
التربية على المواطنيَّة في مجتمع متعدِّد- النظام التربوي في لبنان أنموذجًا
Citizenship education in a diverse society – the educational system in Lebanon as a model
د. محمد رضا رمَّال /جامعة القديس يوسُف، بيروت، لبنان
Mohamad Rida Rammal/Professor at Saint Joseph University – Beirut,Lebanon
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 69 الصفحة 159.
Abstract :
This research aims to uncover the problems that accompany the Lebanese educational system assuming its role in citizenship, and its ability to achieve citizenship in a diverse society. The qualitative approach was approved. The research problem arises from the consideration that Lebanese society has always been vulnerable to political, security, social and sectarian imbalances, which seriously raises the issue of achieving citizenship education through institutions, specifically the educational system. It has been shown through research that the Lebanese political system based on quotas and sectarian criteria plays a role in formulating the educational philosophy on which the educational system is based, making the latter failing to build the citizen according to purely national standards. It also emerged that the official interest in education as a whole rankmodestly from independence until today. And that sectarian and familial power outweighs the authority of the state, and the power of factional affiliations overwhelms the national affiliation and makes the educational system fail to build an inclusive citizenship. And it became clear to us that there is a disagreement about the concept of citizenship education, and it was limited to one course only. As for the most prominent result, the educational system is still facing major obstacles at the level of legacies that cast a shadow over its educational institutions and ideas despite the passage of more than three decades since the approval of the National Accord Document.
Key words: Citizenship – Citizenship education – Pluralistic society – Educational system – Unified history book.
ملخص:
يهدف هذا البحث للكشف عن الإشكاليات التي ترافق اضطلاع النظام التربوي اللبناني بدوره في بناء المواطنيَّة، وقدرته على تحقيق المواطنيَّة في مجتمع متعدِّد. وتمَّ اعتماد المنهج النوعي حيث قامت إشكاليَّة البحث من اعتبار أنَّ المجتمع اللبناني كان على الدوام عرضةً للاختلالات السياسية والأمنية والاجتماعية والطائفية، ممَّا يطرح بجدِّية مسألة تحقيق التربية على المواطنيَّة من خلال مؤسَّسات النظام التربوي. وقد تبيَّن من خلال البحث أنَّ النظام السياسي اللبناني القائم على المحاصصة والمعايير الطائفية يلعب دورًا في صياغة الفلسفة التربوية التي يقوم عليها النظام التربوي، ما يجعل هذا الأخير قاصرًا عن بناء المواطن وفق معايير وطنية صرْفة. وتبيَّن أيضًا أنَّ الاهتمام الرسمي بالتربية ككل يحتل مرتبة متواضعة منذ الاستقلال وحتى اليوم. وأنَّ السلطة الطائفية والعائلية تفوق سلطة الدولة، وتطغى قوَّة الانتماءات الفئوية على الانتماء الوطني وتجعل النظام التربوي قاصرًا عن بناء مواطنية جامعة. وتبيَّن لنا أنَّهناك خلافًا حول مفهوم التربية على المواطنيَّة فتمَّ حصْره في مقرَّر واحد فقط. أمَّا النتيجة الأبرز فكانت أنَّ النظام التربوي لا تزال تواجهه عقبات رئيسة على مستوى الموروثات التي تلقي بظلالها على مؤسَّساته وفكره التربوي على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على إقرار وثيقة الوفاق الوطني.
الكلمات المفتاحية:المواطنيَّة- التربية على المواطنيَّة- المجتمع التعدُّدي- النظام التربوي- كتاب التاريخ الموحَّد.
مقدمة :
عندما تُطرح مسألة التربية على المواطنيَّة، يتَّخذ طرْحُها في المجتمع اللبناني شكل التحدّي الذي يكون أحيانًا تحدِّيًا تربويًّا، وأحيانًا أخرى سياسيًّا واجتماعيًّا، وفي الأحيان جميعها هو تحدٍّ وطني لأنَّه يتعدَّى قدرة التربية المدرسيّة بمفردها، كما يتعدَّى قدرة أيَّة مؤسَّسة منفردة على مواجهته.
إنَّ التحدّي التربوي نابعٌ من تزايُد الإحساس بالخصوصيَّات الدِّينية والثقافيَّة، ومن تراجُع تحدّيات الدَّولة الوطنيَّة ومورثاتها، ومن إعادة النقاش في التمييز بين الموضوعَين التربوي والتعليمي، وهذا لم يكن حاضرًا عند وضْع وثيقة الوفاق الوطني (1989)، حيث كان التركيز في تلك الفترة على تجنُّب الحساسيَّات الدِّينيّة، والتوفيق بين الاتجاهات المتناقضة في الموضوع الوطني بأيّ ثمن، وذلك لتجاوُز آثار الحرب (1975-1990). فأُلغي التعليم الدِّيني من البرنامج الرَّسمي، وتخلَّت الدَّولة عن دورها في انتداب معلِّمين لمادَّة الدِّين تاركة الحرّية للمدارس في اختيارهم. وظهر إصرار على توحيد كتابَي التنشئة الوطنيَّة والتاريخ.
لقد كان كتاب التربية الوطنيَّة أوَّل ما ظهر من الكُتُب المطلوب توحيدها في مناهج ما قبل 1997، ونظرًا لحساسيَّته الوطنيَّة والدِّينيّة والعلميّة، حصلت تسويات في الموضوع الوطني تمثلت بكثرة الاستشهاد بالدُّستور، وبالتنظيمات الدُّوليّة، ومنظَّمات حقوق الإنسان والحرّيات والحقوق المدنيَّة. لكنَّ الدَّولة، في الفكر والممارسة، بدت دائمًا على تباعُد مع المجتمع المدني، كونها لم تطرح مباشرة في برامجها ما يحتاجه هذا المجتمع لاستعادة وحدته الوطنيَّة وتعزيز القواسم المشترَكة بين أبنائه، ومع ذلك ظلَّ وضْعها أفضل من نزاع الطوائف، وظهر نوعٌ من التسوية، تجلَّت مثلًا في كُتُب التنشئة الوطنيَّة باعتبارها توفيقًا بين المجتمع والدَّولة مع غلبةٍ للأوَّل، وكان هناك تجاهُل للدِّين في تلك الكتب بحجَّة البُعد عن الانقسام الطائفي، وعمَّا يمكن أن يتسبَّب به الحديث عن الأديان من مشكلات في كلمة هنا أو هناك.
إنَّ التَّحدّي التربوي الذي يواجه طرْح مسألة التربية على المواطنيَّة قد يعود إلى الإطار التعدُّدي الذي يتميَّز به الواقع الثقافي- الطائفي في لبنان، حيث يجري التركيز على المجال الذي يؤكِّد التمايز والتفرُّد والخصوصيَّة لغلبة المصالح الفئويّة على المصالح العامَّة.
أمَّا التَّحدّي السياسي أو الوطني الذي يمكن أن يواجِه طرْح مسألة التربية على المواطنيَّة فيتمثل في أنَّه بعد وضْع دستور جديد، قام النظام السياسي وفق المبدأ الطائفي للسياسة، ولم يتم بناء الوحدة الوطنيَّة، حيث بقيت هذه الأخيرة متأثرة بانشقاقات عميقة، لعل أبرز دلالاتها ما يعتوِر مركزيّة الدَّولة الوطنيَّة من ضعْف لصالح مركزيّة الطوائف وإفرازاتها الحزبيّة، ومن تعاظُم الولاءات الفرديَّة الضيِّقة على حساب الولاء الوطني العام، مما جعل للطائفة سلطة على أفرادها تفوق أحيانًا سلطة الدَّولة عليهم. وكان من الطبيعي، ولاعتبارات تتصل بالطريقة التي تمَّت فيها إعادة بناء النظام السياسي، أن يحصل الخلل في علاقة الدَّولة بمواطنيها، إمَّا بسبب النظرة إلى الأداء السياسي العام، وإمَّا بسبب الموقع الذي احتله الانتماء الطائفي في ترتيب أولويات الأفراد. وهذا الخلل غيَّب الدَّولة في أحيانٍ كثيرة عن لعِب دور المرجعيَّة الضَّامنة للحقوق الفرديَّة والجماعيَّة، وحال دون وعي الأفراد لواجباتهم تجاه الدَّولة، كما حال دون ممارستهم لهذا الوعي.
هناك جانب آخر لا يقلُّ أهميَّة عن مأزق العلاقة المتبادَلة بين الدَّولة ومواطنيها، وهو العلاقة بين المواطنين أنفسهم. فقد أوهنت الحرب منظومة العلاقات الاجتماعية التي كانت تربط بين المواطنين، وكان الرهان على مرحلة ما بعد الحرب لتوحيد الخيارات في إطار وطني جامع لا يلغي التعدُّدية التي تميِّز المجتمع، بل يفسح في المجال أمام العمل السياسي الدِّيمقراطي، ويسمح بالاختلاف ولكن تحت سقف المصلحة الوطنيَّة العليا.لكنَّ هذا التوجُّه لم يلمسه اللبنانيُّون، وبقي هاجس اهتزاز الوحدة الوطنيَّة قائمًا عند كل استحقاق داخلي أو خارجي، ولم تستطع عمليَّة البناء السياسي أن تشكِّل عنصرًا ضامنًا لوحدة المجتمع، لأنَّ النصوص القانونيَّة يجب أن تترافق مع إرادة وطنيَّة تحمي هذا المجتمع، وتكون تعبيرًا عن رأي المواطنين، بحيث يصبحون شركاء كاملين في المسؤوليَّة الوطنيَّة.
- إشكالية البحث
يستند مفهوم المواطنيَّة على مبدأ أنَّ “الفرد ممثَّل في السياسة الديمقراطية”، وهذا يتطلب منه فهمًا وقبولًا بحقوق الإنسان، انطلاقا من أنَّ “هذه الحقوق تشكِّل الأرضيَّة الصالحة والملائمة للتفاعل السياسي والاجتماعي في الأنظمة الديمقراطية بمساواة جميع الأفراد أمام القانون من جهة، وباحترام حقهم في الكرامة والحريات الأساسية من جهة أخرى، ومنها: حرية الرأي والتفكير والتعبير والمُعتقد والانتقال والتملُّك والزواج والحياة الأُسرية والمشارَكة في الحياة السياسية”[1].
ونرى إلى أنَّ كلَّ مواطنيَّة تستند إلى مفهوم الوحدة بالإضافة إلى مفهوم الحرية، بمعنى أنها تحرص على وحدة الجماعة والانتماء لها من جهة بينما تعزِّز الحرية الذاتية والفردية من جهة أخرى.فكيف يمكن للتربية في مجتمع متعدِّد، كالمجتمع اللبناني، أن توفِّق بين الحرص على تنمية الاستقلال الفردي والمحافظة على التضامن الاجتماعي؟ كيف يمكن لها أن تؤلِّف بين الاعتراف بالقيم العالمية وبين التعبير عن الخصوصيات الثقافية والدفاع عنها؟
إنَّ المجتمع اللبناني كان على الدوام عرضةً للكثير من الاهتزازات السياسيَّة والأمنيّة والطائفيَّة كان أشدّها وقعًا الحرب الأهلية التي أحدثت انشقاقًا وطنيًا تمثَّلت خطورته في عسكرة النزاع وخلْق ذاكرة معادية لدى كل طائفة. لكنَّ فترة ما بعد الحرب لم تصل إلى بناء الحياة الدِّيمقراطيَّة المنشودة، بل وفَّرت حقلًا خصبًا للمحسوبيَّة التي طغت على بناء المواطنيَّة، فالقرار السياسي في النظام الطائفي يعود إلى زعماء بنوا سيطرتهم على تكريس الانقسامات الطائفيَّة وليس على الوحدة الوطنيَّة، لأنَّ وصولهم إلى مناصب الدَّولة يمرُّ بمنافسة الطوائف، وهذا ما يشلُّ العمل الوطني العام.
أمام هذا المأزق نتساءل: كيف السبيل إلى بناء المواطنيَّة الصحيحة حتى يصبح الفرد شريكًا كاملًا في المسؤوليَّة الوطنيَّة؟ وهل في ظل الواقعَين التربوي والسياسي يمكن أن تتشكَّل فرصة من شأنها مواجهة التحدّي التربوي في بناء المواطنيَّة؟
- منهج البحث
إنَّ المنهج المُعتمَد في هذه البحث هو المنهج النوعي الذي يقوم على تشخيص الظاهرة بالاستناد إلى الأدبيات والدراسات التي قاربتها، ويحاول الوصول إلى فرْضيات حول علاقات بين متغيرات ذات الصلة بموضوع البحث. وسنحاول في اعتماد هذا المنهج مقاربة المفاهيم المتعلقة بالموضوع، كالمواطنيَّة والتربية عليها، والإشكاليَّات التربويَّة والسياسيَّة التي ترافق مساهمات النظام التربوي ومؤسَّساته في بناء المواطنيَّة.
3- المقاربة النظرية
3-1- المجتمع المتعدد
يتضمَّن كلُّ مجتمع أنواعًا من التعدُّد أو التنوُّع، فهناك تنوُّع في المستوى التربوي، وتنوُّع في الطبقات الاجتماعية، وتعدُّد عرقي حيث يكون الصراع العرقي في المجتمعات دافعًا إلى حركات انفصالية وحروب أهلية[2].أمَّا التعدُّد الديني والمذهبي فهو واقع مجتمعات كثيرة جدًّا حول العالم، وهو،على غرار التعدُّد العرقي، قد أدَّى في المجتمع الواحد إلى حروب أهلية كانت من أعنف الحروب في تاريخ الجنس البشري كالصراعات التي نشأت بين الكاثوليك والبروتستانت في فرنسا وألمانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، والصراع بين الهندوسية والإسلام الهندي الذي أدَّى إلى نشوء بنغلادش. أمَّا التعدُّد السياسي فيتمثل بالأحزاب وفي شكل أنظمة الحكم[3].
لكنَّ التعدُّد لا يمكن له أن يبقى متفلتًا من كلِّ تنظيم. وما المعارف والعلوم والنُّظُم المختلفة التي توصَّل إليها الإنسانُ سوى محاولات لاكتشاف مبادئ تتوحَّد حولها الظواهر. وإذا كانت الشخصية مبدأ الوحدة على الصعيد الفردي، فالدولة هي مبدأ الوحدة على الصعيد الاجتماعي والوطني. وكما في حال النفس البشرية، لا بدَّ من أن يؤدي التعدُّد المطلق، أي ذاك الذي لا توحِّده مبادئ معينة، إلى فوضى على الصعيد الاجتماعي. وهذا واقع بعض المجتمعات، حيث الأعراق المختلفة أو الأديان المختلفة أو المذاهب المختلفة أو الأحزاب والتكتلات السياسية المختلفة أقوى من الدولة. ولطالما حصل، باسم الديمقراطية أو مفهوم الأكثرية، تغليبُ عرْقٍ على بقية الأعراق، أو دين على بقية الأديان، أو مذهب على بقية المذاهب.
إنَّ وظيفة الدولة هي استيعاب تعدُّدية المجتمع من غير طمْسها أو إبراز فئة، مهما غلبت عدديًّا، على سواها، لأنَّ أيَّ تعدُّد من دون وحدة هو اختلال في طبيعة الأشياء، وأيَّة وحدة من دون تعدُّد هي هكذا أيضًا؛ فالوحدة التي تحصل على حساب التعدُّد هي وحدة تعسفية تُجافي، على صعيد الاجتماع البشري، المبادئ والقيم الأساسية لهذا الاجتماع كالحرية والعدالة والمساواة. أمَّا الوحدة المنشودة فهي الوحدة في التعدُّد. وإذا كان التوصُّل إلى هذا النوع من الوحدة أشبه بتحقيق “المدينة الفاضلة” أو الدولة المثالية، فلا شكَّ أنَّ رقيَّ الأنظمة السياسية يقاس باقترابها من هذا المثال.
ينتمي لبنان إلى نموذج المجتمع المتعدُّد، ففيه 18 طائفة دينية، تشكل مجتمعة صيغة فريدة للمجتمعات في العالم، البعض يقول أنَّها مصدر غنى، والبعض الآخر يرى فيها سببًا لتوليد الصراعات والاختلالات الاجتماعية بسبب غياب سلطة الدولة. “فكلُّ شيء في لبنان تسيِّره الطوائف إلى حدٍّ بعيد، هو حدُّ انعدام الولاء الوطني العام وإعلاء الولاء المذهبي فوق كلِّ ما عداه، بدءًا من التعليم الذي تديره الجماعات الطائفية التي تربِّي الأجيال وفق تطلُّعات وقيَم ومواقف متنافرة، بحيث لا تَجمع بين أفرادها نظرةٌ واحدة إلى الوطن والعالم والإنسان، وصولًا إلى الوظائف كلِّها”[4].
يقول الدكتور ريمون ملَّاط إنَّ لبنان يبدو كأنَّه مجموعة فئات تعيش ضمن حدود معيَّنة، فإذا ما عجزت هذه الفئات عن مواجهة الواقع والتسليم بأنَّها وحدة عضوية حيَّة لا تتجزأ، مرامها ازدهار الوطن الذي تترعرع على أرضه، والمضي بها سبيلًا إلى العلاء عبْر تبادُل الثقة والاحترام فيما بينها، إذا ما تخلَّفت عن ذلك، كان مصيرها التلاشي في الريبة”[5].
ويقول السيد موسى الصدر في حديث نُشر في جريدة النهار في 18/1/1977 “إنَّ تعدُّد الطوائف وإن كان يشكل عازلًا أو ضعفًا أو خطرًا، فإنَّه إذا أدَّى في النهاية إلى تبادُل المعارف والتجارب والحضارات فينتهي إلى قوَّة الوطن… فالخطر ليس إذًا في تعدُّد الطوائف بل في تحوُّل هذا التعدُّد إلى السلبية”[6].وقد أحسنَ بعض علماء الاجتماع عندما وصفوا المجتمع اللبناني بأنَّه “فسيفسائي” أكثر منه تعدُّديًّا[7]، لأنَّ “الفسيفسائية” تشير إلى تعدُّدية مطلقة، في حين أنَّ التعدُّدية السليمة تنطوي على مفاهيم النظام والانسجام والوحدة.
إنَّ التحدي الذي يجد اللبنانيون أنفسهم أمامه اليوم هو: كيف تتحقَّق الوحدة ويبقى التعدُّد؟ كيف تُصان التعدُّديات وتصبح عامل استقرار بدلًا من أن تكون عامل فوضى وصِدام؟ ما هو نموذج الحكم المنشود الذي تكون فيه الدولة وحدة وسط التنوُّع؟ فما يحتاج إليه لبنان لتحقيق الوحدة في التعدُّد على الصعيد السياسي هو دولة مركزية قوية تجسِّد مفاهيم الوطن والمواطَنة. والتحدي الذي يواجه اللبنانيين هو خَلْق الوطن والمواطن اللبنانيَّين، وطن يكون فيه كلُّ الناس مواطنين متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات والكرامة الإنسانية.
3-2- مفهوم التنشئة الوطنيَّة
في الواقع ليس هناك تعريف جامعٌ للتنشئة الوطنيَّة، بل تتعدَّد تعاريفها بتعدُّد الكتابة في موضوعاتها. فعندما يُقصد منها تسهيل انخراط الفرد في المجتمع تُعطى بُعدًا اجتماعيًّا، وفي هذا الحال تعني تعلُّم الفرد لمعايير اجتماعيَّة عن طريق مؤسَّسات المجتمع المختلفة، والتي تسهم في زيادة قدرته على أن يتعايش معه سلوكيًّا[8]. ويتَّفق هذا التعريف تمامًا مع تعريف هايمن(HerbertHymen) للتنشئة[9]. وعندما يرتبط دورها بالسلوك السياسي للفرد تصبح “العمليَّة التي يتمّ بها اكتساب الفرد للاتجاهات والقيَم السياسيَّة التي يحملها معه حين يتم تجنيده في الأدوار الاجتماعية المختلفة[10]“.
وقد يكون من الخطأ حصْر مفهوم التنشئة الوطنيَّة بهذَين الإطارَين فقط، فهو أشمل من ذلك بكثير، لأنَّ التنشئة الوطنيَّة عملٌ يلامس بناء المواطن من جوانبه كافَّة ولا يجوز حصْره بناحية محدَّدة من نواحي حياته. فالتنشئة لا تقتصر فقط على نقْل ثقافة المجتمع وقيَمِه السياسيَّة من جيل إلى آخر عبْر مؤسَّساته المختلفة[11]، ولكنها كذلك عمليَّة اكتساب الثقافة والقيَم وتغييرها طبقًا لما تراه الدَّولة[12]، يضاف إلى ذلك أنَّ جزءًا مهمًّا من عمليَّة التنشئة يكمن في إحلال قيَم جديدة وفي تطوير الثقافة الوطنيَّة بما تحمله من قيَم واتجاهات ونُظُم، وما يترتَّب على ذلك كلَّه من أنماط سلوك ملائم للوظائف الجديدة للنظام السياسي.
فكما تؤدّي التربية إلى إعداد الإنسان وتنمية قدراته العلميَّة، فالتربية على المواطنيَّة تؤدِّي إلى بناء المواطنيَّة الصحيحة عنده، أي بناء الإنسان – المواطن. وتحقيق ذلك يتم من خلال التنشئة التي يخضع لها الفرد بشكل متدرِّج ومستمر.
3-3- مفهوم المواطنيَّة (Citizenship)
المواطنيَّة بحسب دائرة المعارف البريطانيَّة هي علاقة بين فرد ودولة كما يحدِّدها قانون تلك الدَّولة، وبما تتضمَّنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق. وبذلك تدل المواطنيَّة ضمنًا على مرتبة من الحرِّية مع ما يصاحبها من مسؤوليَّات (…)، وهي على وجه العموم تُسبغ على المواطن حقوقًا سياسيَّة، مثل حقّ الانتخاب وتولِّي المناصب العامَّة[13].
وتذكر موسوعة الكتاب الدّولي أنَّ المواطنيَّة هي عضوية كاملة في دولة. وهذه الموسوعة لا تميِّز بين المواطنيَّة والجنسيّة، مثلها مثل دائرة المعارف البريطانية. وتؤكِّد أنَّ “المواطنين لديهم بعض الحقوق، مثل حقّ التصويت وحقّ تولّي المناصب العامَّة، وكذلك عليهم بعض الواجبات، مثل واجب دفْع الضرائب والدِّفاع عن بلدهم[14]“.
وتعرِّف موسوعة كولير الأميركية كلمة Citizenship (وتقصد بها مصطلح المواطنيَّة ومصطلح الجنسية دون تمييز) بأنَّها “أكثر أشكال العضوية في جماعة سياسية اكتمالًا”[15].
وتطرح دراسة الكواري (2001) رؤية حول مقوِّمات المواطنيَّة تتلخَّص في أن “المواطنيَّة تجسيد لنوع من الشعب، يتكوَّن من مواطنين يحترم كل فرد منهم الفرد الآخر، ويتحلُّون بالتسامح تجاه التنوُّع الذي يزخر به المجتمع. ومن أجل تجسيد المواطنيَّة في الواقع، يبدو أنَّ القانون يحدِّد حقوق المواطنين وواجباتهم، وأن يعامِل ويعزِّز معاملة كل الذين يُعتَبَرون بحكم الواقع أعضاء في المجتمع، على قدم المساواة وبصرف النظر عن انتمائهم أو طبقتهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو ثقافتهم أو أي وجه من أوجه التنوُّع بين الأفراد والجماعات. وعلى القانون أن يحمي كرامة الأفراد، وأن يقدِّم الضمانات القانونيَّة لمنْع أي تجاوزات على الحقوق المدنيَّة والسياسيَّة والاجتماعية، وعليه أيضًا تحقيق الإنصاف، وتمكين الأفراد من المشاركة بفاعلية في اتخاذ القرارات التي تؤثِّر في حياتهم، والقرارات السياسيَّة في المجتمعات التي ينتسبون إليها”[16]، ومن السهل أن نكتشف بأنَّ هناك تداخُلًا بين مفهومَي المواطَنَة والمواطنيَّة.
ويجد القصيفي (2001) أنَّ المضامين الأساسيَّة التي تُعطى لمفهوم المواطنيَّة تحجم في النهاية عن إعطاء تعريف “جامع مانع” لهذا المفهوم، “فليس من السهل إعطاء تعريف لمفهوم يتطوَّر مع تطوُّر المجتمعات، ولكن من الصعب أيضًا ترْك المفاهيم دون تحديد مضامينها الأساسية[17]“. ويقترح (القصيفي) تعريفًا للمواطنيّة يعكس مضامينها الأساسيَّة، على أن تتم بلورة هذه المضامين من وقتٍ لآخر. بينما يطرح (الكواري)، في دراسة حول مفهوم المواطنيَّة في الدَّولة الدّيمقراطيّة، المضامين الأساسيّة التالية: المساواة بين فئات المجتمع بغض النَّظر عن الجنس أو الفئة الإثنية أو الطائفيَّة، المشاركة بكل أبعادها، احترام رأي الآخر وقبول التنوُّع، المضمون الاجتماعي المتمثِّل في الحدّ من تفاوُت الدَّخل والمكانة الاجتماعية.
3-4- مضامين التربية على المواطنيَّة
من البديهي أن تزود التربية على المواطنيَّة الفرد بالمعارف الأساسية المتعلقة بحقوق الإنسان، مع التأكيد أنَّ تعليم حقوق الإنسان لا يقتصر على تعرُّف هذه الحقوق فقط، بل تعرُّف الضمانات والمسؤوليات المتعلقة بها أيضًا. لكن هذه المعارف لا تشكل وحدها جوهر التربية على المواطنيَّة، بل يجب أن تشمل أيضًا التعريف بمبادئ الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية، والآليات المحدِّدة لعمل المؤسَّسات الدستورية. ومن المعارف أيضًا اكتساب الفرد ما يسمح له بتكوين صورة وافية عن تاريخه، وتمكُّنه من الأدوات الفكرية التي يحتاجها للتوفيق بين مقتضيات الاندماج ومقتضيات إعلاء شأن الذاتيات الخاصة في إطار التعايش بين الثقافات. وهذه المعارف لا يتم اكتسابها في النظم التعليمية وحدها بل أيضًا في إطار التعليم المستمر الذي تضطلع به مؤسَّسات المجتمع.
أمَّا القيَم التي تسعى التربية على المواطنيَّة إلى أن يسترشد بها الفرد، بالإضافة إلى قيمة حقوق الإنسان، وما تعنيه من تساوٍ في الكرامة بين الجميع، واحترام الآخرين وتقبلهم، والتسامح الديني والاثني والعرقي والثقافي…، فهي قيَم التعددية والتضامن والمبادرة والمسؤولية. وقد يكون من السهل تحقيق توافق حول القيَم المشترَكة، لكنَّه قد يكون من الصعب ترجمة تلك القيَم إلى معايير اجتماعية للسلوك، فكيف يمكن إذًا إيجاد تربية من أجل القيَم تكون ديمقراطية في مجتمعات يتزايد فيها الانشقاق (التَّعددية، صراع الأجيال، والصراعات بين القيَم التقليدية وقيَم الحداثة)؟
إنَّ التربية على المواطنيَّة هي بلا شك مادَّة للتعليم، لكنَّها أوَّلًا ثمرة الممارسة، فالمواطنيَّة تمارَس وتُختبر في الحياة اليومية، سواء في المدرسة والجامعة، أم في الأسرة، أم في محيط العمل، لكنَّ الدَّور الأساس يُلقى على النظام التربوي ومؤسَّساته باعتبارها الموقع الأوَّل لتلقين مبادئ المواطنيَّة، كيف؟
3-5- إسهامات النظام التربوي اللبناني في بناء المواطنيَّة
يتشكَّل النظام التربوي عادة من الفلسفة التربويَّة التي تعتمدها الدَّولة في المناهج، والتي تتجسَّد فيها الأهداف والغايات التربويَّة، كما يتشكَّل من المؤسَّسات والكوادر المولجة بالتربية. لذلك فإنَّ البحث عن إسهامات النظام التربوي في تحقيق المواطنيَّة هو في الواقع بحْث عن دور الدَّولة في هذا المجال، فهي التي تسنُّ التشريعات التربويَّة، وتضع القوانين وتخطِّط للمستقبل، ثم يأتي دور المؤسَّسات التربويةلتنفيذ الخطط وتحقيق الأهداف التي تضمَّنتها الفلسفات التربويَّة.
إنَّ بحْث إشكالية التربية على المواطنيَّة من الزاوية التربويَّة الصِّرفة لا بدَّ وأن يتَّخذ وجهتَين اثنتين: الأولى، لتحديد موقع التربية على المواطنيَّة في الفلسفة التربويَّة اللبنانية، والثانية، لتشخيص واقع النظام التربوي اللبناني، والعوائق التي تقف حائلًا دون قيام مؤسَّساته، بتحقيق أهداف التربية على المواطنيَّة، سواء ما يتعلَّق منها بطبيعة هذه المؤسَّسات، أو ما يتعلَّق بمحتوى المناهج والإشكاليات التي تعترض التوصُّل إلى مناهج تؤسِّس لبناء المواطنيَّة في لبنان.
- دور الفلسفة التربويَّة في التربية على المواطنيَّة
من الناحية النظرية، تشكِّل الفلسفة التربويَّة المُعتمدة في أي نظام الإطار الرسمي الذي يحدِّد أهداف التربية وغاياتها، والتي يأتي من ضمنها هدف تحقيق التربية على المواطنيَّة. وعلى هذا الأساس يتم وضْع المناهج الكفيلة بالوصول إلى هذه الأهداف، وتُعتمَد السياسات التربويَّة التي تؤمِّن وضْع هذه الفلسفة موضع التنفيذ. فما هو الحيِّز الذي تحتله التربية على المواطنيَّة في الفلسفة التربويَّة اللبنانية؟
- مفهوم الفلسفة التربويَّة
تقوم الفلسفة التربويَّة على تنشئة الإنسان، ليصبح قادرًا على وعي وضْعه الخاص، وحلِّ المشكلات التي تعترضه في حياته. فالأوطان لا تقاس بأهميَّة العمران والازدهار فحسب، بل بصلابة مواطنيها، وبمقدار احترامتنوُّع الخيارات، ما عدا الولاء الواحد للوطن. “ولكي نقيِّم تربية شعب ما يجب أن نفهم فلسفة هذا الشعب في الحياة، والنظريات التربويَّة التي صاغتها عقول مفكِّريه نتيجة لهذه الفلسفة”[18].
ولكل فلسفة تربوية غايات تختلف تبعًا لطبيعة المجتمع الذي توضع لأجله، وتأتي في مقدِّمة أولويات هذه الفلسفة الأهداف الوطنيَّة، والتي يُعبَّر عنها عادة بالتنشئة التربويَّة الوطنيَّة، وأحيانًا التنشئة المدنية، والتي يوكِل النظام التربوي العام مسؤوليَّة القيام بها إلى مؤسَّساته انطلاقًا من أُطُر الفلسفة التربويَّة المعتمدة.
- مبادئ التربية على المواطنيَّة من خلال الفلسفة التربويَّة اللبنانيّة
يقول النجار أنَّ تاريخ الفكر التربوي أكثر شمولًا من تاريخ الممارسات التربويَّة، لأنَّ التطبيق يتخلَّف غالبًا عن النظريات. وأصدق صورة عن التربية لدى شعب ما هي في مُثُله العليا كما رآها مفكِّروه وليس في الممارسات الفعلية والواقع الفعلي الذي كانت عليه تربية هذا الشعب (…) لذلك كان تقييم الأماني التربويَّة لشعب ما أكثر أهميَّة من تقييم منجزاته التربويَّة، إذْ أنَّ التربية بمعناها الشامل هي الوسيلة التي يحاول الشعب أن يحقِّق بواسطتها مُثُله العليا[19].
نسوق هذا القول لنقول بأنَّ الفلسفة التربويَّة تطرح على الدوام أقصى ما يتمنَّاه المجتمع ويصبو إليه، وأحيانًا تطرح ما لا طاقة لها على تحقيقه، فلا يجد طريقه إلى الواقع.
- مرحلة ولادة الاستقلال
إنَّ الميثاق الوطني اللبناني الذي وُضِع عام 1943 كان عبارة عن “اتفاق ضمني، أو صيغة توازُن طائفي وطني التقى عليها الزعماء السياسيون، وظل، ومن خلفهم السياسيِّون ورجال الدَّولة وعلماء السياسة، يستشهدون بها أو يرجعون إليها، في ممارستهم للنظام السياسي اللبناني أو تحليلهم له[20]“.
لكنَّه بالعودة إلى الظروف التي رافقت ولادة الميثاق الوطني نجد أنَّ الدّستور اللبناني الذي سنَّه الفرنسيون عام 1926 ما لبثوا أن عدَّلوه عام 1927، ليتوقَّف العمل به عام 1932 بقرار منهم. لذلك فإنَّ الفترة الواقعة بين عامَي 1920 و1932 لم تشهد استقرارًا دستوريًا يمكن فيه الحديث بالمطلق عن فلسفة تربوية وطنية من خلال دستور وضعته الدَّولة المنتدِبة، لأنَّ من أهداف التربية على المواطنيَّة إذكاء نزعة الاستقلال والتحرُّر لدى الفرد. وبغياب الاستقرار الدّستوري، والدُّستور نفسه، ليس علينا إلا الرجوع لمواقف السياسيين الحاكمين وبرامجهم السياسيَّة.
لقد شهدت تلك الفترة بروز تيّار وطني إلى جانب تيارَين آخرَين موجودَين أصلاً (التيّار المسيحي – اللبناني والتيار المسلم – العروبي). واستطاع هذا التيّار الجديد بحكم تفلُّته من الصبغة الطائفيَّة أن يواصل تقدُّمه، لما ميَّز توجُّهاته من اعتدال ووطنيَّة في ظلِّانقسام طائفي كبير. وتشكَّل من السَّاسة المسيحيِّين الذين عارضوا الانتداب، ومن المسلمين المعتدلين، والأحزاب والحركات السياسيَّة غير الطائفيَّة، والأحزاب الأيديولوجيّة، والحركات النقابيّة، والصحافة المستقلَّة. “ورفع هذا التيار شعارات ومبادئ تقوم على احترام الحياة الدّستوريّة والدِّيمقراطية، ورفْض الطائفيَّة السياسيَّة والدَّعوة إلى الوطنيَّة (…) والدِّفاع عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية الوطنيَّة”[21].
وعلى الرغم من ذلك بقي الانقسام الوطني والطائفي قائمًا حتى عام 1936. لكنَّ الفترة الواقعة بين عامي 1936و1943 شهدت تطوّرًا وطنيًّا أثَّرت فيه بشكل أساسي ثلاثة عوامل هي: عودة الحياة الدّستورية، وانتهاء الانتداب الفرنسي، والوجود البريطاني بعد عام 1941. وكان لهذه العوامل نتائج مزدوجة، فمن جهة كانت تثير التناقضات الطائفيَّة والسياسيَّة والقوميَّة، وفي الوقت نفسه كانت تدفع الفرقاء المتناقضين وغيرهم من الأحزاب والشخصيَّات المعتدلة إلى البحث عن حلول سياسية، وعن صيَغ تآلف طائفيَّة ووطنيَّة.
تبلورت حول هذه النزاعات، والحلول المقترَحَة لها الصِّيغة الوطنيَّة وأبرزها عودة الحياة الدّستورية تدريجيًا ابتداء من العام 1934، وانتخاب إميل إدِّه رئيسًا للجمهوريَّة عام 1936، وتكليف خير الدين الأحدب بتشكيل الحكومة، فتكرَّست منذ ذلك الوقت الأعراف الخاصَّة باللون الطائفي للرئاسات، ما سرَّع في اندماج المسلمين في الدَّولة، كما ساعد على اندماجهم أيضًا النظام الانتخابي الذي جعل سكَّان دائرة انتخابية معيَّنة، بصرف النظر عن انتمائهم الطائفي، يقترعون معًا لانتخاب نائب أو قائمة واحدة، مما أجبر المرشحين على الدَّعوة إلى التفاهم الطائفي، والتحالف الانتخابي مع مرشحين من طوائف أخرى في قائمة انتخابية واحدة. أما المسيحيون ذوو النزعة “الوطنيَّة اللبنانيّة” فتأثرت مواقفهم بما حدث خلال فترة 1936- 1943، وتفاعلوا مع موجبات العمليَّة الانتخابية، ترشيحًا وتحالفًا، فبرز تكتُّلان انتخابيان سياسيَّان كبيران (الإدِّيونوالخوريّون) وضمَّا سياسيِّين منتمين إلى الطوائف المختلفة.
إنَّ ما يوصَف به الميثاق الوطني هو أنه اتفاق الضرورة، وتسوية طائفيَّة لصراع الطوائف، وأنه كرَّس الطائفيَّة (…) بدلًا من أن يعمل على إلغائها. وأنه لم يكن الميثاق – الأداة التي تبني المواطنيَّة الصحيحة في مجتمع كان يتقاسمه تيَّاران طائفيَّان. وإن كان لم يكرّس الطائفيَّة في نصٍ مكتوب، إلَّا أنَّ الممارسات السياسيَّة التي أعقبت ولادته جاءت لتكرِّس أعرافًا طائفيَّة، تجلَّت في طائفيَّة الرئاسات، وفي تشكيل الحكومات، وتوزيع الوظائف. فأوَّل حكومة استقلالية تألَّفت من ممثلي الطوائف الست الكبرى، وجاء بيانها الوزاري الأوَّل في 7 تشرين الأوَّل 1943 لينص على[22]:
“(…) ومن أُسُس الإصلاح التي تقتضيها مصلحة لبنان العليا معالجة الطائفيَّة والقضاء على مساوئها، لأنَّها تقيِّد التقدُّم الوطني من جهة، وسمعة لبنان من جهة أخرى، وتسمِّم روح العلاقات بين الجماعات الروحية المتعدّدة. وقد كانت في معظم الأحيان أداة لكفالة المنافع الخاصَّة، وأداة لإيهان الحياة الوطنيَّة، ونحن واثقون أنَّه متى غمر الشعب الشعور الوطني، يُقبِل بطمأنينة على إلغاء النظام الطائفي المُضعف للوطن. والساعة التي يمكن فيها إلغاء الطائفيَّة هي ساعة يقظة وطنية مباركة (…) ومن الطبيعي أن تحقيق ذلك يحتاج إلى تمهيد وإعداد في مختلف النواحي (…)”.
وبالتوقف عند العبارة الأخيرة نجد أن الحكومة الاستقلالية أدركت أنَّ إضعاف الشعور الطائفي لدى المواطنين هو بالدرجة الأولى عمليَّة إعداد، وإن لم يذكر البيان هويَّة هذا الإعداد ومكانه ووسائله، إلَّا أنَّنا نفترض أنَّه عنى به الإعداد التربوي. وإذا صحَّ افتراضنا، أمكن القول أنَّ الفلسفة التربويَّة في الميثاق الوطني دعت إلى إعداد مواطنين غير طائفيين، لا يدينون بالولاء إلَّا لوطنهم وليس لطوائفهم. أمَّا ما تناوله البيان حول التربية، فجاء تحت عنوان التربية الوطنيَّة:”(…) فستسعى الحكومة بأن تربّي الناشئة تربية وطنية صحيحة، وبأن توجَّه منذ الآن توجيهًا صريحًا على الحرية والعزَّة والاستقلال (…)، فنحن نريد أن نخرِّج جيلًا واحدًا، موحَّد الهدف والشعور والوطنيَّة (…)”. وعليه فإنَّ ما ورد في البيان الأوَّل للحكومة حول التربية الوطنيَّة يمكن اعتباره الفلسفة التربويَّة للجمهورية الجديدة، لأنَّ الميثاق الوطني لم يكن نصًّا مكتوبًا يمكن العودة إليه عند الحاجة.
- منهاج العام 1946 وحتى مرحلة اتفاق الطائف
في 30 أيلول 1946 رفع وزير التربية الوطنيَّة فيليب تقلا كتابًا إلى رئيس مجلس الوزراء يشير فيه إلى أنَّ الحكومة رأت “ضرورة حصول تعديل أساسي في المناهج يوافق التجدُّد الناهض بلبنان، ووضعت مناهج عامَّة للتعليم، في سبيل توحيده وتوجيهه وطنيًا. وكان هدفها الأوَّل تعزيز الشخصيّة الإنسانيَّة في النشء اللبناني[23]“.
أمَّا الصِّفات والمهارات الشخصيَّة التي توقّعت السياسة التربويَّة تحقيقها فهي: “الأمانة للتراث اللبناني في عمق ثقافته وإشعاع رسالته (…) ورفْع مستوى الدروس حتى يغدو رجُل الطب ورجُل العدل ورجُل الهندسة ورجُل الأدب ورجُل الإدارة، قبل أن يصبحوا اختصاصيين في مهَنهم، من خيرة المواطنين ثقافة شاملة وحسًّا اجتماعيًا واعتزازًا بانتمائهم إلى أمَّة تعرف ماضيها وحاضرها، فهم ناسٌ ومواطنون قبل أن يكونوا أطباء وقضاة ومحامين ومهندسين وأدباء وإداريين. وإنشاء المواطن البصير، العضو في المجتمع والعارف والعامل[24]“.
لقد أقرَّت الحكومة هذه المشاريع في حينه ووضعتها في مقدِّمة مناهج عام 1946، ولا يسعنا إلَّا تبيان مواطن الإيجابية والخلل فيها، حتى نستطيع الحُكم على ما يمكن اعتباره أوَّل فلسفة تربوية مكتوبة بعد الاستقلال.
على صعيد الإيجابيات، هدفت هذه المقدِّمة إلى تحقيق غاية تربويَّة مهمَّة، وهي تنمية الروح الوطنيَّة اللبنانية، فتميَّزت بالروح الاستقلالية الصادقة المخلصة للبنان، وجاءت نموذجًا في الهدف والتعبير، تُبرز تمسُّك اللبناني بوطنه، وعشْقه للحرِّية والكرامة. كما أعطت هذه المقدِّمة أهميَّة بالغة لدور التربية في التنشئة الوطنيَّة والإنسانيَّة، وفي التنمية العامَّة، وهذا ما تقرّه علوم التربية الحديثة. وركزّت على دور التربية المدرسية في تعزيز الشخصية الوطنيَّة والإنسانية.
أمَّا السلبيات فهي: إهمال هذه المقدمة لمفهوم التربية الشاملة، وكأنها تُعادل بين التربية والمدرسة. وتجاهلها بأنَّ التربية مسؤولة عن الفرد منذ تكوينه وحتى آخر حياته، وفي كل البيئات التي يعيش فيها، كما أنها لم تأخذ في الاعتبار ما يمكن أن يسبِّبه النّظام التربوي أحيانًا من تفرقة تربوية -اجتماعية بين أبناء الوطن الواحد، فاعتمدت الطبقية في تنظيمها التربوي، وابتعدت عن مفهوم ديمقراطيَّة التعليم. وما يهمُّنا هو أنها شكَّلت إطارًا للفلسفة التربويَّة في بداية عهد الاستقلال، وقد طرأت عليها تعديلات طفيفة خلال أعوام 1968 و1970 و1971، بحيث أصبح الشق المتعلِّق بالتنشئة الوطنيَّة على الشكل التالي: “ترمي التربية في لبنان إلى إعداد إنسان وطني لبناني، يحترم وطنه وعَلَمَه وآثاره ومعالمه، وكل الرموز والقيَم التي تعزِّز هذا الاحترام، عبْر تركيز برامج وطنية تتناول جميع أبناء الوطن، من خلال النشاطات اليوميّة والأسبوعيَّة الخاصَّة بالمناسبات الوطنيَّة، وعبْر الإعلام التربوي والثقافي والنشاطات التربويَّة”.
بعد أقل من سنة على اندلاع الحرب، وتحديدًا في 14 شباط 1976، أطلق الرئيس سليمان فرنجية ما سمِّي “بالوثيقة الدّستورية” التي تضَّمنت في شقِّها المتعلِّق بالتربية الوطنيَّة، ما يلي:”(…) لن يكون أمنٌ في لبنان ما لم يأمَن اللبناني جانب أخيه اللبناني، فيؤمنان معًا إيمانًا سويًّا بأنَّ أرض لبنان لجميع أبنائه، عندها يرى الجميع أنَّ التوافق والمشاركة والمساواة من عاديات الأمور التي تكون بداهة ولا تُطلَب. إزالة الطائفيَّة في الوظائف واعتماد مبدأ الكفاءة. وتطوير البرامج التربويَّة بما يرسِّخ الوحدة الوطنيَّة. إنَّ لبنان يستحق ولاء أبنائه كلّهم غير المقيَّد بشرط ولا المَشوب بعيب”[25].
لم تسمح الحرب التي بدأت عام 1975، بإدخال أي تعديل على مناهج عام 1971، بل ساهمت بتوسيع الهوّة بين الأهداف والممارسة الفعلية، فصيغت الأهداف وفق سياسة تخص كل مؤسَّسة تعليمية وتربوية، وتحوَّلت التنشئة الوطنيَّة إلى تنشئة نظرية في جزء أساسي منها، وبرزت الاعتبارات الطائفيَّة والمذهبية والحزبية وفق المواقع الجغرافية، وأصبحت الأولوية لدى التلامذة للانتماءات الحزبية والمناطقية والطائفيَّة والعشائرية وليس الوطنيَّة، وتحوَّلت القيَم الوطنيَّة رموزًا عبثية. ممَّا جعل قضية إعادة بث روح الانتماء الوطني والوطنيَّة وزرْعها في نفوس التلاميذ بحاجة إلى جهود جبّارة.
ج- مبادئ التربية على المواطنيَّة المستوحاة من اتفاق الطائف
إنَّ اتفاق الطائف الذي وُضع بتاريخ 22/10/1989 ليضع حدًّا للنزاعات المسلَّحة قد أصبح دستور البلاد، بعد إقراره في مجلس النواب بتاريخ 5/11/1989، وكانت الأهميَّة المرجوَّة منه هي إصلاح ما دمَّرته الحرب، وخصوصًا في الشأن التربوي الذي يعنينا. ففي مجال التربية على المواطنيَّة نصَّ الاتفاق على مبادئ عامَّة منها:
“ج – لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامَّة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقَد، وعلى العدالة الاجتماعيَّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل.
ط – أرض لبنان واحدة لكّل اللبنّانيين (…) فلا فرْزٌ للشعب على أساس أي انتماء كان.
ي – لا شرعية لأي سلطة تُناقض ميثاق العيش المشترك.
ز- إلغاء الطائفيَّة السياسيَّة هدفٌ وطني يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطَّة مرحلية، وعلى مجلس النواب اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيقه، وتشكيل هيئة وطنية (…) مهمَّتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفيَّة، وتقديمها إلى مجلسَي النواب والوزراء. وفي مجال التربية والتعليم، نصَّ الاتفاق على: تعزيز رقابة الدَّولة على المدارس الخاصَّة وعلى الكتاب المدرسي، وإعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزِّز الانتماء والانصهار الوطنيين والانفتاح الروحي والثقافي، وتوحيد الكتاب في مادَّتَي التاريخ والتربية الوطنيَّة[26].
- الإشكاليات التي تعترض النظام التربوي في بناء المواطنيَّة
- تأثير الواقع الطائفي والأيديولوجي
لقد أدَّى اختلاف التوجُّهات التربويَّة في مدارس لبنان إلى اختلاف في أساليب التعليم ومنهجيَّته، ممَّا ولَّد مجموعة مشكلات متأثرة بالمناخات السياسيَّة والوطنيَّة والاجتماعيَّة، انعكست على التربية كانعكاسها على كل المرافق[27].
هذا في التوصيف شبه النظري، ولكن لا بدَّ أن نتوقف أمام مسألة مهمَّة وهي الخلفيات الطائفيَّة وتأثيرها على المناهج وتحديدًا مناهج التربية على المواطنيَّة. فقد كرَّست المادَّة العاشرة من الدُّستور عام 1926 حقوق الطوائف لجهة إنشاء مدارسها الخاصَّة، وجاءت هذه المادَّة لتعلن أن هذه الحقوق لا يمكن أن تُمَس. ولم تعدَّل المادَّة في دستور الطائف.
ويشخِّص عبد الساتر (2000) الواقع التربوي بأنَّه مُقدِم على كارثة حقيقيَّة، فالتعليم، برأيه،”لم يشكِّل في نظر الدَّولة، ومنذ تأسيسها، أحد المرتكزات في تكوين المجتمع اللبناني، وخاصَّة فيما يتعلَّق بالهويَّة الوطنيَّة، لسببَين أساسيَّين؛ الأوَّل، التعليم الخاص الذي نشأ ونما قبل قيام الدَّولة، والثاني، التعقيدات الطائفيَّة التي تتحكَّم بالمسار العام للبنانيين وخصوصًا في الإطار التربوي. فالمجتمع الطائفي والطوائفي أقوى من الدَّولة وهي النَّاظم الأساسي للمجتمع. وعلى الرغم من الخلل الكبير في بنية النظام فقد ابتلع المجتمع الأهلي – الطائفي الدَّولة، ولا يزال يتابع عمليَّة الابتلاع المتواصلة[28]“.
ولا عجب أن يطالب أفلاطون الدَّولة بتولِّي مسؤوليَّة الإشراف التام على التعليم وعدم ترْكه في أيدي أفراد أو هيئات خاصة[29]. فالتربية هي إحدى أهمِّ مقوِّمات الاجتماع السياسي والوطني للمجتمعات، لكنَّ الاستقالة الاختيارية للدَّولة غيَّبت إلى حدٍ بعيد قيام نظام تربوي موحَّد، ناهيك عن الفشل في توحيد المؤسَّسات التربويَّة لوضع حدٍ للإمارات التربويَّة للطوائف. ولم تستطع الدَّولة، بفعل التأثير الطائفي لهذه المؤسَّسات، أن توحِّد الرؤية التربويَّة، وأن تلغي الجُزُر التربويَّة بمؤسَّساتها الطائفيَّة المنتشرة تبعًا للخريطة الطائفيَّة.
لقد جعلت الظروف الطارئة للبنان الطائفة أقوى من الدَّولة، حتى وجدت الأخيرة نفسها غير قادرة على طرْح كتاب موحَّد للتاريخ، يكون مقبولًا ومُعتمَدًا من المدارس. فبعد سنوات من الدَّرس (بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني) صدرت كُتُب التاريخ لمرحلة التعليم الأساسي لتضع هذه الخطوة حدًا للخلاف المزمن بين اللبنانيين على التاريخ وكتابته وتدريسه، وهو خلاف يدور حول رؤيتَين للكيان والوطن. ففيما “مفهوم الوطن في كُتُب المدارس المسيحية مستقلًا، والوطنيَّة هي الدِّفاع عن الاستقلال والولاء له، هو في كُتُب المدارس الإسلامية عربي الطابع وجزء من محيطه العربي الأوسع. وعليه فقد كان لكل من الكتابَين رؤيتهما المتفرِّدة للاستقلال والكيان، كما كان لكل طائفة بطلها أو أبطالها. وبالطبع لم تكن هناك فقط كُتُب في المدارس الإسلاميَّة والمسيحيَّة، بل كانت هناك كُتُب في المدارس الرسميَّة أيضًا، والملفت أنَّ هذه الكتب كانت متطابقة، إلى هذا الحد أو ذاك، مع كُتُب هذه المدارس أو تلك[30]“.
- إشكاليَّة مناهج التربية على المواطنيَّة والعوامل المؤثرة فيها
إنَّ الإشكاليَّة الكبرى التي تواجه المناهج الخاصَّة بالتربية على المواطنيَّة هي في تحديد الغاية التي يجب أن ترمي إليها هذه المناهج، ممَّا يقود إلى إشكاليَّة أخرى وهي: ماذا يجب أن تتضمَّن هذه المناهج لتحقيق هذه الغاية؟
إنَّ تحقيق المنهاج وتطويره يبدأ بتشخيص حاجات المجتمع ضمن النواحي التالية[31]: الفردية، لتحديد أي إنسان نريد، أو أي مواطن نريد؟ ونوع المعارف والمهارات والقيَم التي نتوقع منه أن يحصِّلها في كل مرحلة دراسية؟ وما يهمنا من هذه المعارف تلك المتعلقة بالشأن الوطني، وهنا لا بدَّ من طرْح التساؤلات التالية: هل نريد تطوير المجتمع ليصبح ديمقراطيًّا، تعدُّديًا، أو عكس ذلك؟ أمْ نريد التغاضي عن التعددية والافتراض بوجود لون واحد وفئة واحدة في المجتمع؟ باختصار، أي نوع من المواطنين نريد في المستقبل؟
يواجه اللبنانيّون مشكلة في منهاج التربية المدنيَّة لأنَّه يركِّز على تنمية المعارف أكثر منه على تربية المهارات والقيَم. وقد كان للتنوُّع الاجتماعي والسياسي أن أوجد صعوبات في مناهج التربية المدنيّة تعود إلى النظرة لمفهوم الوطن ومفهوم المواطنيَّة، ومنطلقات القيَم السياسيَّة والاجتماعيَّة لدى اللبنانيين، ويمكن أن يكون هناك توافُق سهْل حول قضيَّة الأخلاق المسلكيَّة، لكن مفهوم الوطن وحقوق المواطن وواجباته وعلاقته بالوطن وبالانتماءات الدِّينية موضوع شائك.
أوَّل ما ظهرت مناهج التربية المدنيَّة في لبنان كان عام 1946، فركَّزت على الأخلاق والأخلاق المسلكيَّة مع بعض المعطيات عن المؤسَّسات الدّستوريَّة القائمة في لبنان. وفي تعديلات المناهج عام 1962 وُضِعَت مناهج بعناوين تفصيليَّة للتربية المدنيَّة في مرحلتَي التعليم الابتدائي والمتوسّط دون توسُّع في المنهج. وفي مناهج المرحلة المتوسِّطة والثانويَّة عامَي 1968و 1970 وُضِعت عناوين فقط دون أي مضمون.
ظهرت مادَّة التربية الوطنيَّة في منهج التعليم الصادر بعد الاستقلال، في أوَّل تشرين الأوَّل 1946، في إطار مادَّة عامَّة تسمَّى مادَّة الأخلاق والتربية الوطنيَّة. ركَّزت في مرحلة الحضانة أو روضة الأطفال على “تغذية الأطفال بحب وطنهم بطريقة القصص والأناشيد والرسوم: العلم اللبناني، مناظر لبنان، النشيد الوطني، الأرض اللبنانية”. وفي مرحلة التعليم الابتدائي توزَّعت المادَّة على خمس سنوات، تندرج التربية على المواطنيَّة في سياقها على هذا النحو[32]:
“تفسير كل كلمة ترِد في القراءة والمحادثة من شأنها أن توقظ شعورًا وطنيًا”. و”توضيح مبدئي بسيط لكلمات مختارة، مثل: أمَّة، شعب، إدارة، نيابة عامَّة، جزاء نقْدي، مشاريع عامَّة، جمرك، رسوم، …إلخ”. أو “معلومات أوليَّة عامَّة عن شكْل الحكومة، السلطات، النظام البرلماني، النظام الإداري، النظام القضائي، درجات المحاكم، حُب الوطن والتضحية في سبيله، الدِّفاع الوطني، الخدمة العسكريَّة، الضرائب والرسوم، الاقتراع العام، واجبات الناخب، والأمن العام”.
أمَّا في مرحلة التعليم المتوسط، فنجد تحت عنوان “الأخلاق والشؤون المدنيَّة والوطنيَّة”، مادَّة موزَّعة على أربع سنوات، وهذه المادَّة هي في الحقيقة الإنجاز الرئيس لبرنامج 1946 في موضوع التربية على المواطنيَّة. فهي تستعيد وتوسِّع وتنظِّم مثيلتها في مرحلة التعليم الابتدائي، ولا يتجاوزها شيء على صعيد التعليم الثانوي، بالمعنى الضيِّق. والمراسيم الإصلاحيَّة التي صدرت في أعوام 1968، 1970، 1971، لا تأتي بجديد في موضوع التربية على المواطنيَّة، ففي مرحلتي الروضة والتعليم الابتدائي، أُعيد طرْح مادَّة المدنيَّات في إطار “منهج الاجتماعيات” مع مادَّتي التاريخ والجغرافيا. وبقي برنامج المرحلة المتوسطة للأخلاق والشؤون المدنيَّة والوطنيَّة على ما كان عليه.
- عدم إدراك أهميَّة التربية على المواطنيَّة في التعليم
لقد ذهب أفلاطون في كتابه “الجمهورية” إلى “اعتبار التعليم واحدًا من أهمِّ أعمدة الدَّولة الفاضلة، فهذه الأخيرة لا قيام لها بغير مواطنين صالحين، ولا سبيل إلى خلْق المواطن الصالح إلَّا من خلال نظام تربوي تعليمي مميَّز[33]“. وكرَّس أرسطو الفصل الأخير من “سفر السياسة” للحديث عن التربية، وجاء فيه “أنَّ من ضمن واجبات الحاكم أن يهتم بأمر تربية النشء[34]“.وفي العصر الحديث، راح مونتسكيو(Montesquieu) يعزو انتصار الرومان إلى روحهم البطوليَّة التي عزَّزتها عقيدتهم، وحيث ذهبت عنهم هذه الروح في ركاب انشغالهم بالغنائم وتأثرهم بعقائد الشعوب التي خضعت لهم، أفُل نجم الإمبراطورية الرومانية. كما نبَّه روسو إلى تأثير الثقافة والتنشئة الوطنيَّة على نظام الحكم وسياسته[35].
وكان ظهور كتاب “أمَّة في خطر” (Nation at Risk)، الذي وضعته لجنة رئاسية في الولايات المتحدة الأميركية عام 1983، مؤشرًا إلى ضرورة تأكيد أهميَّة التعليم في التربية على المواطنيَّة. “فالإحساس المتزايد بأنَّ النظام التعليمي الأميركي قاصر عن إعداد المواطن والمجتمع الأميركي دفع بالرئيس الأميركي رونالد ريغان إلى تكوين هذه اللجنة لمراجعة النظام التعليمي، واقتراح الاستراتيجيَّات والسياسات الكفيلة بتطويره، وانبرت كلُّ مؤسَّسات المجتمع الأميركي لتَدارُك مَواطن الضعف في هذا النظام[36]“. وقد تزامنت مع هذه المبادرة الأميركية، أو تبعتها مباشرة، مبادرات مماثلة في اليابان ودول أوروبا الغربية، ودول المعسكر الشرقي والهند وغيرها.
أمَّا في لبنان، فقد حدَّد تقرير أصدره المركز التربوي للبحوث والإنماء ست تحدِّيات تواجهها التربية مع مطلع القرن الحادي والعشرين[37]، يقتضي التوقف عند التحدِّي الثالث، وهو تحدِّي تحقيق الاندماج الوطني والاجتماعي، إذْ أنَّ قدْرًا من التفكُّك في المجتمع، وخصوصًا خلال فترة الأحداث، يتحمَّل قسطًا منه قطاع التعليم، لأنَّ مؤسَّسات هذا القطاع هي أبرز الجهات المسؤولة عن التنشئة الوطنيَّة، وعن تنمية مهارات الحوار وقبول الآخر.
- عدم التفريق بين تدريس التربية على المواطنيَّة والمواد الأخرى
إنَّ التربية على المواطنيَّة بمفهومها الحديث لم تعد محصورة في كتاب محدَّد، بل أصبحت أوسع وأشمل من ذلك بكثير، بحيث تتوزَّع أهدافها وأنشطتها على جميع المواد الدراسية، وهذا ما سعت إليه المناهج الجديدة في لبنان أقلَّه نظريًا، لكنَّ المادَّتين الأكثر صلة تقليدية بالمواطنيَّة هما التاريخ والتنشئة المدنية، وتُقدِّم هاتان المادَّتان بوضعهما الحالي أبلغ توصيف عن المأزق الذي تعاني منه التربية على المواطنيَّة في لبنان.
إنَّ المشكلة التي نعاني منها في لبنان، في موضوع التربية الوطنيَّة، هي أنَّ التعامل مع كُتُب التربية ومقرَّراتها هو كالتعامل مع سائر المواد والمقرَّرات، على الرَّغم من “أنَّ الفارق بين التربية الوطنيَّة وغيرها من المواد التعليمية هو أنَّالمعيار الحقيقي فيها هو سلوك الطالب داخل المدرسة وخارجها. ذلك لأنَّ طرائق الشَّرح والمحادثة والتمرين الكتابي المُعتمَدة في تعليم معظم المواد التعليميَّة ليست كافية لتكوين السلوك المدني – الوطني المطلوب[38]“. أمَّا بشأن الحاجة إلى كُتُب للتربية مستقلَّة عن باقي المواد، فالمشكلة “ليست في وجود كتاب مستقل للتربية الوطنيَّة، أو لا، لكنَّها في وجود تكامُل بين المواد التعليمية، وبين الأنشطة المختلفة على مستوى الأهداف. فالكتاب قد يكون في التاريخ، أو في الجغرافيا أو الفلسفة، أو قد يكون كتابًا مستقلًا. وهذا التكامُل يتم على مستوى المفاهيم (البيئة، السلام، الصحة، العدالة، الحرية، حقوق الإنسان)، ويكون على واضع المنهج أن يؤمِّن وجود هذه المفاهيم في الصف معين أو في مادَّة معينة[39]“.
وهناك قضية أخرى وهي مشكلة التلقين، فالتربية المدنية- المدرسية هي نقْل معارف ومهارات ومواقف سلوكية للناشئة، ومن الممكن أن يتم هذا النقْل وفق الأسلوب التقليدي، أي التلقين بالاستناد إلى كُتب مع وسائل إيضاح، ولكنَّ الموضوع يبقى بالدرجة الأساسية موضوعًا تلقينيًا. فعندما كنَّا نخضع للامتحانات الرسمية في مادَّة التربية المدنية كان المعلمون يمْلون علينا ماذا يجب أن نكتب في الامتحان الرسمي لكي يتناسب مع ما يريده المصحِّحون.
قضية أخيرة تتعلق بموضوع التربية المدنية وهي الملاءمة، فهل ما نضعه أو نقدِّمه من مواد للتربية مناسِب وعمْر التلميذ أم لا؟ فالنظرة إلى كُتُب التربية تشير إلى أنَّ المعارف الاجتماعيَّة لتلامذتنا محدودة جدًا بخلاف الدُّول المتطوِّرة في مجال التربية المدنيَّة وعلوم النفس والمنهج، حيث نجد أنَّ لديهم تصوُّرًا واضحًا عن اهتمامات التلامذة ومعارفهم وأعمارهم، وعن الذي يقرؤونه ويكتبونه، والبرامج التي يشاهدونها. ويمكن معالجة موضوع الملاءمة هذا في أن يُسأل المتعلِّمون عن رأيهم في المنهج المقرَّر لهم قبل كتابته، فيؤدي اختبار ردود أفعالهم عليه في تكوين المادَّة الأنسب.
3-6- إشكالية الحلول التربوية للواقع التعدُّدي
تبقى ظاهرة التعدُّد أو التنوُّع الديني، والطائفي أو المذهبي هي الظاهرة الأكثر تعقيدًا في لبنان. وتبقى المحاولات الجادَّة، على أهميتها، من دون جدوى ما لم يتوافر لها المناخ الملائم للأخذ بها، ووضْعها موضع التنفيذ. “والاقتراحات التي طُرحت في محاور التعدُّدية والتربية الدينية والأخلاقية، والتعدُّدية وإعداد المعلمين، لا يمكن أن تعطي ثمارها ما لم يقتنع بها المعنيون على المستويين التربوي والسياسي. وشعار “وبالتربية نبني معًا” يلقي على عاتق الجميع مسؤوليَّة التفكير والبحث عن الأساليب والوسائل الناجعة التي يمكن أن تساعد في بناء المواطن على أُسُس تربويَّة وعلميَّة مركَّبة، تأخذ بالاعتبار الواقع اللبناني في كلِّ مشكلاته وتعقيداته، وعلى الأخص تلك المتأتية من التعدُّدية والتنوُّع وما خلَّفته من انعكاسات اجتماعيَّة واقتصاديَّة وسياسيَّة، كادت تقضي على كلّ مقوِّماته”[40].
تقدمت “حركة حقوق الناس” خلال إعلان كتاب “التعليم الديني الإلزامي في لبنان” في 8/3/2002باقتراح لمعالجة إشكالية التعدُّدية من خلال التربية وتضمَّن خمس نقاط هي: إدخال ما يسمَّى “التنشئة على عدم التمييز الطائفي” في المراحل التعليمية كافة، كجزء لا يتجزأ من “الثقافة الإنسانية حول المعتقدات”؛ منْع فصْل التلاميذ بحجة التعليم الديني؛ اعتماد منهاج أو مادة “ثقافة إنسانية حول المعتقدات” لا تعليم ديني أو تربية دينية؛ يدرِّس ذلك المنهاج أو المادَّة معلمون وأساتذة متخصصون في مجال التربية والتيارات الدينية؛ إعداد كُتُب مدرسية في “التنشئة على عدم التمييز الطائفي” بمعدَّل كتاب واحد لكل مرحلة تعليمية تكون بمثابة دليلًا للمعلم.
ومن الحلول أيضًا اقتراح مشروع القانون الذي تقدَّمت به لجنة التربية النيابية والقاضي بإعداد كتاب موحَّد لـ”الثقافة الدِّينية والإيمانية” ليدرَّس في مختلف المدارس اللبنانية. وقد عمِل المركز التربوي مباشرة على تأليف لجنة لمتابعة ذلك الموضوع ووضْع تقرير خلال فترة خمسة عشر يومًا، ولكن لسوء الحظ لم يرَ الكتاب النور حتى تاريخه.
الخلاصة والتوصيات :
إنَّ ما يمكن إيجازه في نهاية هذا البحث هو:
- إنَّ العوائق والصعوبات التي تعترض الاشتراك الفعلي للنظام التربوي في بناء المواطنيَّة ليست كلها من صنع هذا النظام، إنَّما معظمها عبارة عن أسباب أُقحمت عليه من خارجه، أو آلت إليه من العقود الغابرة، دون أن تتأثر بما أصاب العالم من تطوُّر. فغياب الاهتمام الرسمي بالتربية لا يحمل وزْره النظام التربوي، كما لا يحمل وزْر الصعوبات الناتجة عن بعض طائفيَّة التعليم، وغموض المناهج واختلاف النظرة إلى التاريخ، وإلى مفهوم تدريس التربية على المواطنيَّة، فهذه كلها مؤشرات قد لا تُنتج تربية على المواطنيَّة.
- يعاني النظام التربوي من أزمة بنيوية يتداخل فيها الجمود الإداري مع السياسي والطائفي، وتتمظهر هذه الأزمة في غياب الإصلاحات التربوية التي يفرضها تطور الأهداف التربوية ومتطلبات القرن الواحد والعشرين.
- بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إقرار وثيقة الوفاق الوطنيلم يولد كتاب التاريخ الموحَّد بعد، كما لم يتم التوافق على تربية وطنية شاملة لكل المؤسَّسات التعليمية، ولا زالت كل طائفة تدرِّس التاريخ الخاص بها.
- تفتقر الفلسفة التربوية إلى التركيز على القواسم المشتركة في مجتمع متعدد، من الديني إلى الثقافي والاجتماعي والوطني، وصولًا إلى التاريخي، فيُبنى على الإفادة من التجارب واكتساب العِبر وليس التركيز على الاختلافات.
- إنَّ تعديل المناهج وإدماج التربية على المواطنيَّة في المواد، ووضْع روزنامة زمنيَّة تعدَّل المناهج بموجبها وبما يتناسب مع التطورات المعرفية والتكنولوجية والاجتماعية، كل هذا يمكن أن يجعل من النظام التربوي المصدر الفعلي لبناء المواطنيَّة وحافزًا للمؤسسات الأخرى للعب الدور نفسه.
قائمة المراجع :
- أبو حيدر (شوقي)، “الفلسفة التربوية في لبنان”، مجلة الأبحاث التربوية، كليّة التربية، الجامعة اللبنانية، العدد 20، 1997، 45-71.
- أرسطو، السياسات؛ ترجمة وتعليق الأب أوغسطينوس البوليسي، ط1، بيروت: اللجنة الدولية لترجمة الروائع الإنسانية، 1957.
- الأمين (عدنان)، “المشاكل المتعلقة بمنهاج التربية المدنية”، مجلة أبعاد (بيروت)، العدد 1، أيار 1994، 47- 50.
- الأمين (عدنان) وآخرون، المواطن والتربية المدنية في لبنان: دليل المعلم، لا ط.، بيروت: المركز اللبناني للدراسات، لا ت.
- بدر (ميشال)،عوكر (حنا)، مقرَّر التربية على المواطنيَّة، بيروت: المركز التربوي للبحوث والإنماء، 2010.
- بركات (حليم)، “المجتمع اللبناني: فسيفسائي أم تعددي؟”، مجلةمواقف (بيروت)، العدد 1، تشرين الأول/ تشرين الثاني 1968، 108-125.
- بشور (نجلاء نصير)، القضية الفلسطينية والوحدة العربيَّة في مناهج التعليم في الأردن وسوريا ولبنان، ط1، بيروت: المؤسَّسة العربيَّة للدراسات والنشر، 1978.
- الدجاني (أحمد صدقي)، مسلمون ومسيحيون في الحضارة العربيَّة الإسلامية، القاهرة: مركز يافا للدراسات والأبحاث، 1999.
- دي جوفنيل (هوغ)، ماذا عن التربية للمستقبل، ط1، باريس: المنظمة العربيَّة للتربية والثقافة والعلوم، 1978.
- الجسر (باسم)، ميثاق 1943، ط1، بيروت: دار النهار للنشر، 1997.
- الجمهورية اللبنانيَّة، مجلس النواب، البيانات الوزارية، مج1، بيروت: مجلس النواب، 1945.
- الجمهورية اللبنانية، مجلس النواب، وثيقة الوفاق الوطني، 1989.
- حريق (إيليا)، “ماهية الدَّولة ومسؤولياتها”، صحيفة النهار، العدد21016، الصادر في 13/5/2001.
- حماد (مجدي)، العسكريون العرب وقضية الوحدة، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، 1987.
- شميطلي (عبد الوهاب)، “تقنيات تعليم التربية المدنية المدرسية”، مجلة أبعاد (بيروت)، العدد 2، أيلول 1994، 53 – 57.
- صعب (أديب)، الدين والمجتمع، ط 2، بيروت: دار النهار، 1995.
- عبد الساتر (فيصل)، “أزمة تربوية مفتوحة على كارثة حقيقية”، صحيفة السفير، العدد 8721، الصادر في 4/10/2000.
- علاء الدين (رياض)، “التعاون بين المدارس وسائر المؤسَّسات التعليمية”، صحيفة الحياة، العدد 14192، الصادر في 26/1/2002.
- غالي (بطرس)، عيسى (خيري)، المدخل في علم السياسة، ط7، القاهرة: مطبعة الأنجلو المصرية، 1975.
- فريحة (نمر)، “المناهج المدرسية: تنسيقها وتطويرها”، ورقة قُدمت ضمن فعاليات مؤتمر التربية المدنية في العالم العربي، الذي أقامه المركز اللبناني للدراسات في بيروت، 2 – 3 أيلول 1994.
- قسطنطين (نبيل)، “التعددية والحلول التربوية في لبنان”، جريدة الأخبار، السنة السادسة، العدد 1517، الأربعاء 21 أيلول 2011.
- القصيفي (جورج)، المواطَنَة والديمقراطية في البلدان العربيَّة، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، 2001.
- الكواري (علي خليفة)، “مفهوم المواطَنَة في الدَّولة الديمقراطية”، في المواطَنَة والديمقراطية في البلدان العربيَّة، ط1، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربيَّة، كانون الأوَّل 2001، 13-41.
- المركز التربوي للبحوث والإنماء، “تطوُّر التربية: التقريرالوطني للجمهورية اللبنانية”، تقرير قدمه المركز التربوي إلى الدورة 46 للمؤتمر الدولي الذي عُقد في جنيف بين 5 و7 أيلول 2001.
- المشاط (عبد المنعم)، التربية والسياسة، ط1، القاهرة: مركز ابن خلدون، 1992.
- المنوفي (كمال)، “التنشئة السياسيَّة في الأدب المعاصر”، مجلَّة العلوم الاجتماعية (القاهرة)، السنة 6، ع4، يناير 1979، 7-28.
- النجَّار (فريد)، تطوُّر الفكر التربوي، ج1، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، 1980.
- نصَّار (ناصيف)، في التربية والسياسة، ط1، بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2000.
- هواري (زهير)، “الوقائع التاريخية بدلًا من أيديولوجيا الانقسامات اللبنانية”، صحيفة السفير، العدد 9012، الصادر في 25/9/2001.
- هيئة جودة التعليم والتدريب في البحرين، إدارة مراجعة أداء المدارسالحكومية، دليل مراجعة أداء المدارس، 2019.
- وطفة (علي)، علم الاجتماع التربوي، ط1، دمشق: مطبعة الاتحاد، 1993.
- وطفة (علي)، “الإلكترونيات والاغتراب النفسي”، مجلَّة الطيران المدني (جدَّة)، ع 19، 1996، 56 – 73.
- Encyclopedia Britanica, Inc., The New Encyclopedia Britanica, vol 20.
- Gabriel Almond and Sidney Verba, He Civic Culture Revisited, Boston: Little Brow, 1980.
- Almond and B. Powel, Comparative Politics: A Developmental Approach, Little Brown and Co., 1966.
- Herbert Hymen, Political Socialization: A Study in the Psychology of Political Behavior, New York: Free of Glencoe, 1959.
- Kennth Langton, Political Socialization, Boston: Little Brown, 1969.
- Ludwig Feuerbach, The Essence of Christianity, New York : Harper, 1957.
- World Book International, The World Book Encyclopedia, vol. 4, London: World Book.
[1]ميشال بدر، حنا عوكر، مقرَّر التربية على المواطنية، ص 12.
[2]أُنظر: أديب صعب، الدين والمجتمع، ص 13.
[3]Ludwig Feuerbach, The Essence of Christianity, p. 274.
[4]أديب صعب، الدين والمجتمع، ط2، ص 80-82.
[5]ريمون ملّاط، لبنان ما بين المأزق والحل، ص 148.
[6]نبيل قسطنطين، التعددية والحلول التربوية في لبنان، جريدة الأخبار، السنة 6، العدد 1517، الأربعاء 21 أيلول 2011، ص 16.
[7]حليم بركات، “المجتمع اللبناني: فسيفسائي أم تعددي؟”، مجلة مواقف، العدد 1، بيروت، تشرين الأول/ تشرين الثاني 1968، ص 110.
[8]عبد المنعم المشاط، التربية والسياسة، ص 58.
[9] Herbert Hymen, Political Socialization: A Study in the Psychology of Political Behavior, p.250.
[10] Go Almond and B. Powel, Comparative Politics: A Developmental Approach, p.70.
[11]Kennth Langton, Political Socialization, p.40.
[12]كمال المنوفي، “التنشئة السياسيَّة في الأدب المعاصر”، مجلة العلوم الاجتماعية (القاهرة)، السنة 6، ع4، يناير 1979، ص 13.
[13] Encyclopedia Britanica, Inc., The New Encyclopedia Britanica, vol 20, P. 332.
[14] World Book International, The World Book Encyclopedia, vol. 4, p. 15.
[15]أحمد صدقي الدجاني، مسلمون ومسيحيون في الحضارة العربيَّة الإسلامية، ص 96.
[16]علي خليفة الكواري، “مفهوم المواطَنَة في الدَّولة الديمقراطية”، في المواطَنَة والديمقراطية في البلدان العربيَّة، كانون الأوَّل 2001، ص 23.
[17]جورج القصيفي، المواطَنَة والديمقراطية في البلدان العربيَّة، ص43.
[18]فريد نجار، تطوُّر الفكر التربوي، 1/18.
[19]فريد نجار، تطوّر الفكر التربوي، 1/18.
[20]باسم الجسر، ميثاق 1943، ص 10.
[21]باسم الجسر، ميثاق 1943، ص 61.
[22]الجمهورية اللبنانيَّة، البيانات الوزارية، ص 73.
[23]شوقي أبو حيدر، “الفلسفة التربوية في لبنان”، مجلة الأبحاث التربوية، كليّة التربية، الجامعة اللبنانية، العدد 20، 1997، ص51.
[24]شوقي أبو حيدر، “الفلسفة التربوية في لبنان”، مجلة الأبحاث التربوية، كليّة التربية، الجامعة اللبنانية، العدد 20، 1997، 52.
[25]مجلس النواب اللبناني، الوثائق الدّستورية، ص 152.
[26]الجمهورية اللبنانية، مجلس النواب، وثيقة الوفاق الوطني، ص 7.
[27]رياض علاء الدين، “التعاون بين المدارس وسائر المؤسَّسات التعليمية”، صحيفة الحياة، العدد 14192، الصادر في 26/1/2002.
[28]فيصل عبد الساتر، “أزمة تربوية مفتوحة على كارثة حقيقية”، صحيفة السفير، العدد 8721، الصادر في 4/10/2000.
[29]بطرس غالي، خيري عيسى، المدخل في علم السياسة، ص 38.
[30]زهير هواري، “الوقائع التاريخية بدلًا من أيديولوجيا الانقسامات اللبنانية”، صحيفة السفير، العدد 9012، الصادر في 25/9/2001.
[31]نمر فريحة، “المناهج المدرسية: تنسيقها وتطويرها”، ورقة قدمت ضمن فعاليات مؤتمر التربية المدنية في العالم العربي، بيروت، 2 – 3 أيلول 1994.
[32]ناصيف نصار، في التربية والسياسة، ص 23.
[33]بطرس غالي، خيري عيسى، المدخل في علم السياسة، ص 38.
[34]أرسطو، السياسات، ص 419.
[35]Gabriel Almond and Sidney Verba, He Civic Culture Revisted, p.5.
[36]عبد المنعم المشاط، التربية والسياسة، ص 16.
[37]المركز التربوي للبحوث والإنماء، “تطوُّر التربية: التقرير الوطني للجمهورية اللبنانية”، مقدَّم إلى الدورة 46 للمؤتمر الدولي في جنيف بين 5 و7 أيلول 2001.
[38]عدنان الأمين وآخرون، المواطن والتربية المدنية في لبنان: دليل المعلم، ص 14.
[39]عدنان الأمين، “المشاكل المتعلقة بمنهاج التربية المدنية”، مجلة أبعاد (بيروت)، العدد 1، أيار 1994، ص 48.
[40]نبيل قسطنطين، التعددية والحلول التربوية في لبنان، جريدة الأخبار، السنة 6، العدد 1517، الأربعاء 21 أيلول 2011، ص 16.