قراءة فكرية فلسفية للنظام الفيدرالي مع عرض لتجربة الولايات المتحدة الامريكية
A philosophical intellectual reading of the federal system with a presentation of the experience of the United States of America
د. وائل بونقاب، أستاذ بجامعة ورقلة-الجزائر
Dr. WAEL BOUNEGAB, Professor at the University of Ouargla-Algeria
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 29 الصفحة 89.
Abstract
The federal system is considered the most appropriate political system for managing the affairs of large-sized countries, and the ones that suffer from internal conflicts, due to the multiplicity of nationalities, religious differences and cultural diversity. In addition, the federal system is one of the most important systems in the world thanks to its undeniable advantages, and it is, without a doubt, closely linked to democracy, as it allows many people to participate in public affairs. Furthermore, it facilitates the management of the state’s affairs as well as the other states, since it is characterized by the decentralization of management, which helps in fighting bureaucracy and administrative complexities. The federal system gives the states broad powers to manage their internal affairs, particularly in the economic side, which creates a competitive atmosphere among states in attracting investments and improving the business environment, and thus it contributes to the development of the economies of these states and to the achievement of sustainable development.
This study aims to answer the following questions: What is the philosophy of the federal system? Has the United States of America succeeded in implementing federalism? Therefore, the descriptive analytical approach has been adopted since it is appropriate to present the various concepts related to the federal system, using the case study approach, because we are going to investigate the application of federalism in the United States of America. The study came up with a set of results, most notably:
- The federal system is the most appropriate political system for managing the country affairs when its geographical area expands and for the administration of the state of multiple races and religions, as well;
- The United States of America has become the world’s first country in various fields (economic, political, military, technological…), which represents the biggest proof of the success of the federal system in this country.
Keywords: federal system, decentralization, competence allocation, independency, USA
الملخص:
يعتبر النظام الفيدرالي النظام السياسي الأنسب في إدارة شؤون الدول كبيرة المساحة، والدول التي تعاني من النزاعات الداخلية، وذلك لتعدد القوميات واختلاف الأديان وتباين الثقافات، ويعد النظام الفيدرالي من أكثر النظم أهمية على المستوى العالمي، لما له من مزايا لا يمكن إنكارها، فهو دون شك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالديمقراطية، كونه يسمح لقاعدة شعبية كبيرة من المشاركة في الشؤون العامة، وبالإضافة إلى ذلك، فهو يسهل إدارة شؤون الدولة والولايات، لأنه يتميز بخاصية اللامركزية في التسيير، مما يساعد في محاربة ظاهرة البيروقراطية والتعقيدات الإدارية، ويعطي النظام الفيدرالي صلاحيات واسعة للولايات في تسيير شؤونها الداخلية، خاصة في الجانب الاقتصادي، مما يخلق جو تنافسياً بين الولايات في مجال تحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات، ومن ثمّ فهو يساهم في تطوير اقتصادات هذه الولايات وتحقيق التنمية المستدامة.
تهدف هذه الدراسة للإجابة على الإشكالية التالية: ما هي فلسفة النظام الفيدرالي؟ وهل نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق الفيدرالية؟. لذلك تم انتهاج المنهج الوصفي التحليلي لكونه ملائماً لعرض مختلف المفاهيم المتعلقة بالنظام الفيدرالي، مع الاستعانة بمنهج دراسة الحالة، لأننا بصدد الوقوف على تطبيق الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية. وقد خرجت الدراسة بمجموعة من النتائج أهمها:
- يعتبر النظام الفيدرالي النظام السياسي الأنسب في إدارة شؤون الدولة عندما تتسع رقعتها الجغرافية وتترامى أطرافها، وكذلك الدولة ذات الأعراق المتعددة والأديان المختلفة؛
- استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح الدولة الأو لى في العالم في مختلف المجالات (الاقتصادية، السياسية، العسكرية، التكنولوجية و…)، وهذا أكبر دليل على نجاح النظام الفيدرالي في هذه الدولة.
الكلمات المفتاح: النظام الفيدرالي، اللامركزية، توزيع الصلاحيات، الاستقلالية، الولايات المتحدة الأمريكية.
.
مقدمة
مع استمرار موجة انحسار الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في العالم واعتبار التنوع العرقي والجغرافي قيمة إيجابية في حياة المجتمعات ومصدر قوة وثراء وليس مصدر ضعف وتشتت، وتقلصت معها قيمة نظم الإدارة الرأسية وتطور النظم الأفقية التي تدعمها ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات المتطورة، مع رغبة المجتمعات المحلية داخل الدول القطرية في إدارة شؤونها المحلية بنفسها بطريقة كفئة وأكثر فاعلية. هذه الموجة أدت إلى تحول في أنماط الحكم السائدة من عالم تغلب عليه الدول القومية ذات السيادة إلى عالم تتضاءل فيه سيادة الدولة وتتزايد بين الدول روابط ذات طابع دستوري فيدرالي، وبالفعل ففي الوقت الحاضر يوجد نحو 25 دولة ذات نظام حكم فيدرالي، والتي تضم ما يزيد عن 40% من سكان العالم، وتعكس كل منها الخصائص الأساسية للدولة الفيدرالية وتتضح فيها المعالم الأساسية للاتحاد الفيدرالي، والسمة المميزة لهذا الرواج الذي تشهده الفيدرالية في عالم اليوم هي اتخاذها لأنماطٍ عديدة التنوع وأشكالٍ جديدة ومبتكرة. ولا يوجد في العالم نظام فيدرالي واحد يمكن الاعتماد عليه وتطبيقه في جميع الأنظمة السياسية حتى وان تشابهت مؤسساتها أو مشكلاتها، غير أنه يمكن الاستفادة من حالات نجاح تطبيق الأنظمة الفيدرالية أو فشلها في إيجاد نظام فيدرالي يلاءم طبيعة وواقع كل دولة ومجتمع.
تعد النظرية الفيدرالية من بين أهم النظريات التي تتداول في الساحة الدولية والساحة الاقليمية، باعتبارها الحل الأمثل للدول كبيرة المساحة والتي تعاني من النزاعات الداخلية، وذلك لتعدد القوميات واختلاف الاديان وتباين الثقافات، فالنظام الفيدرالي من أكثر النظم أهمية على المستوى العالمي، لما له من مزايا لا يمكن إنكارها، فهو دون شك يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالديمقراطية، كونه يسمح لقاعدة شعبية كبيرة من المشاركة في الشؤون العامة، والعامل المساعد على التوفيق بين رغبات وثقافات متباينة بعض الشيء، لمجتمعات تحاول أن تكون دول متحدة وقوية مع بعضها البعض، والمحافظة في الوقت نفسه على سيادتها الداخلية.
إشكالية الدراسة
يعتبر النظام الفيدرالي النظام السياسي الأنسب في إدارة شؤون الدولة عندما تتسع رقعتها الجغرافية وتترامى أطرافها، وتسمح الدولة الفيدرالية لكل ولاية من ولاياتها بإدارة شؤونها بنفسها بسلطات وصلاحيات واسعة، تراعي الفروق الاجتماعية، الثقافية، العرقية، اللغوية، الدينية وغيرها، ومن ثم فإن الدولة الفيدرالية تكون هي الحل الأمثل للمشاكل التي قد تحدث بسبب الاختلاف والتنوع القائم بين الولايات.
وانطلاقا مما سبق يمكن طرح الإشكالية التالية:
ما هي فلسفة النظام الفيدرالي؟ وهل نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق الفيدرالية؟
أهمية الدراسة
تكمن أهمية الدراسة في التعرف على المفاهيم والجوانب المتعلقة بالنظام الفيدرالي، وتوضيح اختصاصات وصلاحيات الولايات والأقاليم داخل الدولة الاتحادية، وبالإضافة إلى إبراز أهمية النظام الفيدرالي، خاصة في الدول كبيرة المساحة والدول التي تعاني من نزاعات داخلية، بسبب تعدد القوميات واختلاف الاديان وتباين الثقافات.
أهداف الدراسة
يمكن تلخيص أهم أهداف الدراسة فيما يلي:
- التعرف على فلسفة النظام الفيدرالي؛
- التعرف على خصائص النظام الفيدرالي ومختلف المزايا التي يوفرها للدولة؛
- دراسة تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال تطبيق الفيدرالية.
منهج الدراسة
تم انتهاج المنهج الوصفي التحليلي لكونه ملائماً لعرض مختلف المفاهيم المتعلقة بالنظام الفيدرالي، مع الاستعانة بمنهج دراسة الحالة، لأننا بصدد الوقوف على تطبيق الفيدرالية بالولايات المتحدة الأمريكية.
- الإطار النظري للنظام الفيدرالي
أو لا: مفهوم الفيدرالية
اشتق مصطلح الفيدرالية من الكلمة اللاتينية (Foedus) ومعناها المعاهدة أو الاتفاق، ولقد واجه تعريف الفيدرالية الكثير من الخلافات والتصورات لدى الباحثين والكتاب وصل إلى حد تشكيك بعضهم في امكان وجود التعريف التام لمصطلح الفيدرالية، حيث قالوا أن هذا المصطلح يتصف بالغموض وعدم الوضوح، خاصة في الدراسات الدستورية والسياسية، كما أن تعريف الدولة الفيدرالية قد أثير حوله الكثير من الجدل بين فقهاء القانون، حيث ظهرت هنالك تعاريف متباينة تمحورت حول العلاقة بين الأقاليم والحكومة الفيدرالية من حيث السلطة والاختصاص، ولعلنا سنلاحظ من هذه التعاريف المختلفة تأثر كل منها بشكل جلي بمسألة توزيع الاختصاصات بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الأقاليم، مما يتطلب تحليل مصطلح الفيدرالية وتحديد المعنى المقصود منها.[1]
تعتبر الفيدرالية شكلاً من أشكال النظام السياسي القائم على ترسيخ الوحدة واللامركزية والمحافظة عليها عن طريق توزيع السلطات وعدم تركيزها بيد فرد أو جماعة معينة، وهذا ما تتفق عليه معظم التعاريف التي تتحدث عن مفهوم الفيدرالية.[2]
عرفت الموسوعة البريطانية الفيدرالية بأنها “شكل من أشكال التنظيمات السياسية، حيث توحد الدول المنفصلة أو غيرها من الحكومات داخل نظام سياسي واحد بطريقة تسمح لكل واحدة بالحفاظ على كيانها السياسي الأساسي، وهي تضمن نوعاً من توزيع السلطة بين مستويين مركزي ومستوى الولايات أو المقاطعات، بعبارة أخرى يضمن النظام الفيدرالي حقوق وثقافة الأفراد ومختلف الجماعات الاثنية”.[3]
وتعرف الفيدرالية بأنها: ” قوة موازية ضد القوى المرتدة عن المركز، والتي تهدد الاستقرار السياسي، خاصة في تلك الدول التي تكونت حديثا العالم الثالث، إن أهمية هذا النوع من التنظيم الإداري يزداد بازدياد التباين الاثني داخل الدولة الواحدة”.[4]
وعرف دافيد ماك كاي الفيدرالية بأنها: “مبدأ تقسيم السلطات بين المركز والاقاليم، كما أنها تمثل هوية المواطنين في كلا المستويين”.[5] ويمكن تعريف الفيدرالية أيضا بأنها: “نظام سياسي معقد يقوم على أساس توزيع السلطات والاختصاصات بين الدولة المركزية وبين الدويلات المتحدة معها على أساس يتفق عليه فيما بينهم”.[6]
انطلاقا من التعاريف أعلاه يمكن تعريف النظام الفيدرالي بأنه نظام سياسي قائم على أساس توزيع السلطات بين المركز والأقاليم بهدف المحافظة على وحدة البلاد والحيلولة دون حدوث عمليات انفصالية، وتتمتع الأقاليم أو الولايات في ظل هذا النظام بالسيادة والصلاحيات الواسعة في المسائل التي تتعلق في الغالب بإدارة الشأن الداخلي لهذه الأقاليم أو الولايات.
وعلى هذا الأساس فالنظام الفيدرالي يتضمن ما يلي:
- نظام سياسي قائم على أساس توزيع السلطات بين المركز والأقاليم؛
- تتمتع الأقاليم أو الولايات في ظل هذا النظام بالسيادة والصلاحيات الواسعة؛
- يقوم على أساس اللامركزية في التسيير؛
- النظام الأنسب للدول كبيرة المساحة والدول التي تعاني من النزاعات الداخلية.
وتعتبر الفيدرالية من أنجح الأنظمة لحل المشاكل التي تحدث بين مكونات الدولة الواحدة أو محققة للمصلحة العليا عند اتحاد دولتين مستقلتين، ونحن نرى أن الفيدرالية هي نظام سياسي تتقاسم فيه الحكومة الفيدرالية مع حكومات الأقاليم صلاحياتها الدستورية وواجباتها الادارية كإقليم كوردستان في العراق، الذي يمتلك صلاحيات وامكانيات واسعة على أصعدة مختلفة قانونياً ودستورياً.[7]
وتتضمن الفيدرالية وجود سلطة أو هيئة تنفيذية عليا في الاتحاد وأخرى دنيا في الولاية، وكذلك وجود سلطة أو هيئة تشريعية عليا، أي برلمان اتحادي في العاصمة الاتحادية وأخرى في عاصمة الولاية، والشيء نفسه بالنسبة للسلطة القضائية الاتحادية والولائية، والتي يترتب عليها قيام نظام قضائي اتحادي وآخر داخل إقليم الولاية العضو، حيث تصدر الأحكام القضائية في الولاية باسم الدولة الاتحادية، أما الثانية فتصدر باسم الولاية وفقاً لمبدأ سمو القواعد القانونية. ويعتمد النظام الفيديرالي بشكل أساسي على اللامركزية السياسية القائمة على أسلوب توزيع السلطات العامة الثلاثة التنفيذية، التشريعية والقضائية في الدولة الاتحادية على مستويين، يكون المستوى الأول ممثلاً برئاسة الدولة الاتحادية، أما المستوى الثاني يكون في الولايات الأعضاء، بحيث تقوم السلطات الاتحادية على أساس الدستور الاتحادي, أما سلطات الولايات فعلى أساس التشريع الولائي، الذي لا يكون مخالفاً للتشريع الاتحادي، ومن ناحية أخرى يكون النظام الفيديرالي بمثابة حل لمشاكل الطائفية والأقليات العرقية في العديد من الأقطار كالعراق، سوريا والسودان، وذلك بمنح تلك الأقليات اختصاصات إدارية كبيرة لمعالجة شؤونها الداخلية بالوسائل التي تتناسب مع أو ضاعها الجغرافية والاجتماعية والثقافية بصفة عامة.[8] ومما سبق يتضح أن الفيدرالية في حد ذاتها ليست غاية، وإنما هي وسيلة لتحقيق المصالح المشتركة, الغرض منها في الأصل تنظيم تقاسم السلطات المركزية الادارية والقانونية مع السلطات الاقليمية أو المحلية، بغية الوصول لتوازن عادل في توزيع الحقوق والواجبات والمسؤوليات الوطنية بين مكونات الاتحاد الفيدرالي، وعليه فإن قاعدة توزيع الاختصاصات الدستورية والقانونية والادارية بين الحكومة الاتحادية وبين الأقاليم، هي جوهر النظام الفيدرالي.[9]
وتتوزع السلطة بين الحكومة المركزية وحكومات الاقاليم في الدول ذات الحكم الفيدرالي، بحيث تكون كل واحدة منهما ذات سيادة ضمن منطقة مسؤوليتها، وهذا الامر يتطلب وجود دستور ينظم عملية توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والاقاليم بشكل يضمن عدم وجود تجاوز من كلا الطرفين على حقوق وصلاحيات الطرف الآخر، إلى جانب ضمان وجود حكومة مركزية قوية قادرة على حماية وحدة البلاد وتلافي حدوث أي عملية انفصالية من جانب أي إقليم من الأقاليم، كما يتطلب الأمر وجود محكمة دستورية اتحادية تعمل على فض النزاعات التي قد تقع بين الحكومة المركزية واحد الأقاليم أو بين إقليم وآخر بطريقة قانونية ودستورية.[10]
ثانيا: مقومات الدولة الفيدرالية[11]
يتسم الاتحاد الفيدرالي بارتكازه على مقومات تميزه عن الأنظمة الأخرى، وتنطلق فكرة الفيدرالية من التوفيق بين رغبتين متعارضتين، وهما: تكوين دولة واحدة متماسكة مع المحافظة على أكبر قدر من الاستقلالية الذاتية للدول المشاركة في إنشاء الاتحاد الفيدرالي، ويجب أن تكون محاولة الربط بين الهدفين عبر الجمع بين الإطار القانوني والمحتوى السياسي لفكرة الفيدرالية، وهنا يكون الدستور هو الذي يحدد السلطات ويوزع الاختصاصات، وهو الضامن لوحدة الدولة وحقوق الأقاليم، وتتمثل أهم مقومات الفيدرالية فيما يلي:
- الوحدة: تعتبر الوحدة الأساس الأول الذي ترتكز عليه الدولة الفيدرالية والغاية التي ترمي إليها الولايات أو الدول عندما تأخذ بفكرة الفيدرالية لبناء الدولة الجديدة، وتظهر هذه الفكرة بوضوح في كيان النظام الفيدرالي، ولاسيما في التنظيم القانون والسياسي، حيث تظهر في وحدة الشعب، الحيش، الإقليم، الجنسية، طبيعة العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الولايات الأعضاء وكذلك في السياسة الخارجية للدولة الفيدرالية، حيث تظهر كدولة واحدة على الصعيد الدولي.
- الاستقلال: أما فيما بخص خاصية استقلال الولايات فيظهر المقومات الذاتية للولايات, ويعمل على إقرارها وتثبيتها، ومن ثم المحافظة عليها وحمايتها، وتظهر خاصية الاستقلال أيضا في الصلاحيات والسلطات الواسعة الممنوحة للولاية في تسيير شؤونها الداخلية، خاصة في شقها الاقتصادي.
- المشاركة: يقصد بمبدأ المشاركة أن تشارك الولايات باعتبارها كيانات دستورية متميزة في تكوين إرادة الدولة الفيدرالية، مما يترتب عليه تحقيق التوافق والارتباط بين مبدأ بالوحدة والاستقلال الذاتي، فضلاً عن ذلك تساعد على تنظيم الدولة الفيدرالية وظهورها بمظهر دولة موحدة، يخول هذا المبدأ لأعضاء الاتحاد المساهمة في إعداد القرارات الاتحادية ذات المنفعة المشتركة وبدونه لا يمكن القول بتعاون الأعضاء وإنما بخضوعهم، فالدولة الاتحادية لا توجد إلا إذا ساهمت الجماعات المكونة لها بواسطة ممثليها في تكوين الهيئات الاتحادية وفي صنع قراراتها، ويظهر مبدأ المشاركة أيضاً في تمثيل كل ولاية في المجلس الاتحادي أو البرلمان الفيدرالي ومشاركتها في القرارات المصيرية للدولة.
ثالثا: خصائص النظام الفيدرالي[12]
بالرغم من وجود اختلافات متعددة في الأنظمة الفيدرالية وعدم وجود أسلوب موحد أو طريقة ثابتة لتبني هذا النظام، إلا أن هناك خصائص مشتركة تنفرد بها الدولة الفيدرالية، ولغرض إعطاء صورة واضحة لهذا النظام، يمكن تلخيص أهم خصائص الفيدرالية على النحو التالي:
- وجوب دستور مكتوب: ينشأ الاتحاد الفيدرالي كتنظيم قانوني داخلي بموجب الدستور، ويتمتع الدستور بسيادة عليا ولا يمكن تعديله من طرف واحد ويحتاج إلى موافقة عدد كبير من الوحدات المكونة للفدرالية، وطالما أن الدستور يتضمن تقسيم السلطات بين الحكومة العامة والحكومات الفيدرالية الأعضاء، الأمر الذي يستوجب أن يكون هذا التقسيم دقيقاً وثابتاً وغير قابل للاختلاف والالتباس عند التطبيق العملي وممارسة الحكومات لسلطاتها، فمن الضروري أن يكون هذا الدستور مكتوباً، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال تجاوز الدستور الفيدرالي أو التملص من تنفيذ بنوده، ويجب أن يكون الدستور الفيدرالي هو القانون الأسمى في البلاد.
- تقسيم السلطات والاختصاصات بين حكومة الاتحاد وحكومات الأقاليم: يجب أن ينص الدستور الفيدرالي على تقسيم السلطات والاختصاصات بين حكومة الاتحاد وحكومات الأقاليم، وهذه السمة تعتبر إحدى السمات الرئيسية المميزة لنظام الاتحاد الفيدرالي، وأهم ما يميزه عن النظم اللامركزية الإدارية في الدول الموحدة، حيث لا يجري النص على اختصاصات وسلطات الأقاليم اللامركزية للدولة الموحدة في الدستور، وإنما يجري تفويضها من قبل السلطة المركزية بقوانين عادية.
- ثنائية السلطة التشريعية الاتحادية: أي تتكون السلطة التشريعية الاتحادية من مجلسين، مجلس لعموم الشعب في الدولة، ويكون التمثيل فيه بحسب نسبة السكان لكل إقليم، ومجلس لممثلي الأقاليم والتمثيل فيه بنسب متساوية، وهذه السمة تعتبر إحدى الضمانات التي تأمن فعالية هذا النظام، والدستور الفيدرالي هو من يحدد اختصاصات وصلاحيات هذين المجلسين، وكيفية انتخاب أو اختيار النواب فيهما، والهدف الرئيسي من هذه الخاصية هو إصدار القوانين والتشريعات بشكل توافقي، وأن لا تكون القوانين الصادرة عن السلطات الاتحادية في صالح فئة معينة علي حساب حقوق فئة أخرى، وتعتبر ازدواجية السلطة التشريعية الاتحادية ميزة بارزة من مزايا النظام الفيدرالي، إضافة إلى كونها إحدى الضمانات التي تأمن فعالية هذا النظام.
- وجود المحكمة الفيدرالية العليا: وهي اعلى هيئة قضائية في الدولة الاتحادية وتتصف بصفة الحياد، وتقوم بمهمة تفسير نصوص الدستور الفيدرالي وحل المنازعات الدستورية، التي تنشأ في التطبيق العملي بين حكومة الاتحاد وحكومات الأقاليم، أو بين حكومة واحدة أو أكثر وبين غيرها من الأقاليم الأعضاء، كما تقوم بمراقبة أعمال حكومات الأقاليم وحكومة الاتحاد والقوانين الصادرة عنها، وتمنع هذه الحكومات من تجاوز الصلاحيات الممنوحة لها في الدستور.
وتتمتع المحكمة الدستورية بالصلاحية الكاملة في التفسير النهائي للدستور الفيدرالي، خاصة تفسير القواعد الدستورية المتعلقة بتوزيع الاختصاصات والصلاحيات الدستورية ما بين الاقاليم والحكومة المركزية الاتحادية، والذي يعتبر من المسائل الشائكة التي كثيراً ما تؤدي الى النزاعات والاختلافات في الدولة الاتحادية بسبب الاختلاف في تفسير النصوص الدستورية، وتختص هذه المحكمة بالنظر في النزاعات التي تحدث بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.
- عدم قدرة الأقاليم على الانفصال من الاتحاد: لا يمكن للولايات الأعضاء في الاتحاد الانفصال إلا إذا كان منصوصاً عليه في الدستور الفيدرالي، وعند قيام احد الاقاليم بمحاولة الانفصال تلجأ الدولة الاتحادية إلي استخدام القوة للحفاظ على الدولة الفيدرالية، ويحذر فقهاء القانون الدستوري من المخاطر المترتبة على إقرار حق الانفصال، حيث أن ذلك يؤدي إلى اضعاف سلطة الدولة الفيدرالية، بالإضافة إلى ان هذا الاقرار يعتبر تعارضا مع فلسفة النظام الفيدرالي ومع مبدأ السيادة والوحدة في الدولة الاتحادية.
- وجود مستويان من الحكم: ويتميز النظام الفيدرالي أيضا بوجود مستويان من الحكم (فيدرالي ومحلي) يمارس كل منهما سلطاته مباشرة على مواطنيه.
رابعاً: طرق نشأة الدولة الفيدرالية
تنشأ الدولة الفيديرالية، إما عن طريق اتحاد مجموعة من الوحدات السياسية فيما بينها، بعد تنازل كل واحدة منها على سيادتها الداخلية لسلطة اتحادية محددة، أو عن طريق تفكك دولة موحدة بسيطة إلى مجموعة من الوحدات السياسية تربط فيما بينها ضوابط ودستور اتحادي واحد.
الطريقة الأولى: طريقة الانضمام
تنشأ الدولة الفيدرالية في هذه الطريقة من خلال اتحاد دولتين أو عدد من الدول، تتنازل كل واحدة منها عن بعض من سلطاتها الداخلية، وعن سيادتها الخارجية ثم تتوحد ثانية لتكون الدولة الفيدرالية على أساس الدستور الفيدرالي، ومن أمثلة ذلك (الولايات المتحدة الأمريكية، الامارات العربية المتحدة، سويسرا وألمانيا الاتحادية.[13]
بموجب هذه الطريقة تنشأ الدولة الفيدرالية بانضمام اختياري بين دول مستقلة إلى بعضها، وأغلب الدول الفيدرالية نشأة بموجب هذه الطريقة، والسبب في ذلك قد يعود الى الوحدة القومية القائمة على أساس وحدة اللغة والتاريخ، أو أن بينهما مصالح مشتركة، اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، كما أن اختيار النظام الفيدرالي في هذه الحالة يعود إلى أن التنظيم الفيدرالي يسمح لكل ولاية (دولة) بالمحافظة على قدر من استقلاليتها الذاتية مع الاشتراك في سلطات الدولة الجديدة.[14] وتعد هذه الطريقة الأنجح لتكوين الدول الفيدرالية والأكثر بقاء، حيث أن الدول التي تكونت بهذه الطريقة استمرت واثبتت نجاحاً باهراً في القدرة على تحقيق الاتفاق والتنمية المستدامة.
الطريقة الثانية: طريقة تفكك الدولة البسيطة
قد تنشأ الدولة الفيدرالية من تفك دولة كبيرة بسيطة يعاني سكانها من مشاكل اجتماعية وسياسية واقتصادية كاختلاف اللغة، الثقافات والأديان، الفقر، الازمات السياسية والحروب، فيعمل شعبها على المطالبة باستقلال تام عن سيطرة الحكومة المركزية وتقرير مصيرها دون تدخل من الآخرين، ثم تقوم الدولة المعنية بتحويل شكلها من دولة بسيطة وموحدة إلى دولة مركبة فيدرالية عن طريق تقسيم البلاد إلى ولايات أو أقاليم وتبني النظام الفيدرالي، ومن أمثلة الدول التي نشأت بهذه الطريقة (الهند، المكسيك، البرازيل، الأرجنتين والعراق).[15]
خامسا: أسباب تبني الدول للنظام الفيدرالي[16]
تلجأ الدول لتبني النظام الفيدرالي، لعدة أسباب نذكر أهمهما فيما يلي:
- من الصعب على الدول ذات الحكم المركزي أن تستمر في ظل تعدد اللغات والأعراق واختلاف الأديان وتباين الثقافات، لهذا تلجأ هذه الدول لتبني النظام الفيدرالي، الذي يسع جميع الاختلافات والتباينات ويدمج بين الشعوب المتعددة في دولة واحدة؛
- يعتبر عنصر تقوية الدولة والرغبة في توحيد الجهود لمواجهة الخطر الخارجي من العوامل الأساسية في نشأة الاتحادات الفيدرالي، وهو السبب في نشأة الاتحاد الفيدرالي أو ل مرة في الولايات المتحدة الامريكية؛
- لقد بينت التجارب التاريخية عجر الانظمة المركزية في إدارة شؤون الدول ذات المساحات الجغرافية الواسعة، وذلك بسبب تفشي البيروقراطية والتعقيدات الادارية، فضلاً عن بطء الاجراءات وكثرة العراقيل والحواجز التي تكتنف هذه الانظمة، لهذا يعتبر النظام الفيدرالي هو النظام الانسب في إدارة شؤون الدول كبيرة المساحة بطريقة كفئة وفعالة.
سادسا: شروط قيام النظام الفيدرالي[17]
لقيام النظام الفيدرالي على أرض الواقع، لابد من توفر مجموعة من الشروط والعوامل، نذكر أهمهما كالآتي:
- الشروط العامة
وهي الشروط التي تنبطق على جميع البلدان دون بلد بعينه، ذلك متى ما توافرت هذه الشروط كان بالإمكان تحول هذا البلد الى النظام الفيدرالي بدلاً من النظام المركزي، وهي على النحو الآتي:
- الشرط الجغرافي
يعد التقارب الجغرافي شرطاً ضرورياً لقيام ونجاح أي اتحاد فيدرالي، فلابد من أنَّ تكون المنـــــــاطق المكونــــة للاتحاد متجاورة جغرافياً، ولا تكون منفصلة عن بعضها البعض، لأنَّ وحـــدة الأراضــي الجغرافية تجعل هذه المناطق مجتمعاً واحداً مشتركاً في المصالح الاقتصادية, الاستراتيجية , السياسية والأمنية.
- الشرط السياسي
لا يمكننا الحديث عن الفيدرالية في ظل النظم الشمولية والدكتاتورية، وبالتالي فالبيئة الديمقراطية التي تتميز بحرية الرأي والتعبير، الفصل ما بين السلطات، استقلالية القضاء، اللامركزية في التسيير وحوكمة المؤسسات هي البيئة المثلى لازدهار الأنظمة الفيدرالية.
- الشرط الاقتصادي
لابد من توفر الموارد الاقتصادية الكافية لحسن سير العمل في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، لأن النظام الفيدرالي جهاز يستدعي تكاليف باهظة سواء على المستوى المحلي أو الاتحادي، بالإضافة إلى ذلك تعتبر المصلحة الاقتصادية المشتركة من أهم العوامل المشجعة على قيام الاتحاد بين الدول، لأن العامل الاقتصادي يوفر إمكانات مادية ضرورية في الدولة الفيدرالية، كما أنه يولد ثقة شعبية كبيره بجدوى الاتحاد ونجاحه المستقبلي, ونشير إلى أنَّ المعطيات الاقتصادية كانت عاملا رئيساً في نشأت النظام الفيدرالي في أمريكا الشمالية وبين المقاطعات السويسرية.
- الشروط الخاصة
وهي الشروط التي تخص كل بلد وتختلف من دولة الى دولة أخرى تبعاً للظروف الخاصة بالشعوب (الخصوصيات الوطنية) التي تعيش في هذه البلدان، وهي على النحو التالي:
- الشرط النفسي
يجب أن تتمتع الغالبية المكونة للاتحاد بحس مدني عالٍ وروح صادقة ومتعأو نة، بالإضافة إلى ذلك لا بد أن تتوفر في مواطني الاتحاد صفة الانفتاح على الشعوب الأخرى التي يرغبون في الاتحاد معها، فضلا عن صفة التعايش مع الاخر وتقبل الاختلاف، لان الدولة الفيدرالية بالنهاية هي دولة واحدة من الناحية الخارجية، ومواطنوها يحملون جنسية واحده.
- الشرط الحضاري (الثقافي)
إنَّ تطبيق النظام الفيدرالي في بلد ما يتوقف على مستوى الرقي الفكري والثقافي، الذي وصلت إليه المجتمعات في الدول الأعضاء، خاصةَّ مستوى الحس المدني والإيمان بالمثل والقيم الديمقراطية، فالنظام الفيدرالي لا يمكن أن يكون العصا السحرية لمجتمعات تعاني من التخلف والفساد ولم تصل بعد إلى درجة من الرقي الحضاري. فلقد بيّن التاريخ فشل بعض التجارب الفيدرالية التي أقيمت في دول لم تصل مجتمعاتها بعد إلى مرحلة النضج الفكري والثقافي، فتعثرت ولم تتمكن من الصمود ثم انهارت كما هو الحال جمهوريات أمريكا الجنوبية والمركزية، ففي عام 1823 تم إقامة المقاطعات المتحدة لأمريكا المركزية كدولة تأخذ بالنظام الفيدرالي، لكنها فشلت وتفككت في عام 1838 الى خمس دول مستقلة هي كواتيمالا, السلفادور, هندوراس, كوستاريكا ونيكاراكوا، بالإضافة إلى أنَّ التجارب الفيدرالية في جمهوريات أمريكا الجنوبية كالمكسيك، البرازيل، الأرجنتين وفنزويلا لم تترسخ ولم تزدهر. وبالمقابل نجحت الفيدراليات في الدول التي بلغت درجة معقولة من التطور الحضاري والثقافي كالولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، كندا، أستراليا وألمانيا بسبب رقي شعوب هذه الدول ووعيها السياسي العالي.
مما سبق يتضح أن وعي الشعوب ورقيها الفكري والثقافي يعتبر من أهم شروط قيام النظام الفيدرالي، وهذا يعني أنه لا يمكن إقامة دولة فيدرالية في ظل التخلف والجهل وانتشار ثقافة الانغلاق والإقصاء وعدم تقبل الأخر، إنّ هذا الشرط (وعي الشعوب) هو الذي يفسر نجاح الفيدرالية دول وفشلها في دول اخرى، وبالتالي فإن نجاح النظام الاتحادي يحتاج إلى شعبٍ واعٍ ومسؤول يعيش في بيئة ديمقراطية تضمن له حرية الرأي والتعبير ويتمتع قضاءها بالاستقلالية وتتميز مؤسساتها بالشفافية والنزاهة.
سابعا: مزايا وعيوب النظام الفيدرالي[18]
- مزايا النظام الفيدرالي
يعتبر النظام الفيدرالي من أنجح الأنظمة في الحكم، وله مميزات لا يمكن حصرها، لكن يمكن تلخيص أهمهما كالتالي:
- تسمح الدولة الفيدرالية لكل ولاية من ولاياتها بإدارة شؤونها بنفسها بسلطات وصلاحيات واسعة، تراعي الفروق الاجتماعية، الثقافية، العرقية، اللغوية، الدينية وغيرها، ومن ثم فإن الدولة الفيدرالية تكون هي الحل الأمثل للمشاكل التي قد تحدث بسبب الاختلاف والتنوع القائم بين الولايات؛
- يسهل النظام الفيدرالي إدارة شؤون الدولة والولايات، لأنه يتميز بخاصية اللامركزية في التسيير، مما يساعد في محاربة ظاهرة البيروقراطية ومختلف العراقيل والتعقيدات الإدارية؛
- يسمح هذا نظام بإجراء تجارب دستورية متعددة، فنجاح نظام معين في ولاية أو إقليم ما يساعد على اقتباسه وتطبيقه في الأقاليم أخرى، وهذا يصعب تطبيقه في الدولة المركزية؛
- في الأنظمة الفيدرالية التنوع والاختلاف هو عامل إثراء وإغناء، حيث تتميز مجتمعات هذه الدول بالإبداع وتنوع الأفكار، مما يساهم في تنمية القدرات البشرية وتحقيق التنمية المستدامة؛
- يعتبر النظام الفيدرالي النظام السياسي الأنسب في إدارة الدولة عندما تتسع رقعتها الجغرافية وتترامى أطرافها؛
- تسمح الدولة الفيدرالية بالجمع بين مزايا الدولة الموحَّدة ومزايا الدولة المركبة، حيث تأخذ من الدولة الموحدة مبدأ الاحتفاظ بوحدة الدولة ككيان واحد كبير وقوي في النطاق الدولي، وأيضاً الاحتفاظ ببعض السلطات في المسائل الداخلية الهامة، وتأخذ من الدولة المركبة مبدأ إعطاء قدر كبير من الاستقلال للولايات في السيادة على إقليمها وتسيير شؤونها الداخلية، بما يرضي مواطنيها ويحقق مصالحهم؛
- يعطي النظام الفيدرالي صلاحيات واسعة للولايات في تسيير شؤونها الداخلية، خاصة في الجانب الاقتصادي، مما يخلق جو تنافسياً بين الولايات في مجال جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الأعمال، وبالتالي زيادة معدل النمو الاقتصادي وتطوير اقتصادات هذه الولايات؛
- يساعد على تكوين الدول الكبيرة إذ يضم في دولة اتحادية واحدة شعوباً ليست متجانسة الى الدرجة التي تسمح بقيام دولة موحدة، بالإضافة إلى أنه يحل المشاكل الناجمة عن تباينات واختلافات مكونات الاتحاد كتعدد اللغات والأعراق واختلاف الاديان وتباين الثقافات؛
- تعتبر الفيدرالية صورة من صور الديمقراطية، التي تقوم على الدولة المؤسسات، استقلالية القضاء، حرية الرأي والتعبير واللامركزية في التسيير، ومن ميزات الفيدرالية أنها تمكن الشعب من الرقابة على أعمال الحكومة ومتابعة حركة المال العام، وبالتالي المساهمة في محاربة الفساد المالي والإداري والعمل على إدارة الوحدات الفيدرالية بطريقة كفئة وفعالة؛
- يوفق النظام الفيدرالي بين الوحدة الوطنية والاستقلال الذاتي، اذ يترتب عليه توحيد التشريع في المسائل الجوهرية التي تهم دولة الاتحاد في مجموعها، ويترك بعد ذلك حرية كبيرة للولايات بوضعها تشريعات تتماشى مع مصلحتها وتتلاءم مع احوالها وظروفها.
- عيوب النظام الفيدرالي
كأي نظام من صنع البشر، تكتنف الفيدرالية بعض العيوب، يمكن ذكرها كالتالي:
- قد يؤدي إلى تفتيت وحدة الدولة، عندما يتم منح الولايات صلاحيات كبيرة تضعف من سيطرة الحكومة الاتحادية، وتحول بينها وبين قدرتها على الموازنة بين مصالح الولايات ومصالح الدولة العليا؛
- قد تحدث بعض النزاعات بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات بسبب الازدواجية في الاختصاصات والتداخل في الصلاحيات؛
- تكبِّد الدولة الفيدرالية المواطنين نفقات ضخمة، بسبب تعدد الهيئات في الدولة وازدواجيتها بين السلطة الاتحادية والولايات؛
- ضعف سلطة الدولة الفيدرالية على اقتصاديات الأقاليم، مما قد يؤدي إلى تفاوت التنمية بين الولايات وعدم تحقيق الأهداف الوطنية العامة؛
- قد تكون الفيدرالية من أسباب التوحد في بعض الدول، وقد تكون من أسباب الفرقة والانقسام في دول أخرى، وبالتالي فهي لا تصلح كنظام للحكم في بعض المجتمعات بدليل ظهور الحركات الانفصالية، التي تدعو الى الاستقلال التام عن الدولة الاتحادية وتكوين دول مستقلة، ومن أمثلة ذلك الحركات الانفصالية الموجودة في إقليم كتالونيا، والتي تدعو إلى الانفصال عن إسبانيا.
- عرض تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال تطبيق النظام الفيدرالي
مرّت الولايات المتحدة الامريكية في تطورها السياسي بمراحل عديدة كان لها أثر كبير في نظامها السياسي، فقد كانت قبل الاستقلال تتكون من ثلاث عشرة مستعمرة تخضع في جميع شؤونها الى التاج البريطاني مع تمتعها بشيء من الاستقلال في بعض أمورها الداخلية، وبعد أن خاضت هذه المستعمرات حروب التحرير ضد الدولة المستعمرة (بريطانيا)، التي امتدت بين سنتي (1764-1774) استطاعت 13 ولاية امريكية توحيد سياساتها ضد الحكومة البريطانية وتشريعاتها الاستعمارية وأن تحقق استقلالها في سنة 1776، وأقامت فيما بينها نوعا من الاتحاد التعاهدي، ثم اتجهت نية هذه الدول نحو قيام اتحاد أقوى، وبفضل جهود بعض الزعماء الامريكان انعقد مؤتمر فيلادلفيا سنة 1787 وتم الاتفاق على قيام الاتحاد الفيدرالي بين الدول الثلاث عشرة وأقر مشروع الدستور الاتحادي.[19]
أو لا: الفيدرالية والدستور الأمريكي[20]
يشير اصطلاح الفيدرالية في أمريكا إلى تقسيم ومشاركة السلطة المخولة بنص الدستور بين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات، فالنظام الفيدرالي الأمريكي هو مزيج من حقوق الولايات وسيادة السلطة الاتحادية، حيث يتيح للولايات التحكم في العديد من المشاريع الهامة، مثل الطرق السريعة وبعض برامج الرعاية الاجتماعية والتعليم والشرطة وضوابط استغلال الأراضي، في حين تتمتع الحكومة الفيدرالية بسلطات هائلة, فإن عليها أن تقنع الولايات بإدارة شؤون الحكم فيها على نحو يتفق والأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.
- حسب تصور واضعي الدستور
انقسم واضعو الدستور في الأساس حول معنى الفيدرالية، فبينما أيد البعض آراء الكسندر هاميلتون, الذى اعتقد بضرورة وجود حكومة فيدرالية قوية، وذلك عبر مفهوم سيادة السلطة الفيدرالية. إلا أن البعض الآخر أيد آراء توماس جيفرسون, التي تفترض أن قيام حكومة اتحادية مسيطرة يمكن أن يهدد الحريات الفردية، ومن ثم يجب أن تكون للحكومة الفيدرالية سلطات محدودة حتى لا تتغول على سلطة الولايات.
- حسب الفيدرالية المعاصرة
تشتمل الولايات المتحدة اليوم على أكثر من ثمانين ألف وحدة حكومية منفصلة، تشكل المدن والأقاليم والمقاطعات الخاصة (تتولى هذه الأخيرة إدارة المدارس، مرافق مياه، الصرف الصحي و…) كيانات سياسية محلية إلى جانب الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات.
- النصوص الدستورية الخاصة بالفيدرالية
مُنحت الولايات مسؤوليات تحديد الدوائر الانتخابية في نطاقها لانتخاب أعضاء مجلس النواب واقرار أو اقتراح التعديلات الدستورية واستعمال السلطات الممنوحة لها بموجب التعديل العاشر. أما الحكومة الفيدرالية فقد منحت قائمة طويلة من السلطات المفروضة أو الممنوحة في المادة الأولى من الدستور مثل تقديم القروض المالية, بناء الجيوش, إعلان الحرب وتنظيم التجارة، فضلا عن ذلك، فقد حدد الدستور للولايات ما لا يدخل في اختصاصاتها، فليس من حق أية ولاية عقد معاهدة مع دولة أجنبية، أو تشريع قانون يجرد الأفراد من حقوقهم المدنية (أي تجريم شخص أو جماعة وتوقيع العقوبة عليهم دون محاكمة)، أو إقرار القوانين بأثر رجعي (وهى القوانين التي تجعل من عمل غير إجرامي عملاً إجراميا بأثر رجعى)، أو فرض ضرائب على الواردات أو الصادرات دون موافقة الكونجرس، أو الاحتفاظ بقوات مسلحة في أو قات السلم.
- حماية الولايات من الحكومة الفيدرالية
نص دستور الولايات المتحدة على عدم جواز تغيير تمثيل ولاية في مجلس الشيوخ دون موافقة الولاية المعنية، كما نص كذلك على عدم جواز تقسيم أو ضم أية ولابة إلى ولاية أخرى دون موافقتها، وصرح أخيراً بعدم جواز إضافة أية تعديلات دستورية دون الحصول على موافقة ثلاثة أرباع عدد الولايات.
ثانيا: خصائص الفيدرالية الأمريكية[21]
تتميز الفدرالية الأمريكية عن غيرها من الفيدراليات الأخرى بأنها تضم مجتمعاً متجانساً نسبياً، فعلى الرغم من وجود أقليات كبيرة من السود وذوي الأصول الإسبانية، إلا أنهم لا يشكلون أغلبية في أية ولاية من الولايات، وعلى الرغم من ذلك, فإنه يوجد تنوع إقليمي في الثقافة السياسية وتركيز هائل على أهمية حكومة الولاية والحكومة المحلية. وتتميز الحكومة الفيدرالية بقدر معقول من اللامركزية، ويتم منح سلطات قانونية متساوية للولايات الخمسين، على الرغم من أن ذلك لا ينطبق على العلاقة بين الفيدراليات اللاتماثلية والولايات المرتبطة بها، والسمة الرئيسية لتوزيع السلطات هي النسق الذي يقضي بأن يحدد الدستور الموضوعات التي تخضع للسلطة الفيدرالية معظمها متلازمة وبعضها فيدراليا خالصاً من خلال منع الولايات من وضع تشريعات بشأنها ويترك الموضوعات المتبقية غير المحددة للولايات, وتعتمد المؤسسات الفدرالية على مبدأ الفصل بين السلطات فيما يتعلق بالسلطة التنفيذية والهيئة التشريعية مع وجود مؤسسات رئاسية تابعة للكونغرس تضم نظاما للضوابط والتوازنات. وعبر ما يزيد على القرنين من الحكم الفيدرالي, اكتسبت الولايات المتحدة كاتحاد فيدرالي مزيدا من التكامل وأصبحت الحكومة الفدرالية أكثر قوة، وفي العقود الحديثة جرى توصيف الدور المُسيطر للحكومة الفدرالية والممارسة الشاملة لحق لأولوية الفدرالية على أنه تحولٌ من الفدرالية التعاونية إلى الفدرالية القسرية*، وفي الوقت ذاته كانت ثمة ضغوط سياسية معارضة تطالب بمزيد من اللامركزية، على الرغم من ان التقدم في هذا الاتجاه كان محدودا، وقد اجمعت المحأولا ت التي جرت بعد ذلك على أرض الواقع لإقامة اتحادات فدرالية على الاقتداء ببعض ما جاء في النظام والتطبيق الدستوري للولايات المتحدة عند وضع هياكلها الفيدرالية الخاصة بها مما جعلها مثالا هاما يحتذي به.
وتتميز الفيدرالية الأمريكية بانها تعطي أهمية كبيرة لدور الولايات، حيث لا تزال الولايات والمحليات تلعب دوراً هاما في السياسة الأمريكية، إذ أن هناك ثلاثة أنشطة حكومية خدمية تمارس فيها الولايات والمحليات قدراً كبيراً من التحكم والسيطرة وهي: تنفيذ القانون، التعليم وتنظيم الأراضي (تعيين حدود المناطق وأنماط المساكن)، وهناك سببان يفسران ما تتمتع به الولايات والمحليات من نفوذ في هذه المجالات، ألا وهو اعتقاد الشعب الأمريكي وقناعته التقليدية بوجوب أن يكون كل من مجالي الشرطة والمدارس في نطاق الاختصاص المحلي، وكذا تأييد المشرعين المحليين لهذه القناعة والاعتقاد التقليديين، وبصفة عامة يمكن القول بأن أعضاء مجلسي النواب والشيوخ يعارضون الإشراف الفيدرالي القوي على المناهج الدراسية في المدارس أو وجود قوة شرطة (اتحادية) في الولايات.
ثالثا: القواعد الدستورية التي تحكم العمل الاتحادي[22]
هنالك قاعدتين دستوريتين أساسيتين حكمت وتحكم العمل الاتحادي منذ المرحلة الأو لى لنشأة النظام السياسي الأمريكي، ولا بد من توضحيها قبل معالجة أساليب تقاسم الصلاحيات:
القاعدة الأولى: أن تجري إدارة القضايا المشتركة من قبل الحكومة الفيدرالية
المبدأ الأساسي هو أن تقوم الحكومة الاتحادية (الفيدرالية) التي يجري تشكيل مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية من سكان مختلف الولايات، بكافة الصلاحيات المشتركة عبر الولايات ويترك لكل ولاية الحق في إدارة شؤونها الداخلية، وبناءً على هذا التوجه العام فإن من القضايا المشتركة التي أصبحت من اختصاص الحكومة الفيدرالية فقط الحق في صك العملة، الحق في إدارة العلاقات الخارجية، الحق في إدارة الطرق العابرة للولايات، الحق في ادارة التجارة عبر الولايات وكذلك ادارة البريد الفيدرالي وعشرات القضايا المشتركة الأخرى، ويبسط الجدول رقم (01) من حيث المبدأ فكرة تقاسم الصلاحيات بين حكومات الولايات وبين الحكومة الفيدرالية.
الجدول رقم (01) يوضح مبدأ تقاسم الصلاحيات بين حكومات الولايات وبين الحكومة الفيدرالية
صلاحيات الحكم والإدارة | أو لية اختصاص الولاية | اختصاصات السلطة الفيدرالية |
الجيش | ´ | |
الصحة | ´ | |
التعليم | ´ | |
العلاقات الخارجية | ´ | |
الامن الداخلي | ´ | |
صك العملة | ´ | |
القضايا المشتركة عبر الولايات | ´ |
المصدر: صادق عبدالحميد مالكي: منشأة وتطور النظام الفيدرالي الأمريكي (نموذج تقاسم الصلاحيات السياسية وتوازنها عبر مستويات وقضايا الحكم)، مجلة جيل للدارسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد: 10، مركز جيل البحث العلمي، طرابلس-لبنان، سبتمبر 2017، ص: 43.
من شروط التقسيم التي جرى تأكيدها ابتداء أن تكون الحكومة الفيدرالية من حيث القوة العسكرية المحضة أقوى من أي ولاية من الولايات الامريكية منفردة، علماً بأن لكل ولاية قوة دفاع تخضع لحاكم الولاية، ولكن الجيش الذي يتحرك عبر الولايات هو فقط الجيش الفيدرالي التابع للحكومة الاتحادية، ولا يحق للولايات أن تمتلك عوامل القوة الجوية أو البحرية إلا بإذن من الكونغرس الذي له الحق أيضاً في تقرير مدى الحاجة لإنشاء قواعد عسكرية في أي ولاية من الولايات تحت اشراف السلطة الفيدرالية. أما بالنسبة للشؤون الأمنية داخل كل ولاية فإن للولايات الحق في انشاء قوة شرطة قادرة على الحفاظ على الأمن في نطاق الولاية، ولا يحق لجهاز الشرطة في أي ولاية العبور الى ولاية أخرى.
القاعدة الثانية: التأكيد على حق حكومات الولايات في إدارة شؤونها الداخلية
لا بد أن نشير هنا إلى قاعدة أساسية تطورت في مرحلة نشأت الولايات المتحدة الامريكية ساعدت وتساعد في الحد من تدخل الحكومة الفيدرالية في عمل حكومات الولايات، وهذه القاعدة هي أن كل ما سكت عنه الدستور فهو ابتداءً من اختصاص حكومة الولاية، ففي الفترة الأولى للاتحاد كان هنالك قلق بين حكومات الولايات بأن الحق التشريعي للحكومة فيدرالية قد يعني تعطيل قدرة هذه الحكومات في تنظيم الحياة والعمل داخل الولايات بما يتلاءم مع حقيقة اختلاف الحاجات التنظيمية من ولاية لأخرى، والحاجة الى سرعة اتخاذ القرار فيها، ولذلك جاء التعديل الأول للدستور عام 1791 أي بعد أقل من أربع سنوات على اعلان الدستور الامريكي ليحوي في مادته العاشرة النص التالي: “أن السلطات التي لا يوليها الدستور للولايات المتحدة ككل ولا يحجبها عن الولايات افراديا تحفظ لكل من هذه الولايات أو للشعب”، وقد تم اعتماد هذا التعديل بهدف طمأنة الناس في الولايات إلى أن الحكومة الفيدرالية لن تبتلع الولايات، وتؤكد ايضا أن الولايات أو الشعب يحتفظون بجميع السلطات التي لم تمنح لتلك الحكومة.
رابعا: مزايا وعيوب النظام الفيدرالي الأمريكي
أقام الآباء المؤسسون هيكلاً فدرالياً يهدف للحيلولة دون التركيز الطغياني للسلطة السياسية، الذى من شأنه طمس صوت الولايات، وعليه فقد كان الهدف الرئيسي من إقامة النظام الفيدرالي هو تقوية أسس الديمقراطية من خلال المشاركة في السلطة. ولكن هل تحقق التصور الفيدرالي للآباء المؤسسين على النحو الذى أرادوه؟.
- مزايا النظام الفيدرالي الأمريكي[23]
يتميز النظام الفيدرالي الأمريكي بعدة مزايا نذكر منها:
- أنه يحقق قدراً من السيطرة المحلية على الحياة السياسية، ويضاعف من فرص المشاركة السياسية من خلال انتخاب الآلاف من المسؤولين على مستوى الولاية والمحليات، فالمواطن الأمريكي أو الجماعة ذات المصالح التي يحال بينها وبين الاتصال بمستوى حكومي معين يمكنها تعويض ذلك عند مستو آخر؛
- أنها تشجع على التجريب والتنوع في مواجهة الاحتياجات الاجتماعية والسياسية للامة، فلقد كانت جورجيا هي أو ل ولاية يسمح فيها بحق الانتخاب مع بلوغ سن الثامنة عشرة، كما كانت كاليفورنيا رائدة في ابتكار السياسات الخاصة يتلوث الهواء قبل أن تتمكن الحكومة الفدرالية من سن قانون شامل للهواء النقي في أرجاء البلاد بفترة طويلة؛
- تقريب الإدارة من المواطن بسبب اعتماد نمط اللامركزية في التسيير؛
- منح كل ولاية صلاحيات واسعة في مجال إدارة شؤونها الداخلية، يخلق جوا تنافسيا بين الولايات، مما يؤدي إلى تطوير الاقتصاد المحلي لكل ولاية ويمكن الولايات ذات الاقتصاد الضعيف باللحاق بالولايات ذات الاقتصادات القوية.
- عيوب النظام الفيدرالي الأمريكي
إلى جانب مزايا الفيدرالية المشار إليها، هناك بعض الجوانب السلبية البارزة في النظام الفيدرالي الأمريكي نذكر منها:
- قد يشجع التوجه المحلي للفيدرالية على الاقليمية وإعاقة التقدم؛
- يمكن أن يترتب على الاستقلالية المحلية ازدواجية مدمرة، مثل تعدد الهيئات الزراعية على مختلف مستويات الحكومة الثلاثة، وبالتالي تضخم الأجهزة البيروقراطية، ومن ثم تزايد التكاليف الإدارية بما يتناسب وهذا التضخم؛
- قد تعترض الأجهزة الفيدرالية بعض المصاعب في سبيل معالجة المشاكل التي تتخطى حدود الولايات مثل تلوث الماء والهواء، فالأمطار الحمضية التي تسقط على الولايات في نيوانجلند ترجع أسبابها إلى المراكز الصناعية في مناطق الغرب الأوسط، وع ذلك ترفض الولايات مصدر التلوث أن تدفع اية تعويضات على الخسائر الناجمة عنه.
خامسا: الإدارة المالية في النظام الفيدرالي الأمريكي[24]
لتقديم الخدمات العامة فإن للعمل الحكومي تكاليفه التي تشمل دفع رواتب الموظفين والإيجارات، بالإضافة للمشاريع العامة والأنشطة الأمنية وغير ذلك من واجبات الحكومات، ولكن وفي ظل التعددية في الحكومات في النظام الأمريكي، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيف يجري دفع تكاليف مختلف الخدمات العامة في بلاد ذات عدة حكومات؟، وما هو أسلوب الإدارة المالية في تنظيم العمل المالي لهذه الحكومات بصفة عامة؟.
كباقي الحكومات في العالم فإن أغلب دخل الحكومات المختلفة في الولايات الأمريكية وكذلك الحكومة الفيدرالية يأتي من الضرائب والرسوم الحكومية، وهو مبدأ أساسي ملزم عبر إجراءات تقرير الضرائب على مختلف مستويات العمل الحكومي هو أنه لا ضرائب بدون تمثيل، حيث كان الاصرار على هذا المبدأ هو الذي أدى في الواقع الى قيام الثورة الأمريكية ضد التاج البريطاني حينما تم رفض الضرائب التي فرضها التاج البريطاني دون أن يكون للولايات الأمريكية تمثيل في مجلس العموم البريطاني في المؤتمر القاري الأو ل عام 1774، وفي ظل هذه القاعدة (لا ضرائب بدون تمثيل)، وأمام تعدد الحكومات فقد تطورت الفيدرالية الأمريكية في مجال في التنظيم المالي على النحو التالي:
- تطوير نظام لتقاسم أوعية الدخل الضريبي
للحكومة الفيدرالية في واشنطن الحق في فرض الضرائب على الدخل وتحصيل رسم الضمان الاجتماعي، وذلك عن طريق جهاز فيدرالي يملك صلاحيات واسعة في المتابعة والملاحقة في تحصيل هذه الضريبة، كذلك للحكومة الفيدرالية الحق في فرض ضرائب على دخل الشركات العاملة عبر الولايات، كما تقوم بتحصيل الضرائب على التركات والسجائر والبنزين وإطارات السيارات، وكذلك تحصل خزانة الحكومة الفيدرالية على كافة الرسوم التي يتم تحصيلها كجمارك عند المنافذ البحرية والجوية والبرية، حيث يتولى عملية إدارة هذه المنافذ موظفين تابعين للحكومة الفيدرالية. أما بالنسبة لأوعية الدخل الضريبي الذي يتأتى منه دخل حكومات الولايات وما قد يتواجد فيها من حكومات محلية ومجالس وبلديات المدن وغيرها الخاضعة للتنظيم السياسي لحكومة الولاية، فإنها تحصل على الضرائب على الممتلكات داخل الولاية، الضرائب على المبيعات، الضرائب على عمليات البيع التي تتم داخل النطاق الجغرافي والضرائب على الامتيازات وأماكن الترفيه بالإضافة الى تحصيلها للضرائب على دخل الشركات العاملة في داخل الولاية، ومن حقها أيضا أن تفرض ضرائب محدودة على الدخل، وكذلك تقوم بتقاسم ما يجري تحصيله من رسوم على الخدمات العامة مع الحكومات المحلية داخل النطاقات السكانية المختلفة (حكومات المدن والقرى والمناطق المدرسية وغيرها).
نشير هنا إلى أن قضية فرض الضرائب عند المستوى المحلي داخل الولايات الأمريكية تخضع لقاعدتين أساسيتين:
- القاعدة الأولى: هي قاعدة لا ضرائب بدون تمثيل: التي كنا قد أشرنا اليها، والتي تؤكد من حيث المبدأ أنه ليس من حق أي حكومة فرض الضرائب، إلا بعد سؤال الناس ممن سوف تقتطع الضرائب من جهدهم وإقناعهم بمبررات رسم هذه الخدمة أو تلك لحياتهم.
- القاعدة الثانية: هي قاعدة تقاسم الدخل من الرسوم والضرائب: هذه القاعدة تطورت قبل أكثر من أربعين سنة ضمن اطار أنظمة حكومات الولايات الأمريكية في علاقتها بالحكومات المحلية في كل ولاية، وهنا نلاحظ أن قرب الحكومات المحلية في المدن والقرى والمناطق المدرسية والنطاقات السكانية الأخرى يجعلها في الواقع الأقرب في التعامل مع الحاجات الخاصة بكل منطقة، وبالتالي الأقدر على إقناع المجالس البلدية المنتخبة من سكان هذه النطاقات على أساس القاعدة الأولى على فرض ضرائب تتلاءم مع الحاجات والخدمات المطلوبة في كل نطاق. ويعمل نظام تقاسم الدخل الضريبي والرسوم على أساس أن تقوم المجالس المنتخبة بالحصول على موافقة السكان في النطاق الحضري على نوع ونسبة الضريبة أو الرسم، ثم تتولى حكومة الولاية عبر أجهزتها سلطة جمع تلك الضريبة أو الرسم، حيث يعطى جزء منها للحكومة المحلية والجزء لأكبر لحكومة الولاية مع ملاحظة أن حكومة الولاية تشارك أيضاً بنسب متفاوتة في تغطية النقص في بعض الخدمات الأساسية في النطاق.
- تطبيق نظام الميزانية السنوية للحكومة الفيدرالية ولحكومات الولايات وللحكومات المحلية
للحكومة الفيدرالية وحكومة كل ولاية ولأغلب الحكومات المحلية كما هي العادة في باقي حكومات العالم نظام في تخطيط المسار المالي لكل حكومة، يقوم على ميزانية سنوية تظهر فيها نفقات الحكومة المتوقعة في سنة كاملة في ضوء الدخل المتوقع، وما يترتب على ذلك من فائض أو توازن أو عجز، و بطبيعة الحال فإن عناصر ميزانية الحكومة الفيدرالية في واشنطن وحكومات الولايات والحكومات المحلية داخل الولايات تختلف في مدخلاتها ومخرجاتها، ولكنها تتشابه في عمليات وضع الميزانية بصفة عامة، حيث يقوم الرئيس الأمريكي في حالة الحكومة الفيدرالية وحاكم الولاية في حالة الولايات، والعمدة أو الرئيس التنفيذي في مجالس المدن والمناطق البلدية بصورها المختلفة بعرض اقتراحه المالي للميزانية السنوية على المجالس المنتخبة على أساس اقتراح قانون، ثم يقوم أعضاء اللجان المختصة في هذه المجالس المنتخبة مجلس النواب الفيدرالي في حالة الحكومة الفيدرالية، ومجلس نواب الولاية والمجلس التشريعي في حالة المدينة وغيرها من الحكومات المحلية بمناقشة بنود الميزانيات واجراء التعديلات التي يرونها مناسبة للصالح العام في النطاق تحت سيطرة هذه الحكومة أو تلك، ثم يعرض الموضوع على المجلس المنتخب للتصويت النهائي الموافقة أو التعديل أو الرفض لمقترح الميزانية.
في حالة وجود عجز فإن الحكومة الفيدرالية تتدخل بدعم الولايات الفقيرة بمنح مالية وفق معايير فيدرالية صارمة في المجالات الأساسية مثل المواصلات والتعليم والمساعدات الاجتماعية والاسكان ووفق برامج فيدرالية تنظم عمليات التوزيع على أساس شروط تضعها الهيئة الفيدرالية المختصة عدم التزام حكومة الولاية بهذه الشروط يعني أنها سوف تخسر الدعم للسنة المالية التالية حيث تتابع الأجهزة المختصة في الحكومة الفيدرالية مدى التزام حكومة الولاية، كما تقوم حكومة كل ولاية بدعم ميزانيات الحكومات المحلية بأشكالها المختلفة وفق معايير تضعها حكومات الولايات. وكمثال لتوضيح صورة التداخل بين عمل الحكومة الفيدرالية من خلال هيئاتها وبرامجها المتخصصة وحكومة الولاية والحكومات المحلية في داخل نفس الولاية فسوف نقتصر في الجدول رقم (02) على توضيح التداخل المالي في طريقة تغطية ميزانية المدارس العامة وذلك تحت اشراف الحكومة المحلية في محافظة مدينة بلتمور بولاية مريلاند.
الجدول رقم 02 مصادر دخل ميزانية التعليم المدرسي العام في محافظة مدينة بلتمور لعام 1996
المبالغ | النسبة |
مبالغ من نفس المحافظة | 59 % |
مبالغ من حكومة الولاية | 29 % |
مبالغ من الحكومة الفيدرالية | 6 % |
مصادر أخرى | 6 % |
المصدر: صادق عبدالحميد مالكي: منشأة وتطور النظام الفيدرالي الأمريكي (نموذج تقاسم الصلاحيات السياسية وتوازنها عبر مستويات وقضايا الحكم)، جلة جيل للدارسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد: 10، مركز جيل البحث العلمي، طرابلس-لبنان، سبتمبر 2017، ص: 53.
- الاستقلالية المالية للحكومات المحلية داخل الولايات ومبدأ الاعتماد على الموارد الذاتية
يجب ألا يبعدنا التنظيم المالي وطريقة إعداد الميزانيات عن حقائق الفاعلية الاقتصادية في تقاسم الصلاحيات الحكومية بين مستوى حكومة الولاية والحكومات المحلية في هذه الولاية أو تلك، كجهات تريد أن تكون حرة في تقرير حياة سكانها عن طريق النواب المنتخبين للمجالس المحلية من نفس سكان النطاق الحضري، فسواء كان الأمر بالنسبة لحكومات المدن أو القرى أو الحكومات المحلية الأخرى، فإن هذه النطاقات الحضرية لا ينظر لها كعبء على حكومة الولاية أو الحكومة الفيدرالية، وإنما كخلية اقتصادية عاملة عليها أن تدبر موارد دخلها وتطور طرق زيادة العوائد المالية من استثمارات تتلاءم مع طبيعة وموقع النطاق الحضري، بالبحث عن دعم ومساعدات من رجال الأعمال أو حكومة الولاية أو حتى الحكومة الفيدرالية فيما هو متاح من برامج تنموية للاقتصاد، حيث نلاحظ أن لدى الحكومات المحلية المنتخبة صلاحيات هائلة في ادارة النطاق الحضري ما دامت لا تخالف قوانين الولاية أو القوانين الفيدرالية، وقادرة في نفس الوقت على تغطية تكاليف الخدمات العامة فيها ونفقات الادارة العامة (تكاليف الجهاز البيروقراطي). هذا الواقع خلق تنافس بين مدن الولايات والنطاقات الحضرية الأخرى كخلايا إنتاج وجذب للاستثمارات للرواد من مبدعين ومخترعين من مختلف الولايات، حيث تعمل كل ولاية وكل مدينة على تطوير القوى البشرية والتعليم والبنية التحتية وخدمات الثقافة والرياضة والترفيه، ومن ثم الترويج للولاية على هذا الأساس، وفي نفس الوقت الحد ما أمكن من الضرائب ليكون النطاق الحضري جاذب للاستثمارات وللكفاءات، وبطبيعة الحال فإن فشل حكومة الولاية في الإدارة المالية (وجود عجز في الميزانية السنوية) أو قيامها برفع الضرائب، يؤدي الى قيام الناس بالعمل على تغيير حكومة الولاية من خلال الانتخابات، وبنفس المنطق تتأثر الحكومات المحلية للمدن والقرى بأي ارتفاع للتكاليف أو فشل في تقديم الخدمات العامة، مما يجعل قضية تطوير المجتمع ونموه الاقتصادي والتعليمي والثقافي وخفض تكاليف الادارة العامة قضية محلية أكثر من أي شيء آخر، لها نتائجها وعواقبها السياسية على أصحاب القرار عند مستوى الولاية ومستوى الحكومات المحلية فيها.
إن هذا التداخل بين وحدات سياسية شبه مستقلة الذي يشوبه الكثير من الصراع السياسي على الدخل المتأتي من الضرائب والرسوم ومسؤولية كل جهة عما تقرره، أدى في الواقع الى تحويل التجمعات السكانية من المدن والقرى وغيرها عبر الولايات الأمريكية إلى خلايا انتاجية متنافسة يسعى كل منها لتنويع مجالات العمل من صناعة وسياحة وتعدين وصيد وغيرها بما يحقق أقصى فائدة لمصلحة سكان النطاق قبل أي جهة أخرى، وفي نفس تغطية نفقات الخدمات العامة من أمن، تعليم، مكتبات عامة، إسكان، دفاع مدني، خدمات الإسعاف، كليات المجتمع، المنتزهات العامة وغيرها مما يمكن إدارته عند أدنى مستوى ممكن.
هنا علينا أن نلاحظ أنه مقابل هذا الحق في استقلال الحكومات المحلية في ادارة نفسها فإن قيام حكومة الولاية بدعم أي حكومة محلية في نفس الولاية يأتي معه حق حكومة الولاية في ممارسة اشراف مباشر على أنشطة المدينة لكشف أسباب تخلفها في تغطية نفقات سكانها أو تغطية ديونها، حتى لا تكون عالة على باقي المدن في الولاية، فكل نطاق حضري إداري في داخل الولاية له مجلس منتخب لا بد أن يعمل على تطوير النطاق الذي يديره ليصبح خلية انتاجية قادرة من خلال الضرائب التي للمجلس الحق في فرضها على النشاط الاستثماري لثروات النطاق والاستفادة من مساعدات أبناء المجتمع في تغطية جزء من نفقات الخدمات العامة في المنطقة، وإلا خسرت المدينة أو النطاق الحضري جزءا من استقلالها.
سادسا: منهج لكيفية معالجة القضايا التنفيذية عبر الولايات
تتداخل بعض اختصاصات أعمال الولايات في مجالات بعينها مثل الطرق عبر الولايات، والبريد وتنظيم الطيران المدني وقضايا هروب المجرمين من ولاية لأخرى، هذه القضايا وغيرها تتطلب حلولا تنظيمية لإدارتها عبر الولايات، وكحل لمثل هذه القضايا عبر الولايات فقد تطور النظام الفيدرالي الأمريكي في المجالات التي تحتاج الى تنظيم مشترك على أساس إنشاء هيئات تابعة للحكومة الفيدرالية ذات صلاحيات أعلى من صلاحيات الولاية تعمل عبر الولايات، فمثلا لمعالجة مشكلة هروب المجرمين من ولاية الى أخرى، وحيث أنه ليس من حق شرطة أي ولاية العمل خارج حدود الولاية فقد تم حلها عن طريق إنشاء هيئة شرطة على المستوى الفيدرالي لها الحق في العمل عبر الولايات كسلطة أعلى من شرطة الولايات تحت مسمى مكتب أو هيئة التحقيقات الفيدرالية، حيث تتولى هذه الهيئة ملاحقة المجرمين الذين يعبرون من ولاية لأخرى، وذلك بهدف القبض عليهم وإرجاعهم الى الولاية التي ارتكبت فيه الجريمة بالتدخل في القضايا الجنائية، التي تفشل خلالها شرطة الولاية في الكشف عن الفاعلين، هنا نلاحظ أنه ورغم التوتر الذي يشوب العلاقة بين مستويي الشرطة الفيدرالية وشرطة الولاية فإن هذا النظام ساعد ويساعد في الحد من فساد البوليس المحلي في الولايات، لأنهم يعلمون أن فشلهم في حل هذه القضية أو تلك سيؤدي الى تدخل الشرطة الفيدرالية. هذا الاتجاه العام نحو تطوير مؤسسات فيدرالية للقضايا المشتركة العابرة للولايات نشأت على أساسه عشرات الهيئات الفيدرالية مثل الهيئة الفيدرالية لضمان الايداعات والهيئة الفيدرالية لإدارة الطرق والهيئة الفيدرالية للطيران والهيئة الفيدرالية للتجارة والهيئة الفيدرالية للغذاء والدواء.
سابعا :التحليل والمناقشة
يخطأ البعض عندما يعتقدون أن الدول ذات النظام الفيدرالي معرضة للتقسيم، بل إن العكس هو صحيح، لأن التجارب التاريخية بينت عجر الأنظمة المركزية في إدارة شؤون الدول ذات المساحات الجغرافية الواسعة، وذلك بسبب تفشي الفساد والبيروقراطية، فضلاً عن بطء الاجراءات وكثرة العراقيل والحواجز التي تكتنف هذه الأنظمة، لهذا يعتبر النظام الفيدرالي هو النظام الأنسب في إدارة شؤون الدول كبيرة المساحة بطريقة كفئة وفعالة، وهذا ما نلاحظه فعلاً في دول كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث استطاعت هذه الدولة بفضل تبني الفكر الفيدرالي أن تستغل مساحتها الواسعة استغلالاً أمثلاً وأن تصبح الدولة الأولى في العالم في مختلف المجالات (الاقتصادية، السياسية، العسكرية، التكنولوجية و…)، فضلاً عن ذلك فالولايات المتحدة تعتبر من الدول الأكثر استقراراً من الناحية السياسية، والدولة الأولى عالمياً في استقطاب العقول والمهاجرين من مختلف أنحاء العالم، وهذا أكبر دليل على نجاح النظام الفيدرالي في هذه الدولة.
ويضمن النظام الفيدرالي قدراً كبيراً من السهولة والتيسير في مجال التبادل التجاري والاقتصادي بين مكونات الدولة، وهذا أحد الأسباب التي قام من أجلها في الأصل، كما يُتيح الإبداع والتنوع في الممارسة الإدارية بين الوحدات الفيدرالية، وهو ما يُنتج في المحصلة نماذج أكثر تطوراً وقادرة على ابتكار أساليب فعالة لتقديم مزيد من الخدمات وبجودة أفضل.
يقوم النظام الفيدرالي على تكريس التعددية والتنوع، وهذا مصدر إثراء للدولة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية، كما يضمن هذا النظام إسناد تسيير الشؤون المحلية للوحدات الفيدرالية وحكوماتها ملاءمة الخدمات والضرائب والإطار العام للحياة مع خصوصيات السكان في كل منطقة، وتجنب النماذج الجاهزة المصدرة من المركز، والتي لا تكون غالباً واعية بالخصوصيات المحلية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لا يخلو النظام الفيدرالي كغيره من الأنظمة الوضعية من المثالب والمآخذ، فمثلا السلطات الواسعة للحكومات المحلية تعوق بلورة رؤية تنموية شاملة على المستوى الاتحادي (الوطني)، كما أن التنوع الكبير الذي تُعززه السياسات المحلية يُعسّر صوغ هوية وطنية مع مرجعيات موحدة، وهو ما يَطرح بشكل مزمن إشكالية الاندماج الوطني، ومن مآخذ النظام الفيدرالي نجد أيضاً الخلافات بين الحكومة الفيدرالية والحكومات المحلية، خاصة عند نشوب اضطرابات، إذ يُثير التداخل بين سلطة وسيادة الحكومة المركزية والصلاحيات الخاصة بالحكومة المحلية إشكالاتٍ قد تتحول إلى مواجهة سياسية بين الجانبين، وفي بعض الأحيان تنشأ خلافات بين الطرفين حول الضرائب وتوزيعها، وحول استفادة الحكومة المحلية من الاستثمارات المباشرة في الحوزة الترابية التابعة لها، وفي هذا الصدد، يمكن الاستشهاد بالنزعة الانفصالية المتنامية في إقليم كتالونيا بإسبانيا، والتي تعود في أصلها إلى استياء الحكومة المحلية، مما تعتبرهُ غبناً تمارسه حكومة مدريد ضدها في توزيع عائدات الضرائب، وهو ما ترد عليه حكومة مدريد دائما بأن الإقليم غني وليس في حاجة إلى الجزء الأكبر من عائداته من الضرائب، وبالتالي ترى أنه من الأنفع توجيهه لدعم التنمية في أقاليم أخرى أكثر فقراً.
قد يتساءل البعض ويطرح السؤال التالي: لماذا تنجح الفيدرالية في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية ولا تنجح في دولة مثل السودان؟، وللإجابة عليه يمكننا القول بأن الفيدرالية عبارة عن شجرة تحتاج إلى تربة خصبة وماء حتى تزهر وتثمر، بعبارة اخرى لا یمكن أن یكتب للفيدرالية النجاح إلا بتضافر مجموعة من العوامل نذكر أهمها كالتالي:
- وعي مجتمعي بالفكر الفيدرالي وبالهویة الفيدرالیة وأهمیتها، يدفع أفراد المجتمع باتجاه تحقیقها وتجسديها على أرض الواقع، باعتبارها الممثل الحقیقي لمصالح المجتمع؛
- وجود نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على الفصل ما بين السلطات، استقلالية القضاء، اللامركزية في التسيير وحرية الراي والتعبير، فالفيدرالية لا تنمو في ظل الاستبداد والشمولية، ذلك أن فلسفة النظم الاستبدادية تقوم على إحكام قبضتها على وسائل السيطرة والثروة وتحتكر السلطة بين يدي المركز وترفض أي مشاركة في إدارة الدولة، وهي تفعل ذلك بالقوة القهرية في غالب الأحيان وبالحيلة والمكر في أحايين اخرى؛
- تدريس الفكر الفيدرالي في مختلف البرامج التربوية والتعليمية في الدولة من خلال التعريف بفلسفة هذا النظام ومختلف مميزاته بغرض توعية المجتمع بأهميته للدولة وضمان تطبيقه بطريقة سليمة وصحيحة.
يقوم الدستور الأميركي على ثلاثة أسس وهي: الفيدرالية، الفصل بين السلطات (التشريعية، القضائية والتنفيذية) والحريات المدنية، وبموجب الدستور الأميركي تُعتبر السلطات غير المنصوص على منحها للحكومة الفيدرالية بشكل محدّد دستورياً هي سلطات تقع ضمن اختصاص حكومات الولايات، ولكل ولاية قوانينها الخاصة بتنظيم الأوجه المختلفة لحياة المقيمين على أراضيها، فعلى سبيل المثال من مجموع 50 ولاية، 13 ولاية فقط تنص قوانينها على عقوبة الإعدام، بالإضافة إلى ذلك، فإن لكل ولاية معاييرها الخاصة لإدارة نظامها التعليمي أو لتحديد الشروط المسبّقة لامتلاك الأسلحة النارية.
وتقسّم الميزانية الفيدرالية السنوية بين حاجات الحكومة الفيدرالية في مجالات (الدفاع والأمن، السياسة الخارجية، التعليم الصحة والضمان الاجتماعي، الطاقة، الاقتصاد، برامج التعامل مع الكوارث الطبيعية والمساعدات الخارجية) وبين احتياجات الولاية في مجالات (الصحة، التعليم، الأمن المحلي والبنية التحتية للولايات)، وتحصل كل ولاية سنوياً على جزء من ميزانيتها من الحكومة الفدرالية. ويعطي النظام الفيدرالي صلاحيات واسعة للولايات في تسيير شؤونها الداخلية، خاصة في الجانب الاقتصادي، مما يخلق جو تنافسيا بين الولايات في مجال جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الاعمال، وبالتالي زيادة معدل النمو الاقتصادي وتطوير اقتصادات هذه الولايات، فضلا عن زيادة اعتماد الولايات على نفسها في مجال تغطية نفقاتها من مواردها الذاتية، وبالتالي التقليل من اعتمادها على الميزانية الفيدرالية السنوية.
استطاعت الولايات المتحدة بفضل تبني الفكر الفيدرالي أن تجعل من التنوع والاختلاف عامل اثراء واغناء للدولة، حيث يتميز المجتمع الأمريكي بالإبداع وتنوع الافكار، مما ساهم في تنمية القدرات البشرية وتحقيق التنمية المستدامة، تقول جونْ سبيكمان أستاذة العلوم السياسة في جامعة روجر ويليامز: “لدينا هذا النظام الغريب من نوعه حيث لا توجد فيه معايير قومية، وهذا أمر جيد لأنه يتيح للمواطنين حرية البحث عن البيئة التي يشعرون بالارتياح فيها”، فنجد مثلا أن سكان ولاية أو ريغون يدفعون ضريبة عالية للولاية على دخولهم، فيما نجد أن سكان ولاية واشنطن المجأورة لا يدفعون أية ضريبة للولاية.
رغم النجاحات التي حققتها الفيدرالية في الولايات المتحدة، إلا أن هناك تحديات تواجه هذا النظام، حيث يقول آلان إيرنهالت المدير التنفيذي لمجلة غوفرنينغ:”إن إعصار كاترينا مثال واضح على التحديات، التي يواجهها ذلك النظام عند تحديد متى يجب أن تتدخل الحكومة الفيدرالية في مشكلة تتعرّض لها إحدى ولايات الاتحاد”. وهناك أمثلة كثيرة تبيّن آليات عمل الفيدرالية في الحياة اليومية في أميركا، فعلى سبيل المثال، لا توجد بطاقة هوية قومية موحّدة أو رخصة قيادة قومية موحّدة، إذ إن هذه البطاقات أو رخص القيادة تعتبر من اختصاص حكومات الولايات.
يسهل النظام الفيدرالي إدارة شؤون الدولة والولايات، لأنه يتميز بخاصية اللامركزية في التسيير، مما يساعد في محاربة ظاهرة البيروقراطية والتعقيدات الإدارية، بالإضافة إلى ذلك، وكما قلنا آنفاً يعطي النظام الفيدرالي صلاحيات واسعة للولايات في تسيير شؤونها الداخلية، خاصة في الجانب الاقتصادي، مما يخلق جو تنافسيا بين الولايات في مجال جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الاعمال، وبالتالي زيادة معدل النمو الاقتصادي وتطوير اقتصادات هذه الولايات، هذا الفكر (الفيدرالي) هو الذي مكّن ولاية كاليفورنيا من احتلال المركز الخامس على قائمة أكبر اقتصادات العالم سنة 2018، والتفوق على اقتصادات دول كبرى، من أبرز ها المملكة المتحدة وفرنسا، حيث احتلت الصين المرتبة الثانية بناتج محلي إجمالي بلغ (13.46 تريليون دولار)، تليها اليابان (5.07 تريليونات دولار)، وألمانيا (4.03 تريليونات دولار)، وكاليفورنيا (2.94 تريليون دولار).
الخاتمة
تناولنا في هذه الدراسة فلسفة النظام الفيدرالي، حيث تطرقنا لمفهوم الفيدرالية والخصائص التي تميزها عن غيرها من الأنظمة، بالإضافة إلى التطرق لمزايا وعيوب النظام الفيدرالي، والوقوف على تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في مجال تطبيق الفيدرالية، ومن خلال ما تم تناوله، وبعد التحليل والمناقشة خرجنا بمجموعة من النتائج نذكر أهمهما فيما يلي:
- يعتبر النظام الفيدرالي تجربة ناجحة يمكن الاعتماد عليها في حل المشاكل الموجودة أو المحتمل وقوعها في الدول المتعددة الأطياف وجمعها في نظام اتحادي يرضي جميع أطيافه وكياناته، لاسيما إذا تكونت الدولة الاتحادية من قوميات مختلفة أو ديانات متعددة؛
- يسهل النظام الفيدرالي إدارة شؤون الدولة والولايات، لأنه يتميز بخاصية اللامركزية في التسيير، مما يساعد في محاربة ظاهرة البيروقراطية والتعقيدات الإدارية، ومن ثمّ فهو يساهم في تشجيع وتسهيل الاستثمار وتحقيق التنمية المستدامة؛
- يعتبر النظام الفيدرالي النظام السياسي الأنسب في إدارة شؤون الدولة عندما تتسع رقعتها الجغرافية وتترامى أطرافها؛
- يعطي النظام الفيدرالي صلاحيات واسعة للولايات في تسيير شؤونها الداخلية، خاصة في الجانب الاقتصادي، مما يخلق جو تنافسياً بين الولايات في مجال جذب الاستثمارات وتحسين بيئة الاعمال، وبالتالي زيادة معدل النمو الاقتصادي وتطوير اقتصادات هذه الولايات؛
- تعتبر الفيدرالية صورة من صور الديمقراطية، التي تقوم على الدولة المؤسسات، استقلالية القضاء، حرية الرأي والتعبير واللامركزية في التسيير، ومن ميزات الفيدرالية أنها تمكن الشعب من الرقابة على أعمال الحكومة ومتابعة حركة المال العام، وبالتالي المساهمة في محاربة الفساد المالي والإداري والعمل على ادارة الوحدات الفيدرالية بطريقة كفئة وفعالة؛
- استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تصبح الدولة الأولى في العالم في مختلف المجالات (الاقتصادية، السياسية، العسكرية، التكنولوجية و…)، والدولة الأولى عالميا في استقطاب العقول والمهاجرين من مختلف أنحاء العالم، وهذا أكبر دليل على نجاح النظام الفيدرالي في هذه الدولة.
استناداً إلى ما تقدم، يمكننا القول بأن النظام الفيدرالي لا يمكن أن يكتب له النجاح إلا بتضافر مجموعة من العوامل، يمكن أن نوصي بأهمها فيما يلي:
- توعية المجتمع بأهمية النظام الفيدرالي، مما يدفع أفراده باتجاه تحقیقه وتجسديه على أرض الواقع، باعتباره الممثل الحقیقي لمصالح المجتمع؛
- وجود نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على الفصل ما بين السلطات، استقلالية القضاء، اللامركزية في التسيير وحرية الرأي والتعبير، فالفيدرالية لا تنمو في ظل الاستبداد والشمولية، ذلك أن فلسفة النظم الاستبدادية تقوم على إحكام قبضتها على وسائل السيطرة والثروة وتحتكر السلطة بين يدي المركز وترفض أي مشاركة في إدارة الدولة، وهي تفعل ذلك بالقوة القهرية في غالب الأحيان وبالحيلة والمكر في أحايين اخرى؛
- تعميم اللامركزية في التسيير في مختلف المستويات الإدارية، بحيث يستطيع المواطن إتمام مختلف معاملاته الإدارية من الدائرة الحكومية التي ينتمي إليها، مع ضرورة اعتماد الحكومة الإلكترونية (الذكية) لتسهيل الإجراءات على المواطن وحل مشكلة البيروقراطية؛
- ربط راتب مسؤولي الولايات والبلديات بالثروة التي يخلقونها على مستوى ولاياتهم وبلدياتهم، بحيث يصبح راتب رئيس البلدية مثلاً مرتبطاً بحجم الضرائب التي يجمعها على المؤسسات والأوعية الضريبية الموجودة على مستوى بلديته، هذا الفكر يجعل المسؤولين الحكوميين يفكرون مثل مدراء الشركات الخاصة، مما يدفعهم لتشجيع الاستثمار، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة؛
- تدريس الفكر الفيدرالي في مختلف البرامج التربوية والتعليمية في الدولة من خلال التعريف بفلسفة هذا النظام ومختلف مميزاته بغرض توعية المجتمع بأهميته للدولة وضمان تطبيقه بطريقة سليمة وصحيحة.
قائمة المصادر والمراجع
أو لا: باللغة العربية
- اثمار كاظم الربيعي: الفيدرالية الالمانية والمشروع الفيدرالي المقترح في العراق (دراسة مقارنة)، مجلة دراسات دولية، العدد: 40، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد-العراق، 2009.
- أمجد علي حسين: النظام الفدرالي كحل للنزاعات في المجتمعات التعددية (العراق نموذجا), مذكرة ماجستير، جامعة دهوك، إقليم كوردستان-العراق، 2010.
- التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري: الخيارات المتاحة لشكل الدولة اليمنية المنشودة، مؤتمر الحوار الوطني الشامل، صنعاء-اليمن، 2013.
- حيدر فوزي صادق الغزي: توزيع الصلاحيات في النظام السياسي الفيدرالي الامريكي، مجلة جامعة كربلاء العلمية، المجلد: 16، العدد: 03، جامعة كربلاء، 2018.
- رونالد ل.واتس: الأنظمة الفدرالية، منتدى الاتحادات الفيدرالية، أو تأو ا-كندا، 2006.
- سامر حمید سفر: النظرية العامة للاتحاد الفيدرالي، مجلة جامعة بابل (العلوم الانسانية)، المجلد: 24، العدد: 2، العراق، 2016.
- صادق عبدالحميد مالكي: منشأة وتطور النظام الفيدرالي الأمريكي (نموذج تقاسم الصلاحيات السياسية وتوازنها عبر مستويات وقضايا الحكم)، جلة جيل للدارسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد: 10، مركز جيل البحث العلمي، طرابلس- لبنان، سبتمبر 2017.
- عبد الرحمن آدم حسين: دور النظام الفيدرالي في استقرار الدول (الصومال نموذجاً)، مذكرة ماجستير، جامعة طيبة، المدينة المنورة-السعودية، 2016،.
- كاروان أو رحمان اسماعيل: التنظيم الدستوري لصلاحيات الأقاليم في الدولة الفيدرالية (دراسة مقارنة)، مجلة جامعة التنمية البشرية، المجلد: 03، العدد: 02، السليمانية، إقليم كردستان-العراق، حزيران 2017، ص: 217.
- لاري إلويتز: نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة: جابر سعيد عوض، ط1، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة-مصر، 1996، ص ص: 29-32.
- محمد الأمين بن عودة: النظام الفيدرالي وإدارة التنوع الاثني (دراسة حالة السودان)، مذكرة ماجستير، جامعة وقلة-الجزائر، 2010/2011، ص: 4.
- معين يحيى يحيى القيلي: إشكالية تطبيق الفيدرالية في النظم العربية (دراسة حالة اليمن)، مذكرة ماجستير، معهد البحوث والدارسات العربية-جامعة الدول العربية، القاهرة-مصر، 2016، ص ص: 46-50.
ثانيا: باللغة الاجنبية
- C. Smith: Decentralization )The Territorial Dimension of the State), Allen & Unwin, London, 1985, p: 4.
- George Anderson: Federalism (An Introduction(, 1 edition, oxford university PRESS, Oxford, England- UK, 2008, p: 7.
- Martin J.Dent: Identity Politics, )Filling The Gap Between Federalism And Independence), 1 edition, Ashgate, USA, 2004, PP:1-4.
[1] كاروان أورحمان اسماعيل: التنظيم الدستوري لصلاحيات الأقاليم في الدولة الفيدرالية (دراسة مقارنة)، مجلة جامعة التنمية البشرية، المجلد: 03، العدد: 02، السليمانية، إقليم كردستان-العراق، حزيران 2017، ص: 217.
[2] اثمار كاظم الربيعي: الفيدرالية الالمانية والمشروع الفيدرالي المقترح في العراق (دراسة مقارنة)، مجلة دراسات دولية، العدد: 40، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، جامعة بغداد-العراق، 2009، ص: 132.
[3] Martin J.Dent: Identity Politics, )Filling The Gap Between Federalism And Independence), 1 edition, Ashgate, USA, 2004, PP:1-4.
[4] B. C. Smith: Decentralization )The Territorial Dimension of the State), Allen & Unwin, London, 1985, p: 4.
[5] أمجد علي حسين: النظام الفدرالي كحل للنزاعات في المجتمعات التعددية (العراق نموذجا), مذكرة ماجستير، جامعة دهوك، إقليم كوردستان-العراق، 2010، ص: 53.
[6] سامر حمید سفر: النظرية العامة للاتحاد الفيدرالي، مجلة جامعة بابل (العلوم الانسانية)، المجلد: 24، العدد: 2، العراق، 2016، ص: 1039.
[7] كاروان أورحمان اسماعيل، مرجع سابق، ص: 218.
[8] محمد الأمين بن عودة: النظام الفيدرالي وإدارة التنوع الاثني (دراسة حالة السودان)، مذكرة ماجستير، جامعة وقلة-الجزائر، 2010/2011، ص: 4.
[9] كاروان أورحمان اسماعيل، مرجع سابق، ص: 219.
[10] اثمار كاظم الربيعي، مرجع سابق، ص: 133.
[11] اعتماداً على:
- محمد الأمين بن عودة، مرجع سابق، ص: 6.
- رونالد ل.واتس: الأنظمة الفدرالية، منتدى الاتحادات الفيدرالية، اوتاوا-كندا، 2006، ص: 16.
[12] معين يحيى يحيى القيلي: إشكالية تطبيق الفيدرالية في النظم العربية (دراسة حالة اليمن)، مذكرة ماجستير، معهد البحوث والدارسات العربية-جامعة الدول العربية، القاهرة-مصر، 2016، ص ص: 46-50.
[13] معين يحيى يحيى القيلي، مرجع سابق، ص: 37.
[14] George Anderson: Federalism (An Introduction(, 1 edition, oxford university PRESS, Oxford, England- UK, 2008, p: 7.
[15] معين يحيى يحيى القيلي، مرجع سابق، ص: 37.
[16] عبد الرحمن آدم حسين: دور النظام الفيدرالي في استقرار الدول (الصومال نموذجاً)، مذكرة ماجستير، جامعة طيبة، المدينة المنورة-السعودية، 2016، ص: 94. (بتصرف)
[17] سامر حمید سفر، مرجع سابق، ص ص: 1040-1044. (بتصرف)
[18] (بتصرف) اعتمادا على:
- اثمار كاظم الربيعي، مرجع سابق، ص ص: 134.
- التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري: الخيارات المتاحة لشكل الدولة اليمنية المنشودة، مؤتمر الحوار الوطني الشامل، صنعاء-اليمن، 2013، ص ص: 4، 5.
- عبد الرحمن آدم حسين، مرجع سابق، ص ص: 97، 98.
[19] حيدر فوزي صادق الغزي: توزيع الصلاحيات في النظام السياسي الفيدرالي الامريكي، مجلة جامعة كربلاء العلمية، المجلد: 16، العدد: 03، جامعة كربلاء، 2018، ص: 152.
[20] لاري إلويتز: نظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، ترجمة: جابر سعيد عوض، ط1، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة-مصر، 1996، ص ص: 29-32.
[21] اعتمادا على:
- رونالد ل.واتس، مرجع سابق، ص ص: 27، 28.
- لاري إلويتز، مرجع سابق، ص: 37.
* يشار الى موضوع الاتحاد الفيدرالي القسري بأنه ليس من صلاحية الولايات المنضوية في الاتحاد الاقدام على اعلان انفصالها، فقد كانت تجربة الحرب الاهلية خير مثال، عندما أعلنت سبع ولايات امريكية جنوبية انفصالها عن الاتحاد الفيدرالي عام 1860.
[22] صادق عبدالحميد مالكي: منشأة وتطور النظام الفيدرالي الأمريكي (نموذج تقاسم الصلاحيات السياسية وتوازنها عبر مستويات وقضايا الحكم)، جلة جيل للدارسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد: 10، مركز جيل البحث العلمي، طرابلس-لبنان، سبتمبر 2017، ص ص: 43، 44.
[23] لاري إلويتز، مرجع سابق، ص ص: 41، 42. (بتصرف)
[24] صادق عبدالحميد مالكي، مرجع سابق، ص ص: 50-55.