
الهوية الثقافية وعلاقتها بالعولمة في زمن ما بعد الحداثة والثورة المعلوماتية بالمجتمع المعاصر، أفكار داريوش شايغان نموذجا
Cultural Identity and its relation to Globalization in postmodernity/Informatics time in the modern society, Ideas of Daryush Shaygan as an example
الأستاذة عميرة لطيفة، قسم الفلسفة، جامعة محمد لمين دباغين، سطيف 2- الجزائر
بحث مشارك ومنشور في كتاب أعمال المؤتمر الدولي المحكم حول الخصوصية في مجتمع المعلوماتية الصفحة 139.
Abstract
In today’s world, a new world order or a new world phenomenon has imposed itself on all the world’s ideas, its name is Globalization. Some stand by it and support it, as the “Democracy of Technology” and “ Democracy of information” as well as the “Democracy of Capital”. There are also those who deny and refuse it, calling it: “ A breach of patriotism and the destruction of the civilizational self and the cultural privacy”.
-So, where does the cultural identity stand among modernism and digitalization?
– What is an Identity? And What is a Culture? And is there a pure identity? Or does it have forty faces?
These are the questions I will try to answer according to the following sections:
- The linguistic and conventional definitions of Identity.
- The linguistic and conventional definitions of Culture.
- The coinciding of different cultures and the chaotic search for Identity.
- The illusions of Identity according to Daryush Shaygan.
- A forty-faced Identity in the Information Age.
Key-Words: Identity, Culture, Informatics, postmodernity, Daryush Shaygan.
الملخص
لقد ظهر في عالم اليوم نظام دولي جديد ، أو ظاهرة دولية جديدة فرضت نفسها على كل الأفكار العالمية، اسمها العولمة، ومعها من يؤيدها ويقول: هي ديمقراطية التكنولوجيا وديمقراطية المعلومات وديمقراطية رأس المال، وفي الصورة نفسها من يذمها ويرفضها ويقول: هي اختراق القومية والوطنية وهدم للذاتية الحضارية والخصوصية الثقافية.
فيا ترى أين تتموقع الهوية الثقافية في ظل الحداثة و الرقمنة؟
ما هو مفهوم الهوية و الثقافة؟ وهل للهوية النقية وجود أم أنّها هوية بأربعين وجها؟
هذا ما سأحاول الإجابة عنه وفقا للمحاور التالية:
1-التعريف اللغوي و الاصطلاحي للهوية.
2-التعريف اللغوي و الاصطلاحي للثقافة.
3-تزامن الثقافات المتنوعة و فوضى البحث عن الهوية.
4- أوهام الهوية عند داريوش شايغان.
5- هوية بأربعين وجها في عصر المعلوماتية.
الكلمات المفتاحية: الهوية، الثقافة، التثاقف ،المعلوماتية ،ما بعد الحداثة، داريوش شايغان
مقدمة:
لقد ظهر في عالم اليوم نظام دولي جديد، أو ظاهرة دولية جديدة فرضت نفسها على كل الأفكار العالمية، اسمها العولمة، ومعها من يؤيدها ويقول: هي ديمقراطية التكنولوجيا وديمقراطية المعلومات وديمقراطية رأس المال، وفي الصورة نفسها نجد من يذمها ويرفضها ويقول: هي اختراق للقومية والوطنية وهدم للذاتية الحضارية والخصوصية الثقافية.
وقد اعتبر فوكوياما في كتابه ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير The End of History and the Last Man “أنّ البشرية وصلت إلى نهاية التطور الاجتماعي وانتصرت الديمقراطية الغربية والنظام الليبرالي على جميع النظم التي تنافس النظام الغربي، فالعالم بعد سقوط سور برلين وضح له أن الرأسمالية هي أحسن التنظيمات الاقتصادية، وأن الليبرالية هي أحسن أسلوب الحياة بل هي الأسلوب الوحيد”.[1]
أمّا المثقف العربي، بصفة عامة، وهو يكتب عن العولمة، يتذكر الاستعمار وأساليبه، فيربط بين العولمة والهيمنة والعولمة، والاستعمار وما يفعله أعداء العرب بالسلاح الحديث وأسلحة الدمار الشامل، والمال والتكنولوجيا والتأييد الدولي والمناصرة الظالمة المتحيزة في الأمم المتحدة، فينتابه شعور عميق بالخطر الذي يحدق به وبهويته الثقافية فيهبّ للدفاع عنها من منطلق الحرص على صيانتها من كل عملية غزو واحتواء لكيانه الروحي والأدبي، ومن عملية التذويب الثقافي و الحضاري .
لذا شكلت قضية الهوية محورا هاما من محاور الخطاب النهضوي العربي والإسلامي من منطلق الحرص” على تأمين وصيانة القيم الحضارية للأمّة الجزائرية والتي صارت عرضة لكل المخاطر التي تتهددها من قبل المخططات الاستعمارية ، التي كانت ترمي أساسا إلى إذابة الهوية والشخصية الوطنية فضلا عن التحدي الديني والمذهبي، وقد عرفت هذه السياسة بسياسة الإدماج والاستيعاب في الجزائر”[2]
وعلية يمكن تحديد مشكلة البحث بالتساؤلات التالية، ما هو مفهوم الهوية؟ وما هي أشكال التحدي التي أظهرها المدافعون عنها في الميدان النظري والعملي من أجل التمكين لمقوماتهم الحضارية؟
1- مفهوم الهوية ودلالاته اللغوية و التاريخية
أ- مفهوم الهوية لغة:
إنّ الهوية كما يعرفها قاموس ” المنجد ” باللغة العربية معناه ” حقيقة الشيء أو الشخص المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية ، وهي في اللغة العربية مشتقة كما هو واضح في مبناه من الضمير المنفصل ” هو ” الذي يدل على ذات الشيء أو الشخص المستقلة من ذوات الأشياء أو الأشخاص الآخرين [3]
أما في اللغة الفرنسية ، فإن لفظ الهوية L’identité مشتق من الكلمة اللاتينية Identitas » «وهي من “Ibidem”في اللاتينية أي نفسه.[4]« le même »
ب- مفهوم الهويةاصطلاحا.
أما من حيث تعريفها الفلسفي فقد اعتبرت “الموسوعة الفلسفية العربية ” الهوية بأنها ” مقولة تعبر عن تساوي و تماثل موضوع أو ظاهرة ما مع ذاته ، و يتطلب تعيين هوية الأشياء أن يكون قد تم تمييزها مسبقا ، و من ناحية أخرى ، فإن الموضوعات المختلفة غالبا ما تحتاج إلى تحديد هويتها بهدف تصنيفها وهذا يعني أن الهوية ترتبط ارتباطا لا يمكن فصمه بالتميز بين الأشياء.[5]
الهويةIdentité (F) Identity(E)
حقيقة الشيء من حيث تميّزُه عن غيره، وتسمى أيضا وحدة ذات .[6] والهو هو L’identique هو مطابق الشيء ، وما يشبهه من کل وجه وإن تميّز منه .
و ينكر ليبنتز المطابقة التامة من كل وجه ، و يرى أنّه ليس في الطبيعة شيآن متطابقان من كل الوجوه؛يراد بالهوهو أساها ما يبقى دائما ثابتا بالرغم مما يطرأ عليه من تغيّرات ، فالجوهر هوهو وإن تغيّرت أعراضه .[7]
أما من حيث الدلالة التاريخية فالهوية ظاهرة إنسانية ملازمة للإنسان – فردا كان أم جماعة – تكون ضامرة في حالة كمون في الظروف العادية الطبيعية الخالية من التوترات غير أنها تخرج من طور الوجود بالقوة إلى طور الوجود بالفعل عندما يستفزها الآخر، فالأنا أو الجماعية ترفض التماهي فيه.
وحتى تبقى –الأنا- متمايزة فإنّها تعود في الظروف الصعبة إلى ذاتها تسكنها جوهرها وتستحضر مخزونها ، وتحلل واقعها وتستشرف مستقبلها، واعتمادا على كل ذلك تتحدد خصائصها التي تتميز بها عن الآخر [8]
كما أنّ الهوية كمعطى تاريخي تعتني دائما بمضامين جديدة و تملك القدرة على التحدي و التجديد و التعرف على ذاتها في الماضي والحاضر، كما تتعرف في الوقت نفسه على غيرها ومن هنا تكون معرفة التاريخ شرط أساسي لمعرفة الهوية والوعي بها.
فالمستقبل والعودة إلى الذات إذن هما الشكلان الأساسيان للمقاربة الجديدة للهوية والتي تعطي حاضرنا وإنّيتنا على المستوى الفردي والاجتماعي والثقافي شرعية و دورا استراتيجيا ،ومن ثمة فإن التأكيد على الهوية لا يعني الانطواء والتقوقع على الذات كما لا يعني الانعزال والسلبية والرفض، وإنّما الهوية المعنية هنا تعني كيفية تموضعنا في العالم، هذا التموضع الذي يعني وفي الوقت نفسه، تنشيط العودة إلى الذات مع الأخذ بعين الاعتبار للتغيرات الحاصلة في المحيط، لأنّ الإنسان كائن مستقبلي .[9]
و الحق أن المدلول التاريخي للهوية يعني في أبرز ما يعنيه، وعي بالذات كأنا متميز عن الآخر من حيث مكوناتُها ، من جهة، ومن حيث ما هو مطلوب منها لكي تؤكد على المحافظة على ذاتها واستقراريتها في الحياة من جهة أخرى، خاصة إذا عرفنا بأنّ ما يهدد الهوية لم يعد عدوا مرئيا يمكن تحديه ومواجهته، بل صار هذا المعادي للهوية للنيل منها متماهيا في العلم والثقافة التي لا غنى لأمّة عنها .
فالهوية إذن بالأساس مفهوم حمّال أوجه” إذ نظُن جميعا أنّنا نعرف ما تعنيه هذه الكلمة، و نستمر واثقين بها حتى حينما تأخذ بمكر في القول العكس “[10] على حد تعبير أمين معلوف.
فهناك الهوية بالعدد، و الهوية بالصفات، والهوية الشخصية، و الهوية الجماعية، كما أنه حمّال آمال ورغبات و أوهام، فالتسليم بالهوية كوحدة و ثبات تعبيرٌ عن الرغبة في الاستمرار و البقاء و طمع في التميُّز بالاستقلال الذاتي و حرية الإرادة.[11]
و من ثمّ، نجد أنّ لفظ الهوية يشير ، في بادئ الرأي إلى الذات في حضورها و وحدتها و ثباتها و استمرارها و تفردها ، حيث إنّ الهوية –identité- تتحدد، عموما، بأنّها” مجموع الصفات التي تقوّم الشيء أو الشخص بشكل أساسي”أي أنّها مجموع الخاصيّات التي تجعل الشيء أو الشخص مماثلا لنفسه أو هو نفسه soi- même ، بحيث يكون موجودا و قائما بذاته بما هو حقيقة يُمكن تصورها بالذهن ،أي ماهية une essence ،حقيقةٌ هي أساس وجوده الفعلي ، أي جوهرsubstance . ولذا، فإنّ النظر إلى الإنسان ككائن له هوية يجعله يتحدد بجملة من الخصائص الأساسية و الجوهرية التي تُقوّمُه ذاتيا و تُميِّزه نوعيا على النحو الذي يُعطيه، قيمة الشخص كذات أخلاقية( عليها واجبات ) وقانونية(لها حقوق).[12]
و لعل أبرز نوابض هذا الانتماء تتجلى في اللغة والثقافة والدين كما عبر عنه الفيلسوف الألماني فيخته في كتابه نداء إلى الأمّة الألمانية بقوله ” إنّ وجود أمّة من الأمم بوجود إنيّتها التي هي شخصيتها هذه الشخصية تتكون من ثلاث عناصر الدين و اللغة وحب الوطن”.[13]
أما ابن خلدون فقد تحدث عن الخصوصية الوجودية وأكد بأنّ الإنسان عامة له طبيعة تخصه إلا أنه داخل هذه الطبيعة الموحدة المشتركة، هناك التنوعات والاختلافات في اللون والعرق والمنشأ والعادات والثقافات وأشكال العمل والحياة والممارسات والعلاقات والأبنية المجتمعية ومستويات المعيشة إلى غير ذلك، ولكن الإنسان ليس مجرد طبيعة تتحرك وتتحقق بشكل آلي أو غريزي شأن النبات والحيوان، بل هو تاريخ مضاف الى الطبيعة، والتاريخ الإنساني ليس مجرد حركة أو نقلة في الزمان ، بل هو مسیرة من الوعي والإرادات والمصالح والثقافات الذاتية والجماعية المتصارعة المتفاعلة المتلاحقة، مع ضرورات الطبيعة الإنسانية والطبيعة الخارجية المادية.
ولهذا فإنّ خصوصية الإنسان الحقيقية ليست خصوصية طبيعية بقدر ماهي خصوصية مجتمعية وتاريخية، استطاع ابن خلدون أن يضع يده على بعض قوانينها في عصره، على أنّ هذه الخصوصية التاريخية بما هي تاريخية، تتغير وتتطور وتتجاوز ذاتها باستمرار، وتأسيسا على هذا فإنّ الهوية الإنسانية عامة في تحققاتها وتنوعاتها المختلفة ليست أقنوما ثابتا نهائيا، إنّما هي هوية متغيرة متطورة مجتمعيا وتاريخيا، بتغير وتطور المجتمعات والأوضاع والأحوال والخبرات، وتنامي أشكال الوعي والثقافات والمنجزات والإرادات والقدرات والمصالح المختلفة، وتجميد هذه الهوية الإنسانية في تحققاتها المختلفة في التاريخ وتحويلها إلى نسق أو أنساق ثابتة هو تهميش للهوية بل طمسها موضوعيا وإنسانيا، بل تجميد للمجتمع والتاريخ معا.[14]
2- مفهوم الثقافة
أ- مفهوم الثقافة لغة:
ليس في مقدورنا اليوم أن نضع مفهوما للثقافة، دون أن نجد أنفسنا – في العالم العربي – أمام مشكلة لغوية وتاريخية. فمن أين جاءت كلمة(ثقافة) ومنذ متى استخدمت في اللغة العربية ؟
إن أول فكرة تخطر لنا للإجابة عن سؤال كهذا، هي أن نستشير قاموسا، ولكن القواميس الموجودة بين أيدينا لا تذكر هذه الكلمة إلا لماما ، سواء في ذلك القديمة والحديثة . فلسان العرب يقول في المجلد العاشر : يقال ثقف الشيء وهو سرعة التعلم ، ويقول ابن دريد : « ثقفت الشيء حذقته ، وفي حديث الهجرة : هو غلام شاب لقن ثقف » (رواه البخاري ) ، أي ذو فطنة وذكاء ، والمراد أنه ثابت المعرفة بما يحتاج إليه .
والعلامة فريد وجدي يقول في ( دائرة معارف القرن العشرين / المجلد الثاني ) : ثقف يثقف ثقافة : فطن وحذق، وثقف العلم في أسرع مدة أي أسرع أخذه ، وثقفه يثقفه ثقفا : غلبه في الحذق ، والثقيف : الحاذق الفطن .
والقواميس الحديثة تقول: « ثقف ثقافة: صار حاذقا خفيفا، وثقف الكلام فهمه بسرعة ».[15]
كما ورد في معاجم اللغة العربية بإنّ مادة ( ثقف ) تفيد معاني التسوية والتقويم، فثقف الرمح أو العود معناه: سواه وقوّمه حتى صار قويما سويا.
أما في اللغة الأجنبية فإنّ مفهوم الثقافة في كلمة (cultura) اللاتينية التي تدل على عملية التهذيب والاعتناء والرعاية، تتضمن معنى النمو والتطوير. يتضح هذا في الاستخدام البستني المبكر حيث كانت تدل على كل من عملية الاعتناء بالنباتات والحيوانات.[16]
ب-مفهوم الثقافةاصطلاحا:
أما المعنى الاصطلاحي للثقافة فلا يعلم على وجه الدقة متى أصبحت هذه المادة تدل في اللسان العربي دلالة اصطلاحية، سوى أنّه منذ ما يقارب القرن، مالت كلمة الثقافة إلى أن تستعمل في معنى المنهج الذي تحقق به الحياة، فإذًا ثقافة أمّة من الأمم أو شعب من الشعوب أصبحت تعني المنهج الذي تنتهجه تلك الأمّة أو ذلك الشعب في مباشرة الحياة أسلوبا في التفكير وطريقة سلوكية في العيش الجماعي والفردي بشتى مظاهره وأشكاله.
ولعل المناسبة بين المعنى اللغوي للفظ الثقافة الذي يفيد معنى التسوية والتقويم، وبين المعنى الاصطلاحي الذي يفيد معنى المنهجية في مباشرة الحياة، هي أنّ الثقافة بمعنى التسوية والتقويم إنّما تكون في حق شيء ما من الأشياء من أجل تحقيق ملاءمة بين ذلك الشيء وبين الغرض منه كتثقيف الرمح من أجل الطعن، فنقل هذا المعنى ليدل على معنى المنهجية في مباشرة الحياة؛ لأنّ هذه المنهجية إنّما هي منهجية تنتهجها الأمم من أجل تحقيق الغرض من الحياة، فيكون الجامع في مادة الثقافة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي هو الملاءمة من أجل تحقيق الغرض في كل منهما.
والثقافة بهذا المعنى الاصطلاحي الذي يفيد معنى المنهجية في مباشرة الحياة فكرا وسلوكا إنما تتكون بعامل أساسي هو العامل الإيديولوجي الذي يتمثل في الصور التصديقية المتعلقة بالوجود والكون والحياة، فتلك الصور التي تؤمن بها الأمم من دين أو فلسفة أو أسطورة، هي التي تشكل منهجيتها في مباشرتها للحياة بالتفكير والسلوك، وهي التي على أساس اختلافها بين الأمم تختلف ثقافاتها، وهي التي على قدر نسبتها من الحق تكون الثقافات الناشئة منها متفاوتة في تحقيق الحياة لأغراضها من الترقي في سلم الإنسانية.
لذا يتعذر تصور الهوية و الثقافة كمفهومين منفصلين «فما من هوية إلا و تختزل ثقافة، فلا هوية من دون منظور ثقافي ولا تستند إلى خلفية ثقافية، والثقافة في عمقها وجوهرها، هوية قائمة بالذات”[17]
لذا باتت كلمة ( الثقافة ) من الكلمات التي يستعصي تعريفها عن الحصر الدقيق ، فهي لم تبق في عربيتنا مفردة جامدة أسيرة تعريف من الاشتقاق اللغوي لدينا من نوع ( ثقف الرمح )، فتجاوزته لما هو أرحب فكريا وعقديا وحضاريا ، فتغدو وعاء للسياسة والاقتصاد والتاريخ والدين والعادات والتقاليد والاجتماع ، لأنها ” طريق مميز لحياة الجماعة ، ونمط متكامل لحياة أفرادها “[18]
فهي مركب من عناصر عديدة مختلفة ، تمتص القوانين ، والأعراف الاجتماعية ، وأشكال التفكير والسلوك والعادات، لأنها حياة الأمّة في كل وجوهها ، وهي معبّر أصيل ” عن الخصوصية التاريخية لأمّة من الأمم، عن نظرة هذه الأمّة إلى الكون والحياة والموت ، والإنسان ومهامه ، وقدراته وحدوده ، ففي الثقافة وبالثقافة يدخل الفرد البشري حقا في البعد الإنساني للحياة ، فهي التي تعطيه الجذور ، وهي التي تموضعه في المكان والزمان ، وتجعله حاملا لتراث ، وهي التي تفتح أمامه إمكانيات وآفاق خاصة يستطيع بها التعرف إلى العالم والاحتفاء به”[19]
ج-الثقافة التقنية والثقافة الإنسانية:
الثقافة من حيث النوع قد تكون علمية تقنية أو تكون أدبية إنسانية, فالثقافة التقنية عالمية بطبيعتها لأنها مرتبطة بالعقل، وكذلك أداة الثقافة، أي تطور الأداة، فهي وسائل المدنية. أما الثقافة الإنسانية التي تقوم على العطاء الحضاري وتطور الإنسان نفسه فإنّها من الأمور القومية التي لا يمكن تعميمها ولا يسمح بهدر هويتها، لأنّها مرتبطة عضويا بالتاريخ والطبيعة، وليس بالعرض والعقل.[20].
إنّ الثقافة الإنسانية هي ثقافة أصيلة مستمرة ضمن السياق القومي، أما الثقافة التقنية فهي ثقافة متبادلة متحولة ضمن السياق العالمي. والثقافة الأولى هي ثقافة حضارية أما الثقافة الثانية فهي ثقافة مدنية. والحضارة هي التراث القومي لأمة من الأمم، بينما المدنية هي حصيلة الاختراع في عصر من العصور.
والمعاصرة هي تبادل الحداثة، ولكن التبادل يتحقق اليوم من طرف واحد إنّها معاصرة وحيدة الطرف، سواء أكان ذلك في نطاق الثقافة المادية التقنية أو في نطاق الثقافة الإنسانية.
وهكذا فإنّ القول المطلق بعالمية الثقافة هو من الخطورة البالغة على الذاتية الثقافية لأمّة من الأمم، والدعوة إلى الانتماء الثقافي العالمي هي دعوة إلى التبعية التي تأخذ بالانتشار والتوغل كالسرطان في الجسم التقدمي.[21]
ولكي نبدأ عملية التحرر الثقافي لا بد من التمييز بين الثقافة التقنية وخصوصية الثقافة الإنسانية، لا بد من التمييز بين المدنية العالمية وبين الحضارة القومية، وبصورة عامة لا بد من التمييز بين العالمية الثقافية والذاتية الثقافية القومية. وهذا ما استرعي انتباه المنظمات الدولية. في حين أكدت منظمة الأمم المتحدة عام 1974 على الدعوة إلى إقامة نظام اقتصادي عالمي نادت منظمة اليونسكو بإلحاح بضرورة حماية الذاتية الثقافية الإنسانية.[22]
3- تزامن الثقافات المتنوعة و فوضى البحث عن الهوية:
بحلول عصر الحداثة الغربية أثيرت الشكوك حول استقلال الانسان عن قوى الطبيعة وعن عبء التراث، وعن العادات الموروثة على مجری العصور الطويلة، جاعلة من عقل الإنسان أساس كل وجود وكل معرفة.
إننا نتلقى تأثير هذا الفكر كالجرف على رؤوسنا، ومن دون أن نتابع أسفاره عبر التاريخ؛ نجد أنفسنا في صراع مع تجسداته الأكثر تطرفا والأكثر اختزالية.
كيف يمكن أن نتصور إذن مصالحة بين هاتين الكيفيتين من الوجود؟ حضارات شرقية تشدنا إلى السماء و أخرى غربية قلبت علاقات الإنسان بالطبيعة رأسا على عقب، لأول مرة في تاريخ البشرية، في الغرب بالذات، بدأ العصر العلمي التقني خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر؛ وفيه تحولت المعرفة التأملية إلى قوة سيطرة(Francis Bacon)وأصبح الإنسان الحكيم سيد العالم والمتنعم به (ديكارت). ومنذ ذلك الحين أخذ الفكر العلمي – التقني، المتحدر من علوم الطبيعة، يحل محل الأشكال التأملية التي كانت تقوم عليها القيم التي جعلت ممكنا التلاقح بين الحضارات الشرقية[23].
فبدل أن ينفتح أفق الإنسان نحو المجرات العليا، حيث تهبط الرسالات الإلهية، أخذ ينخفض حاليا نحو مستوى خطي من السيرورة التاريخية، وإذا اكتفت الثورة الكوبرنيكية بطرد الإنسان من محيطه، فالثورة الثانية، البيولوجية، انتزعته هذه المرة من حضن أجداده وأنبيائه، وفهم الإنسان، بمرارة كبيرة، أنّ نسبه السلالي لا يعود أبدا إلى أنبياء زمن النبوة، وأنّه تحدر من سلالة القرود الأقرب إلى الإنسان. وفهم أخيرا، مع الصدمة السيكولوجية، كما يستنتج فرويد، أن عقله ليس سوى جزيرة معزولة مستقرة على سطح محیط من القوى اللاواعية.[24]
فكانت النتيجة أن حلت محل الثقافة الجماهيرية المعمّمة، ثقافة نزع التعميم الجماهيري عن الثقافة، ومحل وسائل الإعلام الكبرى وسائل إعلام صغرى لأقليات تزداد تفردا ومحل ضخامة الدولة القوية ميل معادٍ لوجود الدولة وللمركزية، ومحل التمركز السكاني في المدن الكبرى الجاذبة أنماط من العيش الجماعي (قرى الكترونية) الخ…
لا شك في أن هذه الميول لا تظهر حاليا إلّا في البلدان الأكثر تقدما على الصعيد التكنولوجي؛ إلّا أنّه لا بد من حصول هذا الغزو من جانبها. هذه الموجة الثالثة تبشر، في حدود معينة، بأشكال حياة قريبة من النسيج الريفي المعروف في عصر ما قبل الرأسمالية، إلا أننا نسارع ونضيف أنّ بين نمط حياتنا الجماعي، إلى هذا الحد أو ذاك، والأشكال الجديدة التي تبشر بها الموجة الثالثة يتوسط ثقل “الصدمة المعلوماتية»، فضلا،عن الصدمات الثلاث السابقة التي تلقيناها، دون أن نستوعبها حقا، أي دون أن نحياها من الداخل.[25]
إننا نشهد، ضمن منظور التغيرات، ظهور فكر لا موضوع له، وفن لا مقام له، وأنماط عبثية من السلوك الاجتماعي، وذلك ناجم عن تشابك وتداخل بين مستويات في الثقافة والوعي يستحيل التوفيق بينها، كما نشهد تكَوُّن إنسان جديد هو، على جميع الصعد، الصورة المعكوسة فيه[26].
إنّ تأثير الغرب والحداثة التي تقف وراءه يثيران في أيامنا ويحركان في العالم الاسلامي مدارات مقاومة عديدة، فيولدان تارة تراجعا إلى أسطورية الأصول، ظنا بأنها تحل بأعجوبة كل التعاسات الأخلاقية والتفاوتات الاجتماعية التي تشكو منها هذه المجتمعات، وتارة يسببان هربا إلى الأمام نحو مغامرات متزايدة المخاطر، وتارة أخرى يحركان رفضا قاطعا لمواجهة تحديات الأزمنة الجديدة.[27]
فكل هذه المهارب والمخارج المنحرفة إلى هذا الحد أو ذاك، تعبر عن وجوه شتی لظاهرة واحدة، وتترجم أعراض قلق عميق، بصرف النظر عن أشكال ردود الفعل المنظورة. وهذا القلق صادر عن عدم فهم أو قُل، عن عدم تمثل واستيعاب ظاهرة تاريخية كبرى – الحداثة في معناها الواسع جدا – لم تؤخذ كما هي في الحسبان أبدا، أي موضوعيا في دلالتها الفلسفية الخاصة، بل كانت تؤخذ دائمًا وفقا للتحولات الأليمة التي ألحقتها بتقاليدنا وموروثاتنا، في طرق معيشتنا وتفكيرنا.[28]
والحال، فإنّ كل حكم لها أو عليها ارتدی ، منذ بداية الاحتكاكات والاتصالات، رِداء التقويم الأخلاقي ؛ فكان تقويما تقريظيا وتبجيليا في بداية التلاقي مع القوة المادية للغرب، عندما اكتشف العالم الإسلامي، بدهشة کبری، تأخره والهوة السحيقة التي كانت تفصله عن أوروبا، وكان تقويما لعينا عندما انغلق هذا العالم، لاحقا، أمام تأثير أوروبا، وراح يستثير هاماته الأكثر هذيانا.
ولئن كانت ردة الفعل الأولى شديدة الحماس، فإنّ ردة الفعل الثانية اقترنت، على العكس، باللغة الهستيرية لرفض مهووس، وفي هذه الحالة وتلك، لم يكن الغرب معتبرا أبدا بوصفه جذرًا، أصلا جديدا منقطعا عن الماضي، وله قوانينه الخاصة به ومنطقه الخاص في الهيمنة، بل بوصفه تآمر قوى خفية كانت تستحوذ علينا من جراء قوتها المادية، وتهزنا حتى في أعمق مرتكزاتنا وأسسنا، وتفسخ آدابنا الأخلاقية وتفسد خصالنا من خلال تحويلنا على المدى الطويل إلى حال من العبودية السياسية والثقافية.[29]
صحيح، أنّ مفكري النهضة المسلمين الأوائل كان لهم فضل الاهتمام الخاص بالمنظومات السياسية والحقوقية في أوروبا، فقد أغرتهم مفاهيم الحق والحريات الفردية ، وهذا لا يمنع أن يفوت مفكري الساعات الأولى شيء جوهري، كما يفوت الكثيرين من المفكرين اليوم: هو أنّ هذه المفاهيم الأساسية التي يمتدحون فضائلها لم تكن نتاجات وصفة عجيبة ، بل كانت حصيلة مسار تاريخي خارق بل نتاج تغير جذري . وبالتالي لا يمكن، بحكم ذلك، زرعها عبر عالمنا من دون إخلاء وتهميش تلك القيم السلفية التي نتمسك بها كثيرا، والتي تملا فضاءنا العمومي برمته.
من جهة ثانية، كانت هذه الأفكار الجديدة، الثورية من عدة مواجهات، تزيل طبقات أخرى من الواقع، وتكون علاقات اجتماعية أخرى غالبا ما كانت معدومة في عالم تقاليدنا المغلق. لأنّ هذه الوقائع، في المنظار الديني والشمولي لرؤيتنا للعالم، كانت ۔ على قدر ما يجري وعيها – إما غائبة وإما تعتبر كأنّها تنتمي إلى العرض المادي للأشياء.[30]
واستنادا إلى عبقرية اللغة العربية، قال جاك بيرك ( Jacques Berque): “إن اللغة العربية التي تقود كل كلمة فيها إلى الله، قد جرى تصورها لتخفي الواقع، وليس لاكتناهه”.
ولقد تعين، بالضرورة، على التوترات ما بين اخفاء مناطق جديدة من الواقع وبين المقاومات التراثية التي تستبعدها أو تكبتها وتطردها من حقل المعرفة، أن تولد انكسارات وثغرات في الوعي. فبينما كانت الأمور تتبدل خارجيا، كانت الإسقاطات الذهنية لا تزال تدور حول طرق التمثل القديمة.[31]
والحال، كيف كان يمكن عيش تلك التمزقات في داخل الوعي؟ سواء شئنا أم أبينا، لا يزال هذا الأمر هو المسألة غير القابلة للـحلِّ، مسألة جميع الاختلالات الذهنية – وما أكثرها ، التي تجتاح عالمنا. ولا يمكن إبراز هذه المسألة إلا على أيدي القيمين على هذه الحضارات بالذات، فكما لا يستطيع أحد أن ينوب عن أي كان في عملية الموت، كذلك لا يستطيع شخص منحدر من حضارة مختلفة عن الحضارة التي عشنا فيها، أن يختبر وجودية هذا التمزق داخل نفسه. وبكلام آخر، إنّه قدرنا الخاص وغير القابل للتنازل .[32]
إذنما هو المخرج الممكن للصراعات التي من شأنها مثلا أن تضع منظومة حقوقية في مواجهة منظومة أخرى؟
فبعض المفكرين يرون أنّ كل أصولية قائمة على رفض الآخر، استنادا إلى مرجعيات حصرية، لا يمكنها أن تكون إلا ارتدادا:” بدلا من رفض أوروبا، لماذا لا يمكن للإسلام القبول، على غرار بعض شعوب آسيا، بالمرور الإجباري مرحلة تعلم متواضعة، يمكنها أن تؤدي إلى استيعاب أوروبا المزعومة، وربما إلى تجاوزها؟ “[33] .
إن أهل الشرق، المنسحرین بالغرب، لم يدركوا أن وراء هذه الحداثة كان هناك تبدل في رؤية العالم، وأنّ بين اسلامهم والحداثة كان يوجد حقل فارغ، لا يمكن أن يسده الرجوع إلى القيم السلفية ولا إصلاح الشريعة ؛ لكي يكون هناك ديمقراطية، لا بد أولا من أن يكون هناك علمنة للعقول والمؤسسات، وأن يكون الفرد، كفرد، ذاتا مستقلة قانونا، وليس نفسا مغفلة ذائبة في الكتلة الهلامية للأمة (الجماعة الإسلامية)؛ وأن يكون القانون قاعدة تعاقدية، وأخيرا أن تكون السيادة القومية قد سيطرت بشرعيتها الوجوبية وسادت على القمع القسري للديكتاتوريين وعلى قمع المحاكم الدينية الذي لا يقل عنه خنقا وعسفا إن الديمقراطية هي ابنة الأنوار، والأنوار هي ذروة نتاج العصر الانتقادي ، أي النقد الجدي للحقائق المعتقدية [34].
وإنّ مشكلة العالم الاسلامي تكمن في جاذبيته القديمة، في انعكاساته وتأثراته الدفاعية، في تحجراته الفكرية وبالأخص في هذا الزعم الوهمي الذي يعتقد أنه يمتلك ردودا جاهزة على كل مسائل العالم. [35]
4- أوهام الهوية عند داريوش شايغان
ينتقد شايغان الوهم المزدوج، لمثقفين آسيويين تحدثوا في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، عن إمكانية اقتباس التقنية الغربية، مع المحافظة التامة على الهوية الثقافية. فيقول: “ليس بوسعنا احتضان التكنولوجيا والبقاء في أمان من تبعاتها الاستنزافية، فالتكنولوجيا بحد ذاتها حصيلة تحول فکري ونتيجة نهائية لمسيرة عدة آلاف من السنين؛ التقنية بالضرورة تعبر عن غاية ومضمون التفكير الغربي وخصائصه، وهي عبارة عن اختزال الطبيعة إلى شيئية الأشياء، والعقل إلى أداة ووسيلة، والإنسان إلى الغرائز، وتفريغ الزمان من أي معنى للمعاد، وبالتالي اختزال الإنسان في بعد واحد”. [36]
پری شایغان أن مهمة المثقفين الآسيويين من أجل مقاومة وباء الغرب، يتمثل بصيانة هويتهم الثقافية عبر العودة إلى ذاكرتهم الأزلية، وإعادة اكتشاف الرسالة المضمرة في تلك الذاكرة، ويعني بالذاكرة الموروث، الذي لا يرتبط بشخص معين، بل هو ذو طابع جماعي، يشكل الذاكرة القومية لكل مجتمع، وهذه الذاكرة تكون أنساب وجذور ذلك المجتمع، وهي التي تمكنه من التواصل مع الأحداث الأزلية والأساطيرية. لذلك تنعت بأنها «أزلية». الذاكرة الأزلية في مفهوم شايغان مستودع للكينونات، متعالية على الماضي والحاضر والمستقبل، والرسالة المشتقة منها هي التي تصوغ إنسانية الإنسان.[37]
ويستهجن شايغان وصف الشرق، بأنّه ساكن متحجر، يقدس الماضي، لأنّ ذلك يعني لديه وفاء الشرق للذاكرة الأزلية. كذلك يرفض ما يسميه فرنسيس بيكون «الأصنام الذهنية»، لأنها هي «الأمانة» الأبدية في ذاكرة المجتمعات الشرقية. ويحاول تبعا لأحد العرفاء- محمد اللاهيجي- صياغة تأويل لمفهوم «الأمانة» الوارد في الآية الكريمة في قول تعالى: « إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا»[38]؛ يتلخص في أنّ المقصود بالأمانة هنا هي الأمانة الجامعة الشاملة لجميع الأسماء والصفات الإلهية، وما الإنسان إلّا مرآة لكافة الأسماء والصفات الإلهية.[39].
أما المقصود ب “السماء” في الآية فهو عالم الجبروت أو عالم الأرواح. و«الأرض» فيها تشير إلى عالم الملك والشهادة. بينما «الجبال» هي المظهر لعالم المثال، الكائن بين عالمي الجبروت والشهادة، عرض الله هذه الأمانة على العوالم الثلاثة فرفضت حملها، ذلك أنّ قابلیتها الذاتية قاصرة ولا تتسع لحملها. غير أنّ الإنسان استجاب للعرض، لأنّه «ظلوم جهول» ، وظلوم هنا، بحسب ابن عربي، بمعنى الظلمات وليس الظلم، باعتبار الإنسان في نهاية قوس النزول والظهور، فإنّ أحد مراتبه مظلم عدمي، أما “جهول”، فتعني الجهل بما سوى الحق، فهو عالم بالحق جاهل بغيره، وهذه غاية المدح وإن تبدت على شكل ذم في الظاهر [40].
فالهوية الذاتية، والذاكرة القومية، والحكمة الخالدة، والودائع أو الأمانات والمآثر التاريخية، كلمات تحيل إلى ما اصطلح عليه شایغان “الأصنام الذهنية والذاكرة الأزلية”. والمضمون المشترك بينها هو الموروث، أو الميراث، أو المأثور، أو التراث،.[41]
5-هوية بأربعين وجها أو الهويات المتنوعة:
انتقد شايغان مفهوم الهوية، الأصيلة، النقية، الأبدية، الرتيبة، القارة، الساكنة، البسيطة، أحادية البعد، المغلفة ، فعمل على تفكيكه، ونقضه، وتقويضه، ثم صاغ مفهوما آخر للهوية، مشتقة من عصرنا، وما تسوده من أنطولوجيا مهشمة، وتزامن للثقافات المتنوعة، اصطلح عليها «الهوية أربعين قطعة». وهي هوية مركبة، منسوجة من شبكة من الترابطات الدقيقة، وكأنها ثوب يخاط بأربعين قطعة من قماش ذي ألف لون، ذلك أن التعددية الثقافية واختلاط القوميات، وتمازج الأفكار، والتهجن المضطرد، كلها ظواهر تجعلنا مستعدين لهوية مركبة. في هذه الثقافات تبدو الهوية عامة ونتيجة في الوقت نفسه للون من التمازج اللغوي والعرقي، أي إنها تعمل كالجذمور الريزوم[42] Rhizome بمصطلح دولوز[43]Gilles Deleuze .
يتحدث شایغان عن أن العلاقات على المستوى الثقافي تكتسب شكلا جذموريا “ريزوميا”، فينبثق نموذج مرقع أو مخرم، تصطف فيه جميع الثقافات بجوار بعضها بطريقة موزائيكية، خالقة في ما بينها من الفراغات مساحات تلاقح واختلاط ثقافي، وعلى المستوى المعرفي، تتجلى هذه الظاهرة في وجود طیف من التفاسير المتنوعة. وحيث إنّ الحقائق العظمى التي كانت عماد الأنطولوجيات في السابق، قد سقطت عن الاعتبار في الوقت الحاضر، سيتحول وجودها المحطم إلى عملية لا متناهية من التفسير في المناحي المختلفة، فيغدو من صلاحية كل إنسان أن يؤول مختلف جوانب الوجود بحسب قيمة الذهنية الخاصة. وعلى مستوى الهوية، يتبلور الارتباط المتقابل في ظاهرة يمكن تسميتها الأربعين رقعة تنم عن تنوع واتساع في هويات متعددة، تتسم بتجاور وتراكم شتى أنواع الوعي، بحيث تعجز أي ثقافة بمفردها عن تلبية المديات المتسعة للوعي البشري.[44]
ف «الهوية الريزومية أو الجذمورية» عند شايغان هي عبارة عن جذور تذهب لاستقبال جذور أخرى. ليس المهم في مثل هذه الظروف استقلال الجذور وخلوصها المطلق، إنّما المهم أسلوب اقترابها من الجذور الأخرى، أي ارتباطها بغيرها من الجذور.[45]
فالجذمور متعدد بطبيعته، وتعدديته متحررة من كل قيود الوحدة والمركزية، فالنظام القائم على تعدد القطع يمثل ریزوما يختلف عن الجذور وتفرعاتها. فهو عامل الترابط والتوليد، وبمقدوره صناعة شبكة غير متناهية، فكل نقطة منه بإمكانها التلاحم مع أي نقطة أخرى منه، حتى لو كسر أو تمزق بوسعه استئناف حياته والنمو في جهات أخرى. ومع أنّه متكون من طبقات و بحاجة إلى مكان، إلا أنّ بمقدوره الانفصال عن الأرض والسير عليها، وإيجاد شبكات ارتباط جديدة، باستطاعة الجذمور أن يربط بين أنظمة جد متفاوتة بل وغير متجانسة، فهو لا يتشكل من وحدات مختلفة، بل من تجمع جهات متباينة، أي إنه بلا بداية ولا نهاية، وهو في الطريق دوما، فماهيته تتغير بلا توقف، فهو إذ يعيش استحالة أبدية، ويختلف عن الشجرة في أنه ليس من نتاج التلاقح، إنما هو عدو الأنساب، ذاكرته قصيرة، بل يمكن القول إنه ضد الذاكرة أيضا.[46]
الجذمور نظام يفتقد المركزية والتراتبية خلو من التوجيه والقيادة، إن فهو أسلوب للربط بين أمور متكثرة عديدة، تتغير ماهيته بموازاة ازدياد ترابطاته. الهوية النقية لم يعد لها وجود موضوعي، بسبب انهيار العوالم المؤسسة لها، ثم إنها إذا تكبلت بقيود ثقافية نقية وخالصة كما تسمى، فستؤول غالبة إلى تحجر الهوية، إن كل هوية مهما كان انتماؤها العربي والقومي، هي على كل حال تركيبة وکیان هجين، يحمل ترسبات كل الأشكال والطبقات النفسية الناتجة عن تلاقحات سابقة، ويكتنف في داخله بقايا تنقلات سكانية سالفة، فينميها في بوتقته ويطورها, وإنه على الرغم من محاولات التطهير العرقي، وما يواجهه التمازج من صدود ومقاومة فإن العالم سائر لا محالة صوب التمازج، الظاهرة التي تشكل مصير الكوكب الأرضي، وتدل بلا جدال على شكل مرقع ينتظره عالم الغد.[47]
ومن أجل ألا نتوزع «أربعين قطعة»، نلوذ كطفل بائس رقيق بصدر دافئ يمثل انتماء واحدا، ولا نسمح بدخول الآخرين، فالفضاءات المتنوعة التي تخلع علينا ثيابها ذات الأربعين قطعة، أدت إلى أن نكون رغم إرادتنا منفيين أبديين نترقب على الدوام أجراسا تقرعها واحات السراب في البيداء, كلما كانت هويتنا الأولى عرضة للتمزق أكثر، كلما لذنا بقوقعتنا أكثر، وتجنبنا الأسفار والمغامرات.[48]
فالأربعون قطعة، بحسب شيغان، هي الفضاءات المتنوعة المركبة التي تصنع كياننا من الناحية التاريخية والمعرفية، وهي ليست في مستوى واحد، فكل إقليم يمثل مستوى من مستويات الوعي، وكأننا ونتيجة لعمليات صعبة الإدراك نجمع في دواخلنا كل أحقاب التاريخ الإنساني بشكل مختلط. ولهذه المستويات طبعاً حياتها بالقوة، والتي لا تنتقل إلى حيز الفعل حين الارتباط والتواشج. ولكن بما أنّنا نعيش في عالم ذي مستويات ظهور متفاوتة، والأطر المعرفية التي تكتنف هذه المستويات جد متنوعة، فإن تجليها غیرممکن إلا عبر الاختلاط[49].
ينحاز شایغان لقيم الأنوار، ويعتبر منجزات عصر الأنوار منجزات لكل الإنسانية، ويدعو الشرق لتقبل مرتكزات الأنوار الرئيسية. كذلك يأمل بأن يعيد الغرب لإقليم الروح الضائع قيمته ومكانته. إنّ الاصطفاف المتزامن لشتى الثقافات إلى جانب بعضها، تؤشر إلى تزامن مستويات الوعي المختلفة، فيشعر الإنسان حيال هذا التنوع وكأن أعماق الذاكرة الإنسانية ما زالت تحتفظ ببعض الأشياء السحيقة القدم، ولم يمح منها كل شيء، جميع ترسبات الوعي الإنساني القديمة التي أقصاها الإنسان نفسه، وأحل مكانها ترسبات وطبقات أخرى أنسب لروح الزمن، ها هي اليوم تتبرعم وتستفيق تارة أخرى.
التزامن حلَّ اليوم محل التوالي، كافة النماذج المعرفية، وجميع مستويات الوعي، منذ العصر الحجري وحتى ثورة المعلومات، تطالب الآن بحقوقها ونصيبها، وبالطبع، فإنّ ظهورها يستتبع بروز مشكلة أخرى، ألا وهي تعايشها، تتجمع مستويات الوجود المختلفة إلى جوار بعضها وتتبادل الأماكن، وتصطدم وتتلاقى، إذ لا يتسنى بعد اليوم تكبيلها بالسلاسل وجرها تلو بعضها على نسق خطي، هذه الترسبات المختلفة تظهر بنحو متزامن، وكان السدود التي طالما أوقفتها عند حدود معينة، قد انهارت وتحطمت على حين غرة.[50]
أضف إلى ذلك، أنّ كل واحدة من هذه الطبقات لها مقطعها الخاص، وسمكها الذي تختص به لوحدها، وطرق مشاهدتها وحسها التي لا تشاركها فيها غيرها، كيف يمكن الفصل بين ترسبات تتلاقي مع بعضها دوما وتتشكل بصور توفيقية غير متناسقة، ومخادعة أحيانا؟ كيف يتسنى التمييز بينها، ووصف الأوامر التي تقرب بين مستويات الوعي المختلفة، وما ينبثق عن هذه الأوامر من ثمرات متنوعة؟[51] وعلى حد تعبير فوكو: کيف يتاح تحديد نقطة انعطاف خط مخفي، وصورة لخطة مصيرية، وحدود ذبذبة، وأعتاب فعل من الأفعال، ولحظة اختلال علّية دورية؟[52]
من البيّن أنّ النغم الثقافي في العالم متعدد الأصوات، وما أكثر الأصوات النشاز وغير المتناسقة في عصرنا الراهن، إنّنا الآن إزاء اختلاط مرتبك للأنواع والصنوف، والتراكيب الجامعة للمتناقضات، وشتى ضروب المزج والتلاقح، الآن وقد اصطفت طبقات الترسب الثقافي إلى جانب بعضها، بدل أن تتراكم على بعضها، فإن شكل العالم قد تغير جذريا، ووقع أسير قبضة الإرباك أكثر مما كان عليه في السابق، الخطابات اليوم هزيلة تشكو من الإعياء، ولهذا أمست كل التراكيب ممكنة، حينما نلقي نظرة على تاريخ العقائد التي سادت الغرب، نلفي ظاهرتين مترافقتين عند كل نقطة وانفصال: ظهور رؤية جديدة، وتراجع رؤية قديمة، لو تقضينا هذه الظاهرة زمنا طويلا، لاكتشفنا عدم زوال أي شيء في خضم هذه التحولات، الخطابات تغير أماكنها، وتنكفئ إلى ملاذها بانتظار دورها للظهور ثانية.[53]
بناء على هذا، فإنّ هذه الحضارة العالمية التي استغرقت كل الكوكب الأرضي في الوقت الذي تكفل فيه حرياتنا الأساسية بكل حسم، فهي تعاني من نواقص عدة، لهذه الحضارة تصدعات وأخاديد :الافتقار إلى الوجد والحيوية، والانسلاخ عن العواطف الدينية والتقليدية، حالات توطئ الأرضية للخيال کي يصول ويجول وبأغرب صوره وأكثرها وهما. فقدان المدينة الفاضلة في هذه الثقافة، يجعل كل مستويات الوعي، أي ثقافات العالم المختلفة ممكنة، ويخلع لبوس التحقق على أغرب التلاقحات الثقافية وابعدها عن العقل والتصديق، من هنا تحديدا تنبثق مشاعر الإعجاب بالأمور الغريبة الخاصة، وأنساق الحياة غير المألوفة، والرؤى الموروثة، والصدامات النيزكية، والمعارك القومية، وشتى صور الوطنية المتطرفة، ذلك أن التنوع المترف في العالم، والذي غدا مزيجاثريا خصبا، وبدا متناسقا رغم احتوائه الكثير من الأشكال و الألوان، لن يفرز تراكيب و تشكيلات ناجحة حصريا، بل يجود أيضا بصدامات ومواجهات قاتلة ، وتأكيدات صارمة على الهوية.[54]
بالرغم من هذا التنوع، فنحن نعيش في حضارة عالمية، على حد تعبير فاكلاف هافل:” إنّنا نعيش في عالم يستظل لأوّل مرة طيلة تاريخه بمظلة حضارة واحدة”[55]. ولا جرم أنّ أبرز المفكرين المعاصرين لهم خلافاتهم النظرية بشأن ماهية هذه الحضارة، البعض يعتبرها ثمرة النزعة العدمية، وطائفة تراها نهاية الميتافيزيقا، وفريق يؤشر إلى ما تعانيه من انحطاط اخلاقي وفقر دم مبدئي، مهما كانت السمات المتناقضة، والإيجابية، والسلبية التي تنعت بها هذه الحضارة، يتوجب الاعتراف بأنّها من حيث هي تحقق موضوعي لوعي تأملي لدى الإنسان المعاصر، تقبل الانشطار لتطل على نفسها من الخارج، فتتيح ضربا من المراجعة لكل أطوار الإنسانية التكاملية، وتستطيع أيضا استعراض هذه الأطوار إلى جانب بعضه. لأن الرؤى القديمة حبيسة مستوى إدراكي معين، لم يكن بوسعها اكتساب طابع خارجي (الفكر التقليدي ليس بمقدوره الخروج عن ذاته ونقدها).
بينما تقدر الحداثة على التحليق في مستويات إدراكية مختلفة، وصياغة تقييمات صائبة لها، من دون انتماء لثقافة محددة، هذه الحضارة المنفتحة بطبيعتها، ذات وعي نسيي استيعابي للأشياء، ومن شأن هذه السمات أن تؤهل الحضارة الحالية لربط كل مستويات الوعي البشري المتحركة مع بعضها بنحو متزامن.[56]
خاتمة
إنّ عصرنا بوجه خاص هو عصر النقد، الذي يجب إخضاع كل شيء له ،إنّ النقد لقاح أمراض الحضارة، وميزة الغرب أنه يستطيع أن ينتج لقاحاته، ليقي نفسه من الأمراض، ويتغلب على أزماته، التي تنتهي به إلى الانهيار، وإن افتقار مجتمعاتنا للنقد، يمنعها من التغلب على الأزمات الکبری، خلافا للغرب والولايات المتحدة التي سرعان ما تشن عاصفة من النقد ضد نفسها، فتجدد بنيتها، وإن كان بمشقة وصعوبة في الغالب، لتتأقلم مع الأوضاع والظروف الجديدة، و هذا ما يؤكده غي سورمان بقوله: “لو أريد مني أن اختار من بين العناصر البانية لقوة الغرب واحدة فقط، لاخترت القدرة على النقد، الباعثة على التنافس بين النظريات. طالما حافظنا على هذه القدرة، لن تستطيع المجتمعات الفاقدة لها ثقافية أن تسبقنا. النقد والنقد الذاتي، وهي مفاهيم أوروبية، لا تترسخ في آسيا إلا بصعوبة، الحضارات الآسيوية بدل أن تنقطع عن الماضي لتتمكن من الإبداع، تجتر نفسها لكي تبلغ الكمال”[57].
ما تفتقده مجتمعاتنا هو القدرة على دراسة أخطائها، وروح النقد، والشجاعة في الكشف عن عيوبها وأزماتها المزمنة، والاستقلال المؤسساتي، والفردي، الذي يمكنّها من إجراء عمليات جراحية لازمة للقضاء على أمراضها الاجتماعية.
لن نتجاوز تخلفنا وتبعيتنا إلا بالنقد العقلاني والرؤية التاريخية لجذور التخلف والتعبئة في فكرنا وواقعنا على السواء.
لن نتجاوز تخلفنا وتبعيتنا، إلا بالامتلاك المعرفي بحقائق الثورة العلمية الجديدة ثورة المعلوماتية، دون انتظار لاستكمال امتلاكنا المعرفي المؤجل المحدود المجهض للثورات العلمية السابقة.
لن نتجاوز تخلفنا وتبعيتنا إلا بمشروع نموي قومي شامل ذي أبعاد اقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية وإعلامية وقومية، مشروع يستوعبه تراثنا العربي الإسلامي استيعابا عقلانيا نقديا ويضيف إليه، ويستوعب حقائق عصرنا الراهن استيعابا عقليا نقديا كذلك ويضيف إليه.
نتجاوز ونتحرر ونتقدم بأن نعي حقائق واقعنا القومي ونسعى لتوحيده في مراعاة واحترام لاختلاف وتنوع خصائصه وملابساته، دون أن ننغلق على العصر بوحدتنا وهويتنا القومية.
فهويتنا ليست كينونة جاهزة مكتملة، بل هي صيرورة متصلة ومشروع مفتوح دائما على الجديد والمستقبل، ولهذا ننفتح على العصر إغناء وتعميقا لهويتنا ومشاركة فاعلة فيه.
إنّ السمة التي تميز ذهنية نهاية القرن العشرين، هي النظر الداخلي وإعادة النظر في تاريخ الفكر، وكأن كل شيء سبق أن قيل وتم الشعور به، والتفكير فيه، وعولج بصورة دقيقة، فالتفكير هنا یعنی بذاته ليشاهد نفسه في مرآة تكوين نفسه، إنه يريد معرفة مرتكزاته، وتقطعاته، وقفزاته، وتغيراته. ما عاد الفكر مكترثا لعملية خلق العالم من العدم، کي يقلد صانعيّة الله، أو ليعيد ممارسة شيء هو من اختصاص الخالق عن طريق التعمق الميتافيزيقي، إنما ينشد رسم صورة لمسار تكامل الثقافة الإنسانية وما بلغته من مستويات وعي تأملية، ذلك أن التغير والتكامل من صميم مادة الوجود.
قائمة المصادر والمراجع :
أولاً المصادر:
- داريوش شايغان، أوهام الهوية، ترجمة محمد علي مقلد، دار الساقي ،ط1، بيروت 1993
- داريوش شايغان، النفس المبتورة (هاجس الغرب في مجتمعاتنا)، دار الساقي، ط1، لندن، 1991.
- داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، ترجمة حيدر نجف، مركز دراسات فلسفة الدين،بغداد،ط1، 2016.
ثانيًا المراجع:
- أبو زكريا يحي بن خلدون ، بقية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ، ج:1، تقديم وتحقيق وتعليق د. عبد الحميد حاجيات ، إصدارات المكتبة الوطنية بالجزائر(1400ه / 1980م).
- أحمد منور، أزمة الهوية في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية، رسالة دكتوراه مخطوطة، جامعة الجزائر،1420ه/ 2000م.
- الزواوي بغورة ،الخطاب الفكري في الجزائر ، دار القصبة،الجزائر،2003.
- أمين معلوف ، الهويات القاتلة ، دار ورد ، دمشق ،1999.
- سالم حداد، صراع الهوية بين الأنا والأخر ، دار الأطلسية للنشر ،تونس، ط(1) 2000.
- طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاتيح اصطلاحية جديدة معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع ، ترجمة سعيد الغانمي، المنظمة العربية للترجمة، ط1،بيروت، أيلول (سبتمبر)2010.
- عبد الجليل الكور، تساؤلات التفلسف وتضليلات اللغوى ، الأردن، إربد: عالم الكتب الحديث،2013.
- عفيف البهنسي، الهوية الثقافية بين العالمية والعولمة، منشورات وزارة الثقافة،الهيئة العامة السورية للكتاب 2009.
- مالك بن نبي: مشكلة الثقافة، ترجمة عبدالصبور شاهين ،دار الفكر بدمشق، ط4، 1980.
- محمود أمين العالم، الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، دار المستقبل العربي، بيروت الطبعة الثانية، 1990.
- مولود قاسم نايت بلقاسم، أصالية أم انفصالية،ج2، الجزائر، دار الأمة للطباعة و النشر و التوزيع،2007
- ياقوت الحموي، معجم البلدان، المجلد الأول، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت
- (1404ھ/ 1984.).
ثالثا قائمة المراجع باللغة الفرنسية:
1-Michel Foucault, L’archéologie du savoir, Gallimard, Paris, 1969.
2-Vaklav,Havel,Il est permis d’espérer, trad. Par Barbara Faure, Calmann-Levy, Paris, 1997.
- Guy Sorman, Le monde est ma tribu, Fayard ,Paris, 1997.
- Robert, Paul,Le petit Robert, sejer, Paris, France, 2010.
رابعا المجلات:
عبد القاضي محمد أحمد، الإسلام والعروبة في المغرب العربي ، مجلة قضايا عربية ، السنة السادسة، عدد2، حزيران 1979.
[1] فرنسيس فوكو ياما، نهاية التاريخ والإنسان الأخير، إشراف وتقديم مطاع صفدي، المركز الإنماء القومي، بيروت، 1993، ص، 183
1-عبد القاضي محمد أحمد، الإسلام والعروبة في المغرب العربي، مجلة قضايا عربية، السنة السادسة، عدد2، حزيران 1979 ص 263.
[3]-أحمد منور ، أزمة الهوية في الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة الفرنسية، رسالة دكتوراه مخطوطة، جامعة الجزائر،1420ه/ 2000م، ص8.
[4] -Robert, Paul,Le petit Robert, sejer, Paris, France, 2010, p1272.
[5]-الهوية، محمد عابد الجابري، الموسوعة الفلسفية العربية، رئيس التحرير معن زيادة، المعهد الإنماء القومي، بيروت، ط1، 1986، ج1، ص821.
[6] مجمع اللغة العربية، المعجم الفلسفي، تصدير إبراهيم مدكور، الهيئة العامة لشؤون المطابع الآميرية، القاهرة، د. ط. 1983، ص 208.
[7] المرجع نفسه، ص 207.
[8]– سالم حداد، صراع الهوية بين الأنا والأخر ، دار الأطلسية للنشر ،تونس، ط(1) 2000، ص8.
[9]– الزواوي بغورة ،الخطاب الفكري في الجزائر ، دار القصبة،الجزائر،2003،ص 126.
[10]-أمين معلوف ، الهويات القاتلة ، دار ورد ، دمشق ،1999،ص13.
11- عبد الجليل الكور، تساؤلات التفلسف و تضليلات اللغوى ،الأردن، إربد: عالم الكتب الحديث،2013،ص76.
[12]-المرجع نفسه، ص.76
[13]-مولود قاسم نايت بلقاسم، أصاليه أم انفصالية،ج2، الجزائر، دار الأمة للطباعة و النشر و التوزيع،2007،ص367.
[14]-محمود أمين العالم، الفكر العربي بين الخصوصية والكونية، دار المستقبل العربي، بيروت، الطبعة الثانية،1998،ص17.
[15]-مالك بن نبي، مشكلة الثقافة، ترجمة عبدالصبور شاهين ،دار الفكر بدمشق، ط4، 1984، ص19.
[16]– طوني بينيت، لورانس غروسبيرغ، ميغان موريس، مفاتيح اصطلاحية جديدة معجم مصطلحات الثقافة والمجتمع ، ترجمة سعيد الغانمي، المنظمة العربية للترجمة،ط1،بيروت، أيلول (سبتمبر)2010، ص227.
[17]-نعمان عباسي، العولمة الثقافية الغربية و الهوية الإسلامية، سلسلة أعمال الملتقيات، مخبر علم اجتماع الاتصال للبحث و الترجمة، 2010، ص218-219.
[18]-ياقوت الحموي، معجم البلدان، المجلد الأول، دار صادر للطباعة والنشر، بيروت ( 1404ھ/ 1984.)،المجلد(1)،ص 328.
[19]-أبو زكريا يحي بن خلدون ، بقية الرواد في ذكر الملوك من بني عبد الواد ، ج1، تقديم وتحقيق وتعليق د. عبد الحميد حاجيات ، إصدارات المكتبة الوطنية بالجزائر(1400ه / 1980م)،( الجزء) ص178/179.
[20]-عفيف البهنسي، الهوية الثقافية بين العالمية والعولمة، منشورات وزارة الثقافة ،الهيئة العامة السورية للكتاب 2009، ص92.
[21] المرجع نفسه، ص93.
[22]-الرجع نفسه، ص93.
[23]-داريوش شايغان، أوهام الهوية، ترجمة محمد علي مقلد، دار الساقي ،ط1، بيروت ،1993،ص51.
[24]-المصدر نفسه،ص119.
[25]-داريوش شايغان، أوهام الهوية،مرجع سابق ،ص120
[26]المصدر نفسه،ص54.
[27] المصدر نفسه، 54
[28] المصدر نفسه، 55
[29]– داريوش شايغان، النفس المبتورة (هاجس الغرب في مجتمعاتنا)، دار الساقي، ط1، لندن، 1991،ص11/12.
[30] المصدر نفسه ، ص 12
[31] المصدر نفسه، ص 13
[32]-النفس المبتورة ،(هاجس الغرب في مجتمعاتنا)، مرجع سابق،ص13.
[33]– المصدر نفسه،ص36.
[34]-النفس المبتورة ،(هاجس الغرب في مجتمعاتنا)، مرجع سابق،ص39.
[35]-المصدر نفسه،ص40.
[36]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، ترجمة حيدر نجف، مركز دراسات فلسفة الدين،بغداد،ط1، 2016، ص18.
[38]-سورة الأحزاب،آية72.
[39] الهوية بأربعين وجها، مصدر سابق، ص20
[40]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مرجع سابق،ص19.
[41]– المصدر نفسه،ص22.
[42]-Rhizomatique الساق الدفينة في التراب من بعض النباتات والمسؤولة عن نمو النباتات. ينمو الريزوم كل عام بمقدار معين في الاتجاه الأفقي، فتظهر منه أجزاء جديدة لذلك لن يموت الريزومحتى لو قطع بالات زراعية وذلك خلافا للجذور، وانما تتولد عنه عدة نباتات.
[43]Gilles Deleuze et Félix Guattari, Mille Plateaux. Minuit, Paris, 1980.
[44]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مصدر سابق،ص28.
[45]-المصدر نفسه، ص109.
[46]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مصدر سابق، ص29.
[47]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مصدر سابق، ص112.
[48]-.داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مصدر سابق،ص29.
[49]-المصدر نفسه،ص29.
[50] المصر السابق، ص 34
[51]-المصدر نفسه،ص36.
[52]-.Michel Foucault, L’archéologie du savoir, Gallimard, Paris, 1969 P.17
[53]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مصدر سابق،ص37.
[54]– المصدر نفسه،ص40.
[55]-Vaklav Havel ,Il est permis d’espérer, trad. Par Barbara Faure, Calmann-Levy, Paris, 1997. P16
[56]-داريوش شايغان، هوية بأربعين وجها، مصدرسابق،ص42.
[57]-Guy Sorman, Le monde est ma tribu, Fayard ,Paris,1997, P223.