صورولوجية الجنة بين دانتي والمعري
Sourology of Heaven between Dante and al-Maʿarri
ذ. عثمان بالفقيه، كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، المغرب.
Pr. Outmane belfakih, Faculty of Arts, Mohammed V University, Rabat, Morocco.
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 72 الصفحة 21.
ملخص:
تُتيح الممارسة النّقدية المقارِنة، إمكانية التعرّف عن قرب على الهوّياتِ الثّقافية وتفسيراتِها للظّواهر التي تعاملت معها، وتمثّلُ الآداب الوطنية والمحلّية وثيقةً مهمّة لاستكشافِ معالم هاته الهويّاتِ، ورسالة الغُفران للمعرّي( 449هـ/1057م) ورحلة الكُوميديا الإلهية لدَانتي Dante Alighieri (1265م – 1321م) من النّصوص التي اشتركت -فنّيا- في التّخييل Fiction والاسْتباق prospective وتصوير مشاهد مخيّلة عن الجنّة والنّار، وستُجيب الورقة المعنونة بـ “صُورولوجية الجنّة بين دَانتي والمعرّي”؛ عن الخصائص الصُّورولوجية Sourology التي ميّزت رؤيتين مختلفتين؛ من حيثُ اللّغة، والتاريخ، والثّقافة والدّيانة للجنّة، مع الوُقوف عند التّقاطعات السردية -الفنّية- التي يشترك فيها المؤلّفان، مستثمرين -في ذلك- المفاهيم النّظرية والإجرائية للأدب العام والنقد المقارن.
الكلمات المفتاحية: الصوولوجية، السّردية، السرديات، المثاقفة، النقد المقارن، المعري، دانتي.
abstract
Comparative critical practice provides the possibility of getting close acquaintance with cultural identities and their interpretation of the phenomena they dealt with, especially the collection of national and local literatures that document the various studied cultural visions. Al-Maari’s Rissalat alghofran (449 AH / 1057 AD) and the divine comedy of Dante Alighieri (1265 AD – 1321 AD) Two faces of the same coin , in which fiction, prospective anticipation, and imaginative scenes depicting heaven and hell, This paper entitled “The portrait of Heaven between Dante and Al-Maarri.” , will distinguish the two different views; In terms of language, history, culture and religion of Heaven, with an emphasis on the narrative intersections in which that the two authors shares, this is done by investing in theoretical and procedural concepts of general literature and comparative criticism.
Key words: imagologie, narrative, narratives, erudition, comparative criticism, Al Maari, Dante.
مقدمة
إنّ البناء الاجتماعي لا يعيشُ على انغلاقٍ تامٍ تحصره ُالمجالات الجغرافية والمجالية للبلدان، والفردُ لا يكتسبُ معنى ثقافياً إلاّ في إطار تفاعلهِ الاجتماعي الذي ينزعُ إليه بالطّبع، وعلى هذا الأساس؛ تأتي الحاجة إلى التّعرف على ذاتِ الغيرِ باعتبارهِ شريكاً في الوجود وفاعلاً في التجربة ِالثقافية ِبمفهومها الحصري – الآخر القريب- والموسّع – الآخر البعيد- فــــالثّقافة “خبرٌ يجمعُ ويحافظُ عليهِ وتتناقلهُ المجتمعات الإنسانية، وتُوجد أجواءٌ ثقافيةٌ تخترقُ الحدودَ اللسانية، ك(ثقافة إنسانية ) كَونية مطبُوعة بالممارسة العِلمية والتّقنية، وكذا بإيديولوجية مشتركة-” ([1]).
إنّ الثّقافة بهذا المعنى ليست حكراً على ضربٍ خاصٍ من المعرفة الكلامية أو فُنون القولِ، ولا يحدُّها تغير لغةٍ أو لهجةٍ، أو اختلافُ بشرةٍ أو لونٍ، ولا هي ثقافة أسلوبٍ لفظيٍ أو تصورٍ نحويٍ أو نسقٍ تواصلي؛ بقدر ما هي مفهوم ٌأوسع وأعمُّ من الكلام في حدّ ذاتِه، إنّها ممارساتٌ تحتضنُ الوجود البشري في خصوصيّاته الفكرية الإيديولوجية، وتُدرك كالحالاتٍ قابلةٍ للتجدُّد والانفتاحِ وليست مسلّماتٍ ثابتةٍ.
أولا: النّص والوسيط
1. المقارنة والتاريخ الأدبي المحلّي
الدّرس المقارن هو علم منفتح على كلّ القضايا الإنسانية، فنقارن طرق الأكل وأنماط العيش والعادات والتقاليد، ومفاهيم موضوعاتية من قبيل: البخل، والحب، والموت، والسعادة…، وغيرها من القضايا الاجتماعية والسّياسية، ولعلّ هذه العمومية تتيح لنا القدرة على الانفتاح على روافد ثقافية ومعرفية جديدة، إنه إمكانية معرفة الآخر وفهمه وتفهّمه والاقتراب منه، ومن خلاله يمكننا بناء صِلات فِكرية وثقَافية وأَدبية تتجاوز تُخوم الحدود الجغرافية أو المجالية.
يعملُ المقارن على فهم الظّواهر الثّقافية المحلية وإيجاد الصّلات بينها، فيحاول “ككل علم تاريخي، أن يشمل أكبر عدد ممكن من الوقائع المختلفة الأصل، حتّى يزداد فهمه وتعليله لكل واحد و منها على حدة، فهو يوسّعُ أسس المعرفة كما يجِدُ أسباب أكبر عدد ممكن من الوقائع “([2]) والمقصود أّنه يعمل على المقارنة بين مختلف الظواهر والوقائع، وينبغي أن يتوفّر على أكبر قدر ممكن من المعطيات المتعلقة بالآداب الوطنية، ولذلك يتأسّس عملهُ على التاريخ الأدبي الوطني، ” إنّ المقارنة تفرض ضمنيا معرفة مسبقة، واستعدادا موسوعيا للملاحظة والقراءة والتفسير والتأويل، فلا يمكن للقارئ العادي، في الأدب الوطني الواحد، أن يقارن، بل إنه يوازن ويقابل ويعارض، إذ لابد لكل مقارنة من أن تتم بين لغتي أدبين ومكانين، وفي زمن واحد أو أزمنة متعددة “([3]). فهل يمكننا أن نعتبر الموازنات العربية مقارنات؟
إنّ تاريخ الأدب العربي مليء بالموازنات والمفاضلات، من قبيل الطائيين، والمتنبي وخصومه، وبين القدماء والمحدثين، والطّبع والصنعة، غير أنّ كلّ هذه الممارسات لا تعدو عن كونها موازنات ومقاربات وليست مقارنات، ذلك أنّ الشّرط المركزي هو اختلاف الثّقافات واللُّغات. وانطلاق الدّراسة المقارنة رهينة بمؤرخ الأدب، ومعلومٌ أنّ لِكل أدبٍ تاريخهُ، والتّاريخ الأدبي حمولةٌ فكريةٌ وثقافيةٌ.
على سبيل المثال لا الحصر فرواية “زينب” هي نتاج تفاعل فكري بين حسين هيكل، والفكر الفرنسي خاصّة روسو، ورواية “اللص والكلاب” هي نتاج امتداد ثقافيّ وفكري ساد القاهرة خلال حِقبةٍ معيّنةٍ، ورواية “دفنّا الماضي” لعبد الكريم غلاب، هي نتاجُ سيرورة تعكس تصوّر المؤلّف للواقع المغربي إبّان فترة الاستعمار، ولذلك فالمقارنة تأتي بعد انتهاء دور مؤرخ الآداب ومدوّن رؤاها للوجود، لكن كيف يمكنني التعرُّف على آداب الشُّعوب ولا أعرفُ لغاتِهم ؟ وإلى أيّ حدّ يمُكن الوُثوق بتراجم هذه الآداب؟
2. المقارنة والترجمة – معضلة الوسيط-
على الرغم مّما تُتيح التَّرجمة للمشتغلين بالأدب المقارن من إمكانات ميسّرة للتّعرف على آداب الشُّعوب، إلاّ أنها محفوفة بسُؤالين هامين، يتعلّقان بمدى التزام المترجم بالنّص المصدر، أو خيانته، إذ تتخذُ التّجربة الأولى طابع الحرفية – mot a mot – فلا يحدثُ النّقل إلاّ من خلال البحث الحثيث عن اللفظ المطابق في معجم اللغة هدف؛ للفظ الذي هو بصدد نقله، بمعنى إنّه إعادة إنتاجٍ لنصٍ موازٍ من حيثُ اللفظ ومعناه بلغةٍ غير اللغة التي أُنتج بها، أو بمعنى مجازي إنّه إعادة عزْف المقطُوعة التي أُلّفت على وتريات؛ في آلة مزمارية، مع الحرص الشّديد على إنتاج نفس الصّدَى – المصدر = الهدف -، ونتاجُ هذه الطريقة في النّقل قطعاً ستكون معان أخرى، وقد يردّ ذلك إلى سببين: أولهما أنّه لا يوجد في الكلمات العربية مثلا ًكلمات تقابل جميع كلمات الفارسية، والمساحة المعجمية للغات تختلف باختلاف وجود الشيء (المسمى)، وتداوله عند كل ثقافة، فأسماء (السيف، والناقة، والتمر) عند العرب لا تضاهيها عند شعب الأسكيمو مثلا، ونفس الأمر ينسحب على أسماء الثلج الغير).ولذلك فالنّقول العربية الأولى لم تجد اللّفظ الموازي لتترجم به (التراجيديا والكوميديا والفيزياء)، فَلَوَتْ عنقها تعريبا فقالت ب: ( التراغوديا، القوموديا، الفيزيقا)، وثانيهما أن خواص التركيب والنّسب الإسنادية لا تطابق نظيرها، ذلك أنّ “الاعتبارات اللغوية، تتبع أحوال المخلوقين وعاداتهم، وما يقتضيه ظاهر البنية وموضوع الجبلّة “([4])، ممّا يفيدُ أنّ الدّوائر الثّقافية هي التي تبني الخطاب وتضعُ تخوما لأنساقِ تأويل المعاني المحتملة له، فَتَحْمِل ظاهر اللّفظ إلى ما يقتضيه الحال، فلِكلّ ثقافةٍ حالها وجبلّتها وأنماط تشكُّل المعنى وفق تركيب خاص ([5])، فسَداد الفعل إذا لقي استحساناً وقبولا، فإنّه يُثلج صدرنا، ولنفس الاستحسان خطاب آخر يدفئ الصدر في تركيب إسنادي آخر عند ثقافة أخرى، وقد انتشر هذا النوع مع نقول النصوص الدينية أكثر من الآداب والعلوم.
أما التجربة الثانية: فتقتضي حصول المعنى في الذهن، والتعبير عنه من اللغة الأخرى بجملة تطابقها، وهنا ينصت الترجمان إلى (جبلّة ) السياق الهدف، ليكون النّص المنقول تأليفا مشتقا عن الأصل، ويراعي أحوال أنماط التلقي وخصائص الثقافة المحتضنة لهذا الوافد الجديد، فجمال الترجمة لا يتحقّق إلا من خلال تحقق فعل (الخيانة الذهبية) التي تغرس النّقل في تربته الجديدة فيتّخذ أنساق أخرى من التلقي والتأويل قد تختلف عمّا وضع له ومن أجله كُتب، ومن نماذجه عند العرب حنين بن إسحاق والجوهري، ولم تجد مدام ساندي حرجا من التصرّف وخيانة ما ترجمته من ملاحم هوميروس، لا لشيء إلاّ لأن ” استقامة ” المترجمة أولا(…) ووعيها بضرورة تحبيب الترجمة للمتلقّين الجدد الذين انصرفوا إلى الأمور الأخلاقية والدّينية”([6]) فكانت ترجمة داسيي للملاحم، ونقول إزرا باوند للشعر الياباني، وتحويل سامي الدروبي لروايات ديستوفسكي، نموذجاً راقيا للصدى الجميل الذي أحدثه الأثر الغريب. وعلى هذا الأساس سيكون اشتغال المقارن محفوفا بهاجس الأمانة والخيانة كلما اعتمد النصوص المترجمة في مقارنة الأدب.
ثانيا: صورة الجنة بين المعري ودانتي
1. صورة الجنة عند المعري
1.1- السياق والمساق
انتظمت الرّحلة العربية إلى الجنة في سياق التّراسل بين ابن القارح([7]) والمعري، حيثُ كانت رسالة ابن القارح؛ محفّزاً مركزياً للتّأليف في صورة الجنّة والنّار وما بينهُما، إذ استحسن شيخ معرّة خطاب المُرسِل وفَهِم قَصدَ الهائم الباحث عن التوبة، فجاء في رسالته خوفه وأمله قائلاً: “لكنه كالظمآن إلى الماء، والخائف إلى الأمن، والسليم إلى السلامة والغريق إلى النجاة “([8])، إنّ الرجل باحث عن التوبة وقد دبّ الخوف في قلبه ” وأنا أسأل الله على التّداني والنّوى والبعاد “([9])، فالشّاهد أنّ أبا العلاء سوف يردُّ على ابن القارح في رسالة صاغها في قالبٍ سردي تحت مُسمى “رسالة الغفران”، ويجعله البطل المركزي لأحداث الرحلة الخيالية.
لقد استهل المعرّي وصف رسالة ابن القارح وما لَقَتْهُ من استحسان وقبولٍ في نفسه؛ فشبّهها بالحَمَاطَة لما لقيته من محبة في قلبه فقال “وقد وصلت الرسالة التي بحرها بالحكم مسجور(…) وأن يجعل كلّ حرف منها شبح نور، يستغفر لمن أنشأها إلى يوم الدين “([10]) ومازال يمتدح الرسالة حتى وصفها بالكلمة الطيّبة، ثم استشهد بقول الرسول عليه الصلاة السلام:”ألم تر كيف ضرب الله مثلا ًكلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء”([11]).
هكذا سينطلقُ من أثر الرّسالة، كونها كلمة ٌطيبةٌ، ليجعل الله له بها شجرة في الجّنة، ومن هُنا كانت نقطة وصول ابن القارح إلى الجنّة، فجعل يُصور الجنّة وما لاقاه الرحّالة،” فقد غُرس لمولاي الشيخ الجليل – إن شاء اللهُ – بذلك الثناء شجر في الجنة لذيذ اجتناء ليس في الأعين كذات أنواط*” ([12]) وله ولدان مخلدون في ظلالها، وله الرحيق المختوم يشفي صداعه، هذا الرحيق يغترف بكؤوس من العسجدِ لطالما أراده – أبو الهندي([13])-وهنا إشارة إلى أنه تذكر هذا الشّاعر الماجن بخمرته، فلم يجده في ظلال الجنّة.
2.1- الرّحالة: عين على الدّارين
سيقف الرحالة ناظراً مقارناً بين الدّارين، الفانية والباقية، وقد وجد في جنّة البقاء فُحول الشعراء والمفوّهين، ولمّا نظر الإبريق تذكر تعلّق علقمة به فقال: “لو نظر إليها علقمة لبرق وفرق، وظنّ أنه طرق، وأين يراها المسكين «علقمة» ولعله في نار لا تتغير”([14])، فيقف السارد عند الجنة ونعيمها واصفا، وأخرى عند موضوعات لطالما تغنّى بها الشّعراء وحلموا بها، بل كانت سبب هلاكهم؛ فلم يجدوها يوم يُبعثون، ثمّ قال” ولو بصر بها – الأباريق – لشُغل عن المُدام والصيد”([15]). ويتنقل في الجنّة ويرى الغانية والماء المنهمر فقال: “وفي تلك الأنهار أوان على هيئة الطير سابحة، والغانية عن الماء سائحة” ([16]) أمّا الشراب فإنّ أروقه وأحسنه هناك.
ثم جعل يُقارن بين ما كان في الدّار الفانية من أصناف الخمور ك”خمر: العانة، أذرعات، غزة، بيت رأس، الفِلسطِية*”([17])، أما شراب الجنّة فكأنّه “من الرّقة سرابٌ، لو جرع جُرعةً منه الحَكميُّ * لحَكمَ أنّه الفَوزُ القِدَمي”([18]) ثم انتقل السارد ليحكي رحلة ابن منصور وتجواله حتى وجد أنهارا ًمن عسل، وكأنّها البديل المعَوّض عن تعفُّف الدنيا الفانية وامتناعه شرب الخمر، فوجد بديلاً وخير بديل فقال: “ويعارض تلك المدامة أنهار من عسل مصفّى ما كسبته النحل الغادية إلى الأنوار، ولكن قال العزيز القادرُ: كن فكان”([19])
إنّ الجنّة أنهار من عسل تلذ له الأنفس، وكما هو ظاهر تأثر المعري برحلة الإسراء والمعراج وبالنّص القرآني في محاكاة قوله تعالى: ﴿ إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون﴾([20])، فصورة الجنّة عند المعري تُقارب وصف الرّسول صلى الله عليه وسلم لها، إنّ عسل الجنة ” لو جعله الشارب المحرور غذاءه طول الأبد ما قدر له عارض موم، ولا لبس ثوب محموم “([21]) وذكر أنه وجد فيها أنهارا من لبن وخمر فيه من اللذة ما طاب، “فيها أنهار من ماء غير آسِنٍ، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهاراً من عسل مصفى([22]) إن ّالأصل في اللبن إفصاح ورغوة وتحول، لكنّ المعري يصور لبن الجنة على ثبات اللذة واستقرار المشرب.
إنّ في صورة الجنة شيئا من رحلة الإسراء وشيء من القرآن، ومن وصف السّنة أثر ظاهر، وكثير من أشعار العرب، فلطالما تغنّوا بألذّ ما في الحياة الفانية، فوجده الرحّالة في الجنّة، ومن ذلك قول الحارث بن كلدة في لذة العسل: ([23])“
فَمَا عسَلٌ بِبارِدٍ مَاءَ مُزن بأِشْهى مِنْ لُقِيّكم إلينَا | على ظَمإٍ، لِشاربِه يُشابُ فكيفَ لنَا بهِ ومَتى الإياَّبُ؟ |
أمّا الأنهارُ الخمريَّة، فتلعبُ فيها أسماكٌ هي على “صور السمك بحريّة ونهرية، من الذّهب والفِضّة وصُنوف الجواهر، فإذا مدّ المؤمن يَده، كأنّه رائحة الخزامى” ([24])، إنهّا جنّة المؤمنين دُون غيرهم.
3.1- في نقد الشعر والشعراء
ولعلَّ المساحة النّصية الأكبر؛ تلك التي حازتها الآراءُ النّقدية التي جاءت على لسان ابن القارح، حيثُ وَقف عند أحوال الشُّعراء ومَنازلهم، فمِمّن وجد في الجنّة شعراء وأدباء اختصموا في الدَّار الفانية لكنَّ الصُّلح جرى بينهم في الجَّنة “وقد اصطفى له ندامى من أدباء الفردوس: كأخي ثمالة، وأخي دوس .ويونس بن حبيب الضبي”([25])، فالله نزع ما في صدورهم من غلّ، وكذلك ما كان بين نُحَّاةِ الكُوفة والبَصرة من صراع لُغوي، ثم اجتمع الشُّعراء واللُّغويون فتسَاجلوا لهوا ًوتبارزوا علماً؛ وهذا ” أبو عبيدة يذاكرهم بوقائع العرب ومقاتل الفرسان، والأصمعي ينشدهم من الشعر ما أحسن قائله كل الإحسان”([26]) إنّها جلسةٌ تكْسر الأزمنة وتخترقُ العُصور واجتماع هؤلاء في مجلس واحدٍ جعل أنفُسهم ” تهش بهم للعب فيقذفون تلك الآنية في أنهار الرحيق “([27]).
إلى أن جاءت لحظة التَّذكر والتفكّر، فلطالما تمنوا لو أنّ من كانوا لهم خلاّ معهم اليوم فقال أحدهم وقد تذكر الأعشى : “آه لمصرع الأعشى ميمون، لقد وددت أنه ما صدته قريش لمّا توجه إلى النبي، ولو أنه أسلم لجاز أن يكون بيننا في هذا المجلس، فينشدنا غريب الأوزان مما نظم في دار الأحزان “([28]) ، وقد ذهب الأعشى إلى النّبي يُشهر إسلامَه، لكن قريشاً صدًّته في الطَّريق، وأعطته مالاً وفيراً ونوقا ًوبعيرا، فعاد ليلقى حتَفه في الطّريق، والشّاهد هنا أنّ الرّجل يصوّر أسباب غياب الأعشى عنهم، فلولا هذا لكان مع كلّ من هجاه في شعره أو نبذه واستحقره فكلُّهم في الجنة إلاَّ هو، والسَّارد بين الفينة والأُخرى عندما لا يجدُ الخليلُ رفيقَ الحياة الفانية يتذكّر مَناقبه وما أودى به إلى النَّار.
وإذا لا حظنا الوصف مليًّا فإنّ المعري مشاركٌ لهُ في الدّين وفي الشّعر وفي أخبار العربِ أيّامهَا وأنسَابهاَ، فقد مكّنتهُ موسوعيتهُ من رسم الخُطاطة أو الصُّورة العامة للجنّة ونعيمهَا ورُوَّادهَا، وعندما بلغ الفردوس وجد المنزلة أعلى وأكثْر درجةً، فلهم نعيمٌ أكثر ولذلك “فاليوم لأصحاب الجنّة نجيب يركبه من نُجب الجنة خُلق من ياقوت ٍودرّ، فيسير في الجنّة على غير منهج “([29])، فالمنهج حدودٌ وقواعدٌ وتخومٌ، إلاّ أنّ الجنّة في طولها وعرضها لا منهج يحدُّها ولا قاعدةً تضبطُها غيرَ الحرّية والنّعيم الممْتد، ومن رحمة الله بعباده في جنّته مغفرة الذُّنوب، فقال أحدهم :”أنا ذلك الرجل، منّ الله عليّ بعدما صرت من جهنم على شفير، ويئست من المغفرة والتكفير”([30]) وليست المغفرة فقط بل جعل الكهل شابا مع تغيير الهيئة، ووجدوا الأعشى قد غُفِر ذنبه واستقام ظهره ” فإذا هو بشابّ غُرانق، غَبَرَ في النعيم المفانق، وقد صار عَشاه حَوَرا معروفا، وانحناء ظهره قواما موصوفا”([31])، وقد أُزلف الأعشى الجنّة بعدما كان في سقر وخاطب النبيَّ فقال له ” يا محمد أغثني إن لي بك حرمة ” ([32]) وكانت حرمته أن نظم قصيدة في مدح النبي وفضله وشمائله ومنها قوله :
متَى تُناخي عْند بابِ ابن هاشمٍ أجِدُك لمْ تْسمع وَصَاةَ محُمدٍ | تراحى، وتَلْقى مِنْ فواَضلهِ نداَ نَبِيّ الإلَهِ حِينَ أوْصَى وأشْهداَ |
إنّه من المسيئين المُذنبين مّمن دخُلوا الجنّة؛ لا لشيْءٍ إلاّ لأنهم يوماً أخلصوا صدْق عملهم ونيّتهم وابتغوا فيه رضا الله ورسوله، فنالوا نعيمها، والنَّموذج هو الأعشى؛ إلاَّ أنّ ولعهُ بالخمرة في الدَّار كان سبباً في مروره على السَّعير، فاشترط له النبي عليه السَّلام ألاّ يشرب في الجنة خمراً، ويروي الأعشى قوله: ” فأُدخلت الجنة على ألا أشرب فيها خمراً، فقرّت عيناي بذلك، وإنّ لي منادح في العسل وماء الحيوان “([33]) بمعنى أنّ عطاء الله قادرٌ على أن يُعوّض الّرجل بخيرٍ من خمرةِ الدُّنيا؛ فَفيها لبنٌ صائغٌ شرابه وعسل حلو مذاقه.
وقد بُنيتْ في الجنّة قصوراً مّر صاحبُنا على قصرين منيفين، وإذا هما لشاعرين من الجاهلية “هذا القصر لزهير بن أبي سلمى المزني، وهذا القصر لعبيد بن الأبرص الأسدي”، ورغم جاهليتهما إلاّ أنهما في الجنة، وقد كان زهير كالزّهرة الجِنّية، مبشراً الوجه لا سأم فيه كما عَهِدناه في أشعاره ولا سأم من الدهر وتشاؤم، فقال غفر الله لي فقد “كانت نفسي من الباطل نفورا، وأوصيت بني وقلت لهم عند الموت: إنْ قام قائمٌ يدعوكم إلى عبادة الله فأطيعوه ولو أدركتُ محمداً لكنتُ أوّل المؤمنين”([34]) ورغم جاهلية الرجلين، إلاّ أنّ لهما قصرين منيفين لتعففهما عن الباطل والزور، وكانا يؤمنان ببعثة النَّبي على جاهليتهم.
وقد فَطن الرّحالة أنّ ” أهل الجنة أذكياء لا يخالطهم الأغبياء “([35]) فما إن تخاطب أحدهم إلا وأجابك وعلم قصدك وسؤالك، وقد غفر لعبيد بن الأبرص، على بيت نظمه فجرى بين الناس قوله:
إنّ منْ يسألِ النَّاس يحرمُوهُ ومنْ يسْألِ اللهَ لاَ يخيبُ
فالمرادُ من هذا أنّ صُورة الجنّة ليست في أن تُقيمَ اللّيل ولا تقعدهُ، أو أن تصُوم الدّهر فلا تُفطره، ولكنَ الحكمة في توحيد المألوهِ، وإخلاصِ العبادةِ، وقسْ على ذَلك غَيرهُم من الشّعراء اللذين صنّفهُم النّاس من أصحاب النَّار، فوَجدهُم في الجنّة آمنينَ مُطمئنينَ في بيوتٍ وقصور. ثمّ وجد النّاس يركبُون خيل َالجنّة فتمنَّى رُكوبَها فقال: “فهل لك أن نركب فرسين من خيل الجنة، فنبعثهما على صيرانها وخيطان نعامها”([36]).
ومازال ابن القارح يَطرقُ بُيوتَ النَّاجين وهمْ يصفُون حالهم وحالَ السَّعير والصّراط وأسباَب النَّجاة، “فزرت منزلك مُهنِّئا بسلامتك من الجحيم، وتنعمك بعفو الرحيم”([37]) والناجون في الجنة يروحون ويغدون، ويتزاورون ويهنّئون بعضهم بالجنة.
إنّ النُّزهة عنْد المعري ” لا يُرهَبُ لديها السقم، ولا تنزل بسكنها النِّقم”([38]) وفيها السبح كالمراكب “كل واحد منهما لو عُدِل بممالك العاجلة الكائنة من أولها، إلى آخرها لرجح بها “([39]) فالسَّبحُ خيلُ الجنّة يحملُ أصحابهَا حيثُ شاءُوا، ويُصاحبُ ابنَ القارح في تحرُّكه عدي بن زيد، وإذا هُمَا برجلٍ يحتلبُ بقرةً في إناءٍ من ذهبٍ فشربوا شيئاً ممَّا احتلبَ وكانَ مذاُقه ” لو فرِّقت على أهل سقر لفازوا بالخلد شرعاً”([40]) فالمقصود أنّ من شربَ لبنَ الجنّة فقدْ فازَ فوزاً عظيما لعذُوبة مذَاقِه، وبرَكةِ شَرابهِ.
ولم يقُلِ الشُّعراء شعراً في الجنّة، غير أنّهم كانوا يأكُلون ويشربُون فقال عديّ “لقد رُزقت ما يَكِبُ أن يُشغلك عن القريض إنّما ينبغي أن تكون كما قيل لك : ﴿ كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون﴾”([41])، ويمضي وإذا به يلتقي شابان (النابغة ذبيان، نابغة بني جعدة )، وقد دخل الذُّبيَاني الجنّة على جاهلية ولم يُدرك البِعثة إلاّ أنه كان مقراً بالله وحجّ البيت في الجاهلية، وقد اجتمع فطاحِلَة الشُّعراء من النَّابغتَين وأبي بصير وأبي أُمامة وثُلّة من الشّعراء الذين نالوا رضا الله وتاب عليهم، وفي اجتماعهم هذا تذكر ابن القارح قوله تعالى : ﴿وهو على جمعهم إذا شاء قدير﴾”([42]) إنّه اجتماع منادمة بين الشّعراء، فجعل كلّ واحدٍ يتذكّر شعرهُ وحصَافةَ قولهِ، وقُدرتهِ، وشَاعريتهِ على الآخرِ.
وفي سِجال الشُّعراء وتذكُّرهم، جمع الله تعالى بقدرته، ” إلا والرواة أجمعون قد أحضرهم الله القادر”([43])، ومن الرُّواة من نال الجنّة فتساءَلوا عن تصْحيفِ الشُّعراء، ونَحلهم وتصْحيفهم، ولمَّا ذكروا شعراً نُسِبَ إلى الأعشى قال لهم:” ما هذه ـ المقطوعة ـ ممَّا صدَر عنّي، وإنّك منذ اليوم لمولع بالمنحولات “([44])
ثم لقي لبيد بن ربيعة بن كلاب، وكان يعيش في قصر له خدم، وتزهد عن الشعر فقال: “هيهات. إني تركت الشعر في الدار الخادعة، ولن أعود إليه في الدار الآخرة، وقد عُوضت ما هو خير وأبر”([45]) ومازالوا يشرحون الأشعار تأويلاً وتفصيلاَ، فتارة يُشهد لصاحبها بعُلو المنزلَةِ، وأخرى يعقبون عليها ويعلّقون.
إنّ الجنّة عطاءٌ من الله انتقى فيها خيرةَ عبادهِ ” جنّة ربنا الموهوبة لغير الممارين “([46]) لهم فيها جواري ليست كجواري الدنيا الفانية، لقد أوتوا “بالحكمة حفظ الأشعار.. فجئن بها متقنة، ملحنة،”([47]) بل أكثر من ذلك أنّ هذه الحُور العَين تُصاحب منْ في الجنّة إلى منزلهِ فتنشُد لهُ أعذبَ الألحانِ ” فاختر لك واحدة منهن فلتذهب معك إلى منزلك، تلاحنك أرق الألحان وتسمعك ضروب الألحان “([48]).
وقد أعرض أغلب الشّعراء عنه لمّا وجدُوا من نعيمِ الجنّة ونسوا شِعرهُم؛ حتى قال أحدهم لابن القارح : “لقد شغلني عنها النعيم الدائم فما أذكر منهما بيتاً واحداً”([49]) فجعل يصفُ له النّعيمَ الدّائم ” أغترف في مرافِدِ، العسجد من أنهار اللبن، فتارة ألبانُ الإبل، وتارة ألبانُ البقر، وإن شئت لبن الضّأن فإنه كثير جمّ وكذلك لبنُ المعيز (…)”([50]) ومن النّاس في الجنّة من أدخلوها بعد مروهم على النَّار، بفضل صكّ توبة وإذا كان صكّ الأعشى هو بيت تعفّف فيه عن المحارم – أنموذجاً -، فإنّ صكّ تميم بن أبي مقبل هو شعر قاله في رضوان – خازن الجنّة، إلاّ أن رضوان لا يعرفُ ولم يُسمع به قطٌّ، فجعل يقول له ” والشّعر جمع شِعر، والشّعر كلام موزون تقبله الغريزةُ على شرائط… فجئت بشيء منه إليك لعلك تأذن لي دخول الجنة”([51]) ومازال ينتقّلُ من خازن لآخر، وما من بيت قاله في مُلوك الدّنيا الفانية إلاّ وجعل اسم الخازن عليه، لكن لم يقب بيتاً ممّا قاله، وردّ عليه:” أتأمُل أن آذن لك بغير إذنٍ من ربّ العزة ؟ هيهات هيهات”([52]) ويتذكّر كيف أنه كان ينشد بيتاً أو بيتين إلاّ والملوك قد أعطتهم سُؤلهم وأغنتهم، لكن هيهات أن يكون له ذلك من الخازن.
وما زالت الرّحلة مُمتدة في الجنّة حتى لقي حُميد بن ثور وكان بصيراً في حياته، إلاّ أنه في الجنة مُكّن من قدرة النّظر؛ وحدةُ البصر فكان يرى الجنّة من مشرقها إلى مغربها فقال :” إني لأكون في مغارب الجنة، فألمح الصديق من أصدقائي وهو في مشارقها، وبيني وبينهُ مسيرة ألوف أعوام للشّمس التي عرفتَ سرعة مسيرها في العاجلة “([53]) فالمقصود أنّ المرء في الجنة يعوض بخير ما كان عليه شأنه في الدنيا، والشاهد من الوصف هنا هو أنّ مساحتها تُقاس بمسير آلاف الأعوام، دليلاً على كِبر وُسعها، وشاسعة عرضها.
4.1- مأدبة الجنة
ولما لقي لبيداً بن ربيعة الكلبي وقد أعطاه الله ثلاثة بيوتٍ في الجنّة فيهما من الحُسن والجمال، طِبقاً لثلاثة أبياتٍ نظمها في الدّار الفانيّة تغنَّى فيها بفضل التّقوى، والحمد على المِنَنِ وتعظيم جلاله وعُلو شأنه ِوقدرهِ، فقال: “صيّرها ربي اللطيف الخبير أبياتا في الجنة “([54]). فلقوا مأدبة جُمع إليها فطاحلة المتكلمين والشُّعراء المخضرمين، والمؤلفين الذين حفِظوا كلام العرب في الكتب، وقد كانت المأدبة على الكوثر وقد أعِدّ فيها أطيب المأكل وأعذب المشرب، والحُور العين يعتملن ويشتغلن، وقد قُدم لأصحابها “ضروب الطير، وجوازل الطاواويس، والسمين من دجاج الرحمة وفراريج الخلد والبقر والغنم والإبل، والماعز والضأن”([55]) وقد حضر أمهر الطهاة باللذة ” وتلك اللذة يهبها الله عز سلطانه “([56]).
إنّ في مأدبة الجنّة ما تشتهيه أنفسهم وتلذُّ له أعينهم، وإذا جاءت الأطعمة دُعي كلّ شعراء الجنّة وأدباؤها، ثم ” توضع الخون من الذّهب، والفواثير من اللجين، ويجلس عليها الآكِلون، فإذا قضوا الأرب من الطّعام، جاءت السُّقاة بأصناف الأشربة، والمسمّعات بالأصوات المطربة “([57]) ولعلّ هذا الوصف كفيلٌ بتقريبنا من الصُّورة العامة للجنّة ونعيمها. ولما أنهوا أكلهم استدعي المُغنّون والمغنّيات من النّاجين؛ إلى الجنّة لا لشيء إلاّ لثوبة قُدّرت لهم:” قُدّرت لنا الثوبة ومتنا على دين الأنبياء والمرسَلين”([58]) ومن عذوبة صوتهما مرت سحابة على الجنة فوصفها قائلا: “محلاّة بالبرق في وسطها وأطرافها تمطر بماء وَرْد الجنة من طلّ وطشّ، وتنشر حصى الكافور كأنه صغار البَرَدِ”([59]) ومرّ حتى لقي شجرة من عَفْز- الجوز- لها ثمر لا يحصيه إلاّ العليم الحكيم، وأنهار من الفقاع (*) لذيذ لا يضاهيه ما كان في الدار الفانية ولو قيس بألذ ما شَرِبته الأمم.
5.1- طيور الجنة وحورها
ومازال يتنقل حتى مَرّ عليه طاووس حسن المنظر لونه من ذهب يجتمع فيصير عظاما ثم يكسوه الله لحما، فتذكر عظمة الله التي أحيت العظام وهي رميم، ثم مرت عليه إوزة ” تمناها القوم شواء… أو معمولة بسُماق، وبعضهم معمولة بلبن وخلّ “([60]) المهم أنهم كما شاءوها لهم. ثم مرّت عليه حوريّتين من الحور العين، ولمّا تكلّمت إحداهما قالت ” أنا حمدونة، وأسكن في باب العراق بحلب، زوجي طلقني لرائحة كرهها في فمي، وكنت أقبح نساء حلب”([61]) فالمقصود أنها صارت من نساء الجنة بل حور عين فيها، ومكَّنها زُهدها في الحياة الفانية من نيل مكانة الحُور. والثاّنية هي توفيق السوداء كانت خدما بدار بغداد، فتعجب لأمرها كيف صارت “أنصع من الكافور”([62]) فالمقصود أن قدرة عطاء الله في جنته لم تقتصر على مِنَنِه أكلاً وشرباً، وإنّما يُعيد السّواد بياضاً ويُنصّع القبح جمالا.
ولما سأل عن الحُور العين أُخبر على أنّهن على ضربين، الأول منهما “خُلق في الجنّة ولم يعرف غيرها، وضرب نقله الله من الدّار الفانية لما عمِل من الأعمال الصالحة”([63]) إنّ نساء الدُّنيا الفانية إذا نالوا الجنّة كانوا فيها حورا عينا؛ لما صلح من أعمالهم، ولهم أشجار تُسمى بشجر الحُور إذا أخذت منها ثمرة خرجت “جارية حوراء عيناء تبرق لحسنها حوريات الجنان”([64])، ثُمّ مضى ابن القارح وإذا بجماعة إوزٍّ تَمرّ عليه، يُخاطبهم – ومن شأن طير الجنّة أن يتكلّم – “وعلى بركة القدير، ينتفضن، فيصرن جواري كواعب يَرفُلْنَ في وشي الجنة، وبأيديهن المزاهر وأنواع ما يلتمس به الملاهي “([65]) وهذه الطيور تفعلُ كل ما تِمر، وتُغرد وتُغني وتُنشد الأوزان فيعجبُ الناس من أمرها “وهزَزَتِ إلى الطرب أشد”([66]). وهاته الحوريات يخاطبن أهل الجنة ومنهن السناء والضياء، إلى أن صعد النار ليرى أهلها وتلك صورة أخرى.
لقد كانت رحلة المعري مليئة بالأحداث والقضايا النّقدية والثّقافية والسّياسية، ولم يكن واصفاً متخيّلاً فحسب، بل ناقداً محلّلاً وحاكماً في كثير من المواضع على مدى شعرية الشّاعر، وصدق الرواة ناقلي الشّعر، وهي رؤية ما كانت لتتشكل لولا موسوعية المؤلف وقدرته على الإحاطة بعدد من القضايا النّقدية والدّينية، ماراً على شعراء الجاهلية والإسلام ثم إلى معاصريه، وواصفاً معالم الجنّة وخصائصها تخيّلا أحيانا وأخرى استثماراً للوصف الإسلامي لها.
2. صورة الجنة عند دانتي
1.2- السياق والمساق
خلال القرن 14 ميلادي، وفي الجانب الآخر سوف يؤلف دانتي رحلته، مستعملاً أسلوباً ملحمياً طبعه السّرد القَصصي، حيثُ يحكي رحلته عبر الجحيم ثم المطهّر ثمّ إلى الجنّة، التي هي مَدار حديثنا مع رحلة المعري، وسنُحاول التّعرف على الصُّورة التي تحملُها الكوميديا الإلهية عن الجنّة، ونبيّن أوجُه التّصادي والالتقاء مع الجنة التي قدّمتها رسالة الغفران، مقارنين الأسلوب والصور.
2.2- دهشة الأنوار
لقد كان وصول دانتي إلى الفردوس مصحوباً برفقة بياتريشي؛ التي ستُرافقه في رحلة النّعيم وتُجيب طلبَه، حتى وجدا نوراً خاصًّا خالصًا ليس له مثيل ولم يرياه من قبل؛ إنّه نور المدارات العليا، والسّماء حينها تنهلُ من نُور الإله، وليست أي سماء إنّها سماء” الأمبيريوس”([67]) وإذا كان الرّحالة قد استنجد بمعونة ربَّات الإلهام لكتابة الجحيم والمطهر، فإنّه هُنا سيعوّل أكثر على أبولون: “إيه أبولون الطيب، حتى يكتمل هذا العمل الأخير، روّني من قواك “ ([68]).
هاته القوة التي ستُتيح لهُ القُدرة على استكشاف الزمن الذي هو بين الصباح والظَّهيرة، لم يُميزه جيدًا لقوّة النور هناك، للجنّة ضياءٌ ساطعٌ لا ينمّ إلا عن بياض و طُهر وصفاءٍ ونقاءٍ سرمديّ أبدي، وفيها تعُطى القدرة على فعل كثيرٍ من الأشياء التي كنَّا نراها معجزة في الدّنيا ولم تكن لنَا القُدرة على فعلها فقال : ” والكثير ممّا هو ممكن هناك ليس متاحا … لقوانا على العارض” ([69])
إنّ صفة العارض هذه تمثّل مرحلة العُبور في الحياة الدُّنيا التي جاءت في وصف المعرّي بالفانية، ثمّ بدأ يصفُ شمس الفردوس ونُورها السّاطع؛ الذي زين السّماء، ويُرى هذا النور من أماكن عديدة، أي أنّ الجنّة عند دانتي لها منافذ كثيرة وأبواب كثيرة. أمّا بياتريشي فكان جمالها يزداد نورًا على نور؛ وكأنّها شمسٌ أخرى زينت السماء، ” بملء عينيها كانت ترنو إلى المدارات الأزلية وأنا أرنو إليها “([70])، وإذا بالشمس أنارت مجالاً واسعاً؛ فظهرت بركة الأمطار ووسع الأنهار، فخاطب رفيقته في الجنة وحاورته بكلام وجيزٍ فيه من البلاغة تمييزاً بين الكائنات الذّكية ومحرومة الذّكاء، وأنّه لا فرق بينهما في هذه المدارات العُليا، لأنّها كلها تحمل محبّةً وعقلاً، وأنّ عناية الله في جنته شملت كلّ شيءٍ، وما زالت تصفُ له مَا في الجنّة فلا أذى يِؤذيه ولا ألم يجرحه، لقد تخلصنا من كل أذية الحياة العارضة في الأرض، ولنا في الجنة كل ما نريد دون جهدٍ أو عناء.
ولما صل السماء الأولى وجد الكواكب والنجوم متراصةً؛ وإذا بغمامةٍ مرت عليهما مسرعةً “ساطعة وكثيفة سميكة وباهرة، كألماسة لفحها وهج الشمس”([71]) سيعرفُ أنّ هذه اللؤلؤة هي السيد المسيح، وقد كان مشعّ النُّور، وواصل المسير رُفقة بياريتشي ويسألُها عن جَرَمٍ أحاطت به البُقع الدّكناء، فظنّ أنها صُورة قابيل، على أساس أنّ الاعتقاد المسيحي ينطلقُ من فكرة مفادها أنّ صُورة قابيل مُخَلّدة في القَمر، فجعلت بياريشي تُكَذّب هذا الطّرح وتصحّح اعتقاده “وإنّني لأُريد أن أُضيء لك بنور ٍجديدٍ “([72]) وتُبين له أنّ السّماء التالية زاخرة ًبالنُّجوم وفيها جواهر شتّى، وكل ّسماءٍ من السَّماوات السّبع تؤثر على السّماء التي تحتها، والملائكة هناك كالمحركات الطوباوية، لها “القدرة المباركة”([73]).
3.2-البديل السماوي
بدأ الرحّالة يُظهر تعلّقه ببياتريشي ويُشبهها بالشّمس التي أشعلت قلبه “حبّا وكشفت لي بطرائقها في البرهنة والدّحض، عن الوجه الفاتن للحقائق الجميلة”([74])، إنّها حقائق متعدّدة تتأرجح بين تصحيح المعتقدات السائدة في الحياة العارضة، أو التعرف على تفاصيل فردوسية جديدة، ومن ذلك لقاؤه بـــ « بيكاردا([75]) » التي كانت تعيش على مأساة ومعاناة شديدة، إلاّ أنها كانت “في الحياة الدنيا راهبة وعذراء “([76])، فالمقصود أن الله عوّض لها وتغيرت صورتها الأولى، فصارت بديعة المنظر جميلة الملمح ، لها ما تشاء من رغباتٍ وشهواتٍ قنوعةً بما نالتهُ.
بيكاردا لها في الجنّة ما تشاءُ، ولو شاءت أكثر لطلبته، لكنّ المنزلة التي نالتها في الجنّة مقيّدة بالمحدودية، فلا يجوزُ لها الانتقال لسماء أُخرى، الخيرُ متساوٍ فقط في السّماء التي هي فيها، لقد فهم دانتي أنّ الفردوس مقاماتٍ ومستوياتٍ اختلفت من سماء لسماء وهو موزّع ٌعبر سماوات ٍمتعددةٍ ولكلّ سماء خصائصُها وامتيازاتُها، ولعله قرين التّصور العربي الإسلامي للجنّة، فهي كذلك على درجات أعلاها الفردوس.
الأمر ذاته سيحصلُ في سماء عُطارد؛ حيثُ هناك الأرواح الطيّبة التي تشكّل مدارات مختلفة، وفي هذا الاختلاف جمال الأنغام، هناك حيث وجدوا روميو؛ وكان يعيشُ رجل دين، إلاّ أنه مات وسط البؤسِ والناسِ لا يُقدّرونَه حقّ قدره ِإلى أن “غادر فقيرا وشيخا”([77])، وقد عوّضه الله خيراً فكان في الفردوس وسط لؤلؤةٍ .
لقد كانت بياريتشي الرّفيق الملازم لرحلة بياريتشي، ودليله في الفردوس، وعلم منها أنّ أقرب الملائكة إلى الله هو السُّورفيين ومريم العذراء، وهو كالنور المُشع ” يزين المدار الأسمى”([78]) ويتنقلون في الفردوس “ليهبوك فكرة، عن منزلتهم السماوية التي هي أدنى” ([79]) فالمقصود أنّ الملائكة من جبريل وميكائيل، يظهرون في هيئة إنسانية؛ والنّاس في الفردوس لا يعرفُون الكذِب ” أوحيت لك أنّ روحاً طوباوية، لا تعرف الكذب أبدا”([80])، ولعلّ الطوباوية صفة لأهل الفردوس، ودليل على حالة الثّبات والاستقرار الدّائم؛ إنّه عالم مثالي من القيم المكتملة.
4.2- الخطيئة والتكفير
سيقف دانتي عند طبيعة النُّذور والقَرابين ومدى حقيقتها في الفوز بمفتاح الفردوس، فقد أكّد على أهميتها ” لا تستخفّوا بالنّذور أيُّها البشر الفانون “([81])، ووجد في الجنّة كل من أوفى بالنُّذر ومنهم « نذر يفتاح الجلعادي» الذي قدّم ابنته نُذُرا، و«أغنامون» الآخر كذلك جعل من ابنته قربانا.
ولمّا وصل إلى الملكوت الثاني وهي سماء عُطارد، وفيها “حوض هادئ ونقي”([82]) والأسماك من وفرتها تتدافع صوب من يقترب إليها، وشعاع النّذور والقرابين يضيء الجنة ويصورهم في صور الملائكة ساطعة تضيء الجنة ” إنّنا لمضاؤون بهذا النُّور المنتشر في سائر السماء “([83])، وبين الفينة والأخرى ينظُر إلى مرافقته وقد زادتها سماء عُطارد جمالا ًوبهاء، وكلُّما ابتسمت أنار ثغَرها ضياء، فقال واصفاً نورها : ” وأنه آت من عينيك، لأنه عندما تضحكين يسطع “([84]).
ثُم رأى السيّد المسيح للمرة الثانية، وكانت الأنوار حوله تُنير، وهو على شكل نُور مزدوج، ولا يستضيئُ بنوره إلاّ من تجنّب الخطيئة، أو” ردم الفراغ الذي تحدثه الخطيئة، بعقوبة عادلة تساوي متعته الرذيلة”([85])، فالثوبةُ وحدها كفيلة بجعل المرء في الفردوس، وفي الأنشودة الثامنة بلغ السَّماء الثالثة، وهي سماء الزهرة، وكلما ارتقت بياتريشي إلاّ وزادت جمالا، والأنوار الإلهية تُضيء موقعها، ثم استمر فوجد راحاب ([86]) وكان نورها يشع سلاما و” يتألقُ إلى جنبي بهذه الحدة، كأشعّة الشّمس في رقراق المياه “([87]) والمقصود أنها نالت الجنّة فقط لأنها أخْفت في بيتها رجال الدّير فوهبها الله نور ووضعها في الجنة عالية “كمثل سعفة النصر العالي “([88]).
ولما بلغ السماء الرابعة وقد خُصّت للطوباويين من أهل اللاهوت والعلماء والعارفين وجد فيها (الأب العلي) وهو شمس الملائكة، والنجوم كالشموس المنيرة تدور حول بياتريتشي ودانتي في الفردوس فتارةً يرقصون وتارةً أُخرى يتغنون “وعندما دارت تلك الشموس الحامية حولنا ثلاثا وهي تغني، كنجوم قريبة من القطبين الثابتين”([89]).
وتستمر رحلة دانتي ويلتقي بكبار القدّيسين ورجال الكنَائس والرُّهبان، والأسَاقف الذين أفنوا عمرهم في الدَّعوة إلى المسيحية، وعلى رأسهم النُّور الخامس ويقصد سليمان بن داوود، وقد أوتي من البهاء شيئاً عظيما، وإلى جانبه القديس توماس الأكويني، وغراتيان الراهب، وبيير لومبار،([90]) تتعدّد الأسماءُ لكنّ المنزلة واحدة والسناء منهم يضيءُ، فالمقصود أنّ دانتي يؤُكد على فكرة مركزية مفادها أنّ الفردوس للمسيحيين خاصّة ولمن اعتنقوها دينا لهم.
ثم مرّ بالقدّيسين فرانتشيسكو؛ باعتباره مؤسس الجمعية الدينية الفرانتشيكية والقدّيس دومينيك مؤسس الجمعية الدينية الدومينيكانية، فجعل يصف حالهما من الرخاء، والماء الذي يسري بينهما، والنور من محياهما يشعّ فقال : ” كان له سطوع نور كروبي، والمياه التي تنزل”([91]) ، ويقصد بالنور الساطع ما كان في صدورهما من علم فوصفه قائلا:” أقبلتْ إلى العالم شمسا، كما تولد الشمس من الكنج أحيانا”([92])، ولعله يعتبر نور القديس كالشمس عندما تخرج من الكنج أثناء الانقلاب الربيعي، وكلماته تنثر مثل الشعلة ” الشعلة المباركة “([93]) التي تحيط بحلقات رحى الفردوس فتعزف أجمل الألحان، ليرقُص عليها من يرقص، ويُغنّيها من يَشاءُ “غناء يفوق بعذوبة ناياته، ربات إلهامنا وحوريات البحر، كما يتفوق نور على انعكاسه”([94]).
إنّها متعةٌ لا تُوصف، تلك التي يشعر بها دانتي والحُور تُغني وتُنشد وكلّ من في الأرضِ يرى وُرود الحياةِ تجمع في إكليلين لا ثالثَ لهُما، وتتطايرُ الوُرود “فتردّ منها الدّانية على القَاصية “([95]) ويسير إلى أن يجد رجلين عُرفا في الدُّنيا بشدّة تصوفهما، فجعل يصفهُما بقوله :” هنا أوليميناتو وهنا أوغوستين، اللذان كانا بين أول الحفاة الفقراء، وكلاهما صارا من خلان الله المتمنطقين بالحبل”([96]) والمقصود أنّ الرجلين كانا في الدنيا قد تمسّكا وتنسّكا بالدّير وشؤونه، وبقضايا التصوف، ليجعلهم الله جلساء مقربين، ثم يسير رفقة القديس توماس وبياتريشي فيتناوبان على وصف البناء العام والهيئة التي تقوم عليها الجنة وصفا دقيقا ومفصلا.
5.2- الروح والإله
والماء “في مويجات في الدورق المستديرة، بحسبما نلمسه من داخل أو من حواف”([97])، ومن فاز بالفردوس عليه نورٌ لا ينقطعُ أبدا، ومنه ُما في وصفِ بياتريشي ” فلتقولوا له إن كان النور، الذي به يزدان جوهركم سيلازمكم، إلى الأبد كما في هذه اللقطة “([98])، إنّه نُور النّبي سليمان عليه السلام، وكان نورهُ أكثر إلهية وتُحيط بهِ أرواح من حاربوا من أجل الإيمان، كلّ هذا في سماء المريخ؛ والنُّور هناك يتعاظمُ من الرُّوح الإلهية ” وتتعاظم الأشعة المنبثقة منها، ويفوقها بنصاعة بياضه، فيدوم مرآه بعد زواله “([99]).
والمقصودُ أنّ الرُّوح الإلهية قد أُوتيت من النُّور شيئاً كثيرا، والطوباويون مجتمعون يتأمّلون ضياءَ الرُّوح، والتّوهج الشّديد الذي يكاد يفقدهم النَّظر، “يا له توهجا خالصا للروح القدس، كم كان مفاجئا وشديد التأجج، فلم تحتمله عيناي الحاسرتان “([100])، إنّها ذِروة السّعادة والفرح الطوْباوي، بل إنّ دانتي من شدة إعجابه بجمال النُّور هذا، لم يعد يعر الاهتمام لما كان في بياريتشي من نور، فقدّم نور الإله عليها. وتظل بياريتشي ترتقي جمالاً كلُّما ارتقى المسير من سماء إلى سماء ” مادامت بقدر ما نرتقي تصير أنقى” ([101]).
ولمّا بلغ صاحبُنا إلى سماء المريخ وجد الطوباويين السّابقين في صمتٍ تام؛ٍ لوجود أرواح أخرى أكثر طوباوية وفي حالة من الانصهار حبًّا للخير؛ وبينما الصمت يعمُّ أرجاء السماء والهدوء تام، وإذا بنُور كالنَّجم يسري وهو نُور كاتشاغويدا .” فهكذا، من الكوكبة السّاطعة هناك، مرّ نجم انطلق من الذراع الممتدّة، يمينا حتّى أسفل ذلك الصليب”([102]) فتذكر أشعاره في الحياة الدُّنيا وخوفه من المستقبل هل يفوز بالفردوس أم يحشر في الجحيم؟ فكان يقول دائما: “فينبغي أن أحتاط؛ فإذا ما فقدت البلد الأعز عندي، فعساي لا أخسر الناس بأبيات شعري”([103])، وقد منح الجنة لأنّه كان يعمل النّظر في انتقاء كلمات شعرهِ.
أمّا في سماء المشْتري فهُناك أرواح المحاربين المجاهدين في حفاظهم على الإيمان ومنهم أبطال اليهودية والمسيحية، وهناك أرواح العادلين والأتقياء ومنهم ” يهوشع والمكابي النبيل وغيغلييمو ورينواردو”([104]) ، حتى إذا جاءت لحظة لقائه بالسّيد اليسوع كلّمه “سيدي يسوع أيها الإله الحق”([105])، وخطب فيهم خطابا يصفُ أنّهم قد لاقوا ما وُعدوا به في الحياة الدُّنيا، ولأجل ِذلك هم في الفردوس، والنّاس هُناك تمُجّد مريم وحوَّاء من ملائكة وقدّيسين، فيصفُها بقوله : ” هذه المرأة الجميلة الجاثية عند قدميها، ثم أدنى منها تقف راحيل في الصف الذي يشغل الدرجة الثالثة “([106])، إنّها حواء جنب مريم، وقد كانتَا في غاية ِالجمالِ والُّنورِ، فهما كمن أخطأتْ وتسببت في بدء الحياة – حواء – ومن ضمدت الجرح وعجلت اندماله، وكانت معهم (سارة) وهي امرأة النبي ابراهيم وأم إسحاق، ومعهم (رفقة) وهي امرأة اسحاق وأم يعقوب، و(يهوديت) وهي من أنقذت اليهود من عبوديتهم. إنّها أسماء فاعلة جدا في تاريخ الديانة المسيحية، وتبوأت مقامات رفيعة في الفردوس.
لا يكادُ يهدأُ بال الرّحالة إلاّ وهو يسرقُ النّظر كلّ حينٍ في اليَنبُوع أو النَّبع الأبَدي “هو الله الذي تدعوه المزامير بينبوع الحياة “([107])، وكان حولهُ أكثرَ من ألفِ ملاكٍ فارِدين أجنحتهُم مُفعمين بالغِبطة، لقد أدرك صاحبنا المقام الأسمى في الجنّة رُفقة ثُلّة من مخُلصي الدّيانة المسِيحية، وهُناك وصل الأنوار الثّلاثة؛ وواحدٌ هو الأكبر والأشعّ، “وأتذكر أنّ ذلك كلّه حفّزني، على الصُّمود حتّى اتّحدت نظراتي، بالقدرة غير المتناهية “([108]) فنظر إلى الينبُوع وكلُّه دهشة وانبهار من نورهِ السّاطع.
لقد تميّزت رحلة دانتي بالوصف المتتابعِ لمحطاتِ تنقُّله بين السَّماوات، وقد جعل لهنّ أسماء بأسماءِ الكواكب، ولكلّ محطةٍ صفاتهُا وقدرُها من النُّور الذي يُحمل على المختارين لها؛ أنبياء وقدّيسون وبسطاء؛ آمنوا بالمسيحية ودعوا لها بطرائق مختلفة، قد فازوا بها.
ثالثا: التقاطعات السردية
إنّ الفوز بالجنّة يختلفُ من كينونة سردية عربية معرّية، إلى أخرى غربية دانتيّة، ولا شكّ أنّه اختلاف تفسّره العوامل الثّقافية والخُصوصية الدّينية والتّأويلية أيضا، وبصرفِ النّظر في ممُكناتِ الاشتراك القائِم على التّأثير والتأثُّر، فإنَّا أمام نصّين إبداعيين، يستثمرانِ المعتقد الدّيني والثقافي في تشكُّل البنيات السّردية، وهي مرجعية توحّدت في أهم منطلق هو الدعوة إلى التّوحيد، وما التّفاصيل الأخرى إلا خُصوصيات تاريخية تتّصلُ بالبيئة التي تعاملت مع النص، ونَصَّها الدين، ولنتأمل التقاطعات الآتية:
- الجنة مقامات خاصة: ليست الجنّة بسطة واحدة، ولكنها مقامات ومنازل، وبصرف النّظر في طبيعة القائمين بكلّ منزل،ٍ سيجعلُ المعرّي المسلمين والأنبياء والشُّهداء والصَّالحين، في أعلى درجاتهَا، وفي كلّ درجة الأتقَى فالأتقَى، فالمعرّي يحصرُ الجنّة للمؤمنينَ فقط، كونها عطاء من الله انتقى فيها خيرة عباده “جنّة ربّنا الموهوبة لغير الممارين “([109])، في حين أنّ دانتي يُخصّص المراتبَ العُليا لأسماء عاشت على المسيحية ودعت إليها من رهبان وقسّيسين وأنبياء، إلاّ أن كلّهم يشتركون في النُّور الساطع منهم.
- السرد الاستباقي: هو نمط سرديٌّ قائمٌ على بناء مادة حكائية متخيّلة؛ لاحقة على الوجود الفعلي لكاتبها، فالذّات السّاردة راحلة صوب ذلك المستقبل الذي آمنت به الدّيانات التي يؤمنون بها؛ إسلامية ومسيحية، مزوّدة بزاد ٍمعرفيّ وثقافي ومذْهبي كافٍ لبناء ِرحلة التخيّل هذه، وسردِ تفاصيلها، إنّها صورة عن لحظة البعث من جديد، والسَّاردان يقفان موقف العينِ النّاظرة للمستقبل في محطتي الجنّة والنّار، فالبناء النصّي السّردي للرحلتين قائمٌ على تخيّل وقائع غير حاصِلة لحظة الكتابة.
- منطق البديل: وقفنَا في تتبُّعنا للرحلتين عند تِيمة الإبدال، بوصفها تعويضًا للمعاناة التي عاشها الفردُ في حياتِه الدُّنيا، فقد مرّ ابن القارح على حمدونة([110]) التي عاشت في الدَّار الفانية على سُوء هيئةِ ومنظرٍ ذميمٍ دفع زوجها ليطلّقها، المعادلة نفسها ستحصل ُمع بيكاردا في رحلة دَانتي؛ حيثُ أعطاها الله مزَّيةً وفضلاً جعلها حورا عينا. الأمر سيحصلُ مرة ًأخرى مع رُوميو ونقلِه من حالِة البُؤس إلى السَّعادة، وجعلِ نُوره مُشعاً مثل اللؤلؤة، وقد حصل ذلك حتى مع «حُميد بن ثور»، الكفيف الضّريرَ في الحياة الدُّنيا، الذي عوّضه الله بعينٍ ترى من مشارِق الأرض مغاربهَا.
- الحور المُطرِبات: تحظَى هدايا الجنّة ومتاحاتها بمساحةٍ سرديةٍ هامّة في مسار المؤلّفَيْنِ، وتنضافُ الحُور إلى منطقِ التّعويض بشكلٍ بارزٍ يتقاطع ُفيه العربّي بالغربّي، خاصة أنهما يُنشدانِ أعذبَ الأصوات وأرقّها، وهما على ضَربين؛ صنفٌ من حورِ الجنّة نشأَ فيها وتربى على نعيمِها، وآخر من أهلِ الدُّنيا قُدّرت لهن التَّوبة ومتن على دين الأنبياء والمرسلين، فهنّ في الجنّة يروّحن على الفائزين ويغنّين حفظهن للأشعار متقنة ملحّنة([111])؛ فلك أن تأخذ واحدة معك تسمعك أعذب الألحان وضروبها، والصورة ذاتها لدى دانتي([112]).
- الإيمان والتّضحية: يقفُ المؤلّفان عند عددٍ من صور الجنّة مبيّنين صُور الفائزين بالجنّة، وأسباب النَّجاة، وعلى الرّغم من التّوجه النّقدي الغالب في رسالة المعري، والإيماني المعمّق لدَى دانتي، فإنّهما قد وقفا عند أكثر النّاس إيمانًا وثبات على الدّين مدافعين عنهُ، وهي قضيّةٌ مشتركةٌ بين الرجلين، فإذا نظرنا في رسالةِ الغُفران سنجدُ وصفاِ بطوليًا للشّهيد حمزة بن عبدِ المطلب وما قدّمه من تضحية في سبيل الدّين الإسلامي، في حين أنّ دانتي سيفسحُ مساحة ًسرديةً أكبر خاصّة في سماء ِالمشتري عندما رأى الطوباويين والزّهاد المتنسّكين بالمسيحية وناشري تعاليمها.
- الإسْناد السردي: يشتركُ المؤلّفان في إسناد السّرد إلى الآخر، حيثُ يتجلى الأمر بوضوح ٍفي رحلة ِدانتي التي أُسند فيها أغلب السّرد وبيان التّصوير إلى رفيقته ِالنورانية بياريتشي التي صاحبته منذ وطئ َالجنة، في حين أنّ المعرّي سيُسنِد كلّ المتن إلى ابن القارح الذي سيحملُ لسان السّارد.
- صيغ السرد: يرُكّز السّاردان على ثلاثة صِيغ مهيمنة، الأولى متّصلة بالحكي منذُ البدء؛ حيثُ يحكيان الوقائع السّردية وتنقلاتهما من مكان إلى آخر، بالشُّخوص المكوّنة لكُل مقطعٍ سردي، والثّانية مُتعلّقة بالحوارِ؛ حيثُ يحاورُ ابن القارح من يُلاقي ويسأله عن سبب فوزه بالجنة، ويُحاور ُدَانتي بياريتشي لمعرفتِها بقصصِ أهل ِالجنّة، والثّالثة هي الوصف؛ ولعلّها المدَار الأكبر للسّرد؛ إذ ْيركّزان على وصف الجنّة نعيماً وأهلا.
خاتمة
إنّ مفهوم الجنّة في مختلف الدّيانات الإبراهيمية جزءٌ لا يتجزأُ من الفهم المشترك الموسّع، فالجنّة عطاءٌ ربّاني يهبُه الله للمخلصين، فقد تختلفُ العقائد وتتعدّد الدّيانات غيرَ أنّها تشتركُ في قانون الجزاء والثّواب؛ وكلّها تطمحُ في الجنّة، ولأجلِ ذلك وجدنَا سردية ًتاريخيةً تؤوّل صُور الجنّة وترسُمها وِفق المصَادر الدّينية والترُّاثية المتَاحة، فغدتْ الجنّة بهذا التّفسير جنات لكلّ نمطٍ ثقافيّ تفسيرهُ الخاص لتكويِنها وللفائزِين بها.
لقد أسعفنَا المتنُ السرديّ التخييلي العربي والغربي في تتبُّع الخصائِص الصُّورولوجية للجنّة بين التّجربتين الأدبيتين، مستعملين في ذلك المقومات النّظرية المقارنة التي بلورتها المدرسة النّقدية الأمريكية، محاولين تجنّب إسقاطات المدرسة الفرنسية وتتبّع سؤال التّأثير والتأثُّر؛ لمَا فيه من إرباكٍ للدّراسات المقارنة العلمية؛ فكان انهمامُ الدّراسة يقومُ على رِحلة الكشفِ عن الخصائص الصُّورولوجية المشُتركة بين الكاتبين؛ بالترّكيز على جانبين أساسيين:
- الظّاهر السردي: يتّصلُ بالجوانبِ التّقنية التي انبنى عليها الصّرح السردي، بمَا في ذلك الارتحال التخييلي،ولغة السرد التي طبعت رسالة الغُفران، والقصائد التي ينضدها الحكي في ملاحم دانتي.
- المُضمر الاصلاحي: يُضمِر المؤلّفين رِحلة إصلاحيةً للقيم والأخلاق السّائدة في مجتمعاتها التي ينخُرها الفسادُ وتشتّتِ القيم، فالمعرّي وهو يجيب عن أسئلة الشّعر، ونقد الشُّعراء؛ كانَ يُناقش سُؤال العَدالة في القرن الرابع والخامس الهجري، كما مثّل القرن الثاني عشر الميلادي، أحد أكثر صُور التّراجع الأخلاقي الأوروبي.
إنّ المؤلفين لا يُعبّران عن صورة الجنة فحسب، بل عن وعي موسوعيّ بقضايا عصرهمِا وتاريخهِما كذلِك، وعن إحاطة دينية وثَقافية أسعفتهُما في بِناء صرحٍ سردي تخييلي استثنائي في تاريخ السّردية الإنسانية، وبصرفِ النّظر في مصدرِ السّرد وبواعثِه فإنّنا أمام قُدرة ٍسرديةٍ استطاعت خلق محاكاةٍ ناقصة أتاحت للمؤلِّفين التّقاطع في نقاطٍ بعينها، والاختلاف في غيرها، ووحدها المقارنة مكّنتنا من التّعرف على هذه الخصائص الصُّورولوجية الكونية للجنة.
لائحة المصادر والمراجع:
- المصادر:
- المعري أحمد بن عبد الله، رسالة الغفران، تح. عائشة عبد الرحمان، (دار المعارف، ط/9 د.ت).
- ألغيري دانتي ، الكوميديا الإلهية، تر.وتع. كاظم جهاد، (المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1/2002م).
- المراجع:
المراجع العربية:
- بحراوي حسن، أبراج بابل، جامعة محمد الخامس أكدال، منشورات كلّية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سلسلة: بحوث ودراسات 44.
- الجاحظ، البيان والتبيين، تح. عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة .ج4.ط7/1998م.
- الجرجاني عبد القاهر، أسرار البلاغة، تح. محمود محمد شاكر، دار المدني بجدة، ط1 / 1991.
- الجرجاني عبد القاهر، دلائل الإعجاز في علم المعاني، تح. محمود محمد شاكر، دار المدني، ط3/1992م.
- الخطيبي عبد الكبير، في الكتابة والتجربة، تر. محمد برادة، دار العودة، بيروت، ط1/1950م.
- درويش أحمد، نظرية الأدب المقارن وتجلياتها في الأدب العربي، دار غريب، القاهرة، د.ط/2002.
- علوش سعيد ، مدارس الادب المقارن دراسة منهجية، المركز الثقافي العربي، ط1/1987م،.
- علوش سعيد ، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1/1985م.
- يوسف أحمد ـ السيميائيات التأويلية وفلسفة الأسلوب ـ (مج. عالم الفكر، ع.3، مج.35، يناير – مارس 2007)
المراجع المترجمة:
- بيشوا كلود وأندريه م روسو، الأدب المقارَن، تر. أحمد عبد العزيز، مكتبة الأنجلو المصرية، ط3/2001م.
ج- الروابط الإلكترونية: شوهد بتاريخ 16 مارس 2019م:
https://www.sasapost.com/opinion/ibn-qarih-and-al-maarri/
[1] – سعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني، بيروت، ط1/1985م. ص 57.
[2] – سعيد علوش، مدارس الأدب المقارن، ص10.
[3] – سعيد علوش، مدارس الادب المقارن ، ص 9، مرجع مذكور.
[4] – عبد القاهر الجرجاني، أسرار البلاغة، تح. محمود محمد شاكر، دار المدني بجدة، ط1 / 1991.ص395.
[5] – وهذه طبيعة اللغات إنها لا تقتصر على الإخبار والتعيين ولكنها تقدم مجازات لا تستوي على فهمها كل الثقافات، يقول أرسطو في المجاز والثقافة، ”هو ذلك المعنى الذي يشترك الناس في استعماله وفق معايير مشتركة . بيد أن هناك انزلاقات تحدث فيما اعتاد عليه الناس في استعمالهم العادي، فينحرف عن الحدود المعيارية المعجمية ليغدو ضربا من المجاز الأسلوبي” – ينظر أحمد يوسف ـ السيميائيات التأويلية وفلسفة الأسلوب ـ (مج.عالم الفكر، ع.3، مج.35، يناير – مارس 2007) ص57.
[6] – حسن بحراوي، أبراج بابل، جامعة محمد الخامس أكدال، منشورات كلّية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط، سلسلة: بحوث ودراسات 44. ص: 169.170.
[7] – ينظر تعريف ابن القارح على الرابط الآتي: شوهد بتاريخ 16 مارس 2019م:
https://www.sasapost.com/opinion/ibn-qarih-and-al-maarri/
[8] – ينظر رسالة ابن القارح؛ رسالة الغفران، ص 21.
[9] – المرجع نفسه، ص22
[10] – المرجع نفسه، 140
[11] – المرجع نفسه، ص 141
(*) ـ الأنواط : شجرة كانت تعبد في الجاهلية ـ
[12]- رسالة الغفران، م.س، ص140
[13] -شاعر مشهور فصيح ادرك الدولتين، شُغف بالشراب وفسقه، واستفرغ شعره بوصف الخمر، وهو أول من وصفها من شعراء الإسلام. رسالة الغفران، ص143
[14] – المرجع نفسه، ص 145
[15] – المرجع نفسه، ص 147
[16] – المرجع نفسه، ص 149
(*) ـ أسماء أجود الخمور عند العرب
[17]- المرجع نفسه، ص 150
(*) ـ الحكمي أبو نواس، الحسن بن هانئ الشاعر العباسي المطبوع عرف بالمجون، وهو أشهر وصّافي الخمر، ينظر الحاشية، ص149
[18]- رسالة الغفران، م.س، ص 149
[19] – المرجع نفسه، ص153
[20] – سورة يس ـالآية 82
[21] – رسالة الغفران، ص153
[22] – رسالة الغفران، م.س، ص153
[23] – المرجع نفسه، ص 166
[24] – المرجع نفسه، م.س، 167.
[25] – المرجع نفسه، ص 169،
[26] – المرجع نفسه، 172
[27] – المرجع نفسه.
[28] – رسالة الغفران، م.س، ص 173 – 174 .
[29] – المرجع نفسه ص 175
[30] – المرجع نفسه، ص 177
[31] – المرجع نفسه ـ ص 178
[32] – المرجع نفسه، ص178.
[33] – رسالة الغفران، م.س، ص 181،
[34] – المرجع نفسه، ص183
[35] – المرجع نفسه ص185،
[36] – المرجع نفسه، 195
[37] – المرجع نفسه، ص 195
[38] – رسالة الغفران، م.س، ص 197
[39] – المرجع نفسه.
[40] – المرجع نفسه، ص200
[41] – المرجع نفسه، ص 201
[42] – المرجع نفسه، ص 204
[43] – المرجع نفسه، ص 206
[44] – المرجع نفسه، ص 212
[45] – المرجع نفسه، ص 216
[46] – رسالة الغفران، م.س، ص 222
[47] – المرجع نفسه، ص 126
[48] – المرجع نفسه، ص 234
[49] – المرجع نفسه، ص 238
[50] – المرجع نفسه، ص 240
[51] – المرجع نفسه، ص 251
[52] – المرجع نفسه، ص 251
[53] – المرجع نفسه، ص 263
[54] – رسالة الغفران، م.س، ص267 ـ 268
[55] – المرجع نفسه، ص 271
[56] – المرجع نفسه، ص 272
[57] – المرجع نفسه.
[58] – المرجع نفسه، ص 274
[59] – المرجع نفسه، ص 276
(*) ـ شراب يُتّخذ من الشعير، سمي به لما يعلوه من الزبد تشبيها بالفقاعات أي الفقاعات التي تعلو الماء – حاشية الكتاب ص 280
[60] – المرجع نفسه، ص 284
[61] – رسالة الغفران، م.س، ص 287
[62] – المرجع نفسه، ص.287.
[63] – المرجع نفسه، ص 288
[64] – المرجع نفسه.
[65] – المرجع نفسه، ص 212
[66] – المرجع نفسه، ص 215
[67] – دانتي ألغيري، الكوميديا الإلهية، ص 727.
[68] – المرجع نفسه، ص 728
[69] – المرجع نفسه، ص 731
[70] – المرجع نفسه، ص 731.
[71] – دانتي ألغيري، الكوميديا الإلهية، م.س، ص 738
[72] – المرجع نفسه، ص 742
[73] – المرجع نفسه، ص 743
[74] – المرجع نفسه، ص 745
[75] – بيكاردا : شقيقة دوناتي صديق دانتي وفوريزي، كان دانتي يعزّها كثيرا ، الكوميديا الإلهية ، ص 748
[76] – المرجع نفسه، ص 748
[77] – دانتي ألغيري، الكوميديا الإلهية، ص 780
[78] – المرجع نفسه، ـ ص 755
[79] – المرجع نفسه، ص 755
[80] – المرجع نفسه، ـ ص 758
[81] – المرجع نفسه، ص 765
[82] – المرجع نفسه، ص 767
[83] – المرجع نفسه، ، ص 768
[84] – المرجع نفسه، ص 769
[85] – المرجع نفسه، ص 785
[86] – غانية من أريحا أخفت في منزلها كشّافين كان يهوشع بن نون قد أرسلهما للاستطلاع لدى محاصرته المدينة،
الكوميديا الإلهية، ص 806
[87] – المرجع نفسه، ص 806
[88] – المرجع نفسه. ص806.
[89] – المرجع نفسه، ص 813
[90] – المرجع نفسه، ص 815-817.
[91] – المرجع نفسه، ص 821
[92] – المرجع نفسه، ص822
[93] – المرجع نفسه، ص 828
[94] – دانتي ألغيري، الكوميديا الإلهية، م.س، ص 828
[95] – المرجع نفسه، ص 829
[96] – المرجع نفسه، ص836
[97] – المرجع نفسه، ص847
[98] – المرجع نفسه، ص 848
[99] – المرجع نفسه، ص 850
[100] – المرجع نفسه، ص 851
[101] – المرجع نفسه، ص 854
[102] – دانتي ألغيري، الكوميديا الإلهية، ص 856
[103] – الكوميديا الإلهية، ص 882
[104] – المرجع نفسه، ص 886- 887
[105] – المرجع نفسه، ص 10131
[106] – المرجع نفسه، ص 1016
[107] – المرجع نفسه، ـ ص 1012
[108] – المرجع نفسه، ص 1030
[109] – رسالة الغفران، م.س، ص 222، مرجع مذكور.
[110] – ينظر، المحور رقم: 5.1- طيور الجنة وحورها.
[111] – ينظر المحور رقم: 3.1- في نقد الشعر والشعراء.
[112] – ينظر المحور رقم: 4.2- الخطيئة والتكفير.