
إشكالية النصية في علوم القرآن من خلال علم المناسبة
Problematic of textually in the science of Quran
through the science of ” Al-mounassaba “
د. محمد قراش ـ جامعة زيان عاشور الجلفة. الجزائر
Mohamed kerrache. University of Ziane Achour . Djelfa . Alegria
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 58 الصفحة9.
الملخص :
تبحث المقالة الآليات التي عالجت من خلالها الدراسات التراثية إشكالية النصية في النص القرآني من خلال علم المناسبة ،وهو الفن الذي اشتغل على استنباط وبناء العلاقات والروابط الممكنة بين الآيات داخل السورة الواحدة ، ثم العلاقات والروابط بين السور نفسها . فمن أجل تحقيق ذلك الهدف استندت علم المناسبة الى شبكة واسعة من أنواع العلاقات، ترتبط – مثلا – بوحدة الموضوع ، وتماثل المعنى، والتضاد، والتلازم، والإجمال والتفصيل ، ومطابقة الاسم لمضمون السورة ، وغير ذلك من العلاقات الفعلية أو التأويلية التي تحقق الهدف الأسمى في التأكيد على وحدة النص القرآني وانسجام خطابه .
الكلمات المفتاحية : النصية ،التراث، النص القرآني، علم المناسبة ،السور ،الآيات ، وحدة النص ، الروابط ، الانسجام
Sammury :
The study examines how the heritage studies dealt with the problem of textual application of the Qur’anic text through ( ILM Almenassaba), which is the art that worked on the development and building of the relations and possible links between the verses within the surats and the relations and links between the surats itself. In order to achieve this objective, ILM Almenassaba was based on a wide network of types of relations, related to the unity of the subject, the similarity of the meaning, the antithesis, the totality and detail, , the implication of the name about the content of surat ; and another actual or interpretive relation that realize the final goal that confirm the unity of the Qur’anic text and the coherence of its discourse
Keys words: Text, heritage, Qur’anic text, Science of Almenassaba, Surat, unity of text, links; coherence
مقدمة :
لا شك أن علوم القرآن هي إحدى الحقول الرئيسية في التراث التي اختصت بدراسة القرآن وأخذت اسما جامعا بوصفها ( علوما ) متعددة تتناول جوانب مختلفة من النص القرآني ، ولكن اشتغالها على ظاهرة النص سواء في طبيعته أو في علاقته بالواقع أو في آليات إنتاجه للدلالة حولها اليوم الى هدف كبير لاستكشاف الإمكانيات المنهجية التي تنطوي عليها ، و يمكن إعادة بنائها بوصفها إطارا منهجيا لنظرية النص في حقول التراث على الرغم من تشكل مفاهيمها وأسسها في ضل المقاصد الدينية لفهم النص القرآني باعتباره وحيا مقدسا . ذلك ما حاولته –مثلا – مقاربة نصر حاد أبو زيد في دراسته عن ” مفهوم النص “، ومقاربة ” لسانيات النص : مدخل الى انسجام الخطاب” لمحمد الخطابي ، حيث يمكننا أن نعاين في ضوء دراسة نقدية مقارنة وتأصيلية – في الآن نفسه – إسهامات علوم القرآن في تأسيس مقاربة نصية تتصدى للقضايا الأساسية التي تنبني عليها – قديما وحديثا – عمليات فهم النص وتحليله
فإذا تمثلنا العناوين المنهجية لتلك العلوم ضمن الملين البارزين في التراث : البرهان للزركشي[1] والاتقان للسيوطي [2] لاحظنا بيسر – في ضوء منظور مقارني – ثراء العلوم القرآنية بأبعاد الممارسة النصية حيث تتعاضد تلك العناوين ضمن قضية تشكل النص( الناسخ والمنسوخ )أو قضية علاقة النص بالسيـــاق( أسباب النزول ) أو قضية علاقة النص بالنصوص الأخرى( الإعجاز ) أو قضية التماسك النصي ( المقاربة بين السور وبين الآيات ) أو قضية النص والمتلقي ضمن ( التفسير والتأويل ). فهذه الممارسات النصية تأسست تحت تأثير المقصد الديني ولكنها استثمرت أصولا بلاغية ولغوية وتاريخية وطبقتها على مجرى اشتغال النص القرآني وآليات إنتاجه للدلالة مولدة – بفضــــــل ذلك – مقاربة نصية يـــــــسعفنا الدرس النقدي المعاصر في استكشافها و أعـــادة بنائها تحليلا وتأصيلا .
أولا : إشكالية النصية بين الاستقبال و التأصيل :
مثلت قضايا النص المختلفة محور البحث في حقول متعددة و لكن متفاعلة ضمن المجال الواسع للدراسات النقدية واللسانية المعاصرة ، فإذا كان النقد الغربي المعاصر قد أعاد تأسيس وحدة النص ضمن عنوانها الأبرز ” الوحدة العضوية ” بوصفها مرتكز القيمة الفنية و الجمالية الإبداعية للعمل الأدبي فإن المكتسبات المفهومية والإجرائية التي ألقت بها بحوث الشكلانية الروسية ثم البنيوية ارتقت بأفق تلك الوحدة الى مستوى منهجي أشد وضوحا في الدلالة على درجة التحول الذي اكتسبه مفهوم الوحدة النصية بوصفه عنوان البحث المركزي في النص : في أصل وجوده ، تشكله ووظائفه .
لا عجب أن نجد التطور الذي راكم عناصر التفكير في النص ضمن مفهوم البنية المستقلة التي يتحدد المعنى فيها بديناميكية علاقاتها الذاتية[3] يمارس هيمنته المطلقة على مجرى الدرس النقدي واللساني المعاصر مشكلا عنوان حقبة الحداثة بأسرها ثم مندمجا بهذا الشكل أو ذاك من الفاعلية مع الأطر النظرية المتجددة لما بعد الحداثة . شهد مفهوم النص ذلك التوسع الملفت في امتدادات مترامية يستوعب مختلف الأنساق الدالة ضمن بعده السيميوطيقي[4] ، ويعيد احتواء أشكال العلاقات والنمو والتوالد بين النصوص ذاتها في سياق ثقافي واحد ضمن مفهوم التناص ولم يعد الفكاك من عالم النص ممكنا بإزاء تلك المقاربة الشاملة التي أرستها سيمطيوطيقا الثقافة [5].
إن الدرس اللساني الحديث والمعاصر – ذاته – الذي استنفذ بحث النظام اللساني في حدود الجملة سرعان ما استكمل أغراضه المنهجية وتحول نحو مراجعة صرامته حدوده المنهجية ليؤسس عبر المنطلقات اللسانية والثقافية للاستعمال – بدلا من النظام – الضرورة المعرفية والمنهجية للاشتغال على النص الذي أصبح حسب التصور المركزي في لسانيات النص / الخطاب هو الوجود الفعلي الوظيفي للغة حيث لا يمكن خارجه تصور وجود أي تجل لعمل إنساني بواسطة اللغة ، فالجمل ” تستعمل لتعليم الناس كيفية بناء العلاقات النحوية فحسب “[6]
شكل النص – منذ سبعينيات القرن الماضي – ملتقى البحث والدراسة لتظافر تخصصات معرفية متعددة ، اتخذت لنفسها عنوان حقل جديد سمته “علم النص ” ، تمثلت مهمته المركزية في ” وصف العلاقات الداخلية والخارجية للأبنية النصية بمستوياتها المختلفة وشرح المظاهر العديدة لأشكال التواصل واستخدام اللغة ” [7] ولا يقتصر الأمر على النصوص الأدبية وحدها ، اذ يسلك علم النص طابعا شموليا لأنه يتصل بجميع ” النصوص وانماطها في السياقات المختلفة “[8] ويتناول تحليلها استنادا الى تأسيس منظومة من الاجراءات الوصفية والتطبيقية التي تحمل طابعا علميا[9] مستمدا من مختلف الأصول المعرفية الممكنة التي تسهم في اضاءة ابعاد النصية وآليات تحققها واشتغالها .
مهما اختلفت عناوين البحث في النصية كقيمة تلتقي عليها مدارات البحث في اللسانيات التداولية ، ولسانيات النص / الخطاب والنقد الأدبي ، السيميوطيقا ، التأويلية ، فإنها قد رسمت أفقا مشتركا للبحث المعاصر في سياق الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة ذلك أنها جسدت احد محاور استقبال النظرية الغربية في مجال النقد واللسانيات من جهة ، وخلقت حوافز منهجية لإعادة استكشاف التراث من جهة أخرى .ولا شك أن ازدواجية هذا الموقف المعرفي هو بحد ذاته علامة ثقافية تؤطر بعمق هواجسنا المعرفية الثقافية الراهنة . إن ما نتمثله في حركة استقبال الآخر – نصا أو نظرية – هو ما نحاول إعادة تأسيسه في محور الذات أو الأنا منعكسا في ممارسات منهجية على حقل التراث .
اكتسب النظر الى النص بسبب من المفهوم المركب الذي احتضنه باعتباره متتالية لسانية أو نسقا دالا[10] وعملا تواصليا[11] إطارا شاملا بالنسبة الى بحث مسألة النصية وتوطينها عبر الإسهامات التراثية بحقولها المختلفة ذلك أن الاقتصار على النقد الأدبي أو على علوم العربية أو البلاغة لم يكن ليسعف الباحثين العرب المعاصرين في توظيف المنجز الغربي عن النصية ولذلك انخرطوا في الاشتغال على مجال الخطاب بمفهومه الشامل كممارسة لسانية تواصلية مهما كان موضوعها المعرفي ، دينيا أم لغويا أم أدبيا ، وقد وجدوا كثيرا من حقول التراث العربي الديني تستجيب لتجريب أو تأصيل مفاهيم النصية خاصة ما تعلق بعلم الأصول والتفسير وعلوم القرآن .
وإذا ما اتخذنا موقفا ابستمائيا تجاه حقول التراث فإن مرتكز اشتغالها بحكم التعضيد العقائدي يعود الى مركزية النص / الخطاب القرآني فسواء بدأنا بالنحو أم البلاغة أم الكلام أم انتهينا الى عمق العلوم الدينية الإسلامية : الأصول وعلوم القرآن والتفسير فإن الحافز الأكبر – تاريخيا وثقافيا – وراء انبعاث تلك المعارف وانتظامها يعود الى مركزية النص القرآني[12] وكلما اقتربت دائرة البحث في التراث من النص كلما ارتفع مستوى كثافتها المعرفي واجتهاده المنهجي بل كلما زاد – ضمنها- تزاحم وجهات النظر وتعددها وغناها النظري والتأويلي، وبقدر ما كان للشعر بوصفه نصا إبداعيا مركزيا في التراث من أولوية ثقافية معيارية إلا أن محصوله من العمل النصي التحليلي أو التنظيري لا يقاس مطلقا الى ما أنجز حول النص القرآني .
انتبه الباحثون المعاصرون الى جدوى البحث في إشكالية النصية من مدخل الدراسات القرآنية انطلاقا من دافعين اثنين : الأول : تبنيهم لمفهوم الخطاب / النص ضمن أطره النظرية المعاصرة ، و الثاني إدراكهم أهمية البحث في مجال النص القرآني لما يمتلكه من رصيد تحليلي ونظري متعلقا بقضية النصية فضلا عن إغراء البحث في محيط الجدل المستفز لعلاقة النص بالقداسة أو علاقة المقدس بالتاريخ ، إذ لا يمكن أن نتجاوز – مطلقا – ذلك التوتر الطبيعي بين الاشتراطات التاريخية للمنهج وبين النص القرآني بوصفه وحيا مقدسا ، ولذلك حاول بعض الباحثين الاقتراب من علوم القرآن بوصفها منهجا مستكشفين مقتربات النصية في أبعادها المختلفة .
لقد حاول الباحث محمد الخطابي مراجعة الإسهامات التحليلية لعلوم القرآن من منظور لسانيات النص مستخلصا مجموع القواعد والأدوات التي تتحقق بها أبرز مرتكزات النصية – الاتساق والانسجام – في النص[13] بينما واجه نصر حامد أبو زيد متبعا منظورا جدليا تأويليا [14] اشكالية النص القرآني في التراث مفهوما وتشكلا وتأويلا . وإذا كان الخطابي قد اشتغل تحديدا على باب المناسبة بين السور والآيات كمجلى مباشر لمسألة النصية بركنيها الاتساق والانسجام ، فإن أبا زيد قد عالج – إلى جانب المناسبة – أبعاد النص المختلفة
تشكل تجربة الباحثين واحدة من الاسهامات التحليلية العربية المعاصرة في استكشاف قضايا النصية داخل حقول التراث المتعددة ،وهو المسعى الذي تحاوله هذه الدراسة من اجل استعادة مقتربات النصية كما أنجزتها علوم القرآن ولكن بإضاءة منطلقها الألصق بحقيقة النصية ألا وهو نظرية المناسبة بين السور والآيات في نصوصها المركزية لدى الزركشي ( ت 794 ه ) في الإتقان، و السيوطي ( ت 911 ه ) في البرهان، ومراصد المطالع [15]، وتناسق الدرر [16] ولدى البقاعي ( ت 885 ه ) في نظم الدرر[17] ، والغرناطي ( ت 708 ه ) في البرهان في ترتيب سور القرآن [18] تلك النظرية التي صاغت بشكل اجتهادي لافت صيغة تعضيدية بمداخل لسانية ومنطقية وسياقية متعددة من أجل أن تحقق هدفا منهجيا حاسما عنوانه تماسك النص القرآني ووحدة خطابه ، تلك الوحدة التي هي – ضرورة – مرتكز الإعجاز نفسه[19] ولذلك تنتظم النصية في منظور علوم القرآن كإشكالية مركبة تستقي أدواتها من مداخل تاريخية ، ولكنها تحتفظ بشرطها العقائدي إزاء التقييم النهائي في أحكامها عن النص . إننا بصدد مواجهة الإشكال التالي : ما هي شروط النصية في علوم القرآن انطلاقا من مفهوم المناسبة بين السور والآيات ؟
ثانيا : النصية وعلم المناسبة : المفهوم والمرتكز النظري :
تؤشر المناسبة باعتبارها مصطلحا تراثيا على خصوصية لافتة إذ تكشف بعدا ابستمائيا ظاهرا تجسده إحالتها الى نظام البيان العربي القائم على آلية المماثلة[20] في إنتاج المعرفة وبناء الخطاب. إنها من هذه الزاوية لا تنحصر في قيمتها كظاهرة نصية وإنما تمتد الى فاعليتها كإحدى مرتكزات أو أنظمة العقل العربي التي دار بواسطتها البحث في انسجام الخطاب القرآني بما هي “علم أسلوبي شريف تحرز به العقول ويعرف به قدر القائل فيها “[21]
وإذا كانت المناسبة تلتزم بحرفيتها – في اللغة – حد المقارنة والقرب والمشاكلة “فلان يناسب فلانا أي يقرب منه و يشاكله “[22] فإنها في محصلة مفهوما أو مقصودها النظري تجري على حد المعقولية ، يتحقق وجودها – أو تقديرها – في النص بوصفها أمر ا معقولا إذا عرض على العقول تلقته بالقبول[23] ، ولا يكون ذلك بغير مرتكزات موجبة يحملها النص القرآني ، سواء كانت تلك المرتكزات صيغا حسية ظاهرة ، أم أبعادا نظرية وروابط ذهنية كامنة يحتمل النص تظهيرها ، ذلك أن ” مرجعها في الآيات ونحوها الى معنى رابط بينهما عام أو خاض عقلي أو حسي أو خيالي أو غير ذلك من أنواع العلاقات أو التلازم الذهني كالسبب والمسبب والعلة والمعلول والنظيرين والضدين ونحوه ..”[24].
لا يستند مبدأ المناسبة على مجرد الاعتقاد المسبق بنزاهة القرآن الكريم عن الاضطراب أو التفكك فحسب ، وإنما يؤسس مرجعيته على قاعدة الروابط التي تبرر العلاقة بين السور أو بين الآيات مهما تعددت وجوهها ،لسانية ، منطقية ، تأويلية ، حيث لا تتوقف حدود البحث عن تلك الروابط إلا عند تحقيق الغاية أو المقصد الأسمى من وجودها أو تقديرها : ” جعل أجزاء الكلام بعضها آخذا بأعناق بعض فيقوى بذلك الارتباط ويصير التأليف حاله حال البناء المحكم المتلائم الأجزاء “[25]
لما كانت الروابط المستهدفة بتحقيق المناسبة لا تنحصر بالوقائع اللسانية داخل النص، بل تمتد الى كل ما يسمح ببناء التأليف و الانسجام بين آيات القرآن وسوره حتى عند غياب الروابط الحسية المباشرة ، أصبح من الممكن فهمها كممارسة تأويلية ، تنطلق من اعتبار النص وحدة بنائية ، تستند مهمة اكتشاف علاقاتها الى ” قدرة المفسر ونفاذ بصيرته في اقتحام آفاق النص ” [26] . لا شك أن تصور المناسبة على هذا النحو ينهض على منظور القراءة المعاصرة ، لكنه يرتكز في المستوى التحليلي على الحدود التي يطرحها تعريف المناسبة نفسه . تلك الحدود التي يمكن إبرازها في بعدين اثنين :
الأول : أن تعريف المناسبة نص على احتمالية قسم منها، عندما جعلها روابط متعددة حسية ومجردة ، ظاهرة وغير ظاهرة حيث أن ” ذكر الآية بعد الأخرى : إما أن يكون ظاهر الارتباط بتعلق الكلام بعضه ببعض وعدم تمامه بالأولى فواضح ، وكذلك إذا كانت الثانية (= الآية ) للأولى على وجه التأكيد أو التفسير أو الاعتراض أو البدل وهذا القسم لا كلام فيه ، وإما ألا يظهر الارتباط بل يظهر أن كل جملة مستقلة عن الأخرى وأنها خلاف النوع المبدوء به “[27]
الثاني : أنه لم تخل علوم القرآن من تسجيل الاعتراض على وجود مبدأ المناسبة مطلقا في القرآن بل اعتبر أن القول بالارتباط بين الآيات أو بين السور أمر يقع في حد التكلف ،لأن القرآن إنما نزل على اختلاف الأسباب والأحكام والوقائع فلا يتحقق مع هذه الحال مناسبة دائما ” ومن ربط ذلك فهو متكلف لما لا يقدر عليه إلا بارتباط ركيك يصان عنه حسن الحديث فضلا عن أحسنه فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة ولأسباب مختلفة وما كان ذلك وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض مع اختلاف العلل والأسباب كتصرف الملوك والمفتين وتصرف الإنسان نفسه بأمور متوافقة ومتخالفة متضادة وليس لأحد أن يربط بعض تلك التصرفات مع بعض مع اختلافها في نفسها واختلاف أوقاتها[28]
لم يلق اعتراض العز بن عبد السلام ( ت 660 ه ) على مبدأ المناسبة تأييدا ظاهرا برغم إشارته الى زاوية مهمة تعترض تحقق المناسبة ،ذكرها المحققون دائما ، ألا وهي أن إثبات المناسبات والعلائق بين الآيات أو بين السور لا يتم أحيانا إلا بإعمال الجهد النظري واستدعاء أوجه القرب مهما بعدت . على أن اعتراضه يشير في واقع الأمر الى أن انسجام آيات القرآن وسوره لا يقتضي دائما البحث في هذه المناسبات لأن نزولها في أحكام وأوقات وأسباب متباينة هو ما يفسر اختلافها ، حيث يتخذ القرآن إجراء ” واقعيا ” في تنزله . فكأن مبدأ المناسبة نفسه غير لازم من أجل فهم القرآن أو أجل تأكيد إعجازه .
لم يقتنع الباحثون المعاصرون بمقصد العز هذا ، وإنما اعتبروا رؤيته تلتبس بتوهم نبه إليه القدامى إذ رأوا أن نزول القرآن على مقتضى الحكمة يقتضي تحقق المناسبة بين سوره وآياته ، فضلا عن أن ما تقوم به اللغة من إمكانيات تمثيل رمزية للواقع يختلف عما تجري به الوقائع الخارجية نفسها فقد تكون ” العلاقات بين الوقائع الخارجية مفتقدة ولكن اللغة تصوغ هذه الوقائع في علاقات لغوية، والنص القرآني وإن كانت أجزاءه تعبيرات عن وقائع متفرقة ، نص لغوي له قدرة على تنمية وإبداع علاقات خاصة بين الأجزاء وهي العلاقات أو المناسبات التي يبحث فيها هذا العلم “[29] . ويمكن أن يقاس القرآن في هذا المعنى بالقصيدة العربية الجاهلية التي تتعدد أغراضها وموضوعاتها لكن ذلك لم يمنع كونها “وحدة من العلاقات التي يتحتم أن يكشفها الناقد أو القارئ “[30]
يستبطن هذا الاختلاف بعدا مركزيا في نصية القرآن الكريم ، إذ تنطوي تلك النصية على نوعين من الترتيب أولهما ترتيب النزول حيث تأخذ السور ترتيبها حسب ورودها الزمني ، والثاني ترتيب التلاوة الذي يخص ترتيبه – كما هو – في المصحف ، وبين هذين الترتيبين تجري عمليات الفهم والقراءة التي تتناول النص القرآني حيث لا تستغني عن ترتيب النزول بحثا عن المعنى ضمن علاقة النص بالسياق ، كما لا تستغني عن ترتيب المصحف بحثا عن انسجام الآيات والسور .وفي هذا المستوى الثاني يتأسس علم المناسبة منجزا مهامه في بناء النصية الداخلية للنص القرآني ، دون أن تكون المناسبة بديلا عن واقعية تشكل النص القرآني التي تنكشف فاعليتها التأويلية ضمن أسباب النزول .وهكذا يمكننا تجاوز الجدل الذي تثيره حدود المناسبة ومشروعيتها العلمية برسم حدودها الوظيفية بوصفها إجراء علميا تأويليا يتوخى استكشاف الانسجام – الواقعي أو المحتمل – داخل النص القرآني كما يحتضنه ترتيب التلاوة .
نظر الدارسون القدامى الى المناسبة – إذا – بوعي تأويلي ظاهر ، حين ذهبوا الى التفكير في الأسس والمقدمات النظرية التوجيهية التي تسمح بتشييد المناسبات والعلاقات النصية بين الآيات والسور ، بناء على استراتيجية واضحة ، تشكل مرتكز العمل الذي يقوم به المفسر انطلاقا من الغرض العام للسورة ثم بناء المقدمات التي يقتضيها ذلك الغرض ،بمعنى توقعها كخطط ونماذج لازمة ، على ترتيب معقول يوجب الإقناع مراعاة لمقتضى حال المتلقي ، وقد أقر السيوطي هذا المبدأ العام نقلا عن أحد المتأخرين[31] حيث قال ” الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من مقدمات وتنظر إلى مراتب تلك المقدمات في القرب والبعد من المطلوب ، وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له التي تقتضي البلاغة شفاء الغليل بدفع عناء الاستشراف الى الوقوف عليها ، فهذا هو الأمر الكلي المهيمن على حكم الربط بين جميع أجزاء القرآن ، فإذا فعلته تبين لك وجه النظم مفصلا بين آية و آية في كل سورة وسورة “[32]
إننا بإزاء قواعد إجرائية وافية في دلالتها على مستوى التفكير المنهجي الذي انتهى إليه علماء القرآن في صياغة شروط النصية وتشييد مقتضياتها في تناول النص القرآني حيث يمكننا بعدئذ النزول الى مجال الممارسة التطبيقية في تظهير تلك القواعد ضمن محورين متكاملين الأول يتعلق بالمناسبة بين السور أو البحث عن كلية القرآن ، الثاني يتصل بالمناسبة بين الآيات أو البحث في انسجام النصوص القرآنية .
ثالثا : كلية الخطاب القرآني : المناسبة بين السور :
إذا كان الزركشي قد بحث المناسبة كأحد علوم القرآن ، فإن الفقيه أبا جعفر أحمد بن إبراهيم الغرناطي قد خص المناسبة بين السور بمؤلف مستقل هو ” البرهان في ترتيب سور القرآن “وكذلك فعل برهان الدين أبي الحسن إبراهيم عمر البقاعي في كتابه ” نظم الدرر في تناسب الآيات والسور ” حيث أفرد كتابا مستقلا لعلم المناسبة في عشرين جزء. أما السيوطي فإنه صنف مؤلفين خاصين بعلم المناسبة الأول هو ” تناسق الدرر في ترتيب السور ” [33]، والثاني هو ” مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع “[34]وعلى الرغم من أن هذه الإسهامات التراثية تتجاوب في تجسيد مقتضى نصية القرآن انسجاما وتكاملا ، سواء على مستوى المبدأ العام أم على مستوى الممارسة التحليلية المطبقة على النصوص القرآنية ، فإنها لم تخل من ممارسة كفاءة اجتهادية لافتة في بناء أنماط المناسبات ، وحل مواقع التباس أو غموض أو تباين كثيرة في النصوص القرآنية يتعذر على القراءة المباشرة أو العفوية تمثل انسجامها .
على أن البحث في تناسب السور ربما كان هو الباب الأكثر اقتضاء للاجتهاد لأنه يقارب نصوصا – سورا – مستقلة عن بعضها بعناوينها وموضوعاتها وأحكامها ، وربما كانت كلمة القرآن الجامعة للمصحف الشريف تولد لدى المتلقي ذلك الانطباع التلقائي بكلية القرآن الكريم ،دونما حاجة الى البحث في روابط ظاهرة لتلك الكلية . ولكن منظور المناسبة يؤسس شبكة روابط نصية – منطقية متكاملة تندرج ضمنها سور القران الكريم بتراتب مواقع السور ودلالة أسمائها ، ثم بتآلف المطالع والخواتيم ، أو الغرض أو الموضوع ، أو المضامين والأحكام ، في نسيج واحد من الفاتحة الى الإخلاص
تضمنت الفاتحة بوصفها أم القرآن ” مجملا ما تفصل في الكتاب العزيز بجملته ، وهو أوضح وجه في تقدمها سوره الكريمة “[35] ” ، فكونها قد جمعت ما جاء به القرآن الكريم مجملا استحقت موقع التقدم عن جميع سوره ،التي تأتي به بالضرورة مفصلا ، تختص كل سورة أو مجموعة سور منه بتفصيل قسم من الأقسام التي انضوت في الفاتحة إجمالا . إن تسمية الفاتحة بأم القرآن ، الأساس ، المثاني ، الشافية الكافية ، الوافية ، الحمد ، الشكر ، الدعاء ، الصلاة يطابق موقعها ووظيفتها التي جعلت منها صورة مصغرة ومركزة لكلية الخطاب القرآني . فهي إثبات للحمد الذي هو الإحاطة بصفات الكمال ، وللشكر الذي هو تعظيم المنعم ، وهي عين الدعاء فإنه التوجه الى المدعو ، وأعظم مجامعها الصلاة[36]. وتتعاضد وجوه التقديم للفاتحة بوجوب قراءتها في كل صلاة وافتتاحها بحمد الله سبحانه ، وإشارتها الى إرسال الرسل في قوله : (أهدنا ) ، وذكر اختلاف الخلق بين مهتدين ومغضوب عليهم وضالين ،ثم اعتبار ملاك الهدي بيده تعالى ( إياك نستعين )[37]
لا شك أن تموضع الفاتحة في مقدمة المصحف واشتمالها على تلك العناصر الموضوعية التي تتعلق بالمبادئ الإجمالية للدين الإسلامي يسمح لها بتمثيل كلية القرآن ، ولكن تلك الكلية نفسها المستنبطة في سورة الفاتحة إنما استظهرها الدارسون من استقرائهم مضامين وأحكام نصوص القرآن الكريم ليربطوا خلاصة الاستقراء بمضمون الفاتحة . إن النصية التي يستكشفها علماء القرآن هي نصية مستنبطة بفضل ممارسة علمية ومنطقية عالية الدقة تسمح للقارئ بتمثل كلية القرآن من نصه الأول الفاتحة التي استجمعت أقسام القرآن الثلاثة : التوحيد ، التذكير ،الأحكام،” فالتوحيد تدخل فيه علاقة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله والتذكير ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الباطن والظاهر والأحكام ومنها التكاليف وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب ولهذا المعنى صارت الفاتحة أم الكتاب لأنه فيها أقسام الثلاثة . فأما التوحيد فمن أولها الى قوله يوم الدين ،وأما الأحكام فإياك نعبد وإياك نستعين وأما التذكير فمن قوله أهدنا الى آخرها فصارت بهذا أما،لأنه يتفرع عنها كل نبت [38]
تتقدم سورة الفاتحة سور القرآن بآلية الإجمال والتفصيل لأحكام القرآن ومبادئه وتأخذ من اسمها دلالات ذلك التقدم ووظيفته بالنسبة الى مجموع تلك الأحكام ، ولكن بحث النصية لم يتوقف عند حدود هذه العلاقة المضمونية أو الموضوعية وإنما اجتهد في استكشاف الروابط التفصيلية التي تجسد العلاقة بين السورة وما يليها فعندما ننتقل الى سورة البقرة تأخذ العلاقة شكل الدعاء والجواب بقرائن المضمون واللفظ معا ” وأما مناسبة ما بعد ذلك للفاتحة فهو أنه لما أخبر سبحانه وتعالى أن عباده المخلصين سألوا في الفاتحة هداية الصراط المستقيم الذي هو غير طريق الهالكين أرشدهم في أول التي تليها الى أن الهدى المسئول عنه إنما هو هذا الكتاب وبين لهم صفات الفريقين الممنوحين بالهداية حثا على التخلق بها والممنوعين منها زجرا عنها قربها ، فكان ذلك من أعظم المناسبات لتعقيب الفاتحة بالبقرة لأنها سيقت لنفي الريب عن هذا الكتاب ولأنه هدى للمتقين “[39] وهنا تتحقق المناسبة عبر علاقة أسلوبية يجسدها تجاوب الآية السابعة من الفاتحة مع الآية الثانية من سورة البقرة ،إذ ” لما قال العبد بتوفيق ربه ( أهدنا صراط المستقيم ) قيل له ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) هو مطلوبك …وهو الصراط المستقيـــــــــــــــــــم (هدى للمتقين ).[40]
من أجل تعميق المناسبة بين السورتين تجتهد استراتيجية الدارسين الى استدعاء جميع العناصر النصية في السورة الثانية ( البقرة ) ، تلك التي تعود باللفظ أو الترادف أو المعنى أو الغرض العام الى المرتكز النصي الذي أسست عليه المناسبة في السورة الأولى ( الفاتحة ) ولذلك يوصل الدعاء : ( أهدنا صراط المستقيم ) بمواقع إسقاط نصية متعددة : في التنبيه الى وجوب الإخلاص ( آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين )[41] أو لبيان أحوال المصطفى من أهل الصراط المستقيم إذ أنبأ بحال إبراهيم ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن )[42] أو في تبرئة إبراهيم والأنبياء من حال اليهود والنصارى وبيان أن ما هم عليه هو الصراط المستقيم في الآية ( أم يقولون أن إبراهيم كان هودا أو نصارى ) [43] أو بذكر التوحيد و بيان سوء حال المشركين وإلحاقهم باليهود والنصارى في انحرافهم عن الصراط المستقيم في الآيتين ( وإلهكم اله واحد )[44] و ( إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا )[45] ثم في بيان شمول الزيغ للنصارى وبني إسرائيل ومشركي العرب لبعدهم عن الصراط المستقيم ، وإن كانت أسوأ الأحوال هي حال من أضله الله على علم ( وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ).[46]
فلما ذكرت السورة كل أحوال الخروج عن الصراط المستقيم تحذيرا للمتقين انطلقت لبيان ما يلزمهم من الأحكام : الزكاة ، الحج ، الجهاد ، الصيام الى أحكام المعاملات من نكاح وطلاق والرضاع ، والحدود والربا والبيوع ، الوفاء بالعهد والصبر ، بدء من الآية ( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق ولكن البر من اهتدى)[47] الى خاتمة السورة ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون ، كل آمن برب بالله وملائكته ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير )[48] حيث انتهى الخطاب بعد بيان الصراط المستقيم وأحوال الزائغين وتذكير المتقين بما يلزمهم من امتثال الأحكام الى وجوب الطاعة و التسليم لأمر الله (وقالوا سمعنا وأطعنا ) ليكون جزاؤهم رفع المشقة عنهم[49] ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ) [50] . فكل تلك المواقع النصية في سورة البقرة تستجيب للمبدأ النصي الذي تصدرت به سورة الفاتحة في صيغة الدعاء (أهدنا الصراط المستقيم ..) فمن ذلك المبدأ تولدت مختلف الأحكام التفصيلية البيانية في سورة البقرة لما يعنيه ذلك المبدأ سواء بالنسبة الى المخالفين ببيان أحوال زيغهم أم بالنسبة الى المتقين ببيان فضلهم وواجباتهم.
ربما كانت قاعدة الإجمال والتفصيل مهيمنة في بناء الدارسين لمقتضى المناسبة بين السور على ما قرر السيوطي ولذلك نظر الى سورة( آل عمران ) بوصفها تفصيلا لما جاء في البقرة متتبعا مواقع ذلك الإجمال والتفصيل بين السورتين( فإن أول البقرة افتتح بوصف الكتاب بأنه لا ريب فيه وقال في آل عمران ( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ) إذ ذكر فيها الكتاب مجملا وقسمه في سورة آل عمران الى آيات محكمات ومتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله ثم قال في البقرة ( وما أنزل من قبلك ) وقال في البقرة ( وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس )وذكر القتال مجملا في البقرة ( وقاتلوا في سبيل الله ) بينما فصل قصة أحد بأكملها في سورة آل عمران ، ذكر الشهداء بقوله في البقرة ( أحياء ولكن لا تشعرون ) وزاد في آل عمران ( عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من فضلهم )[51]
على أن السيوطي – وغيره من الدارسين – لم يكتف بقاعدة الإجمال والتفصيل ، بل استنبط قواعد أخرى تتحقق بها المناسبة ، منها الاتحاد والتلازم بين السورتين ، إذ ذكر في البقرة خلق الناس ، وذكر في آل عمران مبدأ تصويرهم في الأرحام ، ذكر خلق آدم وذكر في الثانية مبدأ خلق أولاده ، افتتح البقرة بقصة آدم ، عليه السلام ، خلقه من غير أب وأم ، وذكر في الثانية ( آل عمران ) نظيره في الخلق ، المسيح ، خلقه الله من غير أب[52]. بل يجري التلازم على نحو دقيق حتى يتوزع المعنى المتقابل بينهما ، إذ قال في البقرة في صفة النار ( أعدت للكافرين ) وقال في آخر آل عمران ( جنة عرضها السموات والأرض أعدت للكافرين )فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة[53] ويزيد من تأسيس تلك الوحدة تناسب خاتمة السورة الثانية مع فاتحة السورة الأولى ، لذلك قال في افتتاح البقرة ( والذين يؤمنون بما انزل إليك وما أنزل من قبلك ) فختمت آل عمران بقوله : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم )[54]
هكذا تجري المناسبة في تشييد علاقاتها بين السور مرتكزة على استقراء واسع لكل الظواهر النصية التي تحقق التماسك والانسجام بين سور القرآن الكريم ، ولذلك تطبق قواعدها بالانتقال من سورة الى أخرى وفقا لترتيب التلاوة . فسورة النساء بعد آل عمران متصلة على قاعدة الإجمال والتفصيل بالبقرة ثم بآل عمران ، فمن علاقتها بالبقرة أنها أجملت آية اليتامى و آية الوصية ، والميراث ، والوارث في قوله تعالى : ( وعلى الوارث مثل ذلك )[55] وفصل ذلك في سورة النساء ابلغ تفصيل [56] أما اتصالها بال عمران فمنه أن سورة آل عمران ختمت بالتقوى ( واتقوا الله لعلكم تفلحون )[57] فافتتحت سورة النساء به ( واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام ) [58] وهو نوع من البديع يسمى : تشابه الأطراف [59]
يسمح هذا الاستكشاف لتناسب السور في القرآن الكريم عندما نتتبع أثره في السور الباقية بمعرفة الاتجاه العام للممارسات النصية التي توخت بناء انسجام الخطاب القرآني وتحقيق كليته من خلال التأكيد على علاقات مركزية تتردد بلا انقطاع ، توشج بين السور عبر وحدة الموضوع والغرض أو عبر الإجمال والتفصيل، أو عبر المشترك اللفظي والأسلوبي أو عبر المعطى البلاغي ، أو عبر التلازم والاتحاد أو عبر تلاؤم المطالع والخواتيم لفظيا أو دلاليا أو عبر الترادف ، وتجري اجتهادات تفصيلية بين الدراسات النصية تتنوع أمثلتها، وتسمياتها ولكن مقصدها العام لا يتغير ، فإذا تطلعنا الى منتهى بحث التناسب بين السور في آخر المصحف وجدناه على طريقته في أول المصحف ووسطه ، فعن سورة الإخلاص ” قال البعض وضعت هاهنا للوزان في اللفظ بين فواصلها ومقطع سورة تبت ،وأقول : ظهر لي غير الوازن في اللفظ أن هذه السورة متصلة بقل يا أيها الكافرون في المعنى ، ولهذا قيل في أسمائها أيضا الإخلاص، وقد قالوا :إنها اشتملت على التوحيد ، وهذه أيضا مشتملة عليه ، ولهذا قرن بينهما في القراءة في الفجر، والطواف والضحى وسنة المغرب ،وصبح المسافر ،ومغرب ليلة الجمعة ،وذلك أنه لما نفى عبادة ما يعبدون صرح هنا بلازم ذلك وهو أن معبوده أحد ، وأقام الدليل عليه بأنه صمد ، ولم يلد ولم يولد. [60]
إن القارئ المؤمن – غير الدارس – يتلقى كلية القرآن وانسجامه على نحو تلقائي بوصفه نصا واحدا في مصدره وقداسته وإعجازه، ولكن علم المناسبة قد وضع نصية القرآن موضع النظر العلمي والمنهجي وأسس تطبيقاتها على سور القرآن بواسطة منظومة من القواعد و الروابط النصية التي تلتمس حجيتها من أصول علمية متعددة لغوية وبلاغية ومنطقية وتأويلية . وإذا كانت تلك المهمة التي تدخلت فيها جهود المفسرين وعلماء القرآن لم تكن ميسورة المطلب بسبب من تعدد السور القرآنية واختلاف موضوعاتها وأسباب نزولها ، فإن العلاقات بين الآيات داخل السورة الواحدة ربما اشتملت على أطار أيسر لبناء المناسبات بسبب من وحدة التسمية وانحصار الموضوعات والأسباب ومحدودية حجمها الذي انتهى في حده الأدنى الى آيات ثلاث في سورة الكوثر .
رابعا : وحدة النص القرآني : المناسبة بين الآيات :
نظر الدارسون الى مناسبة الآيات داخل السورة من وجهين اثنين : الأول حين يكون الارتباط بين الآيات ظاهرا لفظا بوجوه من الوجوه النحوية مثل ” التأكيد أو القسم أو الاعتراض أو البدل ، وهذا القسم لا كلام فيه “[61] والثاني أن لا يكون الارتباط ظاهرا ، حين تأتي الجمل في الآيات مستقلة عن بعضها ، وفي هذه الحالة يمكننا تمييز وضعين بين الجمل : احدها أن تكون الجملة الأولى معطوفة على الثانية بأحد حروف العطف ، وهنا لا بد أن تجري بينهما علاقة جامعة مثل شبه التضاد بين السماء والأرض في مثل قوله تعالى ( يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ) أو التضاد بين القبض والبسط في قوله ( والله يقبض ويبسط ) .وهذا الاستنتاج للعلاقة الجامعة مرده لعملية استقراء العوائد الأسلوبية والخطابية في القرآن الكريم فقد جرت ” عادة القرآن الكريم إذا ذكر أحكاما ذكر بعدها وعدا ووعيدا ليكون باعثا على العمل بما سبق ثم يذكر آيات توحيد وتنزيه ليعلم عظم الآمر والناهي. “[62]
وقد تكون المسافة بعيدة بين طرفي الآية كما في قوله تعالى ( يسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[63] فيلتمس له وجوه من المناسبة على سبيل الاجتهاد منها أنه من قبيل التمثيل لماهم عليه من تعكيسهم في سؤالهم ، وأن مثلهم كمثل من يترك بابا ويدخل من ظهر البيت فقيل لهم : ليس البر ما أنت عليه من تعكيس الأسئلة ، ولكن البر من اتقى ذلك ثم قال سبحانه وآتوا البيوت من أبوابها أي باشروا الأمور من وجوهها التي يجب أن تباشر عليها ولا تعكسوا “[64] ومن هذا النمط البعيد بين المعطوفات قوله تعالى ( ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ …)[65] الى الآية (وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا )[66] فأي رابط بينهما ، بين الإسراء وبين( آتينا موسى الكتاب )؟ فيكون تقدير المناسبة بهذا النحو بأحد وجهين : ” سبحان الذي أطلعك على بعض بيانه لتقصها ذكرا ، وأخبرك بما جرى لموسى وقومه في الكرتين لتكون قصتهما آية أخرى ، أو أنه أسرى بمحمد الى ربه كما أسرى بموسى من مصر حين خرج منها يترقب ويكون الانتقال من قصة بني إسرائيل الى ذكر القرآن خروجا آخر الى حكمة القرآن لأنه الآية الكبرى وعلى هذا فقس الانتقال من مقام الى مقام .” [67]
أما الوضع الثاني فهو أن لا يقع بين الجمل عطف وهنا تكمن فاعلية البحث عن المناسبة ، إذ أن تأسيس علم المناسبة إنما اتصل باستشكال النظر في الآيات التي يبدو من ظاهرها الانفصال أو التعارض ففي الوضع الذي تستقل الآيات عن بعضها وتتجاور بغير رابط ظاهر ، ينشأ البحث في القرائن الجامعة التي صنفها السيوطي – ومن قبله الزركشي – الى أسباب :
التنظير أو إلحاق النظير بالنظير : في قوله تعالى ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق )[68] بعد قوله : ( أوليك هم المؤمنون حقا )[69] فإن الرابط بينهما هو أن ألله ” أمر رسوله أن يمضي لأمره في الغنائم على كره من أصحابه كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير أو القتال وهم كارهون ) [70]فإن المناسبة مبنية على نظير الكراهة بين الموقفين .
المضادة : وتظهر في مثل قوله تعالى : (إن الذين كفروا سواء عليهم آنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون )[71] إذ جاءت بعد حديث السورة عن القرآن وهدايته للمؤمنين ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ، الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون )[72] فإنه لما ” أكمل وصف المؤمنين عقب بحديث الكافرين فبينهما جامع وهمي بالتضاد ، وحكمته التشويق والثبوت على الأول .”[73]
الاستطراد : في مثل قوله تعالى : ( يبني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير)[74] فهذه الآية وردت على سبيل الاستطراد بعد ذكر ” بدو السوءات وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ، ولما في العري وكشف العورة من المهنة والفضيحة ، وأشعارا بأن الستر باب عظيم من أبواب التقوى. “[75]
أما حسن التخلص فقد ميزه السيوطي عن الاستطراد إذ جعله – متبعا رأي الزمخشري( ت 538 ه)- الانتقال من الأمر الذي بدئ به الكلام” الى المقصود ، على وجه سهل يختلسه اختلاسا ، دقيق المعنى ، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع عليه الثاني لشدة الالتئام بينهما “[76] ويقترب من حسن التخلص الانتقال من حديث الى آخر تنشيطا للسامع في مثل قوله: ( هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ).[77]
وإذا كانت هذه الوجوه من المناسبات تحكم العلاقات بين الآيات في السورة الواحدة ، فيكون بعضها ظاهرا ويكون بعضها خفيا ، فإن وجوها أخرى تحكم نسق السورة العام انطلاقا من مرتكزات أولية تتصل بالبدء والختام ، كما بهيمنة حرف بعينه ، أو مناسبة التسمية . ففي الوجه الأول المتعلق بمناسبة الفواتح للخواتيم ، أفرد السيوطي رسالة كاملة ضبط من خلالها موافقات أوائل السور لآخرها ، وهي موافقات لا تخرج عن حدود تماثل المطالع في اللفظ والمعنى ، أو تضادها ، أو تلازمها في المعنى ، و يمكن التمثيل لها في أغلب سور القرآن الكريم على النحو التالي :[78]
السورة | فاتحتها | خاتمتها |
البقرة آل عمران النساء المائدة الأنعام الأعراف الأنفال براءة يونس هود يوسف الرعد إبراهيم الحجر ) النحل الإسراء الكهف مريم طه الأنبياء الحج المؤمنون النور الفرقان الشعراء النمل القصص عنكبوت الروم لقمان السجدة الأحزاب سبأ فاطر يس الصافات ص الزمر غافر فصلت الشورى الزخرف الدخان الجاثية محمد الفتح الحجرات ق الذاريات الطور النجم القمر الرحمن الواقعة الحديد المجادلة الحشر الممتحنة الصف الجمعة المنافقون التغابن الطلاق التحريم الملك ن …….. الهمزة الإخلاص الناس | ذكر أوصاف المؤمنين (إن الله لا يخلف الميعاد) الآية : 9 بدء الخلق ( يا أيها الناس اتقوا ربكم )الآية: 3 ( أحلت لكم بهيمة الأنعام ) الآية: 1 – 2 (الذين كفروا بربهم يعدلون ) الآية : 1 (وذكرى للمؤمنين ) الآية : 2 (أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات ) الآية : 4 (وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله )الآية: 3 (أن أوحينا الى رجل منهم ) الآية : 2 ( آلر كتب أحكمت آياته ) الآية : 1 ( الر تلك آيات الكتاب المبين ) الآية : 1 ( ألمر تلك آيات الكتاب ) الآية : 1 ( ألر كتاب أنزلناه إليك ..) الآية : 1 ( الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ) الآية : 1 (أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) الآية : 1 ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) الآية 1 ( الحمد لله الذي انزل على عبده الكتاب)الآية: 1 (كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا )الآية :1-2 ( طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) الآية :1 – 2 (اقترب للناس حسابهم ) الآية : 1 (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة) الآية: 1 ( قد افلح المؤمنون ) الآية : 1 وليضربن بخمورهن ولا يبدين زينتهن) الآية : 31 ( تبارك الذي انزل الفرقان على عبده ) الآية : 1 ( طسم تلك آيات الكتاب المبين ) الآية : 1 – 2 (طسم تلك آيات القرْان وكتاب مبين ) الآية:1 -2 (فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) الآية : 17 (احسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ) الآية:2 ( ويوم تقوم الساعة يلبس المجرمون )الآية : 12 ( …وأنزلنا من السماء ماء ) الآية : 10 (لينذر قوما ما آتاهم من نذير ) الآية : 3 ( يا أيها النبي اتق الله ) الآية : 1 (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة )الآية : 3 ( والذين يمكرون السيئات )الآية : 10 ( يس والقرآن الحكيم )الآية : 1 – 2 (والصفات صفا )الآية: 1 ( ص والقرآن ذي الذكر )الآية : 1 ( فاعبد الله مخلصا له الدين ) الآية : 1 (أولم يسيروا في الأرض )الآية : 21 (فأعرض أكثرهم ) الآية : 4 ( كذلك يوحى إليك والى الذين من قبلك )الآية :3 ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ) الآية :9 (فارتقب يوم تأت السماء بدخان )الآية :10 ( وإذا علم من آيتنا شيئا ) الآية :9 ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الر قاب )الآية :4 ( إنا فتحنا لك فتحا مبينا )الآية :1 ( يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يد الله ) الآية :1 (أإذا متنا وكنا ترابا إنا لمبعوثون ) الآية : 3 (إنما توعدون لصادق ) الآية : 5 ( إن عذاب ربك لواقع ) الآية : 7 ( والنجم إذا هوى ) الآية : 1 ( اقتربت الساعة وانشق القمر )الآية : 1 (الرحمن ) الآية : 1 ( إذا وقعت الواقعة ) الآية : 1 آمنوا بالله ورسوله )الآية : 7 (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها )الآية : 1 (سبخ لله ما في السموات والأرض )الآية : 1 (ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم.) الآية:1 ( لما تقولون مالا تفعلون )الآية : 2 (يسبح لله ما في السموات وما في الأرض) الآية 1 (فصدوا عن سبيل الله )الآية : 2 ( يعلم ما في السموات والأرض )الآية : 4 (و احصوا العدة )الآية : 1 ( وإذا أسر النبي الى بعض أزواجه )الآية : 3 (تبارك الذي بيده الملك ) الآية : 1 ( وما أنت بنعمة ربك بمجنون ) الآية :2 ………………………………………….. ( ويل لكل همزة لمزة ) الآية : 1 ( أحد ) الآية : 1 (الناس ) الآية : 1 | الإشارة الى وصف الكافرين (إنك لا تخلف الميعاد): الآية : 197 أحكام الوفاة( قل الله يفتيكم في الكلالة ) الآية : 176 ( جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام والهدي والقلائد ) الآية :97 (وهم بربهم يعدلون) الآية : 150 (تذكروا فإذا هم مبصرون ) الآية : 201 أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة )الآية : 74 ( فإن تولوا فقل حسبي الله ) الآية : 129 ( واتبع ما يوحى إليك )الآية :129 (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ) الآية : 120 ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ) الآية : 111 ( ومن عنده علم الكتاب ) الآية : 43 ( هذا بلاغ للناس ولينذروا به )الآية : 52 (ولقد أتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) الآية :87 ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) الآية : 127 (وقل الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب)الآية:111 (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي ) الآية :109 (فإنما يسرناه بلسانك ) الآية : 97 (وقالوا لولا يأتينا بآية ) الآية : 133-134 ( واقترب الوعد الحق ) الآية :97 ( ليكون الرسول شهيدا عليكم ) الآية :78 ( إنه لا يفلح الكافرون )الآية : 117 . ( فليس عليهن جناحا أن يضعن ثيابهن )الآية :60 (تبارك الذي جعل في السماء بروجا )الآية : 61 ( وإنه لتنزيل من رب العالمين ) الآية : 192 (وأن اتلوا القرآن فمن اهتدى ) الآية : 92 (فلا تكونن ظهيرا للكافرين )الآية : 87 ( والذين جاهدوا فيما لنهدينهم سبلنا ) الآية : 69 ( ويم تقوم الساعة يقسم المجرمون )الآية : 55 (وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ) الآية : 34 (فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون )الآية :30 ( واتقين الله )الآية : 55 ( قل إن ربي يقذف بالحق علم الغيوب) الآية : 48 (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله ) الآية :43 وما علمنه الشعر ..) الآية : 69 ( وإنا لنحن الصافون) الآية : 165 ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) الآية : 87 (بل الله فاعبد ) الآية : 66 (أفلم يسيروا في الأرض )الآية : 82 ( أعرض وناء بجانبه ) الآية : 51 ( وكذلك أو حينا إليك روحا من أمرنا )الآية : 52 ( ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله ) الآية :87 ( فارتقب إنهم مرتقبون ) الآية : 59 ( ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا) الآية : 35 ( هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله..)الآية : 38 ( محمد رسول الله والذين آمنوا معه …) الآية : 98 (.,,,قل لا تمنوا عليا إسلامكم )الآية: 17 (يوم تشقق الأرض عنهم سراعا .. )الآية :44 (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون )الآية :60 (وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) الآية : 47 ( وأنه هو رب الشعرى ) الآية : 49 ( بل الساعة موعدهم ) الآية : 46 ( تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ) الآية : 78 ( فأما إن كان من المقربين )الآيات : 88 – 95 اتقوا الله وآمنوا برسوله ) الآية : 28 ( رضي الله عنهم ورضوا عنه ) الآية : 22 ( سيبح له ما في السموات والأرض ) الآية : 24 (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما …الآية : 13 ( يا ايها الذين آمنوا كونوا أنصار الله )الآية : 14 ( والله خير الرازقين ) الآية : 11 (لا تلهكم أمالكم ولا أوددكم عن ذكر الله )الآية : 9 ( عالم الغيب والشهادة ) الآية: 18 ( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) الآية : 12 ( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون )الآية : 11 ( فمن يأتيكم بماء معين ) الآية : 3à (ويقولون إنه لمجنون ) الآية : 51 ……………………………………………… (وما أدراك ما الحطمة ) الآية : 5 ( أحد ) الآية : 4 ( الناس ) الآية : 6 |
أما الإطار العام الثاني لوحدة السورة هو مناسبتها للحرف الذي بنيت عليه ، فسورة( ق ) مثلا بنيت على كلمات تشتمل حرف القاف ” من ذكر القرآن ، ذكر الخلق ، تكرار القول ومراجعته مرارا ، القرب من ابن آدم ، وتلقي الملكين وقول العتيد ، وذكر الرقيب ، وذكر السابق ، والقرين ، الإلقاء في جهنم ، التقدم بالوعد ، ذكر المتقين ، وذكر القلب والقرن ، والتنقيب في البلاد ، وذكر القتل مرتين ، ونشقق الأرض وإلقاء الرواسي ، فيها وبسوق النخل ،والرزق ، وذكر القوم …وسر آخر وهو أن كل معاني السورة مناسب لما في حرف القاف من الشدة والجهر والقلقلة والانفتاح. “[79]
على أن العلاقة بين الحرف والسورة تعدت ذلك، ليكون الحرف تسمية للسورة تختص به، فتتماثل حروفها وكلماتها مع ذلك الحرف ، يتجلى ذلك مع الحروف المقطعة في أوائل السور، ” واختصاص كل واحدة بما بدئت به حتى لم تكن لترد (آلم ) في موضع ( آلر )و لا حم في موضع (طسم ) وذلك أن كل سورة بدئت بحرف منه فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له .”[80]
خاتمة :
تنهض جهود علم المناسبة سواء تلك التي تعلقت باتساق النصوص الجزئية – المناسبة بين الآيات ، أم تلك المتصلة بانسجام الخطاب القرآني في كليته – المناسبة بين السور ، بوصفها ممارسة نصية راسخة في أعمال التحليل والاستقراء والمقارنة الواعية بموضوعها وأهدافها وأدواتها المنهجية كما تجلى ذلك من خلال تحليل اسهامات بعض علماء القرآن امثال الزركشي والسيوطي والبقعاعي والغرناطي .
وبرغم ما أحاطت نفسها به من الروايات والآثار الدينية لتأكيد مشروعيتها إلا أنها قد كررت الاعتراف – كل مرة – بوصفها تقديرات ورؤى واجتهادات لأصحابها في سبيل البحث عن تماسك النص القرآني . ولا شك أن تلك الاجتهادات العلمية والمعرفية لم تخرج كما أظهر التحليل ذلك عن الأطر والأصول المنهجية التي حكمت شروط إنتاج المعرفة عصر تأليفها : المنطق والبلاغة واللغة والنحو ، يجسدها دور المفسر / عالم القرآن بإمكانياته التأويلية التي تؤطرها في العمق علاقته الإيمانية بالنص من جهة ، وعلاقته التاريخية بنظامه المعرفي من جهة ثانية ولذلك مثلت تجربة علم المناسبة أنموذجا في الممارسة النصية التنظيرية والتحليلية داخل التراث ،يمكن تعميمه على النصوص البشرية في بناء نظرية الاتساق والانسجام .
قائمة المصادر والمراجع :
* القــــــــــــــــــــــــرآن الكريم
1 – أبو زيد ( نصر حامد) ، مفهوم النص ، دراسة في علوم القرآن ، ط 1 ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 2014
2 – البقاعي ( برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر ) ، نظم الدرر ، ط1 ، دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة 1986
3 – الخطابي ( محمد )،لسانيات النص : مدخل الى انسجام الخطاب ،ط 1 ،المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 1999 ،
4 – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ط1 ، دار التراث ، القاهرة 1984
5 – الغرناطي ( أبي جعفر احمد بن إبراهيم )، البرهان في ترتيب سور القرآن ، تحقيق : محمد شعباني ،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الرباط 1990
6 – السيوطي :
- الإتقان في علوم القرآن، ط1 ، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والإرشاد ، الرياض 1986
- مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع، ط 01 ،مكتبة دار المنهاج ، الرياض 2005
- السيوطي (جلال الدين )، تناسق الدرر في ترتيب السور ، ط 01 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1986
7- سيزا قاسم ونصر حامد أبو زيد ، أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة : مدخل الى السيميوطيقا ،ط1 دار الياس العصرية ، القاهرة 1986
المراجع المترجمة :
1- براون /يول : تحليل الخطاب ت: م، ل،الزليطي , منير التريكي ، جامعة الملك سعود ، الرياض 1997
2- ديبو غراند ( روبرت )،النص والخطاب والإجراءات: تمام حسان، ط1، عالم الكتب،القاهرة 1998،
المراجع الأجنبية :
1- Fages( J, B ) Comprendre le structuralisme , Edition Privat , Toulouse 1968 ,
2 – O.Ducrot &J.M.Schaeffer. Nouveau dictionnaire encyclopédique des sciences du langage 1997
[1] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ط1 ، دار التراث ، القاهرة 1984
[2] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ، ط1 ، وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والإرشاد ، الرياض 1986
[3] – Fages( J, B ) Comprendre le structuralisme , Edition Privat , Toulouse 1968 , p : 28-29
[4] – O.Ducrot & J.M.Schaeffer. Nouveau dictionnaire encyclopédique des sciences du langage1997 p : 594
[5] – سيزا قاسم ونصر حامد أبو زيد ، أنظمة العلامات في اللغة والأدب والثقافة : مدخل الى السيميوطيقا ،ط1 دار الياس العصرية ، القاهرة 1986 ، ص : 334
[6] – ديبو غراند ( روبرت )، النص والخطاب والإجراء ،،ت: تمام حسان ، ط1 ، عالم الكتب ، القاهرة 1998،ص: 92 – 93
[7] – صلاح فضل، بلاغة الخطاب وعلم النص، عالم المعرفة ،المجلس الوطني لثقافة والفنون والآداب ، عدد 164 ،الكويت 1992،ص: 229
[8] – نفسه
[9] – السابق
[10] – الخطابي ( محمد )،لسانيات النص : مدخل الى انسجام الخطاب ،ط 1 ،المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 1999 ،ص: 13
[11] – براون /يول : تحليل الخطاب ت: م، ل، الزليطي , منير التريكي ، جامعة الملك سعود ، الرياض 1997 ، ص: 30
[12] – أبو زيد ( نصر حامد) ، مفهوم النص ، دراسة في علوم القرآن ، ط 1 ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء 2014 ص : 9
[13] – الخطابي ( حامد )، لسانيات النص : ص : 5
[14] – أبو زيد ( نصر حامد )، مفهوم النص ، ص : 25 – 26
[15] – السيوطي ، مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع، ط 01 ، مكتبة دار المنهاج ، الرياض 2005
[16] – السيوطي (جلال الدين )، تناسق الدرر في ترتيب السور ، ط 01 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1986
[17] – البقاعي ( برهان الدين أبي الحسن إبراهيم بن عمر ) ، نظم الدرر ، ط1 ، دار الكتاب الإسلامي ، القاهرة 1986
[18] – الغرناطي ( أبي جعفر احمد بن إبراهيم )، البرهان في ترتيب سور القرآن ، تحقيق : محمد شعباني ،وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الرباط 1990
[19] – أبو زيد ، نصر حامد ) ، مفهوم النص ، ص : 168
[20] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج 1 ، ص : 37
[21] – السابق .
[22] – نفسه
[23] – نفسه
[24] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ، ج 5 ، ص : 1840
[25] – نفسه.
[26] – أبو زيد (نصر حامد ) ، مفهوم النص ، ص : 160
[27] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ،ج 5 ، 1840
[28] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج 1 ، ص : 37
[29] – نصر حاد أبو زيد ، مفهوم النص ، ص : 161
[30] – نفسه .
[31] – أبو الفضل محمد بن أبي عبد الله المشدالي المغربي المالكي ( ت 864 ه ) ، ذكره البقاعي في نظم الدرر ، ج 1 ، ص : 17 ، أما السيوطي فقد اكتفى بنسبة القول لأحد المتأخرين
[32] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ،ج5 ، ص : 1846
[33] – السيوطي (جلال الدين )، تناسق الدرر في ترتيب السور ، ط 01 ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1986
[34] – السيوطي (جلال الدين ) ، مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع، ط 01 ، مكتبة دار المنهاج ، الرياض 2005
[35] – الغرناطي ، البرهان في ترتيب سور القرآن ،ص : 188 – 189
[36] – السيوطي ، مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع، ، ج1 ، ص : 19- 20
[37] – الغرناطي ، البرهان في ترتيب سور القرآن ، ص : 189
[38] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج 1 ، ص : 17
[39] – البقاعي ، نظم الدرر ، ج1 ، ص : 77
[40] – الغرناطي ، البرهان في ترتيب سور القرآن ،ص : 188 – 189
[41] – البقرة ، الآية : 08
[42] – البقرة ، الآية : 124
[43] – البقرة ، الآية : 140
[44] – البقرة ، الآية : 163
[45] – البقرة ، الآية : 166
[46] – البقرة ، الآية : 176
[47] – البقرة ، الآية : 177
[48] – البقرة ، الآية : 285
[49] – الغرناطي ، البرهان في ترتيب سور القرآن ، ص : 193 – 194
[50] – البقرة ، ص :286
[51] – السيوطي ، تناسق الدرر في ترتيب السور ، ص : 70 – 71
[52] – السابق ، ص : 73
[53] – نفسه ، ص : 74
[54] – نفسه .
[55] – البقرة ، الآية : 233
[56] – السيوطي ، تناسق الدرر في ترتيب السور ، ص : 75 والآيات هي ( 7 ، 11 ، 12 ، 33 ، 176 ) من سورة النساء
[57] – سورة آل عمران ، الآية : 200
[58] – سورة النساء ، الآية : 1
[59] – السيوطي ، تناسق الدرر في ترتيب السور ، ص : 77
[60] – السابق ، ص : 146 -147
[61] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ج 05 ، ص : 1840
[62] – السابق ، ص : 1840 – 1841.
[63] – سورة البقرة ، الآية : 189.
[64] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج1 ، ص :41.
[65] – سورة الإسراء ، الآية : 1.
[66] – سورة الإسراء ، الآية : 2.
[67] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج1 ، ص :42 -43.
[68] – الأنفال ، الآية : 5.
[69] – الأنفال ، الآية : 4 .
[70] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ، ج 05 ، ص : 1840
[71] – البقرة ، ص : 6
[72] – البقرة ، الآية : 5
[73] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن، ج 05، ص : 1841
[74] – الأعراف ، الآية : 26
[75] – السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ، ج 05 ، ص : 1842
[76] – السابق ، ص : 1846
[77] – سورة (ص )، الآية : 49
[78] – السيوطي ، مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع ، ص : 47 – 56
[79] – الزركشي ، البرهان في علوم القرآن ، ج1 ، ص : 169
[80] – السيوطي ، الإتقان ، ج 5 ، ص : 1857