الإنسان الصحراوي بين التراث والمجال
The desert man between heritage and field
د. البشير البونوحي/المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين-كلميم واد نون، المغرب
Dr.ELBACHIR ELBOUNOUHI/Regional Center for Education And Training Professions – Geulmim Ouad Noune, Morocco
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 71 الصفحة 125.
ملخص :
الثقافة الصحراوية موروث ثقافي يربط حاضر الصحراء بماضيها، ويعزز ثقافة المنطقة ويغنيها بما تزخر به من إبداعات، ومعالم لا زالت قائمة بين ثنايا الرمال الذهبية، والموروث الصحراوي غني بتقاليده وعاداته العريقة، فهو يحمل ملامح أهل الصحراء، ويحافظ على سماتهم، كما يؤكد عراقتهم وأصالتهم. كان هذا الموروث نتاج التفاعل الحاصل بين أفراد المجتمع الصحراوي لسنوات طويلة، استطاع من خلالها الإنسان الصحراوي الحفاظ على هويته رغم التحديات التي تواجهه.
إن العلاقة التي تجمع هذا الإنسان بتراثه، علاقة أقل ما يمكن القول عنها إنها روحانية، فالمساس بها كالمساس بشخصه، فقيمتها من قيمته. لذلك، فالاشتغال في هذا الحقل التراثي يقتضي التنقيب في التاريخ الصحراوي، بغاية نسج تصور متكامل عن التاريخ الاجتماعي للصحراء، في كتب التاريخ والرحلات، والذاكرة الشعبية، لاسيما في التراث الشفوي الغني بهذا الموضوع، وكل المضامين التي تنطوي على ما يضيء هذا التاريخ الاجتماعي للمغرب.
الكلمات المفتاحية:التراث – الصحراء – الرحل – القبيلة.
Abstract:
The Sahraoui culture is a cultural heritage that connects the present of Sahara to its past. It strengthens the culture of the area and enriches it with all the artistic creations and the monuments that are still standing between its golden dunes. This heritage is rich thanks to its customs and ancient traditions as It holds the features of the people in the desert, preserves their characteristics and confirms their nobility and authenticity. This heritage was created through the interactions between the members of the Sahraoui community that lasted for years, which enabled the Sahraoui man to preserve their identity in spite of the challenges that they face on a daily basis. The relationship that connects the Saharoui people to their heritage is so tight that it could be described as spiritual. This heritage is of equal value to the Sahraoui people themselves. Therefore, studying this field requires investigating the Sahraoui history in order to forge a complete picture about the social history of the Sahara. For this reason, it is necessary to conduct a research through books of history and journeys, the popular memory, the rich oral heritage and any other resources and references that could enlighten the Moroccan social history.
Key words: Heritage- Sahara–Nomads- Tribe.
مقدمة :
يعتقد الكثير من المهتمين والباحثين والسياسيين، أن مفتاح التنمية هو استيراد التكنولوجيا للرفع من مستوى الرخاء المادي للسكان، متغافلين عن التعدد الثقافي والسلوكي، الذي يعتبر إلى حد كبير المبدأ المحرك للنشاط البشري المستديم.
وبطبيعة الحال، فالإنسان هو أداة التنمية وغايتها، ولتحقيقها يجب الالتفات إلى الموروث الثقافي الذي يتبوأ مكانة متميزة في هذا الطرح الجدي، لدوره الحاسم في صياغة سلوك الفرد والمجتمع، وترجمته إلى فعل اجتماعي تنموي، ولعل ذلك ما حذا بالأمم المتحدة إلى الإعلان عن عقد عالمي للتنمية الثقافية، وربط ذلك بالتنمية الشاملة والمستدامة للبلدان.
إن الأمم التي لا تمتلك تراثا ولا تعتز به أمة ميتة، لا تاريخ لها تستند إليه، ومن هنا تتضح أهمية إحياء التراث وصونه، لأنه سبب رئيس لوجودها وتقدمها، وأبرز مثال على ذلك أن أهم سبب للتطور الذي وصلت إليه أوروبا، والذي ترجع جذوره لفترة عصر النهضة، إحياؤها للتراث القديم الذي شهدته بلدانها قديما (الإغريقي، الروماني …)[1].
يستلزم البحث في حركية المجتمعات المتحركة “الرحل”[2]، محاولة وضع قراءة خاصة لهذه المجتمعات، انطلاقا من عدة مستويات، ترتبط أولا بضرورة فهم منطلق الممارسات الاجتماعية للفرد والجماعة داخل مجتمعات الرحل، وهي الممارسات التي يمكن من خلالها فهم أي تصرف في المكان والزمن الذي يصدر عن هذه المجتمعات، فمن المؤكد أنها تصرفات تبدو عادية إن قرأت لذاتها، بينما تبقى غريبة عند مقارنتها بممارسات مجتمعية نصفها بالحضارية.
يبقى مصطلح التحضر مبهما، حينما نقارنه بعدم التحضر أو التوحش، كما يؤكد على ذلك ابن خلدون[3]، انطلاقا من ذلك سنتطرق إلى المجال الصحراوين لكونه مجال عيش “الرحل”، فهذا المجال يتوفر على تراث متعدد المرجعيات والأصول من حيث مكوناته، لأن الثقافة الصحراوية لم تكن منغلقة قط، بل كانت منفتحة، ولم تكن تنحصر في فرد واحد، لأنها طريق تجاري للقوافل التي تجوب الصحراء، كما أن الساكنة الصحراوية لم تكن تسيج نفسها، بل على العكس كانت تجوب مجالات، وتحتك بمجموعات بشرية أخرى، مع ما يترتب عن ذلك من تلاقح ثقافي، وأخذ وعطاء وتبادل.
التراث الصحراوي الذي يعبر عن خصوصية محلية، هو في حد ذاته متنوع ومتعدد المصادر والمنافع، الشيء الذي يضفي عليه بعدا إنسانيا وثراء أنثروبولوجيا، وبالتالي يعتبر أحد مقومات الهوية المحلية الصحراوية، فهو يمنح الفرد الصحراوي هوية أصلية وثقة في النفس، ويمكنه كذلك أن ينهل من الثقافات الأخرى بوعي، ويثريها بدوره وبدون عقدة الدونية، أو الشعور بالاستيلاب.
في هذا الصدد، سنركز على دور الإنسان الصحراوي في حفظ الموروث الثقافي لبيئته وضمان استمراريته سواء كان ماديا أو غير مادي.
إن مقاربة دور المجتمع الصحراوي من زاوية التراث والتنمية والرهانات المرتبطة بذلك، توضح أن ثقافة البيضان[4]ما تزال تكتنز جواهر متنوعة، تستحق عناء البحث والمعرفة، وتشكل بالنسبة لنا جميعا رأسمالا حيويا يشفع له التاريخ، وتشهد به المقومات الثقافية كلها، والقواسم المشتركة التي تؤطر الغرب الصحراوي.
أهمية البحث:
تتميز أهمية البحث في كون التراث يعد أحد العناصر الحية للتاريخ، فكل مجتمع يحتاج إلى الرجوع إلى تاريخه، لضمان الاستمرارية لهويته التي تتطور وتتفاعل مع الزمن، فالتراث إرث جماعي يحكي تاريخ مجموعة بشرية، ويتوارث جيلا عن جيل، ويمكن أيضا الأجيال الحالية من التموقع في الزمن، والتوفر على بوصلة أمام التحولات السريعة التي يعرفها المجتمع، فدراسة أي مجتمع قد تبدو عادية حينما يتعلق الأمر بالمعرفة النمطية والكلاسيكية لمجتمعات الاستقرار، بحيث تصبح عملية ضبط حركية مثل هذه المجتمعات، مبنية على ثوابت قد تتغير عبر الزمن الطويل وفي مجال محدد، لكن الأمر يختلف حينما يتعلق الأمر بغياب هذا البعد، على مستوى المجال وعلى مستوى تعامل المجتمع، مع تقلبات المحيط غير المستقر.
أهداف البحث:
تتجلى أهداف الدراسة في:
- التعرف على المجتمع الصحراوي وعلاقته بمجاله.
- رصد أهم مكونات المجتمع الصحراوي.
- التعرف على مدى حفاظ هذا المجتمع، على عاداته وتقاليده.
- معرفة أبرز التحديات التي تواجه الإنسان الصحراوي في مجاله.
إشكالية البحث:
تتمحور إشكالية البحث حول قدرة الإنسان الصحراوي، ودوره في حفظ الموروث الثقافي لبيئته، وضمان استمراريته سواء كان ماديا أم غير مادي؟
أسئلة البحث:
- كيف يبدو مجتمع الإنسان الصحراوي؟ وبم يتميز؟
- ماذا نعني بالقبيلة مكونا اجتماعيا في التراث الصحراوي؟
- ما مكونات المجتمع البيضاني؟
- كيف تحل الخلافات داخل هذا المجتمع؟
- ما عادات المجتمع الصحراوي؟
- أين تتجلى أهمية المرأة في المجتمع البيضاني؟
- هل استطاع المجتمع الصحراوي الحفاظ على تراثه؟
- ما وضعية الموروث الحساني في ظل تحديات العولمة؟
منهج البحث:
اعتمدنا في هذه الدراسة، على المنهج الاستنباطي التحليلي.
اجتماعية الإنسان الصحراوي
يولد الإنسان في المجتمع، والحاجة إلى المجتمع تولد فيه، ولهذا الأخير تأثير كبير على سلوك الأفراد، فالفرد يأتي إلى المجتمع مزودا بقدرات، واستعدادات فطرية تدفعه إلى النمو والسلوك، والمجتمع هو الذي يصبغ هذا السلوك بالصبغة الاجتماعية.
اجتماعية الإنسان جزء من كينونته ولا يمكنه الانفصال عنها، فالإنسان يكون وحدة اجتماعية من ثلاثة عناصر: “الأنا” و “الغير”، و “نحن”، وعليه فالإنسان يعيش في ذاته كما يعيش في ذات الآخرين، وهم بدورهم يعيشون في ذاته، كما هو يعيش في ذاتهم بالضرورة والالتزام.
لا سبيل إلى فهم مجتمعات الرحل في الصحراء، دون فهم للعقلية التي تؤثث هذه البنية الاجتماعية، ولا يمكن أن تفهم إلا في إطار أدوار الفاعلين الاجتماعيين، بحيث أن كل فاعل يؤدي دوره في إطار منظومة متكاملة، متضامنة تحكمها قساوة البيئة والمجال، وهو ما يجعل أفراد هذا المجتمع يمارسون ثقافة تنعت بالنهب والوحشية، وتنزع عنها صفة التحضر، فساكن الصحراء يتميز بممارسات فكرية وثقافية لها علاقة بالمجال من جهة، وبالمعتقدات والفراغ من جهة ثانية.
وأما الأدوار داخل المجتمع، فتحتمل الدقة من خلال توزيعها بين أفراد العائلة أو العشيرة، وبذلك تصبح الروح الأنانية للفرد محددة تحديدا اجتماعيا، حيث تعيش في إطار المقولات التي يدين بها في تكوينه[5]، وهو ما يؤدي إلى اختلاف خبرات الأفراد وأدوارهم ومراكزهم في المجتمع، فيختار الفرد أدوارا ومراكز ووظائف قد لا يشارك فيها عدد أفراد المجتمع الآخرين[6].
كل هذه الأدوار تحمل خصوصية داخل المجالات الصحراوية، فهي تؤسس لبنيات ومعتقدات حامية للنفس والجسد، وهي تؤمن المجتمع والقطيع ضد المخاطر، وتجعله يؤثث لنفسه طقوسا خاصة في السفر والتنقل، والسكن والأكل والشرب، وهذه التوجيهات كلها تحمل تيمات بيداغوجية، وقيما تدافع عن استمرار النظام، وخلق التوازن بين الإنسان والبيئة.
إن معرفة طرق ومعتقدات تفكير هذه المجتمعات كفيل بفهمها، فهذه المعتقدات لا يمكن أن تتغير ولا تتطور، إلا إذا رأت هذه المجتمعات ضرورة خلق آليات جديدة، تتناسب لضمان استمرار الحياة وتجدد المجتمع[7]، وتأتي هذه المداخلة المهتمة بدور المجتمع، في الحفاظ على التراث الثقافي الصحراوي المغربي نموذجا، محاولة للكشف عن نوعية العلاقة بين الفرد والمجتمع، مما سيسمح لنا بالنفاذ إلى طبيعة القيم والممارسات التي تسود المجال المدروس ورصد مختلف أبعاده، إضافة إلى تسليط الأضواء على طريقة الحفاظ على هذا الموروث ردحا من الزمن، وعكس الأدوار والوظائف المتنوعة التي أملتها طبيعة التحولات، والمتغيرات التي طرأت على البنيات الاجتماعية بحكم التطور الذي شهدته المنطقة.
يمثل المكون الاجتماعي عنصرا من ثقافة الصحراء، وأهم حامل لهذا لجانب هو القبيلة[8] باعتبارها الأداة البشرية التي أعطت للصحراء بعدها الإنساني، وأضفت عليها حيوية وأنسا، وسط الفضاء الموحش الرهيب.
القبيلة مكونا اجتماعيا في التراث الصحراوي
تتحدد القبلية مفهوما يعود إلى مصطلح المؤسسات السياسية في الحضارة الهندو- أوربية القديمة، وفيما يخص القبيلة في العالم العربي الإسلامي، صدرت العديد من الدراسات في العقود الثلاثة الأخيرة، حيث نجد جيلا من الأنثروبولوجيين[9] اهتموا بدراسة القبيلة العربية، من خلال مقاربة تاريخية وبنيوية، فخلصوا إلى استنتاجات نظرية حول مفهوم القبيلة قامت على دراسات ميدانية مقارنة.
يعتبر هذا المفهوم من أكثر المفاهيم شيوعا والتباسا، شأنه شأن مفاهيم أخرى مثل الجماعة والزاوية… ويمكن الحديث عن القبيلة تنظيما اجتماعيا، وهذه المقومات هي: مجال جغرافي مشترك، نسب مشترك، لغة مشتركة، ثقافة مشتركة، وهذه الوحدات تكون وحدة مشتركة تسمى “قبيلة”[10]، فعبد الله العروي يقول: “من أسباب صعوبة تحقيق التجديد المنشود عن طريق البحوث المحلية في المغرب غموض معنى القبيلة، غموض دفع محرري تاريخ افريقيا العام الصادر عن منظمة اليونيسكو الا يستعملوا الكلمة إلا مقرونة بمزدوجتين”[11]، وأشار إلى هذه الصعوبة كذلك الباحثة صوفي كراتيني في بحثها حول قبيلة الركيبات[12]. واعتبر دولاشابيل القبيلة هي الوحدة الحقيقية للدولة[13].
هذا الوضع هو الذي سيجعل الأنثروبولوجي موريس كودليينM.Godolien[14]، في دراسته التركيبية عن مفهوم القبيلة، يضع عنوانا لمقاله “أزمة مفهوم”، كما خلص جاك بيرك بدوره في أخر مقاله الاستفهامي “ما هي القبيلة الشمال افريقية ؟”[15] إلى صعوبة وضع تعريف واقعي وشامل للقبيلة.
القبيلة بالصحراء من بين أهم الموضوعات التي استأثرت باهتمام الباحثين والمفكرين، في مجال البيضان على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم، فتميزها بنمط عيش وممارسات ترحالية يجعلها مادة مهمة للدراسة والبحث، رغم أن الدراسات الأولى مع الحقبة الاستعمارية وما قبلها، لا تعدو أن تكون سوى مونوغرافيات استكشافية لبعثات عسكرية (باستثناء بعض المونوغرافيات كالتي كتبها بول مارتي[16]Paul Marty، ألبير ليريش Albert Leriche[17] ، فنسان مونتاي Vincent Monteil[18] … وغيرهم)،وارتبطت بأهداف استعمارية بحثة، لكنها مهدت الطريق فيما بعد، للدراسات الأكاديمية التي ساهمت في التأريخ للمجال.
تمثل القبيلة[19] أساسا قويا ومتينا في المجتمع الصحراوي، لبناء علاقات اجتماعية قائمة على قوة العصبية، وهو ما يظهر من خلال كثافة علاقات المصاهرة، فنسق القرابة ونظام المصاهرة يستندان إلى قاعدة التوازن بين المجموعات القبلية، وتتحكم فيه ظروف الزمن السياسي (فترات الخوف، التحالفات،نظام السلطة) والاجتماعي (التنظيم الاجتماعي الرعوي، نمط العيش).
تتشكل الجماعة في القبيلة من كل من الرجال القادرين على حمل السلاح، أو من أعيان يمثلون كل فخذ من القبيلة، وهم الذين يختارون مجلس “أيتالربعين”، وهو ما يسمى عند قبائل أخرى مثل ايت باعمران وقبائل سوس “إنفلاسن”[20].
وأيت أربعينليس بالضرورة كما يبدو مجلسا من أربعين رجلا، فمثلا بالنسبة لقبيلة يكوت كانت كلفخذة تمثل بـ 12 رجلا، لتمثيلها في مجلس أيت أربعين، وقد لا يتجاوز عدد أعضاء أيت أربعين لدى بعض القبائل، 15 شخصا.
نلمس دور الجماعة المحوري في مجموعة من الوثائق[21] الخاصة بقبائل تكنة، فالجماعة توجد على جميع مستويات القسمات الاجتماعية: الفخدة واللف والقبيلة والكونفدرالية، ففي الوثائق نجد أن بعض الأحكام تعني فقط جماعة فرع من فروع القبيلة، ولكن في وثائق أخرى فإنها تمثل القبيلة ككل.
هكذا، نلاحظ أن الفرد يذوب في الجماعة التي تمثلها القبيلة، وهذا واضح من الدور الذي تلعبه الجماعة ” وأيت أربعين” داخل القبيلة سلطة عليا، وهو واضح في كل الوثائق الخاصة بقبائل الصحراء، فهي الساهرة على تطبيق العرف والتحكم في النزاعات، وتمثل رئاسة جماعية للقبيلة، فسلطتها تبدأ بشيخ القبيلة وتمر عبر العائلة لتصل إلى الفرد، فالجماعة تختار “مقدما” يرأسها، والمقدم يختار أفرادا من الجماعة هيئة تنفيذية، لمساعدته في تطبيق أوامر الجماعة و”أيت أربعين “، ولا يملك المقدم سلطة مطلقة على هؤلاء، لأنه يستمد سلطته منهم، فهو يختار سنويا، وللمحافظة على منصبه يراعي توافقهم، وقصد ضمان حمايتهن سنت أعراف زجرية ضد كل من يعتدي على حرمة المقدم المعنوية أو الجسدية.
في تناولنا لموضوع الزعامة القبلية، أثار انتباهنا ما أورده بعض الباحثين الذين زاروا المجال الصحراوي، وتناولوه بالتحليل مثل جورج بولاي Poulet Georges، الذي لاحظ أن بعض القبائل يوجد فيها زعيمان: الأول يحكم في زمن السلم، والثاني يأمر خلال الحرب[22]، ونجد هذه الملاحظة كذلك لدى باحث آخر هو إيثان ريشيRichet étienne[23].
لا مجال للقول إن القبلية يحكمها نظام الغاب وتعيش في اللانظام، أمام غياب سلطة مركزية مباشرة – وحتى بحضورها، فهي مؤسسة منظمة وقائمة على أسس اجتماعية وسياسية، وجهاز قضائي يراعي خصوصياتها وظروفها، ولم تكن القبيلة على المستوى الديني جامدة في تعاملها وتأويلها للنص الشرعي، بل خلقت ما يشبه القانون الوضعي الذي يتكيف مع ظروفها.
تتكفل الجماعة إضافة إلى دورها على الصعيد الداخلي، بتسيير شؤون القبيلة في علاقتها بالقبائل الأخرى: “وبعد اتفقت جماعة ايتوسا وجماعة يكوت مختلفتين في ملك أرض ريني …”[24].وإذا كنا نلاحظ على المستوى الداخلي لإدارة القبيلة، أن الأمر يكون مفوضا كليا للجماعة، فإن هذه الأخيرة تفوض أحيانا أمورها الخارجية لسلطة فردية، ويظهر هذا خصوصا إذا كانت العلاقة الخارجية مع سلطة مركزية، كالمخزن أو بعد ذلك السلطة الاستعمارية.
مكونات المجتمع البيضاني.
عرف المجتمع الصحراوي بالإضافة إلى النظام القبلي، تصنيفا يقوم على أساس الدور الذي لعبه كل صنف في إطار هذا المجتمع، وهذه الفئات كالآتي:
- أهل الزاويا أو ما يسمى بالشرفاء من أهل العلم والصلاح والدين، ثم القضاء ويقال لهم أهل “الكتوب”، لهم سلطة دينية معنوية قاموا باحتكارها، حتى أصبح الدين ميزة طبيعية[25].
- حسان: وهم قبائل تكنة[26]، والمعروفين بمداومة الكفاح وحمل السلاح وحب الترف وهم أهل “المدافع”. ويتألفون من “الترارزة والبراكنة وذوي منصور الذين منهم أولاد حيسن والأحلاف[27].
- اللحمة: وهم الفئة الدونية من المجتمع، ولا يشكلون قبيلة بحد ذاتها وإنما هم أتباع للطبقة السابقة، ويتكونون من الحراطين (العبيد)، والمعلمين (الصناع) ثم ايكاون،أي الفئة التي تقوم بدور الغناء والطرب، ويقومون بالتجول في البراري يمتدحون الأعيان تكسبا، ولازالت الظاهرة إلى الآن في الأفراح الصحراوية.
حل الخلافات بين أفراد المجتمع الصحراوي
لزمن طويل، اعتبرت المجتمعات القبلية مجتمعات “بدائية”، وتظل العلاقات بين أفرادها محددة بقواعد القرابة الدموية، فقد صنفت النظرية التطورية هذه المجتمعات، ضمن مراحل ما قبل الدولة، وهي مراحل اتسمت بهيمنة العلاقات القرابية، ولم ترق بعد إلى مستوى بناء علاقات سياسية، كتلك التي ميزت المجتمعات الدولاتية، حيث لعبت روابط المجال الترابي دورا أكثر أهمية من روابط القرابة[28].
كانت الجماعة تسهر على تنظيم الحياة الاجتماعية، من أدنى مستوى في القبيلة (العائلة) حتى أعلاها، أي الكونفدرالية، فالمجتمع كان يضبط علاقاته بواسطة اتفاقيات ونصوص وأعراف[29] بين مكوناته، على مختلف مستوياتها، وذلك لمحاربة الفوضى والسيبة، فالمجتمع القبلي لم يكن يعيش في جو من الغاب أو الفوضى والسلب والنهب، بل وضع قوانين شرعية وعرفية تنظم حياته، والعلاقات بين أفراده ومكوناته.
للقبيلة ضمان الاستقرار، أو المساهمة في إعادة إنتاج العنف بأشكال أخرى، فعندما يقتل فرد من قبيلة معينة آخر من قبيلة أخرى، يطلب من قبيلة القاتل تقديم الدية التي حددتها “الجماعة”، باعتبارها جهازا تشريعيا وقضائيا يسهر على تنفيذ بنود الأعراف القانونية، وتنظيم شؤون القبيلة والبث في كل أمورها، وتستمد “الجماعة” شرعيتها من المجموعة التي فوضت لها سلطة تدبير شؤونها، التي تتجاوز البعد القانوني العرفي إلى ما هو سياسي، باعتبارها سلطة تنظم شؤون القبيلة[30].
الدية كعرف لحل الخلافات
تناول خوليو كاروبروخا الدية باعتبارها علاج الأمر بين المعنيين، غير أن ذلك يشترط مؤازرة عائلة أو فخد الفرد الذي يفترض أنه يقبل ذلك الحل، أي إنه إذا قدم الفرد “أ ” عصابة إزاء “ب”، فإنه يستفيد من مؤازرة “ج” و”د”و”ه”وكأنه منهم، ومن المطلوب أن تصادق الجماعة التي ينتمي إليها الفرد أو القبيلة، على ما تم الاتفاق عليه، فإذا تم ذلك يعسر إلغاء الاتفاق لاحقا[31].
تعد مسألة التحكيم والبث في النزاعات أهم وظائف “الجماعة”، ورغم ما عرفه المجال الصحراوي من تغيرات على مستوى بنياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الثقافية، إلا أن مؤسسة “الجماعة” لم تختف كليا، بل حافظت على بعض الجوانب من مهامها، فهي مازالت تقوم بالوظيفية التحكيمية داخل القبيلة وخارجها، وحتى في ظل وجود الدولة تظل النزاعات القبلية من مهام “الجماعة”، فعند حدوث صراعات بين أفراد القبيلة أو بين قبيلتين، تلجأ القبيلة إلى “الجماعة” من أجل الصلح، وتجنب صراعات أكبر، وغالبا ما يتحول صراع الأفراد داخل المجتمع الصحراوي، إلى صراع جماعي، وهذا يعني أن النزاعات في هذا المجتمع، محكومة بروابط العصبية القبلية.
تسفر هذه الروابط المذكورة، عن إنتاج صراعات قبلية بقواعد خاصة (هنا تستحضر القبيلة) مبنية على ثنائية العنف من جهة، وتدبيره ضمن قواعد خاصة من جهة ثانية في المجتمعات الرعوية عموما، وهذا حسب الأعراف التي تضعها “الجماعة”، فالأعراف تستمد أحكامها من “الجماعة” التي تضعها بغية الفصل في النزاعات، وهي التي تسهر على تنفيذها، وتلجأ في الغالب إلى اعتماد الضغط المادي وسيلة لاستمرار وظيفة التحكيم الجماعي القائم على العرف، واتخاذ تدابير ضد كل من يخالف أعراف القبيلة. لهذا، فإن “أغلب النزاعات الناتجة عن عمل العنف، بما فيها القتل، تسوى حسب إجراءات في مجموعة القبائل في القضاء العربي الإسلامي، فإن الدية ودفعها يتجاوزان إطار القانون الجنائي، لتشارك فيه المتضامنات الجماعية (العصبيات)”[32].
تعتبر الدية -حسب بونت – إجراء مبنيا على العنف، والهدف منه تحديد الهويات الذكورية العصبية، كما أن دفع هذه الدية يعبئ مجموعات واسعة، حتى إن عددا من القبائل قد تتضامن بشكل تعاقدي لدفعها، أو تسليمها، وهي تختلف حسب الجنس: فالدية بالنسبة لقتل رجل، تساوي ضعف دية قتل امرأة، وتنقص هذه الدية إذا تعلق الأمر بقتل خادم”[33]، ويبدو أن هذه الأعراف متواجدة في جميع قبائل البيضان.
تفرض هذه العادة تكتل القبيلة لتسديدها، فهي تمثل بعدا أساسيا في تحديد التضامن الاجتماعي (العصبي)، حيث تقتضي مشاركة كامل أفراد القبيلة، لتسديد الدية المستحقة على أحد أفرادها.
نستنتج مما سبق، أن الدية بمثابة آلية تنظيمية بيد “الجماعة”، للحد من الفتن بين القبائل، وحقن الدماء، وهي عادة متوارثة أبا عن جد، وما تفرضه “الجماعة ” مفروض على الكل كبيرا وصغيرا، والذي لا يؤديها يعتبر خارجا عن الجماعة.
تسدد الدية حسب التراتبية الموجودة في القبيلة، فالأعيان تكون لهم الحصة الكبرى، لمكانتهم داخل القبيلة، وما تبقى تؤديه باقي الفئات، ولا يكون التضامن فقط في أداء الدية بل حتى في المناسبات، ويؤديها الكل باستثناء الفئات الضعيفة، وداخل القبيلة تقسم الأدوار، فهناك مجموعة تسدد الدية، ومجموعة أخرى تتكفل بالتعركيبة[34]، هذه الأخيرة تتضمن النحيرة (الإبل) والسكر.
هذا النوع من الأعراف بمثابة سلطة سياسية تلازم كل مجتمع، لحثها على احترام القواعد داخل المجتمع: “فالسلطة هي قدرة التأثير فعليا على الأشخاص والأشياء، مستعينة بسلسلة من الوسائل التي تمتد من الاقتناع حتى الإكراه، فهي مقولة خاصة للعلاقات الاجتماعية”[35].
تستحضر القبائل فيما بينها، فترات الصراع في الماضي أو ما يصطلح عليه بالحسانية ( غزي)[36]، ورغم غياب الوثائق الدالة على هذه الوقائع، إلا أن الذاكرة الجماعية تحتفظ بتاريخ هذه الحوادث بتفاصيلها، وتعمل أيضا على توريثها، لهذا ينتفي الحديث في المجتمع الصحراوي عن الصراعات الفردية، لأن القبيلة حاضرة في كل ما يرتبط بالمجتمع، وتمدنا الرواية الشفوية بوقائع تظهر هذه العلاقة، بين الفردي والمجتمعي من خلال صراعات بدأت بما هو فردي، وانتهت على شكل صراعات قبلية.
المجتمع الصحراوي والمحافظة على تراثه
التراث الصحراوي يحتاج إلى الكثير من البحث والتنقيب، للكشف عنه في صورته المتكاملة، ويحتاج بعد ذلك إلى مزيد من الدراسة والتحليل، انطلاقا من عنصر التواصل الذي ربطه بالحركة الثقافية، في مختلف الأقاليم المغربية، بل إن من اللامعقول أن تكون الأسبقية لموضوع غير الصحراء[37].
إن منطقتنا هاته مازالت تحمل إلى وقتنا الحالي ذاكرة تلك المجموعات، ولا زالت تلعب دورا هاما طيلة قرون منذ وصول القبائل القادمة من كل الآفاق، منجذبة بالمراعي وطرق التجارة الصحراوية المزدهرة، فهذه القوافل لم تكن تحمل مجرد البضائع، بلأيضا الأفكار والمعتقدات وتقاليد البلدان التي مرت منها، وهو ما مكن الصحراء من لعب دور الوسيط بين شمال إفريقيا وأوروبا من جهة، والصحراء الكبرى وإفريقيا من جهة ثانية.
لقد أصبح التاريخ مرتبطا في العقود الأخيرة، بمسألة الذاكرة التي أصبحت تفرض نفسها على الباحثين، في ظل مجتمع يهيمن فيه الشفهي على رواية تاريخيه مثل المجتمع الصحراوي، خصوصا أن الذاكرة معرضة للنسيان، مما يحتم صيانتها والمحافظة عليها بوسائل علمية ومهنية، سواء في صيغتها المتعمدة أم الفردية، خصوصا فيما يتعلق بمكونه الطبيعي الذي يعتبر عنصرا قائما بذاته، في الموروث الصحراوي.
أ – الرعي والترحال كنمط للعيش
على امتداد الزمن، كانت الصحراء تعيش تكاملا بين مكوناتها الاجتماعية والمجالية، ولم تستطع التحولات المتعاقبة أن تفسد العلاقة بين ساكنتها ومجالهم، بل كانت ذات استمرارية وديمومة، فعملت على تكييف نمط عيش الإنسان الصحراوي مع ظروف هذا الوسط، معتمدة على حلول غالبا ما كانت تعكس قدراته وذكاءه.
أنتج الإنسان الصحراوي نمط عيشه مما وفره له مجاله، فصراعه مع الطبيعة القاسي جعله يجند قواه ومقوماته، ويتخذ قرارات حاسمة وسريعة مع حذر مستمر[38]، فنمط عيش الإنسان الصحراوي يعتمد على الترحال، ويعد الرعي أهم نشاط اقتصادي لأهل الصحراء، مع وجود بعض الزراعات في مناطق متفرقة ( كرايرالسويحل[39]، الكعدة[40] …). كما نجد الصيد البحري[41]، والنشاط التجاري، فالمجال الجغرافي فرض على الجماعات البشرية ضرورة التفاعل معه، للحصول على مصادر عيشها وماشيتها، وهذا الأمر عكسته أغلبية النصوص التي أوردتها كتب المسالك والممالك[42].
معلوم أن الإنسان يعمل على تنظيم المجال وتغييره، لكن هذا الأخير بالمقابل يؤثر بدوره يؤثر في الإنسان وفي أشكال حياته، ومن هنا يأتي دور الفرد والمجتمع، في الحفاظ على تطور المجتمع، وتغيير أساليبه وتقنياته، وتتكون شعوب المنطقة الصحراوية من مربي المواشي والرحل، ويسعف تكامل تلك العناصر على تنشيط الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولا يسمح لنا المقام بالتطرق إلى كل ذلك، غير أن من الواجب إحالة القارئ على الكتابات القديمة التي اهتمت بتاريخ المنطقة، منذ القدم ك”تاريخ السودان”، أو تاريخ الفتاش[43].
يشكل الرعي مجالا واسعا، بحكم طبيعة نمط عيش السكان المتميز بالقلة وشظف العيش، خصوصا أمام سنوات الجفاف والأوبئة، وهذا كلهذو أثر على العلاقة بين الرحل والمستقرين، مما يفسر عدم استقرار بنية الصحراء البشرية، التي يرجع تشكلها إلى عدة عوامل تاريخية وإيكولوجية تعمل عادة بصفة خفية لا واعية، حتى تدخل نطاق “الثابت والساكن”[44].
كانت الغالبية العظمى من سكان الصحراء، تكرس نفسها للأنشطة الرعوية وتشترك في نمط عيش الترحال، فالظروف المناخية خارج وادي نون ووادي درعة، تفرض نمط عيش الأولوية فيه للرعي والترحال، والذي هيمن على حوض الساقية الحمراء ووادي الذهب، غير أن فترات الجفاف كانت تفرض تنقلات جماعية، وهذه المناطق الصحراوية تقدم أفضل مراعي الإبل في الغرب الصحراوي، وهي مراعي تيرس الملائمة لتنمية اقتصاد رعوي إبلي مزدهر، من أجل توفير الغذاء للمعيشة اليومية (الألبان واللحوم)، ويشير أحد الباحثين إلى أن الأهمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في هذا السياق الغربي الصحراوي للجمل، ذلك الحيوان الشهير ذي الوظائف المتعددة، الذي يشكل بالنسبة للبدو دعامة للتمثيل الاجتماعي، والرمزي والكوني والانفعال الشاعري[45].
هذا، وتقوم الأنظمة الرعوية في المناطق الصحراوية في الغالب، على تنقل الحيوانات وترحال الناس مندمجة، في شكل من أشكال التكيف مع المحيط وتدبير الموارد المتاحة. ولهذا، فإن نوعا من الحيوانات المدجنة داخل هذا الفضاء، وثيق الصلة بقدرته على الصمود أمام المخاطر البيئية وبقوته، فالمطلوب من الحيوان الذي يعيش في الأرياف، أن لا يكون قادرا على البقاء والعيش في وسط مناخي قاس فحسب، بل وأيضا أن يكون قادرا على التوالد و الإنتاج[46].
إذا، يمكن القول إن هذه الظروف القاسية أثرت على نمط عيش القبائل وأنشطتها الاقتصادية، فقد خلص جوردن است إلى أن الجغرافيا توجه التاريخ، لأن الإرادة البشرية والسياسية تكون على الدوام وراء عمليات تنظيم المجالات الحيوية، القائمة على إرث تاريخي[47].
لقد كان الرحل يعيشون في شكل جماعات (أسر)، والأسرة تعتبر نواة المجتمع الصحراوي، وهذا لا يعود إلى الرابط الدموي فقط، وإنما كذلك إلى كونها وحدة إنتاجية واقتصادية واجتماعية، رابطها يقوم على التكامل العضوي ووحدة الملكية والإنتاج والدفاع عن مصالحها المشتركة، ويكون فيها لكبير السن الرأي السديد المتعلق بالشؤون الداخلية لها، من حل الخلافات والزواج والعقيقة وغيرها، وفي حالة غياب الأب أو مماته، يكون للولد الأكبر السلطة العليا في الأسرة، حيث تأخذ السلطة شكلا هرميا من الأكبر إلى الأصغر، غير أن الأسرة في السنوات الأخيرة عرفت تحولا ملموسا، طرأ على بنيتها الداخلية إذ أصبح كل فرد يطمح إلى تحقيق ذاته، ويسعى إلى الاستقلالية عنها، وقد أدى هذا الطموح إلى التضارب على المصالح، والذي يعتبر النزاع حول الأرض ومصادر الماء أحد أشكاله الكبرى. لذلك، بدأ الفرد شيئا فشيئا يفرز ممتلكاته التي حققها بمعزل عن ملك الأسرة الجماعي، فعرفت سلطة الأكبر سنا بعضا من الخلل، بعد أن أصبحت خبرته غير ملائمة للمواقف الجديدة[48].
إضافة إلى ذلك، فاختلاف الأدوار والأهداف الخاصة والوظائف التي أصبح يتميز بها الأبناء تكوينا وتربية عن أبيهم، ساهمت في خلق صراع قوي وخفي أحيانا فيما بينهم، وزعزعت بالتالي قيم العلاقات الاجتماعية التي سادت بين عناصر الأسر الصحراوية لمدة طويلة، وقد يكون هذا التغيير نتيجة لانتشار عوامل ثقافية من ثقافة أخرى[49].إذا، فالمجتمع الصحراوي بدأ يعرف نمط حياة جديدة ومغايرة، بانقسامه إلى أسرة مستقلة بعدما كان كل شيء مشتركا من قبل.
ومجمل القول، إن الأسرة الصحراوية لم تعد تلك البنية الاجتماعية التي تعطي الاستمرارية لمجمل العادات والتقاليد، لأن وتيرة التغيير مستمرة لانتشار المؤسسات العصرية العامة والخاصة، من تعليم ومستشفيات ووسائل الإعلام وغيرها، الشيء الذي خلخل العلاقات بين مختلف عناصرها.
ب – الخيمة:
مما يثير الإعجاب هو ذلك التطابق التام الذي نجده بين نظام الترحال وتربية الإبل والماعز، وكذا شكل سكن الرعاة (الخيمة)، بل والأمتعة المستعملة فيها مادة ثقافية ذات روابط واضحة، وتعتبر الخيمة الصحراوية عاملا حضاريا وموروثا ثقافيا واجتماعيا، ونفسيا عريقا ضاربا في جذور التاريخ، فهي من أبرز المقومات التي أسهمت في تذليل الصعاب أمام الإنسان الصحراوي، في علاقته مع الطبيعة القاسية في إطار ترحاله وتنقله، بحثا عن الكلأ لماشيته.
لاشك أن الخيمة تعد عاملا مشتركا بين الكثير من الشعوب والثقافات، إلا أن لها خصوصية ورمزية معينة لدى الصحراويين، فالخيمة عند الإنسان الصحراوي عنوان للأنس والدفئ الأسري والقبلي، وهي عنوان للكرم والجود، وهي عنوان للحرية والأصالة واحتضان الطبيعة، وهي أول خلية ووحدة يمكن مصادفتها لدى المجتمع الصحراوي، فهي لا تعتبر فقط وحدة مجالية مكانية، بل تأخذ بعدها ضمن إطار مجموعة من العلاقات التي تجمع عدة أفراد داخل أسرة واحدة، فيقول الإنسان الصحراوي: “خيمة فلان”، بمعنى عائلة فلان، وإذا قيل “استخيم فلان” بمعنى تزوج.
الخيمة هنا، هي مجموعة العلاقات الملموسة في إطار الأسرة، وهي اسم مستعار من المسكن الذي يصنعه الإنسان الصحراوي، من وبر الإبل وشعر الأغنام بطريقة تقليدية، وعلى شكل شرائط تسمى محليا “افليج”، وتتكون من سبعة إلى عشرة أشرطة يتم جمعها وخياطتها، بواسطة إبرة كبيرة “مخيط”، في حين إن إبرة أصغر تدعى “مفتاحة” تستعمل لأغراض أخرى، ونسج كل وحدة فليج قد يتطلب فترة من الزمن، ويتم تغييرها كلما تعرضت للتآكل، جراء حرارة الشمس ورطوبة الليالي.
ترفع الخيمة بواسطة عمودين “اركايز”، يوضعان على شكل معاكس (A)، ويشد هذين العمودين بعضهما مع بعض حبل يسمى “الحمارة”، ويتم تثبيت الخيمة مع الأرض بواسطة أوتار تسمى “اخوالف”، ويتم إحاطتها بشكل دائري بواسطة شريط “الكفى”، كما يتم تقسيم الخيمة إلى قسمين بواسطة “البنية”، قسم خاص بالرجال، وقسم خاص بالنساء، وقد جرت العادة على فتح باب الخيمة على جهة الجنوب “الكيلة”[50]، وخياطة الخيمة تكون من مهمة النساء الصحراويات.
يطلق على مجموعة من الخيام اسم “الفريك”، والمجال المتواجدة عليه يسمى “منزلة”، وتكون متجاورة فيما بينها، وبهذا لا تكون الخيمة وحدة للاستقرار المادي فحسب، وإنما تجسد إطارا قويا للعلاقات الاجتماعية والعائلية.
في “الفريك” تتوفر شروط الإنتاج جميعها، مثل القطيع والرعاة وخيمة الصانع “المعلم”، كما يحتوي على خيمة الفقيه، ومكان تأدية الصلاة “امصلا”، ويطلق على أهل لفريك “اسم جيران”، أيا كانت علاقة القرابة التي تربط بينهم، وهو تجسيد للتضامن الذي لازال الى يومنا هذا موجودا.
عرفت الخيمة في وقتنا الراهن تراجعا كبيرا، بسبب انتشار التمدن وميل الناس إلى الاستقرار، فتم استبدال الخيمة بالمنازل، إلا أن الناس لازالوا يحتفظون بالخيام للاستجمام، أو للخروج إلى البادية خاصة في فصل الربيع والصيف، كما أن الخيمة أصبحت رمزا للنضال والمطالبة بالحقوق لدى الصحراويين.
الموروث الشفوي
أ – الشعر الحساني
إذا نظرنا إلى الثقافة في إطار تفاعلها مع الزمن والمكان، والفرد المنتح والعقل المنظم لأشيائها، فإن جزئيات الثقافة تتحول في صيرورة التفاعل بين عناصرها، إلى نظام فكري يمكن فهم معطياته في إطار نسقها الداخلي، وفي حدود إمكانات إنتاجها الظاهر والخفي، فأشياء الثقافة الظاهرة تخفي دلالات عامة على فعالية الإنسان والمحيط، فقساوة الظروف الطبيعية وسيادة حياة الترحال، عوامل جعلت الإنتاج الشعري لهذا المجال مرآة تعكس الإنسان والتاريخ والطبيعة.
يمثل الشعر الحساني الانفعالات الناظمة لسلوك الجماعة، في حالة إحساسها بالتحدي، فآلية السجال هنا تعد ضامن وجود وتميز، إنه تراث يعكس طبيعة ذهنية معينة، وفي الوقت نفسه يعد محركا أساسا لكثير من الانفعالات المتولدة اجتماعيا، ومن حيث هو متضمن لمجموعة من القيم المنبوذة في المجتمع، وأسباب وقواعد الحمية ودواعي العصبية.
تظهر أهمية هذا الموروث الشفهي الشعبي جزءا من الذاكرة المحلية، بل يعد أهم المرويات الشفهية بالمنطقة لكثرته ولشوعه عند جميع القبائل، وحضوره في الحياة اليومية للناس، فهو سجل ذكريات يعكس طبيعة العلاقات الاجتماعية، وأنماط العلاقات بالمكان.
يعد الشعر الصحراوي وثيقة تاريخية لمعرفة جوانب من التاريخ الاجتماعي والسياسي والثقافي بالمنطقة، وبالتالي فإننا بصدد تراث شفهي غني، يستدعي العناية به تدوينا وصيانة وحماية وتثمينا، لاسيما الشعر الشعبي الأكثر انتشارا أو ثراء وتداولا واستمرارية، وقد منح الشعراء الحسانيون أهمية قصوى للماضي موطن ذاكرتهم الاجتماعية، وملهم خيالهم أمام سرعة تحولات الحاضر على مستوى المجال والسلوك والقيم، فهؤلاء ورثوا طقوس الشعر الفطري الخالص تنظيرا وممارسة، فجاء شعرهم متراوحا بين الثابت والمتحول، في انسجام بديع يدل على ملكة وذوق رفيعين، حتى إذا أدخلوا ثقافتهم المكتسبة فيه، فإنها تنصهر فلا تكاد تبين إلا للناقد المتمرس[51].
للشاعر الصحراوي تجربة شعرية ذات وعي بهذا الفن، في علاقته بالفنون الأخرى كقوله:
وكل فن له أهل به عرفوا **** والكل من فنه يجري على سنن[52]
هذا، ويعد الشعر هو أداة تنصهر فيها عدة فنون، مثل الغناء والرقص.
لو كنت أحسن من شدو شدوت إذا **** أو كنت ذا رقص طفقت في الرقص[53].
وجاء عند أحمد الهيبة[54].
وتناشد الأشعار من أربابها**** وتدندن النغمات في المزمار
وضروب من الغناء وشعر **** وصموت من الدملوج والخلخال
للشعر وظيفة نفسية، لأنه يؤثر في سلوك الأفراد والجماعات، فيحول السلب إلى إيجاب[55]، ونلمس دور الشاعر في مسايرة كل ما هو جديد من علوم ومخترعات، مضيفا ذلك إلى الموضوعات التقليدية. فمربيه ربه يقول عن الطائرة:
تطايرت آلة بالريح محكمة **** كما تطاير جند الطير بالروح
والكل من خالق الأكوان حرك من **** مجراه بالروح أو مجراه بالريح[56]
يصطلح على هذا الضرب من الشعر، محليا “لغن” وهو متأثر إلى حد بعيد بالشعر الفصيح، لا في مضامينه وحدها فحسب، بل في صوره وأعراضه، ولا يجوز لنا ذلك القول إنه استنساخ للشعر العربي الفصيح، بل إنه ذو خصوصية وأصالة مقدسة، فله أوزانه وتفعيلاته وأغراضه ومعانيه وبلاغته[57]… إلى غير ذلك من هذه الخصائص، والعلاقة بينه وبين الشعر العربي علاقة تلاحم وتناص وتناغم، وهي التي تقودنا إلى التشبيه بين الأدب الحساني والأمازيغي من حيث الترابط والتواصل بين المنطقتين.
يسمى البيت الشعري في لغن “تافلويت”، وهو قصير عن البيت الشعري الفصيح، كما أن لغن يختلف عن الشعر في القافية، وهو ما يسمى بـ “الكاف” وهو الشكل الأكثر شيوعا من لغن، والكاف عامة يتكون من أربعة تيفلواتن، وقليلا ما نجد كاف يتكون من ستة تيفلواتن، ويدعى كاف مستت.
ليس الشعر فنا يستمد مقوماته من فنون أخرى، ويتميز عنها بخصائصه الذاتية فحسب، ولكنه علم بل مجموعة علوم تعالج مكوناته وعناصره من وزن وقافية ولفظ ومعنى[58]. لذلك، تتعدد مواضيع الشعر الحساني بتعدد ظواهر الواقع المعيش، وتختلف تصويراتها باختلاف المواضيع المطروحة.
لقد أبدعت في الشعر، كل الفئات الاجتماعية العليا والدنيا داخل التراتبية الاجتماعية التقليدية بالمنطقة الصحراوية، فهذا “لغن” ضمنه الشعراء الحسانيون ملاحم قبائلهم وحروبهم، ثم مقاومتهم للعدو الخارجي المتمثل في الاستعمار الأوروبي.
يدعى الواحد من الشعراء المغنين ” أنشاد”، كما يطلق على غناء هؤلاء مصطلح ” لبياظ” وهي طريقة أقرب إلى الإنشاد العربي والبربري، وتتميز بالهدوء كما تخلوا من الرجات الصوتية العنيفة، ويجري الإنشاد بمصاحبة آلة وترية تدعى “الأردين”،وتسوى أوتارها على طبقة منخفضة.
نلاحظ في هذا الموروث الصحراوي “لغن”، مدى الارتباط ما بين الإنسان والكلام، فهو كما يقول هامباتيبـا(Hampâté Ba) “أي الإنسان كلامه، وكلامه شاهد على من هو”[59]. وفي هذا الإطار، خرج هذا الباحث الإفريقي الشهير، إلى أن من أراد النفاذ إلى تاريخ ونفسية الشعوب الإفريقية، لابد له من الاعتماد على المعارف المنقولة شفهيا من جيل إلى آخر عبر الزمن، وهو ما يسميه سدنة هذا التراث الشفهي ب” الذاكرة الحية الإفريقية”[60]، والثقافة الحسانية لا تشذ عن هذه القاعدة، والمثال الحساني يقول : ” كتر أكلامك اتعودولي ” أو ” الكلام الزين إخلص الدين”[61]، ويضرب هذا المثل لرد الغرماء بأحسن القول مثل الاعتذار وتهذيب العبارة، لذلك كان قول “لغن” وحكايته من خصال الفتوة والحضور في الملأ.
لقد أصبح حماية هذا النوع من التراث ضرورة ملحة، لرحيل حافظي الشعر الحساني ورواته، كما أن الموروث الشفهي أصبح مهددا بصفة عامة، بفعل وسائل الإعلام الحديثة، والتحول السريع الذي يشهده المجتمع الصحراوي في العقود الأخيرة، كما قال عالم الاجتماع الفرنسي جورج بالاندييGeorges Balandier “إن الأفراد أصبحوا يهتمون اليوم، بما هو قريب منهم وبمصالحهم الخاصة، ولا يتجاوز اهتمامهم إطار حياتهم الفردية[62]، لذلك وجب العودة إلى المرويات الشفهية التي تعتبر ركيزة من ركائز التراث الصحراوي[63].
ب – الكدرة
رقصة الكدرة تقليد يعبر عن الهوية الثقافية والاجتماعية للصحراء المغربية،ومن خلالها يتجسد دور الفرد داخل الجماعة، ويعتقد الدارسون الذين تناولوا بالبحث موضوع “الكدرة”، أنها من وسائل الطرب النادرة في الصحراء المغربية، بل ذهبوا إلى القول إنه لا يعرف في الصحراء من صنوف الرقص المغربية غيرها، بالرغم من تعدد التقاليد والعبادات الشعبية والاحتفالية التي تقام في مناسبات الولادة و العقيقة والختان والزواج … وغيرها، والتي يطلق عليها اسم “المعروف”[64].
تبدأ هذه الرقصة بتشكل مجموعة من الرجال لحلقة دائرية مغلقة، يتوسط هذه الحلقة رجل يسمى “النكار”[65]، ومهمته الضرب على “الكدرة” بواسطة قضيبين، حتى يتم إحداث الإيقاع المطلوب، كما أن دوره يكمن في توجيه الممارسين وإثارة انتباههم، إلى الخلل الذي قد يقع في عملية الإنشاد، إضافة إلى كونه هو الذي يبادر بعملية إرسال “الحمايات”[66] التي يتم إنشادها.
بعد أن يتم تشكيل حلقة الرقص، يبدأ “النكار” في الضرب على “الكدرة” ضربا خاصا، وعلى هذا الإيقاع يبدأ باقي أفراد الجوقة في التصفيق الذي يستمر إلى نهاية الجولة، في تواز مع الإيقاع الذي يحدثه الضرب على “الكدرة”.
وأما طبيعة الرقص، فتضطلع به امرأة تتوسط حلقة الدائرة التي يكون حولها المعجبون والمشجعون سواء كانوا رجالا أم نساء، فالراقصة تجثو على ركبتيها وهي مغطاة برداء أسود على كامل جسدها، ثم تشرع في تحريك أصبعها وذراعيها، وهي تتمايل برأسها تارة يمينا وثارة يسارا، ولهذه الحركات إيحاءات لا يعرفها إلا المهتم بهذا النوع من الفنون[67]، ويرافق الغناء الرقصة منذ بدايتها إلى نهايتها، وتنتهي الرقصة على وقع مقاطع صوتية سريعة تنطلق مدوية في الفضاء، كأنها الصراخ[68].
رقصة الكدرة تستمد تسميتها من الإناء المسمى “الكدرة”، والذي هو الأداة الموسيقية الوحيدة في الرقص، وهو عبارة عن جرة من الطين أو الخشب، تغلق فوهتها بالجلد لتصبح قابلة لإحداث إيقاع موسيقي، في حالة الضرب عليها، وهذه الأداة الموسيقية في الأصل إناء للطبخ يتم تحويله من وظيفة الطبخ، إلى وظيفة الموسيقى، وتنتشر هذه الرقصة بين سكان منطقة واسعة تمتد من الحمادة شرقا، عبر أقاليم درعة وزمور إلى الساقية الحمراء، وتكاد تكون في واقعها اليوم من خصوصيات مدينة كلميم.
عادات أهل الصحراء
أ – المفاهيم والأدوات
للثقافة عدد من المفاهيم المتداولة، فقد تفيد الآداب والفنون، كما قد تعني التراث الشعبي، إلا أن هذه المفاهيم تبقى محددة، ولا تنطبق على حدود ما يمكن أن نسميه بالثقافة، فهي مفهوما واسعا عملية فكرية تعبر عن شعور وإدراك جوانب متعددة، من الأحوال المادية والسلوكية والفكرية والمتفاعلة، بمقادير متباينة لنسبة مكوناتها وقوة تفاعلها.
ونظرا لأهمية المفاهيم في الثقافة الصحراوية، عمد الإنسان الصحراوي إلى تحميلها بمضامين ثقافته وقيمه، وفي رسم معالم الذاكرة الجماعية، كما يمكن اعتبارها أداة ثمينة في ضبط الهوية الفردية والاجتماعية، سواء في لحظتها الآنية أم عبر أطوار الحياة المتعاقبة، واتخاذها أحيانا أخرى مطية لإثبات الانتماء – ولور مزيا – لحضارته.
يزخر التراث الصحراوي بمفاهيم ذات شحنة ثقافية واجتماعية متنوعة، فعادة ما تستعمل مفاهيم من قبيل “أهل الساحل” أو أهل “الشرك”، كناية عن أولئك الذين يعيشون متنقلين بين منطقة وأخرى: فـ “أهل الساحل ” اسم يستعمل للدلالة على كل أولئك الذين يسكنون في إفريقيا الغربية (الساحل الأطلسي).
– وادرا، تعني وادي درعة.
– “لكعدا” (الكعدة): وهي هضبة توجد على طول الضفة الشمالية للساكية الحمراء، من الجانب السفلي للوادي، ويطلق عليها اسم “ساكية لتحت”، وذلك قصد تمييزها عن الجانب العلوي الذي يدعى “ساكية لفوك”.
– لحمادا، (الحمادة): هي هضبة كبيرة شرق الجزء الشمالي، وتصل حتى خط الطول لتندوف.
– تيرس: وهو المجال الأحسن منظرا في الصحراء حسب الرحل، وهو الذي حضي أكثر بتغني الشعراء ومدحهم.
– الرحل، أو “أهل رحالة” أو “رحالة”: وهم مربو الماشية والإبل.
– الغنم: أي أنثى الماعز، وذكرها يسمى (عتروس).
كما يستعينون في تحديد الاتجاه، بمفاهيم: التل- الكبلة – الشرك – الساحل.
“التل” بالنسبة لسكان الصحراء هي المنطقة الممتدة من درعة إلى وادي نون، و”الكبلة” هي المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي (منطقة تكانت والراكنة وترارزة)، وأما “الساحل” فهي المنطقة الواقعة بين درعة أو “تل” و “كبلة “، أما الشرك، فيعتقد أنع يقع في النيجر أو “البحر الحلو”.
يحافظ الفرد الصحراوي على تراثه، بحفاظه على الأسماء ( فاطمتو، خديجتو، الناجمة، أم لخوت، السالكة، عيشتو…)، رغم ما أصبح لهذه الأسماء من منافسة قوية لأسماء جديدة مستوحات من المجال الإعلامي (المسلسلات و المجلات…)، وهي أسماء دخلية على الثقافة الصحراوية، وهذا راجع إلى الاحتكاك بثقافة حديثة في الآونة الأخيرة خاصة من التلفاز.
ويحافظ المجتمع الصحراوي على تراثه المادي، بحفظه لمجموعة من الأدوات مثل: المهراز: وهو أداة لكسر حبوب الشعير، ورغم أن استعمالها قل بشكل كبير، إلا أنها لازالت موجودة في بعض المجتمعات عند الرحل، وهي موجودة رغم وجود آلات جديدة وحديثة.
الرحى (رح) : مصنوعة من قطع حجرية، تقوم بطحن الشعير ( قطعة علوية وأخرى سفلية).
الغربال : مصنوع من الجلد، وبعد ذلك أصبح يصنع من المعدن.
الكصعة : تكون من الخشب، وهي ذات قيمة زخرفية عالية.
الكدحة : هي إناء يقدم فيه حليب النوق أو الماعز.
المحكن : يستعمل لتصفية الحليب من الشوائب.
المجمر: يستعمل لتسخين الماء لإعداد الشاي.
المغراج أو المقراج: لطهي الماء.
الكربة: وهي كيس جلدي كبير، لا يتطلب إعداده عناية كبيرة، وتحفظ فيه مختلف الحاجيات العائلية أثناء الترحال.
المكسرة: وهي مطرقة لكسر قالب السكر.
ب- الشاي
يحتل الشاي مكانة كبيرة في المجتمع الصحراوي، وقد أصبح هذا المشروب على مر الزمان سمة من سمات الكرم وعلامة الحفاوة، فهو ليس مشروبا فقط، وإنما وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي بين الأصحاب والأحباب، وأداة نسج خيوط الانسجام بين الأفراد والمجموعات، بل يصير الشرط الأساسي لإنجاح الاجتماعات واللقاءات، مهما اختلفت مضامينها.
إن أول ما يقدم للوافدين على الفريك، أو إحدى خيامه، هو الشاي الذي يعتبر رمزا من رموز الإنسان الصحراوي منذ القديم، معروف بأوانيه الخاصة (الطبلة والتي تتكون من الكيسان والبراد، والمغراج، والجمر) وطريقة تحضيره المتميزة، والتي تحتاج إلى وقت طويل يتم خلالها تبادل الأخبار والمعلومات، بوجودأتاي والسكر والعلك.
للشاي طريقة وآداب خاصة، وكما هو معروف له ثلاث جيمات (أي ثلاث كلمات تبتدئ بحروف الجيم: الجر، والجماعة، والجمر)، وبذلك يحلو الكلام والأنس، ليكون “أتاي” أو الشاي محورا يجتمع حوله الأهل والأصدقاء، والعائلة والجيران “الجماعة”، لكن هذا التقليد مسه التغيير، تبعا للتطورات السريعة التي طالت المجتمعالصحراوي، فأصبح الشاي في كثير من الأحيان لا يقدم بطريقته المعتادة، بل أصبح يأتي جاهزا من المقهى أو المطبخ، أو صار تناوله بشكل فردي دون باقي الجماعة، فانمحت معه بعض مزاياه وطقوسه.
ومن العادات الشعبية كذلك، والتي كان يتبعها الإنسان الصحراوي، طلب المطر عن طريق ما يسمى بـ “تلغنجا” Telghunja، وهي عبارة عن هيكل لسيدة من أعواد وألواح، يمثلها وهي تبسط كفيها على شكل مغرفتين ترتجيان رحمة الله[69]،وقد ظلت هذه العادة معروفة إلى وقت قريب، فكان الناس يستعملونها بالأمس ولم يغيبها من الساحة، إلا صحوة الناس واقترابهم من الكتاب، كما يتميز الإنسان الصحراوي بلباسه الذي يميزه عن غيره من سكان المغرب والمعروف ببساطته، فهو تقليدي شاسع وفضفاض، يعكس مرجعية ثقافية للصحراويين، فهم متمسكون تماما بزيهم الرسمي والأصيل، والذي يضفي نوعا من الوقار والاحترام لدى كلا الجنسين: الملحفة للنساء والدراعة للرجال.
المرأة في التراث الصحراوي
المرأة الصحراوية حاملة لحضارة من نوع خاص محورها الإنسان، بأبعاده المختلفة ولها مغزى، وكل كلمة تصدر عن هذا الإنسان لها مرمى، فقد أعطى المجتمع الصحراوي عناية خاصة للأنثى، لأنها تبقى مدللة منذ ميلادها من طرف الأب والخال والعم والجد، ويكون لها بعدهم حضور كبير، ورأي في تسيير الشؤون العامة، كما لها حرية التحكم في حركتها، واستعمال مجالها واختيار علاقاتها، وهذا الوضع مختلف تماما عن الوضع في المجال الحضري.
من مميزات المرأة البيضانية كذلك، أنها لم تكن تستر عامة جسدها[70]، كما لم تكن منعزلة عن الرجل ومتوارية من القدم، مثل ما كان سائدا في بعض المجتمعات المستقرة، كما لم تكن تعاني تعدد الزواجات، والمرأة الصحراوية تفرض نفسها لغياب الحواجز، فالفضاء الذي تتحرك فيه المرأة فضاء مشترك مع الرجل، وبذلك فالاختلاط لديها مسألة طبيعية، كما أن المرأة هي حاملة نوع الاستمرار، وبالتالي فهي رمز الثابت والرجل هو رمز المتحول، فالرجل يخرج للمرعى ويسافر ويتاجر ويقاتل وتبقى المرأة، فدورها مختلف تماما عن دور المرأة في العالم الذي عرف حياة الاستقرار.
لقد أدى حضور المرأة في المجتمع بهذه الكيفية، إلى تواتر الرواية التاريخية بالخصوص، عبر أشكال أميسية تحدد موقع المجموعة، ضمن النظم الاجتماعية والثقافية وضمن المجال الجغرافي، كما أن المرأة تساهم في انتقال هذه الرواية عبر الأجيال وتوزيعها في المجال[71].
لم تكن المرأة الصحراوية مقبولة من حيث النحافة، أي ما يسمونه بـ “الركة” أو “حالها ماهو زين”، بل المفضل فيها أن تكون بدينة سمينة، فالفتاة الصحراوية كانت عندما تبلغ سن السابعة عشرة، لابد لها من عملية تسمى “البلوح” وهو التسمين، ولا يمكن ان تكتمل أنوثتها، إلا بقدر من السمنة، ويكتسي جسدها وشما، ويسمى شعبيا البطط، والتشراط، أي التجراح، ويبقى أثره على جلد الفتاة مدى الحياة[72].
وتبقى المرأة الصحراوية الخزان المحافظ على القيم الأبوية الموروثة، كما كانت تلعب دورا كبير في تنشيط الساحة الفنية الموسيقية مغنية وراقصة وعازفة، لدرجة باثت تستقطب الجماهير الواسعة من المعجبين، مثلما غدت تستأثر بعناية الباحثين المهتمين بدراسة ألوان التراث الموسيقى، على أن أبرز مظاهر حضور المرأة في هذا المجال يتجلي في رقصة “الكدرة”.
خاتمة :
نستخلص من كل ما سبق، أن كتابة التاريخ انطلاقا من الشهادة لا يمكن أن تتم إلا بتغيير في منهجية المؤرخين، لتتسم بالانفتاح على العلوم الإنسانية الأخرى، دون الخروج عن الصرامة العلمية الضرورية في كل بحث تاريخي جاد، لذلك فعملية التأريخ للصحراء، يجب أن تتخذ بعدا نقديا ومنهجيا، بدمج المكتسبات المنهجية في مجال التاريخ الشفهي والذاكرة، وبالجمع بين مفاهيم التاريخ والذاكرة.
لا يحتاج تاريخ الصحراء إلى الوثائق والمصادر فقط، بل يحتاج إلى القيام بأبحاث ميدانية للتعامل مع هذا المجال، إذ إن البحث الميداني ضروري لفهم تاريخ هذه المجالات، لأنه يمكن من الوقوف على مجموعة من التصورات والتفسيرات التاريخية المحلية التي ما زالت قائمة، فأهل هذا المجال يستحضرون تاريخ وجودهم، فاستقرارهم وتعاملهم مع هذه القطاعات الترابية والثقافية والاجتماعية والسياسية، قائم عبر تمثلات مختلفة منطلقة أساسا من الكتابة التاريخية التقليدية، فالصحراء فضاء واسع يشمل ساكنة وقيما وتراثا أدبيا وفنيا غنيا بتنوعه، ويؤسفنا جدا أن هذا التراث لم يعرف التدوين من قبل، وبقي لحدود الساعة تراثا شفويا يستمد من كبار السن (الشيوخ)، الذين يعتبرون تاريخا أمام كل مهتم بالتراث الصحراوي، بهدف كتابة إرث ثقافي وتاريخي وحفظه من الضياع، حتى تستفيد منه الأجيال اللاحقة، لأنه معرض للزوال في أي وقت وينتهي بدفن حامله، وبالتالي نكون قد خسرنا مصدرا مهما من مصادر تراثنا، لاعتباره ذاكرة تحفظ أسرار التاريخ.
قائمة المراجع :
- إبراهيم، ز، الانثروبولوجيا والانثروبولوجيا الثقافية، دمشق 2009.
- ابن حوقل، كتاب صورة الأرض، بيروت 1979.
- ابن محمد قسطاني: الواحات المغربية قبل الاستعمار، غريس نموذجا، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2005.
- إدريس العلوي العبدلاوي: “دور كل من العرف والعادة في انشاء القاعدة القانونية”، ضمن ندوة “العادات والتقاليد في المجتمع المغربي”، سلسلة ندوات، 7 نونبر 2007، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية.
- إدريس نقوري: بناء الخطاب الشعري الحساني، ضمن ندوة مدينة السمارة، عاصمة الصحراء العلمية والروحية منشورات كلية الآداب وع.إ . أكادير، ط 2000.
- بونت بيير: إمارة أدرار الموريتانيا، ترجمة محمد بن بوعليبه بن الغراب، نواكشوط، دار النشر جسور، 2012،
- جوردن است: الجغرافيا توجه التاريخ، ترجمة: جمال الدين الدناصوري، دار الحديث، بيروت 1982.
- خوليو كاروبروخا، دراسات صحراوية، ترجمة أحمد صابر، ط، 2015، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط.
- رحال بوبريك، دراسات صحراوية: المجتمع والسلطة والدين، دار أبي رقراق ط 2، 2008.
- رحال، بوبريك، زمن القبيلة: السلطة وتدبير العنف في المجتمع الصحراوي، الرباط، دار أبي رقراق للطباعة والنشر 2012.
- الطالب بويا العتيك، بعض تجليات العادات والتقاليد لدى ساكنة الصحراء المغربية، ضمن ندوة المكونات الثقافية للصحراء المغربية، منشورات رابطة أدباء المغرب، ط 1، 2001 مطبعة المغاربة الجديدة الرباط،
- العالية ماء العينين، شعر الشيخ محمد الإمام – جمع وتحقيق ودراسة، رسالة مرقونة بكلية الآداب عين الشق، الدار البيضاء السنة الجامعية، 1998-1999.
- عباس الجراري، ثقافة الصحراء، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1978.
- عبد الرحمان ابن خلدون، المقدمة، ج 2، القاهرة، نهضة مصر، 1981.
- عبد الرحمان، السعدي، تاريخ السودان، تحقيق وترجمه للفرنسية، هوداس – بونوة، طبعة باريس: 1981.
- عبد السلام هارون، نوادر المخطوطات، دار الجيل، بيروت، الطبعة الأولى، سنة 1411ه – 1991م.
- عبد العزيز بن عبد الله، المؤسسة المغربية للأعلام البشرية والحضارة، ملحق (1) 1976.
- عبد الله، العروي، “السلطة والمجتمع في المغرب”، نموذج ايت باعمران، البيضاء 1989.
- عبد الهادي التازي: التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، ج3، مطابع فضالة المحمدية 1986.
- عبد الوهاب بن منصور، حفريات صحراوية مغربية، المطبعة الرسمية، 1998.
- غالي. إ، الانثروبولوجيا الفكرية، دراسة في انثروبولوجيا بييربورديو، القاهرة 1999.
- محمد احمد باهي، مجلة الفنون، السنة الأولى، ع 9 و10، رجب شعبان 1314/ يوليوز – غشت 1974، ص: 69، 72، وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية، “من عرب معقل بالواحات الصحراوية”.
- محمد الظريف، ديوان الشيخ احمد الهيبة – جمع وتحقيق، دار المعارف الجديدة، ط1، 1998.
- محمد بلاجي، المكونات الثقافية للصحراء المغربية، جماعة من الباحثين، منشورات رابطة أدباء المغرب، ط 2001.
- محمد بن باباه اليدالي ، حياته و أثاره، بيت الحكمة، قرطاج، الطلعة الأولى، 1990.
- محمد دحمان، الشاعر النسائي الحساني “التبراع” والتحولات الاجتماعية بمنطقة وادي الذهب والساقية الحمراء، ضمن المكونات الثقافية للصحراء المغربية.
- محمد علي محمد: الشباب العربي والتغير الاجتماعي، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1985.
- محمد نجيب النحيحي: الأسس الاجتماعية للتربية، دار القلم، الكويت، ط 1973.
- محمد، دحمان، الترحال والاستقرار بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، الرباط 2006.
- محمود، كعت، تاريخ الفتاش في ذكر الملوك وأخبار والجيوش وأكابر الناس، تعليق وتقديم حماه الله ولد السالم عن دار الكتب العلمية، ط 2012.
- نماذج من أشعار الشيخ مربيه ربه – ضمن أعمال الموسم الثقافي للشيخ مربيه ربه تحت عنوان (جوانب وحدوية من ثقافة الصحراء المغربية)، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ، ط1 ، 1997.
- Godolier (M). ” le concepte de tribu , crise d’un compte ou crise des fondements de l’anthropologie? in horzon , trajets marscistes en anthopologie , paris , maespero , 1977.
- Balandier , G , “essai d’identification du quatidien ” in , cahiers internationaux de sociologie , vol LXXIV , paris 1983.
- Berque, J.” Qu’est – ce qu’une ‘’tribu’’ nord – africaine. dans Maghreb , histoire et societé , alger ; SNED 1974.
- Caratine (sofhie): Apropos des Rgaybat du saharaaccidental. U.R.B.A.M.A.1989 .
- Chaudat – Howad, H,” des etats – nations contre un peuple : le cas des touargs”, Revue de l’occident musulman et de la méditerranée; 44,n°2, 1987.
- zohratamoh,’’ le maroc et le soudan au XIXE Siècle’’, Thèse de 3ème Cycle, Paris 1 Sorbonne, 1982.
- Gast ; M .‘’ le désert saharien comme concept dynamique , cadre culturel et politique ‘’ , in revue de l’occident musulman , v 32 , n°1.1981.
- Godelier (M) : Tribu ” article in : Encyclopédie univ , vol .16 France 1968 .
- goudio, Attilio , les population du saharaaccidental histoire vie et cuture , ED : karthala 1993.
- HampâtéBa , A . “La tradition vivante” , in Histoire générale de l’Afrique Unesco ,Vol I , Méthodologie et préhistoire africaine , ed ; J.KI- Zérbo 1980,
- Hubert, B (dir), la rusticité , l’animal , la race , la systéme d’élevage
- Jackson an account off the Empire off Morocco and the district of suse ,london 1809.
- Leriche, Alberrt (1952) , Coutumes d’autrefois en Mouritanie IFAN . Tome XIV N°1.
- Marty, paul (1919) , l’émirat des trarzas , paris ; leroux.
- Monteil, Vincent (1948). Notes sur les tekna , Paris , Larose.
- Morgan, L.H.La société arhaique ,Anthropos , paris , 1971.
- Morgan.L ,H , Ancient Socity or resarches in the lines of human progress from sovager through barbarisn to civilisation, new york , holt , 1877.
- Paestum hors série , Association française de pastoralisme , Agropolis International , Cordére éditeur , Montpellier , 2011.
- Poulet, Georges ,(1904) Préf . de M. Binger , les Maures de L’Afrique accidental française , Paris A : challamel
- Richet, éteinne (1920), La Mauritanie , Paris E’mile : larose
- M , Tribesmen , Astudy of segmentary society , Engle wood chiffs ,Prentice Hall, 1972.
[1]يعتبر عبد السلام هارون من المحققين الذين نادوا في إحدى منشوراته، بضرورة التوجه لهذا المنحنى، ألا وهو إحياء التراث وتحقيق مخطوطاته.
انظر: هارون عبد السلام، نوادر المخطوطات 1/8، دار الجيل، بيروت، ط1، سنة 1411هـ /1991م
[2]– ترتبط كلمة الرحل Nomade بالأصل الإغريقي Nemo أي توزيع أو تقديم جزء من المرعى لقطيع من الماشية أو Nomas أي أرعى وبذلك فالسلوك الترحالي يعبر بالأساس عن نمط للعيش لا عن إثنيات وشعوب، فتصبح البداوة عبارة عن نمط في الحياة قائم على التنقل الدائم للإنسان في طلب للرزق حول مراكز مؤقتة، يتوقف مدى الاستقرار فيها على كمية الموارد المعيشية المتاحة من ناحية، وعلى كفاية الوسائل الفنية المستعملة في استغلالها من ناحية ثانية، وعلى مدى الأمن الاجتماعي الطبيعي الذي يمكن أن يتوافر فيها. ينظر: دحمان، محمد، الترحال والاستقرار بمنطقتي الساقية الحمراء ووادي الذهب، الرباط 2006، ص: 22.
[3]– عبد الرحمان ابن خلدون، المقدمة، ج 2 ، القاهرة، نهضة مصر، 1981، ص: 485 – 467.
[4]– المجتمع البيضاني نقصد به المناطق التي تتكلم ساكنتها اللهجة الحسانية، والممتدة من منطقة درعة السفلى حتى الضفة الشمالية لنهر السنغال، ومن المحيط الأطلسي، إلى التخوم المالية (نسبة إلى مالي) شرقا.
[5]– غالي. إ، الانثروبولوجيا الفكرية، دراسة في انثروبولوجيا بييربورديو، القاهرة 1999، ص: 29.
[6]– إبراهيم، ز، الانثروبولوجيا والانثروبولوجيا الثقافية، دمشق 2009، ص: 24.
[7]-Gast ; M . ‘’ le désert saharien comme concept dynamique , cadre culturel et politique ‘’ , in revue de l’occident musulman , v 32 , n°1.1981 pp :80-81.
[8]– اعتبر الانثروبولوجي الأمريكي مرشالسالنسMarchallsahlins في كتابه “رجال القبيلة ” “Tribesmen “أن القبيلة تحتل موقعا متطورا في الثقافة، التي تعد الحضارة مرحلتها النهائية فالحضارة ليست متطورة ومتقدمة على القبيلة بفعل سيادة السلطة المركزية فقط ولكن بتقديمها في التنظيم والتحول الكيفي في طبيعة الثقافة. وهنا يفصل سالنس بين القبيلة والحضارة، فالأولى تمثل الحرب والثانية تمثل السلم.
-Sahlins. M , Tribesmen , Astudy of segmentary society , Engle wood chiffs ,Prentice Hall, 1972.
[9]– ندكر منهم على سبيل المثال: P.Bonte , C.Hamés , E.Conte , G. Bédoncha-
[10]– Godelier (M) : Tribu” article in : Encyclopédieuniv , vol .16 France 1968 .p: 315.
[11]– عبد الللهالعروي، تقديم كتاب “السلطة والمجتمع في المغرب”، نموذج ايت باعمران، البيضاء 1989 ص: 05.
[12]– Caratine (sofhie): Apropos des Rgaybat du saharaaccidental. U.R.B.A.M.A.1989.Fax:20-2
[13]– دولا شابيل: أخذا عن مصطفى ناعمي (الصحراء من خلال بلاد تكنة)، ص:145.
[14]-Godolien , M. ” le concepte de tribu , crise d’un compte ou crise des fondements de l’anthropologie? in horzon , trajets marscistes en anthopologie , paris , maespero , 1977.
[15]– Berque J.” Qu’est – ce qu’une ‘’tribu’’ nord – africaine . dans Maghreb , histoire et societé, alger ; SNED 1974 P 22-34.
[16] – Marty ,paul ( 1919) , l’émirat des trarzas , paris ; leroux.
[17] – Leriche ,Alberrt (1952) , Coutumes d’autrefois en Mouritanie IFAN . Tome XIV N°1.
[18] – Monteil , Vincent ( 1948). Notes sur les tekna , Paris , Larose.
[19]– حول القبيلة: ينظر خوليو كاروبروخا، دراسات صحراوية، ترجمة أحمد صابر، ط، 2015، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ص: 62.
[20]– هذا الاسم نجده لدى ايت اوسى كذلك، والجدير بالإشارة أن بعض النساء يحملن هذا الاسم في بعض الاحتفالات الطقوسية التي تجري في قصر أسا.
[21]– مجموعة وثائق خاصة بقبائل تكنة بحوزة الاستاذ رحال بوبريك: أنظر دراسات صحراوية: المجتمع و السلطة و الدين، دار أبي رقراق ط 2، 2008.
[22] – Poulet , Georges ,( 1904) Préf . de M. Binger , les Maures de L’Afrique accidental française , Paris A : challamel .P14.
[23] – كان عضوا في الهيئة العليا الاستشارية للمستعمرات، في كتابة عن موريتانيا سنة 1920 قائلا: “عندما تشتعل الحرب بين القبائل، يتجه الرجال مشيا، وأما النساء و الأطفال والشيوخ يبقون في المخيمات لحراسة القطعان”، انظر .
-Richet , éteinne (1920) , La Mauritanie , Paris E’mile : larose .P : 109.
[24]– انظر رحال بوبريك، دراسات صحراوية، م.س، (وثائق ايت اوسى).
[25]– محمد بن باباه اليدالي ، حياته و أثاره، بيت الحكمة، قرطاج، 1990، ط 1، ص: 61.
[26]– تكنة مصطلح امازيغي يقصد به “الزوجة الثانية”، ويبدو أن المصطلح ظهر أثناء التداخل بين العنصر العربي والامازيغي في المنطقة. للتوسع انظر.
- مصطفى ناعيمي، م.س، ص: 179.
- عبد العزيز بن عبد الله، المؤسسة المغربية للأعلام البشرية والحضارة، ملحق (1) 1976.
[27]– عبد الوهاب بن منصور، حفريات صحراوية مغربية، المطبعة الرسمية، 1998، ص: 15.
[28]– حول ذلك أنظر منظري المدرسة التطويرية أمثال لويس مورغان .
-Morgan.L ,H , Ancient Socity or resarches in the lines of human progress from sovager through barbarisn to civilisation, new york , holt , 1877.
– MorgomL.H.La société arhaique ,Anthropos , paris , 1971
[29]– حول تعريف العرف أنظر : ادريس العلوي العبدلاوي: “دور كل من العرف والعادة في انشاء القاعدة القانونية”، ضمن ندوة “العادات والتقاليد في المجتمع المغربي”، سلسلة ندوات، 7 نونبر 2007، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، ص: 173 وما يليها.
[30]– بوبريك رحال، زمن القبيلة : السلطة وتدبير العنف في المجتمع الصحراوي ، الرباط ، دار أبي رقراق للطباعة و النشر 2012، ص: 19.
[31]– خوليو كاروبروخا، م .س، ص: 68.
[32]– بونت بيير: إمارة أدرار الموريتانيا، ترجمة محمد بن بوعليبه بن الغراب، نواكشوط، دار النشر جسور ، 2012، ص: 353.
[33]– نفسه، ص: 354.
[34]– التعركيبة: هي نحر الناقة، ودلالتها أعظم من الذبيحة (نحر رأس ماعز).
- فالدبائح تقدم للتعويض عن صفعة أو ضربة تترك أثر في الجسم أو طلقة نارية دون مخلفات أو السرقة.
- التعركيبة: تقدم للتعويض عن جرح بالسلاح الأبيض، أو جرح بإطلاق النار.
[35]– بونت بيير، م، س، ص: 353.
[36]– غزي أوغزيان، ويقصد به جماعة مسلحة من الناس كانت في زمن ما يسمى بالسيبة، تقوم بالإغارة على لفريك أو القبيلة، وهو سلوك مبني على العنف في المجتمع البيضاني، وقد ساد في مرحلة ما قبل حضور الدولة، وانتهى مع دخول المستعمر الاسباني.
[37]– عباس الجراري، ثقافة الصحراء، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء 1978، ص: 61.
[38]– goudio , Attilio , les population du saharaaccidental histoire vie et cuture , ED : karthala 1993, p : 251.
[39]– توجد بمنطقة وادي الذهب بالقرب من الساحل، كانت تعرف نشاطا زراعيا يتمثل في الشعير بشكل أساسي، اليوم تستغل من طرف شركات فلاحية في إنتاج الخضر والفواكه.
[40]– منطقة واسعة صالحة للزراعة قرب الساحل في ناحية مدينة بوجدور حاليا، كانت تحرث من طرف قبائل الصحراء في موسم الأمطار.
[41]– كانت تمتهنه إيمراكن بالشواطئ الساحلية للصحراء وموريتانيا.
[42]– انظر ابن حوقل، كتاب صورة الأرض، بيروت 1979، ص: 83.
[43]– السعدي، عبد الرحمان، تاريخ السودان، تحقيق وترجمه للفرنسية، هوداس – بونوة، طبعة باريس: 1981.
– كعت، محمود، تاريخ الفتاش في ذكر الملوك وأخبار والجيوش وأكابر الناس، تعليق وتقديم حماه الله ولد السالم عن دار الكتب العلمية، ط 2012.
[44]– ابن محمد قسطاني: الواحات المغربية قبل الاستعمار، غريس نموذجا، منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، الرباط، 2005، ص: 138.
[45]– Hubert, B (dir) , la rusticité , l’animal , la race , la systéme d’élevage – Paestum hors série , Association française de pastoralisme , Agropolis International , Cordére éditeur , Montpellier , 2011.
[46]– Ibid.
[47]– جوردن است: الجغرافيا توجه التاريخ، ترجمة: جمال الدين الدناصوري، دار الحديث، بيروت 1982، ص: 173.
[48]– محمد علي محمد: الشباب العربي و التغير الاجتماعي، دار النهضة العربية للطباعة و النشر، بيروت 1985، ص: 59.
[49]– محمد نجيب النحيحي: الأسس الاجتماعية للتربية، دار القلم، الكويت، ط 1973، ص: 237/239.
[50]– الكبلة : مفهوم له دلالة جغرافية وفي نفس الوقت له محاميل اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية، وهو أيضا مفهوم حضاري، فهو يطلق على منطقة يحدها المحيط الأطلسي غربا و نهر السينغال جنوبا وأفطوط الشرقي شرقا،وأما حدودها شمالا فيتعذر تحديدها، لاطراد ظاهرة التصحر واضطراب العوامل الطبيعية.
[51]– محمد بلاجي، المكونات الثقافية للصحراء المغربية، جماعة من الباحثين، منشورات رابطة أدباء المغرب، ط 2001، ص:29
[52]– شعر الشيخ محمد الإمام – جمع وتحقيق ودراسة – العالية ماء العينين – رسالة مرقونة بكلية الآداب عين الشق، الدار البيضاء السنة الجامعية، 1998-1999، ص: 317.
[53]– نفسه، ص: 205.
[54]– ديوان الشيخ احمد الهيبة – جمع وتحقيق محمد الظريف، دار المعارف الجديدة، ط1، 1998، ص: 127-190.
[55]– أنظر مثلا ديوان الشيخ احمد الهيبة ، م، س ، ص: 103 ( في مدحه للبني صلى الله عليه وسلم).
[56]– نماذج من أشعار الشيخ مربيه ربه – ضمن أعمال الموسم الثقافي للشيخ مربيه ربه تحت عنوان (جوانب وحدوية من ثقافة الصحراء المغربية)، مطبعة المعارف الجديدة بالرباط ، ط1 ، 1997، ص: 154. أنظر كذلك شعر محمد الإمام، م، س، ص: 82-84.
[57]– ادريس نقوري: بناء الخطاب الشعري الحساني، ضمن ندوة مدينة السمارة، عاصمة الصحراء العلمية والروحية منشورات كلية الآداب وع.إ . أكادير، ط 2000، ص: 211.
[58]– أجمع كثير من النقاد على أن الشعر بناء، منهم ابن سلام وابن قتيبة وقدامة وابن رشيق، راجع طبقات فحول الشعر، والعمدة.
[59]– Hampâté Ba , A . “La tradition vivante” , in Histoire générale de l’Afrique Unesco ,Vol I , Méthodologie et préhistoire africaine , ed ; J.KI- Zérbo 1980, P : 192.
[60]-Idib : p : 191
[61]– مثل حساني.
[62]-Balandier , G , “essaid’identification du quatidien ” in , cahiers internationaux de sociologie , vol LXXIV , paris 1983 , p : 8.
[63]– محمد دحمان: حماية الثقافة الشفهية الحسانية، ندوة التراث الصحراوي التاريخ والذاكرة، م. س، ص: 266.
[64]– محمد أحمد باهي، مجلة الفنون، السنة الأولى، ع 9 و10، رجب شعبان 1314/ يوليوز – غشت 1974، ص: 69، 72، وزارة الدولة المكلفة بالشؤون الثقافية، “من عرب معقل بالواحات الصحراوية”.
[65]-“النكار” تضمن هذه الكلمة في دلالاتها معنى “النقر” في اللغة العربية. و” النكار” هو الشخص الذي يضرب على “الكدرة ” المحكمة بالجلد من أجل إحداث الصوت الموسيقي المطلوب.
[66]– الحماية (بفتح الحاء وتشديد الميم) هي تلك الجمل الموزونة، تحمل معنى معينا ومقسمة إلى قسمين: ينشد قسم من الجوقة شطرها الأول وينشد القسم الأخر شطرها الثاني.
[67]– الطالب بويا العتيك، بعض تجليات العادات والتقاليد لدى ساكنة الصحراء المغربية، ضمن ندوة المكونات الثقافية للصحراء المغربية، منشورات رابطة أدباء المغرب، ط 1، 2001 مطبعة المغاربة الجديدة الرباط، ص: 133.
[68]– محمد أحمد باهي، م، س، ص: 71. أنظر كذلك:
– Jackson an account off the Empire off Morocco and the district of suse , london 1809 p : 159.
[69]– عبد الهادي التازي: التاريخ الدبلوماسي للمغرب من أقدم العصور إلى اليوم، ج3، مطابع فضالة المحمدية 1986، ص، ص: 276-177.
[70]– يورد ابن بطوطة: “أما نساؤهم فلا يحتشمن من الرجال ولا يحتجبن مع موضبتهن على الصلوات، وبود أيضا والنساء هناك يكون لهن الأصدقاء والأصحاب من الرجال الاجانب وكذلك للرجال صواحب من النساء، ويدخل أحدهم داره فيجد امرأته ومعها صاحبها فلا ينكر ذلك.
[71]– وهو ما نجده فاعلا بشكل كبير ضمن مجتمع الطوارق، حيث لم تنجح مختلف المصالحات لتثبيت الوضع في مناطق النزاع بشمال مالي والنجير، لأسباب متعددة ومنها غياب استحضار العنصر السياسي الأساس داخل المجتمع وهو المرأة.
-Chaudat – Howad, H,” des etats – nations contre un peuple : le cas des touargs”, Revue de l’occident musulman et de la méditerranée; 44,n°2, 1987, p : 48-63.
[72]– محمد دحمان، الشاعر النسائي الحساني “التبراع” والتحولات الاجتماعية بمنطقة وادي الذهب والساقية الحمراء، ضمن المكونات الثقافية للصحراء المغربية، م. س، ص: 68.