
تسويق المشروع الصهيوني على العرب خلال الحرب العالمية (1914-1918):
موقف الشريف الحسين بن علي مثالا
Propagandize the Zionist proposal to Arabs during the First World War (1914-1918)
ALsharif AL Hussein Bin Ali as an example
د.نضال داود محمد المومني/جامعة قطر
Nidal Daoud Mohammad AL MOMANI , Quatar Univerity
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 56 الصفحة 87.
Abstract:
This study deals with part of Arab –Zionism relationship during the first world war, it also marked the effects of war on the Jewish existence in Palestine and the gradual turn of international situation on behalf Zionist movement especially after it gets support from British governments which announced Belfour.
The study focused on recording AL Sharif AL Hussein bin Ali attitude from the Zionist movement before Belfour declare, and his attitude to its immediate declaration. The study searched the Zionist movement attitude towards the declaration, which it propagandize for as a charitable humanity proposal without the announcement of its political goals.
The study explained the international attitudes towards Jerusalem and the holy lands because it is a very important religious atmosphere to Palestine initialization. Although the real existence was for Britain because of its military excellence in Palestine and the region.
The study depend on Arabic –British documents, in addition to contemporary newspapers during the study such as Hijazi Qiblah, ALMuqattam and ALAhram Egyptian newspapers ,ALManar magazine and other specialized references.
Keywords: Zionist movement, British government,ALsharif AL Hussein Bin Ali,Palestine,First World War,Belfour declare.
ملخص:تتناول هذه الدراسة جانبا من العلاقات العربية-الصهيونية خلال الحرب العالمية الأولى، كما تلمست أثر الحرب على الوجود اليهودي في فلسطين، وتغير الموقف الدولي تدريجيا لصالح الحركة الصهيونية خاصة بعدما حصلت على دعم الحكومة البريطانية التي أعلنت وعد بلفور.
وركزّت الدراسة على تتبع موقف الشريف الحسين من الصهيونية قبل وعد بلفور؛ وكذلك موقفه من الوعد على أثر صدوره مباشرة.كما بحثت موقف الحركة الصهيونية تجاه الوعد الذي روجت له باعتباره مشروعا خيريا إنسانيا دون أن تفصح عن أهدافها السياسية.وأظهرت الدراسة المواقف الدولية من القدس والأماكن المقدسة باعتبارها مجالا حيويا دينيا لتدويل مسألة فلسطين؛ رغم بقاء بريطانيا قيمة عليها بحكم تفوقها العسكري في فلسطين والمنطقة.
وعمدت الدراسة الى الاستناد الى المصادر المعاصرة لزمن الدراسة فقط على الأغلب؛ باعتبار ذلك منهجا أكثر موضوعية يساهم في تدقيق المواقف والأفكار وتمحيصها. واعتمدت على مجموعة من الوثائق العربية والبريطانية، إلى جانب عدد من الصحف المعاصرة لفترة الدراسة؛ مثل صحيفة القبلة الحجازية، وصحيفتي المقطم والأهرام المصريتين، ومجلة المنار، إضافة إلى مصادر أخرى متنوعة.
الكلمات المفتاحية: الحركة الصهيونية، الحكومة البريطانية، الشريف الحسين بن علي، فلسطين. الحرب العالمية الأولى، وعد بلفور.
مدخل:
كانت الحرب العالمية الأولى فرصة لمشروعين متناقضين؛ الأول مشروع الحركة الصهيونية بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، والذي سعت له بشكل منظم منذ عام 1897م، وأخذت تبحث عن تأييد دولي قوي يضمن تنفيذه. والثاني مشروع دولة عربية آسيوية تضم البلاد العربية الخاضعة للحكم العثماني.وقد انحازت الحركة الصهيونية إلى جانب بريطانيا لتحقيق مشروعها؛ وكذلك فعل عرب آسيا الذين ارتبطوا مع بريطانيا ووثقوا علاقاتهم معها بمعاهدات ومراسلات، بوصفها صاحبة النفوذ الأقوى في بلادهم.
ظهرت شخصية الشريف الحسين(1853-1931م) باعتبارها شخصية مؤثرة مع بداية الحرب وانضمام الدولة العثمانية إليها، لأنه شريف مكة ويتصل نسبه بالرسول عليه الصلاة السلام، وله نفوذ كبير في الحجاز حيث الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة؛وعلى عربان الحجاز بشكل خاص، وحظي باحترام العرب والعثمانيين عموما.
لم تكن الحركة الصهيونية وأهدافها واضحة لدى عامة العرب أو الشريف حسين عند بداية الحرب، لذلك اعتمد موقف الحسين من الصهيونية على ما لديه من معلومات،والتي توافرت تدريجيا بعد صدور وعد بلفور كما سيتضح، أما قبل ذلك فكانت مجرد مصطلحات رصدتها بعض الصحف العربية دون تمحيص في كثير من الأحيان. ولدراسة موقف الحسين من أية مسألة تدفع الباحث للرجوع إلى جريدة القبلة التي أنشأها في الحجاز وصدر عددها الأول في 15 شوال 1334 للهجرة / 15 آب 1916م. واعتمدت الدراسة في تلمس فكر الحسين وموقفه من اليهود والحركة الصهيونية، على جريدة القبلة، من خلال التدقيق في محتوياتها وتتبع ما ورد فيها عن فلسطين وتنامي الوجود اليهودي /الصهيوني فيها؛ هذا بالرغم من قلة المعلومات الواردة فيها حول هذا الأمر خلال الحرب؛ وإن توافرت بشكل ملحوظ بعدها.
بدأت الحرب في آب 1914م، ودخلتها الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا (دول المحور) في تشرين ثاني 1914م، ووقف العرب بداية إلى جانب الدولة العثمانية، وكان الشريف الحسين بن علي معارضا لاشتراك الدولة العثمانية في الحرب، لظروف عدة أبرزها موقع الحجاز الجغرافي في ضوء النفوذ البريطاني في المنطقة، وآمال العرب القومية، وتسلط الاتحاديين على حكم الدولة العثمانية. وقد أعلن الحسين الثورة في 10 حزيران 1916م، بعد تحالفه مع بريطانيا وفق ما عرف بمراسلات الحسين-مكماهون، ضد الدولة العثمانية.
وكانت بريطانيا عند بدء الحرب مركزا للنشاط الصهيوني فلما حالفت الدولة العثمانية دول المحور(النمسا، المجر، ألمانيا) وجد زعماء الصهيونية من المفيد أن يتقربوا إلى الحلفاء كذلك، حتى إذا أدت الحرب إلى تفكك الإمبراطورية العثمانية، ضمنت القضية الصهيونية آذانا صاغية”. ([1])
أدّت الحرب العالمية الأولى بمجموعات كبيرة من اليهود إلى مغادرة فلسطين إلى أوروبا وأمريكا ومصر، فقد وصل منهم إلى مصر وحدها خلال سنة واحدة(كانون أول 1914 إلى كانون أول 1915)، (11277)مهاجرا كانوا في حالة عوز شديد. وتولى قنصل روسيا في الإسكندرية تدبير شؤونهم وجمع الإعانات لهم من يهود أوروبا، وكذلك عمل قناصل دول أوروبا، كما ساعدتهم الحكومة المصرية، التي قررت متابعة شؤونهم وتوفير المأوى والطعام لهم ([2]). ولما وصلت مجموعة من المهاجرين اليهود عددهم حوالي (90) شخصا إلى لندن في أيلول 1917م، ذكروا أن ظروف الحرب الصعبة في القدس والضنك الشديد والخوف من محن الشتاء القادم؛كل هذه الأمور أجبرتهم على مغادرة ((وطنهم المحبوب))، وأنه كان في القدس قبل الحرب (65) ألف يهودي لم يبق منهم سوى 24 ألف ([3])
وعقدت دول الحلفاء الاتفاقيات السرية فيما بينها، لاقتسام أملاك الدولة العثمانية إذا ما انهزمت في الحرب كما كانت تعتقد، فكانت اتفاقية (سايكس-بيكو) في 16 أيار 1916م، والتي عقدتها فرنسا وبريطانيا وروسيا، لصالح دولتي فرنسا وبريطانيا، وهي من أهم تلك الاتفاقيات المتعلقة بالبلاد العربية خاصة سورية الطبيعية والعراق ([4]). وجاءت الاتفاقية قبل أقل من شهر من إعلان ثورة الشريف حسين.
وتضمنت اتفاقية (سايكس-بيكو) فيما يتعلق بفلسطين أن تنشأ فيها إدارة دولية، يعين شكلها بعد استشارة روسيا وبالاتفاق مع بقية الحلفاء وممثلي شريف مكة الحسين. وجاء ذلك بسبب تصارع الدول على فلسطين؛فأرادت فرنسا بسط نفوذها على سورية بما فيها فلسطين؛ لكن بريطانيا رفضت لرغبتها في السيطرة على خليج حيفا – عكا، لربط العراق بالبحر المتوسط، ولعدم رغبتها بوجود نفوذ لفرنسا أو غيرها على مقربة من قناة السويس. ([5])
وكانت حجة معارضة بريطانيا لسيطرة فرنسا على فلسطين هي وجود الأماكن المقدسة في القدس وما حولها، والذي يستدعي نظاما خاصا من الإدارة؛ فاقترحت فرنسا أن تكون الإدارة الدولية في القدس وبيت لحم وضواحيهما القريبة، أما باقي فلسطين فيظل جزءا من سورية. ولما تواصلت المباحثات في روسيا، قدمت روسيا مطالب خاصة بها في فلسطين، حيث كان لها مدارس وأديرة، خاصة في الناصرة ونابلس والخليل؛ فعارضت بريطانيا وفرنسا ذلك، وأخيراً تم الاتفاق على جعل فلسطين تحت إشراف دولي بما في ذلك المنشآت والمواقع الروسية. ([6])
الحركة الصهيونية والحسين قبل وعد بلفور 1917م:
حاولت بريطانيا أن تحول دون بحث المسألة الصهيونية خلال الحرب (1914 – 1918م) بسبب المعارضة العربية للصهيونية؛ ولارتباط ذلك بوضع الحلفاء العسكري. ([7]). لكنها استمرت تعمل سرا وتخطط لمشروعها؛ وكان من ضمن أهدافها إيجاد شخصيات عربية مؤثرة تدعم ذلك المشروع.
وقدوردت أول إشارة للوجود الصهيوني في فلسطين في العدد الثاني من صحيفة القبلة الصادر في 18آب 1916م، ورغم أنها لم تكن ذات عمق سياسي لمستقبل الوجود الصهيوني أو اليهودي في فلسطين؛ إذ جاءت اعتمادا على المرحلة التي عاشها العرب عامة والحجاز خاصة؛ وموقفهم من الدول الحليفة(بريطانيا وفرنسا)، والدول المعادية(الدولة العثمانية وألمانيا)؛فقد جاء ذكر الصهيونية تحت عنوان((نحن وأعداؤنا))؛ فكانت على شكل توجيه إلى العرب بأن فلسطين أصبحت ألمانية – دولة معادية للشريف – بعدما نشبت بها براثن الصهيونيين الذين جعلوا مقرهم برلين (ألمانيا)، واتخذ الصهيونيون من الاتحاديين وسيلة لتحقيق أغراضهم([8]).ما هي تلك الأغراض؟ وما مدى إمكانية تحقيقها وموقف العرب منها؟! لا إجابات، فقط نستنتج أن القبلة ربطت بين الصهيونيين والدولة العثمانية التي يحكمها الاتحاديون بوساطة ألمانيا وجميعهم أعداء للعرب وللإسلام.
ورغم ذلك كله فقد استدعى الأمر اهتماما بريطانيا خاصا؛ إذ سعت بريطانيا لجعل الحسين يتجنب البحث في موضوع الصهيونية، ولما أشارت القبلة بعفوية كما أسلفت إلى الصهيونية في آب 1916م؛أصدر رئيس الاستخبارات البريطانية تعليماته بأن يوجه إنذارا جدياً وشخصياً إلى شريف مكة وحثه على بذل أقصى جهده للحيلولة دون بحث هذا الموضوع الخطر ([9])؛ لأنه-أو بحجة أنه-يثير أعداء القوى الحيادية الآن، الأمر الذي يؤدي إلى تحطيم الآمال ([10]). فهل كانت إشارة القبلة إلى الصهيونية بحثا لموضوعها بحيث تستوجب هذا الاهتمام؟!لكن الإجراءات البريطانية على أثرها أظهرت لنا قوة النفوذ الصهيوني في السياسة البريطانية؛الأمر الذي جعل الحكومة البريطانية والحركة الصهيونية تتحدان في التخطيط لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين؛ فكانت إشارة القبلة غير المقصودة كافية لإغضاب بريطانيا، ولتعلن ارتباط الصهيونية بها. وربما كانت كافية أيضا ليدرك الحسين والعرب في مرحلة مبكرة تبني بريطانيا للمشروع الصهيوني في فلسطين.
وعد بلفور بين الحركتين الصهيونية والعربية:
صدر وعد بلفور في 2 تشرين الثاني عام 1917م، بعد مرور سنة ونصف على اتفاقية سايكس-بيكو التي كانت في أيار 1916، وتضمن وعد الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين([11])، على ألا يؤتى بعمل من شأنه أن يجحف بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين، ولا الحقوق السياسية لليهود في البلدان الأخرى. ([12]) واعترفت فرنسا وايطاليا وأمريكا بالوعد قبل مرور سنة على صدوره([13]).
أما دوافع بريطانيا لإصدار هذا الوعد فعديدة أهمها تمثل في مصلحة الاستعمار البريطاني بعيد المدى ([14]). هذا الى جانب دور يهود بريطانيا في التأثير على سياسة بريطانيا الخارجية. وبالتالي لا يمكن فصل ردود الفعل العربية والصهيونية عن السياسة البريطانية، التي تحالفت مع الحركتين الصهيونية والعربية خلال الحرب.
انتهى عام 1916م باتفاقية سايكس – بيكو،ومراسلات الشريف حسين -مكماهون التي أدت إلى ثورة الشريف في حزيران 1916م؛ بما فيهما من تناقض وتضاد. وتجاهلت الحكومة البريطانية الاتفاقية والمراسلات، باعتبارهما ليستا ذات أهمية؛ وأصدرت وعد بلفور في تشرين ثاني 1917م؛ لتؤكد انحيازها إلى مشروع الحركة الصهيونية في مواجهة مشروع الحركة العربية.
موقف الحركة الصهيونية:
قابلت الحركة الصهيونية تصريح الحكومة البريطانية بتقديم الشكر والعرفان. وتمثل ذلك في مظاهر الاحتفالات التي رعتها في أنحاء العالم حيثما امتدت نشاطاتها وحيثما تواجد اليهود. وسعت الحركة إلى تبديد مخاوف العرب حول آثار التصريح على بلادهم خصوصا فلسطين؛وذلك من خلال شرح ايجابيات عودة اليهود إلى فلسطين وأثر ذلك على مستقبل العرب وبلادهم، دون الإفصاح عن أهداف المشروع الصهيوني.
سعى مارك سايكس بعد صدور وعد بلفور إلى التقريب بين الصهاينة والعرب والأرمن، وكتب بذلك إلى كلايتون لتأكيد حسن نية اليهود تجاه المسألة الأرمنية، وأن تحالف اليهود مع الأرمن سوف يساهم في الدفاع عن الأرمن في كل بلاد العالم، وأن مساعدة الأرمن لليهود ستؤثر في مخيلة الديمقراطية البريطانية والأمريكية، وأشار سايكس إلى احتمالية تشكيل جمعية صغيرة في لندن تتألف من الدكتور وايزمن عن الصهاينة ومستر مالكولم عن الأرمن والسيد نجيب هاني عن المسيحيين السوريين وعربي مسلم (لم يذكر اسمه)، وأنه سيتصرف الاثنان الأخيران كواحد، بحيث تتصرف هذه الجمعية نيابة عن المواطنين المضطهدين في المناطق غير الأناضولية من تركيا الآسيوية. واقترح سايكس أن يتلقى العربيان المنضمان إلى الجمعية نوعا من الموافقة الرسمية من القاهرة ومكة([15]).
وعقد اليهود(الإسرائيليون)اجتماعا كبيرا في دار الأوبرا في لندن بتاريخ 2 كانون أول 1917م؛ لإظهار شكرهم للحكومة البريطانية على تصريحها باختيار فلسطين وطنا قوميا لهم. وترأس اللورد روتشيلد الحفل، وحضره عدد من الجاليتين العربية والأرمنية في لندن، وقال روتشيلد:اعترفت الحكومة البريطانية بأماني اليهود ووافقت عليها، لكنها أوجبت عليهم بشرفهم((أن يحترموا حقوق جيرانهم غير اليهود في فلسطين وأن يراعوا امتيازاتهم))، ويستطيع اليهود أن يجعلوا حركتهم موفقة إذا اتحدوا معا -مع عرب فلسطين-؛ وذلك ليعمر اليهود فلسطين. وشكر روتشيلد باسم الشعب اليهودي حكومة بريطانيا على عملها الخالد، وأن هذا الاجتماع يتعهد ببذل جهده لمساعدة الحكومة في تأييدها الصادق للقضية الصهيونية. وشكر المتحدثون ممثلي الأمتين العربية والأرمينية الذين يشاركونهم احتفالهم، وقال أحدهم:إن تأييد بريطانيا للصهيونية ليست بدعة جديدة إنما سياسة قديمة، خاصة وأن بريطانيا اعترفت بالصهيونية. وتحدث مارك سايكس حول مهمة الصهيونية المتمثلة بعقد الصلة بين أوروبا وآسيا، ونقل شيء من القوة الحيوية إلى آسيا. وتحدث حول اشتراك اليهود مع العرب والأرمن في المحن، وعن مدى الصداقة التي جمعت بين العرب واليهود عبر التاريخ، خصوصا على أثر المذابح التي تعرض لها اليهود في اسبانيا وروسيا([16]).
واعتبر الحاخام الأكبر تصريح بريطانيا فاتحة عصر جديد في فلسطين، وهو عهد من أعظم إمبراطورية في العالم لإنصاف الأمم المظلومة. وتحدث الشيخ إسماعيل عبد الحق-شخصية غير معروفة-مندوب العرب، وبين أنه محكوم عليه بالإعدام في تركيا بسبب انضمامه إلى الحركة الوطنية العربية، وشكر بريطانيا وفرنسا لمساعدتها العرب على التحرر من الحكم التركي، وقال: لقد اجتمعنا اليوم للاحتفال بعمل الحكومة البريطانية العظيم باعترافها بأماني الشعب اليهودي، وهي أن ينظروا إلى مركز واحد كوطن قومي لهم، وأن على ((أبناء إسحاق)) -اليهود-في سعادتهم أن يتذكروا ((أبناء إسماعيل)) -العرب-الذين يقاسون الويلات والمحن. ونبه إلى أن الأعداء سيحاولون التفريق بين العرب واليهود. ودعا إلى تعاون الأمتين معا لينمو الأرز في لبنان ويزهو الورد في دمشق وتفيض فلسطين لبنا وعسلا. وتكلم يوسف سكاجان-شخصية غير معروفة-عن المسيحيين السوريين. وتكلم ناحوم سوكلوف من زعماء الحركة الصهيونية في الغرب؛مظهرا ارتياح الجمعية الصهيونية للتصريح البريطاني، موضحا الصلات التي تجمع بين اليهود والعرب([17]).
وعقد اليهود (الإسرائيليون) اجتماعا آخر في مانشستر يوم 9 كانون أول 1917م، لشكر الحكومة البريطانية على تصريحها بتأييد الصهيونية. وخطب في الاجتماع السير مارك سايكس عضو البرلمان الانجليزي؛فتحدث عن حضارة العربومؤهلاتهم الحالية لبناء حضارة جديدة. ودعا إلى اتحاد العرب واليهود في العمل بإخلاص منذ البداية لأجل نهضتهم، وإلا فالفشل محققا لهما معا، ونصح اليهود أن ينظروا بمنظار العربي (هتاف وأصوات تقول:سنفعل سنفعل)، فما يخشاه العربي يجب أن يخشاه اليهودي، أما الذي يخشاه العربي فهو:( (الجمعيات المالية في فلسطين والنفوذ في سورية والعراق، وأن تشتري الشركات أراضي فلسطين ليصبح عاملا بسيطا يفلح الأرض ليستولي الأجنبي على غلتها….، فعلى الصهيونيين أن يدركوا حقيقة هذه الأخطار))، وأضاف سايكس أن قوله مرتبط بما يعتقد في الحركة الصهيونية بأنها ذات مبادئ وأنها ليست حركة مالية، وليعلم العرب أن اليهود لا يبحثون عن أرض لا تباع بملء الحرية والقبول، وأن جميع الأراضي التي تشترى بهذه الوسيلة لا تثمر بغير جهد اليهود، وأن المستعمرين يجب أن يكونوا مستعمرين حقيقيين، وأن اليهود سيربحون فلسطين بعرق جبينهم، وأن اتحاد العرب واليهود يبعث الأمل على النجاح في العالم([18]).
وتحدث سايكس عن القدس بوصفها مزارا مقدسا للمسلمين والمسيحيين واليهود، وأنه كمسيحي كاثوليكي قبّل حجر الهيكل المقدس، وأن المسجد الأقصى مقدس عند المسلمين وحائط المبكى عند اليهود؛لذلك فالقدس مادة قابلة للاشتعال بإشارة أو بكلمة صغيرة بغير اكتراث، وعليه((فلتكن السياسة اليهودية معروفة بالدقة والمهارة واللين)) ([19]).
وشارك يهود أوروبا وروسيا وأمريكا الاحتفال بوعد بلفور؛ فقد أقاموا احتفالا كبيرا في استكهولم في السويد، حضره أكثر من أربعة آلاف يهودي، وقرر المجتمعون إقناع يهود العالم بأن جميع الدول ستؤيد عمل الحكومة البريطانية في مؤتمر الصلح بعد الحرب. وتقرر في اجتماع مماثل في موسكو الثقة بأن الشعب اليهودي سيلبي نداء التاريخ ويضع قوته المادية والروحية في إحيائه. وكذلك كان الأمر في (كييف)وغيرها من المدن الروسية باعتبار إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين سيساهم في إرساء السلام العالمي([20]). وكذلك كان الأمر في أمريكا حيث عقد اليهود(الصهيونيين) اجتماعا في(كارنيغي)، أيّدوا فيه تصريح بلفور وأن أمريكا ستقدم المعونة بسخاء للخطط البريطانية، وأن فلسطين يجب أن تبقى بأيدي بريطانيا والحلفاء([21]).
خلاصة القول سعت الحركة الصهيونية بمساعدة بريطانيا لجعل وعد بلفور مقبولا لدى اليهود في العالم ولدى الشريف حسين والعرب عامة. واعتمدت السياسة البريطانية الصهيونية خطة إعلامية لتحقيق أهدافها؛ استندت إلى الترويج لإيجاد قواسم مشتركة بين ثلاثة عناصر، هي العرب واليهود والأرمن؛باعتبارها تعرضت في الماضي إلى الاضطهاد والتهميش، وأن من حقها الوصول إلى أهدافها القومية والاستقلال في بلادها الأصلية، وأن تعاون هذه العناصر أو القوميات خصوصا العرب واليهود سوف يسهل مهمتهم. وعند دراسة الخطة البريطانية الصهيونية في التقريب بين العناصر الثلاث نلاحظ بعض الفوارق بينها، فقد كان العرب والأرمن من رعايا الدولة العثمانية وعانتا من الاضطهاد والتهميش خلال الحكم العثماني لبلادهم خصوصا خلال الحرب.أما اليهود فقد كانوا منتشرين في كل بلدان العالم، ومنهم مجموعة في الدولة العثمانية، ولم يكن لهم بلاد محددة معروفة. ولما اعتمدت الصهيونية وبريطانيا فلسطين وطنا قوميا لليهود، بدأ الترويج للمحن والآمال المشتركة بين العرب واليهود، للتخفيف من التنافر والصراع المتوقع بينهما خلال العمل على تحقيق وعد بلفور. وسعت بريطانيا لنقل أوجه التقارب وجدوى التعاون العربي اليهودي إلى الشريف حسين.
موقف العرب والشريف حسين:
سقطت مدينة القدس بيد قوات الحلفاء التي قادها الجنرال اللنبي في 11كانون أول 1917، بعد مرور تسعة وثلاثون يوما على تصريح بلفور. ودخل اللنبي القدس بوصفه القائد العام لجيوش الحلفاء وبمشاركة من فرنسا وايطاليا وأمريكا، دون إشارة إلى مشاركة قوات عربية أو مندوب من قبل الشريف حسين. وأتاح سقوط القدس المجال أمام الحلفاء للسيطرة على القسم الجنوبي من فلسطين بطول تسعين ميلا وعرض خمسين ميلا، من ساحل البحر المتوسط إلى حدود السلط شرقي نهر الأردن، وذلك لأن استيلاء الحلفاء على القدس ووصول قوات جيش الثورة الشمالي بقيادة الأمير فيصل إلى السلط، قد ضيق ميدان القتال في فلسطين([22]).
وحسبما ذكرت الأهرام فقد أدى سقوط القدس بيد الحلفاء خلال أجواء الاحتفالات الصهيونية بوعد بلفور، إلى تركيز الحديث حول الوجود اليهودي(الإسرائيلي)في فلسطين، وأن يهود العالم يقدمون الأموال إلى إخوانهم اليهود في فلسطين. وقدر عدد اليهود في فلسطين بمائة وعشرين ألف، والعرب من مسلمين ومسيحيين بسبعمائة ألف. أما سكان القدس اعتمادا على إحصاء الحكومة العثمانية فحوالي إحدى وأربعين ألف نفس، أكثر من نصفهم من اليهود، وأنه ليس لها أهمية عسكرية تستحق الذكر([23]).
وبينما احتفل المسيحيون في اليونان بتحرير القدس من الحكم التركي، كانت جيوش الشريف حسين لا زالت تقاتل الأتراك في الحجاز وشرقي الأردن([24]). ولما كانت قوات الحلفاء بقيادة اللنبي تتقدم في فلسطين خلال النصف الثاني من عام 1918، خصوصا خلال شهر أيلول، حيث حققت مزيدا من الانتصارات وحررت عددا من المدن الفلسطينية من سيطرة الأتراك، كان الجيش الشمالي يقاتل في درعا. واعتبرت جهود اللنبي في أطراف فلسطين قد قوضت أركان الدفاع عن سورية كاملة، خصوصا بعد القضاء على معظم القوات الاحتياطية التركية في سورية([25])
ولما دخلت القوات البريطانية فلسطين انقسم الفلسطينيون بين مؤيد لها ومعارض، ووجد اتجاه يدعو إلى التفاهم والتعاون مع بريطانيا. ([26]) وكانت ردة الفعل العربية وفي فلسطين بشكل خاص على وعد بلفور ضعيفة في بادئ الأمر، لاعتقادهم أنه صدر لظروف حربية بحتة أملتها الحرب العالمية وبزوالها يسقط الوعد، وكذلك لتعارض الوعد مع وعود بريطانيا للعرب والتي سبق تاريخها وعد بلفور، وكان إدراك الفلسطينيين خارج فلسطين لخطورة وعد بلفور أكبر. ([27])
ورغم ما ذهب إليه بعض الباحثين كما أشرت سابقا، إلى أن الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا أدركت مخاطر الحركة الصهيونية ووعد بلفور على فلسطين مقارنة بأبناء جنسهم في البلاد العربية؛إلا أن هذا الرأي غير دقيق ولا يمكن تعميمه، لأنه حينما كان اليهود يحتفلون بوعد بلفور، كان بعض العرب في بريطانيا خصوصا من السوريين والفلسطينيين يقدمون الشكر لبريطانيا والحلفاء بتحرير القدس([28]). كما شارك بعض العرب اليهود في أوروبا احتفالاتهم بصدور وعد بلفور.
جاء وعد بلفور وكشف اتفاقية سايكس-بيكو وسيطرة جيوش الحلفاء بقيادة بريطانيا على القدس خلال شهر واحد؛ فتداخلت ردود الفعل العربية وخصوصا لدى الشريف حسين نحو هذه المسائل جميعها. وكانت الحركة الصهيونية قريبة جدا مما يجري في فلسطين، وأخذت تتقرب من العرب بشرح أهدافها باعتبارها تحقق مصلحة مشتركة للعرب واليهود في فلسطين.
وكان لتصريح بلفور أثر سيئ لدى العرب عامة والسوريين المقيمين في القاهرة خاصة، وترك انطباعا لدى كل من المسلمين والمسيحيين بالفزع من احتمال رؤية فلسطين وربما سورية كلها بيد اليهود، الذين يخشى الجميع من قدراتهم العقلية والتجارية المتفوقة. لذلك اكتفى رجال بريطانيا بالتصريح، وأوصوا بعدم السماح بهجرة اليهود إلى فلسطين على أثره([29]).
ولم يخف الساسة الإنجليز قلقهم من تأثير ذلك على مستقبل العلاقات البريطانية العربية؛ فلجأوا إلى سياسة توفيقية بين العرب والصهيونيين، وإلى تهدئة الشكوك العربية حتى لا يكون ذلك وسيلة لتدخل الدعاية الألمانية التركية؛ فيضر بموقف بريطانيا والحلفاء العسكري. واتجهت بريطانيا لوضع خطوط عامة لسياستها لإنقاذ الموقف، كان منها: ” أن في المنطقة العربية -فلسطين-مكانا للقوميتين العربية واليهودية”، وحثت الصهيونيين في لندن لتبني تجاه موال للعرب. واعتقدت الخارجية البريطانية بإمكانية دور “كلايتون، مدير المكتب العربي بالقاهرة” في ” تهيئة الجو بالتأثير على العرب وخاصة الزعامات السورية في القاهرة، وذلك بأن يشرح لها أهمية التعاون بين الحركتين العربية والصهيونية وأثره على ضمان الاستقلال العربي وتقدمه مستقبلا، وأن معاداة العرب للصهيونيين تعني ركودا عربيا وسوريا. ورافق ذلك اتصال بريطانيا بالحسين ليقبل بالتعاون الصهيوني العربي، رغم عدم تفاؤل كلايتون بتلك المساعي ([30]).
أثار وعد بلفور المثقفين السياسيين السوريين المقيمين في مصر؛لأنهم رأوا فيه إنكارا لحرية العرب السياسية في فلسطين([31]). واتصل بعضهم بمندوب الحسين – محمد شريف الفاروقي – وحمّلوه إبلاغ الحسين بضرورة اتخاذ موقفا حاسما من الوعد؛ فأخبرهم المندوب – على ما ذكر صايغ – بأنه سبق للحسين أن تفاهم مع بريطانيا حول هذا الموضوع” فارتابوا في الأمر وانتدبوا موفدا عنهم إلى الحجاز لمقابلة الحسين شخصيا”، والذي نجح بإقناع الحسين بإرسال مذكرة لبريطانيا مستفسراً فيها حول وعد بلفور. ([32])
وذكر رشيد رضا أنه تألفت بمصر عام 1917م جمعيات ولجان من السوريين بإيعاز من بريطانيا وفرنسا، بعضها لوضع أساس الاتفاق بين الطوائف في البلاد العربية وفق ما اتفقتا عليه فرنسا وبريطانيا، ومنه جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود، وبعضها لوضع أساس الاتفاق بين العرب واليهود([33]).
ولما اقلق الوعد الحسين، طلب من بريطانيا تعريفا لمعناه ومداه؛والتي أجابته بإرسال القائد هوجارث، أحد رؤساء المكتب العربي بالقاهرة، فوصل جدة في الأول من كانون ثاني 1918م، وقابل الحسين مرتين([34])، وقد وُضعت الخطوط الرئيسية لمباحثات هوجارث مع الحسين في القاهرة، وأضافت الخارجية البريطانية نقطة أخرى لضمان موافقة الحسين عليها فيما يتعلق بفلسطين، وهي ضمانات تتعلق بالأماكن المقدسة وضمان حقوق الشعب الحالي الاقتصادية والسياسية مع التأكيد على أهمية التعاون مع الصهيونية العالمية. ([35])
كانت مهمة هوجارث تهدئة خاطر الحسين لعلاقة ذلك بظروف الحرب، وأبلغه هوجارث بأن: ” الاستيطان اليهودي في فلسطين لن يكون مسموحاً به إلا بقدر ما يتفق مع حرية السكان العرب من الناحيتين الاقتصادية والسياسية”. وعلق أنطونيوس على ذلك قائلا: أُبلغت الرسالة إلى الحسين شفوياً ولكنه قام بتدوينها. وهذا الاقتباس مأخوذ من النص العربي، فكان جواب الحسين: “مادامت الغاية من وعد بلفور هي أن يهيئ لليهود ملجأ من الاضطهاد فإنه سيبذل كل نفوذه ليساعد على تحقيق تلك الغاية وسيوافق على كل تدبير يرى مناسبا لتأمين الأماكن المقدسة والإشراف عليها من قبل أتباع كل مذهب من المذاهب التي لها معابد مقدسة في فلسطين”، وأوضح الحسين” أن مسألة التنازل عن مطلب السيادة للعرب لن تكون موضع بحث أبدا”. واعتقد هوجارث أن الحسين يرضى في الوقت المناسب أن ينظر في الإجراءات التي قد تبدو أوفق من سواها لتزويد الحكومة العربية المقبلة في سورية (بما فيها فلسطين) بخبراء إداريين وفنيين. ([36])
وقد حمل هوجارث رسالة إلى الحسين نقلتها إلينا بعض الوثائق، تضمنت عدة أمور بالنسبة إلى فلسطين واليهود، أولها تصميم بريطانيا ألا يخضع شعب لآخر في فلسطين، ولكن لخصوصية الوضع الديني والاجتماعي في فلسطين لا بد من ملاحظة عدة أمور:
1-وجود أماكن مقدسة في فلسطين للمسلمين وحدهم أو للمسيحيين وحدهم أو لليهود وحدهم، وأحيانا لفئتين أو ثلاث، فلا بد من نظام خاص لهذه الأماكن.
2-مسجد عمر سيكون للمسلمين وحدهم (أي المسجد الأقصى).
3-يميل الرأي العام اليهودي إلى عودة اليهود إلى فلسطين، وبريطانيا تعطف على هذه الرغبة في حدود عدم تعارضها مع حرية السكان الموجودين في فلسطين من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، ولن يقوم عائق في سبيل تحقيق هذا الهدف.([37])
4-تعد صداقة اليهودية العالمية لقضية العرب نفوذا سياسيا للعرب من كافة الدول التي لليهود فيها نفوذ سياسي، وزعماء الحركة اليهودية مصممون على إنجاح الصهيونية بالتعاون مع العرب، ومثل هذا العرض يجب أن يلقى الاهتمام([38]).
ولما أبلغ هوجارث الحسين بنية بريطانيا إقامة إدارة دولية في فلسطين (على الأماكن المقدسة)،استنتج أنه إذا استثنيت من الإدارة الجانب السياسي فإن الحسين مستعد لإذاعة هذا الأمر إلى العالم الإسلامي كله. أما بالنسبة إلى إقامة اليهود في فلسطين فبعد أن مهد لها هوجارث ببيان نمو الحركة الصهيونية خلال الحرب وقيمة التحالف العربي-اليهودي؛ وافق الحسين على الصيغة قائلاً: أنه يرحب باليهود في كل البلاد العربية. ([39])
وفصل هوجارث بالنسبة للإشراف الدولي على الأماكن المقدسة في فلسطين،فقد أكد له الحسين أنه سيترك بحث هذه الأمور إلى مؤتمر الصلح على الرغم من تأكيد هوجارث أن هذا تدبير نهائي. وأن الحسين أكثر الحديث عن حسابات سيساويها بعد الحرب، ولم يشك هوجارث بأن الحسين لا يتنازل عن شيء من مطالبه الأصلية للعرب أو لنفسه مع الزمن. وتحدث هوجارث حول رأي الحسين في الوجود اليهودي في فلسطين فقال: الحسين لا يقبل قيام دولة يهودية مستقلة في فلسطين. ولم يحمل هوجارث تعليمات من حكومته بمصارحة الحسين بنية بريطانيا بالنسبة لليهود في فلسطين. وأضاف هوجارث عن الحسين:ولعله لا يعرف إلا القليل عن الحالة الاقتصادية الواقعية أو الممكنة في فلسطين، وأن موافقته السريعة على إقامة اليهود في فلسطين لا تعني شيئاً، ولا قيمة لها، ولكني أظنه يقدر قيمة التعاون بين العرب واليهود. ([40])
نلمح من روايات هوجارث أن الحسين كان مسايرا لاعتقاده بأن الأمور النهائية لا تحسم إلا بعد الحرب، وأنه لم يبحث مسألة السيادة في فلسطين على اعتبار أنها للعرب لا لغيرهم،وأما ترحيبه باليهود في البلاد العربية فأعتقد أن ذلك يعود إلى إيمان الحسين بتحقيق حلمه بعد الحرب بإنشاء مملكة عربية في آسيا لا يضيرها أن يكون اليهود أو غيرهم من رعاياها، وأن تستفيد تلك الدولة مما قد يجلبه اليهود معهم من الدعم المالي والتقدم التكنولوجي الغربي إلى فلسطين.
تعددت الآراء حول موقف الحسين من وعد بلفور، فقال علي سلطان: استطاعت بريطانيا أن تمرر الوعد على الحسين دون أن تفصح هي أو هوجارث عن نيتها بإنشاء دولة يهودية في فلسطين، إذ لم يكن الحسين على علم بخفايا الحركة الصهيونية، لأنه عندما علم بها رفضها. ([41])
وكانت غاية بريطانيا من تبرير الوعد للحسين المحافظة على وضعها الحربي خاصة بعد فضح الاتفاقات الدولية في أعقاب الثورة البلشفية في روسيا، والضغط على الحسين ليعدل من موقفه حيال الصهيونية، وأن يفهم الملك أن صداقة اليهودية العالمية للقضية العربية تعني كسب تأييد جميع الدول التي يتمتع فيها اليهود بنفوذ سياسي، وأعتقد هذا ما ورد في رسالة هوجارث نفسها، بالإضافة إلى إرسال وفود إلى فلسطين لإقناع العرب باتخاذ موقف أكثر ليونة نحو الصهيونية([42]).
وقال صايغ:أكد هوجارث للحسين أن الوعد لا يعرض العرب لحكم اليهود قط، وصوَر له حسنات وهمية يجنيها العرب من تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، منها أن يهود أوروبا وأمريكا سيهاجرون إلى فلسطين ومعهم ثرواتهم لاستغلالها في البلاد العربية. ([43])وتجاهل هوجارث في حواره مع الحسين إظهار غاية بريطانيا بتأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين؛ لكنه سعى فعلا إلى ترغيب الحسين بمحالفة الصهيونية العالمية. ويبدو واضحا ازدواجية الدور الذي لعبته السياسة البريطانية مع الحسين، إذ لم يشر نص الوعد إلى حقوق العرب السياسية في فلسطين، وهم غالبية عظمى وصلت نسبتهم أكثر من 90%، وحتى لم يذكر لفظ ” العرب” بينما أعطى اليهود حقوقهم السياسية في جميع بلاد العالم المتواجدين فيها، بالرغم من قلة أعدادهم بالنسبة إلى مجموع سكان تلك البلاد!! وبذل هوجارث كل ما لديه لتأكيد ضمان الوعد للحقوق السياسية لأهل فلسطين في ذهن الحسين مع أن نص الوعد لم يشر إلى ذلك، وأخفى عنه تبني بريطانيا لمشروع خلق كيان قومي وسياسي لليهود في فلسطين.
لم يعلم الحسين باتفاقية سايكس-بيكو إلا في تشرين ثاني 1917، عن طريق أحمد جمال باشا القائد العام للجيوش التركية في سورية، في أعقاب الثورة البلشفية بعد أن نشرت حكومة روسيا السوفييتية نصوص المعاهدات السرية المتعلقة باقتسام أملاك الدولة العثمانية ومنها سورية الطبيعية والعراق. ولم يتيقن الحسين من الاتفاقية، لأن مصدر معلوماته عنها كانت من الأعداء، كما أن مضمونها يتناقض مع ما اتفق عليه مع الحكومة البريطانية ضمن مراسلاته مع مكماهون، إذ أنه لم يتصور أن بريطانيا تفعل مثل هذا الفعل. ولما أعلنت الحكومة البريطانية وعد بلفور في نفس الشهر الذي وصلت فيه أخبار اتفاقية سايكس-بيكو إلى الحسين؛ تداخلت ردود الفعل لدى الحسين والعرب عموما على الاتفاقية السرية والوعد العلني المنشور.
وجاء ذلك ضمن سعي الأتراك لعقد الصلح مع العرب، عندما أرسل أحمد جمال باشا رسالة إلى الأمير فيصل في 26 تشرين ثاني 1917م، تحدث فيها عن غاية ثورة العرب وهي استقلال البلاد العربية وقوة العالم الإسلامي، واستغرب أن يتم ذلك وقد أعلن الحلفاء أن فلسطين ستخضع لإدارة دينية دولية، وكذلك سورية لفرنسا والعراق لبريطانيا، وان تقدم الجيش البريطاني تدريجيا في فلسطين يثبت هذه الحقائق ([44]). وبعث أحمد جمال برسائل أخرى إلى الأمير عبد الله وجعفر العسكري. ونقل فيصل الرسالة إلى والده، فنقلها الأخير إلى الحكومة البريطانية عبر نائب الملك في مصر ([45]). وطلب الحسين من فيصل رفض طلبات جمال، مؤكدا لفيصل أن الحلفاء((أكبر وأجل من أن يخلو بحرف من مقرراتنا معهم))، وقد أظهر ونجت(نائب الملك في مصر)، في 12 كانون ثاني 1918، سروره من موقف الحسين، مؤكدا أن سياسة الحلفاء تدل بوضوح على رغبتهم بنهضة الأمة العربية([46]).
وكان موقف الأمير عبد الله مختلف نسبيا عن أخيه، فقد عرض رسالة جمال على بعض الضباط العرب من السوريين والعراقيين فأثارت مشاعرهم، لذلك طلب عبد الله من الكولونيل دافنبورت رئيس البعثة البريطانية في جيشه، أن يحصل من حكومته على تصريح يوضح السياسة البريطانية إيضاحا محددا، كي يتسنى له تكذيب دعاية جمال. اغضب موقف عبد الله باست وكيل المعتمد البريطاني في جدة، الذي أبرق إلى الحسين باعتباره يعرف السياسة البريطانية جيدا كما شرحها له هوجارث، وذلك ليطلب من عبد الله أن يمزق رسالة جمال أمام جميع ضباطه. انتقل غضب باست من عبدالله إلى الحسين الذي أخذ بنصيحة باست وطلب من عبد الله تنفيذها([47]). وأبرق عبد الله مباشرة إلى ونجت في مناشدة عاجلة في 22 كانون ثاني 1918، مطالبا بإصدار تكذيب قطعي لمزاعم جمال المتعلقة بمستقبل فلسطين وسورية والعراق([48]).
كان هوجارث قد طلب من الحسين خلال مباحثاتهما في كانون ثاني 1918م، أن يرسل مندوبا عنه إلى لندن ليمثل مصالح العرب في اللجنة الاستشارية التي يرأسها مارك سايكس، ولما تجاهل الحسين طلب هوجارث، ذكّره باست به في 26 كانون ثاني، مرفقا رسالة التذكير بترجمة لخطاب سايكس المؤرخ في 16/11/1917م، والذي دعا فيه إلى إنشاء تحالف عربي أرمني صهيوني، وتضمن أن اتحاد الحركتين الصهيونية والعربية سيؤدي إلى تحرير العرب، وتعارضهما سيحرج الموقف ويخرج الأمور عن السيطرة([49]).
وقد اعتبر ونجت مباحثات هوجارث – الحسين مجرد تبادل أفكار وأراء قد تكون ذا فائدة كبيرة، وشكر الحسين لحسن استقباله لمندوبه؛ هذا الرد إضافة إلى جانب مضامين ما نشره الأتراك حول اتفاق الحلفاء المتعلق بمستقبل سورية والعراق، وما أشاعوه بين عرب فلسطين من أن ثورة العرب تهدف إلى وضعهم تحت الحكم اليهودي الصهيوني؛كل هذه القضايا الغامضة زادت شكوك الحسين في حقيقة الموقف البريطاني، والذي نقله في رسالتين متتاليتين في 3 و 4 شباط إلى نائب الملك بمصر، موضحا أنه إذا صحت الإشاعات التركية فليس أمامه سوى الانتحار أو الانسحاب ([50]).
وكانت الخارجية البريطانية قد أرسلت إلى الحسين بتاريخ 4 شباط لطمأنته حول ما أشاعه جمال باشا، وأن هدفه إيجاد الشك بين الحلفاء والعرب. ولم تشر الخارجية مطلقا إلى وعد بلفور أو مستقبل الوجود الصهيوني في فلسطين([51]). لكن ذلك لم يخفف من شكوك الحسين التي نقلها إلى ونجت والذي أجابه في 20 شباط بواسطة المعتمد البريطاني في جدة، بأن مخاوفه وشكوكه لا تستند على حقيقة، وأعاد التذكير برد الخارجية البريطانية على الحسين، وبالخطب التي ألقاها مارك سايكس والموظف الفرنسي الرسمي في باريس(والتي بطريقها بالبريد إلى الحسين)، والتي بالمجمل ستزيل أي شك لدى الحسين والعرب حول نوايا الحلفاء خاصة بريطانيا تجاه مستقبل البلاد العربية وحكومة سورية، وأن سياسة بريطانيا تعتمد مراعاة مسألة الأديان والأجناس المختلفة لسكان البلاد العربية، وان التسويات المستقبلية ستتم برضا الجميع دون إهمال حقوق الأقليات. وأكد الحسين بعد هذا الرد استمراره على موقفه إلى جانب بريطانيا واستحالة تفاوضه مع الأتراك([52]).
لم يوافق كلايتون على ذهاب الأمير فيصل إلى القدس بعد تحريرها من الأتراك، واعتبر حضوره يعقد الوضع بصورة خطيرة، ويؤثر سلبا في الوفاق بين العرب واليهود([53]). وقابل الحسين تحرير القدس بيد الانجليز ببرود، ولم يبادر بالتهنئة إلا متأخرا، وبدا أنه احتاج فرصة ليستوعب تقارير الصحف وغيرها عن الاجتماعات الصهيونية في لندن قبل إلزام نفسه رسميا([54]) بأي شيء أو تصريح ما حول مستقبل الوجود الصهيوني-اليهودي في فلسطين.
وقد سعت الخارجية البريطانية لمزيد من التأثير على الحسين، فبعثت بتاريخ 15/2/1918م، رسالة إلى كلايتون ليبلغها للحسين، مرسلة من : ” لجنة تطلق على نفسها اللجنة العربية والسورية المدافعة عن النهضة العربية وصديقة الدولة البريطانية”؛ دعت الحسين فيها إلى ضرورة التعاون مع الصهيونية لنفوذها ومالها، وعدم جدوى معارضتها، بالرغم من أن موقف الحسين لم يكن مشجعا على ما ذكر كلايتون في رسالته إلى سايكس في 4/2/1918 “واتهمه بالعناد وبتحريف كل شيء لمصلحته”؛ ولكنه اعتقد بضرورة إبقاء الحسين على مسرح الأحداث على الرغم من بروز الأمير فيصل بعد نجاحاته العسكرية، وأوعزت الخارجية البريطانية إلى لورنس ليؤثر على فيصل، ليتفق مع اليهود بحجة إعطاء الحركة العربية ثمارها.([55])
وهنا نتلمس نهج الحركة الصهيونية الدائم للبحث عن شخصيات عربية ذات مكانة لدى شعوبها؛ لتجعلها هدفا مستقبليا لها فيما إذا أخفقت جهودها مع الشريف حسين؛ الذي كان بديله ابنه فيصل. فلم تقطع صلتها بالحسين لكنها في الوقت نفسه تبحث عن شخصية بديلة قد تكون أكثر قابلية للتجاوب مع المؤثرات الصهيونية التي اكتنفها الغموض غالبا واقتصرت على دغدغة عواطف النخبة السياسية العربية.
عارض السوريون والفلسطينيون في القاهرة الحركة الصهيونية (وعد بلفور)، رغم غموض أهدافها لديهم، ثم تحولوا لمناقشتها على نحو ايجابي بالنسبة لفلسطين والعرب عامة، ربما جاء ذلك بفضل الدعاية البريطانية للحركة الصهيونية، واعتقد بعضهم أنه ربما يستفيد الناس من الاستيطان اليهودي لفلسطين. لكن ذلك كله لم يلغ شعورهم بالخوف من اليهود بوصفهم عازمون على حكم فلسطين، ومصادرة وشراء مساحات واسعة من الأراضي التي يملكها المسلمون وخلافهم من غير اليهود. ورغم جهود الضباط البريطانيون لتهدئة المخاوف العربية نحو الصهيونية، فقد كانت مهمتهم صعبة بسبب تجاهلهم البحث في البرنامج الدقيق للصهيونيين. ([56])
ورغم نجاح بريطانيا نسبيا في تخفيف آثار وعد بلفور لدى الشريف حسين والسوريين في مصر، فقد وصلت إلى القاهرة في آذار عام1918،لجنة صهيونية في طريقها إلى فلسطين. وكانت برئاسة الدكتور وايزمن ()، وساعده الميجور اونورابل واورمسبي جور(اللورد هالك)([57]). ولما عرض البريطانيون في مصر نتائج مساعيهم على وايزمن،بادر إلى الالتقاء مع القيادات السورية والفلسطينية وشرح لهم أهداف الصهيونية، باعتبارها تتمثل في رؤية فلسطين تحت سيطرة حكومة مستقرة، وأنه يرغب في تقديم وطن لليهود في البلاد المقدسة(فلسطين)، حيث يمارسون حياتهم القومية الخاصة، ويتقاسمون الحقوق مساواة مع السكان الآخرين. وأنه لا يقصد شراء مزيد من الأراضي في فلسطين؛ إنما رفع قدرات المستعمرات اليهودية الموجودة لاستيعاب مهاجرين جدد، وذلك بالحصول على أراضي قاحلة، وبالتالي تستوعب جميع فئات المجتمع. وقال إنه يأمل إقامة مدارس تقنية وغير تقنية في فلسطين، بحيث تكون مفتوحة أمام الجميع من مسلمين ومسيحيين ويهود. وأكد لهم سلامة الأماكن المقدسة والأوقاف الدينية، وكذلك تعاطفه مع الثورة العربية ضد الاضطهاد التركي. وترك مسألة اللغة دون حسم، كما أجل للدراسة المستقبلية المقترح الذي قدمه الفلسطينيون حول إنشاء لجنة مختلطة لتعمل على تعزيز الشعور الودي المتبادل وإزالة أسباب الشقاق بين الحركة الصهيونية والعرب ([58]).
وأحدث وايزمن تغييرا كبيرا في مشاعر الفلسطينيين تجاه الصهيونية؛إذ لأول مرة يجتمع الفلسطينيون واليهود الأوروبيين -ذوي المواقف الحسنة-وأصبح لدى الفلسطينيين قناعة أن الصهيونية جاءت إلى فلسطين لتبقى؛وأن أهدافها أكثر اعتدالا من توقعاتهم السابقة، وأن التوافق معها قد يؤدي إلى منافع هائلة في المستقبل ([59]). ورغم ذلك استمر الشك لدى البعض حول نوايا الحركة الصهيونية، مع قناعة رجالبريطانيا-في مصر-أنه إذا استمرت اللجنة بعملها وفق المنهج ألاسترضائي السابق، سيختفي الشك تدريجيا. وأن الفلسطينيين يسعون لإبعاد أنفسهم عن السوريين، الذين تأتي معظم الانتقادات منهم ([60]).
وهدفت اللجنة على ما يبدو إلى انجاز أية خطوات في سبيل تنفيذ بريطانيا لوعد بلفور ([61]). وبشكل عام نجحت اللجنة خلال وجودها في القاهرة في تخفيف مخاوف العرب من الوعد، ([62])على الرغم من أن وايزمن لم يجد بين العرب في مصر شيئا من العداء نحو اليهود ([63]).
سعى البريطانيون لتهيئة الظروف في فلسطين قبيل قدوم اللجنة إليها، وحاول الموظفون البريطانيون الاتصال بالأوساط العربية أصحاب مراكز النفوذ السياسي التقليدي لدى العائلات العربية في فلسطين وسورية؛ لإحداث توافق عربي صهيوني، ومع ذلك سبقت اللجنة أنباء عن نية بريطانيا تسليم البلاد لليهود. وقد وصلت اللجنة إلى فلسطين في الأسبوع الأول من نيسان 1918م، ولم تنجح في تحقيق وفاق عربي صهيوني وأصيبت بخيبة أمل في هذا المجال، بالرغم من نجاحها النسبي في القدس ([64])، وكانت ردة الفعل العربية في فلسطين على هذه اللجنة ضعيفا. ([65])
وتمكنت اللجنة بدعم بريطاني من إنشاء تفاهم مع الأسرة الحسينية، توج في اجتماع موسع في دار الحكومة في 27 نيسان 1918م، دعا فيه وايزمن إلى ائتلاف جميع الطوائف في فلسطين واستند إلى التاريخ لتدعيم فكرة الرجوع اليهودي إلى فلسطين، وندد بمخاوف العرب من الصهيونية الناتجة عن سوء فهم أهدافها، وأجابه الزعماء الفلسطينيون بكلمات عبرت عن ارتياحهم وتبديد شكوكهم حول الصهيونية. ([66])
خلاصة الأمر نجحت الحركة الصهيونية ومعها الحكومة البريطانية في خداع كثير من العرب والحسين بعبارات عامة وغموض، كي تحافظ على استمرار وقوفهم إلى جانب الحلفاء في الحرب. كما استمرت ببذل جهودها للتقريب بين العرب واليهود بحجة التقاء المصالح والغايات المستقبلية. وتأكيدها للحسين والعرب ان تأييد الصهيونية للحركة العربية سيضمن لها تأييدا عالميا وبالتالي نجاحها.
سعى الحسين إلى طمأنة العرب حول وعد بلفور؛ فبعث إلى أتباعه في مصر وفي قوات الثورة بتأكيدات بريطانيا له بأن توطين اليهود في فلسطين لن يتعارض مع استقلال العرب في تلك البلاد، وحثهم على الإيمان بعهود بريطانيا. “وأمر أبناءه أن يعملوا ما في وسعهم لتخفيف المخاوف التي أثارها وعد بلفور بين أتباعهم وأوفد رسولا إلى فيصل في العقبة بتعليمات مماثلة”([67]). ولما أثار الشباب الفلسطينيون الذين تطوعوا في قوات الثورة في أيار 1918م، موضوع وعد بلفور، واحتجوا عليه وعلى زيارة اللجنة اليهودية للقدس لدى الأمير فيصل الذي وعدهم بمعالجة الأمر على أرفع مستوى([68]).
أما بالنسبة إلى اتفاقية سايكس-بيكو فقد أنكر ونجت في رسالته إلى الحسين بتاريخ 16حزيران 1918، وجودهاوفق ما نشره البولشفيك، وأنها مجرد محادثات مؤقتة بين بريطانيا وفرنسا وروسيا، كانت أوائل الحرب قبل النهضة العربية، وأن جمال باشا لجهله أو لخبثه حرّف في مقصدها الأساسي وشروطها ([69]).
يبدو أن وصول البعثة الصهيونية إلى مصر– كما أسلفت– أثارت تساؤلات لدى بعض المهتمين وكتاب الصحافة؛ فكتبت صحيفة المقطم المصرية مقالا بعنوان ” المستعمرات الإسرائيلية في فلسطين”، وقد وصفت البعثة بأنها فنية، وهدف المقال على ما ذكرت القبلة إلى اطلاع أبناء البلاد على جهود الإسرائيليين؛ليستفيدوا منها مما يحركهم للاتحاد وتقليد الأجانب في استثمار الأرض، الأمر الذي ينفعهم وبلادهم. واعتبرت القبلة هذا الموضوع من أهم الموضوعات “لا بالنسبة لأبناء البلاد الفلسطينية مع الإسرائيليين فقط بل بالنسبة إلينا نحن معاشر العرب والشرقيين جميعا”؛ لذلك نشرت القبلة هذه المعلومات في 24 أيار 1918م، تحت عنوان ” الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها”([70]). جاء في المقال أن “الإسرائيليين في فلسطين جزء من عشرين جزء” على قول كاتب المقطم، أو ثمن العشر كما ذكر آخر، وأن القصد من البحث عن عدد النفوس” لإثبات أنه كاف لتوليد مادة الأجناس في البلاد، وإذاعة فكرة المجاراة والتحدي بين ساكنيها والمهاجرين إليها”، وأن أهالي فلسطين شعب ذكي لكن ظروف الزمان حالت دون تفوقهم – إشارة إلى الحكم التركي -.
وقد يكون أهم ما جاء في المقال هو تنبيه أبناء فلسطين إلى مخاطر هجرتهم من فلسطين، بينما ” أجانب الإسرائيليين ينسلون إليها من روسيا وألمانيا والنمسا وإسبانيا وأمريكا حتى وصل عددهم في خمسة وثلاثين عاما من أربعة عشر ألف نسمة إلى خمسة وأربعين ألفا بين أوروبيين وأمريكيين وهم الأكثر ووطنيين وهم الأقل”. ودعا المقال الفلسطينيين إلى الرجوع إلى بلادهم ليكونوا قدوة لأهل البلاد الساكنين والعاملين في أرضهم ومصالحهم، حيث أن الوضع الآن في فلسطين اختلف بعد ظهور الوسائل الحديثة في الزراعة والصناعة، التي جلبها الإسرائيليون إلى فلسطين بمساعدة جمعياتهم، ولذلك يجب على أبناء فلسطين أن ينهجوا هذا النهج فيخدموا بذلك بلادهم خدمة جليلة. وينالون كيانهم بين الأمم جميعا. وركز المقال كثيرا على ضرورة الاستفادة من معارف الإسرائيليين كون التعاون والتضامن من خلقنا وأحكام ديننا، وكذلك نبذ التحاسد والانفراد. ([71])
واختتم الموضوع بأن العالم على أبواب مستقبل جديد يحتاج إلى العمل والجد، وعلى أبناء فلسطين أن يستفيدوا من ” المناهج والأوضاع” التي جلبها الإسرائيليون إلى فلسطين، حتى وإن كان ذلك غير مقصود ” وحينئذ يظهر لكل فرد من أفراد تلك البلاد أن لكل شبر من أرضهم مستقبلا باهرا يستحق أن يعضّوا عليه بالنواجذ وأن يبذلوا في سبيل إصلاحه واستثماره كل غال ورخيص حتى يأتيهم بالثمرات التي ربما كان كثيرون منهم لا يحلمون بها الآن”. ([72])
جاء المقال في صحيفة القبلة بعد مرور أكثر من ستة شهور على صدور وعد بلفور، ودعا المقال إلى التشبث بالأرض والاستفادة من التطور الذي جلبه الإسرائيليون إلى فلسطين ومنافستهم في كل مجالات الحياة. كما دعا أبناء فلسطين إلى البقاء في بلادهم التي يأتيها الإسرائيليون من كافة أقطار الدنيا، ولم يتعرض المقال إلى وعد بلفور أو إلى إمكانية تكوين كيان سياسي يهودي أو صهيوني في فلسطين،على اعتبار أن العرب هم الأكثرية والأمر لهم.
وأكد البعض أن الحسين كتب المقالة وأوعز بنشرها([73])، وبالتالي فهي قيّمة تاريخيا لأنها تؤكد على تحرر الحسين من الهوى والتعصب الديني، كما أنها تعكس النزعة العربية العامة نحو اليهودية قبل ظهور الصهيونية السياسية على مسرح الأحداث([74]). وأضاف صايغ أن الحسين مدح الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وأشاد بأثرها في تطوير البلاد وأعلن تشجيعه لها “ولم يجد الحسين في مقاله فرقا بين اليهود والصهيونيين، واعتبر الصهيونية ” حركة سامية” لا اعتراض عليها ([75]).
لم أجد في المقالة عبارة تمدح الهجرة اليهودية، أما أثر الإسرائيليين في تطوير البلاد فقد ورد في المقالة، إذ طالب أهل فلسطين بمجاراة الإسرائيليين وتقليدهم والتفوق عليهم، ولم يعلن الحسين تشجيعه للهجرة الإسرائيلية إلى فلسطين، بل حض أهل فلسطين المهاجرين إلى العودة إلى بلادهم واستغلالها بالوسائل الحديثة كما يفعل الإسرائيليون. كما ورد في المقالة عبارة ” اليهود الوطنيين وهم الأقل”، وهؤلاء فيما أعتقد لم يكن لديهم الفكر الصهيوني، وكانوا يتميزون بطابع ديني لا صهيوني علماني؛ فلم يكن عمق فكر اليهود التاريخي والديني سببا في كره العرب لهم؛لكن الصهيونية شيء آخر.
وأعتقد أن الجزء الأول من الجملة الأخيرة لدى صايغ صحيحة، وهو عدم إدراك الحسين للفرق بين اليهودية والصهيونية، وبذلك سقط الجزء الثاني منها تلقائيا. وطالبت المقالة العرب بانتهاج سياسة التسامح مع الإسرائيليين المستمدة من الدين الإسلامي، وكذلك التعاون معهم؛ دون تشجيع هجرة اليهود أو الإسرائيليين، وليس أدل على ذلك من قوله: بينما نرى ” أجانب الإسرائيليين ينسلون إليها. . . ” أي إلى فلسطين.
لم ترض الحركة الصهيونية وبريطانيا عن نتائج مباحثات هوجارث مع الحسين، ولا عن جدوى زيارة أعضاء اللجنة الصهيونية إلى مصر وفلسطين، وكذلك اقتناع هوجارث الذي نقله إلى الصهيونيين بعدم جدوى التأثير على الحسين في موضوع الصهيونية السياسية؛فأرادوا تحقيق مكاسب أكبر في أكثر من مكان ومع أكثر من شخص، لعلها تجد سياسيا عربيا مسلما أكثر توافقا مع أهدافها. واتجهت بريطانيا لتمهيد الطريق لاجتماع وايزمن مع الأمير فيصل بن الحسين. وبذلك تحولت الحركة الصهيونية من الحسين إلى فيصل الذي اضطلع بدور هام في المفاوضات العربية الصهيونية، خصوصا خلال مؤتمر الصلح في فرساي عام 1919م، إذ كان نائبا عن والده([76]).
الخاتمة و التوصيات:
تمر الأمة العربية بمرحلة خطيرة ومؤثرة على حاضرها ومستقبلها فلا بد من أخذ العبر من تاريخها؛ خاصة بعد أن نجحت (إسرائيل) فبتوقيع معاهدتي سلام مع كل من مصر والأردن. وتظاهرها بالسعي لاستمرار المفاوضات مع الفلسطينيين لتحقيق السلام.
وتمثل هذه الدراسة نموذجا للمرحلة الأولى من العلاقات العربية – الصهيونية، قبل قيام دولة إسرائيل. حينما كان الحسين وأولاده يمثلون ركيزة في الهرم السياسي العربي الآسيوي.
وكان الصراع العربي الصهيوني من أبرز التحديات التي واجهت العرب خلال الربع الأول من القرن العشرين،وعاش العرب مرحلة انتقاليّة متفائلين بالمستقبل، غير مستندين على إمكاناتهم وقدراتهم في مجابهة التحديات المفروضة عليهم، وكان العرب بداية متفوقين على الوجود الصهيوني الطارئ؛ رغم دعم بريطانيا للصهيونية على حسابهم، لكنهم لم يغلبوا العقل والواقع على العاطفة والتمنيات؛ فمالوا إلى تصديق الوعود والاعتماد على الآخرين لتحقيق استقلالهم ووحدتهم. وكانت مبررات بدايات الوجود الصهيوني في فلسطين مغلفة؛ لا تظهر أبداً غاياتها المستقبلية،ولكنّها تسعى إلى تحقيقها بكل جد وتصميم؛ فجازت الحيلة على بعض العرب ولم تجز على الآخرين؛ والأغلبية العربية لا يظهر لها موقف ولا تشارك في رأي؛ لأسباب ثقافية واجتماعية واقتصادية وسياسية.
ولما كانت الحركة الصهيونية تعمل وتؤسس، كان العرب يحلمون، وتميزت السياسة العربية بالسذاجة والضعف، ولم يدرك أغلب الساسة العرب غايات الوجود الصهيوني في فلسطين ومداه، وعجزوا عن مجابهته في ظلّ سياسية صهيونية مخادعة وقوية تسير على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة؛ فوضعت الخطط طويلة المدى نسبياً، وسارت واثقة من حتمية الوصول إلى مشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين.
ولم تعلن الصهيونية أهدافها السياسية في فلسطين، ومارست دور الضيف والزائر والشريك الاقتصادي بحجة خدمة العرب واليهود والتقاء المصالح والغايات، فاخترقوا الوجود العربي فكرياً واقتصادياً، تحت ستار العمق الديني والتاريخي للعلاقات العربية-اليهودية؛ فوظفت الصهيونية يهود العالم ويهود فلسطين لخدمتها برضاهم أو بغيره، وأخذت تقدم عروضاً لاقت الرواج والقبول لدى بعض العرب ومنهم بعض عرب فلسطين؛ ففرقت الصفوف، وعانى أهل فلسطين من التفوق الصهيوني الحضاري الشامل.
وخرج عرب آسيا من الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وهم يشعرون بنشوة النصر، لانتصار حلفائهم فيها؛ فظنوا بدنو موعد استقلالهم ووحدتهم. بينما خرجت الصهيونية من الحرب بوعد بلفور، الذي أعلنته بريطانيا وروجت له بغير مضمونه وأهدافه؛ فتبنت بذلك الصهيونية علناً. ولم يُدرك الساسة العرب الفرق بين الحليف والعدو، ولم يتخذوا موقفاً حاسماً تجاه الدعم البريطاني للوجود الصهيوني، ولم يدركوا حقيقة إن صديق عدوي عدوي، ولم يصل الفكر السياسي العربي إلى القطع بأن بريطانيا والصهيونية عدوان للعرب بخط سياسي واحد. ودخل الفكر العربي السياسي الحديث مرحلة تجريبية تجاه السياسة الدولية؛ فاستند على التنظير والدين والأخلاق في السياسة الخارجية وعدم العمل على الأخذ بأسباب القوة المادية؛ فكان ساذجاً في الطرح عقيماً في التنفيذ فاشلاً في النتيجة؛ لأن الطرف المقابل لا يستند على غير سياسة القوة والمصلحة. ولم يمتلك العرب البرنامج ولا القوة المادية والفكرية التي تمكنهم من المفاوضات السياسية بما يحقق أهدافهم.
اعتدل الحسين بن علي في آرائه السياسية؛ فأحسن الظن بداية –كغيره من العرب-في الوجود اليهودي / الصهيوني في فلسطين، بعدما لعبت بريطانيا دوراُ كبيراً في تحريف غايات وأهداف الحركة الصهيونية؛ فاعتقد الحسين أن هجرة اليهود إلى فلسطين تؤدي إلى إذكاء روح التنافس بين العرب واليهود، وأكد الحسين على مساواة اليهود الوطنيين بأصحاب البلاد من العرب في فلسطين في الحقوق والواجبات كافة. ورغم ذلك أجّل حسم موقفه من هجرة اليهود إلى فلسطين إلى ما بعد الحرب؛ وإن رحب بوجودهم في البلاد العربية كلها أي الدولة العربية الموحدة المزمع قيامها بعد الحرب استنادا إلى وعود بريطانيا. ولم يرض موقفه بريطانيا أو الصهيونية، فسعت بريطانيا لتأسيس علاقة بين الصهيونية والأمير فيصل بن الحسين، وذلك في حزيران1918م، لاعتقادها أنه أكثر اعتدالا من والده فيما يتعلق بمستقبل الوجود اليهودي في فلسطين.
وتوحي إلينا هذه الدراسة بأن على الشعوب والدول العربية في هذا الوقت أن تأخذ حذرها في التعامل مع إسرائيل ومن يقف خلفها،وألا تتفاءل في تحقيق السلام معها من خلال المعاهدات السياسية أو ما يسمى معاهدات السلام، لأن أساليب الحركة الصهيونية التي استعملتها مع العرب خصوصا في فلسطين في أعقاب صدور وعد بلفور، تستعملها الآن مع الفلسطينيين والدول العربية، بحيث لا تظهر مطامعها التوسعية لاحتلال مزيد من الأراضي العربية.
وتتعرض الشعوب العربية في البلاد المجاورة لدولة إسرائيل إلى ضغوط سياسية واقتصادية لإجبارهم على بيع أراضيهم وترك بلادهم، كما يجري حاليا في ضفتي نهر الأردن، حيث يعاني العرب فيهما من أزمات اقتصادية خانقة تتجلى بارتفاع أسعار الأراضي رغم الأزمة الاقتصادية العالمية وارتفاع نسبة الفائدة على القروض، وبتفاقم مشكلة المياه في الأردن، هذا إلى جانب تطبيع العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل بشكل غير معلن. ومن جهة أخرى وبالموازاة مع عمليات التضييق يجري فتح أبواب الهجرة والسفر أمامهم للعمل في بلاد بعيدة.
وقدلا أكون مبالغا إذا ما قلت إن الأوضاع في البلاد العربية خلال هذا القرن حتى الآن (2019م)، تخدم المشروع الصهيوني الكبير. وتتشابه في أوجه كثيرة مع الأوضاع خلال الحرب العالمية الأولى؛ والتي أدت إلى المشروع الصهيوني الصغير واستحداث دولة إسرائيل.
وأختم بأبيات من الشعر قالها أبو القاسم الشابي:
إن السلام حقيقة مكذوبة والعدل فلسفة اللهيب الخابي
لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب
قائمة المصادر والمراجع:
أ- الوثائق المنشورة:
1- الأجنبية:
– The Arab Bulletin, the Bulletin of the Arab Bureau in Cairo. VOL. 3, 1918, NO: 87, 30April 1918, Archive Editions, 1986,
2- العربيةوالمعربة:
– الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية(نجد والحجاز”)م3(1917-1918) اختيار وترجمة وتحرير نجدة فتحي صفوة، ط1 ، دار الساقي، بيروت، 1998م
سليمان الموسى:
– الثورة العربية الكبرى ( وثائق وأسانيد)، دائرة الثقافة والفنون، عمان 1966م
– المراسلات التاريخية، م1، ط1، عمان1973م
ب-المراجع العربية والمعربة:
– انطونيوس، (جورج): يقظة العرب، تاريخ حركة العرب القومية، قدم له نبيه أمين فارس، ترجمة: ناصر الدين الأسد، إحسان عباس، ط6، دار العلم للملايين، نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، بيروت/نيويورك 1980م
– خلة، (كامل محمود): فلسطين والانتداب البريطاني (1922-1939م)، سلسلة (كتب فلسطينية) – (53)، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، بيروت، أيار 1974م
– سعيد، (أمين):
– أسرار الثورة العربية ومأساة الشريف حسين، دار الكاتب العربي، بيروت (دون تاريخ)
-الثورة العربية الكبرى تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن في ثلاث مجلدات، مكتبة مدبولي، القاهرة (دون تاريخ نشر)، م3
– سلطان، (علي):تاريخ سورية 1908-1918م، ج1، ط1، دار طلاس للنشر، دمشق، 1987م،
– صايغ، (أنيس)، الهاشميون وقضية فلسطين، صيدا-بيروت: منشورات صحيفة المحرر والمكتبة العصرية،ط:1، 1966م
– الكيالي، عبد الوهاب، تاريخ فلسطين الحديث، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط:10 ، 1990م
– محافظة، ( علي ): الفكر السياسي في فلسطين 1918-1948م، ط1، مركز الكتب الأردني، 1989م.
– المومني،(نضال داود)، الشريف الحسين بن على والخلافة ، عمان-الأردن: منشورات لجنة تاريخ الأردن، سلسلة البحوث والدراسات المتخصصة، ط:1، 1996م.
– وايزمن:مذكرات وايزمن بقلمه، سنة 1952م، دون ناشر ومكان نشر.
ج- الجرائد والمجلات العربية المعاصرة للدراسة:
-الأهرام: جريدة تأسست سنة 1875م في القاهرة، الأعداد:
28 آذار 1916؛13 كانون أول 1917؛ 18 كانون أول 1917؛25 كانون أول 1917؛ 22 أيلول 1918
– القبلة: جريدة دينية سياسية اجتماعية تصدر مرتين في الأسبوع لخدمة الاسلام والعرب من مكة المكرمة، الأعداد:
18 شوال 1334 للهجرة؛ 13/شعبان 1336هـ الموافق 24 أيار 1918م.
المقطم:جريدة(مصر):
6 تشرين أول 1917؛ 6 كانون أول 1917
– المنار(مصر) مجلة شهرية منشئها محمد رشيد رضا،تصدر من مصر.
م22(1922م)،ج 3، ج6
د-الدوريات:
– فاسمية(خيرية):من خفايا السياسة البريطانية في المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، المكتب العربي في القاهرة، قراءة في الوثائق البريطانية(1984م)، مجلة دراسات تاريخية، دمشق، ع 17 و18، آب-تشرين ثاني.
([1] ) انطونيوس، (جورج): يقظة العرب، تاريخ حركة العرب القومية، قدم له نبيه أمين فارس، ترجمة: ناصر الدين الأسد، إحسان عباس، ط6، دار العلم للملايين، نشر بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، بيروت/نيويورك 1980م ص365.
([3]) المقطم 6 تشرين أول 1917؛ وانظر أيضا: الأهرام 13 كانون أول 1917. وأرجح ان العدد المذكور لليهود في كامل فلسطين وليس القدس وحدها
([4]) أنطونيوس: يقظة العرب، ص348 وما بعدها.
([5] ) المرجع نفسه، ص 351؛ وانظر: كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني (1922-1939م)، سلسلة (كتب فلسطينية)- (53)، منظمة التحرير الفلسطينية، مركز الأبحاث، بيروت، أيار 1974م ، ص23.
([6]) أنطونيوس: يقظة العرب، ص352.
([7]) خيرية فاسمية: من خفايا السياسة البريطانية في المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، المكتب العربي في القاهرة، قراءة في الوثائق البريطانية، مجلة دراسات تاريخية، دمشق، ع 17 و 18، آب-تشرين ثاني 1984م، ص 166؛ الكيالي: تاريخ فلسطين، ص87.
([8]) القبلة: ع2، الخميس 18 شوال 1334 للهجرة
([9])خيرية قاسمية: من خفايا السياسة البريطانية في المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، ص 166؛ الكيالي، عبد الوهاب، تاريخ فلسطين الحديث ، بيروت : المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط:10 ، 1990م ، ص87.
([11]) أنطونيوس:يقظة العرب، ص375.
([12]) علي سلطان : تاريخ سورية 1908-1918م، ط1، دار طلاس للنشر، دمشق، 1987م، ص500؛ وانظر بنفس المعنى: أمين سعيد، أسرار الثورة العربية ومأساة الشريف حسين، دار الكاتب العربي، بيروت(دون تاريخ)، ص304.
([13])أمين سعيد:الثورة العربية الكبرى تاريخ مفصل جامع للقضية العربية في ربع قرن في ثلاث مجلدات، مكتبة مدبولي، القاهرة(دون تاريخ نشر)، م3 ، ص 49-50
([14])خلة: فلسطين والانتداب، ص30
([15])برقية من وزارة الخارجية البريطانية إلى المندوب السامي في القاهرة بتاريخ 14 تشرين ثاني 1917(وهي ملخص رسالة سايكس إلى الجنرال كلايتون)::الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية(نجد والحجاز”)م3(1917-1918) اختيار وترجمة وتحرير نجدة فتحي صفوة، ط1 ، دار الساقي، بيروت، 1998م، ص307-308
([16]) المقطم 6 كانون أول 1917. استعملت المقطم اسم (الإسرائيليون) كثيرا وقد استبدلته باسم (اليهود) أينما ورد. واعتبر بعض اليهود إقامة الاحتفالات بتصريح بلفور خروجا على سياسة الحياد الصهيونية تجاه الحرب، أنظر: وايزمن:مذكرات وايزمن بقلمه، سنة 1952م، دون ناشر ومكان نشر ، ص26
([18]) الأهرام 18 كانون أول 1917 استخدم سايكس لفظ اليهود في محاضرته وليس الإسرائيليين كما ورد في الأهرام
([19]) الأهرام 18 كانون أول 1917 .
([20]) الأهرام 25 كانون أول 1917
([21]) الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، م3، ص 378
([22]) الأهرام 13 كانون أول 1917
([24]) الأهرام 25 كانون أول 1917.
([26])محافظة، ( علي ): الفكر السياسي في فلسطين 1918-1948م، ط1، مركز الكتب الأردني، 1989م ، ص 31 – 32؛ انظر: خله: فلسطين والانتداب، ص33.
([27]) محافظة: المرجع نفسه ، ص 133؛ انظر: الكيالي: تاريخ فلسطين، ص90 – 91 .
([28]) الأهرام 18 كانون أول 1917
([29]) برقية من المندوب السامي في مصر(القاهرة) إلى وزارة الخارجية (لندن) بتاريخ 28تشرين ثاني1917، لدى الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، م3، ص310-312
([30]) قاسميه:من خفايا السياسة البريطانية، ص167-169.
([31]) أنطونيوس:يقظة العرب، ص375، وانظر : صايغ، (أنيس)، الهاشميون وقضية فلسطين، صيدا-بيروت: منشورات صحيفة المحرر والمكتبة العصرية ، ط:1، 1966م ، ص66.
([32]) صايغ، الهاشميون وقضية فلسطين: 66 .
([33]) المنار(مصر) م22 ج6، ص453
([34]) أنطونيوس: المرجع نفسه. ؛ أمين سعيد:أسرار الثورة العربية، ص205
([35]) قاسميه، من خفايا السياسة البريطانية، ص 169 .
([36]) أنطونيوس: يقظة العرب، ص376 – 377؛ انظر: أمين سعيد:أسرار الثورة العربية، ص205 – 206 .
([37]) سليمان موسى: الثورة العربية الكبرى (وثائق وأسانيد)، دائرة الثقافة والفنون، عمان 1966م، ص101 – 102؛ سعيد: المرجع نفسه؛الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، م3، ص365-366 ، حيث توجد فوارق بسيطة في الترجمة.
([40]) المصدر نفسه، ص105 – 106
([41]) سلطان: تاريخ سورية 1908 – 1918، ص504.
([42]) الكيالي: تاريخ فلسطين، ص90
([43]) صايغ: الهاشميون وقضية فلسطين، ص67؛ انظر: سلطان: تاريخ سورية 1908 – 1918، ص504
([44]) رسالة أحمد جمال باشا إلى فيصل بتاريخ 26 تشرين ثاني 1917، لدى سليمان موسى: المراسلات التاريخية، م1، ط1، عمان1973م، ص152-153
([45]) انظر الوثائق المتبادلة حول الموضوع لدى المصدر نفسه، ص 153 وما بعدها؛ الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، م3، ص327 -332
([46]) برقية من الملك حسين إلى الأمير فيصل تاريخ 11 كانون ثاني 1918، ورسالة ونجت إلى الملك حسين تاريخ 12 كانون ثاني 1918 لدى موسى: المراسلات التاريخية، م1، ص 162-163
([47]) برقية من الكولونيل باست إلى الملك حسين بتاريخ 19 كانون الثاني 1918، وكذلك برقية الملك حسين إلى الأمير عبدا لله بنفس التاريخ لدى المصدر نفسه، ص 164-165
([48]) برقية من ونجت إلى وزارة الخارجية لندن بتاريخ 22 كانون ثاني 1918 لدى المصدر نفسه، ص 166
([49]) رسالة من باست إلى الملك حسين بتاريخ 26 كانون ثاني 1918، لدى المصدر نفسه، ص171-172
([50]) أنظر الوثائق المتعلقة بهذا الشأن لدى المصدر نفسه، ص 174-176
([51]) رسالة من وزارة الخارجية البريطانية إلى السير ريجنالد ونجت بتاريخ 4شباط1918، لدى المصدر نفسه، ص178-179
([52]) رسالة من باست إلى الملك حسين بتاريخ 20شباط1918 لدى: المصدر نفسه، ص180
([53]) برقية من السير ريجنالد ونجت(القاهرة) إلى وزارة الخارجية بتاريخ 14 كانون ثاني 1918م، لدى: الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية، م3، ص316
([54])برقية من السير ريجنالد ونجت(القاهرة) إلى وزارة الخارجية بتاريخ 19 كانون ثاني 1918م، لدى المصدر نفسه، ص317
([55]) قاسميه: من خفايا السياسة البريطانية، ص 169.
([56]) Arab Bulletin, VOL. 3, 1918, NO:87,30 April,1918, Archive Editions,1986,P 137.
([57]) Ibid؛ أنطونيوس: المرجع السابق، ص 377؛ انظر: الكيالي:تاريخ فلسطين، ص91؛خلة:فلسطين والانتداب، ص 53. ، وانظر حول انقسام السوريين في مصر إلى أحزاب متناقضة فيما بينها حول استقلال بلادهم وعلاقتها مع دول الحلفاء: المنار(مصر)م22 ج6، ص 450-453، 460-461
([61])الكيالي، تاريخ فلسطين، ص91؛ خله، فلسطين والانتداب، ص 53.
([62]) أنطونيوس: المرجع السابق، ص 377.
([64]) الكيالي: تاريخ فلسطين، ص92؛ خله، فلسطين والانتداب، ص53، 57؛ وانظر حول إقامة اللجنة في فلسطين والتقارير المتعلقة بها: الكيالي: المرجع نفسه، ص92 – 96 .
([65]) محافظة: الفكر السياسي في فلسطين، ص 133؛ خله: المرجع نفسه، ص54.
([66]) خله: المرجع نفسه، ص54 – 56.
([67]) أنطونيوس: يقظة العرب، ص377.
([68]) سعيد: أسرار الثورة العربية، ص207.
([69]) رسالة من ونجت إلى الملك حسين بتاريخ 16 حزيران 1918، لدى: سليمانموسى: المراسلات التاريخية، م1، ص198؛أنظر أيضا: المنار(مصر) م22، ج3، ص239-240
([70]) القبلة: ع 183، الخميس 13/شعبان 1336 الموافق 24 أيار 1918
([73]) أنطونيوس: يقظة العرب، ص 377؛ صايغ: الهاشميون وقضية فلسطين، ص 67 – 68.
([74])أنطونيوس: المرجع نفسه، ص 377.
([75]) صايغ: الهاشميون وقضية فلسطين، ص 67 – 68؛ قارن مع القبلة: ع 183.
([76])أنظر للمزيد حول دور فيصل بن الحسين في التفاوض مع الحركة الصهيونية: نضال داود المومني: مسألة فلسطين بن الحركتين العربية والصهيونية بين عامي 1918-1920، رؤية وثائقية تاريخية لجذور المفاوضات الصهيونية-العربية، مجلة أفكار وآفاق، (الجزائر) المجلد 4 العدد 5 السنة 2015، ص107-137