الدور العسكري والترفيهي للحصان في بلاد المغرب القديم
The military and recreational role of the horse in the ancient Maghreb
د.حسيبة باحمان/جامعة أحمد دراية أدرار، الجزائر
Dr.Hassiba Bahmane, University of Ahmed DraiaAdrar, Algeria
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 85 الصفحة 53.
Abstract:
The archaeological and material sources give us many images of the lobby horse in different positions as an indication of the status of this animal, which was the focus of attention of the inhabitants of the Ancient Maghreb country, especially during the time of the kings of Numidia (Massinissa, Macibsa).Those who cared about his upbringing, made sure that his offspring survived and increased his numbers, as they were keen to teach their sons equestrian from a young age as a symbol of personal strength and social status, because of his importance in their military, economic and daily life, especially since the region was a vital area of being part of the Mediterranean Basin, which had experienced many wars, and where they had adopted the cavalry division in wartime and had won several victories. And in Peacetime was a tool for picnics and self-recreation in the race fields (circus).
Keywords: Horse, ancient Maghreb, War, Numedia.
ملخص:
تُخلد لنا المصادر الأثرية والمادية العديد من الصور التي تخصُ الحصان اللوبي وفي وضعيات مختلفة كدلالة على المكانة التي حظي بها هذا الحيوان الذي كان محط اهتمام لدى المغاربة القدماء (اللوبيين) خاصة في عهد ملوك نوميديا (ماسينيسا، مكيبسا…) الذين اهتموا بتربيته وحرصوا على بقاء نسله وزيادة أعداده كما كانوا حريصين على تعليم أبنائهم الفروسية منذ الصغر كرمز من رموز القوة الشخصية والمكانة الاجتماعية، لما له من أهمية في حياتهم العسكرية والاقتصادية واليومية، خصوصاً أن المنطقة كانت مجالاً حيوياً كونها تنتمي إلى حوض البحر الأبيض المتوسط الذي شهدت ضفتيه الشمالية والجنوبية حروباً عديدة،حيث كان التَّعويلُ على فرقة الفرسان في زمن الحرب سبباً في تحقيق العديد من الانتصارات والتحالفات، وفي زمن السلم كان حاضرا في مجال التجارة، وأداة للنزهة والترفيه عن النفس في ميادين السباق (السيرك).
الكلمات المفتاحية: الحصان، بلاد المغرب القديم، الحرب، نوميديا.
مقدمة:
يرتبط ذكر الثروة الحيوانية في بلاد المغرب القديم عادة بالزراعة باعتبار الأولى ملازمة للثانية وعنصر من عناصرها، غير أن تسليط الضوء على العنصر الحيواني بمعزل عن العمومية يكسب الموضوع شيء من الجِدة، بل ويجعل الباحث ينظر إليها من جوانب مختلفة بعيدة عن الكلاسيكية المرتبطة بالحياة الاقتصادية وحسب، ومن هذا المنطلق حاولت في هذه الورقة البحثية تسليط الضوء على إحدى الكائنات الحيوانية التي كانت لها مكانة بارزة في تاريخ المغرب القديم، بل واحتلت المرتبة الأولى من حيث الاهتمام والاعتناء بها عند المغاربة القدماء ملوكاً وعامة لما كان لها من دور ريادي في الجانب العسكري، خاصة إذا عرفنا أن المنطقة كانت محطة صراع بين العديد من القوى الخارجية سواء التي اتسمت بالسلمية أو التي اصطبغت بالصبغة الاحتلالية وهي الخيول اللوبية، وهذا ما يجعل ذكرها حاضراً في الكثير من المصادر والمراجع التي تتناول التاريخ العسكري لبلاد المغرب القديم ومنها كتاب تاريخ استيفان قزال “تاريخ شمال إفريقيا القديم”، ولتبسيط الفهم وزعت معارف هذا المقال وفق مجموعة من العناصر وهي:
- الخيول اللوبية من خلال النقوش الصخرية والمصادر الأدبية.
- مواصفات الحصان اللوبي.
- اهتمام المغاربة القدماء بتربية الخيول.
- الدور العسكري للحصان اللوبي القديم.
- الدور الترفيهي للخيول اللوبية.
وقد انتهجت في تصفيفها وتجميعها على المنهج التاريخي الوصفي الملائم لمثل هذه المواضيع.
الخيول اللوبية من خلال النقوش الصخرية والمصادر الأدبية:
تحتفظ لنا النقوش الصخرية في وادي تماجرت وجبال تاكوكاس ووادي جرات بالتاسيلي ناجر والفزان والأطلس الأعلى وموريتانيا وبعض الجهات الصحراوية بصور للخيول اللوبية وهي تجر العربات وفي حالة ركض وفي أخرى ظهرت مجموعة من الأحصنة مع أسد كدلالة على أن الإنسان اللوبي القديم قد استعمله في تنقلاته[1]، غير أننا لا نعرف متى وكيف بدأ الإنسان المغاربي القديم استئناس الحيوانات، لكن الأكيد أنه استأنسها في مرحلة قديمة جداً [2].
وقد تحدثت المصادر الأدبية عن وجود الأحصنة بأعداد كثيرة ببلاد المغرب القديم فذكر المؤرخ الإغريقي بوليب أثناء حديثة عن خيرات بلاد ليبيا “إن إفريقيا بلد مثير للإعجاب ولا يوجد لها مثيل في العالم، فهي مليئة بالكثير من الخيول والثيران والأغنام والماعز وسكانها يتغذون على حيواناتهم بشكل أساسي…”[3]، كما تحدث هيرودوت عن قبيلة الجرامنت وهي قبيلة لوبية رعوية امتلك شعبها حيوانات كثيرة منها المواشي والحمير التي استعملوها كوسيلة نقل رئيسية قبل ظهور الخيول التي استخدمت في جر العربات التي تقودها أربعة خيول وقد استعملها الجرمنتيون لمطاردة الاثيوبيين[4]لما تميز به هؤلاء الأخيرين من سرعة في المشي، ويضيف هيرودوت في موضع آخر أن الجرمنتيون هم من علموا الإغريق استعمال العربة ولذلك استعملوها في سباقاتهم وكانوا ماهرين في ذلك للغاية[5]، ويشير سليوس ايطاليكوس إلى قبيلة لوبية كان نساؤها يقدن العربات الحربية وهي قبيلة الأسبت[6].
وعن دخول الحصان إلى بلاد المغرب القديم تذكر الأستاذة فتيحة فرحاتي أن الحصان كان آخر حيوان أليف دخل من جهة الشرق خلال الألف الثانية قبل الميلاد في نفس الوقت الذي عَرف فيه سكان بلاد المغرب القديم العربات والمعادن، لذا فأول صورة له ترجع إلى تلك الصور التي تحتفظ لنا بها الطبيعة على صخور التاسيلي والأهقار.
أما عن بداية استخدامه كوسيلة للتنقل وجر العربات فتشير النقوش أنها كانت منذ القرن الرابع قبل الميلاد[7]، ويذهب فريق آخر إلى القول بمحلية الحصان البربري وأصالته ببلاد المغرب القديم وأنه ظهر منذ بداية الفترة التاريخية وهو ما تؤكده النقوش الصخرية[8].
مواصفات الحصان اللوبي:
تذكر الروايات التاريخية أن الحصان اللوبي كان قبيح المنظر فرأسه قوي وجبهته منتفخة وخده قوي وشفتاه رقيقتان وفمه صغير وأذناه مستقيمتان وخط عنقه مستدير وواسع ورجله جيدة ، ويبلغ ارتفاع كاحله حوالي 1.50م ، ولونه في الغالب رمادي وهو بذلك يعكس المظهر العام لحيوان قوي ولكنه غير جميل[9].
وفي بعض الحالات ظهر ذو عضلات هزيلة وعنق ثخين وقوائم قصيرة وخاصرتان عريضتان وجبهة بارزة وهي خصائص تتناسب حسب غزال وسلالة الحصان البربري الذي تنتمي إليه الخيول النوميدية[10] وأقرب السلالات للحصان النوميدي هي سلالة دونغولا (Dongola) التي توجد قرب نهر النيل السوداني اليوم[11] .
وفي الغالب ظهر الحصان اللوبي في حالة الركض فكان في حالة تأهب دائم مما يجعلنا نصفه بالحيوية والنشاط[12]، إضافة إلى ذلك تميزه بالصبر وتحمله للعطش والجوع والتعب، وأكل العشب كما كان لا يشرب إلا نادراً وترويضه سهل ويمكن للأطفال أن يمتطوه بسهولة[13]، وقد ذكرت الروايات التاريخية أن ماسينيسا كان يركب حصانه دون سرج رغم أنه كان في سن الثامنة والثمانين (88سنة) من عمره[14].
اهتمام المغاربة القدماء بتربية الخيول:
أولى اللوبيون اهتماماً بليغاً بتربية الأحصنة ، فكانوا يخصصون له يوماً خاصاً لغرض التعشير ويحضره الإقليد ذاته وذلك لأجل الحفاظ على نسلها وزيادة أعددها، فأغاثوكليس لما مر بجيوشه مخترقاً بلاد لوبا ذكر أن مراعيها كانت ممتلئة بالخيول، ومن مظاهر اهتمام النوميديين بالخيول ذكر لويس لاكروا أنهم كانوا يفردون لكل حصان اسم خاض به كالمحظوظ والمحبوب وغيرها كما كانت تدفن في مقابر خاصة بها، وربما كانوا يميزون بعضها عن الأخرى بتعليق التمائم في رِقابها[15] .
وتذكر المصادر التاريخية أن الأقاليد النوميديون كانوا يخصصون يوماً سنوياً لإحصاء المِهار التي كانت تبلغ في معظم الأحيان مائة ألف[16]، كما كانت مدينة سيرتا لوحدها في عهد ماسينيسا تستطيع تجهيز عشرة آلاف( 10.000 ) فارس وهي رهن إشارة الملك في أي وقت[17].
ولما كانت ممارسة الفروسية عادة معروفة عند اللوبيين وأن التدريب على امتطائها كان يتم منذ الصِغر فقد جاء في المصادر التاريخية أنهم كانوا متمرسين في ركوبها بدون سرج وأنهم يكتفون بشدها بواسطة حبل صغير فقط قصد توجيهها[18]، ونظراً لحاجة الملوك لها وارتباطها بالحياة اليومية للوبيين في أوقات الصيد والحرب فقد ظهرت صور الحصان على عملات الملوك النوميديون كسيفاكس وابنه فرمينا وماسينيسا وأحفاده ومنهم غلوسة وأذربعل وهيمصال الأول والثاني(أنظر الصورة 1) [19] بوضعيات متنوعة أكثرها يظهر في حالة العدو، وقد تظهر صورة حصانين معاً على عملة واحدة كتلك التي عُثر عليها بروسيكاد محفوظة بمتحف سيرتا بقسنطينة[20].
الصورة 1: عملة الاقليد هيمصال الثاني ويظهر على أحد وجهيها الحصان في حالة عدو.
Falbe (C.T), J. Chr. Lindberg, L.Muller Numismatique de L’Ancienne Afrique, Les Monnaies de la Numidie et la Mauritanie, Copenhague, 1862, p38.
الدور العسكري للحصان اللوبي القديم:
تشهد الأثار المصرية ومنها تلك التي بمدينة هابو أن اللوبيين استخدموا في هجماتهم على مصر الفرعونية الأحصنة إذ تشير النقائش المصرية بها أن الفرعون رمسيس الثالث كان قد غنم من حربه الثانية ضد القبائل اللوبية بزعامة المشوش 184حصان استعملت لجر حوالي 92عربة مما يعني أن زَوج من الخيول كان يستعمل لجر كل واحدة (النوع المزدوج )[21]أي أن الخيول اللوبية كانت تستعمل كوسيلة حربية منذ ذلك الوقت.
كما تشهد النصوص المصدرية أن القرطاجيين أيضاً تفطنوا إلى دورها الحربي فاستعانوا بالخيالة النوميديون الذين جُبلوا على امتطائها وترويضها وشكلوا منهم فرقاً خاصة ظهرت مع القائد القرطاجي حنبعل حروبه ضد روما[22] في سنة 202ق.م حيث ضم إلى صفه حوالي ألف فارس نوميدي، وأربعة آلاف أخرى انضمت إليه فيما بعد ، وفي عام 150ق.م كان إلى جانب أسدروبال حوالي ستة آلاف فارس نوميدي ممن تمردوا عن ماسينيسا المتحالف مع روما[23]، كما ذكر ديودور الصقلي أن الاغريقيون بقيادة أغاثوكليس استعملوا العربات اللوبية في حروبهم ضد قرطاجة وربما كانت تحت قيادة اللوبيين ، ويضيف في مكان آخر أن اللوبيين كانوا يشكلون فرقة المشاة والفرسان وبأعداد كثيرة كانت تقدر بحوالي ثمانين ألف في الجيش القرطاجي[24].
وفي الحروب البونيقية كانت فرق الفرسان النوميديون حاضرة وبقوة سواء التي كانت تحت إمرة سيفاكس حليف القرطاجيين أو التي كانت تحت تصرف ماسينيسا المتحالف مع روما وفي ذلك يذكر أبيان أن الرومان اضطروا في حروبهم ضد القرطاجيين في إسبانيا وإفريقيا إلى تجنيد عشرة آلاف من المشاة وسبعمائة من الفرسان تم نقلهم على متن ستون سفينة وكان من ضمنهم النوميديون[25].
وقد استمر دعم النوميديين للرومان طيلة فترة حكم ماسينيسا واستمر بصفة وراثية في أحفاده حتى يوغرطة الذي خرج عن السياق معلناً الثورة ضد روما، ومما توثقه النصوص التاريخية أنه أرسل للإغريق خلال حرب مقدونيا عدد معتبر من الخيول النوميدية (ألف فارس)، وفي سنة 200ق.م أرسل لروما فرقة أخرى تتكون من ألف فارس لمشاركتها في حربها ضد الملك فيليب المقدوني، ومائتي فرس أُخرى عام 198ق.م وحوالي خمسمائة فرس في سنة 191ق.م لتعزيز صفوف الجيش الإغريقي الذي كان يحارب أنتيوشوس ملك السلوقيين، وألف أخرى تحت قيادة إبنه ميزاجين (Misagene) لمساعدة القوات الإغريقية في حربها ضد برسيس (Perses) ابن فيليب الخامس ملك مقدونيا سنة 171ق.م[26].
وسلك ماكيبسا نفس المسلك بعد تولي زمام السلطة خلفاً لوالده ماسينيسا فأرسل عام 227ق.م ابن أخية يوغرطة مجهز بفرقة من الفرسان النوميديون لمساندة الرومان في حروبهم ضد نومنتيا (Numance ) بإسبانيا، والتي أبلى فيها هذا الأخير مع فرقه بلاء حسن استوجب مدح الرومان له، وذلك ما عبر عنه مكيبسا صراحة في قوله:” انك بعد أن عدت مؤخراً من نومنصا قد شرفتني وشرفت مملكتي بمجدك وشجاعتك، وجعلت من الرومان الذين كانوا أصدقاء عاديين لنا أصدقاء مقربين جداً لنا، لقد ذاع اسم عائلتنا في إسبانيا من جديد، وبعد ذلك استطعت أن تحقق ما هو صعب جداً على جميع الناس، وهو أن تهزم الحسد بعظمتك”[27]
وفي حرب يوبا الأول ضد الرومان نقرأ أن هذا الأخير كانت تحت سلطته فرقة من الفرسان التي شارك بها إلى جانب بومبي خلال الحرب الأهيلة بإفريقيا وكان لها فضل كبير في المعادلة الحربية وترجيح كفة النصر لصالح البومبيين ضد القيصريين[28]، و ارتبطت انتصارات روما في عهد الإمبراطور تراجانوس ضد داكيا (Dacie) بالقائد الموري لوسيوس كيتوس (Lusius Quietus ) ووحدة الفرسان التي كان يقودها، والتي حظيت بالتكريم بنقشها على عمود تراجان، كما منح لقائدها لوسيوس كيتوس لقب القنصل وعينه حاكماً على ولاية فلسطين ومسؤولاً عسكرياً على كل مقاطعات روما في الشرق، ولدوره البارز في إخماد حركة تمرد اليهود عام 117م أُطلق على تلك الحرب اسم(حرب كيتوس)، بل ويُذكر أن تراجانوس كان يسعى لتوريثه منصب الإمبراطور لولا تدخل زوجته لتنصيب هادريانوس الذي دبر للتخلص من منافسه كيتوس للتفرد بالسلطة[29] .
وقد أشاد المؤرخون القدماء بقرقة الفرسان النوميديون وبدورها العظيم في تحقيق النصر لما كان يتمتع به النوميديون من خبرة في ركوب الخيل والتحكم فيها رغم السرعة التي تتميز بها وذلك بفضل عملها التكاملي مع فرقة المشاة أثناء المعركة، حيث يتم ضرب الوحدات الأمامية عن طريق المشاة والخيالة لإحداث الفوضى ثم متابعة فلول جيش العدو من طرف فرقة الفرسان وهو ما يعرف باستراتيجية الكر والفر(حرب العصابات) التي أتقنها النوميديون بمهارة وكانت سبباً في تحقيق انتصاراتهم على القوات الرومانية التي كانت تفوقهم عدة ًوعتاداً [30].
وإلى جانب الدور العسكري لعبت الأحصنة دوراً اقتصادياً[31]، إذ يذكر بعض المؤرخين ومنهم ستيفان غزال أن اللوبيين استعملوا العربات التي كانت تجرها الأحصنة في دورين أساسيين الأول حربي والثاني اقتصادي[32]، ويبدو أن ذلك صحيح لأن رسوم العربات متسلسلة على طول الطريق الصحراوي الذي يربط المتوسط بالنيجر وهي الطريق التي كانت تسلكها القوافل التجارية مروراً بالسيرت والسودان وليبيا[33]حيث مثلت العربة إحدى وسائل النقل الأكثر تطوراً في ذلك الوقت فلعبت دوراً هاماً ووسيلة أساسية في نقل البضائع والسلع إضافة إلى استخدامها في مطاردة الحيوانات في الصيد [34].
الدور الترفيهي للخيول اللوبية :
إلى غاية العهد الروماني كان النوميديون يستعملون العربات التي لاحظ الرومان أنهم ماهرين في التحكم فيها وقيادتها فاستغلوا ذلك في أعمال السيرك الذي ضم نوع من السباق وهو سباق العربات الذي كان مُتاح للكل بالمشاركة فيه الفقير والغني على حد السواء، وقد اشتهر في هذا المجال الجرمنتيون الذين اشتهروا بركوبها والتحكم فيها.
كان سباق العربات يقام في ميادين يتم تشييدها لذلك الغرض ويشارك في الدفعة الواحدة عدد من العربات أقصاه اثنتا عشرة عربة للجري حول الميدان سبع مرات باتجاه عكس عقارب الساعة، ولإعلام الحضور بعدد الدورات لكل متسابق كان ينصب في وسط الميدان حاملات مرتفعة توضع فوقها سبع بيضات أو سبعة نوافير على شكل سمكة الدلفين، ومع نهاية كل دورة تأخذ المتسابق بيضة أو يكسر نافورة ، كما كان يتم التمييز بين المتسابقين باستعمال الألوان فخلال العهد الجمهوري كانت توجد فرقتان هما فرقة الخُضر وفرقة الزُرق، وارتفع العدد إلى أربعة في العهد الإمبراطوري بزيادة فرقتي الحُمر والبَيض.
وقبل المشاركة في السباق يكون الرياضيون قد تدربوا على ركوبها بشكل جيد، فكان الرياضيون المبتدئون يتدربون على قيادة العربات التي تجرها ثلاثة خيول أولاً وبعد اكتساب الخبرة ينتقلون لقيادة العربات التي تجرها أربعة خيول لما تحتاجه هذه الأخيرة من مهارة[35].
وعادة ما كان الفوز من نصيب الأفارقة وتمت مكافأتهم مادياً -رغم المخاطر والحوادث الجسيمة التي كانت تصاحب ذلك السباق- مثل الإفريقي سكوربيانوس (Scropianus)الذي أصبح فاحش الثراء بفضل نجاحاته المتعددة [36]، وكذا الموريطاني كريسكانس (Crescens) الذي شارك في حوالي 686سباق للعربات وفاز في 74منها بالمرتبة الأولى وبفضل ذلك بلغت ثروته مليون وست مائة ألف سسترس، كما خلّدت لنا الآثار أسماء عدد آخر من اللاعبين المغاربة الذين هتف الجماهير بأسمائهم في ميادين السابق أمثال التيفستي (تبسة حالياً)يوليوس كماروس(Julius Cammarus) الذي كان يتولي تدريب خيوله بنفسه ليفوز بالسباق وبطل دوقة المدعو إيروس((Eros، ولولع المغاربة بهذا النوع من السباق نجدهم يجسدونه في الفسيفساء المنزلية والعمومية كما تزينت به المقابر أيضاً، [37]إذ عُثر في مقبرة بطرابلس الليبية سنة 1920م على صورة تجسد سباق الخيول ورجل يحمل كأساً ليمنحه للفائز فيها والظاهر أنه كان إفريقياً[38].
لقد مثل امتلاك الأحصنة والفوز في السباق فرصة للارتقاء في سلم الطبقات الاجتماعية، وظل كذلك حتى بعد انتشار المسيحية، وفي ذلك يذكر القديس أوغسطين أنه لو وقع الاختيار بين الكنيسة والسيرك لرأيت الكنائس فارغة والسيرك يعج بالمتفرجين[39]. (أنظر الصورة 2).
الصورة2: شاهد على قبر أحد الأشخاص يصور مشهداً لسباق العربات حيث يلاحظ متسابق يقود عربة تجرها أربعة أحصنة عثر عليه بطرابلس.
أنيس أبو ميس وآخرون ، المرجع السابق، ص10.
والحقيقة أن الخيول اللوبية كانت قد لقيت رواجاً كبيرا وشهرة واسعة في ميدان السباق لما تتميز به من سرعة في الحركة وقدرة على المنافسة وتحقيق الفوز إذ تذكر المصادر التاريخية أن خيول الملك مسطنبعل وهو أحد أبناء الملك ماسينيسا شاركت في سباق الخيول التي أقامتها روما سنة 168ق.م و164ق.م وحققت الفوز فيها[40].
وباستعمال التقنيات الأثرية ومشاهد الفسيفساء والنصوص الأدبية استطاع الباحثون احصاء ميادين السباق ببلاد المغرب القديم وأشهرها سرك قيصرية (شرشال) وأوزيا(سور الغزلان) وصالداي وجميلة وتيمقاد وقسنطينة وسطيف وتبسة وخنشلة بالجزائر و قرطاج والجم ودوقة وحيدرة وهنشير تينة والهوارية وقفصة والموكنين وسوسة…بتونس ووليلي بالمغرب ولبدة وأويا وصبراتة بليبيا اليوم.
خاتمة:
نستخلص مما سبق الآتي:
- إنَّ تعدد الصُور النقاشية للخيول ببلاد المغرب القديم لدليل واضح على قدم معرفة اللوبيين للحصان منذ القدم .
- أولى النوميديون أقاليد وعامة اهتمام كبير بتربية الخيول وتعلم الفروسية التي كانت جزءاً من عاداتهم كما أنها مدعاة للفخر ورمز على المكانة الرفيعة في المجتمع لما تحمله من دلالة على الشجاعة والقوة والتي كانت ميزان للشخصية العسكرية في ذلك الوقت.
- لعبت فرقة الفرسان النوميدية دورا ًبارزاً في المعارك المحلية وحتى الخارجية كفرقة داخل الجيش نظامي أو كفرق مساعدة حليفة في تحقيق الانتصارات في العديد من المعارك لسببين اثنين الأول يتعلق بالخيول النوميدية وما كانت تتمتع به من خفة في الحركة والثاني هو خبرة النوميديين في امتطاء الأحصنة والتحكم فيها وذلك بشهادة الرومان أنفسهم
- لم يقتصر دور الأحصنة على الجانب العسكري فقط فقد كان له حضور في الجانب الترفيهي النفسي أيضاَ بظهوره في ميادين سباق العربات التي سجل فيها النوميديون أسماءهم في قائمة الفائزين فيه بجدارة.
قائمة المراجع :
- هيرودوت، تاريخ هيرودوت، تر: عبد الإله الملاح، المجمع الثقافي ، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 2001.
- إبراهيم العيد بشي، مدخل إلى تاريخ حضارات بلاد المغرب القديم، منشورات زاد الطالب، الجزائر، 2011.
- أصطيفان أكصيل، تاريخ شمال إفريقيا ، ج7، تر: محمد التازي سعود، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2007.
- أم الخير العقون، من مصادر تاريخ المغرب القديم، الرسوم الصخرية والآثار المصرية، كتب كراسك 2016،https://ouvrages.crasc.dz
- أنيس أبو ميس وآخرون تحت الأرض أسرار وخفايا، مجلة ليبيا، يناير، 2016.
- خالدية مضوي، أضواء على العلاقات التجارية الأورو متوسطية خلال النصف الأول من القرن الثاني ق.م (قسنطينة وضواحيها نموذجاً)، مجلة كان التاريخية، الع:13،دار ناشري للنشر الالكتروني، الكويت، 2011.
- الربيع عولمي، التجهيزات العسكرية للقوات المساعدة النوميدية والموريطانية في الجيش الروماني، مجلة الحوار الفكري، الع:11، الجزائر.
- رضا بن علال، منافسات سباق العربات في المغرب القديم ونماذج منها، مجلة الباحث، الع:8، ج2، جامعة الجزائر2.
- سليم سعيدي، الحصان النوميدي من خلال المصادر المادية، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية، جامعة الوادي، الع:27، سبتمبر 2018.
- عبد اللطيف محمود البرغوثي، التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح الاسلامي، منشورات تامغناست،(د.ت).
- غاريال كامبس، في أصول البربر، ماسينيسا أو بداية التاريخ، تر: محمد العربي عقون، المجلس الأعلى للغة العربية ، الجزائر.
- فتيحة فرحاتي، نوميديا من حكم غاياإلى الاحتلال الروماني، منشورات أبيك، 2007.
- المحفوظ أسمهر، أهمية الفن الصخري في كتابة تاريخ المغرب القديم وحضارته ، مجموعة مؤلفين ، أضواء جديدة على تاريخ شمال إفريقيا وحضارته،ط1، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،الرباط،2007.
- محمد الحبيب بشاري، أوضاع الامبراطورية الرومانية في النصف الثاني من القرن 4م، ثورة جيلدون397-398م، مجلة الاتحاد العام للأثاريين العرب، الع:13، الاتحاد العام للاثاريين العرب والمجلس العربي للدراسات العليا والبحث العلمي لاتحاد الجامعات العربية، القاهرة، 2012.
- محمد الصغير غانم وآخرون ، المقاومة والتاريخ العسكري ، المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر 54، الجزائر، 2007.
- محمد الطاهر العدواني، الجزائر في التاريخ، ج1، المؤسسة الوطنية للكتاب، 1984.
- ويلر ديورانت، قصة الحضارة، مج1،، تر: زكي نجيب محمود، دار الجيل للطباعة والنشر، بيروت، الاليكسو، تونس.
- Appien, Ibérique, trad: Phillippe.http://remacle.org/bloodwolf/historiens/appien/iberique.htm
- Diodore de Sicile, Histoire Universelle, trad: L’abbé Terrassom, Paris,1744.
- Hérodote, histoire d’Herodote, trad. Larcher avec des notes des bochard, wesseling scaligerect. Charpentier, Paris 1850.
- Polybe, Histoire Générale ,trad: Felix Bouchout charpenter libraire,Paris 1847.
- Salluste, Guerre de Jugutrha , édi: François Richard,1933.
- Silius Italicus, Lucain Silius Italicus, Claudien, Ouvres Completes, trad: M.Nisard, ches Firmin-Didot et cer libraires, Paris.
- Strabon, Géographie, Géographie, trad: Amédée Tardieu, librairie de la Hachette,Paris,1867.
- Tite Live, Histoire Romaine, trad: M. Nisard ét c, Firmin pinot frères , fils et c libraires , Paris.
- Camps Gabriel, Les Chars Sahariens, Images d’une Société Aristocratique, Anti. Afri, No:25, 1989.Falbe (C.T), J. Chr. Lindberg, L.Muller Numismatique de L’Ancienne Afrique, Les Monnaies de la Numidie et la Mauritanie, Copenhague,1868.Gsell)Stephan), H.A.A.N, tom: 5, librairie Hachette, Paris, 1927.Keltoum Kitoni Daho et autre, L’Algérie aux Temps des Royaumes Numides, Ministére de la Communication et de la Culture, Alger, 2003.Louis Lacroisc, Histoire de la Numidie et des Maurétanies, Alger-Livres edition, 2008.
- Frédéric Lacroix, Afrique Ancienne, Riv.Afri, tome:14, 1870.
- Ouiza Ait Amara, Le Cheval et le Cavalier Numides, éd: Comité des Travaux Historiques et Scientifique, 2018.openedition.ogr .
- Ouiza Ait Amara, Le Role de Massinissa dans la Deuxiem Guerre Punique, Libyca, No:2, C.N.R.P.A.H, Constantine, 2017.
[1] بشي إبراهيم العيد ، مدخل إلى تاريخ حضارات بلاد المغرب القديم، منشورات زاد الطالب، الجزائر، 2011، ص34.
[2] ويلر ديورانت ، قصة الحضارة ، مج1، تر: زكي نجيب محمود ، دار الجيل للطباعة والنشر، بيروت، الاليسكو، تونس، ص15.
[3]Polybe, Histoire Générale ,trad: Felix Bouchout charpenter libraire ,Paris 1847,liv:XII,3.
[4] هيرودوت، تاريخ هيرودوت، تر: عبد الإله الملاح، المجمع الثقافي، أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة، 2001م، ص366.
[5]Hérodote, histoire d’Herodote, trad. Larcher avec des notes des bochard, wesseling scaligerect. Charpentier, Paris 1850. Livre : IV, 189.
[6]Silius Italicus, Lucain Silius Italicus, Claudien, Ouvres Completes, trad: M.Nisard, ches Firmin-Didot et cer libraires, Paris , liv:2.
[7]فرحاتي فتيحة، نوميديا من حكم غايا إلى الاحتلال الروماني، منشورات أبيك، 2007، ص225.
[8]عولمي الربيع، التجهيزات العسكرية للقوات المساعدة النوميدية والموريطانية في الجيش الروماني ، مجلة الحوار الفكري، الع:11، الجزائر، ص41.
[9]Ouiza Ait Amara, Le Cheval et le Cavalier Numides, éd: Comité des Travaux Historiques et Scientifique, 2018.WWW.openedition.ogr , p1.
[10] أصطيفان أكصيل، تاريخ شمال إفريقيا القديم، تر: محمد التازي سعود، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2007، ص34.
[11]الربيع عولمي، التجهيزات العسكرية…، المرجع السابق، ص41.
[12]M. Frédéric Lacroix, Afrique Ancienne, Riv.Afri, tome:14, 1870, p35.
[13]Gsell)Stephan), H.A.A.N, tom: 5, librairie Hachette, Paris, 1927, p183
[14]Ouiza Ait Amara, Le Role de Massinissa dans la Deuxiem Guerre Punique, Libyca, No:2, C.N.R.P.A.H, Constantine, 2017, p177.
[15]Louis Lacroisc, Histoire de la Numidie et des Maurétanies, Alger-Livres edition, 2008, p60.
[16]Ouiza Ait Amara,Le cheval et le cavalier numides, op.cit, p1.
[17]Stéphan Gsell,H.A.A.N,tome:5,op.cit,p181.
[18]Strabon, Géographie, Géographie, trad: Amédée Tardieu, librairie de la Hachette,Paris,1867, liv: XVII,3,7.
[19]Keltoum Kitoni Daho et autre, L’Algérie aux Temps des Royaumes Numides, Ministére de la Communication et de la Culture, Alger, 2003,p154
[20]Ibid, (p,p,p,)(140,142,143).
[21]ام الخير العقون ، من مصادر تاريخ المغرب القديم ، الرسوم الصخرية والآثار المصرية، كتب كراسك 2016، https://ouvrages.crasc.dz ، ص1.
[22]Tite Live, Histoire Romaine, trad: M. Nisard ét c, Firmin pinot frères , fils et c libraires , Paris, liv:XXX,11.
[23] غاريال كامبس، في أصول البربر ، ماسينيسا أو بداية التاريخ، تر: محمد العربي عقون، المجلس الأعلى للغة العربية، الجزائر، ص260.
[24]Diodore de Sicile, Histoire Universelle, trad: L’abbé Terrassom, Paris,1744,liv: XX, X.
[25]Appien, Ibérique, trad: Phillippe, liv: XIV,90.http://remacle.org/bloodwolf/historiens/appien/iberique.htm
[26] خالدية مضوي، أضواء على العلاقات التجارية الأورو متوسطية خلال النصف الأول من القرن الثاني ق.م (قسنطينة وضواحيها نموذجاً)، مجلة كان التاريخية ، الع:13، دار ناشري للنشر الالكتروني، الكويت، 2011، ص 88.
[27]Salluste, Guerre de Jugutrha , édi: François Richard,1933, LX.
[28]Stéphane Gsell, H.A.A.N, tome:5, op.cit,p181.
[29]محمد الحبيب بشاري، أوضاع الامبراطورية الرومانية في النصف الثاني من القرن 4م، ثورة جيلدون397-398م، مجلة الإتحاد العام للأثاريين العرب، الع:13، الاتحاد العام للاثاريين العرب والمجلس العربي للدراسات العليا والبحث العلمي لاتحاد الجامعات العربية، القاهرة، 2012م، ص254
[30]أصطيفان أكصيل، تاريخ شمال إفريقيا، ج7، تر: محمد التازي سعود، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2007م، ص143.
[31]Camps Gabriel, Les Chars Sahariens, Images d’une Société Aristocratique, Anti. Afri, No:25, 1989, (p-p)(11-40).
[32] محمد الطاهر العدواني ، الجزائر في التاريخ، ج1، المؤسسة الوطنية للكتاب،1984، ص249.
[33]محمد الصغير غانم وآخرون، المقاومة والتاريخ العسكري، المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة نوفمبر 54، الجزائر، 2007، ص57.
[34]المحفوظ أسمهر، أهمية الفن الصخري في كتابة تاريخ المغرب القديم وحضارته ، مجموعة مؤلفين ، أضواء جديدة على تاريخ شمال إفريقيا وحضارته،ط1، مكتبة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع،الرباط،2007م، ص173.
[35] رضا بن علال، منافسات سباق العربات في المغرب القديم ونماذج منها، مجلة الباحث، الع:8، ج2، جامعة الجزائر2، ص151.
[36] عبد اللطيف محمود البرغوثي، التاريخ الليبي القديم من أقدم العصور حتى الفتح الاسلامي، منشورات تامغناست،(د.ت)، ص318.
[37] رضا بن علال ، المرجع السابق، ص152.
[38] أنيس أبو ميس وآخرون تحت الأرض أسرار وخفايا، مجلة ليبيا، يناير، 2016، ص10، متوفر على :
[39] سليم سعيدي، الحصان النوميدي من خلال المصادر المادية، مجلة الدراسات والبحوث الاجتماعية، جامعة الوادي، الع:27، سبتمبر 2018، ص78.
[40]Stéphane Gsell, H.A.A.N, tome:5, op.cit, p182.