قراءةٌ في نظريّةِ الحسِّ الصوتيّ فِي تَعلِيمِ النَّحوِ العَرَبِيّ تأسيسٌ تَعلِيميّ من خلالِ كتابِ سِيبويهِ لــ(محمد كاظم البكاء)
Reading in the theory of phonetic sense in the teaching of Arabic grammar The establishment of an educational study through sibawayh’sbook (Mohammad Kazem albkkà)
الدكتور سليم عواريب ـ أستاذ محاضر بالمركز الجامعي ميلة ـ الجزائر
DR.salim aouarib ـ Lecturer at the University Center Mila Algeria
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 73 الصفحة 61.
Abstract:
This research observes the essence of phonological sense theory in teaching Arabic grammar, and its scientific foundations. This theory is established by Mohammed Kazem Albakka who pinpointed, through the study of the content of Sibawayh ‘book, that his rules and subject are based on the Arabic native speaker’s phonological sense. This language is produced as a result to a certain phonological sense where structures are compared and lighter ones on the tongue are chosen and heavier ones are left. Therefore, this has become a language compliance that should be respected and used in all Arabic structures and speech regardless of any other rules. Thus, some sensual considerations like the length of the speech, fast pronunciation and silent letters are regarded; besides, these are the elements that Sibawayh employed in his theory and based the Arabic grammar on. He; hence, set provisions, grammatical regulations, and explanations in accordance with the concept of phonological sense that characterized the Arab’s speech. Mohammed Kazem Albakka sought to make this theory a cornerstone in teaching Arabic grammar.
keywords: sense, sound, grammar, teaching, language, speech.
ملخص:
يرصد هذا البحثُ جوهرَ نظريّة الحسِّ الصوتي في تعليم النحو العربي وأهمّ مرتكزاتها العلمية لصاحبها محمد كاظم البكاء، الذي تنبّه من خلال محتوى الكتاب لسيبويه أنّ مادته العلمية وقواعده اللغوية بنيت على الحس الصوتي الذي امتلكه العربي المتكلم للغته السليقية، فكان ينتج لغته انطلاقاً من حسِّه الصوتي، ويفاضل بين تراكيبه بواسطته، يبتغي في كلّ ذلك خفّة اللسان والنأي عن كلّ ما هو ثقيل، و هو معيار لغوي بنى عليه العربي جلّ كلامه وتراكيبه امتثالاً لطبعه، دون ضوابط أو قواعد تضبط كلامه، وإنّما كان يضع معايير حسيّة ووزاناً صوتياً كالخفة والثقل وطول الكلام وسرعة النطق وحذف الأصوات، وهو ما أشار إليه سيبويه في نظريته اللغوية والنحوية، وأقام صرح النحو العربي و قواعد اللغة العربية عليه، فكان يعلّل الأحكام، ويستنبط القواعد، ويفاضل بين التراكيب، ويفسر الظواهر بالارتكاز على ذلك الوزان و المعايير التي ميزت طبع العربي في اختيار كلامه، لذا آثر محمد كاظم البكاء أن يجعل هذه النظرية أساساً تعليمياً لتلقين قواعد النحو العربي.
الكلمات المفتاحية: الحس، الصوت ،النحو،التعليم، اللغة،الكلام.
مقدمة:
ما يزال الصوت البشري يشكل ظاهرة إنسانية عجيبة شغلت بال العديد من العلماء قديماً وحديثاً غربيين ومن العرب، لما لها من أثر في العلوم، وبخاصةٍ العلوم العربية التي تأسس معظمها انطلاقاً من الصوت، فلقد اخترع عالم العربية الخليل بن أحمد علم العروض وموسيقى الشعر، وهو علم تقوم أصوله على الأصوات والحسّ الموسيقي، فضلاً عن تأليفه لمعجم العين، الذي اعتمد في ترتيبه على نظام خاص من الأصوات العربية ،ولقد أحصى سيبويه جميع الحروف التي كان ينطق بها العرب، وقسّمها إلى أصول وفروع، ومستحسنة وغير مستحسنة، معتمداً في كلّ ذلك على حسّه الصوتي، واستقرائه الدقيق لكلام العرب[1]، وكان للصوت قبل انشغال العلماء به قيمة عند العرب، وظفوه في حياتهم واعتمدوا عليه في تسمية مسمياتهم المختلفة محاكاة للطبيعة، فأطلقوا خرير المياه وحفيف الشجر ودبيب النمل، وغيرها من التسميات التي دأب العرب على إطلاقها، انطلاقاً من كلامهم الفصيح الطبيعي الذي أدوه بالسليقة والطبع دون ضوابط أو قواعد تضبط كلامهم وتحده، إذ لم تكن هناك قواعد نحوية يعتدون بها، ولا معايير أو قوالب ينسجون على منوالها، فما الضابط لكلامهم إذن؟ ،وما المعيار الذي اعتمده العربي -قبل النحو والنحاة- في كلامه؟.
لا شكّ أنّها السليقة والسجية، فالعربي السليقي هو «الذي اكتسب ملكته اللغوية في العربية الفصيحة (لغة القرآن) بالسليقة، أي في أثناء نشأته بدون تلقين وفي بيئة من السليقيين الناطقين بتلك اللغة »[2]، وذلك اعتماداً على حس مرهف امتلكه العربي وجعله معياراً لكلامه، من ذلك أنّه كان يصرف الاسم الثلاثي ساكن الوسط ، وإنْ كان علماً مؤنثاً، نحو: (هند) لا لشيء سوى لخفته، «فصرفهم إيّاه مع أنّ فيه علتين ثقيلتين وهما التعريف والتأنيث دلالة على خفته، ألا ترى أنّ الخفة فيه عادلت أحد السببين»[3].
فَصرْفُ العربيّ للاسم المذكور كان انطلاقاً من خفته على اللسان بسبب سكون ثانيه، وإنّما اكتشف العربي ذلك اعتماداً على حسه، لذا فقد اهتدى محمد كاظم البكاء إلى تعريف السليقة بقوله: «وقد اختلفوا في معنى السليقة ولم أجد لها تعريفا واضحاً والحقيقة هي ذلك الحس الصوتي اللغوي الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للعرب مبنياً على تطلب الخفة في اللسان»[4].
إذن فنحن أمام مفهوم جديد للسليقة والسجيّة التي كانت معيار العرب في كلامها وضابطها في اختيار تراكيبها اللغوية، هذا المفهوم الذي يقوم على حس صوتي امتلكه العربي، حيث يرى البكاء أنّ العرب وضعت لغتها بناء على الحس الصوتي، وفاضلت بين تراكيبها بواسطته، فما الحس الصوتي؟.
نظرية الحس الصوتي: مفهومها لغة واصطلاحاً:
قبل التعرّف على جوهر هذه النظرية يجدر بنا أن نتعرّف معنى الحس والإحساس في اللغة، جاء في لسان العرب أنّ الحس هو « الصوت الخفي…وحس بالشيء يَحُسُّ حَساً وحَسِيساً وأحسَّ به وأحَسَّهُ: شعر به »[5]، فالحس بهذا هو شعور خاص شعر به العربي وأحسه.
وأمّا الحسّ في اصطلاح العلماء فيدل على حسٍّ باطني وهو الوجدانيات، والحواس الباطنة هي: الحس المشترك والخيال والواهة والحافظة والمتخيلة، أما آلات الإحساس وإدراك الجزئيات فهي القوى الجسمانية (الحواس) والمدرك هو النفس[6]، فكأنّ العربي امتلك حساً باطنياً صوتياً استشعر به جزئيات كلامه فكان يضبطه وفقا لشعوره ذاك.
لذا فنظرية الحس الصوتي هي معيار يقوم «على الخفة والثقل وظواهر صوتية أخرى»[7]، بنت عليه اللغة العربية صرفها ونحوها واشتقاقاتها وغيرها، وهي «نحو من الإدراك والتفكير…[و]نوع من أنواع الذكاء ويعرف بالذكاء الصوتي»[8] ،أو هي ملكة تتأتى بحفظ النصوص العالية كالقرآن الكريم والأحاديث النبوية والأشعار العربية وهلم جراً[9].
إذن فمعيار النظرية ينحصر في الصوت بلا شك، وهو مجمل ما أشار إليه علماء العربية قديما ابتداء من سيبويه، فقد امتلأ كتابه بالعبارات التي لها صلة بالجانب الصوتي كالثقل والخفة وطول الكلام وسرعة النطق وحذف الأصوات والحركات[10]، مما هي أصول للحس الصوتي، تحدث عنها سيبويه وغيره من النحاة واللغويين ، فقد أرجع محمد كاظم البكاء نظرية الحس الصوتي إلى أصلين هامين هما الخفة والثقل، وجعلهما أصلين تبنى عليهما نظرية الحس الصوتي، ومثّل لذلك بالفعل والاسم، إذ أقرّ -وقبله النحاة- بأنّ الفعل أثقل من الاسم، لذا فقد يُحذفُ من الفعل أحياناً إذا توالت عليه الأصوات، كالفعل المضارع مع نون التوكيد في قولنا: (ليكتبوننّ)، وهو لا ريب ثقيل، لذا يحذف منه حتّى يصير (ليكتبُنَّ) بحذف نون المضارعة، وعليه يكون الاسم الذي يأتي على صيغة الفعل ثقيلاً دوماً ولذلك يمنعونه من الصرف كيزيد وتغلب وأحمد، يقول سيبويه في ذلك: «واعلم أنّ بعض الكلام أثقل من بعض فالأفعال أثقل من الأسماء لأنّ الأسماء هي الأولى وهي أشد تمكناً فمن ثم لم يلحقها تنوين ولحقها الجزم والسكون»[11]، فجعل سيبويه ثقل الأفعال سبباً في جزمها وسكونها وعدم تنوينها، إذ التنوين ثقيلٌ لذا لحق الاسم وهو أخف من الفعل، وهو ههنا يضع الثقل معياراً يسوّغ به جزم الفعل وسكونه؛ فيجعل بذلك الحس الصوتي المبني على الثقل علّة لبعض أحكام الفعل.
ولقد تنبه ابن جني إلى هذا الأمر كذلك (الثقل والخفة) في مواضع كثيرة، يقول في ذلك: «فرفع الفاعل لقلته ونصب المفعول لكثرته وذلك ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون »[12].
ويدرج البكاء نمطاً آخر من أنماط الحس الصوتي القائم على الخفة، نحو نصب الفضلات بعد الجمل التامة، إذ يحدث نوع من الثقل بعد المركبات اللغوية التامة كقولنا: (جاء زيد مسرعاً) حيث نصب (مسرعا) بعد المركب التام (جاء زيد)، وهو دأب العربي في نصب الفضلات التي تلي «الإسناد الكامل»[13]،كالحال والمفاعيل والتمييز والمستثنى وغيرها، وهو ما ذكره سيبويه إبان تعليله للمنصوبات، وقد أدرج هذا في حديثه عن النصب على تمام الكلام، كأن يقع التمام في مثل (عشرون درهما)، وهو التمام بالنون[14].
ومما يدخل في هذا السياق تنويع علامات الإعراب أحياناً لغير عامل يقتضيه، بل قد يرتدُّ ذلك لطول الكلام والرتابة والتكرار كما يرى محمد البكاء، من ذلك قوله تعالى: ( لَكِنِ الرَاسخُونَ فِي العِلْمِ مِنهُم والمُؤْمِنُونَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِن قَبلِكَ وَالمقِيمِينَ الصَّلاةَ والمؤتُونَ الزكَاةَ والمؤمِنُونَ بالله وَاليومِ الآخرِ أُولئكَ سَنُؤتيهِم أَجْراً عَظِيماً)[النساء/162]، حيث نصبت المقيمين الصلاة وحقها الرفع عطفاً على ما قبلها، وقد ذهب العلماء إلى أنّها منصوبة على المدح بإضمار فعل، بغية بيان فضل الصلاة والتقدير أعني أو أخص؛ إذ يفيد تغير كلمة ما في ثنايا الكلام عن إعرابها، «ينبه الذهن إلى وجوب التأمل فيها ويهدي التفكير لاستخراج مزيتها وهو من أركان البلاغة»[15]، وهو ما عليه جل النحاة فقد جعلها سيبويه نصباً على التعظيم والمدح مع جواز الرفع والرفع أجود[16]،واختار أبو سعيد السيرافي وجهين في نصب (المقيمين)، أحدهما النصب على المدح والثناء وهو الأكثر، وثانيهما الجر بالعطف على (ما)، فيكون المعنى «ويصدقون بما أنزل إليك وبالمقيمين الصلاة أي بمذاهبهم وبدينهم»[17].
ويبدو لنا أنّ ظاهرة طول الكلام التي تحدّث عنها القدامى كانت معياراً بارزاً وذات قيمة في اختيار التراكيب اللغوية الجائزة من غيرها، فقد جوّز الخليل بن أحمد حذف صدر صلة الموصول مع قلته، وقد سوّغ ذلك بطول الصلة، إذ أجاز أن يقال:( ما أنا بالذي لك شيئاً) بحذف (هو)، والأصل أن يقال:(ما أنا بالذي هو قائل لك شيئاً)، ولماّ طالت الصلة جاز الحذف، غير أنّه لا يجوز في مثل قولنا:
(ما أنا بالذي هو منطلق) لقصرها[18]،وهذا لا شك مما يقتضيه الكلام العربي إذ أتاحت العربية «لأهلها قدراً كبيراً من حرية المخالفة التي ينطوي عليها نظامها اللغوي، وأفسحت المجال أمامهم رحباً للتعبير عن أغراضهم وفقاً لمقتضيات النظام ومطالب فنون القول وجمال العبارة وهو ما جسده القرآن الكريم»[19].
وعليه فإنّ قيمة هذه النظرية تكمن في كيفية تعلّم بعض قواعد النحو العربي، انطلاقاً من الحسّ الصوتي أو السليقة العربية التي زود بها العربي، فيفاضل بين مختلف التراكيب، فيقبل تركيباً دون آخر ويجيز وجها دون وجه بالاعتماد على العلل الصوتية، فقد فسّر البكاء لجوءهم إلى نصب الاسم بعد (إنّ) بتأثير ثقل إنّ الصوتي، فقارن بين التركيبين (إنّ اللهَ كريمٌ) بنصب الاسم، وبين تركيب:(إنّ اللهُ كريمٌ) بالرفع، فكأنَّ العربي نصب الاسم بعد (إنّ) للابتعاد عن الثقل الذي سينجم لو رفع الاسم بعد (إنّ)، وشتّان ما بين التركيبين من حيث النطق، لذا فحينما يفصل بين (إنّ) واسمها بـــــــــــ(ما) الكافة يرفع اسمها فنقول:( إنّما اللهُ كريمٌ )، حيث أبعدت ( ما ) تأثير( إنّ ) الصوتي الثقيل[20].
وإذا ما رجعنا إلى ما قلناه سلفاً من حيث إنّ الفعل أثقل من الاسم والحرف، أدركنا سبب الحذف الذي يعتري بعض الأفعال ذات المقاطع الطويلة، كالأفعال الخمسة وهي:(يكتبون يكتبان تكتبين…) لما فيها من الزيادة (الواو والنون)، لذا يُلجأُ مطلقاً إلى حذف النون من آخره في حالتي النصب والجزم «بسبب تقدم الحرف الجازم أو الناصب الذي يورث الفعل طولاً يثقل به اللسان»[21]حينما تقول (لم يكتبا ولن يكتبا ولم يكتبوا) وهكذا، ولا يطرد هذا إلاّ مع الحروف المختصة أي المختصة بالفعل مثل: (لم ) و(لن) ههنا، أمّا ما لا يختص فلا، إذ يجوز لنا أن نقول: (لا يكتبون) لأنّ (لا) النافية غير مختصة وغير لازمة للفعل، فلما اختص الحرف بالفعل مثل:( لم ولن ولا الناهية ) ولزمه، أثر فيه، وأضحى الفعل ثقيلاً معه لملازمته إياه.
وكذلك الأمر بالنسبة لبعض القضايا الصرفية كمسألة النسبة، وما اتصل بالبُنى الصرفية المختلفة ففي النسبة إلى (فَعِيلَةٍ)كقولنا حنيفة، يحذف منها الياء والتاء طلباً للتخفيف، ومثلها جليلة فنقول:(جللي)، وهكذا معظم مباني الصرف التي بنيت على ضوابط صوتية دقيقة، ترجع كلّها إلى حس العربي الصوتي وذوقه وطبعه الخلاق.
وكثيراً ما كان سيبويه يشير إلى مسألة ثقل الحروف في البنية الصرفية، وخاصة ما كان من نفس الجنس، كتضعيف بعض الحروف، فعلى الرغم من أنّ حذف الياء من (فعيلة ) هو القياس في النسبة، غير أنّ سيبويه نقل عن يونس أنّه لا يحذف الياء من شديدة لكي لا تلتقي الدالان لو قالوا (شدديّ) في النسبة إلى (شديدة)، يقول سيبويه:« وسألته عن شديدة فقال: لا أحذف لاستثقالهم التضعيف وكأنهم تنكّبوا التقاء الدالين وسائر هذا من الحروف»[22]، فلم يحذفوا الياء مخافة التثقيل ولو كان هو القياس، ولتكون الياء فاصلة بين الدالين؛ لأنّ توالي الأمثال غالباً هو علّة الاستثقال، لذا اضطرّ النحاة إلى حذف بعض الحروف وإبدالها من بعض؛ كالنسبة إلى أميّة، فقالوا فيها أمويّ، إذ حذفوا إحدى الياءين وأبدلوا الواو من الياء الأخرى المنقوصة، ثم أضافوا ياء النسبة فقالوا (أُمويّ) خوفاً من الثقل الذي يسببه توالي أربع ياءات[23] .
وهكذا يجري باب النسبة عند سيبويه الذي بناه على فكرة الثقل والخفة، فكان يعلّل الحذف والإبدالات جميعاً في هذا الباب بالثقل الذي يلزم أحياناً الحذف، يقول في ذلك: «وإذا ازداد الاسم ثقلا ًكان الحذف ألزم»[24].
وممّا يجدر بنا قوله في هذا السياق أنّ هاته القضايا التي وإن كانت تبدو وثيقة الصلة بالجانب الصوتي والأصوات وهي كذلك، غير أنّها ليست «بياناً لقضايا صوتية» محضة، بل ترتدّ بصفة أدق إلى السليقة والحس الصوتي، وإلى طبع المتكلم في النطق[25].
وقبل أن نبيّن قواعد نظرية الحس الصوتي بالنسبة لبنية الكلمة ، أو قواعد التركيب الصوتية، حقيقٌ بنا أن نستعرض هيكل التراكيب اللغوية كما جاء في نظرية الحس الصوتي، وارتأينا أن نظهره في مخطط بياني يبيّن التراكيب اللغوية كما جاءت عند سيبويه في الكتاب، ثم نبيّن بعض الظواهر الصوتية في اللغة العربية التي سيتم استثمارها في نظرية الحس الصوتي.
ويقصد بالإسناد الفعلي المسند وهو الفعل، والمسند إليه وهو الاسم (فعل+اسم)، وبالإسناد الإسمي
المبتدأ والخبر (اسم+اسم)، أو الاسم ثم الفعل (اسم+فعل)، وبالمركب الإضافي حرف الجر، أو المضاف والمضاف إليه، و بالمركب الإتباعي النعت والمنعوت، والبدل والمبدل منه، والتوكيد والمؤكد، و المعطوف و المعطوف عليه، حيث يكون حكم الثاني تابعاً لحكم الأول في إعرابه، وهذه التراكيب الأربعة هي التراكيب التي اشتمل عليها كتاب سيبويه[26].
الظواهر الصوتية في اللغة العربية:
لقد ذكر البكاء بعض الظواهر الصوتية التي جعلها منطلقاً لنظرية الحس الصوتي هذه، وتتلخص هذه الظواهر في ما أشار إليه بعض الباحثين في الدرس اللغوي الحديث، كالظواهر التي تطرّق إليها إبراهيم أنيس في الأصوات اللغوية، مثل ظاهرة المماثلة أو الانسجام الصوتي بين أصوات اللغة،« أو المشابهة بينها ليزداد مع مجاورتها قربها في الصفات أو المخارج»[27]،ولقد أشار سيبويه قبله إلى المماثلة بمصطلح آخر وهو المضارعة، ويذكرها في بعض الأحيان بمصطلح ثانٍ وهو التقريب وكلّها بمعنى واحد[28]. فمن المماثلة قلب فتحة باء كتب عند إسناد الفعل إلى واو الجماعة كتبوا، وذلك للانسجام الصوتي.
2-المخالفة: كأنْ تشتمل كلمة على صوتين متماثلين مماثلة تامة، فيقلب أحد الصوتين المتماثلين إلى صوت آخر، فيخالف بين الصوتين المتماثلين لتيسير النطق[29]،وغالباً ما يغيّر الصوت إلى صوت لين طويل أو إلى ما يشبه أصوات اللين، كاللام والنون كقولهم: الطحّ البسط :طحا كسعى: بسط.
فخالفوا فاستعاضوا عن الحاء بالألف فقالوا (طحا) بدل ( الطحّ )، والمخالفة أشار إليها سيبويه أيضاً ولم يخصّها بالاهتمام، ووصفها بكراهية التضعيف، وجعلها عامة لا تختص بحروف اللين وما شابهها[30]، وهو ما صرّح به إبراهيم أنيس، ولكن سيبويه وصفها بقوله: « باب ما شذ فأبدل مكان اللام لكراهية التضعيف»[31]، ففي قوله (التضعيف) إشارة إلى المماثلة بين حرفين، ثم ذكر سيبويه ما أبدل فيه مكان اللام الياء، وذكر مثل (تظنيت) مكان (تظننت)، فيظهر أنّ الحرف الذي جُنحَ إليه هو الياء وسوّغ سيبويه ذلك بالخفة، بينما سوّغه إبراهيم أنيس بتيسير المجهود العضلي في النطق[32]، والأمر نفسه فيما نحسب.
إذن لم نر أيّ تقصير في تعرض سيبويه للمخالفة أو لهذا الإبدال الشاذ كما وصفه سيبويه إذا استثنينا عدم وضعه للمصطلح فقط، بل يكاد يكون ما ذكره إبراهيم أنيس قد ذُكرَ عند سيبويه.
وجعل البكاء من المخالفة قولهم:(قطّ)، و(قطع) وكتْب بإسكان الباء بدل فتحها.
الحذف: وقد بيّن البكاء أنّ حذف بعض الأصوات وارد في الغالب، وأشار إلى أنّ إبراهيم أنيس لم يذكره، ووجدنا أنَّ سيبويه ذكره في مواضع كثيرة كحذف النون في الجزم (لم يدرسا)، وحذف الحرف لالتقاء الساكنين(لم يبعْ )، و(لم يقلْ)، و(لم يخافا ولم يقولا)، ويُرْجِعُ سيبويه ذلك للاستثقال[33].
بناءً على ما تقدم ذكره بالنسبة لهاته الظواهر الصوتية القديمة تتنزل نظرية الحس الصوتي لتستعين بهاته الظواهر في النحو والصرف وفي الكلمات والجمل، فمن ذلك المماثلة والمطابقة في التذكير والتأنيث بين المبتدأ والخبر مثلاً، والمطابقة والمماثلة في إعراب النعت والمنعوت وهكذا[34]. ونجد المخالفة في الفعل الذي سبق ذِكرُهُ، وهو الفعل(كَتَبْتُ)، وفي النصب بعد تمام الكلام، أو النصب بعد الإسناد الكامل كنصب الفضلات، وقد ذكرناه في الصفحات السابقة ، أما الحذف فنحو الجزم وحذف التنوين من الممنوع من الصرف[35] .
معيار الخفة والثقل في بنية الكلمات الصوتية:
لقد سبق البيان إلى أنّ العربي كان يتوخى الخفّة في كلامه، ومن ثمّة فقد بنى كلّ كلامه على هذا المعيار، بغية تيسير النطق وبذل مجهود أقل في أثناء الكلام، فالعربي لا يبتدئ بساكن، لذا يجلب همزة الوصل للتوصل بها إلى النطق بالساكن لتعذر الابتداء به، وذلك عندما نصوغ فعل الأمر من الفعل المضارع وحذف أوله كقولنا: (يدرس، ادرس) وهكذا مع جميع المبنيات التي لازمت حركة واحدة لكثرة تداولها، ولقد صاغت نظرية الحس الصوتي قاعدة في المبنيات، وهي أنّ كلّ مبني يبنى على ما يلفظ به إلاّ فعل الأمر فإنّه يبنى على الحذف (حذف الحركة أو حذف حرف العلة أو حذف النون)[36]، فالفعل الماضي مثلاً يبنى على ما يلفظ به؛ أي على الفتح كــــ(دَرَسَ)، أو على الضم كـــــ(ادرُسُوا)، أو على السكون كـــــ(دَرَسْنَ)، ويسري الأمر على جميع المبنيات من الأفعال والأسماء، حتى الأسماء المركبة منها كسيبويه وخالويه والعدد المركب[37].
وتمنع من الصرف جميع الكلمات الثقيلة على الألسنة، ويبدو أنّ علّة المنع من الصرف هي كون هاته الكلمات ثقيلة فمنعت من التنوين ومن الجر بالكسر[38]، ويشير سيبويه إلى أنّ الممنوع من الصرف لا يصرف إما لثقله، أو لعدم تمكنه، أو لعجمته وبعده عن العربية واستنكاره بذلك، أو لبنائه الذي لا يكون للواحد كبناء مفاعل ومفاعيل، إذ يشير هذا البناء لغير الواحد(المفرد)[39]، أو كان يشبه الفعل في الثقل أو ما خالف بناءه الأصلي كعمر من عامر وزُفر من زافر، أو خالف بابه وغير ذلك[40]، أما إذا أضيفت أو عرّفت صُرِفَتْ لأنّها أَمِنَت التنوين، إذ لا ينون المضاف والمعرف البتة [41]،كذلك إذا خفّ بناء الاسم فكان بثلاثة أحرف نُوِّنَ وصُرِفَ لتمكُّنِه في الكلام[42]،كما صرفوا نوحاً ولوطاً وهوداً وغيرهم[43].
وأمّا المؤنث فقد امتنع من الصرف لثقله من باب أنّ التأنيث أثقل من المذكر، وأنّه أي التأنيث قليل في استعمال العرب وذكرهم إياه، فالعرب تكثر أسماء الرجال فيقولون فلان ابن فلان ولا يقولون فلان ابن فلانة « لصيانتهم أسماء النساء وقلة استعمالهم لها»[44]، فلمّا قلّ استعمالها ثقلت، إذ ما قل ثقل وما كثر خفّ، ألا تراهم أجازوا في المنادى يا الله ومنعوا نداء ما فيه الألف واللام نحو يا الرجل، وخف لفظ القاف عند المصريين في لفظ (القاهرة) لكثرة تداولها على ألسنتهم وجعلوها مخففة في نحو(القلب)، و(القلم)[45].
ويدخل في باب ما ثقل أيضا المركب سواء ما كان من الأعداد أو ما ركب تركيباً مزجياً كسيبويه، وقد سبق ذكره[46].
أمّا ما خالف ما ذكرنا فهو خفيف فيعرب ويصرف وينون ويخالف ما ثقل، ليتبيّن أنّ معيار الخفة والثقل هو الذي راعاه العربي في كلامه، وأنّ القاعدة النحوية أو الصرفية مبنية في مجملها على هذا المعيار لذا وانطلاقاً من نظرية الحس الصوتي يمكن أن نفسّر العديد من الأحكام اعتماداً على الحس الصوتي المبني هو أيضا على بعض الظواهر الصوتية والخفة والثقل وكلفة النطق عند المتكلم.
قواعد التركيب الصوتية:
وهي عشر قواعد أطلق عليها المؤلف اسم الوصايا العشر، سوّغ من خلالها بعض الظواهر النحوية كالنصب والحذف والمماثلة والمطابقة والمخالفة من منظور نظرية الحس الصوتي وسوف نجلي هذه القواعد العشر بالشرح والتمثيل وباختصار كلمّا أمكن ذلك.
القاعدة الأولى: تنصب العربُ دائماً كما سبق البيان بعد تمام الكلام، وبعد لفظ يحسن السكون عليه تقريباً، وعادة يكون تمام الكلام بالنون أو بالتنوين أو بالإضافة، فبالنون كقولهم:(عشرون درهماً) وكذلك جميع ألفاظ العقود، وبالتنوين كقولهم:(زيدٌ كاتبٌ الشعرَ)، فالشعر منصوب بعد تمام الكلام بالتنوين، وتمام الكلام هنا يقصد به عناصر الجملة الأصلية أو العُمَد، حتى وإن كان المنصوب هنا واجب الذكر، لكنّه يبقى من الفضلات كالمفعول به هنا، والنحاة يجعلون المفعول به مع بقية المفعولات الأخرى فضلات، جاء في شرح الكافية للرضي الأسترأباذي قوله « والحق أنْ يقال النصب علامة الفضلات-في الأصل- فيدخل فيها المفاعيل الخمسة والحال والتمييز، وأما سائر المنصوبات فعمد شبهت بالفضلات كاسم إنّ واسم لا التبرئة وخبر ما الحجازية وخبر كان وأخواتها»[47].
وأمّا ما ينصب بعد الإضافة نحو:( إكْرَامِي المُعلِّمَ وَاجِبٌ)، و(ضربي العبدَ مُسِيئاً)، فنصب المفعول به وهو فضلة بالمصدر بعد تمام الكلام بالإضافة.
القاعدة الثانية: ينصب الاسم أيضا بعد تمام الكلام وذكر المسند والمسند إليه، كما هو الحال في التمييز والمستثنى والحال والتعجب كقولنا: ما أحسَنَ السَماءَ.
القاعدة الثالثة: ينصب الاسم بعد ما يشبه الفعل، وذلك كما بينا من قبلُ؛ لأنّ الفعل أثقل الكلم فلما شبهت به(إنّ) ثقلت مثله، نحو:( إنّ زيداً قائمٌ )، فلو فصل بينها وبين الاسم رفع الاسم؛ لأنّه زال الثقل المباشر كقوله تعالى: (إنْ كُلّ نفْسٍ لماَ عَليهَا حَافِظٌ)[الطارق/4]، وقوله: (إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات/10].
القاعدة الرابعة: وتشير إلى طول الكلام وقد سبق ذكره
القاعدة الخامسة: وتشير إلى الحذف والحذف له مسوغاته الحسية ،كأن يدخل للحد من طول بعض المقاطع، وقد أشرنا إلى بعض منها في ما مضى أيضاً.
القاعدة السادسة: وقد يحذف للتعجيل في أمر أو نهي قصد الإسراع في تنفيذ ذلك الأمر أو النهي عنه فحينما يتَعَجَّلُ العربي لتنفيذ أمر ما فإنّه يلجأ إلى تقليل المقاطع الصوتية بالحذف، كجزم فعل الأمر في قولنا: اُكتُبْ = حذف حركة
اُدْعُ = حذف حرف
اُدْرُسَا = حذف النون وهكذا[48].
كما يجري الحذف في النهي أيضاً نحو: لا تنه عن خلق وتأتي مثله، ويلجأ العربي لتقليل المقاطع الصوتية إلى استعمال صيغ أقل طولاً من الفعل، وهي ما يعرف بأسماء الأفعال فيقول: صَهْ بمعنى اسكت ومَهْ بمعنى أكفف، وفي العامية العربية نقول (أس) بمعنى اسكت اختصاراً، وهي كما يبدو لفعل الأمر فقط، وقد جعلها للأمر والنهي[49].
القاعدة السابعة: وفيها الحذف لتوالي الأمثال، كقولنا: (لتدرسُنَّ) وأصلها (لتدرسوننَّ)، فحذفت نون الفعل لتوالي الأمثال؛ أي توالي نون الفعل ونون التوكيد المشددة، وكذلك الحذف لالتقاء الساكنين وهو واضح[50].
القاعدة الثامنة: وهي المماثلة الصوتية كأنواع الإدغام وكالإضافة إلى ياء المتكلم في قولنا: هذا بيتي حيث لا تظهر الضمة على التاء في الرفع هنا؛ لأنّ التاء تحت تأثير الياء، مما جعلها تكسر لتجانس الياء[51].
القاعدة التاسعة: وهي المطابقة وتعني مراعاة النسق الصوتي بين الألفاظ المتوالية، كالمطابقة في التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية، ويكون ذلك في المبتدأ والخبر كقولنا: (زيدٌ نَاجِحٌ )، و( الزيدانِ نَاجِحَانِ)
و( هند ناجحة )، ويكون أيضاً في الفعل والفاعل أو نائب الفاعل، وفي النعت والمنعوت، أو ما يقع في إعراب التوابع عموماً[52].
القاعدة العاشرة: وهي المخالفة الصوتية كتعاور الحركات في الأسماء والأفعال، ومخالفتها لبعضها حتى لا تتوالى المتشابهات، كــــــلفظ ( مدرِّسِينَ )، حيث غيرّت النون لمخالفة السين المكسورة، والياء حاجز غير حصين، وفي المثنى كلفظ ( مُدَرِسَينِ )،حيث غيرّت النون لمخالفة السين المفتوحة، والياء كذلك حاجز غير حصين، وفي الأفعال كقولنا:( أكرمْتُ الطَالباتِ ) «غيّر فتح الفعل(أَكرَمَ) للسكون لمنع توالي الحركات في الفعل والتاء»[53]، ومنها كذلك إسناد الفعل للضمائر مع المخاطب والمثنى والجمع، حيث اختير ضم التاء الثانية في قولنا: ( كَتَبْتُمَا وكَتَبْتُمْ وكَتَبْتُنَّ )، إذ لو فتحت لتوالت الأمثال، ولو حركت بالكسر لكانت ثقيلة على أنّ سكون الباء حاجز غير حصين[54].
نظرية الحس الصوتي والعامل النحوي:
لقد جعل البكاء نظرية العامل اصطلاحاً عبّر به النحاة عن التأثير الصوتي الذي تحدثه الألفاظ في بعضها، وسمّى النحاة تلك المؤثرات بالعوامل، وقد عبّر عنها المستشرق كارتر بمصطلح (القوة)، وهي قوة «أدركها العربي بحسه الصوتي اللغوي»[55]،ولقد عبّر النحاة بالعمل لأغراض تعليمية فقط، مما يجعل نظرية العامل تفسيراً تعليمياً قام به النحاة، يرتكز في مجمله على الحس الصوتي العربي المرهف وعلى مؤثرات صوتية محضة[56].
نظرية الحس الصوتي والإعراب:
وأما الإعراب فقد ربطه البكاء ببعض القواعد الصوتية، وذلك بتحديد نوع المركب أولاً؛ كأن يكون مركباً اسمياً أم مركباً فعلياً، ثم تحديد نوع الكلمة ووظيفتها وبنائها وإعرابها وعلامته، وأما بالنسبة لإعراب الجمل الاستفهامية فقد اقترح أن يكون إعراب أسماء الاستفهام هو إعراب جوابها وهكذا، كقولنا: «كيف أنت؟ فكيف خبر مقدم يقابل إعراب (أنا بخير) وتقول: كيفَ جئتَ؟ فيه (كيف) حال يقابل جوابها (جئت راكباً)…»[57]، فجوابها كذلك حال، وقولنا مثلاً:( مَنْ رَأَيْتَ اليَومَ؟) فالجواب رأيت زيداً فيكون الجواب مفعولاً به و(مَنْ)كذلك اسم استفهام في محل نصب مفعول به وهكذا.
ولم يربط البكاء القواعد الصوتية بالإعراب فحسب، وإنّما طبقها على بعض الأبواب النحوية كالمرفوعات والمنصوبات والمجرورات والتوابع والأفعال وما يعمل عملها وغيرها، ونلفيه في كلّ مرة يُرجِعُ الباب إلى إحدى القواعد العشر التي سبق بيانها، ويفسّر ذاك الباب في ضوئها[58].
وتجدر الإشارة إلى أمر مهم في عملية تعليم قواعد النحو، وهو أنّه لماّ ذكر المنصوبات وذكر من بينها الاستثناء نبّه إلى مسألة جعلها قاعدة مطردة في الاستثناء، وهي أنّ «شرط الاستثناء أن يتناول ما له علاقة بالكثرة والقلة»، كقولنا: (جاء القومُ إلاّ واحداً)، أمّا في مثل قولنا:( ماجاءَ غيرُ زيدٍ)، فليس من الاستثناء، وكذلك قوله تعالى: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ غَيرُ اللهِ لَفَسَدَتَا فسبحَانَ اللهِ رَبِّ العَرشِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الأنبياء/22].
إذ لا يمكن إعراب (إلاّ) ههنا استثناء، بل تكون صفة على تقدير (غير الله)؛ لأنّها لا تدل على قليل أو كثير[59].
نظرية الحس الصوتي وفروع اللغة:
لقد أشار البكاء هنا إلى علاقة الحس الصوتي ببعض فروع اللغة كالإملاء والقراءة والآداء الكلامي وتطرق إلى ظواهر لغوية صوتية، كظاهرة التنغيم في الجمل الاستفهامية والجمل التعجبية والجمل الخبرية، مما له علاقة بالمعنى الذي يريده المتكلم[60].
الخاتمة:
نخلص مما سبق إلى أنَّ نظرية الحس الصوتي نظرية تعليمية، تبتغي تعليم قواعد النحو العربي وفق منطوق العربي وسجيته اللغوية، ولم تأت هذه النظرية لتزيل أو ترد بعض القواعد التي جاء بها النحاة بل على العكس من ذلك تماماً، إذ تكمن قيمتها العلمية في أنها مستنبطة من كتاب سيبويه نفسه، وما نص عليه هو نفسه من استقراء كلام العرب وتحليله بعد ذلك، ولله درُّ قطرب النحوي لما قال: « أنا مذ ثلاثون أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه»[61]، وكان يعني أنّه تعلّم الحديث وفقِهَهُ لماّ عَلِمَ كتاب سيبويه إذ أخذ منه منهج النظر والتفتيش، لذلك تُعدّ نظرية الحس الصوتي منهجاً جديداً لفهم كتاب سيبويه وتعليم النحو العربي وفق ما أملاه، تقوم على معايير وأصول كثيرة كان يراعيها العربي في كلامه كالثقل والخفة والكثرة والقلة والتشابه وهلم جراً.
ولقد استنتج الباحث محمد كاظم البكاء من خلال نظريته هاته تعريفاً جديداً للسليقة العربية، انطلاقاً من نظرية الحس الصوتي مفاده، أنها ذلك الحس الصوتي اللغوي، الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للعرب، مبنياً على تطلب الخفة في اللسان.
كما عدّ الباحث ظاهرة طول الكلام التي تحدّث عنها القدامى معياراً بارزاً، وذات قيمة في اختيار التراكيب اللغوية الجائزة من غيرها، إذ جوزوا الحذف بعد طول العبارة كما فعل الخليل بن أحمد.
بيّن البحث أيضاً أنّ نظرية الحس الصوتي توصلت إلى نتيجة مفادها أنّ نصب الكلمات في الجملة كنصب الفضلات مثلاً، يقوم على ظاهرة تمام الجملة ونهاية المركبات اللغوية الإسنادية، كقولنا:(جاءَ زيدٌ مسرعاً )، إذ نُصبَ الحال هنا بعد تمام الجملة الفعلية وإفادتها وهكذا مع التمييز والمستثنى والمفاعيل.
مصادر ومراجع الدراسة:
القرآن الكريم برواية حفص عن عاصم.
1-الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة،1992م.
2-إعراب القرآن الكريم وبيانه محي الدين الدرويش، دار اليمامة ،دار ابن كثير دمشق بيروت ،دار الإرشاد للشؤون الجامعية،ط7، 1420ه/1999م.
3-الخصائص ،ابن جني عثمان، تح،محمد علي النجار، دار الكتاب العربي بيروت لبنان،1952م.
4-السماع اللغوي العلمي عند العرب ومفهوم الفصاحة، عبد الرحمن الحاج صالح، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الرغاية الجزائر،(دط)،2012م.
5-شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الأستراباذي، من عمل يوسف حسن عمر، منشورات قار يونس بنغازي ليبيا،ط2، 1996م.
6-شرح كتاب سيبويه ،السيرافي أبو سعيد، تح، أحمد حسن مهدلي وعلي سيد علي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان،ط1،1429هـ2008.
7-الكتاب ،سيبويه، تح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي القاهرة،ط3، 1408ه/1988م.
8-الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء العكبري، وضعه عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان ط2، 1419ه/1998م
9- لسان العرب ابن منظور، دار صادر بيروت لبنان.
10-المذكر والمؤنث، ابن الأنباريأبو بكر، تح محمد عبد الخالق عظيمة،(د ط)،1401ه/1981م.
11-مكانة الخليلبن أحمد في النحو العربي، جعفر نايف عبابنة، دار الفكرط1،1404هـ-1984م.
12-المنصف ابن جني ،تح إبراهيم مصطفى، عبد الله أمين، دار إحياء التراث القديم،ط1، 1373ه/1954م.
13-نظرية الحس الصوتي لتعليم النحو العربي مدخل لدراسة كتاب سيبويه ،محمد كاظم البكاء،معهد المخطوطات العربية،القاهرة،ط1، 1444ه/2018م.
[1] -ينظر الكتاب ،سيبويه، تح عبد السلام هارون،مكتبة الخانجي القاهرة، ط3، 1408ه/1988م ج2، ص404
[2]-السماع اللغوي العلمي عند العرب ومفهوم الفصاحة، الحاج صالح، المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية الرغاية الجزائر، (دط)، 2012 م.
ص40
[3]-المنصف، ابن جني، تح إبراهيم مصطفى، وعبد الله أمين، دار إحياء التراث القديم، ط1، 1373ه/1954م
ج1، ص 32.
[4]-نظرية الحس الصوتي لتعليم النحو العربي مدخل لدراسة كتاب سيبويه ،محمد كاظم البكاء، معهد المخطوطات العربية،القاهرة،ط1، 1444ه/2018م ،ص9
[5]-لسان العرب ابن منظور، دار صادر بيروت لبنان مادة(حسس)ج6،ص49
[6]-الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، أبو البقاء العكبري، وضعه عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان ط2، 1419ه/1998م ،ص54
[7]-نظرية الحس الصوتي،ص11
[8]-نفسه ،ص12
[9]– نفسه،ص11
[10]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص10، 11
[11]-الكتاب،ج1،ص20، 21
[12]-الخصائص ابن جني، تح ،محمد علي النجار، دار الكتاب العربي بيروت لبنان،1952م ج1،ص101
[13]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص12
[14]-ينظر الكتاب ،ج2،ص157
[15]-إعراب القرآن وبيانه محي الدين الدرويش، دار اليمامة ،دار ابن كثير دمشق بيروت، دار الإرشاد للشؤون الجامعية، ط7، 1420ه/1999م، ج2، ص151.
[16]-ينظر الكتاب ،ج2، ص65.
[17]-شرح كتاب سيبويه، السيرافي أبو سعيد، تح أحمد حسن مهدلي، وعلي سيد علي، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، ط1، 1429هـ2008، ج2، ص395.
[18]-ينظر مكانة الخليل بن أحمد في النحو العربي، جعفر نايف عبابنة، دار الفكر، ط1، 1404هـ-1984م، ص6.
[19]-نظرية الحس الصوتي، ص14.
[20]-ينظر نظرية الحس الصوتي، ص11.
[21]-نظرية الحس الصوتي،ص11
[22]-الكتاب ،ج3،ص339
[23]-ينظر نفسه،ج3،ص344
[24]-الكتاب،ج3،ص355
[25]ينظر نظرية الحس الصوتي،ص14
[26]-ينظر نظرية الحس الصوتي، ص17
[27]-ينظر الأصوات اللغوية، إبراهيم أنيس ،مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة،1992م ،ص178
[28]-ينظر الكتاب ،ج4،477، 478 والأصوات اللغوية،ص203
[29]-ينظر الأصوات اللغوية ،ص210
[30]-ينظر الكتاب،ج4،ص224،والأصوات اللغوية،ص211
[31] – الأصوات اللغوية،ص211
[32]-ينظر الكتاب،ج4،ص424، والأصوات اللغوية،ص211
[33]-ينظر الكتاب،ج4،ص157، 158
[34]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص18
[35]-ينظر نفسه،ص19
[36]-ينظر نفسه،ص20، 21
[37]-ينظر نفسه،ص21
[38]ينظر نظرية الحس الصوتي،ص21، 22
[39]-ينظر الكتاب،ج3،ص227
[40]ينظر الكتاب،ج3،ص193 وما بعدها
[41]-ينظر نفسه،ج3،ص193
[42]-ينظر نفسه،ج3،ص221
[43]-ينظر نفسه،ج3،ص235
[44]-المذكر والمؤنث، ابن الأنباري أبو بكر، تح محمد عبد الخالق عضيمة، (د ط)،1401ه/1981م ج1،ص114
[45]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص22
[46]-ينظر نفسه،ص24
[47]-شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الأستراباذي، من عمل يوسف حسن عمر، منشورات قار يونس بنغازي ليبيا،ط2، 1996م.
ج1،ص344
[48]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص30
[49]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص31،والكتاب،ج1،ص241
[50]-ينظر نفسه،ص31
[51]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص32
[52]-ينظر نظرية الحس الصوتي،ص32
[53]-نظرية الحس الصوتي، 32
[54]-ينظر نفسه،33
[55]-نفسه،ص35
[56]-ينظر نفسه،ص35
[57]-نظرية الحس الصوتي،ص40
[58]-ينظر نفسه،41
[59]-ينظر نفسه،ص43
[60]-ينظر نفسه،51، 52
[61] -الكتاب، ج1، ص5، 6.