
المدن الجديدة والهويّة الاجتماعية: (بوسعادة مثالا)
New cities and social identity )Boussadah is an example)
ط.د.هناء كشيدة/جامعة 09 أفريل تونس
S.D. Hana Kchida/ Univ 9 April Tunisia
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد57 الصفحة 141.
ملخص :
تبنت الحكومة الجزائرية فكرة إنشاء مدن جديدة كحل سياسي نتيجة لما تشهده المدن من أزمات خانقة على مستوى السكن والخدمات المختلفة، أين عمدت إلى إدراج مشاريع ضخمة تضع ضمن أولوياتها توفير السكن بتطبيق مخططات مستوردة تخص مجتمعات أخرى ما يجعل معرفة مدى ملاءمتها للمجتمع الجزائري أمرا يستحق كل الاهتمام…، يأتي هذا الموضوع كمحاولة للكشف عن واقع الحياة الاجتماعية وسط التجمعات الحضرية الجديدة خاصة في المناطق الصحراوية والتي يعرف أهلها بالمحافظة والتمسك بالعادات والتقاليد.
الكلمات المفتاحية: المدن الجديدة، الهوية الاجتماعية، الهوية الثقافية، البعد الاجتماعي والثقافي.
Résumé :
Le gouvernement algérien a adopté l’idée de créer de nouvelles villes comme une solution politique à la suite d’une grave crise de logement dans les villes et le manque de divers services, ce sujet est une tentative de révéler la réalité de la vie sociale au sein de nouvelles communautés urbaines, en particulier dans les zones désertiques, dont les habitants sont connus par leurs adhésions et leurs attachements aux
coutumes et traditions.
Mots-clés: nouvelles villes, identité sociale, identité culturelle, dimension sociale et culturelle.
تمهيـد:
إن الاهتمام بالحديث عن المدينة كان محاولة قديمة قدم الحضارات الإنسانية. فقد ارتبطت البدايات الأولى للدراسة العلمية لها بنشأة علم الاجتماع وتطوره، حتى أن ظهور فرع متخصص لمعالجتها له موضوعه ومنهجه ومداخله النظرية بعد محاولة حديثة نسبيا خضعت للتطورات النظرية والمنهجية التي مر بها علم الاجتماع.
أخذ هذا الموضوع القدر الكافي من الدراسة والتطور، أين ظهرت العديد من النظريات التي تهتم بالعمران والمدينة على نطاق واسع، وتبعا لهذا التطور كان الاهتمام الأكبر لفكرة إنشاء المدن الجديدة المعاصرة والتي تعتبر شكلا من أشكال التوسع العمراني وكوسيلة اعتمدت في مختلف بلدان العالم المتطورة لحل مشكلاتها العمرانية، مرتكزة على إمكاناتها المادية وخبراتها التكنولوجية التي لها الدور الكامل في استحداث مثل هذه التجمعات الحضرية الراقية في جميع النواحي سواء من حيث السكن أو باقي التجهيزات الضرورية وحتى الكمالية في إطار شبكة حضرية متكاملة ومتزنة ومتناسقة.
مشكلة الدراسة وأهميتها:
إن ما أحدثته الثورة الصناعية. من تطور في شتى المجالات بما فيها العمراني والمعماري، هذا الأخير الذي زاد من الاهتمام بإنشاء مدن جديدة والسعي إلى تطويرها وهذا ما شهدته مختلف الدول المتطورة.
وكمحاولة لعدد من الدول السائرة في طريق النمو لمواكبة التطور الحاصل في العالم في مجال السكن والإسكان، فقدت العديد من مدنها الهوية الاجتماعية والثقافية والعمرانية تحت ظل الحداثة وفي ظل السياسة التي تهدف إلى توفير أكبر عدد من المساكن فقط لا غير، لاحتواء الطلب المتزايد على السكن واعتبارا لما تشهده المدن من أزمة خانقة في السكن.
إن التطور الحاصل يتعارض من حيث المبدأ مع بقاء الخصوصيات الاجتماعية والثقافية، فأسلوب الإنتاج المعاصر يتناقض مع الأشكال التراثية التي تميز منطقة عن أخرى رغم الاختلاف الهائل بين المجتمعات من حيث الهوية الاجتماعية والثقافية. فالوصول إلى مجال عمراني يتلاءم مع الخصوصيات الاجتماعية والثقافية المحلية يعتبر من أهم ما يجب أخذه بعين الاعتبار ومن أكبر التحديات في سبيل تحقيق تنمية مستدامة.
الجزائر وكغيرها من الدول تواجه اليوم العديد من المشكلات على مستوى المدن، فكان إنشاء مدن جديدة أحد الخيارات السياسية الذي فرضته الظروف العمرانية الغير متوازنة هذا من جهة، ومن جهة أخرى لأجل توفير أكبر عدد من الوحدات السكنية لتحقيق التكافؤ بين العرض والطلب على السكن. وتطبيقا لهذه السياسة أنشأت العديد من المدن أو بالأحرى التجمعات الحضرية الجديدة، أخذنا مدينة بوسعادة وهي إحدى الدوائر التابعة لولاية المسيلة كعينة للدراسة والتي شهدت توسعا لمجالها العمراني، حيث سنسعى إلى الكشف عن واقع الحياة الاجتماعية وسط التجمعات الحضرية الجديدة في المدينة، والتساؤل المطروح:
* ما مدى اعتبار مخططات المدن الجديدة لطبيعة وخصوصيات المجتمع الجزائري؟
* ما مدى اعتبار مخططات التعمير لخصوصيات المجتمع في مدينة بوسعادة؟
* ما مدى اعتبار المخططات لخصوصيات العائلة الثقافية والاجتماعية من حيث الحجم؟
أهداف الدراسة:
يهدف البحث إلى الربط بين المخططات العمرانية والهوية الاجتماعية والثقافية بإشراك المجتمع المحلي والشركاء الاجتماعيين في إعداد المخططات باعتبار الخصوصيات الاجتماعية، ويمكن حصر الأهداف فيما يلي:
*معرفة الجوانب الاجتماعية التي تتضمنها مخططات التعمير وتقييمها من وجهة التخطيط العمراني.
*الكشف عن المشكلات التي تواجه المستفيدين والمستعملين للمساكن.
الفرضيات:
*الأنماط العمرانية الحديثة لم يراعى في مخططاتها الهوية الثقافية والاجتماعية لسكان منطقة بوسعادة.
*عدم إشراك المجتمع المحلي في المشاريع العمرانية أدى بهم إلى إحداث تغييرات على مساكنهم بما يلائمهم.
منهجية البحث (المناهج والأدوات):
اعتمدنا في هذا البحث على عدد من الأدوات وهي كالآتي:
1-الملاحظة: استخدام هذه الوسيلة (الملاحظة البسيطة المنظمة) لمختلف المظاهر والأنسجة العمرانية لمعاينتها ووصفها وتحليل الحقائق والمعلومات.
2-الاستمارة الاستبيانية: بعد تحديد الحي الذي هو قيد الدراسة قمنا بتصميم استمارة تضم عددا من الأسئلة وفقا للأهداف والتساؤلات.
3-المقابلة: اعتمدنا هذه الوسيلة من أجل الحصول على معلومات أكثر دقة.
أولا: المدينة:
*تعريف المدينة: تتميز المدينة في مظهرها العمراني المألوف عن الفرية سواء من ناحية شكلها الخارجي أو وظائفها أو نموها. والمدينة cityودولة المدينة citystateكلمتان مترادفتان.
من العلماء من تصور المدينة امتدادا للقرية على اعتبار أن هناك تدرجا مستمرا بين ما هو ريفي وما هو حضري ومنهم من عرف المدينة في ضوء عدد السكان، باعتبار أن هناك حد أدنى للحجم السكاني الذي تعرف المدينة على أساسه فقد اتفقت الهيئات الدولية علة أن أي مكان يعيش فيه 20.000 نسمة فأكثر يعتبر مدينة حيث تبين تزايد كبير بالنسبة لسكان المدن في العالم سواء في البلاد المصنعة أوغير المصنعة.[1]
*مفهوم المدينة:
هي عبارة عن تصميمات مبنية على تشكيلات رياضية وهندسية وفلسفية وإيديولوجية ورمزية وهي تعبر عن تطور الفن العمراني الذي حاول على مر العصور إبراز الجماليات التي تجذب الناس، والمهابة التي تعبر عن السلطة وقوة الحكام.
أما عند العرب فيرى ابن خلدون أن “المدن والأمصار ذات هياكل وأجرام عظيمة وبناء كبير، وهي موضوعة للعموم لا للخصوص فتحتاج لاجتماع الأيدي وكثرة التعاون فلابد من تنصير واختطاط المدن من الدولة”.[2]
ثانيا: مفهوم المدن الجديدة
هي إنشاء مدينة متكاملة يتعدى عدد سكانها 50.000 نسمة، وتتعدد فيها الوظائف (الوظيفة السكنية، العمل…) بحيث يمكن تقليص الحاجة إلى التردد على المركز القديم، فالمدن الجديدة من حيث المنطق هي إبداع مميز بمتطلبات تقنية وثقافية خاصة كما أن شكلها النهائي لم يكن ثمرة تطور عبر الزمن، وإنما تم تصورها كمشروع متكامل وفق رسم تم إعداده مسبقا.[3]
ثالثا: مفهوم الهوية الاجتماعية
هي تلك الصورة أو ذلك الشكل الذي تكونه مجموعة معينة عن نفسها وأنها تنشأ من الداخل من الأفراد باتجاه الخارج تداولها داخل المجموعة وهي أساس مسألة المعرفة وهي وعي الأفراد باتجاه الخارج تحت عبارة هذه الهوية أي تتبع في واقع الأمر من الأفراد أو بمعنى التوحد أو الإدراك الذاتي المشترك بين جماعة من الناس ونظرية الهوية الاجتماعية تتميز بوجود روابط قوية.[4]
رابعا: مفهوم البعد الاجتماعي والثقافي
أ-البعد الاجتماعي:
يقول “سروكن” أن علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس الثقافة الاجتماعية وقد دعاه هذا لأن يقول: “إن الحقيقة الاجتماعية ذات أبعاد ثلاثة متداخلة (المجتمع، الثقافة الشخصية، السلوك الفردي)” فالمقصود بالبعد الاجتماعي هو دراسة التأثيرات والعلاقات الإنسانية المتبادلة الناتجة عن كون الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع العيش إلا في جماعة فهو يقضي معظم وقته مرتبط بهم وعلى علاقة معهم وطابع الإنسانية فيه يعود إلى المشاركة في المجتمع ومساهمته في تيار الحركة الاجتماعية بكل مقوماتها الثقافية من عادات وتقاليد ودين،التي يكتسبها من المجتمع.[5]
ب-البعد الثقافي:
هو صياغة النظام الاجتماعي والاحتفاظ بوجوده استنادا إلى الاعتراف بالخبرات السابقة وتراث الماضي الذي يزودنا بأنماط السلوك ونماذج الفعل الإنساني. فأسندت الحياة الاجتماعية إلى ثقافتين:
-ثقافة مادية من جهة نسق التكنولوجيا والاقتصاديات.
-ثقافة لا مادية كالقيم والمعتقدات والأخلاق.[6]
خامسا: علاقة التخطيط بالمجتمع
هناك علاقة بين المستعملين بمدينتهم وقدرتهم على فهمها خارج عن الاهتمامات الوظيفية للتخطيط العمراني. كذلك فإن الاهتمام بالمعنى وعلاقة المكونات والسلوكيات أوسع من الاهتمامات الجمالية والشكلية للعمارة كمجال يركز اهتمامه على المبنى ومكوناته المادية. فالمدينة لا يمكن رؤيتها على أنها مجموعة من المباني والمنشآت المتجاورة حيث أن الكل أكثر من مجرد مجموع الأجزاء وبالتالي لا يمكن الاكتفاء بمجال العمارة لتنسيق العمران وربط مكوناته، بناء على ذلك فإن الاهتمام بالمعنى وعلاقة المكونات المادية للعمران وسلوكيات المستعملين بالإضافة إلى إضفاء المعنى على العمران وتكوين شخصيته والتأثير على علاقة المستعملين بمدينتهم يجب أن يقع في مجال اهتمام يتوسط مجال العمارة المادي الجمالي ومجال التخطيط المادي الوظيفي.
هذا المجال المعرفي لا يعبر عن علم واحد ولكنه مجموعة من الاهتمامات المتداخلة التي لا تغفل الوظيفة لصالح الجماليات وتخترق سلوكيات المستعملين ورؤيتهم لعمران مدينتهم دون إغفال الدور المحوري للمهنيين في تحديد مستقبل العمران.[7]
سادسا: المدن الجديدة في الجزائر
يعتقد البعض من أصحاب القرار أن المدن الجديدة في الجزائر أن المدن الجديدة هي الحل الأمثل لمعالجة إشكالية سرعة التحضر التي تعيشها بلدان المغرب العربي عموما والجزائر خصوصا من أجل التحكم وتنظيم الاستيطان البشري الحضري الذي سيكون الخاصية الرئيسية لبلدان المغرب العربي خلال القرن المقبل، إلا أن الفكرة في حد ذاتها تحتاج إلى استثمارات ضخمة لإنجاز مثل هذه المشاريع الطموحة، لأن المدن الجديدة بالمفهوم العمراني المعاصر لا تقتصر على إنشاء مراقد للبشر فقط بقدر ما يشترط في مخططاتها العمرانية أن توفر جميع الهياكل الأساسية والتجهيزات التجارية والاجتماعية والثقافية والإدارية الضرورية،وإلا مثل هذه المشاريع تعقد النظام الحضري أكثر وستظل هذه الكويكبات العمرانية الجديدة (المبرمجة) تعتمد كليا على المدن الرئيسية المجاورة في مختلف التجهيزات الحضرية ومناصب الشغل.[8]
تبنت السلطات استراتيجية المدن الجديدة لمواجهة التحضر السريع في الجزائر، خاصة عبر الشريط الساحلي والتل، أين وصل التشبع الحضري أقصاه في المدن الكبرى والمتوسطة الحجم ،وما نتج عنه من انعكاسات خطيرة على الوسط الطبيعي ،وبالأخص تراجع مساحة الأراضي الفلاحية بسبب التوسع العمراني[9]
عموما لقد ظهرت الفكرة في السبعينات واندثرت في الرفوف ثم عاد الحديث عنها في التسعينات ،إلا أن سنوات الجمر أو كما تسمى العشرية السوداء التي عانت منها البلاد انعكست أيضا على قانون التعمير بسنوات قحط حالت دون تبلور فكرة المدن الجديدة على أرض الواقع كمشاريع ذات منفعة وطنية بل تم تبنيها في البداية بطريقة جد محتشمة على المستوى المحلي وظل هذا الفراغ القانوني إلى غاية سنة 2002 أين جاء القانون02/08 المتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة وتهيئتها[10] القانون أعطى صورة واضحة لفكرة إنشاء المدن الجديدة خاصة ما تعلق بالشروط والتسيير، وفي سنة 2004 بدأت هذه السياسة تتجسد على أرض الواقع.
فبعد استرجاع الجزائر أمنها واستقرارها النسبي وتعافي اقتصادها، بذأ التفكير في حلول جذرية لتلك الظواهر التي جعلت المدن تعاني من الاختناق وما تبعها من مشاكل النقل والسكن والمرافق العمومية، فكانت المدن الجديدة الحل الأمثل للقضاء على تلك الظواهر.
سابعا: السياسات العمرانية في الجزائر ومراحلها:
إن السياسة العمرانية في الجزائر كان لها دور مهم في التنمية الوطنية. كما أنها عرفت تطورا محسوسا من حيث مخططاتها ومختلف برامجها بين فترة وأخرى.
ولا شك أن للتنظيم المجالي أهميته وضرورته نتيجة المتغيرات العديدة في التركيبة الاجتماعية والزيادة الضخمة في عدد السكان وفي الخدمات الحضارية المتطورة كما ونوعا، ولابد من تدخل المشرع بالقانون خاص بالعمران. وهو ما حدث فعلا في أغلب دول العالم، ولم يتأخر المشرع الجزائري في ذلك أيضا وقد مرت الجزائر في هذا المجال بعدة مراحل وهي:
أ-مرحلة ما قبل الاستقلال:
طبقت في هذه الفترة سياسة عمرانية تهدف إلى استنزاف الثروات الوطنية وتشويه التاريخ والثقافة الجزائرية، حيث لم تراعى الأنماط العمرانية والمعمارية التاريخية، بالإضافة إلى إهمال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للجزائريين من تقاليد وقيم، وهو ما يلاحظ بشكل واضح في الانقطاع الموجود بين الأنماط الأوروبية المنشورة.[11]
كان العمل جاريا بأحكام المرسوم 05/01/1922 المتعلق بتهيئة وتحسين المدن في الجزائر وأعقبه مرسوم 25/07/1937 المتعلق بمشاريع العمران الجهوية الذي نصه في المادة 21 على أن أحكامه تطبق في الجزائر.[12]
ب-مرحلة ما بعد الاستقلال:
جدت الجزائر نفسها بعد الاستقلال مباشرة أمام مجال عمراني واقتصادي موروث، تسوده الفوضى والعقارية وقلة المرافق وإهمال الأحياء من طرف الجزائريين وبين الخطوات الأولى التي انتهجتها الجزائر إنشاء ما يسمى بالمخطط العمراني المبدئي للبلديات التي يزيد عدد سكانها عن 10 آلاف نسمة، ولم تأخذ بالاعتبار في الفترة الاستعمارية وفي سنة 1965 تزايد الاهتمام بهذا المجال، وذلك بإنشاء وزارة الأشغال العمومية والبناء للاهتمام بهذا الجانب حيث قامت بإنشاء مكتب الدراسات للأشغال العمومية والهندسة العمرانية سنة 1968.ثم تليه مكاتب وهيئات أخرى تسهر على تطوير وتنظيم العمران في الجزائر، حيث أوكلت لها مهمة إنجاز مخططات توجيهية حضرية لكل المدن الجزائرية،نذكر من بينها (CADAT0) ومكتب (comedor) وهو مكتب وطني أولت له مهمة إنشاء المخطط العمراني التوجيهي لمدينة الجزائر العاصمة (1970-1976)،وقد اعتمد على بعض الأفكار والدراسات الخارجية أين حاولوا تطبيقها على الجزائر من بينها مناطق التعمير الأولية والمناطق الحضرية السكنية الجديدة ونظرا للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي حدثت في الجزائر انتهجت سياسة التخطيط الحضري 1990 والتوجه العقاري في نفس السنة،وتم تطبيقه عن طريق المراسيم التنفيذية التالية:
-المخطط التوجيهي للتهيئة والتعمير (PDAV)”المرسوم التنفيذي 91-176″.
-مخطط شغل الأراضي (POS) “المرسوم التنفيذي 91-178”[13].
ثامنا: مدى تجاوب العمارات الجديدة مع ثقافة الأسر الجزائرية
إن تفاقم أزمة السكن والإسكان بعد الاستقلال في المدن أدى بالمسؤولين عن قطاع الإسكان إلى زرع هذا النمط من العمارات في جميع أنحاء المدينة بطريقة عشوائية وبدون دراسة مسبقة لحاجات الأسرة الجزائرية، من الناحية الثقافية والاجتماعية والديموغرافية، ولا من حيث المواصلات ووجود الماء بالأماكن المختارة. الحاجة الماسة إلى ملجأ يأوي إليه الإنسان تدفعه عندما يتحصل على مسكن أن يقبل أي نمط من المسكن وبدون أي شروط.
المسكن بنية اجتماعية ثقافية بالدرجة الأولى قبل أن يكون مجموعة من الجدران والأرضيات وأسقف ونوافذ وأبواب ولهذا فمعظم السكنات الحالية التي أنجزت بالمدن لا تستجيب إلى المكونات الثقافية للأسرة والعائلة الجزائرية ،هذه الصناديق الصماء المستوردة تنجز في الدول الأوروبية للأسر الثورية والأحزاب، لأن فكرة العائلة الممتدة تتجه نحو الانقراض وهي علة العموم مساكن عادية تستجيب لمتطلباتهم الشخصية للانفراد والنوم والراحة وللعلاج الجسدي ، للدراسة الفردية ،واستقبال الأصدقاء بينما في الجزائر فلازالت العائلة من الصنف الممتد ويصل عدد أفراد العائلات إلى عشرين …[14]
مدى تجاوب التقسيم المساحي الداخلي مع حجم الأسر الجزائرية:
يرجع صغر وضيق البناءات الجديدة بالدرجة الأولى إلى خزينة الدولة، باتت غير قادرة على تمويل المشاريع الضخمة التي تحتوي على العمارات العالية والفخمة ذات الغرف الواسعة، فالقواعد المستعملة في مختلف برامج البناء في مدن قائمة على التوزيع التالي: خصصت من 55% إلى 65% من المشاريع إلى العمارات ذات مساكن تتضمن خمس غرف والباقي وزع بالتساوي ما بين اثنين وأربع غرف وقد حدد مؤتمر فانكوفر-كندا-سنة 1996 المعايير العالمية لاستعمال الغرف من قبل الأفراد وذلك كما يلي:[15]
نسبة الأفراد في استعمال الغرفة الواحدة | المعايير |
من 0.1 إلى 0.7 | كثافة السكن ضعيفة |
من 1 إلى 1.1 | عادية |
من 1.9 إلى 2 | اكتظاظ مقبول |
من 2.3 إلى 3.3 | اكتظاظ |
من 3.4 إلى 15 | اكتظاظ غير مقبول |
المصدر: المؤتمر العالمي للسكن والإسكان كندا 1996.
يتضح من خلال الجدول أن نسبة الأشغال في الغرفة الواحدة في المدن تجاوز معيار ثلاث أفراد ويترجم حالة الاحتقان والمساكنة التي تعيشها العائلات بالأحياء الجديدة وقياسا على ما سبق 90% من 135 ألف مسكن جماعي في المدن يعرف الاكتظاظ نتيجة أزمة السكن الحادة.[16]
الدراسة الميدانية:
1/التعريف بمنطقة الدراسة:
أ-الموقع الإداري:
تقع مدينة بوسعادة(دائرة) في الناحية الجنوبية من إقليم ولاية المسيلة والتي تبعد عنها بـ 65 كلم. تغطي مساحتها 255 كلم2بتعداد سكاني يقدر بـ 107862 بما يعادل 330 ساكن/كلم2.
يحدها من:
*الشمال: بلدية أولاد سيدي إبراهيم.
*الشمال الشرقي: بلدية المعاريف.
*الشرق: بلدية الحوامد.
*الغرب: بلدية التامسة.
*الجنوب الشرقي والجنوب الغربي: كل من بلدية ولتام وبلدية الهامل.
ب-الموقع الجغرافي:
تقع بلدية بوسعادة في الجنوب الشرقي للبلاد على بعد 248 كلممن عاصمة الجزائر وإلى الجنوب من عاصمة شرق البلاد قسنطينة على 320 كلم.
2/تقديم مجال البحث:
يقع حي أول نوفمبر على طرف المدينة الجديدة بوسعادة من الجهة الشمالية تحده أرض شاغرة قابلة للتعمير ومن الجنوب خط كهربائي متوسط الشدة+الطريق الوطني رقم 08 ومن الشرق شعبة+أرض شاغرة قابلة للتعمير ومن الغرب حي 110 مسكن وهي سكنات فردية، ويحتوي الحي على 250 مسكن جماعي.
2-1 الشكل العام للنسيج العمراني للحي:
إن الملاحظ للحي يرى أنه يتوفر على نسيج عمراني متماسك وذو تركيبة عمرانية تتسم بالتلاصق وهو عبارة عن عمارات تتكون من 5 طوابق تخللها طرق ملتوية ومتكسرة وضيقة وغير نافذة في بعض الأحيان، وتعتمد في تشكيلها على مخططات مستخدمة عبر الوطن.
2-1-1 المنافذ: يحتوي الحي على عدد من المنافذ هناك منفذ رئيسي يشق الحي إلى قسمين ومنافذ أخرى قليلة تفصل بين عدد من العمارات.
2-1-2 المساحات: يحتوي الحي على مساحة أساسية تلعب دورا في الجانب الاجتماعي والاقتصادي.
2-1-3 التجهيزات: يوجد بالحي مجموعة من التجهيزات لكنها قليلة يتردد عليها سكان الحي وسكان الأحياء المجاورة، وذلك نظرا لأن الحي يقع في مدخل المدينة، كما يوجد بعض الدكاكين ومسجد. الحي يفتقر للمساحات الخضراء. كما توجد هناك ثانوية ومتوسطة ومدرسة لكن هذه الأخيرة بعيدة بالنسبة للأطفال، كما يوجد مركز صحي لكنه قليل التجهيزات ولا يقدم خدماته ليلا ما يستدعي بالضرورة التنقل إلى مستشفى المدينة القديمة.
3-العينة:
إن دراستنا هذه”المدن الجديدة والهوية الاجتماعية” تسعى إلى معرفة الجوانب الاجتماعية التي تتضمنها مخططات التعمير وكذا معرفة المشكلات التي تواجه المستفيدين والمستعملين للمساكن، ونظرا لصعوبة إحضار جميع الأفراد يستدعي ذلك اختيار عينة من هذا المجتمع لتسهيل البحث باعتبار أن العينة هي دراسة مجموعة مختارة من الناس من بين كل الأفراد أي اختيار جزء من الكل وهو يعبر عن الكل.
ومن هذا المنطلق قمنا باستخدام العينة العشوائية التي تعتبر أساس هذه الدراسة فاعتمدنا الطريقة التالية:
مجتمع البحث يتكون أساسا من 250 مسكن، أين اخترنا نسبة 16%من مجموع المساكن موزعة على 50 عمارة. فكان عدد أفراد العينة 40 مفردة.
4-الاستمارة: هي من أحد أدوات جمع البيانات وهي مفيدة وفعالة في جميع البحوث الاجتماعية لجمع أكبر عدد من المعلومات.[17]
هذا الموضوع -المدن الجديدة والهوية الاجتماعية- قمنا بإعداد استمارة بحث تضم عددا من الأسئلة مقسمة إلى محاور وتشمل 19 سؤالا:
1/المحور الأول: ويتضمن البيانات الشخصية وتشمل (03 أسئلة).
2/المحور الثاني: وهي بيانات متعلقة باستعمال المسكن وتتضمن (04 أسئلة) حول المدخل الرئيسي للمسكن، الرحبة في المسكن، دار الضيافة.
3/المحور الثالث: وهي بيانات متعلقة بشكل ونوع البناء وتتضمن (03 أسئلة) حول المساحات الخارجية، المرافق العمومية (ساحات لعب الأطفال، ساحات الالتقاء)، الممرات داخل الحي.
4/المحور الرابع: وهي بيانات متعلقة بشكل ونوع البناء وتتضمن (07 أسئلة) حول شكل ونوع البناء، وإذا كانت هناك معاناة داخل المسكن (الضيق، طريقة التخطيط وغير ذلك، إجراء تعديلات على المسكن التهوية داخل الحي، اقتراح مسكن آخر، مواد البناء المستعملة في بناء المسكن، التهوية داخل الحي، الراحة داخل المسكن صيفا، الراحة داخل المسكن شتاءا.
مع العلم أن الأسئلة كانت نوعان مغلقة ومفتوحة.
5-عرض نتائج الدراسة:
1-استخلاص النتائج حسب الأهداف والفرضيات:
إن هدفنا من الدراسةهو معرفة الجوانب الاجتماعية التي تتضمنها مخططات التعمير لإنشاء مدن جديدة، وخصائص المنطقة الحضرية الجديدة، وكذا معرفة المشكلات التي تواجه المستفيدين والمستعملين للمساكن.
وضعنا فرضيات حاولنا التحقق من صحتها حسب النتائج التالية:
1-1النتائج المتعلقة بالمبحوثين:
* وجود نسبة 14.17% من مجتمع البحث من خريجي المدارس القرآنية يدل على انتشار الوازع الديني ما يستدعي وجود حرمة وخصوصية لهذه المساكن.
* غالبية السكان لم يقوموا بإحداث تغييرات على المسكن، يعني أنهم راضون على هذه المساكن ولكنهم من ذوي الدخل المحدود، فهناك نسبة 35 % من السكان ليس لهم راتب شهري يسمح لهم بتوفير احتياجاتهم اليومية.
1-2النتائج المتعلقة بالمسكن واستعمالاته:
* جل سكان الحي أقروا بأن هذه المساكن لا تحافظ على الحرمة بالنسبة لمدخل المسكن لتقابله مع المسكن المجاور وهذا ما يدعم صحة الفرضية السابقة الذكر بأن المستفيدين يواجهون مشكلات وهذا راجع إلى سوء تقدير المخططات لخصوصيات المجتمع ولم تأخذ بعين الاعتبار هذا الجانب.
* وجدنا أن نسبة 74.28 % من أفراد العينة يعانون من ضيق المسكن. يرجع ذلك لعدم مراعاة حجم العائلات. فالمساكن ذات غرفة أو غرفتين غير كافية.
* نسبة 62.69 % يقرون بنقص المرافق العمومية، ساحات الالتقاء ساحات لعب الأطفال…وهذا ما يؤكد فرضية: يجب معرفة الجوانب الاجتماعية التي تتضمنها مخططات التعمير.
* نسبة 88.53 % من سكان الحي غير راضين عن شكل ونوع البناء فهم يفضلون السكن في حي عتيق يحمل بعض مواصفات الحي الجديد.
6/التوصيات والاقتراحات:
6-1التوصيات:
*تحديد المستويات بدقة نعني المدينة (المخططون والمهندسون) ومسيريها (الهيئات السياسية والإدارية والمالية المعنية)
*خلق ورشات متعددة الاختصاصات على مستوى فرق البحث الجامعي تضم المختصين في ميدان التخطيط والعمارة والتقنيين (مكاتب الدراسات) والاختصاصات الإنسانية.
*تقديم الخطط العمرانية التي تتطور على أساسها المدينة بتدارك التغيرات التي يمكن أن تطرأ من حين لآخر حيث يبقى التقويم أداة هامة للقائمين على المشاريع العمرانية بتعميق فعاليتها وتحسين تفاعلها مع الفرد.
*تنشيط الجمعيات المختصة لتمارس وظيفتها المراقبة الموجهة لتقييم التعليمات العمرانية التي تهدف للمحافظة على المجال الحضري والبيئة العمرانية مع إعطائها الصلاحيات الواسعة التي تدخل في إطار السياسة العامة وتطويرها (تدعيمها بقوة القانون لدى المصالح الأمنية والإدارية)
*تعميق وتأهيل الانتماء بالمستعمل ومجاله العمراني عن طريق:
أ-المحافظة على الاستمرارية التاريخية للنسيج العمراني بخلق إطار معيشي يسمح للسكان بإيجاد توازنه وموضعه في المجال والإحساس بالأمن إزاء التحويلات التي يشهدها المجتمع باعتبارها المحيط الفيزيائي والاجتماعي المكونان لشخصيتها.
ب-تأكيد البعد الاجتماعي في تخطيط المناطق السكنية بالمقاييس التي تساعد على خلق الترابط الاجتماعي الناتج عن الحياة الجماعية، وتتوج بسهولة التعرف بين شركاء المجال.
جـ-ضرورة التنويع في المجال الخارجي حتى يسهل التعرف عنها وتمييزها عن المجاورة لها لكسر الملل وفتح مجال للرؤية.
د-ضمان الاستمرارية في النسيج العمراني ويتم ذلك بمخططات عمرانية تستند على أدوات التعمير.
هـ-اقتراح شراكة بين القطاعين العمومي والخاص لإنجاز مشترك في ميدان التنمية الحضرية.
2/الاقتراحات:
أ-أخذ تطلعات السكان في مختلف التدخلات حيث أن السكان وحدهم على دراية بما ينقصهم وما يتناسب مع احتياجاتهم.
ب-إنشاء مدن جديدة باعتماد التجارب الأجنبية والمزاوجة بينها وبين العادات والتقاليد والخلفيات الثقافية للسكان لتجنب الوقوع في المشاكل التي تعترض السكان.
جـ-إنشاء المرافق الضرورية كالمستشفى والمسجد والمؤسسات التعليمية والإدارية مجاورة للأحياء السكنية الجديدة.
قائمة المراجع :
- أحمد زايد، سيكولوجية العلاقات بين الجماعات، ط1،المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2006.
- أحمد محمد صلاح الدين عوف، مقدمة في التصميم العمراني، مطبعة الزهراء.دون تاريخ
- بشير التجاني، التحضر والتهيئة العمرانية في الجزائر،ديوان المطبوعات الجامعية.
- بن سعيد سعاد، علاقات الجيرة في السكنات الحضرية الجديدة، مذكرة مكملة لني لشهادة الماجستير، 2007.
- حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مشكلات المدينة، دراسة في علم الاجتماع الحضري، مؤسسة شباب الجامعة.دون تاريخ.
- خلف الله بوجمعة، العمران والمدينة، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، 2005.
- سيد حسيني، دراسة في علم الاجتماع، دار المعارف، القاهرة.دون تاريخ.
- عبد الحميد دليمي، الواقع والظواهر الحضرية،منشورات جامعة منتوري، قسنطينة.دون تاريخ.
- عزيزي الزين، قارات العمران الفردية وطرق الطعن فيها، دارالهدى، الجزائر، 2000.
- محمد زعتر وآخرون،مخطط شغل الأرض مابين النظري والواقع لمدينة المسيلة،مذكرة مكملة لنيل شهادة مهندس دولة،جامعة المسيلة،جوان 2002
- الجريدة الرسمية.العدد 14،43 مايو 2002.
[1]– حسين عبد الحميد أحمد رشوان، مشكلات المدينة، دراسة في علم الاجتماع الحضري، مؤسسة شباب الجامعة، ص05.
[2]-خلف الله بوجمعة، العمران والمدينة، دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، عين مليلة، الجزائر، 2005، ص67.
[3]-المرجع نفسه، ص122.
[4]-أحمد زايد، سيكولوجية العلاقات بين الجماعات، ط1، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2006، ص26.
[5]-سيد حسيني، دراسة في علم الاجتماع، دار المعارف، القاهرة، ص81.
[6]– المرجع نفسه، ص93.
[7]-أحمد محمد صلاح الدين عوف، مقدمة في التصميم العمراني، مطبعة الزهراء، ص04.
[8]-بشير التجاني، التحضر والتهيئة العمرانية في الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، ص74.
الجريدة الرسمية.العدد 14،43 مايو 2002 .ص05.[9]
[10] القانون رقم 02/08،المؤرخ في 08/05/2002.المتعلق بشروط إنشاء المدن الجديدة وتهيئتها، الجريدة الرسمية، العدد 34،سنة 2002.
[11]– محمد زعتر وآخرون، مخطط شغل الأرض ما بين النظري والواقع لمدينة المسيلة، مذكرة مكملة لنيل شهادة مهندس دولة، جامعة المسيلة، جوان 2002.
[12]– عزيزي الزين، قارات العمران الفردية وطرق الطعن فيها، دار الهدى، الجزائر، 2000، ص17.
[13]– محمد زعتر وآخرون، مرجع سابق، ص20.
[14]– عبد الحميد دليمي، الواقع والظواهر الحضرية، منشورات جامعة منتوري، قسنطينة، ص127.
[15]– المرجع نفسه، ص128.
[16]– عبد الحميد دليمي.الواقع والظواهر الحضرية،مرجع سابق، ص128.
[17]– بن سعيد سعاد، علاقات الجيرة في السكنات الحضرية الجديدة، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير، 2007، ص143.