَنَـــــــى | مِنْ قُصُـــــورٍ شَامِخَاتٍ لِلْعُـــــــــلاَ |
مَـــــلَكَ الدُّنْـــــــــيَا وَمَا يَتْبَــــعُــــــــــــــــــهَا | مِنْ تُــــــــرَابٍ وَمِيَــــــــــاهٍ وَهَـــــــــــوَاء |
يَدعُو الشَّاعر من خلال هذه الأبيات الشَّعبَ إلى عدم السُّكوتِ على مطالبه التي يَستَحِقُّها، وبُيِّنُ له المسعى الذي يُخَوِّلُ له كَسبَها، مُستَخدِمًا أفعال الأمر (انْشِد، طَالِب، انظُرُوا)، لأنَّه في مَقام نُصحٍ وتَوجيهٍ؛ كما بَيَّن أنَّ الطريقة الـمُثلى للوصول إلى ذلك تَستوجِب التَّأنِّي، والرّويّة، مؤكّدًا أنَّ الفِطنَة والعِلمَ أحسنُ وسيلة تَضمنُ لهم ذلك، مُستَشهِدا أنَّ الغَرب ما بَنَى، وشَيَّد، وتقدَّم، وتَسيَّدَ العَالمَ، وأَمسكَ بِزمامِ الأمُور، إلاَّ لأنَّه اهتَمَّ بالعِلم والمعــرِفَة.
الخاتمة:
وخُلاصة القول التي يُمكن أن نَخرُج بها من هذا البحث نوجزها في النقاط الآتية:
- إنَّ الأدب العربي لم يعرف هذا الجِدال النَّظري حول علاقة الشِّعر بالتاريخ إلا في العصور الإسلامية المتأخِّرة، وقد جسَّد الشِّعر هذه العلاقة في أشعار الجاهليِّين التي خلَّدت أيَّام العرب.
- إنَّ العلاقة التي تربط الشعر والأدب بالتاريخ تبدو علاقة مُعقَّدَة؛ فالشِّعر يبدأ من التاريخ لِيتماشى معه، ولا ينتهي بانتهاء حقبة تاريخية ما، كما ينبغي ألا يكون الصدق الفني ذريعة للتَّنصُّل من الصِّدق التاريِخِي.
- إنَّ أَرِسْطُو في كتابه «فَنُّ الشِّعرِ» حاول رَصْدَ هذه العلاقة بين الشِّعر والتَّارِيخ، وانتصر للشِّعر؛ مُعتَبِرا إيَّاه أكثَرَ فلسفيَّةً من التاريخ، مُؤكِّدا أنَّ ما يفرِّق هذين الخطابين أن التاريخ يحكي فقط ما حدث، أما الشعر فيحكي ما يمكن أن يحدث، وبذلك فالشِّعر يحكي العام، في حين التَّاريخ يقتَصِر على الخاص، إضافة إلى أن نَسجِ الحَدَث هو ما يسعى إليه كِليهما.
- تَحدَّث شُعراء الجزائر عن ثورة نُوفمبَر الخالدة، ذلك الحَدث العظيم، وقد أَضفَت على ألفاظ قصائِدهم كُلَّ معاني القداسة، كما تناولوا كثيرا من الوقائع والأحداث التي عَرَفها نِضال الشَّعب الجزائري، وجسَّدُوه في أشعار بديعة.
- عَنِيَّ شعـــراء الثورة على بساطة اللُّغة، وعَفوِيَّتِها رغم ما بها من رَنِين، وأنِين الألفاظ المنمَّقَة، وأسلوب الخَطابَة المباشر، كما توسَّلُوا من خلال قصائِدِهم إِسماعَ صداها للعالمَ أجمع، فَحرِصوا على تسجيل تلك الصُّوَر البطولية، الممزوجة بالشَّهامة، مُعتمِدين على براعَتِهم في التَّصوِير، وتَخيُّرِ المعاني الدَّقِيقة، والألفاظ الجيِّدَة.
- نجاحُ العملِية الشِّعرية وهي تَستَنجِد بالتارِيخ كَرمزٍ كَبيرٍ يتوقَّف على مدى تحكُّم الشَّاعِر في لُغتِه وقاموسِه الشِّعرِيِّ؛ فالشَّاعر عندما يُوظِّف إحدى الشَّخصياتِ التُّراثِية في قصيدتِه فهو يُحاول التوفيق بين الخِطابين الشِّعري والتارِيخي.
- عَظمةُ ثورة التحرير تُعد مَحطَّةً من محطَّات الإبداع الشِّعرِيِّ، ومَنبَعًا اغتَرَف مِنها الشُّعراء أجمل المواضِيعِ، وأحلى الصُّوَر النِّضالِيَّة التي تُعدُّ سِجلا تاريخيا هاما، يبعث على بثِّ الروح الوطنية، وتقوِيَّتِها، وغَرسِ عاطفة حُبِّ الوطن في نفوس الناشئة.
- كانت ثورة الفاتح من نوفمبر حَدَثا بارزا ساهم في تغيير حياة الشَّعبِ لجزائري، والتأثِير في مَسارِ الطريق النِّضالِيِّ، وقد تجاوَبَت معه كل الشرائح في المجتمع، خاصة الشُّعراء الذين تَغنُّوا ببطولات الثوَّار، وبِما صَنَعه الرِّجال الأحرار.
- يَحمِل الشِّعر الثَّورِيُّ للقارئ مَتعَتَينِ، أما أولاهما: فهي مُتعَةُ الشِّعر بِموسِيقاه، وأخيِلَتِه، وتَصوِيرِه، وأما الثَّانِية فهي مُتعَة موضوع الثورة وما يَحمِلُهُ من روعة الأحداث والوقائعِ وهَولِهَا، ورَوعَتِها، التي تَجسَّدَت في وُجدانِ نُفوسِ الشَّعب الجــــزَائِري.
قَائِمَة المَصادِر والمَراجِع:
أ/ الدواوين:
01 محمد العيد آل خليفة: الديوان، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، 2010.
02 مفدي زكرياء (شاعر الثورة): إلياذة الجزائر، طبعة خاصة بالذكرى الخمسين للثورة المجيدة، إعداد وتوثيق وتقديم: محمد عيسى وموسى، مراجعة: محمد بن سمينة، مؤسسة مفدي زكرياء الثقافية، الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، المحمدية، الجزائر، 2004.
03 مفدي زكرياء: اللهب المقدس، موفم للنشر، الجزائر، (د.ط)، 2012.
04 صالح خرفي: الديوان، الشركة الوطية للنشر والتوزيع، الجزائر، 1982.
ب/ الكتب:
05 محمد عيسى وموسى: كلمات مفدي زكريا في ذاكرة الصحافة الوطنية، مؤسسة مفدي زكريا، طبع على نفقة وزارة المجاهدين، الجزائر، 2003.
06 إبراهيم خليل: مقاربات في نظرية الأدب ونظرية اللغة، دار الرشيد الجزائرية للتوزيع، طبع بدعم من وزارة الثقافة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، (د.ط)، (د.ت)، عمان، الأردن.
07 بلقاسم بن عبد الله: الأدب الجزائري وملحمة الثورة، منشورات الحضارة، بئر التوتة، الجزائر، ط2، 2013.
08 نور سلمان: الأدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير، دار العلم للملايين، مؤسسة ثقافية للتأليف والترجمة والنشر، بيروت، لبنان، (د.ط)، (د.ت)، ص284.
09 أبو القاسم سعد الله: دراسات في الأدب الجزائري الحديث، منشورات دار الآداب، بيروت، ط1، 1966.
10 حسين خمري، فضاء التخيل (مقاربات في الرواية)، منشورات الاختلاف، ط1، 2002، الجزائر.
11 أوريدة عبود: قراءة في قصيدة نوفمبر لصالح خرفي، الملتقى الوطني حول: الأناشيد الوطنية ودورها التعبوي خلال الثورة، ج2، مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 15- 16ماي 2013.
12 باديس لهويمل: دور الأناشيد الوطنية إبان الثورة التحريرية في شحذ الهمم واستنهاض العزائم (دراسة وصفية لنماذج من شعر مفدي زكرياء، ومحمد العيد آل خليفة)، الملتقى الوطني حول: الأناشيد الوطنية ودورها التعبوي خلال الثورة، ج1، مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 15- 16ماي 2013.
13 التواتي بومهلة: نماذج من الثورة في النص الشعري، دار المعرفة، الجزائر، د.ط، 2012.
14 خزعل الماجدي: العقل الشعري، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، سورية، ط1، 2011.
15 عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، قيم جيدة للأدب العربي القديم و المعاصر، ط2، مكتبة الدراسات الأدبية، دار المعارف، ط1، القاهرة، (د.ت).
16 عبدالعزيز شرف: المقاومة في الأدب الجزائري المعاصر، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991.
17 عبدالله الركيبي: دراسات في الشعر العربي الجزائري الحديث، تقديم: صالح جودت، المؤسسة المصرية العامة للأنباء والنشر والتوزيع، الدار القومية للطباعة والنشر، (د.ط)، (د.ت).
18 عمر بن قينة: الخطاب القومي في الثقافة الجزائرية (دراسة)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999.
19 عمرأحمد بوقرورة: دراسات في الشعر الجزائري المعاصر (الشعر وسياق المتغير الحضاري)، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، (د.ط)، 2004.
20 محمد الطمار: تاريخ الأدب الجزائري، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، (د.ط)، (د.ت).
21 محمد بن قاسم ناصر بوحجام: دراسات عن مفدي زكرياء (شاعر الثورة الجزائرية)، مؤسسة مفدي زكرياء، منشورات ألفا، ط1، الجزائر، 2018.
22 محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث (اتجاهاته وخصائصه الفنية 1925- 1975)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 2006.
23 محمد ناصر: مفدي زكريا، شاعر النضال والثورة (دراسة ونصوص)، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وحدة الرغاية، الجزائر، 1989.
24 نوارة ولد أحمد: شعرية القصيدة الثورية في اللهب المقدس، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، (د.مكان.ن)، (د.ت).
ج/ المجلات والدوريات:
25 أحمد رحماني: لغة القوة في شعر مفدي زكرياء، مجلة الضاد، العددان6-7، إصدار معهد الآداب واللغة العربية، قسنطينة، 1983.
26 كمال عجالي: الدعوة إلى الثورة والجهاد في شعر ابن رحمون، مجلة الثقافة، العدد104، السنة التاسعة عشرة، الجزائر، 1994.
27 كمال عجالي: من ملامح القصيدة الوطنية في الشعر الجزائري الحديث منذ 1930 إلى 1954، مجلة المعارف، العدد01، تصدرها دوريا الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة، أنجز تصفيفه بمطبعة عمار قرفي، باتنة، 1993.
28 هامل بن عيسى: قراءة سيميائية في ديوان محمد الشبوكي (أنشودة جزائرنا أنموذجا)، مجلة الدراسات الإسلامية، العدد17، منشورات المجلس الإسلامي الأعلى، الجزائر، 2018، ص101.
29 يمينة بشي: صور وعِبَر…في شعر نوفمبر لجهاد المرأة الجزائرية ضد المستعمر، مجلة المصادر، العدد05، الأبيار، الجزائر، 2001.
د/ الأطروحات:
30 حبيب دحو نعيمة: شعرية الخطاب الثوري عند محمد بلقاسم خمار، إشراف: برونة محمد، بحث مقدم لنيل شهادة الماجيستير، جامعة وهران، 2012- 2013.
[1] محمد عيسى وموسى: كلمات مفدي زكرياء في ذاكرة الصحافة الوطنية، مؤسسة مفدي زكريا، طبع على نفقة وزارة المجاهدين، الجزائر، 2003، ص118.
[2] إبراهيم خليل: مقاربات في نظرية الأدب ونظرية اللغة، دار الرشيد الجزائرية للتوزيع، طبع بدعم من وزارة الثقافة، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، (د.ط)، (د.ت)، ص ص169- 170.
[3] كلمات مفدي زكريا، ص118.
[4] بلقاسم بن عبد الله، الأدب الجزائري وملحمة الثورة، منشورات الحضارة، بئر التوتة، الجزائر، ط2، 2013، ص50.
[5] حبيب دحو نعيمة: شعرية الخطاب الثوري عند محمد بلقاسم خمار، إشراف: برونة محمد، بحث مقدم لنيل شهادة الماجيستير، جامعة وهران، 2012- 2013، ص149.
[6] نور سلمان: الأدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير، دار العلم للملايين، مؤسسة ثقافية للتأليف والترجمة والنشر، بيروت، لبنان، (د.ط)، (د.ت)، ص284.
[7] ينظر: هامل بن عيسى: قراءة سيميائية في ديوان محمد الشبوكي (أنشودة جزائرنا أنموذجا)، مجلة الدراسات الإسلامية، العدد17، منشورات المجلس الإسلامي الأعلى، الجزائر، 2018، ص101.
[8] أبو القاسم سعد الله: دراسات في الأدب الجزائري الحديث، منشورات دار الآداب، بيروت، ط1، 1966، ص69.
[9] إبراهيم خليل: مقاربات في نظرية الأدب ونظرية اللغة، المرجع السابق، ص174.
[10] الأدب الجزائري وملحمة الثورة، المرجع السابق، ص117.
[11] محمد عيسى وموسى: كلمات مفدي زكريا، المرجع السابق، ص78.
[12] المرجع نفسه، ص77.
[13] حسين خمري: فضاء المتخيل (مقاربات في الرواية)، منشورات الاختلاف، الجزائر، ط1، 2002، ص79.
[14] عمرأحمد بوقرورة: دراسات في الشعر الجزائري المعاصر (الشعر وسياق المتغير الحضاري)، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، (د.ط)، 2004، ص71.
[15] المرجع نفسه، ص64.
[16] محمد عيسى وموسى: كلمات مفدي زكريا، المرجع السابق، ص76.
[17] خزعل الماجدي: العقل الشعري، النايا للدراسات والنشر والتوزيع، دمشق، سورية، ط1، 2011، ص154.
[18] حسين خمري: فضاء المتخيِّل، المرجع السابق، ص79.
[19] كلمات مفدي زكرياء، ص76.
[20] المرجع نفسه، ص76.
[21] محمد عيسى وموسى: كلمات مفدي زكرياء، المرجع السابق، ص76.
[22] المرجع نفسه، ص76.
[23] عبدالعزيز شرف: المقاومة في الأدب الجزائري المعاصر، دار الجيل، بيروت، ط1، 1991، ص53.
[24] عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ: قيم جيدة للأدب العربي القديم و المعاصر، مكتبة الدراسات الأدبية، دار المعارف، ط2، القاهرة، (د.ت)، ص162.
[25] نور سلمان: الأدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير، المرجع السابق، ص235.
[26] باديس لهويمل: دور الأناشيد الوطنية إبان الثورة التحريرية في شحذ الهمم واستنهاض العزائم (دراسة وصفية لنماذج من شعر مفدي زكرياء، ومحمد العيد آل خليفة)، الملتقى الوطني حول: الأناشيد الوطنية ودورها التعبوي خلال الثورة، ج1، مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 15- 16ماي 2013، ص48.
[27] الأدب الجزائري في رحاب الرفض والتحرير، ص ص235- 236.
[28] المرجع نفسه، ص236.
[29] محمد ناصر: الشعر الجزائري الحديث (اتجاهاته وخصائصه الفنية 1925- 1975)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط2، 2006، ص155.
[30] مفدي زكرياء: اللهب المقدس، موفم للنشر، الجزائر، (د.ط)، 2012، ص ص256-257.
[31] أوريدة عبود: قراءة في قصيدة نوفمبر لصالح خرفي، الملتقى الوطني حول: الأناشيد الوطنية ودورها التعبوي خلال الثورة، ج2، مخبر الممارسات اللغوية في الجزائر، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 15- 16ماي 2013، ص739.
[32] صالح خرفي: الديوان، الشركة الوطية للنشر والتوزيع، الجزائر، (د.ط)، 1982، ص169.
[33] أبو القاسم سعد الله: دراسات في الأدب الجزائري الحديث، المرجع السابق، ص ص43-44.
[34] المرجع نفسه، ص44.
[35] كمال عجالي: من ملامح القصيدة الوطنية في الشعر الجزائري الحديث (منذ 1930 إلى 1954)، مجلة المعارف، العدد01، تصدرها دوريا الرابطة الجزائرية للفكر والثقافة، أنجز تصفيفه بمطبعة عمار قرفي، باتنة، 1993، ص51.
[36] المرجع نفسه، ص51.
[37] كمال عجالي: الدعوة إلى الثورة والجهاد في شعر ابن رحمون، مجلة الثقافة، العدد104، السنة التاسعة عشرة، الجزائر، 1994، ص202.
[38] أحمد رحماني: لغة القوة في شعر مفدي زكرياء، مجلة الضاد، العددان6-7، إصدار معهد الآداب واللغة العربية، قسنطينة، 1983، ص21.
[39] مفدي زكرياء (شاعر الثورة): إلياذة الجزائر، طبعة خاصة بالذكرى الخمسين للثورة المجيدة، إعداد وتوثيق وتقديم: محمد عيسى وموسى، مراجعة: محمد بن سمينة، مؤسسة مفدي زكرياء الثقافية، الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، المحمدية، الجزائر، 2004، ص100.
[40] أحمد رحماني: لغة القوة في شعر مفدي زكرياء، المرجع السابق، ص21.
[41] مفدي زكرياء: إلياذة الجزائر، ص90
[42] ينظر: عبدالعزيز شرف: المقاومة في الأدب الجزائري المعاصر، المرجع السابق، ص42.
[43] كمال عجالي: من ملامح القصيدة الوطنية في الشعر الجزائري الحديث، المرجع السابق، ص52.
[44] كمال عجالي: الدعوة إلى الثورة والجهاد في شعر ابن رحمون، المرجع السابق، ص199.
[45] محمد العيد آل خليفة: الديوان، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، 2010، ص50.
[46] التواتي بومهلة: نماذج من الثورة في النص الشعري، دار المعرفة، الجزائر، (د.ط)، 2012، ص32.
[47] عمر بن قينة: الخطاب القومي في الثقافة الجزائرية (دراسة)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1999، ص52.
[48] آل خليفة: الديوان، ص ص221-222.
[49] مفدي زكرياء: إلياذة الجزائر، ص83.
[50] التواتي بومهلة: نماذج من الثورة في النص الشعري، المرجع السابق، ص30.
[51] نوارة ولد أحمد: شعرية القصيدة الثورية في اللهب المقدس، دار الأمل للطباعة والنشر والتوزيع، (د.م.ن)، (د.ط)، (د.ت)، ص100.
[52] مفدي زكرياء: اللهب المقدس، المصدر السابق، ص44.
[53] محمد بن قاسم ناصر بوحجام: دراسات عن مفدي زكرياء (شاعر الثورة الجزائرية)، مؤسسة مفدي زكرياء، منشورات ألفا، ط1، الجزائر، 2018، ص124.
[54] اللهب المقدس، ص114.
[55] ينظر: عبدالله الركيبي: دراسات في الشعر العربي الجزائري الحديث، تقديم: صالح جودت، المؤسسة المصرية العامة للأنباء والنشر والتوزيع، الدار القومية للطباعة والنشر، (د.ط)، (د.ت)، ص.70
[56] المرجع نفسه، ص70.
[57] مفدي زكرياء: اللهب المقدس، المصدر السابق، ص ص، 263، 264.
[58] الجميلات اللاتي قصدهن الشاعر هن المحكوم عليهن بالإعدام: جميلة بوحيرد، جميلة بوعزة، جميلة بوباشة، وقد سجلن أروع البطولات في التضحية، وأحسن مثال عن مشاركة المرأة في الثورة المباركة.
[59] أبوالقاسم سعد الله: دراسات في الأدب الجزائري الحديث، المرجع السابق، ص44.
[60] يمينة بشي: صور وعِبَر…في شعر نوفمبر لجهاد المرأة الجزائرية ضد المستعمر، مجلة المصادر، العدد05، الأبيار، الجزائر، 2001، ص98.
[61] المرجع نفسه، ص98.
[62] يمينة بشي: صور وعِبَر…في شعر نوفمبر ، المرجع السابق، ص87.
[63] آل خليفة: الديوان، المصدر السابق، ص ص392-393.
[64] يمينة بشي: صور وعِبَر، ص90.
[65] المرجع نفسه، ص91.
[66] محمد ناصر: مفدي زكريا، شاعر النضال والثورة (دراسة ونصوص)، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية، وحدة الرغاية، الجزائر، 1989، ص50.
[67] اللهب المقدس، ص73.
[68] محمد الطمار: تاريخ الأدب الجزائري، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، (د.ط)، (د.ت)، ص289.
[69] ينظر: المرجع نفسه، ص289.