 
                
بيداغوجيا التركيب عند ادغار موران أو نحو براديغم جديد للتفكير في العالم
The pedagogy of complexity by EdgarMorin: a new paradigm of world thinking
د.محمد شرقي/المركز الجهوي لمهن التربية و التكوين، مراكش، المغرب
Dr.MOHAMMED CHERKE/CRMEF/Marrakech
مقال منشور في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 67 الصفحة 101.
ملخص:حاولنا من خلال هذا المقال تناول مفهوم التركيب عند ادغار موران وركزنا بشكل خاص على الجانب البيداغوجي في أفق التعرف على موقفه من البيداغوجيا و العمل التربوي بشكل عام . وارتأينا في هذا الإطار، و لكي نفهم بشكل أفضل مشروعه البيداغوجي الذي ينهل من فلسفته التركيبية و نظرته الشمولية للفكر و للعالم، أن نحاول موضعته ضمن تاريخ الفكر التربوي حتى يتسنى لنا الوقوف على إضافاته النوعية في هذا المجال .
كلمات مفتاحية: بيداغوجيا-تعلم-تعقيد-نسق- أهداف تعليمية-كفايات –وضعيات مشكلات .Abstract :
Through this article, we tried to address the concept of complexity by Edgar Morin, and we focused in particular on the pedagogical aspect on the horizon to identify his position on pedagogy and educational work in general. We saw in this framework, and in order to better understand his pedagogical project that draws from his structural philosophy and his holistic view of thought and the world, that we try to place it within the history of educational thought so that we can stand on its specific additions in this context.
Keywords: Pedagogy – learning – complexity – system – educational objectifs – competencies – situations-problems.
تقديم:
يلزم الإشارة منذ البداية أنه يصعب الحديث بشكل جامع مانع كما يقول المناطقة عن فكر ادغار موران و ذلك لأن الرجل يعتبر مفكرا فريدا من نوعه تشهد أعماله الكثيفة والغزيرة والمتنوعة على فكر حديث يتموضع بجرأة في هذا العالم و مشاكله و لا يكف عن مساءلته و الغوص فيه . ويعود إليه الفضل الكبير في الدعوة الدائمة للتحرر من المقولات الجاهزة [1]“catégories”. أكثر من ذلك فهو ليس مجرد فيلسوف بل هو مبدع و مبتكر لمفاهيم جديدة، فالذي يقرأ له يستطيع أن يلاحظ الخصوبة النظرية لتصوراته الموجودة في قلب التركيب المعقد[2].بالرغم من النفحة التشاؤمية و اللايقين التي أصبحت تطبع مواقفه إزاء الأوضاع التي آلت إليها الحضارة الغربية و ما يتجه إليه العالم اليوم من تفاهة و بؤس وهو ما نلمسه من خلال كتابيه: إلى أين يسير العالم؟ و هل نسير إلى الهاوية؟ [3]إضافة إلى منشوراته الأخيرة حول هذا الوباء الذي لا شك أنه ستكون له تبعات كثيرة على مستوى مستقبل الإنسانية.[4]
سنحاول على امتداد هذا المقال تقديم جانب من جوانب هذا الفكر المتعدد المباحث، و بشكل خاص ذاك المتعلق بالمجال البيداغوجي ورؤية موران للعمل التربوي بشكل عام، ذلك انه من خلال هذا الجانب فقط يمكن، حسب اعتقاده، أن نشكل عقولا تكون قادرة على فهم هذا العالم المركب و المعقد بطبيعته . ولإدراك قيمة هذا البراديغم الجديد لابد من موضعته ضمن تاريخ البيداغوجيا و الفكر التربوي بشكل عام: كيف كانت تشتغل البيداغوجيا التقليدية؟ ما هي خصائصها؟ وكيف تم الانتقال إلى بيداغوجيا لاحقة ستوسم بالحداثة ؟ كيف تكونت هذه البيداغوجيا؟ و كيف تطورت ؟ ما هي خصائصها؟ وما هي تمظهراتها ؟ لنخلص في الأخير إلى التساؤل عن جديد بياغوجيا التركيب وما هي إضافاتها النوعية لتاريخ التربية؟ والى أي حد يمكن تبنيها وأجرأتها داخل مناهجنا التعليمية؟. هذه الأسئلة وغيرها هي ما سيشكل خريطة هذا المقال.
محطات أساسية في تاريخ الفكر التربوي:
يمكن أن نبدأ في التاريخ لهذا الفكر و نحدد أصوله منذ بداية تشكل الفكر الفلسفي في اليونان ومتابعة أهم ملامحه، سواء من خلال بعض الأفكار التي نجدها على شكل شذرات أو أقوال متفرقة هنا وهناك، أو عبر تأمل بعض الممارسات التربوية خلال تلك الفترة، خصوصا مع التيار السوفسطائي مع أبرز ممثليه في تلك المرحلة، بروتاغوراس Protagoras وجورجياس Gorgias، اللذين استغلا الفراغ الفكري في العصر اليوناني، و كذا الحاجة الملحة لدى “الطبقة” الارستقراطية و تعطشها للحكم في ظل النظام الديموقراطي الصاعد آنذاك، و قدما نفسيهما باعتبارهما مالكين للمعرفة و يمكن أن يعلماها لكل من أراد ذلك، ،هم المالكون وحدهم لفن القول والخطابة والمنطق (ولو كان مغالطيا) و الآخر المتعلم عليه أن يتعلم فقط و يجيد الإنصات .
هذا التصور سيجد امتدادا له كذلك مع أفلاطون Platon ، رغم التعارضات البينة بينهما، خلافا لسقراط Socrateصاحب المايوتيك أو فن التوليد la maïeutique، والذي انتبه مبكرا إلى مدى قدرة الإنسان على معرفة نفسه بنفسه من خلال امتلاكه للعقل(الذي هو “أعدل قسمة بين الناس” كما يذكر ديكارت و الذي وضمن سياق ابستيمولوجي آخر وضمن تاريخ آخر :القرن السابع عشر سيعول عليه وحده في إثبات الذات والعالم الخارجي ومعرفة كل الأشياء بشكل يقيني، شريطة أن تسن له قواعد تحدد له طريقة اشتغاله حتى لا يزيغ عن سكة الصواب ) و أنه يكفي استفزاز و إثارة هذا العقل عن طريق السخرية و التهكم لإنتاج المعرفة مشبها تلك العملية بمهنة أمه حيث يقول : ” إذا كانت أمي تولد الأجسام فاني أولد العقول” .
إن فن التوليد هذا أو المايوتيك سيمثل أول اشراقة في تاريخ الفكر البيداغوجي والذي سيتم إعادة اكتشافه مع بداية القرن العشرين، حيث اكتمال تبلور بيداغوجيا حديثة تراهن على بناء القدرات والكفايات، وحيث المعرفة تمثل مدخلا فقط وان كان ضروريا لبناء مثل تلك القدرات.
مع أفلاطون وتماشيا مع نسقه الفلسفي العام و تصوراته حول العدالة الاجتماعية و بنية المجتمع اليوناني بفئاته الثلاث :فئة العمال، فئة الجنود وفئة الفلاسفة، المؤهلين وحدهم لقيادة المدينة، ستعطى المشروعية الكاملة لبيداغوجيا الإلقاء و لهذه الهيمنة و هذا التحكم من لدن فئة اجتماعية واحدة تمتلك الحكمة على حساب الفئات الأخرى و التي ينحصر دورها فقط في تهيئ كل الظروف المناسبة لمزاولة التفكير من قبل فئة هي المؤهلة لذلك : فئة الفلاسفة.
هكذا فالبدايات الأولى للفكر التربويبل لعلوم التربية، كما يعتقد البعض، تعود إلى هذه المرحلة (النصف الثاني من القرن الخامس ق.م) للإجابة عن حاجيات و رغبات النظام السياسي الديمقراطي للمدينة la cité . إن الأمر يتعلق أساسا بتكوين مواطنين قادرين على تدبير الأشغال العمومية . ومن أجل تحقيق ذلك، تحقيق هذا الغرض النفعي utilitaire سيظهر تصوران متعارضان :التصور السفسطائي المحترف الذي عرضنا له فوق مثال بروتاغوراس(411-485 ق.م) والذي يتمثل” الهدف من التعليم بالنسبة إليه ليس في الوصول إلى الحقيقة ولكن في معرفة كيف نصبح أكثر نفعا بأفعالنا وخطابنا”[5] أي اكتساب فن الإقناع عن طريق الخطابة ذلك أن “الإنسان هو مقياس كل الأشياء”, وتصور آخر لأفلاطون الأرستقراطي و الذي بعد تجارب سياسية مؤلمة سيفتح في أثينا حوالي 387 ق.م و في حديقة أكاديميته مدرسة من نوع خاص داخلها سيولد كتاب الجمهورية والذي يقدم فيه عرضا متميزا لنظام بيداغوجي يراه صالحا لجمهوريته.
عكس السفسطائيين يعتقد أفلاطون(347-427) في وجود الحقيقة كواقع متعال و مجرد و هي توجد في العالم العلوي عالم الأفكار. ومن ثم فوظيفة التربية تتمثل في الكشف عنها و هي لا تختلف أو لا يمكن أن نفصلها عن الخير والجمال. كما أن التعليم الفكري لا يمكن فصله عن الأخلاق والاستيتيقا. إن الأمر يتعلق حسبه بتكوين أفراد فضلاء vertueux يفكرون بشكل جيد والذين سيصبحون حكاما- فلاسفة للمدينة الفاضلة/الجمهورية.
يتعلق الأمر إذن بنظام تربوي أكثر نخبوية يهم فقط العقول المتميزة. إن النظام المقصود هنا هو أصلا نظام أرستقراطي يديره ويسيره “حراس” خضعوا لتكوين مكثف و طويل [6]
أما التجربة السقراطية فتحتل مكانة خاصة و متميزة في تاريخ التربية، أولا لأنه يؤكد أنه لا يعرف أي شيء وهذا الإنكار، و إن كان يمثل مفارقة بالنسبة للبيداغوجي لأن البيداغوجي من المفترض بل من اللازم أنه يعرف، له دلالة خاصة .” انك أنت أكثر الناس علما لأنك تعرف أنك لا تعرف” هكذا خاطبه الكاهن في معبد دلفيسDelphes . ليس لديه إذن أي شيء يمكن أن ينقله أو يمرره للآخرين، فبالنسبة إليه كل فرد يمتلك داخله معرفة (كامنة) شأنه في ذلك شأن المرأة الحامل التي تحمل جنينها في بطنها ووظيفة البيداغوجي مماثلة لوظيفة المرأة القابلة(تلك كانت وظيفة أمه Phénaréte) توليد الأفكار وإخراج الحقائق التي يملكها كل واحد منا في ذاته. انه المايوتيك أو فن التوليد. و هذا ما نقرأ ه في محاورة تييتيت Théétète لأفلاطون ” إن فني في التوليد له كل الخاصيات التي توجد لدى النساء القابلات. إن الذين يقصدونني يقدمون الانطباع أنهم جهلاء وهم لا يتلقون مني أية معرفة لكن من داخلهم ومن عمقهم نصل إلى اكتشافات جميلة و إلى حقائق جديدة وذلك بفضل مجهودهم الخاص”.[7]
إن فن التوليد لدى سقراط يتمثل في فعل الحوارdialoguer وطرح أسئلة توجه المتعلم و تقوده و تأخذ بيده حتى يصل إلى اكتشاف الحقيقة. غيـر أنه وإذا احتفظنا بنفس الاستعمال المجازي السابق(البيداغوجي-المولدة) فأن العملية قد تنجم عنها ولادة غير صحيحة fausse couche وذلك لأن الأسئلة المطروحة في الأصل من قبل سقراط تقوم على السخرية والاستهزاء و تخلق الفراغ في ذهن محاوريه الذين سرعان ما يدركون أن ما كانوا يومنون به و يعتقدونه (يحبلون به) ليس سوى أوهام .
يتمثل الهدف الوحيد من التعليم السقراطي في النهاية في مساعدة الذات على معرفة نفسها بنفسها تماشيا مع القاعدة التي يستعيرها من كاهن معبد دلف ” اعرف نفسك بنفسك” toi même connais- toi” وهو بهذا يمثل نموذجا لكل بيداغوجيا مستقبلية تريد أن تكون منتجة وفعالة.
هكذا فتاريخ التربية و منذ المرحلة الإغريقية لا يخلو من أسماء وازنة ساهمت، بهذا القدر أو ذاك، في بلورة فكر بيداغوجي متقدم يراهن على بناء فرد متحرر يبني تعلماته بذاته ويتحرر من التلقي السلبي للمعارف .
مع عصر الأنوار سنجد أنفسنا أمام مرحلة مفصلية في هذا الشأن حيث سيبدأ في التبلور ، و لأول مرة، خطاب جديد و متقدم حول التربية . خطاب يظهر فيه موضوع التربية كموضوع مستقل . وهكذا فإذا كان الحديث عن التربية و البيداغوجيا يتم دائما في إطار أنساق فلسفية ويظل مرهونا بها ، مقيدا و مسيجا بأطروحة هذا الفيلسوف أو ذاك، فإننا مع جان جاك روسو سنجد أنفسنا أمام مؤلف موضوعه التربية، انه كتاب “أيميل أو التربيةEmile ou de l’éducation ” الصادر سنة 1762 و الذي سيكون موضوعه ” فن تكوين الناس”” l’art de former les hommes .
يفصح روسو في هذا المؤلف عن مبدئه الثابت والذي مفاده “أن الطفل يولد خيرا بطبعه و المجتمع هو الذي يفسده”، و يصف، مرحلة بعد مرحلة، التربية المثالية للطفل الصغير منذ ولادته حتى بلوغه سن الرشد مؤكدا عل أنه من الضروري أن تكون لدى هذا الطفل رغبة في التعلم و أن يعرف حرفة يدوية و هي مسألة كانت نادرة عند نبلاء تلك الفترة .كما يرفض روسو كل تربية تتأسس على مبدأ السلطة و التي تضع إرادة الطفل تحت رحمة سيده المعلم يفعل به ما يريد . عكس ذلك يؤكد روسو على ضرورة ترك الطفل ينمو و يكون ذاته بذاته من خلال مواجهته للطبيعة والآخرين و المجتمع . إن المربي، من منظور “التربية الطبيعية “أو “التربية السلبية” كما يسميها البعض، يتخذ دور المرافق و المصاحب للطفل الذي يعمل على مساعدته مع احترام كلي لإرادته الحرة . تلك هي مهنة المربي الحقيقية حسب روسو “فأن يحيا الطفل، تلك هي المهنة التي أريد أن أعلمه “[8]“vivre est le métier que je veux lui apprendre”
وهكذا يقدم هذا البرنامج البيداغوجي المثالي نظرة متقدمة للطفولة كمجال للخلق والإبداع و التفتح الذاتي .وهو تصور ستكون له امتدادات في المستقبل، خصوصا مع ظهور النظرية التطورية التي ستعطي أهمية كبرى للمجهود الذي يمكن أن يقوم به الفرد في أفق تكيفه مع الطبيعة وحيث إن الكائن العضوي حسبها لا يكفيه فقط امتلاك صفات فطرية لكي يعيش،،بل يتعين عليه أن يطورها باستمرار لكي يستطيع مواجهة مستجدات العالم الخارجي ومن ثم المحافظة على ذاته وضمان استمراريته .
وهنا تكمن أهمية التربية حيث إنها، كما يقول سبنسر Spencer، ملزمة بتسليح الفرد ومده بكل الأسلحة الضرورية و الأدوات الممكنة التي يستطيع بواسطتها أن يواجه العالم الخارجي ويضمن من ثم استمراره في الحياة و يكتسب طباعا و خاصيات محددة دون أن ننسى ، كما يقول، اللاتكافؤ الطبيعي بين الأفراد [9] .
هذا الفكر الجديد و المتنور ، ستكون له امتدادات في سويسرا كذلك ، خصوصا مع بيستالوتزي Johan Heinrich Pestalozzi(1746-1827) الذي تأثر كثيرا بروسو و الذي أسس مدرسة ارتأت مساعدة الطفل في الحياة الواقعية مع العمل على تنويع تلك الحياة حسب الطبقات الاجتماعية.وبالنسبة إليه تمثل الأسرة أرقى و أهم وسط تربوي.
خلال القرن العشرين ستتغير موضوعة البيداغوجيا la notion de pédagogieو ستتحول إلى ممارسة أي مجموعة من الطرق التعليمية، ومن ثم سيجهد البيداغوجيون أنفسهم لاستعمال و توظيف بعض المبادئ السيكولوجية وهنا ستظهر حركة التربية الجديدة l’éducation nouvelle والتي تنظر إلى التربية باعتبارها فعلا شموليا لتكوين الشخص و ليس فقط مجرد إعادة نقل للمعارف .
في أوروبا الغربية سيتم التركيز على الطفل كفرد أما في الجناح الاشتراكي، أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفياتي، فسيتم التركيز على البعد الاجتماعي .
أما في الولايات المتحدة الأمريكية فستتخذ البيداغوجيا معنى براغماتيا و تجريبيا وحيث سيمثل جون ديويJohn Dewey، إلى جانب شارل ساندر بيرس Charles Sander Peirce ، منعشا و مطورا للتربية الجديدة l’éducation nouvelle ورائدا مهما من روادها ومدافعا عن طرق اشتغالها التي يعتبرها ضرورية للديمقراطية .إن المعرفة و الفهم، في اعتقاده يولدان و يتأسسان عند المتعلم من خلال العلاقة التي يبنيها مع العالم الخارجي. وهي عملية تلعب فيها التجربة دورا مركزيا و تقوم مقام المعلم. إن المعرفة لا تتم عبر الولوج المباشر للأفكار والمعارف. إنها قبل كل شيء تمثل جوابا أو حلا لمسألة، وهو حل يتم بناؤه بشكل تدريجـي وخطوة خطوة بواسطة منهاج ومن خلال عملية بحث و تقصي. وهذا هو المسار الذي يتحتم على المدرسة أن تنهجه وأن تتيح اكتسابه للأطفال[10].
ضمن نفس التوجه، فهم المتعلم وتوفير كل الفرص له لكي يتعلم بنفسه و التأكيد على مبدأ القابلية للتعلمl’éducabilité، تمثل ماريا مونتيسوري Maria Montessori أحد الأوجه البارزة لهذا التيار الحديث (تيار التربية الجديدة) . لقد ابتدأت مونتيسوري تجربتها التربوية كطبيبة تكلفت بأطفال كان يتم نعتهم بالمتخلفين أو الأغبياء. وإيمانا منها أن هؤلاء الأطفال يمكنهم تطوير قدراتهم، إن أتيحت لهم الظروف الملائمة لذلك، ستشرع في تطوير مجموعة من الأدوات لكي تساعدهم على تعلم الكتابة والقراءة . هكذا وابتداء من 1907 ستقدم طريقتها البيداغوجية، وهي طريقة سيتم تبنيها من قبل كثير من الدول، طريقة تؤكد في المقام الأول على احترام قدرات المتعلم و إمكاناته: فإذا “أردنا للإنسانية أن تتقدم، فانه يلزم أن نعرف الطفل أكثر و أن نساعده”. و بشكل خاص، أن نحترم ما تسميه بمداه الحيوي son élan vital أي الجانب النفسي الدينامي لديه sa psychique dynamique و الذي يدفعه للاكتشاف و الغوص في محيطه ومن ثم اكتساب معارف جديدة [11]
هكذا ينبغي أن ندرك التربية باعتبارها مساعدة للطفل من أجل الحياة « une aide à la vie » .
أما في فرنسا ومنذ 1918 سيؤسس أدولف فيرييرAdolphe Ferriére ، سيليستان فرينيCelestin Freinet و أوفيد ديكروليOvide Decroly ببلجيكا التربية الجديدة متأثرين في ذلك بجون ديوي رائد هذه المدرسة و التي تنظر الى الطفل باعتباره نشيطا و اجتماعيا actif et social.
وعلى هذا النهج ستسير البيداغوجيا الحديثة : احترام رغبات الطفل وحريته. انه ليس مجالا للقولبة و التطبيع بل أنه مجال للتفتح والاكتشاف. ومع ظهور العلوم الإنسانية و سلسلة النجاحات التي حققتها خصوصا في مجال علم النفس والتقدم في اكتشاف الإنسان و معرفته، خصوصا مع المدرسة السلوكية ثم البنائية والتحليل النفسي…الخ ستظهر مقاربات بيداغوجية جديدة تبرز أهمية معرفة الطفل والاستماع إليه و احترام إيقاعاته واستراتيجياته التعلمية بل وتوظيف حتى تعثراته و”أخطائه ” في أفق بناء معارف ثابتة لديه[12].
لقد كان من نتائج هذا التطور العلمي خصوصا في مجال العلوم الإنسانية، بالإضافة إلى الأسئلة الجديدة التي فرضها واقع الحال، وبداية ظهور أزمات النظام الرأسمالي الصاعد آنذاك، ظهور بيداغوجية جديدة ستتوج المحاولات التجديدية السابقة التي عرضنا لها من قبل. بيداغوجيا ستشتغل وفق براديغم جديد راهن على تنمية المهارات لدى المتعلم و التمركز حوله، موجهة جل انتقاداتها للبيداغوجيا التقليدية باعتبارها بيداغوجية كانت تركز بالدرجة الأولى على الإلقاء، إلى حد نعتها بنظرية الإلقاء la théorie de la transmission.
إن السؤال المركزي والموجه للعملية التعليمية في ظل هذه البيداغوجية ظل دوما مرتبطا بموضوع المعرفة أي ماذا نعلم؟
إن التفكير في هذه الحالة يكون منصبا بشكل خاص على المادة المعرفية و على المحتويات، و حيث نجد أن المناهج والمقررات الدراسية تعرض على شكل مواد معرفية، و تتخذ شكل عناوين لدروس مثل الهواء، الماء … الخ وحيث تصبح هذه المحتويات غايات في ذاتها و ليست فقط وسائل أو مناسبات لبناء مفاهيم و تنمية مهارات التفكير لدى المتعلم. كما أن جل التعلمات كانت تقدم خارج وضعيات، معزولة عن سياقها. ومن ثم كانت تبقى مجردة و دون معنى بالنسبة للمتعلم .
على المستوى البيداغوجي كذلك نجد أن العلاقة بين الفاعلين التربويين في ظل هذه المقاربة كانت علاقة عمودية : هناك مرسل هو المعلم الذي يمتلك كل السلط الممكنة باعتباره مالكا للمعرفة و مصدرها الأوحد في غياب مصادر أخرى، وبالمقابل هناك مرسل إليه، متعلم تتلخص مهمته الأساسية في التلقي والاستقبال و الحفظ، وهو محكوم عليه أن يبقى سلبيا و غير مبادر. إن المخاطب في هذه الحالة و الذي يعول عليه في الاحتفاظ بالمعارف وإعادة إنتاجها هو الذاكرة، ذاكرة المتعلم في غياب المكونات العقلية الأخرى، و حيث إن عملية التقويم تستهدف في العادة مدى القدرة على الاحتفاظ واستحضار المعارف والمكتسبات السابقة التي تلقاها المتعلم و راكمها دون زيادة أو نقصان.
إن هذا التركيز المبالغ فيه على الحفظ و اكتساب المعرفة من لدن هذه المقاربة البيداغوجية، هو الذي جعل جل المهتمين بالفكر التربوي يسمونها بالتقليد و المحافظة، بالرغم من أن هناك من لا ينكر بعض ايجابياتها، و بشكل خاص السرعة في انجاز البرامج و المقررات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بنقل بعض المعارف الأساسية و التي تمثل مواد خام لبناء تعلمات لاحقة لدى المتعلم، لأن المعرفة ستبقى، و حتى في البيداغوجيات اللاحقة الرافضة للبيداغوجيا التقليدية و المنتقدة لها على هذا المستوى، منبعا بل و أساسا لبناء كفايات لدى المتعلم. وحيث وكما يذكر فيليب برنوPhilippe Perrenoud “لا يمكننا أن نتصور كفايات دون موارد معرفية، فالطبيب لكي يكون طبيبا، والمهندس لكي يكون مهندسا، لابد لكل منهما من معارف في مجال تخصصهما :الطب والهندسة.” هكذا و لتجاوز ما عتبر سلبيا داخل هذه البيداغوجيا التقليدية ستظهر بيداغوجيا جديدة والتي ستتخذ مجموعة من التسميات مثل البيداغوجيا الفعالة أو البيداغوجيا النشيطة أو الحديثة. انها بيداغوجيا حديثة من حيث طريقة اشتغالها، و ليس منظورا إليها من الزاوية التاريخية، ذلك أنه، وكما أشرنا في موضع سابق عند حديثنا عن تطور البيداغوجيا و مسارات الفكر التربوي، يمكن أن نتحدث عن توجه مشابه منذ المرحلة الإغريقية خاصة مع التجربة السقراطية تجربة المايوتيك أو فن التوليد.
إن أهم ما يميز هذه البيداغوجيا هو تمركزها حول المتعلم و الإصرار على بناء التعلمات بمعيته و الاشتغال على تنمية مهارات التفكير، ثم في مرحلة متأخرة مع بيداغوجيا الكفايات، جعل المتعلم يعطي دلالة للتعلمات والقدرة على استثمارها لمواجهة الوضعيات- المشكلات التي يمكن أن تعترضه سواء في حياته العامة أوفي حياته المهنية .
يتعلق الأمر في هذا الإطار ببيداغوجيا ظهرت مع مطلع القرن العشرين هي بيداغوجيا الأهداف ثم بعد ذلك بيداغوجيا الكفايات التي ستمثل الجيل الثاني لهذه البيداغوجيا والتي ستحاول احتواءها وتجاوزها في أفق جعل التلميذ قادرا على استثمار ما يدرسه داخل المدرسة و نقله خارجها ومن ثم إعطاء معنى لتعلماته.
أولا : بيداغوجيا الأهداف أو بداية عقلنة عملية التعليم والتعلم :
ارتبط ظهور بيداغوجيا الأهداف بثلاثة عوامل أساسية ساهمت، بهذه الدرجة أو تلك ، في تبلور هذا التوجه البيداغوجي الجديد و هي كالتالي:
أ– التطور الذي عرفه المجتمع الصناعي الأمريكي والمشاكل التي بدأت تظهر فيه : فقد عرف المجتمع الأمريكي ،على مستوى اقتصادي، أزمتين متتاليتين الأزمة الدورية لسنة 1921 ثم الأزمة الاقتصادية الكبرى لسنة 1929 التي انتشرت وعمت مجموعة من المجتمعات خاصة تلك التي كانت تدور في فلك النظام الرأسمالي . لقد كان من أهم دروس هذه الأزمة خصوصا على مستوى الفكر الاقتصادي ضرورة الاهتمام بالتخطيط و التنظيم و البرمجة وحساب التناسب بين العرض والطلب و حسن التدبير .
على المستوى الاجتماعي كذلك لا ننس أن التركيبة الاجتماعية للمجتمع الأمريكي لم تكن متجانسة : هناك، من جهة، بقايا ساكنة أصلية وهناك، من جهة ثانية ،أقليات متعددة قدمت من أوروبا ، أفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية …وبالتالي، ولتوحيد هذه الأقليات، لابد من غايات متفق عليها من طرف الجميع يتم تدوينها على شكل مناهج تعليميةcurriculum وأجرأتها من خلال مقررات دراسية. إن دور المدرسة هنا ليس دورا معزولا عن فلسفة المجتمع، انتظاراته وغاياته.
ب-أما العامل الثاني فقد ارتبط بتوجه فكري ميز الفكر الأمريكي و أعطاه صبغة خاصة و قد تمثل في الفلسفة البراغماتية مع جون ديوي و آخرين، فلسفة لا تؤمن إلا بالنتائج الملموسة والمخرجات الواقعية . فإذا كنا على المستوى الاقتصادي قد شرعنا لتقسيم العمل و أعطينا مشروعية للعمل المتسلسل وما توفره تلك الطريقة لتنظيم الشغل من سرعة في الإنتاج وربح للوقت و مهارة في الأداء ، فإننا كذلك على مستوى التربية و التعليم ينبغي أن ننهج نفس المنحى، ولا مجال بل و لا جدوى من اكتساب معارف نظرية قد لا يستفيد منها المتعلم، لا في حياته العامة ولا في حياته المهنية، إلا الشيء القليل .
ج-العامل الأخير ارتبط بالنظام السياسي المهيمن داخل المجتمعات الغربية .انه النظام الرأسمالي الذي لا يؤمن إلا بالربح والمردودية و الذي ساهم في تعزيز مثل هذه التوجهات في التربية . وهذا ما لاحظه بشكل ذكي دولاندشهيرDelandscheere عندما ربط بين ظهور التدريس بواسطة الأهداف و الواقع السياسي للمجتمعات الغربية، حيث إن تقدم و ازدهار الممارسة الديموقراطية في هذه المجتمعات، وإعادة النظر في العلاقات بين الطبقات المشكلة للمجتمع. كان لابد أن يواكب ذلك تحول مماثل على مستوى النظام التربوي برمته، والسبب في ذلك تجنيب مجتمع يقوم على التعايش و الإجماع من التفكك، وبالتالي ضرورة الاتفاق حول غايات وأهداف للتربية تكون محددة بدقة ومتفق عليها من طرف الجميع . كل ذلك في سبيل تأمين الوحدة، الإجماع ، الديموقراطية ، وبالتالي تجاوز كل الانحرافات الممكنة[13] .
- معنى الأهداف التربوية و مستوياتها:
ان الهدف مطلب ضروري في مجال التربية و التكوين بل هو فعل متضمن و كامن في كل أفعالنا والتي لا يمكن أن تكون دون قصدية محددة بهذا القدر أو ذاك. وهذا ما نستشفه من خلال أحد أبرز ممثلي هذا التوجه دولاندشهير الذي يكتب :”أن نربي يعني أن تقود . أي أن توجه نحو مرمى معين، لكن أن تقود وبدون اتجاه شيئان لا يمكن أن يلتقيا، وأن تقود إلى اتجاه ما، غير كاف وحده لأن مصير التربية في جوهره إيجابي، فنحن نربي نحو الحق و الخير و الجمال وليس نحو الخطأ و الشر و القبح “. [14]
و بناء على ذلك فالأهداف التربوية هي تعبير عن السلوك المرغوب فيه لدى التلميذ و وصف لانجازاته المرتقبة و لنتائج صيرورة التعليم والتعلم المخطط لها، و التي تتمثل في جملة الآثار المنشودة من العملية التعليمية – التعلمية سواء على المستوى البعيد ، المتوسط أو القصير ، والتي تكون عبارة عن مواقف ، قدرات أو مهارات تنمو بشكل متكامل ومتدرج عبر مختلف الأسلاك التعليمية لتنتهي بنا في الأخير إلى إنتاج الإنسان/المثال الذي تسعى المنظومة التربوية إلى تكوينه انطلاقا من فلسفة المجتمع و رهاناته المتوافق حولها.
في نفس الإطار، وعلى مستوى عام عندما نتأمل جملة من التعاريف العامة للتربية والتي أعطيت لها عبر التاريخ، نجد أن القاسم المشترك بينها هو الإفصاح عن غاية متوخاة من العمل التربوي . وهذا ما يؤكد القول بأن الفعل التربوي لم يكن قط دون قصدية أو دون غايات. هكذا فغاية التربية تتمثل حسب أفلاطون في “إعطاء الجسم و الروح ما يمكن من جمال ومن كمال ” أما بالنسبة لأرسطو فالغاية من التربية تتحدد في “إعداد العقل لاكتساب العلم كما تعد الأرض للنبات والزرع”. و يذكر ابن خلدون في نفس الإطار أن الغاية من التربية تكمن في “حصول المتعلم على ملكة التحكم في الصناعات “. ويحددها دوركهايم في” اكتساب النضج اللازم للحياة الاجتماعية “. من جهته، يرمز التدريس بالأهداف، حسب التعريف السابق للهدف، إلى كل ممارسة تعليمية تنطلق من السؤال عما الذي نريده من هذه المادة التعليمية أو تلك، من هذا الدرس أو ذاك، من هذه الحصة أو تلك . أي ما الهدف أو الأهداف التي نروم تحقيقها من التعلم؟، لتستتبع ذلك السؤال المركزي أسئلة أخرى تهم الكيف، أي كيفية تحقيق ذلك الهدف(بأية طريقة؟)، ثم العدة البيداغوجية اللازمة التي قد تيسر ذلك (بأية وسيلة؟)، وصولا إلى آليات التقويم التي اعتمادا عليها يتم تبين نقط القوة و الضعف وكذلك اختبار مدى نجاعة المسار المتبع، وكذا الوسائل المستخدمة ، ومدى وضوح المنطلقات أي الأهداف التي تشكل دوما نقطة الانطلاق في العملية التعليمية الهادفة (هل تحقق الهدف؟). وهذا ما يسمى بلغة تربوية ب” رجع المردود” أو” التغذية الراجعة”Feed-back والذي يتلخص معناها ” فيما يقوم به الشخص، سواء كان مدرسا أم لا، حينما يرسل معلوماته . فهو يتتبع إرساليته بحيث يحاول تحديد تأثيرها على الشخص المستقبل وذلك بفضل الفيدباك . وهو مصطلح استعمل في مجال السيبرنطيقا و في هندسة الالكترونات، قبل أن ينتقل إلى مجال التربية وعلم النفس . ومعناه كما يحدده – طلعت منصور- “العملية التي تعود بفضلها المعلومات المتعلقة بإنجاز نظام ما (آلة أو كائن حي) إلى النظام نفسه لتغذيته من جديد حتى يتم تصحيح الأداء و ضبطه ليصير ملائما ” [15] .
وتشمل الأهداف التربوية سلسلة تنازلية من المستويات تنطلق مما هو عام ومؤ طر للعمل التربوي ككل إلى ما هو خاص و إجرائي مع ما يفترضه مثل هذا الانتقال وما يتطلبه من اشتقاق و تخصيص . وهي كلها عمليات تقتضي تمثل المدرس ووعيه بتكاملها و تداخلها و ارتباطها العضوي و الوظيفي . وبقدر ما تتدرج الأهداف التربوية من أعلى المستويات، أي من القيم و المبادئ و التوجهات الكبرى، إلى التي تليها في التدرج و الترتيب، بقدر ما تتطلب الضبط و التحديد، سواء تعلق الأمر بمادتها المعرفية، بطريقة صياغتها أو بالجهات الموكل إليها عملية تنفيذها . وعلى الرغم من التباين الحاصل في وصف وتقدير هذا الانتقال أو هذا المسار من العام إلى الخاص أو من الكل إلى الجزء أو من المجرد إلى المتعين القابل للملاحظة والقياس، فإن التصنيف التالي يكاد يغطي جميع الاستعمالات اللفظية التي عادة ما نصادفها في مجال تصنيف هذه الأهداف و تحديد مستوياتها :
*الغايات les finalités: تعبر عن فلسفة المجتمع و توجهاته العامة و مقاصده البعيدة في مجال التربية. كما تعكس جملة المبادئ والقيم التي ينبغي طبع الناشئة بها داخل نظام تعليمي معين و العمل على إعادة إنتاجها بما يعنيه ذلك من إعادة إنتاج للمجتمع بكامله ، ومن ثم ضمان استمراريته . إنها تمثل الاختيارات العامة للبلاد و التي تعكس منظورها الثقافي العام . وعادة ما تصاغ هذه الغايات بشكل عام ومجرد، ومن ثم فهي لا تصلح لأن تكون موجها للممارسة التربوية اليومية لما يفترضه ذلك من دقة ووضوح .
*المرامي أو الأغراض les buts: تشتق المرامي من الغايات وترتب مباشرة بعدها وهي تقدم السياسة التعليمية للدولة في خطوطها العامة مبينة الأسس التي يرتكز عليها النظام التعليمي و الأغراض المتوخى منه تحقيقها وتوجهاته البعيدة المدى سواء بالنسبة للبرامج و المقررات، أسلاك التعليم و أنواعه أو شعبه، تخصصاته ونظام أو آليات تقويمه.
*الأهداف العامة les objectifs généraux: يتوجه هذا الصنف من الأهداف إلى الاهتمام بشخص المتعلم ومن ثم العمل على حصر مختلف الأنشطة التعليمية لاستخلاص كل القدرات التي يتعين بلورتها و تطويرها لدى المتعلمين في أفق تكوينهم تكوينا متكاملا يطال مختلف جوانب شخصيتهم المعرفية، الحس- حركية و الوجدانية.
*الأهداف الخاصةles objectifs spécifiques : يسميها البعض كذلك بالأهداف السلوكية وهي نتاج عملية تفكيك لهدف أو أهداف عامة . والهدف الخاص يرتبط دائما بموضوع معين أو مواضيع تهم وحدة دراسية، كما يرتبط كذلك بجانب أو جوانب سلوكية محددة تكون مستهدفة في الأنشطة التعليمية الممارسة .
*الأهداف الإجرائية les objectifs opérationnels: ارتباط الهدف الخاص بموضوع محدد يكون قيد الدرس أدى ببعض الدارسين إلى اقتراح تفكيك الهدف الخاص إلى أهداف صغرى يختص كل واحد منها بنشاط واضح يحدد إنجازه بشكل إجرائي و دقيق . وخلافا لهذا التصور هناك من يرى أن الهدف الإجرائي ما هو إلا هدف خاص تمت صياغته بطريقة إجرائية .
2- بيداغوجيا الأهداف: الايجابيات و الحدود:
لقد مثلت بيداغوجيا الأهداف هذه، و حسب كثير من الدارسين، قفزة نوعية في مجال التدريس. فهي على الأقل أخرجته من الفوضى والارتجال، وجعلت الدرس مخططا له و مفكرا فيه قبليا حيث انه لم يعد هناك مجال للنوايا والأهداف المضمرة بل كل شيء ينبغي أن يفصح عنه والعمل على أجرأته وفق الخطط التي نعتقد أنها مناسبة. وقد مثلت من هذه الناحية جوابا متقدما جدا على إشكالية التقويم، المطروحة منذ القديم، و الذي سيحقق معها نوعا من الموضوعية والحيادية وحيث يسهل قياسه لأن المعايير و المهارات المستهدفة تكون محددة من قبل و معروفة من الطرفين المدرس و المتعلم .
غير أن تركيزها المبالغ فيه على المقاربة الإجرائية، و ما تفترضه من تفتيت للأهداف العامة، الشيء الذي يعقد مهمة المتعلم الذي يعجز عن تركيب ولم شتات ما تم تجزيؤه، ثم افتراضها طرق و تقنيات محددة يلزم الأستاذ التقيد بها، أدى بها كل ذلك إلى السقوط في التقنية الشيء الذي أفقد الدرس جاذبيته، حيويته و غناه و أدخله في روتينية قاتلة ماتت معها بشكل تدريجي إبداعية الأستاذ و مهاراته.
وحتى إذا ما استطاع المتعلم أن يتحكم في مهارات فانه يظل عاجزا عن استثمارها و توظيفها عندما تواجهه مشكلات حياتية. إن كل ما حصله يظل دون معنى و دون فائدة.
كان لابد إذن إيجاد بديل بيداغوجي يحتفظ بايجابيات هذا المنتوج ويتجاوزه. والإجابة ستكون مع بيداغوجيا صاعدة آنذاك . إنها بيداغوجيا الكفايات و التي ستمثل مدخلا مناسبا للتعلم وتحقيق مستلزمات نمو شخصيته وما يتطلبه ذلك من قدرات و أداءات عقلية وعملية ضرورية .
إن العمل بواسطة الكفايات سيمثل محاولة لتجاوز نقائص و ثغرات المقاربة السلوكية (الغلو في التركيز على الأهداف الإجرائية) و اعتماد نظرة جديدة للفعل التعليمي الممارس داخل الفصل الدراسي باعتباره نشاطا تفاعليا مفتوحا على الدوام على المبادرة والفعالية وتجاوز عملية تقنين هذا النشاط وتقييده بضوابط، قد تقلص من فرص الإبداع والخلق والتعامل المرن مع مختلف المواقف التي لم تبرمج مسبقا أو لم يؤخذ لها حسابها أثناء التخطيط للدرس و بنائه كما كان الأمر مع البيداغوجيا السابقة بيداغوجيا الأهداف..
خلافا لما سبق نجد الكفاية أكثر دينامية و انفتاحا على غيرها وهي بذلك تتوفر على قدرة هائلة على التحويل والاستعمال الواسع مما يسمح بتحقيق تعلمات من مستوى عال جدا . كما أن الكفاية لا ترتبط بمضمون تعليمي محدد بل إنها مجال تتفاعل داخله معارف وخبرات ومهارات ومواقف … بغض النظر عن انتمائها إلى هذه المادة التعليمية أو تلك . أضف إلى ذلك وظيفتها الإدماجية للفرد داخل المجتمع و إمكانية استفادته مما يتعلمه داخل الفصل الدراسي واستثماره لحل المشاكل التي قد تعترضه في حياته العملية . وبهذا تتقلص نسبيا الهوة بين المعارف المدرسية و متطلبات الحياة اليومية .
ثانيا : بيداغوجيا الكفايات أو ضرورة الربط بين التعلم و سياقه:
ظهرت هذه البيداغوجيا لتجاوز سلبيات بيداغوجيا الأهداف و لمواجهة المشاكل التي اعترضت تطور المدرسة الغربية، و الأمريكية بشكل خاص، و الرهانات التي فشلت في تحقيقها . ولعل من أهم مظاهر ذلك الفشل أنها تخلت عن دورها الدمجي للفرد المتعلم داخل المجتمع، لأن ما تقدمه له لم يعد يجيب و يتجاوب و اكراهات أو متطلبات الحياة المتعددة . فما الذي ستفيده المدرسة وفيم تنفع كل هذه الساعات من الدرس و التحصيل ، التي قضاها المتعلم بين حيطان المدرسة، إذا كان التلميذ لا يحتفظ منها إلا ببعض البقايا أو العلاماتtraces والتي لا تنفعه عند مواجهة مشكل حقيقي عندما يخرج إلى “الحياة الحقيقية ” la vraie vie”(بيرنو)أو الحياة النشيطة”la vie active “(عبد الرحيم هروشي) ؟ ففي الحدود التي يفصل فيها الشكل المدرسي تعلم الممارسات الاجتماعية و التي من المفترض أنه يعد الفرد و يحضره لها، يصبح من المشروع، كما يذكر بيرنو ، التساؤل إلى أي حد يعتبر ذلك الإعداد إعدادا فعليا- وناجحا – وبمعنى آخر هل المدرسة تعد و تحضر للحياة أم أنها تشتغل في مدار مغلق ؟ [16]
إذا كانت مسألة تحويل المعارف le transfert des savoirs لم تفقد بعد طابعها الآني ، فذلك لأنها لم تجد حلا، ذلك لأن عددا كبيرا من التلاميذ الذين يتعلمون لا يستطيعون تحريك واستثمار معارفهم في سياقات جديدة . إنهم يتوفرون، بتعبير بيرنو، على “رسا ميل نائمة” capitaux dormants لا يستطيعون الاستفادة منها و استثمارها من جديد . مقابل ذلك نجد المدرسة، كما يذكر بيرنو دائما ، لا تترك أي مكان و لا تعترف بالكفايات التي يكون التلاميذ قد كونوها خارج أسوارها باستثناء تلك التي تستجيب، وبشكل مباشر، للمقرر الدراسي. “لا يهم إذن إن كان تلميذ قد قضى أربع ساعات وآخر أربع سنوات في دراسة البيولوجيا إذا كان كل منهما قد وقع فريسة لداء الايدز ؟ وبالمثل فيم تفيد مراكمة ثقافة جغرافية أو تاريخية موسعة إذا كان ذلك لا يبيح الفهم و التحكم بشكل جيد في العالم و في تطوره” ؟ [17].
إن هذا التصور ينهل من فلسفة مهيمنة داخل المدرسة الرأسمالية الغربية، وهي التي ظلت توجه الفعل التربوي لمدة عقود كثيرة من الزمن ، وترسم له كيف ينبغي أن يكون . إنها الفلسفة البراغماتية التي تقوم على مفهوم المنفعة و تضعه فوق كل اعتبار، والتي تماهي بين مجال المقاولة ومجال المدرسة، مجال الشغل ومجال الحياة وتدمج الكل ضمن منطق واحد، منطق الرأسمال الذي لا يؤمن إلا بحقيقة واحدة : حقيقة أكبر قدر من الربح و بأدنى التكاليف، ومن ثم “فالحقيقي هو المفيد و النافع ” بتعبير جون ديوي، أبرز منظري هذا التيار الذي يحمل معناه في تسميته . لا عجب إذن أن يخرج مفهوم الكفاية ذاته من مجال الشغل والاقتصاد كما خرج مفهوم الهدف وكما خرج مفهوم المشروع …إنها تركة ذات نسب واحد وتوجهات مماثلة مهما تغيرت الأسماء، السياقات والمبررات .
- الأسس و المرتكزات النظرية لبيداغوجيا الكفايات:
* الفلسفة البراغماتية : لقد مثلت هذه الفلسفة إطارا نظريا ألهم الكثير من البيداغوجيين وبالتالي ظهور مجموعة من المقاربات البيداغوجية والتي ستتأسس عليه . وبالرغم من جل الانتقادات التي وجهت له خصوصا في بداية ظهوره من طرف منظرين تغذوا بالفكر الماركسي الذي مثل خلال القرن الماضي خزانا للأسلحة النقدية ضد كل ما هو رأسمالي أو ينحو منحاه، فإن المسار العام الذي اتخذه تطور الإنسانية و نظمها الاقتصادية و الاجتماعية بالخصوص، قد أعطى فرصا جديدة لظهور هذا التيار من جديد، و بالتالي سيشكل مجالا ستتأسس عليه مجموعة من الاجتهادات البيداغوجية بما فيها تلك ذات المنحى النقدي التشكيكي لما تنتجه المدرسة باعتبارها في نهاية المطاف لا تعدو أن تكون سوى مؤسسة من مؤسسات الدولة الأخرى . هكذا ستظهر في البداية بيداغوجيا الأهداف وحيث سيظهر التماهي الكامل بين عالم المنفعة (الشغل) ومجاله (المقاولة ) وعالم المعرفة ومجاله المدرسة بل ومجال الحرب والمناورة .
وبالتالي فبيداغوجيا الأهداف ستمثل ترجمة لهذا التوجه داخل مجال التربية الذي سيصبح منذ ذلك الحين مخترقا و مجالا لاستقبال كل المفاهيم المهاجرة أو المترحلة nomades و حيث ستصبح المقاولة وطريقة اشتغالها هي المرجع و المعيار، منها ننقل التجارب و عليها نقيس.
وهكذا و عوض أن تظهر بيداغوجيا من داخل الحقل التربوي تجيب عن أسئلته الذاتية و عن مشاغله، تطلعاته و اكراهاته، و بالتالي الحديث عن بيداغوجيا علمية بالمعنى الدقيق للكلمة، أي بيداغوجيا تمتلك مفاهيمها، نجد أن المجال التربوي ظل يشتغل بمفاهيم إجرائية ليست وليدة تاريخه الخاص، أزماته و عوائقه الذاتية، بقدر ما هي مفاهيم ظهرت ضمن مجالات و إشكالات أخرى. كان لابد إذن، والحالة هذه، أن تفشل بيداغوجيا الأهداف و التي تحولت مع مرور الزمن إلى مجرد تكنولوجيا لم يستطع تبنيها تجاوز مرحلة إنتاج القدرات . وأية قدرات ؟ إنها القدرات المعرفية والتي لا تتعدى اكتساب المعارف، تخزينها و نسيانها بسهولة . لقد أصبح الدرس بمقتضى هذا التوجه البيداغوجي درسا عقيما، تطبيقيا، جافا وصنميا يقتل كل مبادرة سواء كان مصدرها المعلم أو التلميذ . وحتى على مستوى التقويم الذي كانت اشكاليته – كما مر بنا- من بين الأسباب العميقة التي أدت إلى ولادة هذه البيداغوجيا، فقد ظل على حاله، فما يتم تقويمه في غالب الحالات هو المكتسب المعرفي لدى التلميذ ليس إلا .
لقد مثل هذا الواقع من جهته مناسبة لمراجعة هذا التوجه في التربية و التعليم وبالتالي ظهور بيداغوجيا الكفايات لكن دون تحقيق قطيعة مع الفلسفة البرغماتية التي شكلت جذعا مشتركا بينهما .
*التصور البنائي للمعرفة : إن المعرفة حسب هذا التصور هي نتيجة لعملية بناء مستمر لا يعرف التوقف . عملية يتداخل فيها المحسوس بالمجرد ويتبادلان التأثير خارج منطق هيمنة أحدهما على الآخر . ” إن اعتماد الانطلاق من الحسي إلى المجرد ، أو القول بالنزول من المجرد إلى المحسوس ، يعتبر كل منهما عملية المعرفة كسيرورة خطية ذات اتجاه أحادي تعطى فيها الأولوية إما للمنطق (العقل) أو النشاط الحسي ، ولا سبيل لتقاطعهما.
إن تجاوز هذه السمة الخطية لكلا المنهجين هو ما يميز المنهج البنائي/ الديالكتيكي الذي يقدم عملية المعرفة كعملية بناء و اكتشاف لا سبيل فيها لتفضيل العقل على الملاحظة الحسية ولا لتفضيل هذه الأخيرة على العقل . إن الذات ( الباحث أو المتعلم) لا تمارس النشاط المعرفي لمجرد أنها تسير وفق خطة مقننة، بل لأنها تبني المعرفة كجواب على مشكلة محددة أو وضعية- مشكلة تستدعي حلا معينا، وليست هناك سيرورة منهجية نمطية توصل إلى بناء هذا الجواب، بل لابد أن تمر عملية البناء من سيرورة دينامية أساسها الشعور و الوعي بمشكلة ما (نظرية أو واقعية) وفحواها القيام بنشاط يعمل فيه العقل بنماذجه وبنياته المختلفة ،إلى جانب الفعل الحسي و الحركي، للتأثير على الأشياء والموضوعات والوصول بالتالي إلى تجريد ما حدث من تغيرات عليها في صورة معارف محددة”. هكذا ” فأن يكتسب المتعلم معارف و أفكار ومهارات عملية من خلال سيرورة بنائية، معناه أن تنظم الوضعية التعليمية- التعلمية بشكل يسمح لهذا المتعلم بممارسة التفكير كفعالية نظرية و عملية في نفس الوقت، وتجعله على اتصال مستمر بالأشياء والموضوعات المختلفة، وتبيح له إمكانية التفكير فيها واستخلاص المعارف و القوانين و القواعد المتحكمة فيها، وفق سيرورة منهجية تعكس إبداعيته وعطاءه الشخصي”[18] .
إن هذا التصور ينهل من الابستيمولوجيا التكوينية لجان بياجي وتصوره للمعرفة و التي لا تتكون ، كما كان يعتقد السلوكيون، طبقا للقانون مثير – استجابة، بل تتكون انطلاقا من التفاعل الدائم بين مكونات الفرد الداخلية ومحيطه الادراكي وذلك عبر أولويتي الاستيعاب والتلاؤم أو المواءمة وما يصاحب ذلك من توتر وسعي دؤوب لإعادة التوازن. هكذا وحسب جان بياجي دائما ف “إن الذات في مواجهتها للموضوعات الخارجية تقوم باستيعاب خصائص هذه الموضوعات لتكون بذلك ما يسمى بالخطاطات الذهنية les schèmes mentaux لكن الموضوعات الخارجية ليست بمثابة معطيات ثابتة أو جامدة بل هي دائمة الحركة و التغير و التجديد، لذلك نجد أن هذه العناصر الخارجية تفرض خصائصها على الذات لترغمها على ملاءمة الخطاطات الذهنية المكونة سابقا، حتى تجعلها تتحدد وفقا للتغيرات الجديدة التي حدثت على عناصر الوسط . إن هذه السيرورة le processusالدائمة بين عمليتي الاستيعاب و التلاؤم هي التي تخلق توازنا بين الذات و الموضوع وتؤدي بالتالي إلى تحقيق التكيف adaptation [19] ، وهو تكيف، على خلاف التكيف البيولوجي، تكيف مرحلي لحظي لأن البنيات المعرفية كما يذكر بياجي هي بنيات دينامية لا تتوقف عن النمو و التطور بل تستمر في نموها بالموازاة مع تطور الفرد وارتقاء نموه من مرحلة عمرية إلى أخرى، حيث خلال كل مرحلة، تتأسس بنيات جديدة تحتوي و تتجاوز البنيات السابقة لها وهكذا دواليك . هكذا فالتعلم و المعرفة لا يمثلان أنشطة عبثية بل إنهما عمليتان تستهدفان بلوغ حالة توازن فقدت عند الفرد من جراء أحد أمرين: إما تغيرات ظهرت في محيط الفرد و أنشأت لديه حاجة إلى المعرفة أو إلى التعلم أو تغيرات طرأت على مستوى تفكيره استوجبت أو استدعت الفهم و التفسير . وبحصول الفرد على مخرج أو بحدوث الفهم يتم التوازن الذي لا يكون، كما مر بنا ، سوى توازن مرحلي لابد أن يعقبه خلل أو حادث ما يستدعي بدوره نشاطا جديدا قصد تجاوزه.
لقد كان لمثل هذه التصورات الثورية في عهدها و التي انبنت على نتائج العلم البيولوجي من جهة و الملاحظات الامبريقية المتأنية لبياجي نفسه في متابعته لعملية النمو كما عاينها لدى بنتيه، أثر كبير في مجال التربية و تبين كيفية حدوث التعلم و هو تأثير سوف لن تتخلص منه كل البيداغوجيات الفعالة الصاعدة آنذاك و التي بدأت تتخلص شيئا فشيئا من ارث السيكولوجيات الترابطية و كذا السلوكية و اللتين اختزلتا فعل المعرفة في منظورات بسيطة إما برده إلى ترابطات آلية كما نجد لدى الترابطيين أو تفسيره طبقا لقانون المثير و الاستجابة ومراوحة الذات المتعلمة بين الخطأ و الصواب كما نجد عند السلوكيين . وبيداغوجيا الكفايات باعتبارها تفترض اعتماد مختلف هذه البيداغوجيات الحديثة أو الفعالة تتأسس على مثل هذا التصور الابيستيمولوجي البنيوي للمعرفة و العلم .
إلى جانب هذين المكونين النظريين اللذان أثرا، بطريقة أو بأخرى، على بيداغوجيا الكفايات، نجد المدرسة السلوكية في علم النفس كما فهمها البيداغوجيون خصوصا منظروا الأهداف البيداغوجية . فهؤلاء بقدر ما ساهموا في عقلنة العملية التعليمية- التعلمية و إخراجها من العشوائية و الحدس و تحديد ضوابطها وذلك بجعل الدرس مفكرا فيه قبليا ومن كل جوانبه( المضامين و العدة البيداغوجية اللازمة )، وبالرغم من صياغتهم على شكل صنافات لمختلف مجالات أو جوانب الشخصية الإنسانية وطرق التدخل فيها : معرفيا من خلال صنافة بلوم ،حسيا – حركيا صنافة سمبسون ، ووجدانيا صنافة كراتهول . بالرغم من ذلك كله سنلاحظ هيمنة الجانب الأول المعرفي وإهمال شبه تام للجانبين الآخرين الحسي الحركي و الوجداني مما سيشكل إفقارا للذات الإنسانية و اختزالا لها في مجال واحد هو مجال المعرفة على حساب المهارات العقلية، خصوصا تلك المرتبطة بالقيم الأخلاقية و الجمالية . وحتى على المستوى الأول ستؤدي ظاهرة التفتت و الاشتقاق و الانتقال من أهداف عامة إلى أهداف إجرائية إلى قطع الصلة بين الهدف الأصل و الأجزاء التي يتم تقويمها . وهكذا سيصبح الدرس المرتقب في إطار بيداغوجيا الأهداف درسا غارقا في التطبيق و التقنية مما سيؤثر، لا شك في ذلك، على فكر المتعلم الذي سيصبح محصورا و محدودا، وكذلك أداء المدرس الذي سيكتفي بالتطبيق و اختزال عمله في تقنيات محددة سلفا مما يحول دون التصرف الحر وأخذ المبادرة والخلق و الإبداع وما يتولد عن ذلك من تربية للجمود و التكرار وحصر الوظيفة التعليمية في مجرد نقل سلبي للمعلومات دون الاستفادة منها و استثمارها في حياة الشخص ومعيشه اليومي .
كان لابد إذن و لتجاوز هذه النقائص و هذا الهدر للطاقات من ظهور بيداغوجيا جديدة تركز على الكفاية أكثر من تركيزها على المهارة، بيداغوجيا تركز على مستقبل الشخص أكثر من تركيزها على حاضره و تركز على نجاحه الدائم وفي وضعيات مختلفة و ليس في وضعية واحدة ، وضعية الامتحان ، وتهتم بمجال أوسع، أرحب و أعقد، ،مجال الحياة وليس فقط مجال المدرسة، النجاح الاجتماعي و ليس فقط النجاح المدرسي. “إن الأمر يتعلق و باختصار، كما يذكر بيرنو، بالسعي، ليس مكان، ولكن فيما وراء اكتساب المعارف، نحو بناء كفايات مستعرضة و قابلة للتحويلtransversales بقدر ما هي نظاميةdisciplinaires “(أي مرتبطة بمواد دراسية مقررة) [20]
على هذين الأساسين إذن، الأساس الفلسفي ممثلا في الفلسفة البراغماتية والأساس السيكولوجي ممثلا في السلوكية من جهة وسيكولوجية جان بياجي من جهة أخرى، سينهض توجه الكفايات في التربية و التعليم .
وينضاف إلى ذلك ، بطبيعة الحال ، ما يسميه الابيستيمولوجيون بالمحيط الإيديولوجي العام الذي ضمنه سيتأسس هذا التصور الجديد لوظيفة المدرسة في علاقتها ليس فقط مع عالم المعرفة أو عالم الاقتصاد و الشغل – هذا التصور الذي ظل مهيمنا حتى عهد قريب – بل في علاقتها مع الحياة بوجه عام وكيفية إعداد الفرد للاندماج الفعلي و الإيجابي في هذا العالم الذي بدأ في التخلي عن كثير من قيمه ومبادئه، قيم بها كانت تتحدد ماهية الإنسان كذات واعية، خالقة و منتجة للمعنى .
و هكذا فهذه الاستراتيجية في التدريس ستعمل على تحقيق قطيعة مع الطريقة التقليدية التي كانت تركز على المعرفة أكثر من غيرها، والتي لا تتصور المتعلم إلا ككائن سلبي مهمته الاستقبال و الحفظ . كما أن مجال تقويمها للتعلمات لم يعد منحصرا داخل مجال المدرسة بل يتوسع ليشمل المجتمع ككل ومدى قابلية التعلمات المدرسية للإجابة على مختلف الأسئلة التي تطرحها الحياة. ومن ثم كان لابد لها أن تعتمد مقاربات بيداغوجية جديدة أهم ما يوحد بينها هو أنها من جهة، بيداغوجيات تركز بالدرجة الأولى على تعلم القدرات، ومن ثم تحقيق الكفايات . ومن جهة أخرى تمركزها حول المتعلم والذي معه، به ومن خلاله، يبنى الدرس ويتم تثبيت التعلمات ومن ثم تجاوز الهدر المدرسي بمختلف أشكاله، وإرجاع المكانة الخاصة للمدرسة كمؤسسة لإدماج الأفراد، تكوينهم وتأهيلهم للحياة المستقبلية وتمكينهم من تجاوز كل المشاكل التي قد تواجههم اعتمادا على الكفايات المتنوعة التي تلقوها داخل رحاب المدرسة . ومن بين هذه المقاربات التي تصب في نفس الاتجاه يممكن أن نذكر:بيداغوجيا المعرفة، البيداغوجيا الفارقية، بيداغوجيا المشروع ثم بيداغوجيا التمثلات وبيداغوجيا الخطأ…الخ
إن العمل إذن ، وفق هذه الاستراتيجية واعتماد المقاربات أو المداخل البيداغوجية المتنوعة السابقة وحسب ما يفترضه الحال ، وما تستلزمه الوضعيات التعليمية و التي من طبعها التنوع و الاختلاف، سيغني، لا شك في ذلك، الممارسة التربوية و يعطيها كل دلالاتها .
إن منطلق العملية التعليمية – التعلمية و محركها في هذه الحالة، سوف لن يكون هذا الهدف أو ذاك، هاته المهارة أو تلك، بل حتى الكفاية نفسها لن تكون مطلبا مجردا بل ترجمة لانتظارات و رغبات اجتماعية . ثمة داخل المجتمع ممارسات اجتماعية سليمة سيتم تحويلها إلى كفايات مرغوب فيها. وبعد تحديدها و التوافق حولها يتم البحث لها عن الموارد ressourcesالضرورية . وهي موارد قد تكون عبارة عن معارف (أهداف معرفية )، قدرات (أهداف حس حركية ) أو مواقف (أهداف وجدانية) . ولتقويم هذه الكفايات و ملاحظة مدى تحققها لدى المتعلم يفترض التدريس بالكفايات مجموعة من الوضعيات المشكلات يوضع المتعلم في مواجهتها لنلاحظ إلى أي حد يستطيع استثمارها و اختيار المناسب منها لمواجهة ما اعترضه من مشكلات مركبة .
إن ما يحصله المتعلم منذ اليوم لن يبق مجردا أو دون دلالة، بل إن كل ما يتلقاه وراءه غاية و قصد، مرتبط بمعيشه اليومي وله دلالاته . بهذه الطريقة يكتشف المتعلم أهمية التعلم الذي يصبح ذا دلالة و معنى . تلك هي فلسفة الكفايات والتي في إطارها يستبدل المدرس السؤالين التقليديين : ماذا أعلم؟ (سؤال البيداغوجيا التقليدية) وكيف أعلم ؟ (سؤال بيداغوجيا الأهداف) بسؤال جديد و ثوري في حينه : لماذا أعلم؟ والجواب في مجال المجتمع الرأسمالي لن يخرج عن الجوابين التاليين : الإعداد لممارسة مهنة ما داخل المجتمع، ثم الإعداد لحياة مجتمعية سليمة يكون فيها الفرد منسجما مع ذاته و مع الآخرين . تلك هي وظيفة المدرسة الحديثة ومدخل الكفايات مدخل مناسب لتحقيقها.الى حد نجحت المدرسة الحديثة في تحقيق هذه الانتظارات هل الامر يتعلق فقط في الأداء البيداغوجي انه مرتبط باستمرار تصورات ومعيقات أخرى لعل أهمها تلك التي تنظر إلى الفكر نظرة تقوم على الاختزال و التبسيط ؟إلى أي حد كذلك يمكن للبيداغوجيا التركيبية أن تتوفق في إيجاد مخرج من هذا النفق المسدود الذي يأسر المعرفة والتعلمات داخل أسوار المدرسة و يظل عاجزا على مواجهة التحديات التي يواجهها خارج اسوارها؟
نخلص من هذا العرض التركيبي لمسارات الفكر التربوي الى ما يلي :
1-إن التفكير في طرق التواصل والتدريس، والطريقة التي ينبغي أن تحكم العلاقة بين الراشد والطفل، أو المعلم والمتعلم، تفكير قديم لازم الفكر الإنساني منذ الأزل وأن الأعراف البيداغوجية متجذرة في التاريخ.
2-إن التجاذب بين فكر بيداغوجي منغلق(بيداغوجيا تقليدية) وآخر منفتح (بيداغوجيا حديثة) لازم الفكر الإنساني منذ القديم وبالتالي لا ينبغي أن نربط بين ظهور البيداغوجيا الحديثة بمقارباتها المتعددة وظهور الفكر الحديث، حيث أننا لانعدم مصادفة ملامح اشراقات بيداغوجية متنورة على امتداد التاريخ الإنساني.
3-هذه البيداغوجيات كذلك، بصنفيها التقليدي و الحديث ، نجدها تحتفظ بنفس الخاصيات التي راكمتها عبر التاريخ . هناك ثوابت تميز البيداغوجيا التقليدية منذ القديم إلى اليوم، ونفس الشيء يمكن أن نقوله بخصوص البيداغوجيا الحديثة، فمثلا نفس الخصائص و التصورات التي قد نصادفها حول العلاقة التربوية والنظرة للمتعلم في ثنايا الفكر السقراطي و ممارساته للتربية هي نفسها التي قد نعثر عليها مع براديغمparadigme الكفايات في العصر الحالي.
4- أن العلاقة بين هذه البيداغوجيات، القديم منها والحديث، لم تظهر أبدا على شكل قطيعة بمعناها الابستيمولوجي بل هناك اغناء و تجاوز في ظل الاستمرارية .هكذا فإذا كانت البيداغوجيا التقليدية قد ظلت أسيرة لأسلوب الإلقاء والاهتمام المبالغ فيه بالمعارف، فان االبيداغوجيات اللاحقة، بدءا من بيداغوجيا الأهداف ستحتفظ و ستقر بأهمية المعرفة وأهمية تعويد المتعلم على تخزينها والتمرن على التذكر، لكنها أضافت إلى ذلك أهمية المهارات خصوصا مهارات التفكير لكي يتم اعتبار الكل مع بيداغوجيا الكفايات فقط مدخلا، وان كان ضروريا لبناء كفايات لابد لها من موارد و أهم تلك الموارد المعارف والقدرات ثم المواقف و الاتجاهات، والتمرن على استثمار الكل لتجاوز وضعيات مشكلات مركبة وإيجاد الحلول المناسبة لذلك وفي الوقت المناسب .
ثالثا: ادغار موران و بديل الفكر المركب:
يعتبر ادغار موران من المؤسسين للبيداغوجيا المركبة و للفكر المركب la pensée complexe. وهي بيداغوجيا، ضدا على البيداغوجيا السابقة أو الكلاسيكية من منظوره دائما، ترفض كل فكر يقوم على وهم البساطة والتجزئ والاختزال ومحاربة التعقيد . إن كل معرفة، حسبه، لا تتخذ معناها الصحيح و دلالاتها الحقيقية إلا داخل سياق، داخل كل . وبالتالي، فعوض الفصل بين المواد التعليمية و تدريسها منعزلة بعضها عن بعض، أو على الأقل هكذا يدركها المتعلمون، يتعين إيجاد و نسج الروابط الضرورية بين هذه المواد و الحقول المعرفية التي تحيل إليها لجعل المتعلم قادرا في المستقبل على مواجهة الواقع المعقد و المركب بطبيعته. واقع تستوجب مواجهته و الحياة فيه التسلح بكل المعارف الممكنة بعيدا عن كل منطق تخصصي يقتل الذات و يأسرها داخل عالم محدود و مغلق :عالم التخصص.
هذه الطريقة في النظر ليست غريبة عن الفكر الفلسفي، على الأقل ،منذ بزوغه على شكل نسقي مع أفلاطون حيث عرفت الفلسفة باعتبارها تفكيرا شموليا و نسقيا و حيث إن الفيلسوف لا يركن إلى معرفة محددة، بل ينهل من كل المعارف في أفق إيجاد أو بناء تصور شمولي للعالم و للوجود. وهو نفس التفكير الذي سيدعو له فلاسفة العلوم و الابستيمولوجيون في مرحلة لاحقة .
تلك هي، حسب تقديرنا، أهم ملامح هذا البراديغم النظري الذي يقدمه ادغار موران والذي يتضمن جملة تصوراته، ورؤاه حول العمل الفكري وحول العالم و مستقبله . و من أجل مقاربة دقيقة و موسعة لهذا المشروع الفكري ، يجدر بنا أن نطرح التساؤلات التالية : ما المعنى الذي يتخذه التركيب عند ادغار موران؟ ما الفرق بين التركيبcomplexité و التعقيد complication ؟ و ما الذي يميز الفكر التركيبي عن غيره ؟ ما الذي يميز المنطق التركيبي عن المنطق “التقليدي” الذي ما فتئ ينعته بالاختزالي، الأحادي البعد و التبسيطي، ثم ما هي الإضافات النوعية لهذا الفكر – التركيبي- بالنسبة للبيداغوجيا و الممارسة التربوية في عالم اليوم ؟.
على المستوى الاشتقاقي ترجع كلمة “المعقد”أو “المركب”complexe عند ادغار موران إلى الكلمة اللاتينية complexus ، وهي تحيل إلى “كل ما هو منسوج مع بعضه البعض” [21] . إن المركب هو عبارة عن نسق يتواجد بدوره في نسق أكبر، و في ذلك دلالة على وجود نوع من الترابط و التماسك في شكل نسيج مشترك[22]. يقول ادغار موران في هذا الإطار: ” عندما أتحدث عن التركيب فأنا أعود إلى المعنى اللاتيني البدائي لكلمة تعقيدcomplexus ، أي المنسوج مع بعضه بعضا….انه ذلك النسيج من المكونات المتنافرة المجمعة بشكل يتعذر معه التفريق بينها. انه ذاك الذي يطرح مفارقة الواحد و المتعدد[23]. كما يعرفه أيضا باعتباره”نسيجا من الأحداث و الأفعال و التفاعلات و الارتدادات و التحديدات و المصادفات التي تشكل عالمنا الظاهراتي”[24]. و يخلص موران من خلال هذا التحديد إلى أنه لا يمكننا تلخيص أو حصر المركب في كلمة تعقيد [25] لأننا آنذاك سنسقط في خطأ المناهج التقليدية التي تعاملت مع الظواهر المعقدة من خلال إخضاعها لفعل التبسيط و الاختزال، و التي كان همها الرئيسي هو التوصل إلى النظام و إزاحة اللايقين و هو عمل زاد في تعقيد الواقع و أدى إلى ما بسميه موران نفسه ب”العمي العقلي”، ذاك الذي كانت تمارسه نظرية المعرفة الكلاسيكية لتجاوز كل أشكال الغموض من أجل الوصول إلى الوضوح والتميز و التصنيف لكل المعارف. يكتب في هذا الإطار:” مازلنا عميانا فيما يخص مسألة التعقيد، فالخلافات المعرفية بين كارل بوبرPopper، طوماس كون Kuhn ،نلاكاتوس Lakatos، فيرابند Feyerabend …الخ تجاهلتها ومرت عليها في صمت . وهذا العمي يشكل جزءا من بربريتنا. انه يشعرنا أننا مازلنا ننتمي إلى عصر الأفكار البربرية، مازلنا في عصور ما قبل تاريخ الفكر البشري. وحده الفكر المركب يمكنه أن يسمح لنا بإضفاء طابع التحضر على معرفتنا”[26]
خلافا لذلك سيعمل موران، و على امتداد مختلف كتاباته أن يبين أن البساطة وهم و أن التبسيط هو مجرد حيلة من حيل العقل التقليدي اللاهث وراء النظام، و أن العالم الذي نسكنه عالم محكم التركيب تتعايش في داخله كل الأضداد الممكنة: التعقيد و البساطة. فالحياة ليست جوهرا ثابتا كما نعتقد بل هي ظاهرة مركبة للغاية . إنها حصيلة التنظيم الذاتي الذي نقوم به في علاقاتنا مع المحيط[27].أكثر من ذلك فالتعقيد لم يعد يتحكم في معارفنا فحسب بل تغلغل وسط ذواتنا، واقعنا و كل مجالات حياتنا و حيث لم نعد نجد أثرا للمجتمع العادل البسيط القائم على الأيديولوجيا العلمية و أطروحة الإنسان الجديد.
لقد انهار كل شيء تحت وطأة تعقيد متعدد الابعاد[28]. ولم يقف التعقيد عند هذا الحد بل عاد إلينا من داخل العلوم عبر نفس الطريق الذي سبق لهذه العلوم أن طردته عنها [29] ، فالإنسان اليوم يقف ضائعا أمام معارف متعددة و هائلة ولكنها مفتتة لا يربط بينها رابط ومن ثم يخلص موران إلى انه من اللازم علينا عندما نفكر في التركيب أن نتخلص من وهمين أساسيين:
- ليس من الضروري أن يقودنا التعقيد إلى القضاء على البساطة، بل انه يدمج داخله كل ما يصنع الاستقرار الوضوح و التمييز و الدقة في المعرفة، كما انه يرفض كل أشكال الاختزال و التوحيد و التبسيط.
- يرفض كل شكل من أشكال الفكر الفاصل و التجزيئي، وهو الفكر الذي يعزل ما يقوم بتفريقه و يحجب كل ما يصل و يتفاعل و يتداخل فيما بينه[30].
و لا ينفك موران يذكرنا بان المركب هو ما تم نسجه ككل، انه عبارة عن حلقة وصل بين كل العناصر المكونة للكل مثل ذلك الكل الذي نجده في الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي و النفسي و الوجداني و الأسطوري، مع مراعاة كل أشكال الترابط و التفاعل و الارتداد بين مواضيع المعرفة و سياقاتها، أي بين الجزء و الكل و بين الكل و الجزء و بين الأجزاء فيما بينها[31]. وهو نفس التصور الذي قد نعثر عليه لدى باسكال و القائل إن جميع الأشياء مسببة و مسببة، مساعدة و مساعدة، و غير مباشرة و مباشرة، و أنها تربط الأشياء الأكثر تباعدا و الأكثر اختلافا، لأنه يستحيل معرفة الكل إذا كنا نجهل الأجزاء بدقة، لهذا فمن غير الممكن معرفة الأجزاء إذا لم نعرف مجمل هذه الأجزاء.[32]
نخلص مما سبق إلى أن الفكر المركب أو التركيبي هو فكر يطمح إلى إعادة نسج العلاقات بين كل المعارف في أفق الوصول إلى معرفة شمولية، معرفة متعددة الأبعاد، لأن من مسلمات التعقيد استحالة وجود علم مكتف بذاته. ومثل هذا التصور يجد امتداداته في تاريخ الفكر الإنساني ككل . لقد كان، حسب ما نعتقد، نتيجة قراءة متأنية و فاحصة لتاريخ الفكر الغربي ونتيجة لما عرفه هذا العلم من تقدم و تطور في شتى المجالات، و اطلاعه على مفاهيم و تصورات مثلت لحظة فارقة في تاريخ الفكر الغربي بشكل خاص . ومن بين هذه المفاهيم مفهوم التنظيم الذاتي الذي حملته معها نظرية المعلوميات و السيبرنطيقا و نظرية الأنساق[33]. و موران يصرح في هذا الإطار أنه ليس هو الوحيد الذي فكر التعقيد أو التركيب بطريقة واضحة. و يذكر في هذا الإطار مفكرين آخرين لم يغب عن أذهانهم المعنى المنتظر من التركيب.”.. لقد سبق لفيلسوف العلوم غاستون باشلار أن اكتشف أن البسيط لا وجود له و انه لا يوجد إلا المبسط le simplifié أو الذي تم إدراكه كذلك . [34]
هكذا يخلص موران إلى أن بناء معرفة على فكر تحليلي تبسيطي يجعل منها معرفة عمياء، لأن” الأذهان المجزأة و المفتتة و المبقرطة تعمى على التفاعلات و المفعولات الراجعة، و تعمى عن السببية الحقيقية، و لا نزال نراها كثيرا ما تنظر إلى الظواهر من حيث سببيتها الخطية، فهي تدرك الوقائع الحية و الاجتماعية وفق تصور آلي/حتمي لا يصلح لغير الآلات الاصطناعية [35]
إن “المنهج” الذي يقترحه ادغار موران للتفكير في تعقيد هذا العالم الذي نعيش فيه، يفترض التفكير كذلك في الممارسات التربوية و البيداغوجية و اعتماد البراديغم النظري الذي يقترحه، و الذي يتأسس على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الطابع البين- تخصصي للمعرفة transidisciplinaire، و كذلك ضرورة ربط الموضوعات المدروسة بالمتعلم وبمحيطه. فعلى امتداد كتابه”المنهج” يحاول أن يتصور الارتباط بين ما كان مفككا حتى الآن ضمن مقاربة حوارية تسمح بمعرفة كل العوالم العامة و الخاصة.
وفي مجال التدريس يفترض التركيب أن إصلاح الفكر و إصلاح التعليم يشكلان وجهان لعملة واحدة ومن ثم ينبغي كما يذكر موران ” إصلاح الفكر أجل إصلاح التعليم و إصلاح التعليم من أجل إصلاح الفكر”[36]
غير أن” إصلاح المدرسة في نظره لا يمكن القيام به دون الأخذ بعين الاعتبار الرغبة في التعلم و الاهتمام وتنمية الإيجابية لدى المتعلم”[37].
مثل هذا التصورات نجد لها صدى لدى كثير من البيداغوجيين منذ بداية القرن العشرين و الذين سعوا إلى بناء مدرسة تتيح للمتعلمين تفتح مواهبهم و تكون مضيافة، منفتحة على محيطها و مرتبطة بالحياة .مدرسة تعد مواطنين للمستقبل لا يكفي أن تكون عقولهم نيرة و لكن يمثلون كائنات إنسانية قادرة على التكيف مع مجتمع الغد[38] .
وقد كانت له امتدادات في مرحلة لاحقة مع بداغوجيا الكفايات التي حاولت تجاوز البيداغوجيا التقليدية، كما سبق أن رأينا، التي اختزلت عملية التعليم في نقل و اكتساب المعارف، ثم كذلك بيداغوجيا الأهداف التي، و إن كانت من جهتها قد حققت نقلة نوعية بالمقارنة مع البيداغوجيا التقليدية من خلال تنظيمها وعقلنتها للعملية التعليمية و جعلها متمركزة حول المتعلم والسلوكات المرغوب إحداثها أو تعديلها لديه، إلا أن كلا منهما كانت تقدم معارف أو مهارات ولكن خارج سياق، خارج وضعيات، ومن ثم وبتعبير فيليب بيرنو فان المتعلم كان يراكم مجموعة من الرساميل المعرفية ولكنها كانت تظل نائمة لا يتم استثمارها و يتم نسيانها بسرعة .
أمام هذا الوضع و هذا الهدر للمعارف وهذا التفكك بين المواد المدرسة سيبين منظروا الكفايات، واعتمادا على خلفية نظرية بنائية، أن ما يتعين بناؤه عند المتعلم ينبغي أن يكون على شكل كفايات أي مجموعة من المعارف والقدرات و المواقف التي يتحصل عليها المتعلم داخل المدرسة مع إكسابه القدرة على تحريكها بشكل مدمج لمواجهة عائلة من الوضعيات المشكلات، ومن ثم ربط العلاقة بين ما تنتجه المدرسة و ما يصطدم به المتعلم خارج أسوارها، ومن ثم الحديث كما نعرف عن نوعين من الكفايات: كفايات نوعية أو خاصة مرتبطة بمادة دراسية معينة، وكفايات مستعرضة منفتحة على كل المواد الدراسية، وجاءت بيداغوجيا الإدماج مع كزافيي روجرز لتدقق العملية أكثر من خلال التمييز بين وضعيات ديداكتيكية ترسى فيها الموارد (معارف، قدرات و مواقف)ووضعيات إدماجية يتم فيها التمرين على استعمال تلك الموارد وبعد ذلك تقويمها للتأكد من مدى النجاح في بناءها بشكل جيد لدى المتعلم . إن الأمر يتعلق بالتركيز على ما يجب أن يتحكم فيه المتعلم في نهاية التعلم، أكثر من الاهتمام بما ينبغي للمدرس أن يدرسه.
إن وظيفة هذا الأخير تنحصر فقط في تنظيم التعلمات بأحسن طريقة ممكنة لتحقيق النتائج المنتظرة و المسطرة من قبل، وكذلك بإعطاء معنى للتعلمات، وأن نجعل التلميذ يتبين قيمة ما يدرسه داخل المدرسة وإعطاء دلالة لتعلماته .
من أجل ذلك يتعين عليه أن يتجاوز لوائح محتويات المواد الدراسية ، أي المعارف التي يحفظها عن ظهر قلب ، وكذلك المهارات الفارغة من المعنى، والتي في غالب الحالات، تقلق وتشوش على التلميذ ولا تفتح له شهية التعلم .خلافا لذلك تعلمه المقاربة الإدماجية كيف يموضع، وبشكل مستمر ودائم ، تعلماته في علاقتها مع وضعيات لها معنى بالنسبة إليه و استخدام كل موارده في مواجهة المشاكل التي قد تعترضه[39].وذلك ما يطمح إليه موران، ذلك أن ما يهم بالنسبة إليه هو هذا الربط بين المعارف وبين الإفراد والمجتمع ذلك انه فقط بفضل التربية عندما تصبح مهمتها نسج مختلف العناصر التي تكون كلا،يمكننا أن ندرك البعد الشمولي للمعرفة والتي تصبح ذات معنى. انه بفضل هذه التربية فقط يمكننا أن نتعلم الاعتراف بالخطأ و الوهم و إدماج اللايقين إلى غير ذلك من المفاهيم المعقدة اللازمة للفهم، منذ سن مبكرة لكسب التقدم بنجاح في المسار التعليمي.
ينبغي أن نتعلم بفضل التربية المبكرة أن الحقيقة لا توجد منفصلة على شكل مواد دراسية متفرقة، و أن فكرنا هو الذي خلق هذا الفصل و هذا التقسيم. يتعين علينا إذن كمربين إعادة الوصل بين المعارف فيما بينها و ” نسجها ” مجتمعة. تلك هي غاية التربية من منظور موران و هي الأطروحة التي ظل يدافع عنها في كل المناسبات. و هي غاية، كما يذكر، لا يمكن لها إن تتحقق إلا من خلال استيعاب مجموعة من الدروس يحددها موران في سبعة معارف أساسية :
- العمى المعرفي(الأخطاء، التوحيد، و غير المتوقع، اللايقين…)
- مبادئ المعرفة الملائمة ( السياق، الشمولية، المتعدد الأبعاد، المعقد…)
- تدريس الوضع البشري(التأصيل، اقتلاع الجذور، الضفائر: دماغ/ فكر/ثقافة…)
- تدريس الهوية الترابية (ارث القرن العشرين، الأخطار الجديدة، الوعي الترابي…)
- مواجهة اللايقين (الشكوك التاريخية، لايقين المعرفة، لايقين الواقع .. الضفائر: مخاطر/احتياطات…)
- تدريس الفهم ( عوائق الفهم، الروح الاختزالية، الوعي بالتعقيد الإنساني…)
- أخلاقيات الجنس البشري، الديموقاطية و التعقيد، المواطنة الدنيوية، الإنسانية كقدر كوكبي….) [40]
هذا التصور لتربية المستقبل يبقى تصورا واعدا لبناء ذات مفكرة تستطع التكيف مع مجال من أهم سماته التعقيد. وقد سجلنا كيف أن هذا التصور يتماهى مع الكثير من المقاربات البيداغوجية الحديثة خصوصا الكفايات التي تم ترسيمها في مجموعة من الأنظمة التربوية، لكن شتان بين الخطاب و الممارسة، شتان بين هذه التنظيرات المتعددة لفعل التربية والتعليم والممارسات الميدانية دون أن نتحدث عن شروط إنتاج المعرفة وإرساء التعلمات، و هي شروط تفرض على المدرس ومهما كانت درجة وعيه بأهمية بناء ذوات حرة، ومهما كانت يقظته أن يسقط في الإلقاء ومن ثم إعادة إنتاج نفس الأوضاع ونفس الأنماط السلوكية. وخاتمة القول انه بإمكاننا إنتاج خطابات بيداغوجية و بلورة تصورات لبناء إنسان جديد و نظام تربوي جديد ولكن ثمة دائما و في نهاية المطاف السياسي الذي يقرر في تبني هذا النهج أو ذاك.
قائمة المراجع:
1- ادغارموران، جون بودريار، عنف العالم، ترجمة عزيز توما، دارالحوار، سوريا، ط.1، 2005
2- ادغار موران، أزمة المعرفة عندما يفتقر الغرب إلى فن العيش، تعريب جاد مقدسي، مجلة الاستغراب، 2015
3- ادغار موران، الفكرو المستقبل، مدخل الى الفكر المركب، ترجمة أحمد القصوار و منير الحجوجي ، دار توبقال للنشر، المغرب، 2004
4- ادغار موران، تربية المستقبل، المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق و منير الحجوجي، دار توبقال للنشر،ط1، 2002
5-ادغار موران، هل نسير إلى الهاوية؟ ترجمة عبد الرحيم حزل، أفريقيا الشرق، المغرب،ط1 ، 2012
6- بن يوب هناء، ابستيمولوجيا التركيب عند ادغار موران، بحث لنيل شهادة الماستر في فلسفة التربية، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية، جامعة 8 ماي 1945،الجمهورية الجزائرية، السنة التكوينية2016/2017
7- جون ماري لوغاي، التجربة و المنهج، مقال في المنهج، ترجمة سفيان عبد الله، دار محمد علي للنشر، تونس، الطبعة الأولى،2009
8- صائب سويد، العبر مناهجية و مشكلة الحضارة، رسالة لنيل درجة الماجستير في الفلسفة، كلية الآداب و العلوم الانسانية، جامعة دمشق، قسم الفلسفة، بدون تاريخ
9- صورية لقاط زيتوني، ابستيمولوجيا التركيب و فلسفة التربية عند ادغار موران، دار الأيام للنشر و التوزيع، عمان، ط1، 2015
10 – عبد الكريم غريب وآخرون، في طرق و تقنيات التعليم، من أسس المعرفة إلى أساليب تدريسها، سلسلة علوم التربية، العدد السابع، الشركة المغربية للطباعة و النشر، الرباط، 1992
11- علاء طاهر، نهايات الفضاء الفلسفي، الفلسفة الغربية بين اللحظة الآنية و المستقبل، مكتبة مدبولي، القاهرة،ط1، 2005
12- محمد الدريج، تحليل العملية التعليمية التعلمية، منشورات مجلة الدراسات النفسية و التربوية، الرباط،1983
13- محمد شرقي، البيداغوجيا، مفهوم تاريخ و مقاربات، منشورات فضاء أدم بمراكش،2017
14- محمد شرقي، مقدمات عامة حول مسارات الفكر التربوي، مجلة علوم التربية،عدد70،يناير 2018
15-Catherine Hapern, John Dewey, Eduquer par l’experience, revue des sciences humainesn°45,2016
16- Edgar Morin, Enseigner à vivre. Manifeste pour changer l’éducation, Actes Sud, 2014
17-Edgar Morin, Introduction à la pensée complexe, Paris, Ed. du seuil,2005
18- Edgar Morin, La tète bien faite. Repenser la reforme, reformer la pensée, Paris, Ed. du Seuil, 1999
19-Edgar Morin, Les sept savoirs nécessaires à l’éducation du futur, Ed. du Seuil,2000
20-Georges Minois, Platon-Premier théoricien de l’éducation, Les grands dossiers des sciences humaines, n°45, décembre 2016
21-MarieLaure Viaud, Montessori, Freinet, Steiner…une école différente pour mon enfant? le guide des pédagogues et des établissements, de la maternelle au lycée, Nathan,2015
22-Michel Soetard, Rousseau, les rêveries d’un pédagogue imaginaire, les grands dossiers des sciences humaines, op. cité 23-Nathanael Laurent, Qu’est ce que la complexité, Revue des questions scientifiques, n°182,2011 23-Philippe Perrenoud, Le rôle de l’école première dans la construction des competences, revue Préscolaire(Québec), vol.38, n°2, avril2000
24- Spencer, De l’éducation intellectuelle, morale et physique,1861
25- V.et G. Delandscheere, Définir les objectifs pédagogiques, PUF,3éme éd.,Paris,1982
[1] -ادغارموران،جون بودريار، عنف العالم،ترجمة عزيز توما، دارالحوار، سوريا، ط.1، 2005، ص67.
[2] – ادغارموران، نفس المرجع،ص68.
[3] – علاء طاهر،نهايات الفضاء الفلسفي،الفلسفة الغربية بين اللحظة الآنية و المستقبل، مكتبة مدبولي، القاهرة،ط1، 2005،ص24.
[4]– هنا إشارة إلى الحوار الذي أجراه مع جريدة لوموند الفرنسية، عدد 23414 ، الأحد 19- الاثنين 20 أبريل 2020.
[5] -Georges Minois, Platon-Premier théoricien de l’éducation, Les grands dossiers des sciences humaines, n°45, décembre 2016, p.6
[6] -Georges Minois, Platon-Premier.., op.cité, p.6
[7] Georges Minois, Platon-Premier.., op.cité, p.7
[8] Michel Soetard, Rousseau, les rêveries d’un pédagogue imaginaire, les grands dossiers des sciences humaines, op.cité, p.21
[9] -Spencer, De l’éducation intellectuelle, morale et physique,1861,p.26
[10] -Catherine Hapern, John Dewey, Eduquer par l’experience, revue des sciences humaines, op.cité, p.28
[11] -MarieLaure Viaud, Montessori, Freinet, Steiner…une école différente pour mon enfant?, le guide des pédagogues et des établissements, de la maternelle au lycée, Nathan,2015
-[12] للتوسع أكثر في هذه النقطة يمكن الرجوع إلى كتابنا: البيداغوجيا، مفهوم تاريخ و مقاربات، منشورات فضاء أدم ،بمراكش،2017
[13] -V.etG.Delandscheere,Définir les objectifs pédagogiques, PUF,3éme éd.,Paris,1982,p.10
[14] -V.etG.Delandscheere, op.cité, p.5.
[15] – محمد الدريج، تحليل العملية التعليمية التعلمية، منشورات مجلة الدراسات النفسية و التربوية، الرباط،1983،صص.17-18
[16]-Philippe Perrenoud, Le rôle de l’école première dans la construction des competences, revue Préscolaire(Québec), vol.38, n°2, avril2000, pp.6-11
[17] -Philippe Perrenoud, op.cité,p.7
[18] – عبد الكريم غريب وآخرون، في طرق و تقنيات التعليم، من أسس المعرفة إلى أساليب تدريسها، سلسلة علوم التربية، العدد السابع، الشركة المغربية للطباعة و النشر، الرباط، 1992، ص.171
[19] – خالد المير وإدريس القاسمي، سلسلة التكوين التربوي،العدد الرابع،ص.117
[20] -Philippe Perrenoud,Le rôle de l’école première,op.cité,p9.
[21] – ادغار موران،أزمة المعرفة عندما يفتقر الغرب إلى فن العيش، تعريب جاد مقدسي، مجلة الاستغراب، 2015، ص52
[22] – ادغار موران،نفس المرجع،ص52
[23] — صورية لقاط زيتوني، ابستيمولوجيا التركيب و فلسفة التربية عند ادغار موران، دار الأيام للنشر و التوزيع،عمان، ط1 ، 2015 ، ص39
[24] – ادغار موران،الفكرو المستقبل، مدخل الى الفكر المركب، ترجمة أحمد القصوار و منير الحجوجي ، دار توبقال للنشر، المغرب، ، 2004 ، ص19
[25] -في هذا الإطار يكتب جزن ماري لوغاي، المركب هو” تلك الموضوعات التي إن فككناها أو قسمناها إلى أجزاء طلبا للبساطة تتغير طبيعتها “أما بالنسبة للمعقد فهو ذلك ” المكون من عناصر عديدة و إذا ما عوضنا عنصرا أو غيرناه فهذا لا يحدث أي أثر في طبيعته” . انظر جون ماري لوغاي،التجربة و المنهج،مقال في المنهج،ترجمة سفيان عبد الله، دار محمد علي للنشر،تونس،ط1،2009، ص11
[26]-Edgar Morin, Introduction à la pensée complexe, Paris, Ed. du seuil,2005,p.24
[27] – ادغار موران ،نفس المرجع،ص18
[28] -صائب سويد، العبر مناهجية و مشكلة الحضارة، رسالة لنيل درجة الماجستير في الفلسفة، كلية الآداب و العلوم الانسانية، جامعة دمشق، قسم الفلسفة، بدون تاريخ، ص8
-[29] ادغار موران، نفس المرجع،ص17
[30] ادغار موران، نفس المرجع،ص10
-[31] ادغار موران، تربية المستقبل، المعارف السبع الضرورية لتربية المستقبل، ترجمة عزيز لزرق و منير الحجوجي، دار توبقال للنشر،ط1، 2002
-[32] بن يوب هناء، ابستيمولوجيا التركيب عند ادغار موران، بحث لنيل شهادة الماستر في فلسفة التربية، كلية العلوم الإنسانية و الاجتماعية، جامعة 8 ماي 1945،الجمهورية الجزائرية، السنة التكوينية2016/2017، ص28
-[33] ادغار موران، الفكر و المستقبل، مرجع سابق، ص10
[34] Nathanael Laurent,Qu’est ce que la complexité, Revue des questions scientifiques,2011,n°182n, p253
[35] – ادغار موران، هل نسير إلى الهاوية؟ ترجمة عبد الرحيم حزل، أفريقيا الشرق، المغرب،ط1 ، 2012، ص54
[36] — Edgar Morin, La tète bien faite. Repenser la reforme, reformer la pensée, Paris, Ed. du Seuil, 1999
[37] -Edgar Morin, Enseigner à vivre. Manifeste pour changer l’éducation, Actes Sud, 2014
[38] – محمد شرقي، مقدمات عامة حول مسارات الفكر التربوي، مجلة علوم التربية،عدد70،يناير 2018،صص54-61.
[39]– Philippe Perrenoud, Le rôle de l’école première dans la construction de compétences, revue préscolaire, vol.38, avril,2000,p11
[40]– هامش للتوسع أكثر يمكن الرجوع إلى كتاب ادغار موران: Les sept savoirs nécessaires à l’éducation du futur, Ed. du Seuil,2000
 
                    