
نشأة المديح النّبويّ وأعلامُه في عصر صدر الإسلام The emergence of the Prophet’s praise and its flags in the era of Islam |
أ /عزالدّين بن حليمة. كلية اللّغة العربيّة واللّغات الشّرقيّة، جامعة الجزائر 02 P: Azzedine Ben Halima. Faculty of Arabic Language and Oriental Languages, University of Algiers 02. Algeriaمقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 55 الصفحة 15. |
تهدف هذه الدّراسة إلى تحرِّي نشأة شعر المديح النّبويّ وبحث بداياته الحقيقيّة قبل بعثة رسول الله وبعدها، وتقديم نبذة موجزة وشاملة عن أهم أعلامه وقصائدهم في عصر صدر الإسلام؛ الذين اتخذوه –إضافة إلى غرض مدح رسول الله- سلاحا في مواجهة الكفار والمشركين حينما كان صلى الله عليه وسلّم على قيد الحياة، وقد اتبعنا في كل هذا المنهج التاريخيّ الوصفيّ التحليليّ لتحقيق هدف الدّراسة ومبتغاها.
الكلمات المفتاحية: المديح النّبوي؛ عصر صدر الإسلام ؛ الرّسول ؛ شعراء.ABSTRACT
The aim of this study is to investigate the origins of the Prophet’s praise poetry and to examine its true beginnings before the mission of the Messenger of Allah and then to provide a brief and comprehensive overview of the most important of his poems and poems in the era of Islam. They also, in addition to the purpose of praising the Messenger of Allah, It is alive, and we have followed in all this descriptive historical analytical approach to achieve the objective of the study and its purpose.Keywords: The emergence of the Prophet’s praise; the age of Islam; the Prophet; poets.
- 1. مقدمة:
يعدّ المديح من أكثر الفنّون الأدبية شيوعا الّتي مال إليها معظم الشّعراء، ونظموا فيها القصائد الكثيرة؛ الّتي تعدّد مآثر الفرد أو الجماعة،[1] وهو ظاهرة أصيلة، وغرض تقليديّ عرفه الشّعراء قديما، مَهمّة الشّاعر فيه هي إرضاء الممدوح، بل تتعدّى ذلك إلى القبيلة، أو الّتيار السّياسيّ أو الدّينيّ،[2] وهو بيان لجميل المزايا، ووصف للشّمائل الكريمة، وإظهار للحبّ والتّقدير الشّديد الّذي يكنّه الشّاعر لمن توافرت فيه تلك المزايا والشّمائل وما يتعلّق بها من أخلاق وصفات ومناقب، وهو كما يعرّفه الدّكتور زكي مبارك: “فنّ من فنون الشّعر الّتي أذاعها التّصوّف، ولون من ألوان التّعبير عن العواطف الدّينيّة، وباب من الأدب الرّفيع لأنّها لا تصدر إلّا عن قلوب مُفعمة بالصّدق والإخلاص”[3]، وهو شعر ينصبُّ على نظم سيرة رسول الله، وتعداد صفاته الخَلقيّة والخُلقيّة، وإظهار الشّوق لرؤيته وزيارة قبره، والأماكن المقدّسة الّتي ترتبط بحياته، مع ذكر معجزاته الماديّة والمعنويّة، والإشادة بغزواته ضدّ الكفّار والمشركين، والصّلاة عليه وعلى آله وصحبه تقديرا وتعظيما[4]، بعيدا عن ظاهرة التّكسّب بالشّعر وامتهانه.
وقد يتساءل الكثير منا عن البداية الحقيقية لهذا الغرض الشعري ونشأته، وأهم أعلامه في عصر صدر الإسلام حينما كان رسول الله على قيد الحياة، وأهم ما قيل في مدح خاتم الأنبياء والمرسلين آنذاك، وهذا ما سنجتهد في كشفه وبيانه في هذه الورقة البحثية الموجزة، متبعين في ذلك المنهج الوصفي التحليلي التاريخي.
2- نشأة المديح النّبويّ وبداياته:
تعدّدت آراء مؤرخي الأدب حول بداية ظهور المديح النّبويّ ونشأته، فمنهم من يرى أنّه ظهر مبكرا في المشرق العربيّ مع مولد رسول الله وانتشر بعد ذلك في المغرب العربيّ والأندلس بفضل شِعر الفتوحات الإسلاميّة الهادفة إلى نشر مبادئ الدّين الإسلامي وتحبيبه في قلوب النّاس، “ومنهم من يذهب إلى أنّه فنّ قديم ظهر مع الدعوة الإسلاميّة، ومنهم من يذهب إلى أنّه فنّ مستحدث لم يظهر إلّا في القرن السّابع الهجري مع الشّاعر شرف الدّين البوصيري”[5] الّذي عارضه كثير من الشّعراء الّذين عاصروه أو جاؤوا بعده مَشَارقة كانوا أم مَغَارِبة، وبما أنّ الرّسول (ص) يمثّل نقطة تحَوُّل في حياة العرب خاصّة والبشريّة عامة، فقد حظي باهتمام كبير – قديما وحديثا- في أدبنا العربيّ شعرا ونثرا على حدِّ سواء، وقد رسم الشّعراء ملامحه وأخلاقه وصفاته في أجمل صورها، وتفنّنوا في مدحه منذ ولادته إلى وفاته، وما بعدها إلى يومنا هذا.
وبناء على هذا، ارتأينا أن تكون دراستنا لنشأة المديح النّبويّ وبداياته كالآتي:
2-1. عصر ما قبل البعثة:
يُجمع الأدباء والنّقاد أنّ فنّ المديح النّبويّ يرتبط بالشّعر الصوفي مع ابن الفارض[6] وغيره من المتصوِّفين، ولم ينتعش، ولم يزدهر إلّا مع الشّعراء المتأخرين من أمثال البوصيري[7] في القرن السّابع الهجري، ولكن الّذي يبحث في سيرة رسول الله، ويستقرئ مختلف كتب التّفسير والسِّيَر النّبويّة [8] الّتي فصّلت في حياته تفصيلا دقيقا، يتّضح له أنّ الانطلاقة الحقيقيّة لهذا الفنّ- وإن لم تكن تُعرَف بهذا الاسم – كانت مع عبد المطّلب[9] جدّ رسول الله؛ الّذي شبّه لحظة ولادته بالنّور الّذي يغمر الأفق قائلا:
وأنـــت لـــمّا وُلِـــــــــدتَ أَشـرَقـــــت الأرضُ وضــــاءت بنــوركَ الأفـــــقُ
فنـحن في ذلك الضّيـــاءٍ وفــــــي النّــورٍ وسبـــــلٍ الرّشـــادٍ نخــــــــــترقُ [10]
كما مدحه أثناء طفولته حينما أخذه معه فأدخله في جوف الكعبة، وقام يدعو الله عزّ وجلّ، ويشكر له على ما أعطاه، فقال وهو يعوّذه:
الحَـــــمــد لله الّـــــــذي أعطـــــــــــــــــــــــــــانــــي هـــــــــذا الغـــــــــــــــــــــــــلام الـــــطيّـــب الأردان[11]
قـد ســــاد في المهد على الغــــلـــــــمان أعـيذه بالبــيــــــــــــــــت ذي الأركــــــــــــــــــــــان
حيـــــن يكـــــــون بلـــــــــــــــــغة الفِـــــــــتـيـــــــــان حـــــــــــــتّى أراه بـــالــــــغ البنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيـان
أعـــــيـــذه مــن كــــــــــــــــــــــــلِّ ذي شـــــنـــــآن من حاسِـــــدٍ مضْــــــطَرب العـــــــــــــــــــــــــنـان
ذي هــــمّــــــــة ليـــــــــــــــــــــس لـــــــه عينــــــان حـــــتّــــى أراه رافِـــــــــــــــــــــــــــــــع اللّـــــــــــسَـــان
أنـت الّذي سُـــمّــــــيـــت في القـــــــــــرآن فـي كُتُــــــــــــــــــــــــــــــــــــب ثـابتـــــة المَثَــــــــانــــي
أحمد مكتوب على البُـــــــــــــــــــــــــــنيَان[12]
كما مدحه عمّه أبو طالب [13] في قصيدة نسبها ابن إسحاق له، ولم يذكرها ابن هشام في سيرته، يذكر فيها لقاء الرّاهب بُحيرا برسول الله وهو ابن تسع سنين – أو اثني عشرة سنة- وهي أبيات يقول فيها:
إن ابــــن آمــــنة النّـــبي محـــــــــــــــــــــــــــــمّـــدا عــــندي بمــــثل منـــــــــــــــــازل الأولاد
……………..
وأمــــرته بالسّــير بيــــــن عمُـــــــــــــــــــــــــــــومـــة بِيض الوجـوه مَصَــــــــــــــالت أنجــــــــاد
حـتّى إذا ما القوم بُصرى عايــــــــــــــــــــنوا لاقـوا على شـــرك من المــــــــــرصــــــاد
حَبْـــــــرا فأخبـــــرهم حديثــــــــــــــــــا صــادقا عـــنه وردّ معـــــــــاشــــــــــــــــــر الحسّــــــــاد
قومـــا يهـــــــــــــــــــــــــــــــودا قـــــد رأوا ما رأى ظِــــلَّ الغمــــــــــــام وعِزَّ ذي الأكــــــياد
ويرى الدّكتور محمود علي مكّي[14] في كتابه “المدائح النّبويّة” أن هذه الأبيات يمكن أن تكون موضوعة؛ لِما في نسيجها من هلهلة وركاكة، عكس ما اشتُهر به أبو طالب في جودة شعره وتمكّنه منه، كما أورد ابن إسحاق في سيرته شعرا كثيرا بهذه الصّفة نسبة لأبي طالب، حذف ابن هشام أكثره، وأثبت بعضه،[15] وعلّق عليه مُلمِّحا إلى ضعفه وتشكّكه في صحته في مواضع عديدة من مُؤلَّفه.
2-2. عصر ما بعد البعثة:
لعلّ أولّ من مدح رسول الله (ص) بِنِيّة صادقة بعد بعثته ونزول الوحي عليه، هو عمّه أبو طالب (85 ق ه- 3 ق ه)، وليس الأعشى[16] (ت 7ه) كما يذهب إليه بعض الباحثين والدّارسين، لأنّ هذا الأخير (الأعشى) كان الهدف الأول من مدحه لرسول الله هو التكسّب[17] بالدّرجة الأولى، كما سبقه كثير من الشعراء- الّذين أسلموا- في مدح الرّسول، فعَبْدُ الله بن رواحة مثلا؛ المتوفي سنة 07 ه أيضا، نظم شعرا كثيرا في مدح رسول الله في الوقت الّذي لم يُسلِم فيه الأعشى بعد، كما أنّ هذا الأخير لم يتمكن أصلا من إلقاء قصيدته المدحيّة التكسبيّة المشهورة الوحيدة بين يدي الرّسول بعد أن علمت قريش – ما بين 6ه إلى 7ه- أنّه متوجّه إليه وقد نظم له قصيدة يمدحه فيها، “فاعترضت طريقه، ومنحته مئة رأس من الإبل على أن يعود في العام القادم، ولكن القدر حال دون عودته، ومات في الطّريق بناحية اليمامة؛ حين ألقاه بعيره فقتله”[18]، وبناء على هذا لن نعتمد قصيدته المشهورة كمدونة لبحثنا هذا، ويقول الأعشى في مطلع داليته:
ألـم تغتـــــــمض عيناك ليــــــــلة أرمـــــدا وعادَك ما عاد السّليـــــمَ المســـــــهّدا
وما ذاك من عشق النّســــاء وإنّـــــــما تناسيت قبـــل اليوم خُــلّة مهــــــــــــدّدا
ولكن أرى الدّهر الّذي هو خائــــن إذا أصـــلحت كـفاه عاد فأفســـــــــــدا
كُــــهُولاً وشبـــــــانا فقــــــــــــدت وثــــروة فللّه هــــــذا الـدّهر كيـــف تــــــــــــــــردّدا
وما زلت أبغي المال مــــذ أنا يافـع ولـيدا وكهلا حين شبــــت وأمــــــــــــردا [19]
ثم خاطب الأعشى بعد هذه المقدّمة ناقته مبيّنا مدى شيوع ذكر رسول الله في البلاد، وأهمّ ما تميّز به عامّة عن غيره، مشيرا إلى بعض ما له علاقة بالإسلام مثل التزوّد بالتّقوى قبل الموت، وعدم أكل الميّتة، وعبادة الله بدلا من عبادة الأنصاب والأوثان قائلا:
فآليــــــــــــــــت لا أرثي لها مــن كَـــلالــــــــــة ولا من حـــــــــــــــــفي حتّى تزورَ مــحـمّــــدا
نــبيّ يـــــــرى ما لاتـَـــــــــــــــــــــــرون وذِكــــــــرُه أغار لعمري في البــــــــــــــــــــلاد وأنجـــــــدا
لــــه صدقـات ما تــغـــــــــــــــــــبُّ ونـــائــــــــلٌ وليــس عطاءُ اليـــــــــومِ مـانــــــــــــعه غــــــــــــدا
…………….
فإياك والمــــــــــيّتات لا تأكـــــــــــــــــــــــــــلنّها ولا تأخذنّ سهـــــــــــــــــما حديدا لتفـــصـدا
وذا النـسب المنصوب لا تنســــــــكنّه ولا تعبــــــــــــــــــــد الأوثـــــــــــــان والله فاعبــــــدا
ولكن الإشكاليّة في هذه القصيدة – كما سبق الذّكر- أنّ الأعشى لم يكن صادق النّية في مدحه لرسول الله ولم يكن يهدف من خلالها إلى خدمة الدّين الإسلامي وإعلاء رايته وشأنه، “وإنّما أراد بها التّـقرّب من نبيّ الإسلام لغرض آخر، وآية ذلك أنّه انصرف حين صرفته قريش، ولو كان صادقا ما تحوّل”[20] وعاد أدراجه، ويقال في رواية أنّه في هذه الحادثة حين أفهموه أنّ رسول الله ينهى عن الزّنا والقمار والرّبا والخمر، “قال: لقد تركني الزّنا وما تركته، وأبدى زهادته في القمار، رجاء أن يصيب من النّبي عوضا منه، وقال عن الرّبا: ما دنت ولا أدَّنت، وأبدى جزعه عند ذكر الخمر وقال: أوّه! أرجع إلى صُبابة قد بقيت لي في المهراس فأشربها.”[21]
وهذا خير دليل على أنّ مدح الأعشى لرسول الله كان بدافع التّكسّب، ومحاولة للتقرّب منه بحكم زيادة قوة شوكته ومكانته وهيبته، وإحساسه أن هذا الرّجل سيصبح أكثر أهمية من غيره في مجتمعه في المستقبل، فنظم قصيدته المدحيّة هذه طمعا في مدِّ وتحسين علاقته معه، وتمهيد الطّريق إليه، ولكنه لكونه لم يكن خاضعا لعاطفة دينيّة خالصة قويّة تراجع عن مواصلة السّفر إليه، والدّخول في الإسلام، والصّبر على أذى قريش وكفّارها، بل على العكس من ذلك؛ رضي الأعشى بما جمعه له أبو سفيان مفضلا زخرف الدّنيا ومالها على مغفرة الله وثوابه وجنة الآخرة وفردوسها، ورجع إلى بلده حيث رمى به بعيره أثناء طريق العودة فقتله، فلم يفز لا بالدّنيا ولا الآخرة.
أمّا أبو طالب؛ فقد مدحه في ثنايا لاميته المشهورة، “لمّا خشي دهم العرب أن يركبوه مع قومه، فقال في قصيدته الّتي تعوذ فيها بحرم مكّة، وبمكانه منها، وتودّد فيها أشراف قومه، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في شعره أنّه غير مُسلِم لرسول الله (ص)، ولا تاركه لشيء أبدا حتّى يهلك دونه، فقال في مطلع قصيدته: (الطّويل)
ولـــما رأيــــــــت الــــقـــــــــــــوم لا وُدَّ فــــــــــــيـــــــــــهم وقـد قـطعوا كلّ العـــــــــــــــــــــرى والوســائـــل
وقــــــــــــــــــــــــد صــارحـــــــونا بالـــــــعــداوة والأذى وقد طـاوعوا أمـر العــــــــدوّ المزايـــــــــــــــــــل
وقــــــــــد حالــفوا قـــــوما علـيــــــــــــــنا أظــــــــــــــــــــــنّة يعـضــــــــــــونا غيـظا خـلفــــــــــنا بالأنـــــــــــامــل
صبرت لهم نفسي بسمـــــراء سمـــــــــــــــــــــــحة وأبـيـض غضب من تــــــــــراث المـقــــــــاول
وأحضرت عند البيـــــــــــــــــت رِهطي وإخوتي وأمسكت من أثـــــــــــــوابــه بالوصــــــــــــــــائــل [22]
وعَدَّ ابن سلام الجمحي هذه القصيدة من أروع ما قال أبو طالب من الشّعر، وصحّحها ووصفها بالجيّدة، ولم يحدّد عدد أبياتها، ولم ينفِ دخول الزّيادة أو التّطويل فيها من قِبَل الرّواة،[23] ولم يُورد ابن إسحاق من هذه القصيدة إلا سبعة أبيات فقط، على حين نراها في سيرة ابن هشام في أربعة وتسعين بيتا شعريا، وعلّق بعد روايتها بتمامها قائلا: “هذا ما صحّ لي من هذه القصيدة، وبعض أهل العلم بالشّعر يُنكِر أكثرها”[24]، وهي قصيدة بليغة جدّا لا يستطيع قولها إلاّ من نُسبت إليه، وهي أفحل من المعلّقات السّبع، وأبلغ في تأدية المعنى، وقد أوردها الأموي في مغازيه مطوّلة بزيادات أخر.”[25]
ومدح أبو طالب رسول الله في هذه القصيدة بأبيات تتضمّن بعض صفاته، وخصاله الّتي عُرف بها واشتُهِر بها؛ “فهو لم يردّ أحدا خائبا من الفقراء والمساكين واليتامى وقت الشّدة والحاجة، فهم في فضل ونعمة ورحمة ما داموا عنده، وضّح أبو طالب هذا في أشهر أبياته المدحيّة لرسول الله قائلا : (الطّويل)
وأبيـــض يُستســـــــــــــــــــــقَى الغمام بوجهه ثمـــال اليتـــــامى عصـــــــــــمة للأرامل
يــلوذ بها الهـــــــــــــــــــــلاك مـن آل هاشم فــهم عنده في نعمــــــــــــــــة وفـــواضل[26]
كما مدحه في الأبيات الأخيرة من هذه القصيدة مُبدِيا حُبّه الشّديد له، ومدى تميّزه عن غيره، وبُعدِه عن الطّيش والسّفه، ناهيك عن حِلمه ورشاده، وعدله ونسبه الشّريف، وتأييد ربِّ العباد له، وتأييده هو له، وتعهّده بحمايته والدّفاع عنه، لأنّه صلّى الله عليه وسلّم بعيدٌ عن الكذب وقول الأباطل، يقول أبو طالب: (الطّويل)
لَعَـــمري لقد كــلفت وجـدا بأحــــــــــمــد وإخوتــه دأب المُحــــــــــــــبّ المُــواصــــــــل
فمن مثله في النّاس أيّ مُـــــــــــــــــــؤَمـــــل إذا قـــاسه الحـكّام عن التّـفــــــــــــــــــــــاضـل
حـليم رشــيد عــادل غــير طائــــــــــــــــــش يوالي إلــــها ليــــــــــــــــــــــــــــس عــنـــه بغـافـــــــل
…………….
فـأصـــبـح فينا أحـمــــد في أرومــــــــــــــــــــة يقـــصِّــــــــــــــــــر عـــــنها ســـــورة المتــطـــــــاول
حــــدبـــت بنـفسي دونـه وحمــيـــــــــــــــــــته ودافــعت عــنه بالــــذّرى والكـــــــــــــلاكـــل [27]
والمتمعّن في هذه الأبيات يلاحظ جليّا مدى تطابق مضمونها مع صفات رسول الله وأخلاقه الّتي اشتهر بها بين قومه وعشيرته، ويلتمس فعلا مدى بلاغتها وفحولتها، وحسن سبك نظمها، “رغم إنكار بعض أهل العلم بالشّعر أكثرها، وَوُرودها مطوّلة بزيادات أخرى في بعض الرّوايات، واختلاف في بعض الألفاظ، وتقديم وتأخير في بعض الأبيات.”[28]
3 . أعلام المديح النّبويّ في عصـر صدر الإسلام:
بعد مجيء الإسلام وانتشار المفاهيم والقيم الجديدة الّتي جاء بها، والتّعاليم الّتي دعا إليها؛ أحدث تغييرا كبيرا في مختلف مجالات الحياة في شبه الجزيرة العربيّة، ومنها المجال الفنيّ والأدبيّ؛ حيث تهذّب الشعر وارتقى في مضامينه، ونقصت وزالت كثير من المفاهيم والمصطلحات الجاهليّة فيه، ولكن مع هذا انقسم الشّعراء إلى فرقتين؛ فرقة لم تتقبّــل فكرة الدّين الجديد، تدافع عن دين الآباء والأجداد وتتمسّك به، وتُعادي الإسلام وتهجو رسول الله وأصحابه، وتسيء إلى سمعتهم وأعراضهم وعقيدتهم، بقيادة شعراء الكفر والشِّرك، وعلى رأسهم خاصّة: “عبد الله بن الزّبعري” و”أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب” قبل إسلامهما وتوبتهما، وفرقة أخرى ذاقت حلاوة الإيمان، وتدافع عن الإسلام والقيم والمبادئ الّتي جاء بها، وتردّ على هجاء الكفار والمشركين، وتمدح النّبيّ (ص) وتنافح عن رسالته وتُعلِي من شأنها، وعلى رأسهم: حسّان بن ثابت (شاعر الرّسول)، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك، وهم الشعراء الّذين سنسلط الضوء عليهم، إضافة إلى لامية كعب بن زهير المشهورة الّتي سال حبر كثير عنها، رغم أنّها لم تكن خالصة النّية لمدح رسول الله، مثلها مثل دالية الأعشى الّتي خضنا فيها سابقا، وفيما يلي خَبَرُها وخَبَرُ أبرز شعراء صدر الإسلام وأعلامه في مدح رسول الله:
3-1. حسّان بن ثابت الأنصاري (ت 50/54ه):[29]
فضّل رسول الله أن يتكفّل الشّعراء الأنصار بمهمّة الرّد على هجاء شعراء الكفار والمشركين، وكان حسّان أول من وافق على ذلك، “إذ يُؤثَر عنه قوله صلى الله عليه وسلّم: «ما يمنعُ القَومَ الَّذِينَ نَصَرُوا رَسُولَ الله بسِلاحِهِم أن يَنْصُروهُ بألسِنتِهِم؟» فقال حسّان بن ثابت: «أنَا لَها.»”[30] ومنذ تلك اللّحظة –كما يرى محمود علي مكي- “أصبح حسّان شاعر الرّسول الأول، وأبرز المدافعين عن الإسلام ومناقضي خصومه، ولهذا فإنّه جدير بأن نتأمّل شعره في الدفاع عن قضية الإسلام.”[31]
ويتميّز شعر حسّان عموما بأنّه “شعر مساجلات ونقائض مع شعراء قريش، أو في رثاء من ينال الشّهادة في المعارك مع المشركين”[32] كما يتميّز بالصّدق والإخلاص لرسول الله خاصّة وصحابته ومن تبعه عامّة، إضافة إلى قوّة الرّوح والحماسة الشّديدتين، لأنّه كان يهجو خصومه هجاء لاذعا على الطّرائق الجاهليّة خاصّة بعد معرفته أنساب قريش، وما تعلّمه من الأنساب من أبي بكر الصّديق، “ومن أولى قصائده وجيّدها في ذلك همزيته الّتي يهجو فيها أبا سفيان بن الحارث؛ الّتي يفتتحها بقوله:
عَفَــــــت ذاتُ الأصابع فالجِــــــــــــــواءُ إلى عــــــــــــــــــــــــــــذراءَ منــــــــزلُـها خـــــــلاءُ
وهي قصيدة مشهورة له، نُظِمت أبياتها الأولى في الجاهلية، تمدّح فيها حسّان بشربه الخمر، وذكر فيها المواضع الّتي كان يتردّد عليها في بلاد الشّام ليمدح أمراء بني غسّان، وفيها جزء إسلاميّ – يُرجّح أنّه قيل على فترات – يتعلّق بمدح رسول الله، يقول حسان:
ألا أبـلِــغ أبـــــا سفيـــــــــــــــــــــــــــــان عــــنّي مُغَـلـغَـلةً[33] فقــــد بــرِحَ الخـفـــــاء
بأن سيـوفــنا تركتــــــــــــــــــك عـــــــــــــبــــدا وعبدُ الـــــدّار سادتـــها الإمـــــــــــاء
هَـجَوتَ محــمّدا وأجبْـــــــــــــــتُ عــنه وعنــــد الله فــــي ذاك الـجَـــــــــــــزاء
أَ تهجوه ولســـــــتَ له بكُـــــــــــــــــــفء فشَــــــرُّكما لخَيــــــركُـما الفِــــــــــــــداء
هجــوت مباركـــا بـــرًّا حنــــــــــــــــــــــيـــــفا أميــــــــنَ اللهِ شيـــمتُــــــــــــــه الـوفــــــــــاء
أ من يهجو رسـول الله مـنــــــــــــــكــم ويمــدحـــــه وينـــصـــره ســــــــــــــــــــــــواء ؟
فإنّ أبــــي ووالــــــــدَه وعِــــــــــــــــــــرضـي لِعِرض محــمّد منــــــــــــــكم وِقــــــــــاء [34]
ولعلّ أقوى قصيدة مدحيّة نظمها حسّان في الدّفاع عن رسول الله وأصحابه – وهي إحدى القصائد الّتي سنعتمدها في مدونتنا لهذه الدّراسة- هي العَينيّة الّتي لم يُختلَف في نسبتها إليه، حيث قالها حينما قَدِم وَفْد تميم على النّبيّ صلى الله عليه وسلّم قائلين:”جئنا لنفاخرك، وقد جئنا بشاعرنا وخطيبنا، فقام خطيبهم عطارد بن حاجب فتكلّم، وقام خطيب الرّسول ثابت بن قيس فأجاب، ثمّ قام شاعرهم الزّبرقان بن بدر فقال:
نحن الكـــــرام فـــلا حـيّ يعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــادلنا مـــنّا المــلــــــــــــــوك وفيـــــــــنا يقـسـم الـــــــربُّعُ [35]
وكم قسرنا[36] من الأحياء كـــــــــــــــــــــــــــــــــلِّهم عند الــــنهاب[37] وفــضـل العــزّ يُتّــــــــــبــعُ
ونحن نطعم عند القحــط مطـــــــــــــــــــــــــــعمنا مــن الشــــــواء إذا لم يؤنــــــــس الـــقـــــزع [38]
ثـمّ تــــــرى النّاس تأتيـــــنا سَــــــــــــــــــــــــــــــــــرَاتُـهُـم مـــن كــــــلّ أرض هُـــــــوِيّا ثـمّ نصـــــــــطــنع
فـننـــحر الكُومَ عبْــــــــطا في أرومتــــــــــــــــــــــــــــنا للنّـــــــــــــــــــازلين إذا مــــا أُنزلــــــوا شبـــــــــعوا [39]
فــــــــلا تـــــرانا إلى حـيّ نفاخــــــــــــــــــــــــــــــــــرهـــم إذا استـقادوا وكـان الرّأس يُقْتَـــــــــــطــــَـعُ [40]
إنّـــــــا أبيـــــــنا ولا يـــــــــأبى لنــــــــــــــــــــــــــــــــا أحــــد إنّـــــــا كــــذلك عند الفــــــــــخـــــــر نرتــــــفـع
فمـــــن يُقـــــادِرنا في ذاك يعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرفنا فيرجــع القـــــوم والأخبار تُســـــــــــــــــــتمَع”[41]
ولمّا سمع حسّان بن ثابت هذه القصيدة – بعد أن بعث إليه رسول الله لأنّه كان غائبا عن ذلك المجلس – قال قصيدته العينية المشهورة معارضا لها، والّتي يقول في مطلعها: [42]
إنّ الـذوائبَ منْ فــهـــــــــــــــــــــرٍ وإخـــوتهــــم قدْ بينـــــــــــــــــــــــــــوا سنــــــــــــــــــــــة ً للنّاسِ تتبــعُ
يَرْضَى بــــهَا كُلُّ مَن كانَــــــــــتْ ســـــــرِيرَتُـــهُ تقوى الإلهِ وبالأمــــــــــــــرِ الّــــــــذي شرعــــــوا
قــومٌ إذا حــــاربوا ضـــــــــــــروا عـــــــــدوهــــــم أوْ حاوَلُوا النّفْعَ في أشياعِـــــــــــــهِمْ نَفــعـوا
ســـجية تلكَ منـــــــهمْ غيــــــرُ محـــــــــــــدثــة إنّ الخـــلائِق فاعلَمْ، شــــــــــــــــــرُّها البِـــــدَعُ [43]
وختم معارضته مادحا قوم رسول الله بقوله:
أكرمْ بقومٍ رسـولُ اللهِ شيــــــــــــــــــــــــــــــعتهمْ إذا تـــــــفـــــــــــــرّقَتِ الأهْــــــــــــــوَاءُ والشِّــــــــيَـــــعُ أهْدَى لهُمْ مِـدَحي قلـــــــــــــــــــــــــبٌ يُؤازِرُهُ فِيمــــــا يُحِبُّ لِــــــــــــــسَـــــــــــــــانٌ حــائِكٌ صَنَعُ فإنّهُمْ أفضــــلُ الأْحْــــــــــــــــــــيَاء كــلّــــــــــهــِمِ إنْ جَدّ بالنّاسِ جِدُّ القوْل أوْ شمــــــــــــــــعوا [44]
والمُوازِن – من حيث المضمون- بين هذه الأبيات -والقصيدة عامة- وما قاله الزبرقان بن بدر؛ يلاحظ جيّدا بروز الرّوح الإسلاميّة في شعر حسّان خاصة في البيت ما قبل الأخير الّذي أشار فيه إلى وحي القلب، إضافة إلى تهذّب شعره عامة – لكنّه لم يخرج عن تقاليد القصيدة الجاهليّة- على عكس شعر الزّبرقان الّذي يجسّد مظاهر التعصّب الجاهليّ والطبيعة البدويّة الخشنة، والجفاء الّذي كان عليه وفد تميم والأعراب الّذين لم يدخلوا في الإسلام آنذاك.
ومن أجود مدائح حسّان وأطولها مرثيته الّتي رجّح الدّكتور زكي مبارك أنّها “قيلت بعد وفاة الرّسول بزمان، ولم تُقَل مباشرة بعد موته، وهو ما يفسّر ما يُلاحَظُ فيها من نزعة صوفيّة”[45] لم تكن موجوده آنذاك، ويبلغ عدد أبياتها ستة وأربعين بيتا شعريا، وقد اُختُلِف في نسبتها إليه، وأثبتها ابن هشام في سيرته نقلا عن أبي زيد الأنصاري؛ الأمر الّذي جعلنا لا نعتمدها كمدونة لهذا البحث رغم جودتها وبروز القيم الإسلاميّة فيها بشكل واضح، ذَكَر في مطلعها حُجُرات الرّسول وبيته ومسجده وقبره، وحزنه الشّديد على رحيله، يقول حسّان في بدايتها:
بِطَيبــــــة رسْـــــم للرســـــــــــول ومَعـهــد منيــــــــــــر وقــــد تعـــفو الــرَّسوم وتَهْمُد
ولا تمتحي الآيـات من دار حرمة بها منبــــــر الهادي الّذي كان يصعـد [46]
وخصّ حسّان مدحه لرسول الله في ختام قصيدته ذاكرا فضائله ومكارم أخلاقه وصفاته، قائلا أيضا:
وما فقد الماضون مثل محمّـــــــــد ولا مثلـــــــــــــــــــه حتى القـيامة يُفــــــــــــقــد
أعفي وأوفي ذمّــــــــة بعـــــد ذمّــــة وأَقـــــــــرَب منـــــه نـائــــــــــــــــــــلا لا يُنَــــكَّد
…………………
ربّاه ولــــــيدا فاستــــــــــتــــــمَّ تـــمـــــامه على أكرم الخيـــرات ربٌّ مُـمَــــجَّــــــد
تناهت وَصَاة المسـلمـين بكــفـّــه فلا العلم محـــــــبوس ولا الرّأي يُنفَـد [47]
وأبدى حسّان في الأبيات الثلاثة الأخيرة من قصيدته رجاءه في لقاء رسول الله والخلود معه في الجنّة، مبيّنا أن ذلك هو ما يسعى إلى تحقيقه، يقول:
أقــــول ولا يُلــــــقى لقــــولي عــــــــــــــــــــائـب من النّاس إلّا عازب العقل مُبعَـد
وليـــــــس هوايَ نـــازعـــــــــا عن ثنـــــــــــــــــائه لعـلّي به في جنّة الخُــــــلد أخـــــــلُد
مع المصطفي أرجو بذاك جِـــــــــــــــــواره وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجــهد [48]
ولحسّان بن ثابت قصائد مدحية كثيرة لرسول الله بعد وفاته، جمعها الدّارسون وغيرها في ديوان باسمه؛ واهتموا بنشره ودراسته، “غير أنّه قد دخله كثير من الشّعر الموضوع ممّا يجعل تلخيص شعره الصّحيح مما حُمِل عليه أمرا من الصّعوبة بمكان”[49].
3-2. كعب بن مالك الأنصاري (ت 51ه):[50]
كان كعب بن مالك رضي الله عنه صحابيا جليلا ” لم يتّخذ من الشّعر صناعة يمتهنها أو سبيلا للعيش، بل كلّ ما وصل إلينا ممّا نظمه كان في أغراض نفسه المؤمنة، وملابسات حياته المسلمة، فصدرت قصائده صدورا طبيعيا كما يصدر الضّياء عن الشّمس”[51] بعيدا عن التكلّف أو التكسّب، فكان مِن أهم مَن اعتمد عليهم رسول الله في الحروب والمغازي لتهديد المشركين وتوعدّهم والرّد على هجائهم… ومن نماذج شعره الّتي اشتُهر بها، ما قاله في يوم بدر رغم أنّه لم يشهده:
ألا هل أتى غسّان في نأي دارها وأخبــــــــــــــــر شيء بالأمور عَليمها
بأن قد رمتْنا عن قســـــــيّ عداوة معدّ معا جُهَّالــــــــــــــــها وحَليـــــــــــمها
……………
فولَّـــــــــوا ودسناهم ببيـــض صوارم سواءٌ علينا حِلفها وصَمــــــــيـــمها[52]
وقال أيضاً متوعدا أبا سفيان بن حرب:
لَعَمْــــر أبيــــكُــــــــــــــــــــما يا بــــــــــــني لؤي على زهو لديـــــــكـــــــــــــم وانـــــــتـــــخاء
لمّا حامت فــــوارســــــــــــــــكم بـــــــــــبــدر ولا صـــــــــبروا به عــــــــنـــــد اللّــــــــقـاء
………….
فما ظـــــــفرت فوراســــــــكم ببـــــــــــــــدر وما رجعوا إليــــــــــكــــــــم بالسَّـــــــــــواء
فلا تعجل أبا سفـــــــــيان وارقُــــــــــــــب جيادُ الخـيل تَطْـــــــــــــــلُع مــــن كَداء
بنصر الله روح القـــــــــــــــــــــــدس فيـــــها وميكـــــــــــــــالٌ، فــــــــيا طِــيبَ المَـلاء [53]
وله قصيدة طويلة مشهورة أيضا ردّ بها على هبيرة بن أبي وهب المخزومي بعد غزوة أحُد، افتتحها قائلا:
ألا هل أتى غسّـــان عــــنّا ودونـــــهم من الأرض خـرق سيرُهُ متـنـــــعــنِع
صحــــار وأعــــــلام كـــــــــأن قَتــــــــــامــها من البُـعد نقْـــــــــــــع هـــــــامـد متقطّع [54]
كما صَوَّر كعب في ثنايا قصيدته مدى طاعة المسلمين لرسول الله وإقبالهم على الاستشهاد من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دين رسوله، يقول كعب:
ولمّا ابتنوا بالعــــــــــــــــرض قـــال ســــــــــــراتــنا علام إذا لم تـمنع العــــــــــــرض نــزرع؟
وفينا رسول الله نتبع أمره نتـــــــــــــــبع أمره إذا قـال فينا القــــــــــــــــول لا نتــــــطلّــــع
تدلّى عـــــــــليه الــــــــــــــــــرّوح من عنــــــد ربـــه ينزّل مـــــــــــــــن جوّ السّــمـــــاء ويُرفـــــــع
…………….
ودارت رحــانا واستـــــــــــــــــــــدارت رحـاهم وقد جُعــــــــــلوا كُلٌّ من الشـــرّ يشــــبع
ونـــحـن لا نــــــــرى القـــــــــــــتــل سُــــــــــــــــــــبّـــة على كـــلّ من يحمي الذّمار ويمــــنـع [55]
ومن أشهر ما قاله كعب أيضا، شعرٌ كثيرٌ نظمه في غزوة الخندق، وخاصة حينما أجاب عبد الله بن الزبعري السّهمي مصوّرا ارتداد المشركين عن المدينة وخيبة أملهم، واصفا خيل المسلمين وصفا بليغا يقول في بداية قصيدته:
لأبقى لنا حدث الحـــروب بقـــــــــــيّة من خير نحــــــــــــــلة رَبِّنا الوهّــــــــــاب
بيضاء مشرفة الــــذّرى ومـــــــــــعاطــنا حُمَّ الجـــــذوع غزيـــرة الأحـــــــــلاب[56]
وختمها كعب مبيّنا مدى إيمان المسلمين واطمئنانهم، واستسلامهم لقدر الله وإرادته، ساخرا من قريش في آخر بيت شعري متنبئا لهم الخسارة المؤكدة، يقول:
ومواعِـــظُ من ربـّـــــنا نُهـــــــــــــــــــــــــــدَى بها بلســـــــــــــــــان أزهــــــر طـــــــــيِّــــــــــــب الأثـــواب
عُرضِت علينا فاشتَـــــــــــــــــــــــهينا ذِكــرها من بعد ما عُرضَت عــــلى الأحــــــــــــــــــزاب
حِكَما يراها المجرمــــــــــــون بزعـــــمـهم حــــــــــــــــــــرجا ويفْــــــــهَمُـــــــــــــــها ذَوو الألبـاب
جـاءت سَخِيـــــــــنة كي تُغـــــــــالب ربّـــها فلَيغــــــــــــــــــــــــــــــــــلبَنَّ مُغالبُ الغَـــــــــــــــــــــــــــلّاب [57]
وأورد ابن هشام في سيرته عن عبد الملك بن يحيى بن عبّاد عبد الله بن الزّبير، قال: لمّا قال كعب بن مالك البيت الأخير:
جــــــاءت سَخِينـــــــــــــــة كي تغالب رَبـَّـــــها فلَيغـــــــــــــلبَنَّ مُغـــــــــــــــــــــــــــالبُ الغَـــــــــــــلاّب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لقد شكرك الله على قولك هذا.[58] والمقصود بـ: “سخينة” في هذا البيت، هو: قريش، وهو لَقَب لها، سُمِّيت به لأنّها كانت إذا ذبحت ذبيحة أُتِيَ بعجزها وصُنِع منه خريزة (لحمٌ يُطبَخ بطريقةٍ معيّنةٍ)، ولم تكن قريش تكره هذا اللَّقب، فلو كرهته لما سمح كعب لنفسه أن يذكره ورسول الله منهم، أو لَتركه أدبا واستحياء منه.
ولِكعبٍ بن مالك شعر كثير في نقض شعراء قريش ومعارضتهم في الحروب والمغازي لا يخلو ضمنيا من مديح رسول الله، لا يسعنا أن نذكره ونفصّل فيه كلّه، لأنّه ليس من صلب موضوع دراستنا، “وما يُلاحَظ على نقائض كعب أنّها ظهرت بمجموعها في ظلّ الأيام الإسلاميّة، فله قصيدة قالها في بدر، وأخرى في غزوة السّويق، وواحدة في أُحُد، وواحدة في غزوة بني النُضَير، واثنتان في الخَندق”[59] وقد تحدثنا عن بعضها فيما سبق.
ولعلّ أشهر ما امتدح به كعبٌ رسولَ الله هو ما قاله بعد وفاته مُلِحًّا على عينيه أن تبكيا على رسول الله بدمع منهمر مبينا بعض خصاله الحميدة ومناقبه ومآثره، يقول:
أيا عين فابكي بدمـــــــــــــــــــــع ذُرَى لخـــــــــــــــــــــــــير البـــــريّة والمصـــــــطفي
وبكّي الرّسول وحــــــــــــــــقّ البــــكى عليه لدى الحرب عنــــــــــــــد اللقى
على خير من حمــــــــــــــــلـــــت ناقة واتقى البــــــــــــــــــــريّة عــــــــــند التّــــــــقى [60]
كما مدح كعبٌ رسولَ الله في أبيات أخرى متفرّقة من قصائد مختلفة، عدّد فيها أخلاقه وخصاله متأثرا بما جاء به الإسلام من مناقبَ وقيمٍ جديدة تختلف عمّا كان يمدح به الشّعراء الجاهليون ممدوحيهم، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر مايلي:
1- بيان عدل رسول الله والتزامه بالحقّ ودعوته إلى ما ينجي من النّار، يقول كعب:
الحقُّ منطــقُه والعـدلُ ســــــــيرتُه فمـن يُجبه إليـه ينجُ من تَبَـــب[61]
2- بيان مدى صدقه في تبليغ رسالته وإنذار النّاس، يقول:
نَذِيــــــــرٌ صـــــــادقٌ أدّى كتــــــــــابَـه وآيـــــاتٌ مُبَــــــــيِّــــــــنــــة تُنــــــــــــــــيـرُ[62]
3- إثبات معجزات الرّسول ومقارنتها بمعجزات الأنبياء، يقول:
وإنْ تكُ نمـــلُ البرِّ بالــوَهـم كلَّمــت سُليمانَ ذا المُلْك الّذي ليس بالعمي
فهذا نبــــــــيّ الله أحــــمـــــد سبّــــــحت صغـــــــــار الحصـــــــــى في كـــفّه بالـــــترنّم
ويقول أيضا:
فإن يكــون موسى كلّــــــم الله جهـــرة على جبــــــل الطـــــــــــــــــــــور المنــيف المعــظـّم
فقد كلّــــــــــــم الله النّـــــــــــــبيّ محـــــــمّدا على الموضـــــــــــــــــــع الأعلى الرّفيع المسـوّم [63]
والمُلاحَظ عامة في شعر كعب أنّ المديح يقلّ فيه؛ فلا توجد قصيدة مطوّلة خاصة بمدح رسول مثلما وجدنا عند حسّان مثلا، ولعلّ السّبب في ذلك هو تقيّد كعب بتعاليم الرّسول الّذي “لم يكن راغبا في أن يمتدحه الشّعراء بما كان يُمتَدَح به الملوك، بل كان همُّه أن ينصرفوا إلى التّأكيد على أمور الدّين الجديد، ونشره والتّمكين له في الأرض.”[64] والابتعاد عن مجالس التّباري والافتخار الّتي لا فائدة تُرٍجى منها.
3-3. عبد الله بن رواحة (ت 08 ه):[65]
كان عبد الله بن رواحة سيّدا عظيم القدر في الجاهليّة والإسلام، وثالث الشّعراء الكِبار الّذين تَبنَّوا الدّعوة للإسلام، وسَخَّروا مَقدرتهم الشّعرية في سبيل خدمة الإسلام، وتصدّوا للدّفاع عنه ضدّ كل من أراد النّيل منه أو التّشكيك فيه، حيث شكّل مع حسّان بن ثابت وكعب بن مالك جبهة شعريّة قويّة تقف إلى جوار رسول الله، وتردّ عنه الهجمات الشّرسة الّتي كانت تستهدفه وأصحابه، وتشكّك في نبوّته وحقيقة بعثه.
وكان النّبي (ص) يحبّ ابن رواحة، ويُثني عليه وعلى شعره، ويدعو له في أكثر من موقف، لأنّه كان مِن أوائل الّذين بايعوه على مشارف مكّة، وحملوا الإسلام إلى المدينة ومهّدوا لهجرته، ومِن أهمّ من شارك مشاركة فعّالة في المعارك الأدبيّة الشّعريّة الّتي لم تنفصل عن المعارك الحربيّة آنذاك، حيث كان الشّعرُ فيها سلاحا فتاكا يجرحُ مثلما يجرحُ السِنانُ، ويطعنُ مثلما يطعنُ السّيفُ، ومن أشهر ما نُسب إليه من شعر؛ ما قاله في غزوة بدر الموعد [66] في السّنة الرّابعة للهجرة متوعدا أبا سفيان، معبّرا عن ولائه وإخلاصه لرسول الله إلى درجة أنّه يفديه بماله وأهله، يقول بن رواحة في مطلع قصيدته:
وَعَدْنَا أبا سفــيان بَدْرا فلم نجــــــدْ لميـعاده صِـــــــــــدْقًا ومــا كــــان وافــــيا
فأُقسِـــــــمُ لو وافيــــــــــتـــــــــنا فلقـــــــيتنا لأبْتَ ذمــيما وافْتـقَــــــدت المَـــــوالِــيا
تركنا بها أوصــــــــال عتـــــــــــــــبة وابنه وعمـرا أبا جـــهـــــــــل تركــــــناه ثـــــــــاويا
عصـيتم رسول الله أفٍّ لدينــــــــكـم وأمركم السـيئ الذي كان غــــــــــــاويا [67]
ومن أشهر ما عُرف به من شِعرٍ أيضا ما قاله حينما دخل مكّة مع رسول الله في عمرة القضاء وهو آخذ بخطام ناقته، يقول ابن رواحة :
خلّوا بَني الكــفّار عـن سَبـــــــــــيـــــله خـلّوا فكـــــــــــــــــــــلّ الخـير في رســــوله
يا ربّي إنّــــي مــــــــــــؤمـــــــــــــن بقـيـــــــله أعـرف حــــــــــقّ الله في قَـــــــــــــــــــــــــــــبـوله
نحـــن قتلنــــــــــــــــــاكم عــلى تأويـــــله كما قتلــــــناكم عـــلى تنـــــــــــــــــــــــــــــــــزيـله
ضربا يزيل الــــــــــــــــهام عـن مقــــيله ويذهــــل الخــــــــــــــــــــــــــلـيل عن خلـــيـله [68]
وبلغت درجة إخلاص ابن رواحة وإيمانه إلى غاية أنّه تمنّى الشّهادة حينما بُعث في الجيش المتوجّه إلى مؤتة في السّنة الثامنة للهجرة، حيث قال وهو يتأهّب للخروج:
لكنّني أسـألُ الرّحــــــــــــــمنَ مغْــــــــفرةً وضربةً ذاتَ فـرغٍ تقــــذفُ الزّبَــــــدَا أو طعنةً بـيَدي حـــــــــــــرَّان مُجْــــــهِزَة بِحَرْبة تَنـــفُذ الأحشــــــاءَ والكـــــبـــدا حتّى يُقال إذا مـرُّوا على جَــــــــدَثي أرشَـــــده الله مــــــن غازٍ وقـــــد رَشَدا [69]
وودّعَ ابنُ رواحة النّبيَ مستعملا لفظة السّلام (وهي اسم من أسماء الله الحسنى) الدّالة على تأثر الشّعراء بالمصطلحات والمعاني الإسلامية آنذاك، قائلا:
خلف السّلام على امــــرئ ودَّعتُه في النَّــخلِ خيــــــــــرَ مشيٍّـــع وخليل[70]
وكان لشعر ابن رواحة مفعول سحريّ يزرع الحماس في نفوس المجاهدين حيث انطلقوا لملاقاة جيش الرّوم وهم يهتفون: الله اكبر.. الله اكبر وبعد استشهاد ” زيد بن حارثة ” ومن بعده “جعفر بن أبي طالب” تلاهما ثالث الأمراء “عبد الله بن رواحة” وقد حمل راية القيادة واستجمع كل قواه بعد أن تردّد وأخذ يصيح بالمسلمين:
أقســــمت يا نفــــــــــــسُ لَتَــــــنْـــزلَـــنّه طائــعــــة أو لا لَـــــتُــــــــــــــــكْــــــرِهَـــنّـــــــه
إن أجلب النّـاس وشــــــدّوا الرّنّه مــا لــــي أراك تكـــــــــرهيـن الجــــــــــنّة
قد طالــما قد كنـــت مطمـــــــــــئنّه هل أنـــت إلّا نطـــــــفة فــــي شــــــــــنّة
جعفر ما أطيــــــــــــــــــــــــب ريح الجنّة[71]
وهكذا تحقّقت أُمنِية عبد الله بن رواحة بضربة سيف أو طعنة رمح كما طلب، نَقلته إلى عالم المجاهدين الشهداء الفائزين برضوان الله تعالى ورسوله، بعد أن خرج مع النّبي في غزواته وجاهد بسيفه ولسانه إلى آخر لحظة من حياته.
ومن أحسن ما مَدَح به عبدُ اللهِ بن رواحة النّبي أيضا، قوله:
لو لم تـــــــــكنْ فيه آياتٌ مُبَـــــــــيّنــَةٌ كانــت بديهـــــــــــــــــتُه تُنْبِـــــيك بالخَـــبَرِ
فثَــــبَّتَ اللهُ ما أتــــاكَ من حَسَـــــــن قَفَوتَ عيســــــــى بإذنِ اللهِ والقـــــــــدرِ [72]
وكل هذه الشّواهد الشّعرية تدلّنا فعلا أن عبد الله بن رواحة كان فارسا شجاعا، وشاعرا مُجيدا سخّر كلّ طاقاته الشّعريّة الإبداعيّة لخدمة الدّين الإسلاميّ وإعلاء كلمة الحق، ونصرة رسول الله وصحابته، والمُلاحَظُ جليا على هذه ااشواهد أنّها مجرّد أبيات وليست قصائد مطولة مخصوصة بمدح رسول الله، ولذلك لن نعتمد أيًّا منها كمدونة بحث لهذه الدراسة لقصرها الشّديد مقارنة بالقصائد المطوّلة المعتمدة.
3-4. كعب بن زهير(ت 26 هـ – 645م):[73]
كان كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد الشّعراء المخضرمين في عصره، بلغ من الشّعر والشّهرة حظّاً وافراً خاصّة بعد مدحه للنّبي صلّى الله عليه وسلّم، وقصّة مدحه لرسول الله مشهورة، سال عمّا قاله فيها من شعر-لاميته المشهورة “بانت سعاد”- حبر كثير إلى يومنا هذا، رغم أنّه لم يكن صادق النيّة في مدحه، بل كان هدفه أولا هو النّجاة من الموت، حيث يُروَى أنّه حين هاجر بُجَير بن زهير –أخو كعب- إلى المدينة التقى برسول الله وأسلم على يديه، فلمّا عَلِم كعب بذلك وبّخه وطلب منه العدول عمّا فعل، لأنه اعتنق دينا لم يكن عليه أحد من آبائه، وسَخِر منه مُتعرِّضا إلى النّبي بما لا يليق، مُسمِّيا إياه بالمأمون، قال كعب حينها:
ألا أَبْلِــــــــــــــــغا عَنـّـي بُجَــــــــــــــــــيْرا رِسَـــــالـــــــــةً فَهَلْ لَكَ فيما قُلْتُ -وَيْحَكَ- هَلْ لـكـا
شربـــــــــــتَ مَعَ المــــــــــأمــــونِ كأســـاً رويّــــــــــــةً فأَنْهَـــلَكَ المأمــــــــونُ مـنـــــــــــــــــــــــهــا وعَلّـــــكـا
وخالَفْتَ أسـبابَ الهُدى وتبـــــــــــــــــعـــــــــــتَـــــهُ علي أيّ شيء -وَيْـــبَ غـيــــــــــــــــرك- دلّكـا
على خُلـقِ لـــم تُلْــــــــــــــــــــــــــفِ أُمّــا و لا أبـا علـــيه ولـم تُـــــــــــــــــــــــــــدركْ علــــــيـه أخاً لَــــــكـا [74]
ولمّا وصل هذا الشّعر بُجيراً كره أن يكتمه عن رسول الله، فأسمعه إياه، فتفطّن النّبي إلى أن المقصود بالمأمون هو رسول الله نفسه، فتوعده وأهدر دمه، ثمّ ردّ كعب على أخيه بعد ذلك بأبيات قال في أولها:
من مبلــــــغٍ كعــــــــــــبا فهـــــــــــل لك فـي الّتي تلـومُ عليـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــها باطِــــــلاً وهي أحـــزمُ
إلى الله -لا العزى ولا الـــــــلّات- وَحدَه فتـنــــــــــــــــــــــجو إذا كـان النَــــــــــــــجاءُ وتَســـلمُ [75]
وبعد مشاركة بُجَير في غزوة حُنَين، وفي حصار الطائف وقتال المشركين من ثَـقيف “عاد إلى المدينة في صحبة رسول الله، وأخذته صلة الرّحم بأخيه فكتب إليه يقول إنّ النّبي يَهُمُّ بقتل كلّ من يؤذيه من الشّعراء المشركين، ودعاه إلى القدوم عليه لأنّه لا يَقتُلُ أحدا جاء تائبا إليه، وإلاّ فلْيُمعِنِ الهرب والنّجاء في الأرض، ولمّا جاء كعباً كتابُ أخيه ضاقت به الأرض وأرجف به أهله، وقالوا إنّه مقتول”[76] فهام يترامى على القبائل أن تجيره فلم يجره أحد، فخرج إلى المدينة فنزل على رجل من جُهَينة كان يعرفه، فغدا به إلى رسول الله حين صلى الصبح؛ فصلّى معه ثم أشار إليه -صلى الله عليه وسلم- فقال: هذا رسول الله فقم إليه فاستأمِنه، فقام كعب إلى النّبي حتى جلس إليه، فوضع يده في يده، وعرّفه بنفسه موضحا له أنّه جاء ليستأمنه تائباً مسلماً، فقبل منه رسول الله توبته وكفّ رجلا من الأنصار أراد أن يضرب عنقه، حيث قال له: “دعه عنك فقد جاء تائباً نازعاً عمّا كان عليه” قال: فغضب كعب على هذا الحيِّ من الأنصار لِما صنع به، وذلك أنّه لم يتكلّم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير. فقال قصيدته اللّامية الّتي يمدح فيها رسول الله، حيث بدأها بنسيبٍ ذاكر فيه خوفه وإرجاف الوشاة به من عدوه، واصفا محبوبته[77]، يقول كعب في أول لاميته:
بانَتْ سُعَادُ فَقَـــلْبِي الْيَـــــــــــوْمَ مُتَـــــــبْولُ مُتَيّـــــــــــمٌ إثْـــــــــــــــــــــــرَهَا لَمْ يُـــــــــجْـزَ مَكْــــــبُــولُ
وَمَـا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَـــــــــــــيْنِ إذْ رَحَــــــلُوا إلّا أَغَنّ غَضِـــيضُ الطّـــــــــــــــــــرْفِ مَكْحُــــولُ
هَيْـــفَاءُ مُقْـــــــــــبِلَةً عَجْـــــــــــزَاءُ مُدْبِــــــــــــرَةً لَا يُشْــــــــتَكَى قِصَــــــــــــــرٌ مِنْهَا وَلَا طُــــــــــــــولُ [78]
وختم كعب قصيدته بأبيات يمدح فيها رسول الله، ويُثنِي فيها على المهاجرين لخروجهم مع رسول الله من مكّة إلى المدينة بإرادتهم مقتنعين بما يفعلون، لا خوفا منه، ولا تهيُّبا من القتال والموت، يقول:
إِنَّ الرَســـولَ لَسَيـــــــفٌ يُستَــــــــــــــــــــــضــــاءُ بِــهِ مُهَنَّدٌ مِـن سُيــــــــــــــوفِ اللَـهِ مَســـــــلــــــولُ |
في عُصـــبَةٍ مِن قُرَيـــــــــــــــشٍ قـــــالَ قائِلُـهُـم بِبَطــــــنِ مَكَّـــــــــةَ لَمّـا أَسَــــــــــــلَمــوا: زولـــــوا |
زَالـــــوا، فَمــــــــازالَ أَنكـــــــاسٌ، وَلا كُشُـــــفٌ عِنــــدَ اللِقــــــــاءِ وَلا مـــــيــــــــلٌ مَعـــــــــــــازيـلُ |
شُــــمُّ العَرانــــــــــيـنِ أَبطـــــــــــالٌ لَبوسُـــــــــــــــــــــهُــمُ مِن نَسْـــجِ داوُدَ في الهَيـــــجـا سَـــــرابيـلُ |
بيضٌ سَــوابِغُ قَد شُــــــــــكَّـــــــــت لَـهـا حَلَــــــقٌ كَأَنَّـــهـا حَلَـقُ القَــــــــــــفـــــــــعـاءِ مَـجــــــــدولُ [79] |
ولمّا فرغ كعب من إلقاء قصيدته وإنشادها، عفا عنه رسول الله وكساه بردته؛ فسمِّيت قصيدته بـ “البردة” بسبب ذلك، ثم حَسُن إسلامه وأخذ يُصدر شِعْرا يتضمّن مواعظا وحكما كثيرة تأثراً بأحكام القرآن الكريم ومبادئ الدّين الجديد، وبهذا أنقذ الله تعالى كعبا بن زهير من الكفر إلى الإسلام، ومن ظلام الجاهلية إلى النّور المُبِين.
وقد أخذت هذه القصيدة اهتماما كبيرا جدّا من طرف الشّعراء إلى يومنا هذا، حيث شطّروها وخمّسوها وعارضوها، وشرحها الشّارحون بتفصيل ودقّة متناهية، إلاّ أنّ المتأمّل جيّدا فيها يلمح بوضوحٍ ضعف روح الدّين الإسلاميّ فيها رغم قوة سبكها ونظمها، وهذا ليس بغريب لأنّها قصيدة على طريقة كتابة شعراء الجاهلية، أضف إلى أنّها لم تُقَل بصدق نيّة لمدح رسول الله، وهذا ما جعلنا نوافق ما ذهب إليه الدّكتور زكي مبارك الذي توصّل إلى أنّ “كعبا بن زهير لم يقل لاميته وهو مأخوذ بعاطفة دينية قويّة، تسمو به إلى روح التّصوّف، إنّما هي قصيدة من قصائد المديح، يقولها الرّجل حين يرجو أو يخاف، وليست من المدائح النبوية في شيئ”[80] مثلها مثل دالية الأعشى الّتي تكلّمنا عنها سابقا.
4- خلاصة:
يتضح من كل ما سبق أن المديح النّبويّ غرض شعري قديم متجدّد جوهره الثّناء والشّكر والتّنويه بمناقب خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وصفاته وأخلاقه وسلوكاته… ويستوحي مادته الإبداعية من منظور ديني بحت، ارتبط ظهوره بادئ ذي بدء بمدح جدّ رسول الله للنبي (ص) حينما وُلِد، واستمر في التطور والازدهار وارتبط بأشعار المتصوفة ونفحاتهم؛ فهو لون من ألوان التّعبير عن العواطف الدّينيّة، وهو شعر ينصبُّ على نظم سيرة رسول الله، وتعداد صفاته الخَلقيّة والخُلقيّة، وإظهار الشّوق لرؤيته وزيارة قبره، والأماكن المقدّسة الّتي ترتبط بحياته، مع ذكر معجزاته الماديّة والمعنويّة، والإشادة بغزواته ضدّ الكفّار والمشركين، والصّلاة عليه وعلى آله وصحبه تقديرا وتعظيما، بعيدا عن ظاهرة التّكسّب بالشّعر.
وقد اتضح من خلال هذه الدراسة أيضا، أن أهم أعلام المديح النّبوي في عصر صدر الإسلام هم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الذين اتخذوه –كلٌّ حسب ما يُحسِن النظم فيه- وسيلة للدّفاع عن عقيدتهم ودينهم ورسولهم، وعلى رأسهم: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة… وتستدعي هذه الدراسة –كتوصية للبحث- معرفة أسماء أخرى مدحت رسول الله ودافعت عنه وعن رسالته النبيلة التي جاء بها -بوحي من الله تعالى- إلى البشرية جمعاء.
5- قائمة المراجع:
1- أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة، تح: أحمد شمس الدّين، دار البحار، بيروت، لبنان، 2004، مج1.
2- أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، الشّعر والشّعراء، تح: أحمد محمّد شاكر، دار الحديث، القاهرة، مصر، ط3، 2001، ج1.
3- أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصفهاني: الأغاني، دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، ج4.
4- أبو الفداء الحافظ بن كثير: البداية والنّهاية، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، دط، 1990، ج3.
5- جميل حمداوي: شعر المديح النّبويّ في الادب العربيّ، منشورات المكتبة المصريّة، بيروت، لبنان، ط1، 2007.
6- حسّان بن ثابت: ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، شر/تق عبدأ مهنا، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ط2، 1993.
7- زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، دار المحجّة البيضاء، القّاهرة، مصر، 2015.
8- سراج الدّين محمّد: المدح في الشّعر العربيّ، دار الرّاتب الجامعية، بيروت، لبنان، دط، دت.
9- سامي سويدان: في النّص الشّعري، مقارنات منهجيّة، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط1، 1989.
10- سامي مكي العاني: أعلام المسلمين (ديوان كعب بن مالك الانصاري)، دار القلم، دمشق، سوريا، ط2، 1990، مج، مج18.
11- عباس الجراري: الأدب المغاربيّ من خلال ظواهره وقضاياه، مطبعة النّجاح الجديدة، الدّار البيضاء، المغرب، ط2، 1982.
12- محمود علي مكي: المدائح النّبويّة، الشركة المصريّة العالميّة للنشر، لونجمان، لبنان، ط1، 1991.
13- ميمون بن قيس بن جندل الأعشى: شرح ديوان الاعشى الكبير، تق: حنان صد الختي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1994.
14- محمّد بن سلّام الجمحي: طبقات فحول الشّعراء، تح: محمود محمّد شاكر، دار المعارف، القاهرة، مصر، 1992.
15- محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني: السيرة النبوية، تح/تع: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ط1، 2004.
16- علي فاعور: ديوان كعب بن زهير، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1997.
17- وليد قصّاب: ديوان عبد الله بن رواحة ودراسة في سيرته وشعره، دار العلوم، الرياض، السعودية، ط1، 1981.
[1] – ينظر.. سراج الدّين محمّد: المدح في الشّعر العربيّ، دار الرّاتب الجامعية، بيروت، لبنان، دط، دت، ص06.
[2] – ينظر.. سامي سويدان: في النّص الشّعري، مقارنات منهجيّة، دار الآداب، بيروت، لبنان، ط1، 1989، ص108.
[3] – ينظر.. زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، دار المحجّة البيضاء، القّاهرة، مصر، 2015، ص17.
[4] – ينظر.. جميل حمداوي: شعر المديح النّبويّ في الادب العربيّ، منشورات المكتبة المصريّة، بيروت، لبنان، ط1، 2007، ص11.
[5] – ينظر.. عباس الجراري: الأدب المغاربيّ من خلال ظواهره وقضاياه، مطبعة النّجاح الجديدة، الدّار البيضاء، المغرب، ط2، 1982، ص141.
[6] – ابن الفارض: هو أبو حفص شرف الدّين عمر بن عليّ بن مرشد الحموي، أحد أشهر الشّعراء المتصوّفين، ولد سنة (576ه-1181م) بمصر، لقب بسلطان العاشقين، كان حسن الصحبة والعشرة، رقيق الطبع فصيح العبارة، توفي سنة (632ه- 1235م).
[7] – البويصري: هو شرف الدّين محمّد بن سعيد بن حمّاد الصّنهاجيّ البويصري، اشتهر بالمدائح النّبويّة ، ولد سنة (608ه- 1213م)، من أهم مؤلفاته: الكواكب الدرّية في مدح خير البرّية… توفي بالإسكندريّة سنة (696ه- 1295م)
[8] -كتب التّفسير والسّيرة النّبويّة : كتب السّيرة مثل: “تفسير ابن كثير” على سبيل التّمثيل، وكتب السّيرة مثل: “السّيرة النّبويّة ” لابن هشام، وسيرة ابن اسحق و”الرّحيق المختوم” لصفي الرحمن، و”السيرة النّبويّة ” لابن حبان، و”فقه السيرة” لسعيد البوطي، و”فقه السيرة” لمحمد الغزالي، و”السّيرة النّبويّة ” لمحمد متولي الشّعراوي…
[9] – عبد المطلب: هو عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ بن كلاب بن مرّة، جدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وُلِد بيثرب نحو عام 480م، عاش عند أخواله من بني النّجّار، لُقِّب بالفيّاض لكثرة جوده وكرمه، كان من أعظم رجال مكّة منزلة. توفي وعمر رسول الله ثمان سنين نحو: 578م ودُفِن بمكّة.
[10] – ينظر.. عباس الجراري: الأدب المغاربيّ من خلال ظواهره وقضاياه، ص142.
[11] – الأردان: مفردها (الرّدن) بالضم، أي أصل الكُمِّ، يقال: قميص واسع الرّدن، والجمع (الاردان)، ولعلّ المقصود في هذا البيت: طيب الأصول.
[12] – ينظر.. أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، تح: أحمد شمس الدّين، دار البحار، بيروت، لبنان، 2004، مج 1، ص136-137.
[13] – أبو طالب: هو أبو طالب عبد مناف بن عبد المطّلب الهاشمي القرشي الكناني ، عمّ رسول الله وكافله بعد جدّه عبد المطّلب، ووالد رابع الخلفاء الرّاشدين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وُلد نحو 85ق ه، توفي 3 ق ه.
[14] – محمود علي مكّي: أستاذ الأدب الأندلسيّ في كلية الآداب بجامعة القاهرة، وعضو مُجمَع اللّغة العربيّة سنة 1991.
[15] – ينظر.. محمود علي مكي: المدائح النّبويّة ، الشركة المصريّة العالميّة للنشر، لونجمان، لبنان، ط1، 1991، ص08-09.
[16] – الأعشى: هو ميمون بن قيس بن جندل بن بكر بن وائل… بن أسد بن ربيعة بن نزار، أحد الأعلام من شعراء الطبقة الأولى في الجاهليّة وفحولهم، لُقِب بالأعشى لأنّه كان ضعيف البصر، ويقال أنّه أول من سأل بشعره وتكسّب به، وانتجع به أقاصي البلاد، وكان يغني به فسمّوه بـ: صناجة العرب ، توفي حوالي سنة: 07 ه \ 629 م.
[17] – التكسّب: هو ظاهرة قديمة ارتبطت بالسُّلطة والسّياسة في العصر الجاهليّ، كانت تقوم مقام وسائل الإعلام في عصرنا الحالي، وهي تعني احتراف الشّعر؛ أي جعلُه حِرفة ومهنة يكسب الشاعر من ورائها مالا ومكانة هامّة عند الممدوح (الملوك والحكام والأمراء وأرباب العمل).
[18] – ينظر.. أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، الشّعر والشّعراء، تح: أحمد محمّد شاكر، دار الحديث، القاهرة، مصر، ط3، 2001، ج1، ص257.
[19] – ميمون بن قيس بن جندل الأعشى: شرح ديوان الاعشى الكبير، تق: حنان صد الختي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1994، ص100.
[20] – ينظر.. زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، ص19.
[21] – المرجع نفسه، ص19.
[22] – ينظر .. أبو الفداء الحافظ بن كثير: البداية والنّهاية، مكتبة المعارف، بيروت، لبنان، دط، 1990، ج3، ص53.
[23] – ينظر.. محمّد بن سلّام الجمحي: طبقات فحول الشّعراء، تح: محمود محمّد شاكر، دار المعارف، القاهرة، مصر، دط، 1992، ص204.
[24] – يُنظر.. محمود علي مكي: المدائح النّبويّة ، ص10.
[25] – ينظر.. أبو الفداء الحافظ بن كثير: البداية والنّهاية، ج3، ص57.
[26] – المرجع نفسه، ص55.
[27] – ينظر.. أبو الفداء الحافظ بن كثير: البداية والنّهاية، ج3، ص57.
[28] – للاستزادة يُنظر.. كتاب المغازي للأموي، السّيرة النّبويّة لابن هشام، البداية والنّهاية لابن كثير، المدائح النّبويّة لمحمود علي مكّي، المدائح النّبويّة لزكي مبارك.
[29]– حسّان بن ثابت: هو حسّان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك بن النجّار، أجمع المؤرخون على أنه عاش 120 سنة، منها ستون في الجاهلية وستون في الإسلام، وتوفي سنة 54ه، نصّب حسّان نفسه للدّفاع عن الدّين الجديد ورسوله حتّى لُقب بشاعر الرّسول، وأصبح شعره سجلا لجميع الأحداث التي توالت على المسلمين. للاستزادة: يُنظر.. حسّان بن ثابت: ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، شر/تق عبدأ مهنا، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ط2، 1993، من ص 07 إلى 15.
[30] – أبو الفرج علي بن الحسين القرشي الأصفهاني: الأغاني، دار الكتب المصرية، القاهرة، مصر، ج4، ص137.
[31] – محمود علي مكي: المدائح النّبويّة ، ص12.
[32] – المرجع نفسه، ص13.
[33] – المغلغلة: أي الرّسالة التي تسير من بلد إلى بلد.
[34] – يُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة ، ص13-14.
[35] – الرّبع: أي ربع الغنيمة، وهو نصيب الرئيس دون أصحابه ممن يكسبون الحرب.
[36] – قسرنا: أي قهرنا وغلبنا.
[37] – النّهاب: أي الغنائم، مفردها نهب.
[38] – القزع: أي الغيم.
[39] – الكوم: جمع كوماء، وهي النّاقة الضخمة. النّحر عبطا: أي من دون علّة. الأـرومة: الأصل.
[40] – استاقادوا: أي أعطوا مقادتهم وخضعوا.
[41] – يُنظر.. زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، ص27-28.
[42] – حسّان بن ثابت: ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، شر/تق عبدأ مهنا، ص152.
[43] – الذّوائب: الأشراف. فهر: أصل قريش. سجيّة: أي الطبع.
[44] – ينظر.. حسّان بن ثابت: ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، شر/تق عبدأ مهنا، ص152. ويُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة ، ص17. الشيع: المناصرون. لِـــــسَانٌ حائِكٌ: أي حاذق. شمعوا: فرحــوا.
[45] – يُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة ، ص26. ويُنظَر.. زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، ص44 إلى ص50.
[46] – أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، مج 4، ص260.
[47] – أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، مج4: ص262.
[48] – المرجع نفسه: ص262.
[49] – يُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة ، ص13.
[50] – كعب بن مالك الأنصاري: هو كعب بن مالك بن أبي كعب، وهو عمرو بن القيْن بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سَلِمة بن سعد بن علي الانصاري السَلَمي، لُقِب بالأنصاري (بعد الإسلام) نسبة للأنصار، أسلم قديماً وشهد العقبة ولم يشهد بدرا، توفي كعب في خلافة معاوية: -عن الهيثم، والمدائني- سنة أربعين. وروى الواقدي: أنّه مات سنة خمسين. وعن الهيثم بن عدي أيضا: أنه توفي سنة إحدى وخمسين للهجرة. رحمه الله ورضي عنه. للاستزادة: ينظر.. سامي مكي العاني: أعلام المسلمين (ديوان كعب بن مالك الانصاري)، دار القلم، دمشق، سوريا، ط2، 1990، مج 18، ص47 إلى ص74.
[51] – المرجع نفسه، ص75.
[52] – أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، مج 3، ص24-25.
[53] – أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، ص25.
[54] – نفسه، ص114.
[55] – نفسه، ص115-116، البيتان الأخيران ص117. الذّمار: ما يجب على الرّجل أن يحميه.
[56] – ينظر.. سامي مكي العاني: أعلام المسلمين (ديوان كعب بن مالك الأنصاري)، مج 18، ص83. ويُنظر: أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، مج 3، ص220.
[57] – يُنظر: أبو محمّد عبد الملك بن هشام، السيرة النّبويّة ، مج3، ص222.
[58] – المرجع نفسه، ص222.
[59] – ينظر.. سامي مكّي العاني: أعلام المسلمين (ديوان كعب بن مالك الأنصاري)، مج 18، ص101.
[60] – المرجع نفسه، ص143.
[61] – ينظر.. سامي مكّي العاني: أعلام المسلمين (ديوان كعب بن مالك الأنصاري)، مج 18، ص88.
[62] – نفسه: ص88.
[63] – نفسه: ص88-89.
[64] – نفسه: ص86.
[65] – عبد الله بن رواحة: هو عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، وُلد في يثرب، وفيها نشأ وترعرع وشبّ، أمه كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة، كان كاتبًا وشاعرا في بيئة لا عهد لها بالكتابة، وضع مقدرته الشعرية منذ أن أسلم في خدمة الدين الإسلام ورسوله. استشهد في غزوة مُؤْتة، وكان أحد قُوَّادها، ودُفن في بلدة مؤتة إلى الجنوب من مدينة الكرك، وذلك في العام الثامن للهجرة. للاستزادة: يُنظر.. وليد قصّاب: ديوان عبد الله بن رواحة ودراسة في سيرته وشعره، دار العلوم، الرياض، السعودية، ط1، 1981.
[66] – غزوة بدر الموعد: سُمِّيت بهذا الاسم لأنّ الرّسول واعد أبا سفيان عند بدر، غير أن هذا الأخير لم يحضر ولم يكن في الموعد.
[67] – يُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة ، ص33-34.
[68] – يُنظر.. محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني: السيرة النبوية، تح/تع/تخ: أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلميّة، بيروت، لبنان، ط1، 2004، ص503.
[69] – يُنظر.. محمّد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني: السّيرة النّبويّة، ص504-505.
[70] – يُنظر.. وليد قصّاب: ديوان عبد الله بن رواحة ودراسة في سيرته وشعره، ص37.
[71] – المرجع نفسه، ص99.
[72] – المرجع نفسه، ص94-95.
[73] – كعب بن زهير: هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر مخضرم عالي الطبقة، عاش عصرين مختلفين، هما عصر ما قبل الإسلام وعصر صدر الإسلام، كان ممن اشتُهِر في الجاهلية، ولما ظهر الإسلام هجا الرسولَ صلى الله عليه وسلّم، للاستزادة: يُنظر.. علي فاعور: ديوان كعب بن زهير، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1997، ص3 إلى ص7.
[74] – يُنظر.. زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، ص20-21.
[75] – يُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة، ص46.
[76] – يُنظَر.. نفسه، ص47.
[77] – يُنظَر.. محمود علي مكّي: المدائح النّبويّة، ص47. ويُنظر.. زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، ص21.
[78] – يُنظر.. علي فاعور: ديوان كعب بن زهير، ص60 إلى: ص62.
[79] – نفسه، ص67.
[80] – زكي مبارك: المدائح النّبويّة في الأدب العربيّ، ص22.