أقام مركز جيل البحث العلمي أمسية يوم الجمعة 11 فيفري 2022 ندوة علمية افتراضية احتفاء بعضو اللجنة العلمية في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية الناقد العراقي الأستاذ الدكتور محمد جواد حبيب البدراني، وذلك من خلال مناقشة كتابه الموسوم بـ “جماليات التشكيل الإيقاعي في شعر السياب”، وبمشاركة أسماء علمية عربية، وبإدارة رئيسة تحريره د.غزلان هاشمي .
بداية رحبت رئيسة المركز أ.د.سرور طالبي بالحضور منوهة بجهود أعضاء أسرة المجلة في الرقي بها، ثم أحالت الكلمة إلى مديرة اللقاء التي شكرت المحاضرين والمحتفى به وكل الحاضرين، قدم بعدها الأستاذ الدكتور محمد جواد البدراني ملخصا حول كتابه مبرزا أهم قضاياه وفصوله وأبوابه التي توزعت بين الإيقاع الخارجي كالوزن والقافية، والإيقاع الداخلي كالتكرار و التوازي والتقسيم الإيقاعي.
ثم قدم أ.د. مرتضى عبد النبي علي الشاوي، (رئيس قسم اللغة العربية كلية التربية جامعة البصرة/العراق) مداخلة موسومة بــ “خصوصية التحليل الإيقاعي في قراءة أ.د.محمد جواد البدراني لشعر السياب،و ضح فيها عدة نقاط منها:” ”. 1-أن دراسة البدراني هذه عن السياب وكتابه الآخر ( الحركة النقدية حول السياب ) من أهم الدراسات التي تناولت التجربة السيابية . 2- أن تجربة أو مشروع الأستاذ الدكتور محمد جواد البدراني النقدي في التحليل الايقاعي في شعر السياب لم يتوقف عند هذا الحد من التحليل بل هناك دراسات عديدة منشورة في كتب ومجلات محكمة فضلاً عن ذلك دراسات أخرى حول تجارب الشعراء من القدماء والمعاصرين . 3-القريب من الدكتور محمد جواد البدراني يشعر بأنه يمتلك أدوات التحليل الايقاعي مستفيدا من علم العروض والقافية ومن الدراسات الصوتية وفي يشير إلى ملامح الأسلوبية الصوتية في دراساته لوقوفه على مواضع فيها شيء من بصمات الشحن وعمق الدلالة وعلة الانحراف والعدول .”
بعده قدم د. محمد الطاهر حمازة (جامعة عنابة، الجزائر) مداخلة بعنوان “محمد جواد حبيب قارئا للسياب ـ دراسة في نقد النقد”، اعتبر فيها أن البدراني دارس مميز في مجال الإيقاع الصوتي ، لكن لكل شيء إذا ماتم نقصان، وحسب قوله:” عندما نناقش قضية تطبيقه للمنهج النقدي نجده يراعي النص في أغلب الأحيان ما يسمح لنا بالقول أن تحليله بنيوي ولكن ميله أحيانا إلى القارئ في تحليله الأسلوبي يجعلنا ندرك أثر الأسلوبية البنيوية على تحليله وعيا منه أو دون وعي ..ونشير أيضا إلى أن التأويلات التي يطرحها البدراني بين الحين والآخر قد بُنيت على محاولات الاستقراء الناقص فيما تعلق بربط التفعيلة أو الوزن بحالة الشعراء في حين أن هذه التأويلات لم تكن مؤسسة بما يكفي مادمنا نجد شعراء يوظفون الأوزان نفسها والتفعيلات نفسها في حالات وتفاعلات نفسية مغايرة للطروحات المعروفة. وعلى العموم، فإن عمل البدراني عمل مبادِر نوقش في 1999 وطبع في سنة 2013 ما يعني أن النقد التطبيقي كان في ريعان التلقي ونحن شغوفون بطرحه الذي يعتبر بصمة نقدية عربية على مستوى التطبيقات المنوطة بالإيقاع والعروض”.
هذا وقدمت د. منى بلخيري من جامعة عنابة/ الجزائر مداخلة موسومة بــ “الإيقاع اللغوي في قصيدة النثر عن السياب من كتاب جماليات التشكيل الإيقاعي”، قالت فيها: “تعدّ دراسة الناقد العراقي محمد جواد البدراني دراسة فاحصة حيث أجاد في اختيار العينات التي يتم من خلالها معرفة الأبعاد الإيقاعية للتجربة الشعرية التي تحملها القصائد و تحقق مستوى الانسجام بين المحتوى الدّلالي و المبنى الإيقاعي لدى السياب و هو شاعر تأخذ مفرداته برقاب بعض . والتكرار يعتبر أحــد المكونات الهامة في البناء الإيقاعي لهذه القصيدة فيثريها ويؤدي دوراً أساسياً في تماسكها وخلق توافق نغمي ورقة وطلاوة موسيقية شعرية ،و قد أفادنا النّاقد خارطة ذهنية تهدينا إلى أنماط التكرار في شعر السياب. التكرار.1- الصّوت 2- اللفظ 3‑ العبارة و تجنح قصائد السياب إلى الإيقاع المأساوي ويتمثل في إيقاع “اللحن الجنائزي” ومن خصائصه كثرة الحروف الدالة على الحنين والبكاء والخوف والتوجّس والحنين إلى الموت، ويكون فيها الحقل الدلالي للقصيدة تجسيدا لذلك، بالإضافة إلى مجموعــة مــن ترابطــات أصـوات المـد بحقـول المعـاني حيـث تكثـر بشـكل ملحـوظ في عدّة نصوص خاصة قصيدة غريب في الخليج يــرتبط صــوت المــد (ا) في كلمة (عراق) والتي انتقلت من المعنى الجغرافي إلى معنى دلالي عويل طويل وكأنه يريد أن يتشبث بهذا الاسم الذي رسم مخطط شخصية الغريب (السياب ) اعتمادا على تداعيات التكرار. أدرج هذه الأبيات من القصيدة لأن لدي ملاحظة : حيث ترك الشّاعر نقاطا لم يوردها الناقد و التي أجدها صدى للتكرار حيث تكررت (عراق) سبع مرات حتـى بلغـت هـدفها في المـرة الأخـيرة الـتي نقلـت إلى حالـة نفسـية أخـرى فتحـت فيها له الأبواب التي كانت موصدة، فلا تـدل هـذه النقـاط علـى توقـف يسـتغرق أي فـترة من الزمن فالعالم الذي ستنفتح نوافذه و يظهـر فـور النطـق باللفظـة الأثمن لدى الشّاعر أعلى من العباب يهدر رغوه ومن الضجيج صوت تفجر قرارة نفسي الثكلى: عراق، كالمد يصعد، كالسحابة، كالدموع إلى العيون الريح تصرخ بي: عراق، والموج يعول بي: عراق، عراق، ليس سوى عراق البحر أوسع ما يكون وأنت ابعد ما تكون والبحر دونك يا عراق بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق.. غاب صوت (الراوي) المحايد فجأة ليتسلم (الغريب) زمــام القـــول حـــوار داخلــي، لـــن ينتــهي إلا عنـــد نهايـــة القصيدة، واختفى مشهد البحـر والسـفن والأشـرعة والبحـارة بـالمعنى الـذي صـوره القسـم الأول و تلاشى ولـن يعـود (الغريـب) إلى ذكـره، فـالريح والمـوج والبحـر وطبيعـة أخـرى تسـتقر هنـاك تصور عالمـا غريبـا قاسـيا في أعماقـه ، ولقـد كـان اسـتخدامه (الصـراخ والعويـل) يوهمنـا بتعـاطف الطبيعـة معـه وهذا التكــرار الإيحائي بصـوت (الغريـب) كـان يكـرر كلمـة (عـراق ) وكل كلمة الأسطر المتقدمة إنما وضعت مكانهـا لتهييء تركيبا مناسبا لتكرار هذه اللفظة . وكل أنماط التكرار التي أدرجها الشاعر في قصائده كانت فخاخا تتصيد المتلقي بلغة إيحائية أدّت دورها الإيقاعي في الصورة الشعرية”.
وأما الأستاذ بدر الدين درارجة (جامعة عنابة/الجزائر) فقدم مداخلة موسومة بــ “جمالية التكرار في شعر السياب من منظور الدكتور محمد البدراني”، استهل مداخلته بتقديم موجز عن التكرار “باعتباره واحدا من الأساليب التعبيرية الدقيقة التي تظهر بوضوح في نتاج الشعراء والأدباء على حد سواء فهو مظهر مهم من المظاهر التي تسهم في تشكيل الايقاع الداخلي للشعر أو مايسمى ب” موسيقى الحشو” باعتباره أحد المرايا العاكسة لكثافة الشعور المتراكم في نفسية الشاعر ” وكما يقول الباحث يعد هذا سبب اختيار الموضوع، حيث طرح تساؤلات عن التكرار الذي يستخدمه الشعراء خاصة المبدعين منهم كالسياب مثلا :” لماذا يقول الشاعر هذا اللفظ بالذات ولماذا يكثر من استخدام هذه الأصوات؟ هل هي مقصودة أم عبثية ،اختيار أم إجبار ؟ ولماذا يكرر الشاعر هذه العبارات على هذا النحو بالذات ؟ هل هذا التكرار له علاقة بنفسية الشاعر ؟”.
ركزت المداخلة على التكرار، فوضحت مفهومه من الجانب اللغوي والبلاغي والإيقاعي ثم ناقشت بعض ماورد في الكتاب كبعض المفاهيم والوظائف التي استخدمها البدراني في معالجتها لهذا الطرح ، إذ وجد أن الشاعرة العراقية نازك الملائكة “تربط التكرار بقانونين مهمين أولهما الإلحاح على جهة معينة في العبارة وهي ماتكشف عن خبايا نفسية الشاعر وتساعد الناقد الأدبي على دراسة الأثر ويحلل نفسية الشاعرة ،والقانون الثاني هو التوازن حيث أن الشاعر ينبغي أن يكون ذكيا في حسن انتقائه وتوظيفه للأصوات خاصة والكلمات والعبارات وعليه أن يتحكم فيها بحيث يجب أن تجيء في موضع من العبارة لا يثقلها ولا يميل بوزنها إلى جهة ما، فالدكتور البدراني يرى أن الشاعر المبدع حقا هو الذي لا يجعل من قصيدته مجرد أصوات على معان فحسب بل يجعل من تكرار هذه الأصوات قبسا ينفح القصيدة بنفحة موسيقية خاصة بمعنى أن يكون ماهرا في توزيع الحروف كما يوزع الموسيقار الماهر النغمات في نوتته أو كما قال ابن سنان الخفاجي في أحد أبرز الآراء النبيهة له: “إن الحروف التي هي أصوات ينبغي أن تجري من السمع مجرى الألوان ” أي أنه إذا كان الرسام ينتقي بدقة الألوان التي سيرسم بها لوحته الفنية وقدرته على توظيفه وممازجته للألوان من أجل خلق صورة جمالية عن لوحته كذلك الشاعر ينبغي عليه أن يختار بعناية أصوات قصيدته ويواشج بينها من أجل إعطاء معزوفة شعرية تبهر العقول وتشد الآذان وتخاطب القلوب.
وقد كان السياب نموذجا رائعا لهذه الدراسة من قبل الدكتور محمدالبدراني حيث يرى المؤلف أنه كان رائدا في هندسة الصوت وبارعا في حسن اختياره للأصوات والكلمات والعبارات في شعره، وهذا ما ينم عن قدرة الشاعر وحسه المرهف في مخاطبة المتلقي ونقل الصورة الشعرية بنجاح ومخاطبة عقله وقلبه ،كما كان البدراني بارعا هو الآخر في استثارة كوامن الأصوات اللغوية واستنطاق النص الشعري وتعرية دواخله من أصوات وألفاظ وعبارات وكما يقول لودفيج فيتجنشتاين:” أن تقرأ النص الشعري العظيم يعني أن تصغي للموسيقى وهي تتكلم ” وقد كان صاحب الكتاب ذو مهارة فائقة في مداعبة أصوات السياب وتحليلها وسماع موسيقى أصوات وكلمات وعبارات السياب التي وظفها في أشعاره”.
بعد ذكر أنواع التكرار في الكتاب خلص إلى أن “القارئ لكتاب البدراني يجد متعا كثيرة في هذا المنجز من بدايته إلى نهايته نظرا لما يمتاز به المؤلف من قدرة على استقراء الشعر بسهولة وبساطة ووضوح فيما يعجز عنه آخرون، فقد كانت لغة الكاتب سهلة وأسلوبه شائقا في التعبير وذكيا في طرقه لهذا المجال أي مجال الإيقاع”.
فتحت مديرة الندوة باب النقاش حيث قدم د.علي عبد رمضان من العراق مداخلة عدها وجهة نظر قال فيها “أن ماتفضل به حال الحديث عن الأشكال الشعرية التي كتب فيها السياب، خاصة حينما استخدم نمط الرجز منهيها بتفعيلة مغايرة، وهو ماوقف عليه أحمد النجدي وسماه بالأشكال المبتكرة في الشعر الحديث، فوجهة نظري فيما يخص انتهاء السطر الشعري أن التفعيلات التي تأتي في أغلب هذه الأسطر ليست غريبة عن مستفعلن بل هي جزء منه، وتأتي ضمن السياق الإيقاعي التي تنتهي بها الجملة … وقد جاءت لمقتضيات إيقاعية تعبيرية التفت لها السياب، قصيدة السياب ها ها هو اعترضت عليها نازك الملائكة لأنها تصدر من نظرة عروضية بحتة صارمة، فهذه القصيدة على البحر الطويل يشهد أنها تجربة إيقاعية ناجحة ،ولا يمكن أن نزري على السياب أنه استعمل بحرا مركبا من تفعيلتين … “
أما أ.د.نبيل أبو رفاعي من مصر فقدم تساؤلات قال: هو تحدث عن الإيقاع الداخلي والخارجي وهناك من يرفض هذا التقسيم لأنه لم يكن عند القدماء واستدلوا على ذلك مثلا بأن عملية الجناس تخضع للبديع فماعلاقة ذلك بالجناس التي تختص بالبيان؟هل توجد قافية لا دلالية أي عشوائية لا قيمة لها ؟
التدوير إما أن يكون في البنية أو في الموسيقى أود أن أتعرف منه التدوير عند السياب هل هو موسيقي أم بنية ؟وما الفرق بينهما؟ “.
هذا ولاحظت د.منى “أن الصوت المنفرد لا يؤدي إلى الموسيقى، ما بالك بالحروف المفردة في القرآن التي تؤدي موسيقى ودلالات كما لاحظت أن الحديث انصب حول التكرار لدى جميع المحاضرين ،وكأن في قصيدة السياب تقوم فقط حوله.
وأما بدر الدين درارجة فأجاب عن نقطة الرفاعي وقال:”من وجهة نظري لأن الإيقاع في تعريفه هو تتابع مستمر أو بانتظام لذلك أي شيء قائم على التكرار والتتابع فكل مظاهر الحياة قائمة عليه.
بعد أن رد د.محمد جواد البدراني على تساؤلات وتعقيبات السادة ختمت د.غزلان الجلسة قائلة:
في ختام هذه الجلسة أشكر كثيرا المحتفى به ا.د .محمد جوا د البدراني على سعة صدره وعلى التقديم والتعقيب المستفيض، السادة المحاضرين على محاضراتهم القيمة : أ.د.مرتضى الشاوي ود.منى بلخيري دزمحمد الطاهر حمازة وأ.بدر الدين درارجة ، المتدخلين عضو لجنة التحكيم بمجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية د.علي رمضان وأ.د،نبيل أبو رفاعي الحضور الكريم أساتذة وطلبة ومهتمين وعلى أمل لقياكم في ندوات قادمة إن شاء الله أترككم في رعايته” .