الحياد والعُزْلَةُ في السياسة الخارجية العمانية: دراسة تحليلية في أبرز تقاليد وتوجهات السياسية الخارجية العمانية خلال الفترة 1943-2020م
Neutrality and isolation in Omani foreign policy An analytical study of the most prominent traditions and orientations of Omani foreign policy During the period 1943-2020
أ. محمد بن سعيد الفطيسي، اكاديمي وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الأمنية
Mohammed bin Saeed Al Futaisi Academic and researcher in political affairs, international relations and security studies
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 29 الصفحة 119.
Abstract:
Omani foreign policy is unique to many different forms of historical political traditions and principles that express the form and content of its political and diplomatic structures during the 20th and 21st centuries. From voluntary isolation at times and imposed at other times in the period before the year 1969 AD, to integration and distinct political influence, commitment With political leadership and the manufacture of geopolitical balances evident in the Middle East region during the period 1970-2020.
and followers of the reality of Omani foreign policy since the year 1970 AD to this day confirms its successes in many hot and complicated files that contributed to resolving it or helped to alleviate political and security tensions or bring views about it. In addition to being able to continue its good and strong diplomatic relations with all countries of the world despite the consequences, differences and political pressures because of its adherence to these principles, foremost of which is the principle of positive neutrality.
Key words: Oman , Foreign Policy , Political tradition , isolation , Neutrality
الملخص :
تفردت السياسة الخارجية العمانية بأشكال مختلفة وعديدة من التقاليد والمبادئ السياسية التاريخية التي تعبر عن شكل ومضمون هياكل بناءها السياسي والدبلوماسي , وكذلك فلسفة قيادتها السياسية تجاه القضايا الاقليمية والدولية خلال القرنين الـ 20 و 21.
فمن العزلة الطوعية أحيانا والمفروضة في أوقات أخرى في فترة ما قبل العام 1969م , إلى الاندماج والتأثير السياسي المتميز, والالتزام بالقيادة السياسية وصناعة التوازنات الجيوسياسية الواضح في منطقة الشرق الاوسط بالفترة من العام 1970 – 2020م .
والمتتبع لواقع السياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970م حتى يومنا هذا يؤكد نجاحاتها في العديد من الملفات الساخنة والمعقدة التي ساهمت في حلحلتها , كما ساعدت في التخفيف من التوترات السياسية والأمنية أو تقريب وجهات النظر حولها. بالإضافة إلى تمكنها من مواصلة علاقاتها الدبلوماسية الطيبة والقوية مع جميع دول العالم رغم التبعات والخلافات والضغوطات السياسية التي تمت عليها بسبب تمسكها بتلك المبادئ وعلى رأسها مبدأ الحياد الايجابي .
الكلمات المفتاحية : عُمان, السياسة الخارجية , العزلة , الحياد , تقاليد سياسية
تمهيد :-
للتعرف على المبادئ والتقاليد والقيم المؤسسة للسياسة الخارجية لأي دولة , وبالتالي تأثير تلك المبادئ على سياساتها وتوجهاتها الدولية لابد من دراسة المراحل التاريخية المكونة لها , وكذلك التعرف على البيئة السياسية والأمنية التاريخية المؤثرة فيها, والفكر السياسي للقادة الموجهين لفلسفتها وتوجهاتها الخارجية. وبمعنى اخر لابد من تحليل أصولها الأيديولوجية وقواعدها الفكرية ومراحلها التاريخية المؤثرة في فكرها السياسي , لذلك يؤكد Bahgat Korany بان ” التحديد الدقيق لماهية السياسة الخارجية يمثل نقطة البدء في التحليل “([1])
وتعد مبادئ السياسة الخارجية لأية دولة وهي مجوعة : الموجهات او القواعد السياسية الأساسية أو الأصيلة الموجهة لسياسته الخارجية بمثابة خارطة طريق لسلوكياتها وتصرفاتها وتوجهاتها ومصالحها السياسية تجاه العديد من القضايا السياسية والأمنية والعلاقات الدولية , يضاف إلى ذلك أن تلك التقاليد والقيم تعد من منابع القوة الناعمة لها , وهو ما أكد عليه مؤسس الدولة العمانية الحديثة , السلطان قابوس بن سعيد ( طيب الله ثراه ) بقوله ” إذا أردنا أن نكون جديرين بالدور الذي يطالبنا به مصيرنا .فينبغي علينا أن نتمسك بشدة بالمبادئ التي قوت من عزائمنا في المحن التي مرت علينا في الماضي “([2])
وقد حدد جلالة السلطان قابوس بن سعيد ( طيب الله ثراه ) في العام 1972م([3]) الموجهات والقواعد الأساسية الموجهة للسياسة الخارجية العمانية في خمسة مبادئ أو تقاليد أو خطوط عريضة يقع على راسها انتهاج سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة , ويعتبر هذا التقليد أو المبدأ من أبرز تلك المبادئ التي كونت الصورة الذهنية الحاضرة للسياسة الخارجية العمانية في البيئة الدولية المعاصرة.
أولا . مشكلة الدراسة :–
واجهت السياسة الخارجية العمانية خلال الفترة من العام 1970 – 2020م الكثير من اللغط , ومحأولا ت تشويه القيم والتقاليد السياسية والدبلوماسية التي اتبعتها في التعامل مع قضايا المنطقة العربية خصوصا والقضايا الدولية بوجه عام , كما هو حال تمسك سلطنة عمان بما يسمى بمبدأ الحياد الايجابي وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية للدول . الأمر الذي صورها بالدولة المنعزلة أو المنغلقة أو السلبية او المتطرفة في حيادها تجاه قضايا المنطقة.
وعلى ما يبدو فان السبب الرئيسي وراء تلك النظرة غير المنصفة واللغط ومحأولا ت تشويه الصورة الذهنية للسياسة الخارجية العمانية أمام الرأي العام الدولي هو اتساع هوة المصالح وتضاربها حيال تلك القضايا بين سلطنة عمان وبعض الدول التي وجدت في السياسة الخارجية العمانية نوعا من التضاد تجاه مصالحها عدم التعاون من وجهة نظرها , بينما تعتبر سلطنة عمان تلك المبادئ والقيم والتقاليد ركائز رئيسية لسياستها الخارجية وتعاملاتها الدبلوماسية.
ثانيا . أهمية الدراسة :-
تسعى هذه الدراسة إلى توضيح ماهية تلك التقاليد والمبادئ السياسية للسياسة الخارجية العمانية , خصوصا مبدأ الحياد الايجابي وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول , عبر تسليط الضوء على مضمون وحقيقة تلك المبادئ والقيم من الناحية التاريخية والسياسية وكذلك اللغوية .
كما تسليط الضوء على مراحل تفكيك ما اطلق عليه بأطواق العزلة التي مرت بها سلطنة عمان خلال الفترة من العام 1943 حتى العام 1970م , الأمر الذي سيتضح معه حقيقة تلك المتغيرات والتحولات التي مرت بها السياسة الخارجية العمانية حتى وصلت إلى ما وصلت اليه اليوم , الأمر الذي سيتضح معه ذلك البناء العريق من المبادئ والقيم والتقاليد السياسية للسياسة الخارجية العمانية .
ثالثا .اسئلة الدراسة :
1- ماذا يقصد بالعزلة السياسية ؟
2- هل تعتبر العزلة من الأوضاع الطبيعية في السياسة والعلاقات الدولية ؟
3- ماذا يعني مبدأ الحياد وسياسية عدم الانحياز ؟
4- ما هو مضمون الحياد الايجابي الذي تتبناه سلطنة عمان ؟
5- ما هي حقيقة العزلة السياسية لسلطنة عمان ؟ وهل هي عزلة طوعية أو مفروضة ؟
6- كيف تمكن السلطان قابوس ” طيب الله ثراه ” من فك أطواقها؟
رابعا .الدراسات السابقة :-
1- دراسة محمد حمد القطاطشة وعمر حمدان الحضرمي , الثوابت والمرتكزات في السياسة الخارجية العُمانية , مجلة المنارة للبحوث والدراسات , جامعة ال البيت / الاردن , المجلد(13) العدد(4) , 9 ابريل 2006م . تناولت الدراسة دور الفواعل في رسم السياسات الخارجية للدول ومن ضمنها سلطنة عمان , كونها المحرّك الأساسي المؤثر في نمط السياسة الخارجية للدولة. كما سلطت الدراسة الضوء على شخصية السلطان قابوس من مختلف الجوانب الادارية والفكرية والفلسفية المتعلقة بسياسته الخارجية .
2- دراسة م. زياد خلف عبدالله الجبوري , طبيعة السياسة الخارجية العمانية في ظل الازمات الاقليمية الجديدة , مجلة جامعة تكريت للحقوق , ع (3) م (1) / 2019 , ص 105 – 122
والتي ركزت على طبيعة السياسة الخارجية العمانية والعوامل التي وضعتها في مقدمة الدول ذات الاهمية الجيوسياسية العالية في المنطقة , خصوصا العامل الجغرافي والعامل النفسي .
3- دراسة حاتم بن سعيد بن محمد مسن , مرتكزات السياسية الخارجية العمانية في ظل المتغيرات الإقليمية 2005 – 2016م , جامعة الشرق الاوسط _ قسم العلوم السياسية / 2017م والتي سلطت الضوء على النهج السياسي للسياسة الخارجية العماني ومرتكزاتها الخارجية وموقف سلطنة عمان من بعض قضايا المنطقة خصوصا الازمة السورية واليمنية والفلسطينية .
خامسا .منهج البحث :
لتحقيق اكبر قدر من الفائدة الاكاديمية والعلمية تم استخدام المناهج البحثية التالية :-
1- المنهج التاريخي : الذي ركز على استعادة الاحداث والمواقف السياسية للسياسة الخارجية العمانية تجاه بعض القضايا الاقليمية والدولية , يضاف إلى ذلك تسليط الضوء على التاريخ العماني الخاص بتلك التقاليد والمبادئ السياسية التي سارت عليها السياسة الخارجية العمانية خلال مراحل زمنية معينة
2- المنهج التحليلي : والذي تم من خلاله تحليل التقاليد والمبادئ السياسية التي سارت عليها سلطنة عمان طيلة ثمانية عقود تقريبا كمبدأ الحياد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول , وموقفها تجاه ما يطلق عليه بالعزلة السياسية , يضاف إلى ذلك تحليل التوجهات السياسية الخارجية لسلطنة عمان ومرئياتها الحديثة في عهد السلطان المؤسس لعمان الحديثة , السلطان قابوس ” رحمه الله ” تجاه بعض قضايا المنطقة السياسية والأمن ية والعسكرية , والتي ميزتها عن بقية سياسات الدول المجاورة لها , وجعل من سياستها الخارجية ذات ميزة متفردة لعلها مكنتها من البقاء بعيدا عن التوترات والفوضى والصراعات السياسية .
سادسا . هيكلية البحث
لتحقيق اهداف الدراسة تم تقسيمها إلى ثلاثة مباحث , يتناول المبحث الأول منها : الاطار المفاهيمي للدراسة , من حيث تسليط الضوء على المقصود بالعُزْلَةُ وكذلك مفهوم الحياد , أما المبحث الثاني فسيتناول تلك المفاهيم في اطار التاريخ السياسي وطبيعة السياسية الدولية .
المبحث الثالث بدوره سيركز على سلطنة عمان كمثال حديث ومعاصر على تطبيقات تلك التقاليد والمبادئ السياسية التاريخية في ثلاث مطالب , يتناول المطلب الأول منها باختصار تاريخ الانعزالية العمانية الطوعية في الفترة (1943-1969م) , أما في المطلب الثاني فسيركز على فك اطواق تلك العُزْلَةُ والانفتاح على العالم في الفترة ( 1970 – 2020 ) , أما المطلب الثالث فسيتناول سياسة الحياد الايجابي في السياسة الخارجية العمانية.
المبحث الأول : الاطار المفاهيمي والموضوعي للدراسة
لا شك ان تسليط الضوء على الاطار المفاهيمي لأي دراسة مهم للغاية , وذلك لتبيان وتوضيح المعنى الصحيح او الاقرب إلى الصحة من وراء الكثير من المصطلحات التي تكوَّنَ موضوع الدراسة , فكيف اذا كان الأمر يتعلق بقضايا خلافية ومصطلحات سياسية وتاريخية تحتمل العديد من المعاني ؟! , لذلك تم تقسيم هذا المبحث على النحو التالي :-
في المطلب الأول سيتم تسليط الضوء على مفهوم العزلة ومضمونها التاريخي والسياسي , أما في المطلب الثاني فسيتم التركيز على ماهية مفهوم الحياد او عدم الانحياز .
المطلب الأول : مفهوم العُزْلَةُ ومضمونها
في اللغة يقصد بالعُزْلَةُ الابتعاد والانعزال عن الآخرين، والوحدة والانقطاع عن العالم . والاِعْتِزالُ عَنِ النَّاسِ يعني الاِبْتِعادُ عَنْهُمْ والاِخْتِلاءُ في مَكانٍ بَعيدٍ([4]). فالعزلة نقيض الاندماج والاختلاط والاجتماع , وبذلك فالعزلة خلاف الأصل الطبيعي للحياة البشرية , وحياة الدول التي تقتضي الاندماج في السياسة والعلاقات الدولية , وهذه الاخيرة هي اصل وجود وحركة وسكون النظام الدولي , وقد تكون العزلة طوعية تختارها الدول دون الزام , كما قد تكون عزلة مفروضة على الدولة لسبب سياسي او قانوني او غير ذلك .
أما العزلة السياسية فتعني اعتزال الدولة التأثير في الاحداث الحاصلة في النظام العالمي , او التدخل في مختلف القضايا والشؤون الدولية والبعد عن التحالفات والخلافات وكل ما من شانه التأثير على الشؤون الداخلية للدولة والزج بها في اتون الصراعات والحروب , والعزلة بهذا التوصيف هي” نقيض التفاعلات الدولية وهي بالتأكيد خلاف الوضع الطبيعي او المعتاد لأي كيان سياسي فضلا عن أية دولة , ولطالما قيست قوة الدول بقدرتها على التأثير في مجمل العلاقات الدولية”([5]).
على ان المؤيدين لسياسة العزلة الطوعية , لا يتوجهون اليها او يتبنونها لكونها خيار محبب او توجه مرغوب به , بقدر ما هي توجه سياسي مؤقت لمواجهة ظرف ما او حالة واقعية معينة في النظام الدولي بغض النظر عن مدتها . ولطالما كانت العزلة الطوعية خيار ظرفي , كما ” أن المؤيدين لسياسة العزلة كذلك لا يقفون دائما غير عابئين بما يحدث في العالم من حولهم ولكنهم على العكس , من ذلك يعيدون تقييمهم للظروف الدولية والتهديدات المحتملة في ضوء الواقع الدولي، الأمر الذي يؤدى إلى خروجهم من نطاق العزلة في وقت من الاوقات “([6])
وفي قاموس أكسفورد للغة الانجليزية كانت إشارته الأول ى واضحة للمفهوم في العام 1901م , حيث ورد ” ان الانعزالي هو الشخص الذي يفضل العزلة او يدافع عنها , وفي السياسة الأمريكية فانه الشخص الذي يعتقد انه ينبغي على الجمهورية ان تتبع سياسة العزلة السياسية , والمثال الذي ذكره قاموس أكسفورد جاء من المقال الافتتاحي في صحيفة فيلادلفيا برس عام 1899م مشيرا إلى شعوب ما وراء البحار الذين استوعبتهم الولايات المتحدة الاميركية بعد الحرب الاسبانية الاميركية , وأول ذكر في قاموس وبستر لـ الانعزالي وليس الانعزالية ظهر في طبعة عام 1921 ولم تضع الموسوعة البريطانية أبدا الانعزالية عنوانا الا بعد الحرب العالمية الثانية حتى أشارت موضوعاتها عن الدبلوماسية إلى الظاهرة “([7])
وقد استخدم لفظ الأحادية أكثر من استخدام لفظ الانعزالية او العزلة في التاريخ الاميركي , فالأحادية كما يراها جيفرسون وهاملتون لم تعن أبدا ان الولايات المتحدة ” يجب ان او سوف لهذا الغرض ستعزل نفسها , او تتبع سياسة محاكاة النعامة تجاه الأقطار الأجنبية , أنها تعني ببساطة ان مسيرة الولايات المتحدة الاميركية الواضحة كانت تتجنب الأحلاف المربكة الدائمة , وان تبقى محايدة في حروب أوربا الا عندما تكون حريتنا أول التقاليد المقدسة في خطر “([8])
كما اشار إلى مبدأ الأحادية الايجابية او الانعزالية العديد من الرؤساء والزعماء الانجليز كذلك مثل روبرت واليبول او إيرل أورفورد العظيم([9]) والذي كتب في العام 1723 ان ” سياستي ان نكون متحررين من كل الارتباطات بقدر ما نستطيع …. لذلك كانت سياسة انجلترا الحقيقية ان تستغل مزايا كونها جزيرة منعزلة وتغذي توازن القوى في القارة الاوربية , بينما تتجنب الحروب على الارض قدر الامكان , وتعتمد على بحريتها وتسيطر على تجارة العالم , واذا مثل هذا حكمة لبريطانيا , فما بالك به بالنسبة للمستعمرات المنعزلة عبر البحار ؟! “([10])
المطلب الثاني : ماهية الحياد او سياسة عدم الانحياز
يقال أن الدولة محايدة أي أنها تقف مَوْقِفَ الحِيَادِ مِنَ المتنازعين او المتخاصمين وعَدَمُ الانْحِيازِ لأَحَدٍ مِنْهُما. ويطلق عليه بالحياد الايجابي لان الدولة بذلك ” لا تتحيز لاحد الدول المتخاصمة مع مشاركتها لسائر الدول فيما يحفظ العدل والسلام , فالمعنى اللغوي يوضح لنا جوهر الحياد وبعدم التحيز لجانب الخصمين دون الاخر بما يضحى هذا المعنى مقصودا بذاته في هذا الخصوص”([11]).
وعند الحديث عن الحِيَادِ , اي حياد الدول او عدم الانحياز , فانه يجب التفريق ما بين الحياد المؤقت والحياد الدائم او المطلق . فالأول هو حياد او عدم انحياز تتبناه دولة ما لفترة معينة طوعيا ولأسباب مؤقته كعدم رغبتها في الدخول إلى حرب ما , وهنا يمكن تعريف الحياد أو عدم الانحياز بانه : ” موقف السلطة التي لا تشارك في حرب قائمة وتحتفظ بعلاقتها السليمة مع كل من الطرفين المتحاربين “([12]) .
والحياد هو تقليد ومبدأ سياسي , ويعد من المبادئ التاريخية المتعارف عليها في السياسية الخارجية والعلاقات الدولية , وهو قرار سيادي تتخذه الدولة بالبقاء بعيدة عن أي صراع أو حرب أو اشكال دولي , وهي بذلك تجنب نفسها الدخول أو التدخل في شؤون الدول ومشاكلها من وجهة نظرها لا من وجهة نظر تلك الأطراف , وبمعنى اخر , ان هذا الحياد قد ينظر اليه من قبل بعض اطراف النزاع بانه انحياز وتحيز لا حياد واعتزال .
ومن وجهة نظري . فان الواقع العملي يؤكد صعوبة التصديق بوجود ما يطلق عليه بالحياد المطلق في السياسة والعلاقات الدولية , فكما سبق واشرنا من ان ما تراه بعض الدول وتعتبره من وجهة نظرها حياد , تراه اطراف أخرى تحيز بطريقة غير مباشرة , او انحياز صامت لطرف ما على حساب الطرف الاخر, فعلى سبيل المثال لا الحصر في ما لو وقعت حرب ما بين الدولة (أ) والدولة (ب), وتأكد وجود اعتداء واضح من قبل الدولة (أ) على الدولة (ب), وطلب من الدولة (ج) التدخل في النزاع , ولكنها رفضت بحجة حيادها وعدم رغبتها التدخل في شؤون الاخرين , فمن الطبيعي حينها ان تنظر اليها الدولة (ب) على انها متحيزة للدولة (أ) بالرغم من ان الدولة (ج) عزلت نفسها عن الصراع والنزاع الحاصل .
وقد يكون الحياد حياد قانوني دائم يفرضه الوضع القانوني للدولة في النظام العالمي كما هو حال دولة سويسرا([13]) فهو بذلك “([14]) حالة قانونية وسياسية لدولة ما يوجب وضعها بعيدا عن اية نزاع مسلح ” بغض النظر عن تداخل هذا التعريف مع الحياد المؤقت او الحياد المفروض , وبالتالي فانه ” يشير إلى ذلك الاتجاه الذي يرفض العزلة ويتجنب في نفس الوقت الارتباط عسكريا بأهداف القوى الكبرى “([15]) مثل الولايات المتحدة الاميركية وروسيا.
أما ما يطلق عليه بالحياد الدائم او المطلق غير القانوني فهو إن وجد أصلا , وهذا أمر يصعب الاعتقاد بوجوده عند الدول الطبيعية , فهو حياد سلبي وغير طبيعي في الفكر السياسي والعلاقات الدولية , ولعل اغلب الدول التي تسير في هذا الاتجاه وحدات سياسية فاقدة لسيادتها أو هي دول ناقصة السيادة , أما عدم الانحياز كحركة , فقد تأسست من الدول التي حضرت مؤتمر باندونج عام 1955 وكان عددها 29 دولة .
بالتالي يلاحظ أن مفهوم الحياد أو عدم الانحياز المنطقي مرتبط بشكل كبير بمفهوم العزلة او الانعزالية السياسية الطوعية بطريقة او باخري , على ان العزلة الطوعية او الحياد وعدم الانحياز لا يعني بحال من الاحوال عدم التعاون الدولي في قضايا الأمن والسياسية أو الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية ذات الطبيعة السلمية , ” فليس ثمة تعارض بين أن تكون الدولة غير منحازة وأن تكون في نفس الوقت عضوا في تحالف بسبب ما يوجد بينها وبين الدول الأخرى داخل هذا النطاق من مصالح مشتركة أو روابط وعلاقات حضارية وتاريخية “([16]) وهو بذلك أي ” الحياد فكرة متغيرة يتغير محتواها طبقاً لرغبات و أطماع الأفراد الذين يقولون تطبيقاً سواء كانوا حكأما أو مفسرين أو مؤتمرين في مؤتمر يهدف لتحديد قواعد معينة”([17])
ومن أبرز الادلة التاريخية على ذلك الولايات المتحدة الاميركية , فعلى الرغم من تبني هذه الاخيرة لمبدأ العزلة كما يؤكد ذلك التاريخ السياسي الاميركي([18]), فإنها ” كانت تتدخل في أوربا او باقي اجزاء العالم بين الفينة والأخرى خدمة لمصالحها القومية , اقتصادية وتبشيرية , وفي ذلك امثلة عديدة تارة مع الدولة العثمانية وتارة مع الصين وأخرى مع افريقيا “[19]
المبحث الثاني : العزلة والحياد وطبيعة السياسية الدولية
حتى نتعرف بشكل اكثر دقة ووضوح ولو بشكل موجز حول مفهوم مبدأ الانعزالية أو العزلة وكذلك مبدأ الحياد في السياسة والعلاقات الدولية وبالتالي شكل الدول التي يمكن ان توصف سياساتها بالسياسات الانعزالية , وماذا يقصد بهذه المفهوم من الناحية السياسية , فانه لابد من العودة ولو بشكل موجز إلى الجذور التاريخية لهذه المبادئ والتقاليد السياسية .
يضاف إلى ذلك اهمية التعرف على تلك المبادئ والتقاليد السياسية في سياق طبيعة السياسة الدولية, لذلك سنسلط الضوء في هذا المبحث ولو بشكل موجز على تاريخ العزلة ومبدأ الحياد الايجابي في مطلب اول , كما سنتناول تلك المبادئ والتقاليد السياسية في سياق طبيعة السياسية الدولية في مطلب ثان.
المطلب الأول : العزلة والحياد في التاريخ السياسي المعاصر
يقودنا تتبع جذور مبدأ الانعزالية او العزلة السياسية كما هي متداولة اليوم إلى القرن 19 ميلادي ” مع الدعاية التي اثارها بحارة مثل الكابتن الفريد ثاير ماهان , وهو ضابط ومؤرخ وجيوستراتيجي في البحرية الأمر يكية ، والذي اراد ان يلصق بنقاده المعادين للكولونيالية Colonialism والتي تعني الاستعمار والسيطرة والهيمنة والسعي للحروب والصراعات , ويرادفها في العصر الحديث مفهوم الامبريالية Imperialism , باعتبارها صفة تقول انهم افظاظ من الطراز القديم , وعلى هذا اعلنت صحيفة واشنطن بوست في وقت الحرب الاسبانية – الاميركية أن: سياسة العزلة قد ماتت “([20]) .
والتي قصد بها في وقتها ما اطلق عليه واشتهر قبل ذلك بمبدأ الحياد الرجولي , حيث ان مبدأ الانعزالية لم يذكر حتى تسعينيات القرن التاسع عشر , وان الكلمة نفسها دخلت الاستخدام العام فقط في ثلاثينيات القرن العشرين , بالرغم من ان انعزاليى ثلاثينيات هذا القرن لا يستخدمون هذا اللفظ ” انعزالي “ويفضلون ان يسموا انفسهم بالحياديين او القوميين .
ونجد ان السياسة الخارجية الاميركية قد مرت بعدد من المراحل التاريخية , والتي بناء عليها تشكلت وتكونت مبادئها السياسية منذ العام 1620م وحتى يومنا هذا . وذلك عبر عهدين من بناء الاستثناءات والتقاليد.
وبحسب والتر أ.مكدوجال فان هناك ثمانية تقاليد للسياسة الخارجية الاميركية ” فخلال العهد القديم الاميركي , أي حتى نهاية القرن التاسع عشر , حكمت السياسة الخارجية الاميركية اربعة تقاليد هي : مبدأ الحرية في الداخل , ومبدأ العزلة , ومبدأ مونرو , ومبدأ التوسعية . ولقد انتهي العهد القديم لأمريكيا عام 1898م باكتمال غزو ” ارض الميعاد ” في شمالي امريكا بين ساحل الاطلنطي شرقا وساحل الهادي غربا , وخلال العهد الجديد لأمريكا , والذي بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر حكمت السياسة الخارجية الأمر يكية اربعة تقاليد هي : مبدأ الامبريالية التقدمية , ومبدأ ويلسون او الليبرالية العالمية . ومبدأ الاحتواء , ومبدأ تحسين العالم”([21])
وقد تعزل الدولة نفسها طوعيا عبر ابعاد نفسها عن الفوضى والمشاكل الدولية , وكان لسان حالها يقول : لن نتدخل في شؤون احد , وبالتالي لا نرغب في ان يتدخل أي أحد في شؤوننا , وهو ما اكده العديد من كبار القادة السياسيين المؤسسين في الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا من امثال رئيس الوزراء البريطاني روبرت والبول والرئيس الاميركي بنجامين فرانكلين .
المطلب الثاني : العزلة تتناقض وطبيعة السياسة والعلاقات الدولية
الدول كوحدات دولية تشترك مع الانسان في كونها كائن سياسي , وبما ان المجتمع يتكون من مجموعة من الافراد فهو الاخر كائن سياسي ولكن بحجم اكبر, لذلك لا يستطيع الفرد او المجتمع في الوضع الطبيعي ان يعيش بمعزل عن الاخرين , وهذا بكل تأكيد سنة من سنن الحياة والفطرة التي تدفع الافراد والمجتمعات إلى التداخل والاندماج وتكوين العلاقات , وهو ما يؤكد استحالة انعزال الدول بشكل كامل في اطار السياسة والعلاقات الدولية .
ولنفترض جدلا ان فرد من الافراد أو مجتمع من المجتمعات او دولة من الدول قرر العزلة وانه ليس بحاجة إلى تكوين علاقات مع الاخرين , فان في الجانب الاخر من الافراد والمجتمعات والدول ممن لن يقبل ذلك وسيحاول بكل الطرق والوسائل التواصل والتعامل والتداخل معه بحكم طبيعة السياسة والعلاقات الدولية التي تفرض الاندماج والتعامل بحكم الاعتمادية أو التبادلية([22]) بين الافراد والمجتمعات والدول .
بالتالي فانه ” من المؤكد ان الارتهان المتبادل يخلق روابط بين الامم , رغم انه يجعل العالم اكثر تعقيدا, فعلى سبيل المثال بعض القرارات التي يتخذها مجلس النواب الياباني يمكن أن يكون لها تأثير في عمال السيارات الاميركية او استثمارات البناء اكثر من قرارات الكونجرس الاميركي نفسه والعكس صحيح , فان خفض اسعار النحاس في تشيلي يمكن ان يؤثر على الاستقرار في زامبيا التي تعتمد مداخيل ميزانيتها على النحاس , وكلما زاد الارتهان المتبادل ازداد تورط البلدان المعنية في اطار العلاقات الدولية “([23])
جانب اخر وبالإضافة إلى تأثير مبدأ الاعتمادية او التبادلية على قضية العزلة وحياد الدول, فان هناك قضية أخرى لا تقل تأثير في هذا السياق , اقصد مسالة التصرفات والسلوكيات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمن ية وما إلى ذلك والتي تقوم بها الدول على رقعة الشطرنج الدولية , فكما هو معروف بان ” الدول كلها تعيش في بيئة دولية كبيرة , لذلك فان تصرف أي دولة يؤثر في الدول الأخرى , واذا كان هذا صحيحا في الماضي فقد اصبح الان واضحا وجليا ويحس به كل الناس تقريبا بسبب التطورات التي حدثت في مجالات الثورة الاتصالية والتأثير والتأثر بين الدول اصبح كبيرا جدا …. وبمعنى اخر تعني ان ما تفعله أمة ما يؤثر في باقي الامم في النظام ذاته “([24])
المبحث الثالث : سلطنة عمان بين فك اطواق العزلة والانفتاح على العالم
مرت السياسية الخارجية العمانية منذ العام 1943 حتى يومنا هذا على عدد من المراحل السياسية التاريخية حتى وصلت إلى ما وصلت اليه اليوم من رؤية وتوجه سياسي يتميز بالكثير من القيم والمبادئ السياسية الاستثنائية كالمثالية والاخلاقية السياسية وتبني خيار الحياد الايجابي وفك اطواق العزلة الطوعية تارة والمفروضة تارة أخرى .
على ضوء ذلك سنتناول في هذا المبحث تلك المراحل السياسية التي مرت بها تلك التحولات في التاريخ السياسي العماني المعاصر , خصوصا فترة العزلة قبل العام 1970م في مطلب اول , وكيف تمكن مؤسس نهضة عمان الحديثة جلالة السلطان قابوس بن سعيد ” طيب الله ثراه ” من فك اطواقها وذلك في مطلب ثان , أما في المطلب الثالث فستركز الدراسة على ما يطلق عليه بمبدأ الحياد الايجابي نظرا لارتباطه الدائم بمبدأ العزلة .
المطلب الأول : السياسة الخارجية العمانية وفترة العزلة المفروضة ( 1943 – 1969م )
غلبت على السياسة الخارجية العمانية في الفترة التي سبقت حكم حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – طيب الله ثراه – ما يطلق عليه بسياسة العزلة , ويمكن التأكيد على ان تلك العزلة كان طوعية احيانا ومفروضة في احيان أخرى , فالمفروضة منها كانت نتيجة للظروف السياسية والأمنية التي احاطت بوضعها الجيوبولتيكي , وقد اكد على هذا النوع من العزلة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بقوله ” الكل يعلم ان العزلة التي فرضت على عمان حالت دون أي اعتبار لمعالم سياسة خارجية , وقد بذلنا الجهد لفك أطواق العزلة”([25])
كما أشار إلى ذلك كذلك في قوله ” طيب الله ثراه ” ” إن العزلة التي كان يعيشها الشعب هنا كانت قاسية ومريرة , انني اطمح لتحقيق الكثير , ولذلك مهما فعلت ومهما حققت فلن اكون راضيا ولكنني مرتاح , ليس المهم ما يقوله العالم عنا , ولكن المهم اننا سائرون على الطريق الصحيح والسليم”([26])
وعلى الرغم من تلك الظروف وتلك العزلة المفروضة , فان الدولة العمانية لم تعزل نفسها عن العالم مطلقا في جانب العلاقات الدولية , بل استمرت العلاقات السياسية والدبلوماسية وكذلك التجارية العمانية في الفترة ( 1930 – 1969 ) مع العديد من دول العالم امتدادا لعلاقات الامبراطورية العمانية التاريخية , وعلى راسها الدول الكبرى كبريطانيا العظمى والولايات المتحدة الاميركية .
فعلى سبيل المثال و ” بعد أحد عشر عأما على آخر زيارة قام بها القنصل الأمر يكي جون. ا .رندولف إلى مسقط في العام ١٩٢٣ م؛ قامت بعثة دبلوماسية أمريكية بزيارة السلطان سعيد بن تيمور في مسقط؛ وكانت قد أُرسلت من قبل الحكومة الأمر يكية للمشاركة بالاحتفال بمرور قرن على الاتفاقية الأول ى بين السلطنة والولايات المتحدة عام ١٨٣٣ م؛ رغم أن هذه البعثة لم تكن مهمتها مقتصرة على زيارة السلطنة فقط “([27]) و ” بعد ثلاث سنوات على زيارة بعثة نابنشو لسلطنة عمان وصلت رسالة معنونة إلى الرئيس الأمر يكي روزفلت من سلطان مسقط مؤرخة في ٢٠ آذار ١٩٣٧ م تبلغ الرئيس رغبة السلطان لرد زيارة الوزير نابنشو إلى مسقط بزيارة السلطان إلى الولايات المتحدة، وقد وجه الرئيس روزفلت دعوة للسلطان سعيد بن تيمور ليكون ضيفه في واشنطن “([28]).
وبتتبع تاريخ العزلة التي تحدث عنها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد ” طيب الله ثراه” في كثير من الخطب والخطابات واللقاءات الاعلامية والصحفية يجد انها بدأت منذ اربعينيات القرن الماضي .وهو تاريخ حدده صاحب الجلالة في لقاء صحفي اجرته معه صحيفة السياسة الكويتية في العام 1983م .
حيث سالة الصحفي احمد الجار الله حينها السؤال التالي ” جلالة السلطان : سلطنة عمان حالة فريدة, البعض يقول انها مجتمع مغلق , والاخر يقول انها مجتمع محافظ .فأجاب جلالته بقوله :بعد اربعين سنة من العزلة كان لابد ان ندخل إلى مقتضيات الانفتاح بنوع من الرؤية حتى لا تكون هناك انتكاسة اجتماعية او أمنية”([29]).
وباحتساب العام الذي تم فيه اللقاء الصحفي وهو العام 1983م وانقاص 40 عأما نجد ان التاريخ الذي حدده السلطان قابوس هو العام 1943م . وباعتقادي ان جلالته قد قصد بذلك الرقم تحديدا الفترة التي تولى فيها حكم البلاد السلطان سعيد بن تيمور في ثلاثينيات القرن الـ20 . والتي اعتمد فيها السلطان سعيد سياسة شديدة المحافظة والمعارضة لأي تحديث او تطوير . نتج عن ذلك عزلة شديدة عاشتها البلاد عن العالم الخارجي حتى العام 1970م , أي ان تلك العزلة قد استمرت لأكثر من عقدين ونصف تقريبا .
لذا يمكن القول : ان العزلة او الانعزالية التي تطرق اليها باني ومؤسس الدولة العمانية الحديثة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – والتي سعى إلى فك اطواقها وتحطيم قيودها منذ سبعينيات القرن الماضي لإخراج الامة والشعب العماني منها هي عزلة التأثير السياسي الطوعي والذي عاشته عمان في الفترة التي سبقت توليه مقاليد الحكم , وليس انعزالية العلاقات الدولية .
بحيث اننا وبكل تأكيد لا يمكن ان نعزل انفسنا عن الاستثناءات والتناقضات التي لا يمكن ان تخلو منها سياسات وتوجهات الدول قديما وحديثا , ولكن دائما ما تبقى الثوابت الاخلاقية والقيم السياسية الوطنية هي الثابت التي تتحرك بناء عليه السياسة الخارجية العمانية في علاقاتها ومواقفها الخارجية مع الدول والسياسات والتوجهات العالمية , وان وصف سياساتها ومواقفها الراهنة تجاه العيد من القضايا الاقليمية والدولية بالانعزالية السلبية او العزلة السياسية اشبه ما تكون بالدعاية التافهة التي اثارها بحارة مثل الكابتن الفريد ثاير ماهان الذي اراد ان يلصقها بنقاده المعادين للكولونيالية او الامبريالية او الاستعمارية التوسعية الذين رفضوا الدخول في موجة الحروب والصراعات الاوربية في وقتها وارباك انفسهم بتحالفات عسكرية وسياسية فضفاضة.([30]) لا تخدم مصالحهم الجيوسياسية او تتوافق والثوابت والتقاليد التاريخية لسياساتهم الخارجية.
عليه يمكن التأكيد على ان السياسة الخارجية العمانية لم تكن يوما بمعزل عن الاحداث الدولية , وانها دائما ما كانت لاعبا قادرا على تغيير التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة , وهو دليل واضح على الدور المتوازن للسياسة الخارجية العمانية والذي يؤكد مبادئ الحياد الايجابي واختيار القضايا المناسبة لمصالحها الوطنية الاستراتيجية , وليس كما يشاع بانها تحبذ الانزواء او الابتعاد عن الاحداث او السلبية السياسية , ولكن اختيارها للزمان والمكان والقضية مسالة غاية في الاهمية , وطالما كانت تلك أبرز المعايير والاسس الرئيسية التي تتحرك بناء عليها السياسة الخارجية العمانية .
المطلب الثاني : فك أطواق العزلة والانفتاح على العالم ( 1970 – 2020 )
بدا السلطان قابوس بفك أطواق تلك العزلة السياسية الدولية او الأحادية التي عاشتها عمان قبل العام 1970م كما أشار إليها بمفهومها سالف الذكر بالتدرج العقلاني والمخطط له بطريقة متعقلة , والذي لا يقوم على حرق المراحل التاريخية وتجاوزها ألزماني او المكاني, وقد وضح ذلك من خلال رؤيته إلى مستقبل ودور عمان بعد الحركة الوطنية التصحيحية للسياسة الداخلية خلال الفترة من العام 1970م-1971م, وهو ما يتضح في قوله اعزه الله بتاريخ 8/ يوليو/1972م ” بعد ان يكتمل بناؤنا الداخلي سيكون لعمان دور فعال مع الشقيقات العربيات , أما بالنسبة لمنطقة الخليج وشعبها فنحن جيران وشعبنا شعب واحد , ولن ندخر أي وسع للمساعدة او المساندة في حدود ما يمكن القيام به من اجل المصلحة العامة , وبالنسبة للدول المحيطة بنا, فنحن نحرص على ان تربطنا علاقة صداقة مع كل من يرغب في صداقتنا …. تصورنا لمستقبل بلادنا ان يكون مستقبلا طيبا , فنحن نأمل اذا ساعدتنا الظروف ان نلحق بركب التقدم ونأخذ مكاننا في الصف العربي , وبين الدول الراقية”.([31])
والملاحظ هنا ان الرؤية السلطانية الاستشرافية لمستقبل السياسة الخارجية العمانية وعلاقاتها الدولية خلال تلك الفترة , أي , فترة الخروج من العزلة او الأحادية , ستبدأ بتوطيد العلاقات العمانية العربية أولا , ومن ثم ستنتقل إلى مرحلتها السياسية الطبيعية والمنطقية التالية وذلك بتوطيد بعلاقاتها مع الدول الأجنبية الصديقة والتي اختار ان يسميها بالدول الراقية , وبذلك اتسعت دائرة العلاقات العمانية الإقليمية والدولية من خلال المساعي العمانية لانضمام عمان أولا إلى جامعة الدول العربية ومن ثم إلى هيئة الأمم المتحدة .
بالرغم من عدم الاستقرار السياسي , والظروف العسكرية والأمنية شديدة التعقيد والصعوبة التي شهدتها المرحلة الأول ى لبناء الدولة العمانية , والتي أطلقنا عليها بمرحلة الاحادية (1970- 1973) او المرحلة التي سعى من خلالها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – طيب الله ثراه – إلى فك أطواق العزلة الإرادية , التي تراجع فيها دور وتواجد السياسة الخارجية العمانية على المسرح العالمي في الفترة الزمنية التي سبقت حكمه . الا انه تمكن خلال تلك الفترة القصيرة من النجاح في تحقيق الرؤية والهدف الذي كان لابد منه بالرغم من كل تلك الصعوبات والمعوقات السياسية والجيوسياسية والعسكرية.
بحيث يمكن التأكيد على ان سلطنة عمان قد دخلت العام 1974م وهي قد تخلصت من تلك الأطواق التي عزلتها على العالم إراديا , وبشكل كبير جدا . وهو ما أكده جلالته – طيب الله ثراه- بقوله “كان لابد ان نخرج إلى العالم بعد تلك العزلة الطويلة , ولقد نجحنا في ذلك إلى حد كبير , ولقد أعطى ذلك تأثيره على الداخل أيضا , فقد أحس أبناء هذا القطر ان بلدهم أصبح له كيانه بين دول العالم … ان ذلك يعطيهم دفعة قوية من اجل مزيد من العمل ويجعلهم أكثر إيمانا بقضيتهم ويساعدهم على الاستقرار النفسي”([32])
يضاف إلى ذلك فانه يمكن التأكيد على ان السياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970م لم تعزل نفسها سلبيا او تستمر في تتبنى موقف الانعزالية او الحياد السلبي عن العالم كما كان قبل حكم جلالة السلطان قابوس – طيب الله ثراه – في علاقاتها ولا في مواقفها السياسية تجاه مختلف القضايا الدولية , بل هي في غالب ذلك تسير وفق منهج احادي مستقل .ثابت الاستراتيجيات القيمية والتقاليد السياسية , هو اقرب ما يكون إلى مكون من المواقف التقليدية التاريخية الملائمة لتوجهات ومبادئ وقيم الامة العمانية الحضارية والشعب العماني الاصيل , كالحياد الرجولي والانعزالية الايجابية , مع التأكيد على تكتيكية الحركة والتغيير الذي تتطلبه العلاقات الدولية والمصالح الجيوسياسية الوطنية .
وقد تبنت سلطنة عمان لتحقيق ذلك ما يطلق عليه بتنفيذ فكرة الانفتاح السياسي على العالم الخارجي , والذي يقصد به العمل على بناء علاقة من التبادل والتداخل والتقارب والاتصال بين الداخل الوطني العماني والخارج الإقليمي والدولي , وفي مختلف الجوانب. خصوصا الجانب السياسي منها . وفي أطار منهجي سليم ومدروس يحكم ذلك التوجه والهدف وتلك العلاقة العابرة للحدود الوطنية . وهي من أهم التوجهات السياسية التي عمل على بناءها وتوسيمها السلطان قابوس – طيب الله ثراه – للسياسة الخارجية العمانية منذ بداية بواكير النهضة المباركة بهدف فك أطواق العزلة السياسية والبعد عن سياسة الانغلاق والتقوقع كما سبق واشرنا.
وكان هذا الهدف هو واحد من أهم وأبرز أهداف بناء أسس وركائز السياسة الخارجية العمانية بوجه خاص وواحدة من تلك الصور الذهنية التي أراد جلالته ان تتسم وتوسم بها . وفي هذا السياق يقول جلالته ” ان سياسة الانغلاق لم تعد تلائم العصر وأصبحت المصالح متشابكة وازدادت الحاجة إلى العلاقات الطيبة والانفتاح على العالم”([33]) وقد” اعتمد السلطان قابوس بن سعيد في تأكيده لسياسة الانفتاح والتعاون انطلاقا من الحفاظ على هوية سلطنة عمان العربية والإسلامية”([34])
المطلب الثالث: سياسة الحياد الايجابي في السياسة الخارجية العمانية
من أبرز الصورة الذهنية التي أراد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ان يرسمها ويوسم بها السياسة الخارجية العمانية هي سياسة عدم الانحياز ولكن هذا الخيار ليس بالمطلق او ان تصبح السلطنة دولة سلبية منعزلة حيال القضايا الإقليمية والدولية. بمعنى آخر : أنها لا تعبر عن رايها بكل مصداقية وشفافية تجاه تلك المتغيرات والتحولات العابرة للحدود الوطنية , حتى وان كان ذلك سيتعارض مع مصالح الاخرين . او ان تقوم بدور ايجابي من وجهة نظرها , حتى وان كان ذلك كذلك تم النظر اليه من وجهة نظر الأطراف الأخرى بانه تحيز او محاباة لطرف على حساب اخر . وهو ما أكد عليه جلالته – رحمه الله – صراحة بقوله : ” عمان حضرت مؤتمر عدم الانحياز وساهمت فيه , وعمان تحبذ الحياد … ولكن اعيد كلمة قلتها قبل قليل . بان لكل واحد اصدقاء”([35]) . وبالتالي فان المصالح السياسية العليا للبلد كما هو حال جميع الدول الموجه الرئيس للسياسة الخارجية العمانية .
” اتسمت السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بالانعزالية في الفترة الممتدة من الاستقلال حتى قيام الحرب العالمية الأول ى. فقد خَلُصَ القادة الأمريكيون بعد الاستقلال إلى ضرورة مفادها وجوب بناء دولة قوية قادرة على حماية استقلالها ودرء الأخطار الخارجية عنها، واعتقد الساسة الأمريكيون أنّ هذا لا يتمّ إلا عبر البناء الاجتماعي، والثقافي، والاقتصادي الموجّه نحو الداخل، والنأي بالنفس عن كل الملفات والمشاكل الخارجية. وهذا ما يفسر عزوف الولايات المتحدة عن الارتباط السياسي بالدول الأوربية، التي تشهد نزاعات ومشكلات فيما بينها في تلك الحقبة خوفاً من انتقال آثارها إلى الداخل الأمر يكي. لقد ظهر الاتجاه الانعزالي للولايات المتحدة مع وصول الرئيس جورج واشنطن إلى الحكم لبناء القوة الداخلية والحفاظ على الاستقلال، وتكرّس هذا بشكلٍ أكبر مع وصول الرئيس الثاني للولايات المتحدة جيمس مونرو صاحب شعار “أمريكا للأمريكيين”. تمكنت الولايات المتحدة في هذه الفترة بناء استقرار داخلي وقاعدة اقتصادية لا بأس بها، والتي ستشكل أحد المرتكزات الأساسية للتوجّه نحو الانفتاح على العالم الخارجي “
وبالتالي فان الانعزالية بهذا المعنى ” لا تعن ابدا ان الولايات المتحدة يجب ان او سوف تعزل نفسها او تتبع سياسة محاكاة النعامة تجاه الاقطار الاجنبية , انها تعني ببساطة كما اكد كل من الاباء المؤسسين للولايات المتحدة الاميركية من امثال هاملتون وجيفرسون ان مسيرة الولايات المتحدة الواضحة كانت ان تتجنب الاحلاف المربكة الدائمة , وان تبقى محايدة في حروب اوروبا الا عندما تكون حريتنا في خطر , وكذلك سياسة بريطانيا التي استغلت مزايا كونها جزيرة منعزلة , لتغذي توازن القوى في القارة الاوربية , بينما تتجنب الحروب على الارض قدر الامكان , وتعمد على بحريتها وتسيطر على تجارة العالم , وهو ما عبر السلطان قابوس طيب الله ثراه بقوله : ان الالتزام بذلك الخط , أي ,عدم الانحياز لا يعني الانقياد التام للمفهوم من خلال نزع الشخصية الوطنية العمانية وخصوصيتها ومصالحها السياسية وأهدافها الجيوسياسية ”
على ضوء ذلك الوعي بالمتغيرات الجيوسياسية وسرعة التقلبات السياسية وحتمية حساب ومراعاة المصالح الاستراتيجية نجد ان خيار عدم الانحياز او الحياد المطلق هو مجرد نظرية او فكرة سياسية واهمة وحالمة بعيدة كل البعد على الواقع السياسي . حيث ان الحقيقة التي اثبتها التاريخ والواقع . انه لا يوجد حياد بالمفهوم المطلق , فحتى في ظل هذا الخيار تكون الدولة التي اختارته في قمة انحيازها لطرف على حساب اخر , بل ان من الافضل ان نقول ان سلطنة عمان اختارت ما يطلق عليه بالحياد الايجابي([36]) وهو ما اخذ به الفكر السياسي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه –
وقد انتهجت سلطنة عمان هذه السياسة منذ بداية بواكير النهضة المباركة وأكد على الالتزام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في توجهات ومرئيات السياسة الخارجية العمانية بهدف تحقيق هدفين أساسيين . هما” الأول تأكيد استقلاليتها في اختياراتها ومنهجها في السيطرة على شؤونها ومواردها وعلاقاتها مع دول العالم …… والهدف الثاني وراء التزام سلطنة عمان بمبدأ الحياد هو الرغبة في تأكيدها لمواقفها في مواجهة الصعاب والتحديات التي لم يكن اقلها الأعمال التخريبية في جنوبها , الأمر الذي سيسمح لسلطنة عمان بتوسيع دورها خاصة على المستوى الإقليمي , كما ام الحياد سيعطي للمؤسسة السلطانية مركزا دوليا يؤهلها لفرض نفسها داجيا كقوة سياسية وحيدة “([37])
على ضوء ذلك الوعي بالمتغيرات الجيوسياسية وسرعة التقلبات السياسية وحتمية حساب ومراعاة المصالح الاستراتيجية نجد ان خيار عدم الانحياز او الحياد المطلق هو مجرد نظرية او فكرة سياسية واهمة وحالمة بعيدة كل البعد على الواقع السياسي . حيث ان الحقيقة التي اثبتها التاريخ والواقع . انه لا يوجد حياد بالمفهوم المطلق , فحتى في ظل هذا الخيار تكون الدولة التي اختارته في قمة انحيازها لطرف على حساب اخر , بل ان من الافضل ان نقول ان سلطنة عمان اختارت ما يطلق عليه بالحياد الايجابي([38]) وهو ما اخذ به الفكر السياسي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه.
وقد انتهجت سلطنة عمان هذه السياسة منذ بداية بواكير النهضة المباركة وأكد على الالتزام بها السلطان قابوس بن سعيد ” طيب الله ثراه ” في توجهات ومرئيات السياسة الخارجية العمانية بهدف تحقيق هدفين أساسيين . هما “الأول تأكيد استقلاليتها في اختياراتها ومنهجها في السيطرة على شؤونها ومواردها وعلاقاتها مع دول العالم …… والهدف الثاني وراء التزام سلطنة عمان بمبدأ الحياد هو الرغبة في تأكيدها لمواقفها في مواجهة الصعاب والتحديات التي لم يكن اقلها الأعمال التخريبية في جنوبها , الأمر الذي سيسمح لسلطنة عمان بتوسيع دورها خاصة على المستوى الإقليمي , كما ام الحياد سيعطي للمؤسسة السلطانية مركزا دوليا يؤهلها لفرض نفسها داجيا كقوة سياسية وحيدة”([39]).
ثانيا : لا يوجد في الفكر السياسي لحضرة صاحب الجلالة , ولا في التطبيق العملي للسياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970م ما يشير إلى تبني مبدأ الحياد المطلق , بل ان الواقع المشاهد الذي تؤكده تطبيقات النظرية السياسية هو تبني عمان مبدأ الحياد الايجابي , وهو مبدأ يأخذ بمعيار الملائمة في تبني القضايا او الدخول إلى الاحلاف والتكتلات المختلفة , أو الوقوف بعيدا عن الانضمام إلى بعضها الاخر , والتأكيد على ان سياساتها الخارجية تعمل وفق مصالحها بمختلف توجهاتها , والذي اكد على هذه النزعة في العقيدة السياسية العمانية ما جاء على لسان صاحب الجلالة في اكثر من موضع وموقف ’ من بينها ما قاله بتاريخ 1/يونيو/1974م من ان : الالتزام بذلك الخط ,أي, خط عدم الانحياز لا يعني الانقياد التام للمفهوم , من خلال نزع الشخصية الوطنية العمانية وخصوصيتها ومصالحها السياسية وأهدافها الجيوسياسية , وبالتالي فان الحياد العماني هو حياد مواقف ومصالح , وليس حياد انعزال وعزلة سياسية .
خاتمة الدراسة :-
ثبات السياسة الخارجية العمانية وتمكنها من الاستمرار بعيدا عن دائرة الفوضى السياسية والأمن ية في بيئة دولية مضطربة , شديدة التعقيد والتقلبات , وبالرغم من الضغوط السياسية وتضارب المصالح الجيوسياسية للعديد من الدول معها حول بعض القضايا الاقليمية , يؤكد نجاح التقاليد والقيم التي سارت عليها منذ العام 1970م . كما يثبت قدرة تلك القيم والتقاليد على الدفع بالسياسة الخارجية العمانية إلى التحرك إلى الأما م للقيام بدور قيادي والتزام اخلاقي لحل العديد من القضايا والملفات الدولية الحساسة .
وان كانت العزلة الطوعية في بعض الاوقات , والمفروضة عليها في اوقات أخرى قد ابعدتها عن دائرة التأثير في القضايا الدولية في مرحلة من مراحلها التاريخية , فان ذلك لم يعزلها ابدا عن استمرار علاقاتها الدولية كوحدة طبيعية من وحدات النظام الدولي , كما ان الفكر السياسي الذي انتجه السلطان قابوس بن سعيد ( طيب الله ثراه ) بعد العام 1970 مكنها من فك اطواق تلك العزلة واعادة بناء سياستها الخارجية الطبيعية بكل مقاصدها , سواء اكان ذلك عبر بناء علاقات دولية قوية او التأثير الايجابي في البيئة والنظام الدولي .
وفي نهاية هذه الدراسة نستعرض أبرز النتائج التي توصلت اليها حول موضوع العزلة والحياد كتقاليد ومبادئ انتهجتها السياسية الخارجية العمانية . على النحو التالي :-
1- العزلة خلاف الاصل الطبيعي لوجود الدول والذي يقتضي الاندماج في السياسة والعلاقات الدولية ولطالما قيست قوة الدول بقدرتها على التأثير في مجمل تلك العلاقات الدولية
2- المؤيدين لسياسة العزلة الطوعية , لا يتوجهون اليها او يتبنونها لكونها خيار محبب او توجه مرغوب به , بقدر ما هي توجه سياسي مؤقت لمواجهة ظرف ما او حالة واقعية معينة في النظام الدولي .
3- الحياد هو تقليد ومبدأ سياسي , ويعد من المبادئ التاريخية المتعارف عليها في السياسية الخارجية والعلاقات الدولية , وهو قرار سيادي تتخذه الدولة بالبقاء بعيدة عن أي صراع او حرب او اشكال دولي
4- لا يوجد على ارض الواقع العملي ما يطلق عليه بالحياد المطلق في السياسة والعلاقات الدولية , وان وجد في ظل بعض الظروف غير الطبيعية فهو تحييد لوحدات سياسية فاقدة لسيادتها أو هي دول ناقصة السيادة او كونه حياد قانوني يفرضه القانون والاتفاقيات الدولية.
5- عدم الانحياز المنطقي مرتبط بشكل كبير بمفهوم العزلة او الانعزالية السياسية الطوعية بطريقة او باخري.
6- العزلة الطوعية او الحياد وعدم الانحياز لا يعني بحال من الاحوال عدم التعاون الدولي في قضايا الأمن والسياسية او الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية والسياسية والأمنية ذات الطبيعة السلمية.
7- غلبت على السياسة الخارجية العمانية في الفترة التي سبقت حكم السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – ما يطلق عليه بسياسة العزلة ويمكن التأكيد على ان تلك العزلة كان طوعية احيانا ومفروضة في احيان أخرى .
8- الدولة العمانية لم تعزل نفسها عن العالم مطلقا في جانب العلاقات الدولية , بل استمرت العلاقات السياسية والدبلوماسية وكذلك التجارية العمانية في الفترة ( 1930 – 1969 ) , كما يمكن التأكيد على ان سلطنة عمان قد دخلت العام 1974م وهي قد تخلصت من تلك العزلة.
9- لا يوجد في الفكر السياسي العماني ولا في التطبيق العملي للسياسة الخارجية العمانية منذ العام 1970م ما يشير إلى تبني مبدأ الحياد المطلق , بل ان الواقع المشاهد الذي تؤكده تطبيقات النظرية السياسية هو تبني عمان مبدأ الحياد الايجابي فالالتزام بذلك الخط ,أي, خط عدم الانحياز لا يعني الانقياد التام للمفهوم, من خلال نزع الشخصية الوطنية العمانية وخصوصيتها ومصالحها السياسية وأهدافها الجيوسياسية الاقليمية والدولية .
فهرس المراجع والمصادر
أولا . الكتب باللغة العربية:
- الفن وهايدي تافلر , اشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها- دار الازمنة الحديثة , لبنان/ بيروت , ط1/1998م
- بھجت قرني وعلي الدين ھلال ، السياسات الخارجية للدول العربية ، ترجمة: جابر سعید عوض، . مركز البحوث و الدراسات السياسة، القاهرة ، ط2 / 2002
- جابرييل. ايه. الموند وجي . بنجهام باويل الابن , السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر – نظرة عالمية – , ترجمة : هشام عبدالله , الدار الاهلية للنشر والتوزيع , عمان / الاردن , ط1 / 1998م
- عادل أحمد فؤاد( دكتور), الحيدة كضمانة من ضمانات التأديب في الوظيفة العامة في ضوء القانون الوضعي والفقه الاسلامي , دراسة تحليلية , دار الفكر الجامعي , الاسكندرية , ط1 / 2015م
- علي طارق ابو هيف ( دكتور), القانون الدولي العام , منشاة المعارف /الاسكندرية , ط7 / 1964م
- مصطفى أبو الخير, القانون الدولي المعاصر, دار الجنان للنشر والتوزيع , القاهرة / مصر , بدون ط / 2017
- نصيف يوسف حتى ( دكتور) ، النظرية في العلاقات الدولية، دار الكتاب العربي , بيروت / لبنان , ط1 / 1985م.
- والتر أ . مكدوجال , ارض الميعاد والدولة الصليبية امريكا في مواجهة العالم منذ العام 1776- , ترجمة : رضا هلال , دار الشروق , مصر / القاهرة , ط2/2001.
ثانيا . الرسائل والاطروحات الجامعية :
- عامر عبدالفتاح الجومرد ( دكتور) , الحياد الدائم والتنظيم الدولي , مجلة الرافدين للحقوق , جامعة الموصل , العراق , م (4) ع ( 15), 2002م
- سحر عباس خضير( دكتور), سياسة الولايات المتحدة الاميركية تجاه تشيكوسلوفاكيا( 1918-1939) مجلة كلية التربية الأساسية , جامعة ديالي / كلية التربية, ع ( 49) , س- 2006
- قاسم بن محمد الصالحي , الدبلوماسية العمانية وتحديات العولمة , سلطنة عمان / منشورات دار مسقط للصحافة والنشر والتوزيع أصل الكتاب – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ” الماجستير ” من جامعة محمد الخامس / المملكة المغربية
- السياسات الأمن ية والشؤون العسكرية , مجلة جيل للدراسات السياسية والعلاقات الدولية , ع (18) , السنة (4) مايو / 2018م
- محمود محمد الجبارات , علاقة سلطنة مسقط وعمان مع الولايات المتحدة الاميركية بين الحربين العالميتين ( 1919- 1939 ) المجلة الاردنية للتاريخ والاثار , الجامعة الاردنية , م (9) /ع (2) – 2015م
ثالثا :- محاضرات وندوات
- طالب بن ميران الرئيسي, السياسة الخارجية للسلطنة , محاضرات الدورة الخامسة عشرة – وزارة الخارجية / المعهد الدبلوماسي العماني , س 1996م
رابعا. مواقع الكترونية :
- اسلام ديلي , islamtoday د. اسامة عثمان (دكتور) ,العزلة الدولية..فاعليّتُها وسبلُ التعامل معها
- المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية ,eipss-eg.com , محمد الدبار , أبعاد السياسية الخارجية – دراسة تأصيلية .
- م المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية ,eipss-eg.com , محمد بن سعيد الفطيسي , التاريخ الموجز للأنظمة القطبية (1800م – 2020م )
- معهد قرطبة الدولي لبحوث السلام , qipri.org/news , محمد بن سعيد الفطيسي , سلطنة عمان: عزلة ام اعتزال ام حياد إيجابي؟
- الهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SBC)
- صحيفة الواشنطن بوست
- صحيفة عمان العمانية
- صحيفة السياسة الكويتية
- صحيفة الجمهورية المصرية
خامسا . كتب ومجلات :-
- Knabenshue, Dennis, “A mission to Muscat”, in The American Foreign Service Journal August, 1934,
- Sanger; Richard Harlakenden, The Arabian Peninsula, Books For Libraries Press, Freeport, New York, 1970
[1]– بھجت قرني وعلي الدين ھلال ، السياسات الخارجية للدول العربية ، ترجمة: جابر سعید عوض، .مركز البحوث و الدراسات السياسة، القاهرة ، ط2 / 2002 ، ص 2
[2] – قابوس بن سعيد – سلطان عمان – 18/نوفمبر/1979م
[3] – خطاب السلطان قابوس بمناسبة العيد الوطني الثاني , بتاريخ 18/نوفمبر/1972م
[4] – راجع حول مفهوم العزلة : موقع المعاني , كلمة : عُزلة , على الرابط :
https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/%D8%B9%D8%B2%D9%84%D8%A9/
[5] – د. اسامة عثمان ,العزلة الدولية.. فاعليّتُها وسبلُ التعامل معها ,موقع اسلام ديلي , www.islamtoday , بتاريخ 25/ 7 / 2009م
[6] – محمد الدبار , أبعاد السياسية الخارجية – دراسة تأصيلية – المعهد المصري للدراسات , تركيا / اسطنبول , تاريخ النشر 29 مارس 2019م , تاريخ الدخول 2 يوليو 2020م , ص 10
ملف pdf على الرابط : https://eipss-eg.org/wp-content/uploads/2019/03
[7]– والتر أ . مكدوجال , ارض الميعاد والدولة الصليبية امريكا في مواجهة العالم منذ العام 1776- , ترجمة : رضا هلال , دار الشروق , مصر / القاهرة , ط2/2001, ص 70
[8] – والتر أ .مكدوجال , ارض الميعاد والدولة الصليبية , المرجع السابق , ص 70
[9] – سياسي بريطاني تولى رئاسة الوزارة في بريطانيا من 4 أبريل 1721 إلى 11 فبراير 1742م
[10] – والتر أ .مكدوجال , ارض الميعاد والدولة الصليبية , المرجع السابق , ص 71
[11] – د. عادل أحمد فؤاد, الحيدة كضمانة من ضمانات التأديب في الوظيفة العامة في ضوء القانون الوضعي والفقه الاسلامي , دراسة تحليلية , دار الفكر الجامعي , الاسكندرية , ط1 / 2015م , ص 65
[12]– د. علي طارق ابو هيف , القانون الدولي العام , منشاة المعارف /الاسكندرية , ط7 / 1964م , ص 917
[13] – ” تُـعرف سويسرا بالدولة المحايدة، ويمثل الحياد مبدأً أساسيا من المبادئ الموجهة للسياسة الخارجية التي تنتهجها الكنفدرالية. وبمحض التعريف، الدولة المحايدة تنأى بنفسها عن المشاركة في النزاعات المسلحة، لكن هذا لم يمنع سويسرا من تقديم العون والمساعدات لمناطق الحروب والنزاعات. أصبحت سويسرا دولة محايدة منذ سنة 1516، أي بعد سنة واحدة من الهزيمة النّـكراء التي تكبّـدتها جيوش الكنفدرالية الأولى في معركة مارنيون الشهيرة ضد الجيش الفرنسي “
راجع : الحياد مبدأ أساسي للدبلوماسية السويسرية , SWI swissinfo.ch , الهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية (SBC) , تاريخ النشر 7 نوفمبر 2007 , تاريخ الدخول 1 يوليو 2020م
على الرابط : https://www.swissinfo.ch/ara , انظر كذلك :
[14]– د. عامر عبدالفتاح الجومرد , الحياد الدائم والتنظيم الدولي , مجلة الرافدين للحقوق , جامعة الموصل , العراق , م (4) ع ( 1), 2002م , ص 138
[15] – محمد الدبار , أبعاد السياسية الخارجية مرجع سابق , ص 14
[16] – نصيف يوسف حتى، النظرية في العلاقات الدولية، دار الكتاب العربي , بيروت / لبنان , ط1 / 1985م , ص 165
[17] – مصطفى أبو الخير, القانون الدولي المعاصر, دار الجنان للنشر والتوزيع , القاهرة / مصر , بدون ط / 2017 , ص 249
[18] – يقول جورج واشنطن في هذا السياق ” ان موقفنا المنعزل والمتباعد يدعونا ويمكننا من ان نتبع منهجا اخر . لماذا نضيع مزايا هذا الوضع الخاص ؟ لماذا نهجر ما لدينا لنقف على ارض غيرنا ؟ لماذا نشبك مصيرنا باي جزء من اوربا , ونربك سلامنا وازدهارنا بمكائد الطموح والتنافس و والمصلحة , والدعابة او الهوى الاوربي ” والتر أ .مكدوجال , ارض الميعاد والدولة الصليبية – امريكا في مواجهة العالم . مرجع سابق , ص 69
[19] – سحر عباس خضير , سياسة الولايات المتحدة الاميركية تجاه تشيكوسلوفاكيا ( 1918 – 1939 ) مجلة كلية التربية الاساسية , جامعة ديالي / كلية التربية , ع ( 49) , السنة 2006ص 199
[20]– صحيفة الواشنطن بوست .عدد 2 / 6 / 1898م . راجع في هذا الموضوع : محمد بن سعيد الفطيسي , سلطنة عمان: عزلة ام اعتزال ام حياد إيجابي؟ معهد قرطبة الدولي لبحوث السلام ,تاريخ النشر 1/10/2016م , تاريخ الدخول 16 يوليو 2020م ,www.qipri.org/news
[21]– والتر أ . مكدوجال , ارض الميعاد والدولة الصليبية ,مرجع سابق , ص 8- 9
[22]– يعرف مبدا الاعتمادية او التبادلية بانه” ذلك الإطار من التغذية الراجعة لتأثير مجموعة التصرفات والسلوكيات والأفعال والمواقف والتوجهات حيال قضية ما على بقية الأعضاء . وليس بالضرورة أن يكون ذلك العضو لكي يصل تأثيره إلى بقية الأعضاء قريب من حيث النطاق الجغرافي او له صلة مباشرة بالقضية محل ردة الفعل او الاتصال بالقضية الرئيسية . كما ليس بالضرورة أن يصدر الفعل او ردة الفعل من قبل دولة ذات حجم او نفوذ معين لكي يؤدي التأثير المطلوب في بقية الأعضاء في المجتمع الدولي ” راجع : محمد بن سعيد الفطيسي , مبدا التبادلية في العلاقات الدولية وتأثيره على مستقبل السياسات الامنية والشؤون العسكرية , مجلة جيل للدراسات السياسية والعلاقات الدولية , ع (18) , السنة (4) مايو / 2018م ص 18- 19
[23] – الفن وهايدي تافلر , اشكال الصراعات المقبلة – حضارة المعلوماتية وما قبلها- دار الازمنة الحديثة , لبنان/ بيروت , ط1/1998م , ص 308
[24] – جابرييل. ايه. الموند وجي . بنجهام باويل الابن , السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر – نظرة عالمية – , ترجمة : هشام عبدالله , الدار الاهلية للنشر والتوزيع , عمان / الاردن , ط1 / 1998م ص 44
[25]-خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بمناسبة العيد الوطني الثاني , بتاريخ 18/نوفمبر/1972م
[26]– جريدة عمان , س1/ع63 , بتاريخ 26/1/1974م , ص 1
[27]– Knabenshue, Dennis, “A mission to Muscat”, in The American Foreign Service Journal August, 1934, pp. 412-415, 432-435
نقلا عن : محمود محمد الجبارات , علاقة سلطنة مسقط وعمان مع الولايات المتحدة الاميركية بين الحربين العالميتين ( 1919- 1939 ) المجلة الاردنية للتاريخ والاثار , الجامعة الاردنية , م (9) /ع (2) – 2015م , ص 159
[28]– Sanger; Richard Harlakenden, The Arabian Peninsula, Books For Libraries Press, Freeport, New York, 1970 , p 320
نقلا عن : محمود محمد الجبارات , مرجع سابق , ص 159
[29]– صحيفة السياسة الكويتية , بتاريخ 3/11/1983م, نقلا عن صحيفة عمان , س3/ع 913 , العدد الاسبوعي , م 12,ص 1+3
[30]– راجع في التحالفات والسياسات الفضفاضة :محمد بن سعيد الفطيسي , التاريخ الموجز للأنظمة القطبية (1800م – 2020م ) المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية , www.eipss-eg.com , بتاريخ 26 / 9 / 2016م .
[31]– صحيفة الجمهورية المصرية , حوار صحفي مع السلطان قابوس اجراه الصحفي المصري ممدوح رضا , 8/يوليو/1972م , ص 9 , تم اعادة نشره في الملحق الشهري الذي تصدره جريدة عمان بالتعاون مع مؤسسة السبلة للحلول الرقمية , بتاريخ 23/يوليو/2014م , ص 8-11
[32]– جريدة عمان , ع 35 / س 1 – بتاريخ 14/يوليو/1973م , ص 1
[33]– صحيفة عمان . ع 93/ س2 . بتاريخ 24/8/1974م , ص 1+8
[34]– طالب بن ميران الرئيسي, السياسة الخارجية للسلطنة , محاضرات الدورة الخامسة عشرة – وزارة الخارجية / المعهد الدبلوماسي العماني , س 1996م , ص 20
[35]– جريدة عمان العمانية – أول مؤتمر صحفي للصحافة المحلية مع جلالة السلطان قابوس, بتاريخ 1/ يونيو/1974م , س2 , ص 1-2
[36]– انظر الفصل الثاني من هذا الكتاب حول مفهوم الحياد الايجابي – انظر كذلك : محمد بن سعيد الفطيسي , سلطنة عمان: عزلة ام اعتزال ام حياد إيجابي؟ معهد قرطبة الدولي لبحوث السلام , بتاريخ 1/10/2016م , www.qipri.org/news
[37]– قاسم بن محمد الصالحي , الدبلوماسية العمانية وتحديات العولمة , سلطنة عمان / منشورات دار مسقط للصحافة والنشر والتوزيع أصل الكتاب – رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة ” الماجستير ” من جامعة محمد الخامس / المملكة المغربية . ص 28
[38]– محمد بن سعيد الفطيسي , سلطنة عمان: عزلة ام اعتزال ام حياد إيجابي؟ معهد قرطبة الدولي لبحوث السلام , بتاريخ 1/10/2016م , www.qipri.org/news
[39]– قاسم بن محمد الصالحي , الدبلوماسية العمانية وتحديات العولمة , مرجع سابق . ص 28