
الجذور المعرفية والفلسفية للمناهج النقدية المعاصرة: المنهج التفكيكي نموذجاً
The cognitive and philosophical roots of contemporary critical approaches: the deconstructive approach as a case study
ذ:محمد بلعيد باحث في سلك الدكتوراه بالكلية المتعددة التخصصات تازة- المغرب
Mohammed Belaid ـ Multidisciplinary Faculty of taza ـ Morocco
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية العدد 53 الصفحة 115.
ملخص:
قد لا نبالغ إذا قلنا إن التفكيكية هي أهم منهج نقدي ظهر في العصر الحديث، لذا سنحاول في هذا المقال التعريف بها وبمؤسسيها، ورصد أهم جذورها المعرفية والفلسفية، وتجلياتها في عالم الإبداع. هادفين من وراء ذلك إلى لفت الانتباه إلى ضرورة التركيز على الجانب اللامرئي للمنهج في أي تعامل عملي ملموس.
الكلمات المفاتيح: التفكيكية – الجذور الفلسفية- الجذور المعرفية- آليات التطبيق.Abstract:
we are not exaggerating if we say the “deconstruction” is the most important critical method that appeared in the modern era. In this article; I will deal with the definition of deconstruction; its founders; and its cognitive and philosophical roots. Then; I will focus on the aspects of these roots while doing comparison of literary texts. The aim of this study is to make people focus more on the hidden side of this method when dealing with any tangible work.
مقدمة:لا يختلف اثنان على أن المناهج النقدية المعاصرة، هي ثمرة ثقافة غربية محضة وإفراز من إفرازاتها المادية الصرفة. وهذا يعني أن أي منهج نقدي، قبل أن يكون أدوات إجرائية، هو رؤية وتصور عن العالم والوجود والتاريخ والإنسان. فالمنهج، ينطوي على جانبين متناسقين، متلازمين، بفضلهما تتحد معالمه وتتضح اتجاهاته وأبعاده ومراميه. أولهما ظاهر مرئي، يتمثل في أنه أداة أو وسيلة إجرائية يستعين بها الناقد على تأدية أغراضه. وثانيهما لا مرئي يتمثل في كونه وجهة نظر، وخلفية معرفية.(( فهو أي المنهج ليس فقط- كما يظن البعض- مجرد أدوات تساعد الباحثين على ضبط خطواتهم في التعامل مع القضايا التي يدرسونها، سواء أكانت نصوصا أو موضوعات، مما يبقي الخلفية الابستمولوجية المؤطرة لكل منهج خارج إطار تصورهم الضيق لحجم المشكل وتشعباته، ولا تؤخذ بعين الاعتبار أي تعامل عملي ملموس))[1] بل على النقيض من ذلك، فإن ممارسة المنهج ليست منفصلة بأي حال من الأحوال، عن وجهة النظر أو الخلفية المعرفية المؤطرة له، ذلك (( أن اختيار الوجه الظاهر لمنهج معين ليست عملية اعتباطية ولا مجانية، وإنما هو اختيار مقصود مرهون بتصور نظري، ضمني سابق، يحدده ويوجهه، وبتعبير آخر، إن القسم الظاهر للمنهج، ليس سوى الترجمة العملية والإجرائية، أو بمعنى أدق الإجابة الصريحة والعلنية على الأسئلة الضمنية التي يطرحها قسمه الخفي اللامرئي)).[2]يترتب على ذلك أن المناهج النقدية المعاصرة ((ارتبطت ارتباطا عضويا، لا انفصال له بالثقافة الغربية، في مراحل تطوراتها المختلفة، وخاصة الجانب الفلسفي من هذه الثقافة)).[3] والمنهج التفكيكي على غرار المناهج الأخرى يضرب بجذوره العميقة في أغلب الفلسفات الأوروبية، حيث نجد له ظلالا من الفلسفة العبثية والوجودية مرورا بالفلسفة العدمية وفلسفة الشك والفلسفة الظاهراتية. وعليه، فإن تبني أو استقطاب هذا المنهج، لا يطرح إشكالية مدى أقلمة أدواته الإجرائية فحسب، بل يطرح مسألة المقولات والمفاهيم الغريبة عن الذائقة العربية، مما يتطلب أخذ الحيطة والحذر والمعرفة الشاملة بجذوره الإبستمولوجية والفلسفية. وإذا علمنا تماما أنه ما من منهج نقدي إلا ويستقر على أصول معرفية فلسفية وفكرية، فالنقد الواقعي، مثلا تعود أصوله إلى الفلسفة الماركسية، والنقد النفسي تعود خلفياته الفكرية إلى الفلسفة الفرويدية. والنقد البنيوي يرجع إلى الفلسفة الكانطية دون ذات متعالية. فإن من حقنا التساؤل عن الجذور المعرفية والفلسفية التي يتأسس عليها المنهج التفكيكي.من هنا تستوقفنا أسئلة أهمها: ما التفكيكية؟ وما مرتكزتها الأساسية؟ وما جذورها الفلسفية وأسسها المعرفية وآليات التحليل التفكيكي للنصوص الأدبية ؟
في تعريف المنهج:
لعل أصعب مهمة قد تسند إلى أي ناقد/باحث في أي دراسة علمية هي تقديم تعريف دقيق للمصطلح المراد مقاربته، ولاشك أن المنهج كغيره من المصطلحات الغامضة والمعقدة التي تظل مفاهيمها مضطربة، فمن الصعب إعطاء مفهوم حاسم ودقيق وشامل مانع للمنهج. ليس أدل على ذلك كثرة التعريفات التي تظل منثورة هنا وهناك تبعا للزاوية التي ينظر منها كل ناقد/باحث. الشيء الذي يجعل تعريف المنهج أمرا صعب التحديد وكأنه تصور ذهني يستحيل تبيانه. غير أن الناقد سيد البحراوي يطرح تعريفا معرفيا لمصطلح المنهج يكاد يشفي غليل كل متطلع إلى مفهوم محدد وذلك حين يقول:(( إن المنهج هو مجموع من الخطوات الإجرائية المناسبة لدراسة الموضوع، تعتمد على أسس نظرية ملائمة وغير متناقضة معها. أي أن التناسب والتناسق لابد أن يتم بين جوانب ثلاثة: الأصول النظرية للمنهج، وأدواته الإجرائية والموضوع المدروس))[4] بتعبير آخر، المنهج هو جملة من الأدوات الإجرائية المنبثقة عن رؤية فلسفية أو فكرية يستخدمها الناقد في تحليل النصوص الأدبية بطريقة متكاملة. ومعناه ((أن المنهج كطريقة في التعامل مع الظاهرة موضوع الدراسة، تعتمد على أسس نظرية ذات أبعاد فلسفية، وأيديولوجية بالضرورة، وتملك-هذه الطريقة-أدوات إجرائية دقيقة ومتوافقة مع الأسس النظرية المذكورة وقادرة على تحقيق الهدف من الدراسة))[5] وبناء عليه، فإن المناهج النقدية تستمد مبادئها النظرية وأدواتها الإجرائية من نظريات فلسفية تمدها بمجموعة من الخلفيات المعرفية التي لا يستقيم العمل التحليلي المنهجي دونها. يترتب على ذلك أن أي منهج نقدي له مظهران: مرئي/لا مرئي، مرئي حين نعتبر المنهج نسقا من الأدوات الإجرائية المساعدة على ضبط خطوات البحث. ولا مرئي متمثل في الرؤية المعرفية أو الخلفية الفكرية المؤطرة له (( لقد شاع أن المنهج مجرد وسيلة للبحث عن المعرفة وفحصها، أي مجرد خطة مضبوطة بمقاييس وقواعد وطرق تساعد على الوصول إلى الحقيقة وتقديم الدليل عليها. هذه مجرد أدوات إجرائية، وهي في نظرنا لا تمثل إلا جانبا واحدا من المنهج أقترح تسميته بالجانب المرئي في المنهج، لكن هناك جانب آخر غير مرئي باعتبار المنهج أولا وقبل كل شيء وعيا ينطلق من مفاهيم ومقولات ذاتية، وتنتج عنه رؤية ويتولد تصور وتمثل للهدف من المعرفة. من هذين: الجانبين: المرئي واللامرئي يتكون المنهج)).[6]
في ماهية التفكيك:
يعتبر مصطلح “التفكيك”(Déconstruction) من المصطلحات الزئبقية التي لا يمكن القبض عليها قبضا رياضيا، ذلك أنه ينتمي إلى اتجاه فلسفي ونقدي يرفض التعريف والتحديد، والانضباط والثبات. فهو مضلل وغامض(( مضلل في دلالاته المباشرة لكنه ثر في دلالاته الفكرية، فهو في المستوى الأول، يدل على التهديم والتخريب والتشريح، لكنه في مستواه الدلالي العميق، يدل على تفكيك الخطابات والنظر الفكرية، وإعادة النظر إليها بحسب عناصرها والاستغراق فيها وصولا إلى الإلمام بالبؤر الأساسية المطمورة فيها))[7] وهو غامض حين يعتقد جاك دريدا (1930-2004) نفسه أن التفكيك ((ليس منهجا، كما أنه ليس نظرية، وليس تحليلا analyse ولا نقدا .critique..ليس منهجا لأن الهدف هو منع احتواء التفكيك أو تدجينه. وليس تحليلا لأن تفكيك عناصر بنية لا يعني الرجوع إلى العنصر البسيط، إلى أصل غير قابل لأي حل. وهو ليس نقدا، لا بالمعنى “الكانطي”. إن هيئة (القرار، الاختيار، الحكم، التحديد) هي نفسها، شأنها في هذا الشأن جهاز النقد المتعالي كله، تشكل أحد “الموضوعات” أو “الأشياء” الأساسية التي يستهدفها التفكيك))[8] فالتفكيك بهذا المعنى، يشمل المجالات النقدية المتعالية ويتجاوزها في الوقت ذاته. كما أن كلمة تفكيك لا تستمد قيمتها عند دريدا (( إلا من خلال إدراجها في سلسلة من البدائل الممكنة، في ما يسميه البعض، ببالغ الهدوء، “سياقا” بالنسبة إلي، وكما حاولت أو مازالت أحاول أن أكتب، لا تتمتع هذه المفردة بقيمة إلا في سياق معين تحل فيه محل كلمات أخرى كالكتابة écriture مثلا أو الأثرtrace أو الاخ(ت)لاف différ(a)nce أو الزيادة supplément أو الهامش marge …إلخ لا يمكن بالطبع أن تنغلق القائمة…ما الذي يكون التفكيك؟ لا شيء! ما التفكيك؟ لا شيء!))[9] بعيدا عن هذا التفلسف المحير، يرى العديد من النقاد الذين تأثروا بدريدا ونهجوا رؤيته، على رأسهم الناقد خوسيه ماريا إيفانكوس أن التفكيكية ((طريقة لقراءة (أو إعادة قراءة) الفلسفة وخطابات العلوم الإنسانية))[10] أو هي بالأحرى استراتيجية في القراءة تسعى إلى تحرير النص المفتوح من قيد القراءة الأحادية المغلقة، وفتح المجال للقراءات المتعددة اللانهائية ((من خلال التموضع داخل الخطابات الفلسفية والنقدية والأدبية، وتقويضها من داخلها، من خلال توجيه الأسئلة وطرحها عليها من الداخل))[11]. المهم، يجمع جمهور الباحثين على أن البيان التفكيكي الأول- أو بالأحرى جذور التفكيكية في النقد المعاصر-(( يرجع إلى أكتوبر 1966 حين ألقى جاك دريدا بحثا في مؤتمر عقد في جامعة جون هوبكنز تحت عنوان: ” البنية والعلامة أو (الدليل) واللعب في خطاب العلوم الإنسانية” ثم ضمنها بعد ذلك كتابه: “الكتابة والاختلاف” وقد ظهر في نفس الفترة كتاب سوزان سونتاج “ضد التفسير”، مما يدل على أن التفكيك قد بدأ يتحول إلى ظاهرة عامة في الفكر الفلسفي الغربي))[12] من هنا بدأ دريدا مشروعه الفلسفي القائم على هدم الأنطولوجيا الغربية بأسرها والمبنية كما هو معلوم على تكريس الثنائيات الضدية مثل: الأصل/الفرع الحاكم/المحكوم الروح/الجسد الرجل/المرأة المطلق/النسبي الثابت/المتحول… ((وهي ثنائيات تستند إلى مدلول ثابت متجاوز. وبدلا من ذلك يحاول دريدا أن يسقط أو يقوض من ثبات المدلول المتجاوز(أو اللوغوس والمطلقات والثوابت) بالمعنى الديني أو المادي، عن طريق إثبات تناقضه أو أنه هو نفسه جزء من الصيرورة الكاملة بلا أساس وبلا أصل على الإطلاق…إنه عالم تتداخل فيه النصوص مع بعضها البعض كتداخل الدوال بالمدلولات، ولا يمكن الحديث عن نص مقابل الواقع، أو نص وعن معنى النص. ومن هذه الرؤية العدمية الفلسفية تصبح التفكيكية منهجا لقراءة النصوص))[13] أو بالأحرى (( قراءة تشتغل من داخل النصوص الفلسفية أو الأدبية وخلخلة أبنيتها المعتمدة على الثنائيات الضدية مثل الصوت/الصمت، الخير/الشر، اللسان/الكتابة، الدال/المدلول…إلخ وبيان أن هذه الثنائيات ذات علاقة تجاذبية قائمة بين قطبيها وهو ما يلغي مركزية أحدها وهامشية الآخر ويضع القطبين معا في وضعية حاجة أحدهما للآخر، أي في وضعية مغايرة لذاتهما، فالصوت في حاجة ضرورية للصمت والعكس صحيح))[14] يترتب على ذلك أن ما توحي إليه كلمة التفكيك هو منهج في قراءة النصوص ((قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص دراسة تقليدية أولا لإثبات معانيه الصريحة ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من معان في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به، أي أنها تهدف إلى إيجاد شرخ بين ما يصرح به النص وما يخفيه. وبهذا تقلب القراءة التفكيكية/التقويضية كل ما كان سائدا في الفلسفة الماورائية))[15]. في بداية السبعينيات إذن، بدأت التفكيكية تتغلغل في البيئات النقدية والأدبية، بعد أن اشتهر اسم جاك دريدا في الجامعة الأمريكية (جامعة Yaleييل وجون هوبكنز John hopkins ويمكن إجمال مدرستي التفكيك (الفرنسية والأمريكية) من خلال المخطط الذي استوحيناه من الناقد هيام عطية عريعر وهو كالتالي:
التفكيكية [16]
(مدرسة ييل الأمريكية النقد الجديد) جاك دريدا (مدرسة تل كيل الفرنسية البنيوية)
1-بول دي مان 1- رولان بارت
2-هيلس ميللر 2- ميشيل فوكو (استخدام
3- جوفري هارتمان 3- تزفيتان تودوروف نقدي
4- هارولد بلوم 4- جيل دولوز للتفكيك)
(استخدام سياسي اقتصادي للتفكيك) 5- فيلكس جوتاري
6- موريس بلانشو
الـمرتكزات الأساسية للتفكيك:
أ-الاختلاف المرجِئُ:((Différ(a)nce
حسب ليتشLietch الذي ينقل تعريف دريدا للاختلاف بقوله:” إن الاختلاف ليس كلمة، كما أنه ليس مفهوما “ما هو إذا؟ يجيب ليتش نقلا عن دريدا في كتابه “الكلام والظاهرة” نحن نعني بالاختلاف الازاحة التي تصبح بواسطتها اللغة أو الشفرة، أو أي نظام مرجعي عام، ذي ميزة تاريخية عبارة عن بنية من الاختلافات. ويحاول Lietch أن ينغمر في موحيات “الاختلاف” فيعقب مؤكدا أنه إذا كانت اللغة سلسلة لانهائية من المفردات التي لا أصول لها بعيدا عن سياق اللغة، فإن الكلمات تتميز باختلاف كل منها عن الكلمة الأخرى. فطبقا لمفهوم اللغة المذكور، يكون كل معنى مؤجلا بشكل لانهائي، فكل كلمة في اللغة تقودنا إلى أخرى في النظام الدلالي، دون التمكن من الوقوف النهائي على معنى محدد، ويتوصل دريدا إلى هذا المنطق، للحد من هيمنة فكرة الحضور، فالمتلقي يبحث عن مدلول محدد، لأنه واقع تحت سطوة فكرة الحضور، أي أنه خاضع لها، لهذا فإن دريدا يريد للخطاب الأدبي أن يكون تيارا غير متناه من الدالات وبواسطة الكلمات فقط يمكن التأشير إلى كلمة دون أخرى، دون التقيد بمعنى محدد ويقود هذا إلى توالد المعاني(…) ولما كانت هذه المعاني لا تعرف الاستقرار والثبات، فإنها تبقى مؤجلة ضمن نظام الاختلاف، وهي محكومة بحركة حرة أفقية وعمودية دونما توقع نهاية محددة لها[17] لعل هذا ما دفع جاك دريدا إلى نحت كلمةdiffér(a)nce” “بدل différ(e)nce”” والتي تعني الاختلاف والإرجاء في الوقت ذاته جريا على كلمة “الفارماكون” التي تعني السم والدواء معا. ولتوضيح الاختلاف المرجئ ههنا، نسوق مثالا توضيحيا ساقه عبد العزيز حمودة في كتابه “المرايا المحدبة” إذ يقول: إن حضور الدال أو اللفظ لا يعني حضور المعنى أو المدلول، فقولنا على سبيل المثال: ضرب محمد زيدا، هي جملة تامة المعنى يصح السكوت عنها، من وجهة نظر اللغويين التقليديين، لكنها لا تعود كذلك مع دريدا والتفكيكيين، إذ لا يتضح معنى الضرب فورا، بل يعلق بانتظار إشارات أو ألفاظ أخرى، إذ يمكن أن تكون الجملة السابقة ( ضرب محمد زيدا في الكرم) أو (ضرب محمد زيدا في مشروعاته التجارية)، فمعنى هنا الضرب مؤجل نحاول تثبيته من خلال الفعل (ضرب) ثم نستمر في استحضار المعنى الغائب عبر سيرورة الاختلاف[18]. هكذا يبقى المعنى مؤجلا حسب التفكيكيين (( لا يعرف محطة يتوقف عندها، ولن تتمكن أي قراءة من الوصول إليه خصوصا في ظل مقولات التفكيك التي تجاوزت فكرة حضوره من خلال نظام الاختلاف، الذي غيب أية مرجعية يرتكز عليها القارئ للوصول إلى المعنى. والتفكيكيون بهذا الدأب عملوا على تحطيم المعنى الذي ينتج عن القراءة الأولى للنص الأدبي، وطالبوا القارئ بقراءات لا نهائية، فقد انهارت سلطة المؤلف وفتح الباب للقراءة فقط لتكون هي الأخرى إنتاجا قابلا بدوره للقراءة والمطاردة))[19].إن الجذر المعرفي الذي استندت عليه هذه الآلية من آليات التفكيك (الاختلاف المرجئ) نابع من رفض التفكيكيين “لميثافيزيقا الحضور” ذلك أن الاختلاف في جوهره تحد لهذه الميثافيزيقا واعتراف صريح بالآخر المهمش/المختلف عن النسق العام للثقافة الغربية التي ظلت حبيسة اللوغوس (العقل) وميثافيزيقا الحضور، إذ (( تؤكد استراتيجية التفكيك استحالة الحضور، فالحضور ذلك المركز المحوري الخارجي داخل النص أو اللغة يرتبط دائما بالغياب. وتصبح المراوغة والغموض والانتشار والتناص ولانهائية الدلالة هي أبرز سمات النص. المهم أن الحضور لم يعد حاضرا في النص أو النسق اللغوي إلا مقرونا بالغياب وهو ما يبرزه دريدا مرة أخرى: لا يستطيع أي عنصر، سواء في خطاب مكتوب أو منطوق أن يقوم بوظيفته كعلامة دون أن يرتبط بعنصر آخر هو أيضا ببساطة ليس حاضرا (..) لا يوجد في كل مكان سوى الاختلافات وآثار آثار))[20] بناء على ما سبق، يمكن القول إن مفهوم الاختلاف مفهوم ملتبس ومعقد لكونه يتضمن عدة مفاهيم أخرى تتداخل معه إلى حد التماهي كالحضور والغياب والأثر والتشتت…والتي لا داعي للتوسع فيها لكونها تندرج ضمنا في المعطيات السابقة واللاحقة التي سنأتي على ذكرها.
ب-التمركز حول العقل:(Logocentrism)
التمركز حول العقل أو(Logocentrism) كلمة مركبة من كلمتين (اللوغوس) (Logos) وهي كلمة يونانية لا يمكن القبض عليها قبضا رياضيا نظرا لانصهارها داخل مجموعة من الحقول الدلالية (( ففي المجال اللساني توحي إلى اللغة/القول/الخطاب. وفي المجال الفكري تحيل إلى الفكر/التحليل العقلي/الشرح. وفي مجال الكون الحسي تحمل معنى الوجود/القوانين الطبيعية/المكان))[21] وعند الحكماء الطبيعيين كانت تعني: يجمع أو يضم ومنه اشتق المصدر: الجمع أو الكل أو الكلية Totalité وتطورت مع أرسطو فأصبحت منطقا لا يؤمن بغير القياس مذهبا في تفسير الأشياء[22]. أما كلمة” التمركز Centrism” فهي تعني المركز Centre ومعناه وجود مركز خارج النص/اللغة يكفل ويثبت صحة المعنى دون أن يكون هو قابل للطعن فيه أو البحث عن حقيقته[23] وعلى هذا الأساس “فالتمركز حول العقل (Logocentrism) أو ميثافيزيقا الحضور لفظة يونانية تعني: الكلام أو المنطق أو العقل”[24] يترتب على ذلك، أن أي توجه فكري كيفما كان نوعه: فلسفي/نقدي/علمي…يرتكز على هذه الأصول/المبادئ/ الثلاثة من أجل إضفاء الشرعية على خطاباته ومقولاته ويثبت صحة المعنى وامتلاك الحقيقة. وأي تصور يرجع إلى هذه “الأقانيم” الثلاثة يكون قد سقط في ما يسميه دريدا (اللوغو مركزي) الذي جاءت التفكيكية أصلا لهدمه وتدميره من الأساس لأن ((أساس التفكيك هو حرية الرؤيا واستخلاص المعاني من النص إما جدا أو هزلا إما حقيقة أو تمثيلا أو تحرير حركية الذهن مع النص طالما استبعدت فكرة الإحالة إلى مركز))[25] فدريدا يرى أن الفكر الغربي عموما منذ أفلاطون وصولا إلى هوسرل وهايدغر يتمركز حول سلطة خارجية موثوق بها تمده بالحقيقة/المعنى هذه السلطة أو المركز الثابت قد يكون العقل أو المنطق أو الإنسان أو التقاليد أو الكينونة أو الهوية أو النسق عند اللسانيين/البنيويين…إلخ ذلك أن ميثافيزيقا الحضور- وهي نقطة التقاء مفهومي ” اللوغوس أوالتمركز”- (( في أبسط تعريفاتها تعني القول بوجود سلطة أو مركز خارجي يعطي الكلمات والأفكار والأنساق معناها ويؤسس مصداقيتها(…) وتعني الاعتقاد بوجود مركز ( وهو ما يعني الحضور) يثبت صحة المعنى دون أن يكون هو قابلا للطعن فيه أو البحث في حقيقته))[26]. إن الفلسفة الغربية كانت فلسفة عقلية محضة تقدس العقل كما هو معلوم وتجعله نبراسا تهتدي به في جل خطواته الفكرية والعلمية إلى درجة ارتبطت الحقيقة في الفكر الغربي بالعقل، هذا المفهوم الذي كان معيارا تقاس في ضوئه كل الفروض والنماذج الفكرية، أدى إلى فرض سيطرته القصوى على الميثافيزيقا الغربية حيث احتل الصدارة وحظي بمكانة عالية باعتباره مركزا ثابتا ومصدرا لكل التصورات والمفاهيم والمقولات. وكان هذا كافيا بالنسبة لدريدا لأن ينصرف إلى تفكيك هذا الصرح أو التمركز العقلي وكيف لا وهو “فيلسوف” الشك بامتياز فقد زرع الشك في قدرات العقل والعلم والمعرفة اليقينية وكل المراكز الثابتة يضاف إلى ذلك أن الفلسفة الغربية قد أهملت الكتابة تماما.
ج-علم الكتابة(Grammatologie):
((يخلص دريدا إلى أن أكثر السبل تأثيرا التي نهض عليها التمركز العقلي في الفلسفة الأوروبية، هو اهتمامها بالكلام على حساب الكتابة فالتمركز المنطقي هو في حقيقة الأمر “تمركز صوتي” ويرجع جذر هذا الاهتمام إلى أفلاطون الذي عبر عن الحقيقة قائلا إنها “حوار الروح الصامت مع النفس”))[27] من هنا قلب التفكيك المعادلة وجعل الكتابة أهم من الصوت ((لأن التفكيكية تدرك أن طرفي الثنائية لا يمكن لها أن يعلو أحدهما على الآخر دون تراتب قهري))[28] معنى هذا الكلام أن الثنائيات الضدية في الحضارة الغربية الكلام/الكتابة، الدال/المدلول، الشكل/المضمون…ترزح كلها في نظر دريدا تحت وطأة التمركز الصوتي وقد مورس العنف لا محالة على الجزء الثاني منها قهرا أو ظلما وعدوانا (( فالتفكيك يعتمد الكتابة بدلا من الكلام لأن الكلام-في نظره- يعني احتكار سلطة الخطاب، وإعطاء هذه السلطة للمتكلم، على حين أن الكتابة تمنح النص مزيدا من التفسيرات، وتغيب المؤلف/المتكلم، وتعطي السلطة للقارئ، وتكون الكتابة عندئذ إطارا للغياب والاختلاف والتعدد، وبسيادة الكتابة يسود قارئ النص الذي يفهم من النص ما يفهم، ويستخرج منه ما يريد بشكل مباشر أو غير مباشر))[29] وبذلك تكون التفكيكية في ضحدها أو هدمها لميثافيزيقا الحضور(العقل/المنطق/الكلام) قد قدمت بدائل أخرى ونحت منحى خاصا بها مستعينة بمقولات (الاختلاف/القراءة/الكتابة/الأثر…) رغبة منها في تأسيس منهجية جديدة في الفلسفة كما في النقد المعاصر. وبإرساء دريدا لهذه الآليات/المرتكزات الثلاثة الاختلاف المرجئ/التمركز العقلي/علم الكتابة، استطاع أن يبني استراتيجية خاصة بالقراءة المتميزة مواجها النصوص بحرية كاملة دون التقيد بالبحث عن المركز، مرتحلا بين داخل النص وخارجه، باحثا عن التناقضات وسط نسيج اللغة والنص والمعنى، مؤكدا على فكرة الكتابة بديلا عن الكلام يقول دريدا في هذا المضمار(( ما يهمني في القراءات التي أحاول إقامتها ليس النقد من الخارج، وإنما الاستقرار أو التموضع في البنية غير المتجانسة للنص، والعثور على توترات أو تناقضات داخلية، يقرأ النص من خلالها نفسه، فهذا لا يعني أنه يتبع حركة مرجعية ذاتية، حركة النص لا يرجع إلا إلى نفسه، وإنما أن هناك في النص قوى متنافرة تأتي لتقويضه وتجزيئه))[30]
الجذور الفلسفية للتفكيك:
لقد قامت التفكيكية على جذر فلسفي، كان نتيجة لجدل عنيف بين ثنائية اليقين والشك حيث كونت التفكيكية تصوراتها من ذلك الجدل المتردد حول قضية إيجاد مركز ثابت ترتكز عليه دعائم الوجود، والشك في هذا المركز الثابت. تحرك الفكر الفلسفي الغربي، إذن، ابتداء من منتصف القرن السابع عشر بين محوري أو ثنائية اليقين والشك (( بين المحاولة المستميتة من جانب الواقعيين لإيجاد مركز ثابت وهو ما يسميه الفلاسفة بالجوهر والوجود والكينونة والوعي والحقيقة والله والإنسان، وبين الشك في وجود هذا المركز الثابت في المقام الأول، هذا التذبذب هو الذي خلق الثنائية المتعارضة للمحسوس وغير المحسوس، للحقيقة والوهم، للخارج والداخل للموضوع والذات))[31] هذه الثنائية، إذن، كانت بمثابة المدخل الأساس لظهور المناهج النقدية المعاصرة. وما انتصار البنيوية لقطب اليقين((حيث يتفق مؤرخو الدراسات اللغوية والأدبية على الربط العضوي بين البنيوية بشقيها، اللغوي والأدبي والمذهبي التجريبي، بل يذهب البعض إلى الربط بين الاثنين))[32] وانتصار التفكيكية لقطب الشك (( حيث كان رد الفعل النقدي في ما بعد البنيوية هو العودة إلى الذات والارتماء في أحضانها بلا قيود. لكن العودة إلى الذات هذه المرة لم تكن تعني عودة الثقة في قدرات الذات أو الداخل أو العقل على تحقيق المعرفة، كما كان يحدث في الدراسات السابقة، لأن موجة الشك الجديدة كانت أكثر شمولا وعمقا))[33] ما ذلك كله سوى امتثالا وانصياعا للثنائية الفلسفية اليقين/الشك وما يهمنا هاهنا، هو انتصار التفكيكية لقطب الشك الذي أرسى دعائمه كل من نيتشه وهوسرل ومارتن هايدغر وغيرهم. فقد تأثر نقاد التفكيك بالفلسفة النتشوية نسبة إلى فردريك نيتشه (1844-1900) ((حيث اقتفى جاك دريدا خطوات الفيلسوف الألماني نيتشه، يبدو ذلك واضحا في المنحى الذي التزم به نيتشه في كتاباته القائمة على الشك في جميع الأفكار الباحثة عن الحقيقة التي تفتح المجال واسعا أمام احتمالات تحرير الفكر من الحدود الضيقة للمفاهيم القديمة. من خلال النمط النتشوي قدمت التفكيكية معالجات متطرفة الشكوك والصرامة فيما يخص الوعي الذاتي. تبدو أصداء هذا التطرف ماثلة في أطروحات التفكيكيين من خلال طرحهم لقضية موت المؤلف))[34] فالقول بموت المؤلِّف في التصور الغربي قد أعلن عنه نيتشه بصيغته الفلسفية “موت الإله” الذي يعني موت العقل/المطلق/المتعالي/الحقيقة وإعطاء الأهمية القصوى “للإنسان الخارق “كي يمارس حريته المطلقة بعيدا عن كل ميتافيزيقا، وهي دعوة صريحة لإطلاق العنان للذات كي تمارس طقوسها بكامل الحرية في البحث عن كل ما هو مضمر وخفي وغامض ومبهم ((فموقف رولان بارت من المؤلف غير منفصل عن موقفه من الذات التي يعتبرها وَهْماً، سواء ذات الكاتب أو ذات القارئ أو حتى ذات الناقد. الواقع أن بارت في تفكيكه للذات أيا كانت يبدأ بذات بارت نفسه، ذات الكاتب أو القارئ. الذات أو “الأنا” في منظوره النقدي الفلسفي ليست سوى منتج لغوي يفرزه اللعب الحر للمدلولات))[35]. وإذا كانت البصيرة قد قادت نيتشه إلى ((الخلاصة بأن جميع الفلسفات، بغض النظر عن طروحاتها المنطقية أو أسبابها، تتكئ على التناص المتنقل للغة الرمزية))[36] أي أن كل فلسفة تأخذ من سابقتها. فإن نفس البصيرة قادت جاك دريدا إلى اكتشاف “التكرارية/ التناص” التي (( تقوم على مبدأ الاقتباس ومن ثم تداخل النصوص لأن أي نص أو جزء من نص هو دائم التعرض للنقل إلى سياق آخر في زمن آخر. فكل نص أدبي هو خلاصة تأليف لعدد من الكلمات. والكلمات هذه سابقة للنص في وجودها .كما أنها قابلة للانتقال إلى نص آخر. وهي بهذا كله تحمل تاريخها القديم والمكتسب. وينتج عن هذا أن أي نص هو خلاصة لما لا يحصى من النصوص قبله))[37]. هذا وقد اعتمد نيتشه كذلك في تأسيس مفاهيمه الذائعة الصيت مثل: “موت الإله”،”الإنسان الخارق”، “إرادة القوة” وغيرها على تقنية الحفر أو النبش في الأفكار وعدم الاكتفاء بما هو ظاهر بحثا عن “الحقائق”. كما لا يُعنى بالأنساق المعرفية المهيمنة ميتافيزيقا الحضور بل يمنح الاعتبار للمهمش والمسكوت عنه والمغيب والمقهور والمقموع في الحضارة الغربية، تعد هذه التقنية النتشوية من أهم المبادئ التي قامت عليها القراءة التفكيكية عند دريدا وغيره من مفكري الغرب يقترب هذا الطرح من مفهوم ((logocentrism التمركز العقلي عند دريدا (( فقد وجه دريدا عنايته لتفكيك هذا المركز، وذلك لتقويض الأصل الثابت المتفرد بالقوة وما يرتبط به من مفاهيم التعالي والقصدية))[38]. هذا وقد تأثرت التفكيكية أيضا بالفلسفة الظاهراتية لإدموند هوسرل(1759-1938) الذي كان (( يولي أهمية قصوى للوعي الذي يراه تفاعلا حقيقيا مع العالم الخارجي، فالوعي فعل، حيث تكون الذات قاصدة. ويكون الشيء مقصودا، ويكون كلاهما متضمنا بالتبادل “وحيث تكون الذات حقيقية ويكون الشيء حقيقيا أي صادرا حقا من الخارج”))[39] وكذلك اعتبر دريدا العمل الأدبي فهو –أي العمل الأدبي – ناتج عن تفاعل الذات مع الموضوع ( القارئ مع النص) تفاعلا صوفيا قائما على عشق النص فهو المعشوق الذي لا يدانيه أحد سوى عاشقه مما يبيح للقارئ (( أن يفسر العلامات بالمعنى الذي يشاء))[40] وبالطريقة التي يشاء. الواقع أن الفلسفة الظاهراتية كانت ترى العالم بمثابة نص الوجود الذي يكون قابلا للتأويل اللامتناهي. وبهذا المفهوم للعالم فتح باب تعدد القراءات التي جاءت بها التفكيكية فيما بعد واعتبرتها عمودا فقريا أثناء مقاربة النصوص الأدبية من خلال القول أن” كل قراءة هي إساءة قراءة” فلا وجود لقراءة موثوقة أو صحيحة أو معتمدة أو نهائية، إنها دعوة إلى جحيم الشك وعدم الثبات والاستقرار(( والمعنى المفتوح مرورا بالدلالة اللانهائية، هي مفصل التفكيك كما طرحه أقطاب المدرسة الأمريكية، ولقد أصاب أحد المعاصرين في وصفه العمل النقدي العبثي بقوله “إن كل قراءة إساءة قراءة” وكل قراءة تفكيك للقراءات السابقة، تدمير للقراءات التقليدية السابقة إلى أن نصل إلى أصل الإنشاء، إلى النموذج الأول الذي تحققت فيه حيوية اللغة الكاملة))[41] وللظاهراتية كذلك الدور البارز في نشأة تفكيكية جاك دريدا فقد استنبط دريدا أصول فكره من مارتن هيديجر(1889-1976) (( يعود أساس التأثر به إلى طبيعة فلسفة هيدجر الاعتراضية، إذ أن أصل التفكير الفلسفي عند هيديجر هو في الوقت نفسه نقطة الاعتراض الذي قامت عليه تفكيكية الفيلسوف جاك دريدا، وإنْ توسع هو فيه فطبقه على التفكير الفلسفي كله، وعلى النصوص كلها، كيفما كانت طبيعتها))[42] كما أن مصطلح التفكيك نفسه يعود إلى هيدجر في كتابه ” الكينونة والزمن” حيث استعمل كلمة “تدمير” كمرادف للتفكيك وكان المقصود هو تفكيك تاريخ المعرفة أو ما يسميه ” وليام كارلوس وليامز” بحرق المكتبة باعتباره المخرج الوحيد من أزمة الإنسان الغربي المعاصر. فتدمير المضمون التقليدي للمعرفة هو جزء من ثورة هيدجر على التاريخ والتقاليد لأنهما في نظره يحملان معنى الموت. ومن هنا كان التدمير بالنسبة إليه ضروريا لأنه يوفر إمكانيات التجديد والتحرر من كل القيود (( فقد كان التدمير يحمل معنى التفكيك تفكيك التقاليد من أجل إعادة تركيبها عن طريق القيام بعملية تنقية عناصر تلك التقاليد لتحديد العناصر الأصلية، التي يمكن استعادتها واسترجاعها على أساس أصالتها التي تجعلها مفيدة للحاضر))[43] إننا في عالم هيديجر التدميري، لا نبتعد كثيرا عن عالم جاك دريدا التفكيكي .نفس المقولات، نفس الصراع، نفس المصطلحات تقريبا، نفس الثنائيات لكن بطريقة أو بصيغ أخرى لا أقل ولا أكثر. ((فالدازاين Doesein، عند هيدجر يقابله “الاختلاف/الإرجاء” عند دريدا و”التدمير” عند هيدجر نفسه عند دريدا بمعنى ” التفكيك”. و”الحاضر” عند هيدجر هو”الظاهر” و” الواقع” و”المباشر” عند دريدا))[44] كما ((أخذ دريدا مصطلح “الشطب” erasure أي المحو من هيدجر، فصاحب المصطلح الفرنسي sousrature أي قيد الشطب هو لدريدا، ويقصد به شطب كلمة من النص دون إزالتها، والظاهر أنه اقتبسه من هيدجر، بحيث يكون شطب الكلمة بمثابة لفت الانتباه إليها))[45]وفلسفة التأويل اللانهائي للنصوص الأدبية (( أو التاريخ الأدبي باعتباره إساءة قراءة وكل قراءة تفكيك للقراءات السابقة والمعنى المفتوح والدلالة اللانهائية عند التفكيكيين أليس ذلك هو رأي هيدجر))[46]. هذا دون نسيان اتفاق دريدا مع هيدجر مرة أخرى في ثنائية الحضور والغياب(( التي تعنى أن الوجود لا يظهر حضوره إلا من خلال غيابه، بمعنى أن اللغة وفي حالة معرفتها بهذا الوجود تصطدم بجدار التقاليد الذي رسخ عبر الزمن، حتى إنه غيب هذا الوجود، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إل تدمير هذه التقاليد من أجل استحضار الوجود الخفي ولا يتحقق الوجود إلا بالغياب))[47] هذا فضلا عن استراتيجية التناص(( كقضية شغلت هيديجر واحتلت مساحة غير صغيرة من نظريته الهرمينوطيقية، التي كانت ترى أن النصوص كلها ترجع إلى أصل واحد، لكن ما دام العقل الغربي قد حجب هذا الأصل بما قام به من خلال تحويل العقل (اللوغوس) إلى منطق، بات من الصعب الوصول إلى ذلك الأصل فتبقى الدلالة مؤجلة إلى ما لا نهاية))[48] والتناص بهذا المعنى، مبدأ من المبادئ التي قامت عليها القراءة التفكيكية (( فالنص في نظر –التفكيكية – ليس تشكيلا مغلقا أو نهائيا. لكنه يحمل آثار tracs نصوص سابقة، إنه يحمل رمادا ثقافيا))[49]. الواقع أن التداخل بين فلسفة هيدجر وفلسفة دريدا يصل إلى حد التماثل (( والتطابق بين بعض تفصيلات الاستراتيجية التفكيكية ورؤية هيدجر وقد وصلت درجة التداخل بين المجالين ومباشرة التأثير إلى استخدام “دريدا “في الطبعة الفرنسية الأولى لكتابهde la grammatologie”” لكلمة “التدمير” المحورية في فلسفة هيدجر بدلا من كلمة “التفكيك” التي تحول إليها دريدا فيما بعد. الواقع أن بعض الأفكار الأساسية لتفكيك دريدا مثل المعرفة واللغة، الحضور والغياب، لا نهائية الدلالة، رفض الثوابت والقراءات المتعددة وغياب المركز الثابت للمعرفة، والتناص، وفوق كل هذا وذاك مفهوم التدمير ذاته، تتطابق مع فلسفة هيدجر التأويلية بصورة تتخطى المصادفة أو تواتر الفكر)).[50] نفس القول يؤكده عبد الله إبراهيم على لسان دريدا نفسه حين يقول: يشير دريدا صراحة إلى اعتماد مشروعه التفكيكي على الفلسفة الظاهراتية، إذ يقول بهذا الصدد: إن فلسفي استمدت وجودها من أفكار هوسرل وهيدجر وهيغل، لكن تأثري بهوسرل كان كبيرا جدا، وخصوصا في مشروعه لتفكيك الميثافيزيقا الإغريقية، وهو من تعلمت منه المنهجية، وتشكيل الأسئلة، بيد أني أشاركه موقفه العاطفي، وتعلقه بفينومينولوجيا الحضور. في الحقيقة إن منهج هوسرل ساعدني على التشكيك بمقولة الحضور التي لعبت دورا أساسيا في جميع الفلسفات. ويقول بصدد علاقته بهيدجر إنها لا تتماثل في الوجه المنهجي إنما في المفهوم الشامل المشترك للوجود، التماسك، الوحدة في الأسئلة التي أثارها، خصوصا مقولته في انطولوجيا الحضور ونقده للأفلاطونية، وقضية العلاقة بين اللغة والوجود، كل هذا كان يثيرني في هيدجر))[51]. يترتب على ذلك أن الفلسفة الظاهراتية لهوسرل عن الذات في وعيها بالعالم. وكذا أفكار مارتن هيديجر عن الكينونة والقراءة وتعدد الدلالة والتناص. وكذا نيتشه عن مقولته موت الإله والشك في ميثافيزيقا الحضور، كلها أفكار بلا شك مهدت الطريق لمنظري التفكيك من أجل تأسيس المنهج التفكيكي القائم على الأساسيات التي سبقت الإيماءة إليها ( لانهائية الدلالة-موت المؤلف- عشق النص- التناص-نقض التمركز).كما يضاف إلى ما تقدم من جذور فلسفية احتفاء دريدا ببعض مصطلحات التحليل النفسي((كالكبت والحلم والهلوسة وهي مصطلحات تنحدر من أصول الفلسفة الفرويدية))[52] فضلا عن مصطلحات مستمدة من الفلسفة الوجودية السارترية كالعدمية والعبثية والحرية ودور (( الذات في إنتاج المعنى وتعدده يضاف إلى مسألة القول بالقراءة التفاعلية والحوارية، وهي كلها مسائل عجت بها الأطر النظرية للتفكيك ))[53]. كل هذا يجعل أمر التسليم بالأساس الفلسفي واقعا تفرضه المعطيات السالفة الذكر لنشوء المشروع التفكيكي فالفكر الفلسفي الغربي، إذن، والقول للناقد عبد الغني بارة كان بمثابة الرحم الذي تخلق فيها الجنين.- المنهج التفكيكي- فلم يكن المشروع الحداثي في القرن العشرين، إلا ابنا بارا للمناخ الفكري الذي تربى فيه، فأنى له، والحال هذه، أن يتنكر لأصله وأن يكون ولدا عاقا لمن احتضنه ورعاه.[54]
الجذور اللسانية للتفكيك:
لقد كانت الدراسات التاريخية قبل دي سوسير تنظر الى اللغة كأداة لتسمية الأشياء، أو كوسيلة تعبير فردية. لكن مع مجيئ سوسير تم تقويض هذه الوسيلة حيث اكتشف في الدرجة الأولى أنها ليست وسيلة ، بل هي نظام لاشعوري يعتمد على مبدأ العلاقات والاختلاف، الشيء الذي دعاه إلى دراسة اللغة في ذاتها ولأجل ذاتها دراسة آنية وهي إشارة إلى محاولة التخلص من هيمنة العلوم الأخرى عليها ونبذ الأحكام الذاتية الخارجية. وبذلك أصبحت اللغة (( نظاما من الإشارات””signs وهذه الإشارات هي أصوات تصدر عن الإنسان، ولا تكون بذات قيمة إلا إذا كان صدورها للتعبير عن فكرة أو لتوصيلها. وهذا جعل سوسير يركز على البحث في طبيعة “الإشارة” من حيث هويتها ووظيفتها. وقام جدله في ذلك على أن الإشارة ذات طبيعة “اعتباطية” وعلى أنها تعتمد على التواطؤ العرفي. ولهذا فإن معرفة الإشارة لا تتم من خلال خصائصها الأساسية. وإنما يتم ذلك من خلال تمايزها واختلافها عن سواها من الإشارات))[55] من خلال هذا التعريف المقتضب للغة والعلامة، يبدو أن ما يلفت الانتباه مباشرة هو اعتباطية “الإشارة” لدى سوسير. فقد قوض هذا الأخير أصول الدرس التقليدي للغة، عندما عدها نظاما من الإشارات تعبر عن أفكار وليست وسيلة معبرة عن أشياء. وأن العلاقة بين الدال والمدلول- وهذا هو بيت القصيد- علاقة عرفية اعتباطية. هذه القطيعة الإبستمولوجية إذن، حُسبت على الفكر السوسيري وأثرت بشكل لافت على منظري التفكيكية (( فقد أعاد التفكيكيون النظر في العلاقة القائمة بين الدال والمدلول، حيث اعتبروها علاقة اعتباطية، مقتفين في ذلك خطوات العالم اللغوي سوسير، حيث تركوا فراغا كبيرا بين الدال والمدلول، وذلك بهدف شحن الدوال بفكرة اللعب الحر الذي يؤدي إلى تحقيق مبدأ لا نهائية الدلالة أو تعدد المعنى بتعدد طرقهم في اللعب والمراوغة))[56] لقد إنحاز الفكر التفكيكي إلى كفة الدوال فأطلق العنان لحرية العلامة والعلاقة الاعتباطية بين الدوال والمدلولات وفسح المجال لفكرة الانفتاح اللانهائي للدلالة والتأويل المفرط. يقول عبد الله الغذامي(( إن المتأخرين من رواد السميولوجية، مثل بارت أخذوا برفض فكرة وجود ارتباط ثابت بين الدال والمدلول، وقدموا جدلهم على أن الإشارات “تعوم” سابحة لتغري المدلولات إليها لتنبثق معها وتصبح جميعا “دوالا” أخرى ثانوية متضاعفة لتجلب إليها مدلولات مركبة وهذا حرر الكلمة وأطلق عتاقها لتكون (إشارة حرة)، وهي تمثل حالة (حضور) لأن الكلمة موجودة أمامنا. ولكن المدلول يمثل حال (غياب) لأنه يعتمد على ذهن المتلقي لإحضاره إلى دنيا الإشارة. وهذه العلاقة لا تنشأ إلا بفعل المتلقي الذي يؤسس هذه العلاقة ويقيمها بين الدال والمدلول وهي ما يسمى بالدلالة))[57].كما اتخذ جاك دريدا من فكرة انفتاح الدلالة أساسا لمشروعه في نقد “التمركز العقلي” فكانت (( انطلاقته في هذا المجال مع صدور كتابه(of grammatology) أي (في النحوية) في عام 1967 بفرنسا حيث نقض الفكر الغربي منذ أفلاطون وأرسطو حتى هيديجر وليفي شتراوس وكذلك سوسير واتهم ذلك الفكر الفلسفي بما سماه (التمركز المنطقي) وهو الارتكاز على (المدلول) وتغليبه في البحث الفلسفي واللغوي وحتى عندما حاول أولئك المفكرون عزل المدلول فإنهم يستعينون في ذلك بمدلول بديل. ولكي يثبت دريدا مقولته أخذ في تشريح كتابات الفلاسفة. وذلك كي ينقض(التمركز المنطقي) من داخل حصونه. وكبديل لذلك الخط المنقوض دعا دريدا إلى ما أسماه (علم النحوية) كأساس لعلم الكتابة واستعار لفكرته جمل سوسير. قال دريدا داعيا لإحلال النحوية محل السميولوجية ” سأدعوه بعلم النحوية…ولأن هذا العلم لم يوجد بعد فإنه لن يمكن لأحد أن يقول ماذا سيكون هذا العلم، لكنه علم يملك الحق في أن يكون، ومكانه معد سلفا. والألسنية ليست إلا جزءا من ذلك العلم العام))[58] إن فكرة النحوية هاهنا، يضيف الغذامي تذكرنا بسوسير ودعوته إلى تضافر بلاغيات الجملة مع نحوها لتأسيس جماليتها بعيدا عن قيد المدلولات. والمصطلح الآخر الذي اقتبسته التفكيكية من دي سوسير هو مصطلح الاختلاف. فإذا عدنا مثلا إلى سوسير وجدناه (( ينظر إلى اللغة على أنها (نظام من الاختلافات) فكلمة (ضلالة) صارت ذات معنى ليس في ذاتها ولكن لوجود (الهداية). ولولا (السواد) لما عرفنا (البياض) فالكلمة والصوت يدلان إذا تميزا واختلفا عن سواهما))[59] ففي ضوء الاختلاف يزداد الكلام بلاغة (( تبقى مقولة الاختلاف قاسما بين سوسير ودريدا علما أن اللغة: تعتمد على الاختلاف، وكما بين سوسير فإن الاختلاف ينتظم في بناء المواجهة المتميزة حيث يتشكل تنظيمها الأساسي، وحيث فتح دريدا أرضا جديدة، وحيث أخذ علم النحويات دوره إلى المدى الذي أصبح يضلل، فإن ذلك أصبح يتضمن فكرة أن المعنى يختلف دائما، ربما إلى النقطة التكميلية غير المتناهية من خلال لعبة التعبير))[60] فكل كلمة في اللغة تقودنا إلى أخرى مختلفة عنها وهكذا دواليك بشكل لا نهائي وبذلك يتم تأجيل المعنى. وثمة مكونا آخر من المكونات اللسانية السوسيرية استفاد منه التفكيكيون أيضا لتحقيق الدلالة وهو الثنائية الضدية التي قابلوها بثنائيات أخرى(( كالحضور/الغياب، والاختلاف/التأجيل الذي يقوم بوظيفة قد تختلف قليلا عن وظيفة الثنائيات المضادة عند سوسير، وهي تحقيق الدلالة باللعب الحر ولا نهائية الدلالة))[61]. وبعد، لقد استمد المنهج التفكيكي، إطاره النظري في قراءة النصوص الأدبية من أطروحات اللسانيين خاصة دي سوسير وكذا أطروحات الآهات الثلاث: هيغل وهوسرل وهيديجر إضافة إلى نيتشه رغبة منه في دحض فلسفة الحضور وإقامة فلسفة الغياب.وكذا الأخذ بفكرة التناص حتى لا يمكن القبض على ذلك الطائر الفنيق(النص) والقول بانفتاح المعنى وتعدد الدلالة عن طريق الاختلاف المرجأ. يضاف إلى ذلك اعتماد المنهج التفكيك على مبدأ المحايثة والنظرة الوصفية والثنائيات الضدية التي أضفت على المشروع التفكيكي طابعا لسانيا محضا. في النهاية يمكننا التأكيد على نقطة في غاية الأهمية وهي أن الإحاطة بالجذور المعرفية للتفكيك يعد ضربا من المستحيلات في مثل هكذا مقاربة متواضعة، ومسوغات ذلك أن الخلفيات الإبستمولوجية للتفكيك لا تقتصر على مثل هذه الأمثلة التي ذكرناها وبالتحديد فلسفة نيتشه وهوسرل وهيديجر وسارتر وفرويد ودي سوسير بل تمتد إلى أبعد من ذلك إلى جل التيارات الفلسفية الغربية قديمها وحديثها. فنحن والحالة هذه قد ركزنا على الجذور المعرفية والفلسفية الأكثر حضورا وبروزا وشيوعا في التفكيكية. ويكفي ما أحاط بالسلسلة من عقد.
من مدار الجذور المعرفية والفلسفية للتفكيك إلى آليات التطبيق:
إن النظر الحصيف في الاتجاه التفكيكي يؤدي بنا إلى القول إن قراءة النص الأدبي من هذه الرؤية تستند إلى جملة من الآليات المنهجية أو الأدوات/المعاول الإجرائية. ولأنه من المستحيل معالجة وتحليل الكم الهائل من أساليب المراوغة والألاعيب والحيل التي تتبناها المقاربة التفكيكية. وهو أمر لا يسعفنا المقام لاستكشافه، فإننا يمكن ترقب أبرز الآليات الموظفة في القراءة التفكيكية وأكثرها بروزا وحضورا وشيوعا في المنهج التفكيكي وهي: آلية الإلغاء والإقصاء وآلية الاستنطاق بعنف وآلية الإسقاط.
أ- آلية الإلغاء والإقصاء:
تسعى التفكيكية –على حد تعبير عبد العزيز حمودة- إلى (( البحث عن اللبنة القلقة غير المستقرة، وتحركها حتى ينهار البنيان من أساسه ويعاد تركيبه من جديد، وفي كل عملية هدم وإعادة بناء يتغير مركز النص تكتسب العناصر المقهورة أهمية جديدة، يحددها- بالطبع- أفق القارئ الجديد. وهكذا يصبح ما هو هامشي مركزيا، وما هو غير جوهري جوهريا))[62] ويقدم صاحبا (دليل الناقد الأدبي ) المنهج التفكيكي تقديما إجرائيا على النحو الآتي:(( إنه قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص (مهما كان) دراسة تقليدية أولا بإثبات معانيه الصريحة، ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من نتائج في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به. يهدف – المنهج التفكيكي- خلال هذه القراءة إلى إيجاد شرخ بين ما يصرح به النص وما يخفيه “بين ما يقوله النص صراحة وبين ما يقوله من غير تصريح”))[63] وفق رؤية أو تفسير القارئ انطلاقا من مقولة أساسية مفادها: أن كل قراءة هي قراءة خاطئة (( فكل قراءة تفكيك للقراءات السابقة، وتدمير للقراءات التقليدية السابقة إلى أن نصل إلى أصل الإنشاء. إلى النموذج الأول الذي تحققت فيه حيوية اللغة كاملة))[64] وهذا من شأنه أن يجعل النص مفتوحا على دلالة لا نهائية، ويتيح للقارئ فرصة اقتحامه من أي وحدة لغوية، فهو أرض مباحة للجميع. فعند القراءة أو التفسير تستبعد كل الثوابت التي يقوم عليها النص “المعاني التي يحملها النص” والتقاليد النقدية ((حيث يتم فصل القراءة النقدية ههنا عن المنجز اللغوي ليحل الغياب محل الحضور))[65] بحيث لا يتم التقيد بمعنى أو مركز ثابت أو بمنطق علمي صرف، فتبدو ذات القارئ بوثقة ينصهر فيها المعنى. وعلى هذا الأساس نفهم أن القارئ هو من يضع المعنى ويحدده دون إعطاء أي اعتبار للمعنى القائم أصلا في النص، دون اعتبار أيضا لمقصدية المؤلف فهذا الأخير يوارى التراب لا يعترف به وفق مبادئ التفكيك ((لأن التفكيكية قد أعلنت بصورة رسمية عن موت المؤلف بعد إشاعات بذلك رددها البنيويون والنقاد الجدد))[66] فالقارئ هو الكاتب في كل قراءة يقوم بها للنص فهو الذي يبدع أو ينشئ المعنى ويحدده فهو كل شيء وأي شيء ((ومن هنا يبدو أن القارئ لا يهدف إلى اكتشاف دلالة النص على ضوء خصائصه الذاتية والموضوعية وإنما على ضوء انطباعاته النفسية واللغوية أو تصوراته الفردية الخاصة، نظرا لأنه يريد أن يراه بمنظار مقاييسه الشخصية، ويعيد تشكيله وفق معايير نابعة من واقعه الشعوري واللاشعوري، ومن معارفه الأدبية واللغوية الخاصة. ويفقد النص بذلك معناه الحقيقي ويصبح انعكاسا للانطباع والحالة النفسية والثقافية الفردية، لا انعكاسا للنص نفسه. وإذا تساءلنا: ما هدف القارئ/الناقد من وراء ذلك كله؟ كان الجواب إعادة صياغة النص ونظام العلامة إلى لغتها الأولى أي لغة الإنشاء، وهي لغة تشبه لغة الشعر، يقوم القارئ/الناقد بإبداعها، بحيث يبدو عمله نصا إبداعيا ذاتيا يقع في دائرة الأدب لا في دائرة الدراسات ذات الطابع العلمي التي كان ينشدها الناقد البنيوي في بحثه))[67] فمفهوم النقد عند التفكيكيين بهذا المعنى، هو إبداع على إبداع والمهمة ههنا، أشبه بمهمة صياد السمك عندما يطرح الشباك في الأماكن التي يقع فيها مطلبه، وينتظر إلى أن يقع السمك في شباكه فيجذبها، وإذا به يخرج إلى السطح ما لم تكن تراه العين. وكذلك يصنع القارئ مع العمل الأدبي، فهو يبحث عن معنى يكتشفه ويستنبطه ربما لم يخطر في ذهن الأديب نفسه.(( فمن الواضح أن القراءة التفكيكية للنص ليست مدعمة بنظرية أدبية أو بنظرية للمدلول أو التفسير، وإنما هي فقط طريقة لقراءة النص ينهض على أساس إلغاء الحدود الفاصلة بين عمل الناقد وعمل مبدع النص عبر تصورات فكرية تتميز بالتفسير الحر للمدلولات وتحقيق ذات القارئ الفرد. ومن أوضح آثار ذلك أنه يضع المعنى ويحدده، دون اعتبار للمعنى القائم في النص أو دون اعتبار لما يقصده المؤلف))[68] ولعل في هذا القول إشارة إلى إقصاء التاريخ والمجتمع والإنسان والسياق الذي ينتمي إليه المؤلف. وهذا يعني أن الثوابت والمرجعيات الأساسية التي يتكئ عليها النص والقارئ معا لا وجود لها في منطق فلسفة التفكيك، لأن بيت القصيد هو تلك اللغة الإبداعية (الإنشائية) التي ينشئها القارئ والبعيدة أكيد عن لغة العلم والعقل و” المعايير الموضوعية” (( فمنهج التفكيك يقف بنا عند حدود الإنشاء والوصف. دون أن يفسر النص بأي معنى من المعاني، لأن القارئ/الناقد حين يغير وظائف بعض العناصر ويحطمها ثم يعيد بناءها يصبح أمام نص لا يرتبط بالنص القديم. لا يعني تفسير أو اكتشاف معنى جديد له، إنما يعني إلغاء مبدع النص وإحلال لغة الناقد بدلا منها ونزع مشخصات النص الثقافية والحضارية، ويجعله في حالة اغتراب أو انفصال عن جوهره))[69] إن طبيعة النقد ههنا طبيعة إبداعية انطباعية تحكمها مبادئ تعتبر أن المؤلف قد مات وأن القارئ هو الفاعل الأساس، وأن المفعول به هو النص لأنه في نهاية المطاف عبارة عن عناصر قلقة (غامضة) تحكمها رؤية ميتافيزيقية تتأرجح بين الغياب/الحضور والهدم/البناء (( إن أنصار التفكيك يرون في النظرة التجزيئية للنص بمعنى تفكيكه إلى وحدات، وإعادة صياغتها صياغة إنشائية، وإبراز معالم حرية القارئ وعزل النص عن مبدعه وعن حضارته هو جوهر النقد. وهم يقررون بذلك إلغاء وعي المبدع بالعالم وإلغاء موقفه من قضايا الإنسان ومن أحداث التاريخ، فضلا عن إلغاء الدلالات الذاتية والموضوعية المضمرة في بناء ومضمون النص…والنتيجة المنطقية لذلك اعتبار النص مجموعة علامات أو أجزاء عارية من جميع الارتباطات، نفسرها بالرجوع إلى مشاعرنا أو عواطفنا. إن منهج التفكيك يسقط التقاليد النقدية والعلمية من حسابه(…) وأغلب مفاهيمه قائمة على أساس العزل والتجزيء. الناقد الجوهري لا يقربنا من دلالة النص ولا يعمق من فهمنا له، لأن هدف الناقد ليس إلقاء الضوء على النص وإنما إلقاء الضوء على لغته الخاصة التي يعالج بها النص(…) هذه اللغة قائمة على الإيمان بالوصف وتغيير وظائف عناصر النص وتفتيت علاقاتها المترابطة، كوسيلة مثلى إلى تحقيق القراءة الانطباعية الإنشائية التي تحطم الحدود الفاصلة بين دائرة الأدب ودائرة النقد، ويصبح هذا الأخير نشاطا فكريا رومانسيا أو ضربا من النشاط التعبيري الوصفي))[70] ومن الضروري في هذا الموضع أن نقتطف بعض الأسئلة البليغة التي لا تخلو من لطف نظر نقدي للباحث سمير حجازي حتى نكتشف أكثر دلالة آلية الإلغاء والإقصاء يقول: (( فأنا أقرأ النص، وأغير وظائف عناصره وتراكيبه وأرى في تحطيم تماسكه المنطقي وسيلة مثلى إلى تفسيره، والطريق إلى ذلك يكون بالرجوع إلى ذات الفرد القارئ. هل إذا أنجزنا هذه الخطوات نزداد علما بالنص ونكتشف دلالته أم نكتشف الدلالة التي فرضها القارئ/الناقد عليه؟ الحقيقة أننا نطلع على الدلالة التي فرضها هذا الأخير عليه وليس دلالته الفعلية. وهنا نفهم أن هذه الخطوات توصلنا إلى انعكاس لحالة القارئ/الناقد النفسية واللغوية وتحجب عنا دلالته الأصلية، ماذا يمكن أن تفيدنا انعكاسات حالة القارئ الناقد على النص؟ أعتقد لا يفيدنا في شيء بل تضللنا عن الوصول إلى ما هو جوهري، وهو المعنى أو الدلالة القائمة في بناء مضمون النص. وماذا يمكن أن يفيدنا- حسب مفهوم التناص- حين نضع نصا بجوار نص آخر أو بجوار عدة نصوص، ونكتشف أن ذلك النص على مجموعة من العلاقات مع هذه النصوص الأخرى؟ أترانا حين نكتشف ذلك ونتبين وجود اقتباسات من هذه النصوص نقترب من معناه؟ أو من دلالته؟ كلا، لأن ذلك يفيد مؤرخ الأدب أو مؤرخ الثقافة أو دارس الأدب المقارن أما الناقد الذي يبحث عن الدلالة والمعنى فلا يفيده هذا الأمر فائدة مباشرة أو غير مباشرة. ثم لماذا حين يبدأ الناقد تفسير النص يتجه نحو البحث عن عناصر جزئية قلقة أو لا تخضع للمنطق؟ هل من تحويل هذه العناصر إلى صيغة جديدة تعد تفسيرا للنص؟ كلا، لأن ذلك التفسير أقرب ما يكون على سبيل إبراز دور الأنا عند القارئ في إعادة صياغة النص وفي كيف يطوعه وفق نزعاته الخاصة لا وفق منطق النص نفسه. وإذا تساءلنا: ما علة هذه الفلسفة التفكيكية كلها. أجابنا أحد دعاة التفكيك قائلا: لأننا نعيش زمن استحالة التحديد وربما نعيش أيضا زمن استحالة التفسير، وزمن انتفاء القصدية، وزمن اللعب الحر للدوال. ولكن النقاد والباحثين العرب لا يعيشون هذا الزمن. وإنما يعيشون زمن البحث عن وسائل النهوض بثقافة مجتمع من مجتمعات العالم الثالث، وأفضل هذه الوسائل هو العلم أو التفكير العلمي. وليس الثورة عليه؟ أو على العقل))[71] هذه الأسئلة وغيرها كثير قد تبدو في هذا السياق نوعا من التكلف ولكنها فيما نظن جديرة بأن تبين الخلفية المعرفية التي تقف وراء آلية الإلغاء والإقصاء بل تعمل على كشف العمى الذي يعتري بعض الممارسات النقدية العربية الحديثة والتي تطبق مثل هكذا منهج تفكيكي على النصوص الأدبية.
ب- آلية الاستنطاق بعنف:
من المعلوم أن النص الأدبي الذي يتحدث عنه المنهج التفكيكي هو النص الذي يحمل في ثناياه بعدا فلسفيا، ودلالة ذلك واضحة من خلال تركيز جاك دريدا على نصوص أدبية ذات طابع فلسفي من قبيل((نص مالارميه وباتاي وجان جنيه وكافكا وآرطو))[72] فنصوص هؤلاء تتميز طبعا بالغموض والضبابية والتعتيم والاختلاف. وكلما ازدادت غيومها وفجواتها وثقوبها وبياضاتها وكسورها ازداد معها وفيها الضرب بأكثر من معول. مما يستوجب الاستنطاق بعنف على حد زعم دعاة التفكيك. وبيان ذلك (( أن انتزاع النص عبر قنوات العنف الذي يرونه مشروعا من أوجه أبرزها: لغة النص الأدبي المتحررة والمفتوحة على لا نهائية الدلالة، ومن سبيل قمع النص الأدبي إخضاعه إلى انسجام عقلاني، نتيجة لطبيعة النص اللاعقلانية غير النسقية وغير المنسجمة، مما يسمح للقارئ بأن يستبد بالنص كما يشاء، بحجة الحق المشروع في القراءة))[73] ولعل ما يشرعن هذا الاستنطاق بقوة أيضا هو اعتبار النص مجرد موضوع قابل لأن تسلط عليه أنواع القراءات حتى يبوح بأسراره ومكنوناته الداخلية لأن التفكيكية كما نعلم لا ترضى بأحادية القراءة (( بل يثبت تحولها الدائم وانزياحها المستمر من هنا إلى هناك وفي ذلك تجديد لسلطتها وسد للفجوات التي وجدت في أصلها))[74] فلكل قارئ في نهاية المطاف قراءته الخاصة والمتفردة والناقصة “فلا يمكن أن نسبح في النهر مرتين “كما يقول هيرقليطس. وخلفية أو فلسفة ذلك أن الحقيقة لا تدرك فهي خدعة فكلما حاول الإنسان الإمساك بها اكتشف أن هذا الذي يقبض عليه ليس الحقيقة . وهذا ما يجعل منفذا للقول بأن كل قراءة هي إساءة قراءة. وهكذا ترى التفكيكية (( أن قراءة النص تكمن في تفجير مكنوناته بل ومكبوتاته ومعانيه المحتملة التي لا نهاية لها، والتي تتحرك في فضاء واسع حر طليق، دونما استقرار ولا ثبات))[75] ومن وسائل العنف النقدي أيضا ما يستند إليه دعاة التفكيك: مفهوم فعل القراءة ((وتعني ملازمة الاستنطاق للقراءة النقدية بما يجاوز حدود التحليل الأسلوبي العميق للنص إلى تحويل التأويل إلى عنف لإنطاق النص، وهذا ما عبر عنه بجلاء مشيل فوكو بقوله:” إن فعل التأويل هو فعل قائم على عنف يمارسه المسؤول على النص فما يقصده مشيل فوكو هو الحفر الدائم وراء النص، رغبة في تقويض بنيانه، ولا يكون هذا الهدم إلا بممارسة القوة في القراءة، وبعبارة أكثر إضاءة: ممارسة العنف على الخطاب الأدبي))[76] وبهذا نلاحظ أن التفكيك يقوم على نسف جميع الثوابت الفنية والقوانين مما يتيح للقارئ أن يفسر الدوال بالمعنى الذي يشاء في الوقت الذي يشاء، بالطريقة التي يشاء، الشيء الذي يزيد من عنف القراءة. يقول جاك دريدا في قراءته لرواية فيليب سولرس وهي إشارة قوية إلى ما قلناه عن ممارسة العنف على النص، يقول(( إن عملية القراءة تمر عبر”شفرة سكين أحمر”))[77]
ج-آلية الإسقاط:
من الآليات التي تتبعها التفكيكية في مقاربة النص: القراءة الإسقاطية التي لا تركز على نسيج النص اللغوي والأسلوبي والدلالي ولكنها تمر من خلاله أو فوقه بحيث تتعامل معه وكأنه وثيقة لإثبات أو تمرير إيديولوجية معينة. فالممارسة التأويلية وفق هذا المنظور(( ليست جلاء معنى، وإنما ميدان صراع، التأويل سلاح لممارسة القهر على الكلام، إنه لذلك لا يفضي إلى علم، إنما هو أداة في يد الإيديولوجيا))[78] فالتأويل بهذا المعنى، ليس دراسة النص وفق ضوابط بعينها بل هو ((وسيلة لقمع النص وقهره، لينطق بما يلاءم وتوجهات النقد الفكرية، إذن هو آلة النسف الفكري الذي يسعى إلى انتزاع اعتراف كاذب من كلمات النص بالقوة والاغتصاب))[79] ومن ثم فإن النقد في هذا السياق مشغول بشواغل فكرية “إيديولوجية”جديدة تقوم مقام ما يتم هدمه بأكثر من معول لتقيم على أنقاضه تأملات “رومانسية” تدخل العقل في متاهات لانهاية لها.فلا وجود لخطاب بريء. ولعل هذا ما دفع عزيز عدمان إلى اعتبار القراءة التفكيكية قراءة مغرضة (( على اعتبار أنها ممارسة نقدية توجهها نوايا فكرية، واهتمامات عقائدية. تستلهم قوتها من فلسفة التفكيك لما بينهما من نسب وسبب بل هذا النمط من القراءة يمتح من آليات التدمير، ويستمد معونته من الاستبداد الفكري في قراءة النص الأدبي))[80]. وعليه، إن أساس المنهج التفكيكي بهذا المعنى، هو غياب المركز الثابت للنص، فلا وجود لأصل ثابت يمكن الركون إليه لتقديم تفسير معين، أو قراءة موثوق بها، بل إن ما هو مركزي أو جوهري في قراءة ما، يصبح هامشيا في قراءات أخرى. وما هو هامشي في قراءة ما يصبح مركزيا في قراءات أخرى. وهذا ما يسميه التفكيكيون “اللعب الحر” free play للغة بحيث لا وجود لمركز ثابت، ولا لقراءة موثوقة أو مفضلة، فالوحدات أو العناصر اللغوية المكونة للنص دائما في حالة لعب حر مادام النص نسيجا غير متجانس مليء بالشروخ والفجوات والثغرات ويعج بالكسور، وبالتالي فإن كل قراءة هي لا قراءة. الشيء الذي يفسح المجال لمفهوم لا نهائية القراءات فلا فرق إذن، بين إساءة قراءة وإساءة قراءة أخرى على حد تعبير أحد منتقدي التفكيك جون إليس. من هنا يمكن إعادة موقف التفكيك هذا من النص إلى جذوره الفلسفية التي سبقت الإيماءة إليها والقائمة على أساس رفض المركز الثابت والعنصر المسيطر والثنائيات الضدية.
خاتمة:
هكذا وتأسيسا على ما سبق، يبدو جليا أنه ليس من السهولة بمكان، على أي كان، وتحت أي مبرر تجاهل وجود جذور معرفية (فلسفية) تأسس عليها المنهج التفكيكي. مما يجعل أمر التسليم بالأساس الفلسفي (الإيديولوجي) حقيقة واقعة لا محيد عنها. فالتفكيكية بهذا المعنى، امتداد لفلسفة الشك التي أرسى دعائمها فريديرك نيتشه من خلال دعوته الصريحة إلى تقويض العقل (اللوغوس) الغربي القائم على ميثافيزيقا الحضور وإعلانه عن “موت الإله”-العقل/المطلق/المتعالي/الحقيقة- كمقدمة نظرية “لموت المؤلف” عند رولان بارت ومن بعده فوكو ودريدا. لقد أسس نيتشه إذن، نقده للفلسفة العقلية/المثالية على مبدأ أن الحقيقة لم تعد فكرة ثابتة ومطلقة وساكنة، بل هي خاضعة “لإرادة القوة” فهي متحركة تختلف من شخص لآخر لأن العالم في نظره أصبح نصا مفتوحا قابلا للتأويل اللانهائي، بعدما حفر وراء المعرفة وشكك في قدرة العقل/المثال الذي صنع لكل شيء مركزا ثابتا وأعطاه معنى مطلقا ونظاما تراتبيا قائما على أساس الأصل والفرع والتابع والمتبوع والمركز والهامش. هذا الصنع اعتبره نيتشه وَهْما ميثافيزيقيا ينبغي تعريته وإماطة اللثام عنه وبالتالي فسح المجال للذات كي تمارس حريتها المطلقة. وبهذا التصور فتح الباب على مصراعيه للفوضى على حد تعبير فرانسوا لارويل ((فنظرة نيتشه عن مفهوم فوضى العالم، واعتبار العالم نصا لانهائي التأويل، جعلته، بحق رائد التفكيك في الفكر الغربي، إذ لا يوجد فرق بين دعاويه وتلك التي يقول بها دريدا، إن لم يكن دريدا نسخة طبق الأصل من نيتشه. وهذا ما يزيد من صحة ما تم إقراره أن النقد الحداثي لم يولد صدفة أو نشأ من فراغ)).[81] كما أن أثر الفلسفة الظاهراتية في الاتجاه التفكيكي تبدو واضحة للعيان من خلال مارتن هيدغر الذي يعد أول من سَكَّ مصطلح التفكيك في كتابه الموسوم بِ ” الكينونة والزمن” حيث استعمل كلمة “تدمير” كمرادف للتفكيك وكان المقصود هو تفكيك تاريخ المعرفة أو ما يسميه “وليام كارلوس وليامز” بحرق المكتبة باعتباره المخرج الوحيد لأزمة الإنسان الغربي المعاصر. فقد كان تفكيك المضمون التقليدي بالنسبة لهيدغر ضرورة ملحة لأنه يوفر إمكانيات التجديد والتحرر من كل القيود. وهو إذ يفعل ذلك، يروم إلى تقويض الفكر الفلسفي الغربي وزرع الشك في جل خطاباته وفتح المجال لتعدد القراءات ولانهائية الدلالة. لقد شكل إذن، هيدغر خلفية صلبة لمقولات جاك دريدا بحيث أن الأفكار الأساسية لتفكيك دريدا مثل الحضور والغياب، ولانهائية الدلالة ، وغياب المركز الثابت للنص، والتناص، وكذا مفهوم التدمير ذاته، تتطابق مع فلسفة هايديجر التأويلية بصورة تتخطى حدود وقع الحافر على الحافر. يترتب على ذلك، أن الاتجاه التفكيكي ظل وفيا للمناخ الثقافي الغربي الذي احتضنه ورعاه وتربى في كنفه فلا يمكن فصله عن التربة الحضارية التي ترعرع فيها. فالنماذج الفلسفية التي سبقت الإيماءة إليها ( نيتشه- هيدغر –هوسرل- سارتر- فرويد وغيرهم…) والتي تسعى إلى تفكيك قواعد التفكير الفلسفي الموروث كانت بمثابة خلفيات أو مرجعيات اتكأ عليها المنهج التفكيكي لبناء تصوراته القائمة هي أيضا على تقويض ميثافيزيقا الحضور، والمقصود بالميثافيزيقا هاهنا، وفق التصور التفكيكي كل فكرة ثابتة وساكنة مجتثة عن أصولها الموضوعية وشروطها التاريخية والمقصود بالحضور (حضور المعنى وتمثله أمام الذات، حضور الوعي لذاته…) بتعبير شوقي الزين. وهذا يؤكد نوعية العلاقة التي تربط دريدا بتلك النماذج الفلسفية المذكورة آنفا. ويؤكد أيضا أن التفكيكية وليدة مناخ ثقافي/فلسفي قام أساسا على الشك في جل المرجعيات التي قامت عليها الفلسفة الغربية سواء أكانت تجريبية أو عقلانية/مثالية أو حتى لاهوتية. بعيدا إذن، عن هذا الشطط المعرفي ، يمكننا أن نشاطر قول بارة عبد الغني حين يعتبر الفكر الفلسفي الغربي بمثابة الرحم التي تخلق فيها الجنين- المنهج التفكيكي- نطفة فعلقة فمولودا راسيا، لذا لم يكن المشروع الحداثي في القرن العشرين إلا ابنا بارا للمناخ الثقافي الفكري الذي تربى فيه، فأنى له، والحال هذه، أن يتنكر لأصله أو يكون ولدا عاقا لمن احتضنه ورعاه (انتهى قول الناقد). إن هذه الدعوة الصريحة تعكس إذن، مدى ارتباط المنهج النقدي الغربي بجذوره المعرفية الفلسفية التي كانت سببا في نشأته، مع أن النقد العربي المعاصر يعتقد أن المناهج النقدية المعاصرة لا تعدو أن تكون مجرد أدوات إجرائية لمقاربة النصوص الأدبية ليس إلا، متناسيا أن هذه المناهج تحمل في ثناياها مرجعيات معرفية وفلسفية تتماشى والخصوصية الحضارية الغربية التي انبثقت منها والبعيدة كل البعد عن الخصوصية أو الذائقة العربية فبينهما برزخ لا يبغيان. فالقضية ليست مسألة تبني أو استقطاب مثل هكذا مناهج نقدية بل الوعي بجذورها الابستمولوجية التي تطرح أزمة الآخر لا أزمة ال “نحن” تطرح سؤال الغرب لا سؤال العرب، سؤال الذات الغربية التي وصلت بفعل فلسفة الشك إلى دهاليز النزعة العدمية والغربة والضياع والتشتت والعبث واللامعنى والفوضى وقلب الطاولات والتي لم تجد لها سبيلا سوى الانتحار وقيادة البشرية نحو المجهول.
المصادروالمراجع:
1- أحمد عبد الحليم عطية: جاك دريدا والتفكيك، الفكر المعاصر، سلسلة أوراق فلسفية، دار الفارابي، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 2010.
2- بسام طقوس: استراتيجيات القراءة: التأصيل والإجراء النقدي، أربد، مؤسسة حماده ودار الكندي، 1998.
3- بشير تاوريرت: التفكيكية في الخطاب النقدي المعاصر، دراسة في الأصول والإشكالات النظرية والتطبيقية، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، دمشق،2010.
4- جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، ترجمة كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1988.
5- جاك دريدا: أحادية لغة الآخر، تر،عثمان الجبالي المثلوثي، كتاب فضاءات، الطبعة، الأولى2009.
6- جاك دريدا: صيدلية أفلاطون، ترجمة، كاظم جهاد، دار الجنوب للنشر –تونس-1991.
7- حميد لحمداني: الفكر النقدي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، منشورات البحث النقدي ونظرية الترجمة، كلية الآداب ظهر المهراز-فاس، الطبعة الأولى، 2009.
8- روبيرت جليولا:التناول الظاهري للأدب نظريته ومناهجه، تر،عبد الفتاح الديدي، مجلة فصول،المجلد الأول،العدد،3،أبريل، 1981.
9- رومان سلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، تر،جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع-القاهرة-1997.
10- سمير حجازي: مناهج النقد الأدبي المعاصر بين النظرية والتطبيق، دار الآفاق العربية، نشر- توزيع – طباعة، القاهرة، الطبعة الأولى،2007.
11- سامية راجح: التنقيب عن الأصول الفلسفية واللسانية للنقد التفكيكي، مجلة المعرفة السورية، العدد،558، 1مارس،2010.
12- سيد البحراوي: البحث في المنهج في النقد العربي الحديث، دار شرقيات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،1993.
13- الشهرزوري يادكار لطيف: الظاهراتية والنقد الأدبي الأصول الفكرية للمناهج النقدية قصيدة(جذر السوسن) لأدونيس ميدانا تطبيقيا، دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى،2015.
14-عبد العالي بوطيب: إشكالية المنهج في الخطاب النقدي العربي الحديث، عالم الفكر، المجلد 23، العددان 1و2، يوليو/ سبتمبر/أكتوبر/ديسمبر،1994.
15- عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، أبريل/نيسان، العدد 232، 1998.
16- عباس الجراري: خطاب المنهج، الرباط، الطبعة الثانية مزيدة، رجب 1416ه دجنبر 1995م.
17– عبد الغني بارة: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر: مقاربة حوارية في الأصول المعرفية، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2005.
18- عبد الله إبراهيم وآخرون: معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى،حزيران،1990.
19- عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، منشورات، عيون المقالات، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1990.
20- عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية مقدمة نظرية دراسة تطبيقية، دار سعاد الصباح، الطبعة الثالثة،1993.
21- عريعر عطية هيام عبد زيد: الخطاب النقدي العربي المعاصر وعلاقته بمناهج النقد الغربي، تموز للطباعة والنشر-دمشق، الطبعة الأولى،2012.
22- عزيز عدمان: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك، عالم الفكر، العدد،2، المجلد33،أكتوبر –ديسمبر،2004.
23- محمد شوقي الزين: تأويلات وتفكيكات فصول في الفكر الغربي المعاصر، دار الأمان، الرباط،2015.
24- محمد عناني: معجم المصطلحات الأدبية الحديثة، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة، الطبعة الثالثة،2003.
25-ماريا خوسيه إيفانكوس: نظرية اللغة الأدبية، تر، حامد أبو أحمد، مكتبة غريب، الفجالة،1992.
26- ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2002.
27- وليد قصاب، مناهج النقد الأدبي الحديث رؤية إسلامية، دار الفكر آفاق معرفة متجددة- دمشق- الطبعة الثانية،2009.
[1] -عبد العالي بوطيب: إشكالية المنهج في الخطاب النقدي العربي الحديث، مجلة عالم الفكر،م23 ع، 1و2، يوليو/سبتمبر/أكتوبر/ديسمبر،1994، ص:457.
[2] – نفسه، ص:457.
[3]– عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، مجلة عالم المعرفة، أبريل/نيسان، العدد 232، 1998، ص: 70.
[4]– سيد البحراوي: البحث في المنهج في النقد العربي الحديث، دار شرقيات للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى،1993، ص:111.
[5] – سيد البحراوي: البحث في المنهج في النقد العربي الحديث ص:9.
[6] — عباس الجراري: خطاب المنهج، الرباط، الطبعة الثانية مزيدة، رجب 1416ه دجنبر 1995م، ص:47
[7] – عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، منشورات، عيون المقالات، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1990، ص: 45.
[8] – جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، تر، كاظم جهاد، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء،ط 1،1988،ص:60/61.
– ماريا خوسيه إيفانكوس: نظرية اللغة الأدبية، تر، حامد أبو أحمد، مكتبة غريب، الفجالة،1992،ص:148.[10]
– بسام طقوس: استراتيجيات القراءة: التأصيل والإجراء النقدي، أربد، مؤسسة حماده ودار الكندي، 1998،ص:17.[11]
[12] – أحمد عبد الحليم عطية: جاك دريدا والتفكيك، الفكر المعاصر، سلسلة أوراق فلسفية، دار الفارابي، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 2010،ص:148.
[13] -نفسه، ص:150.
[14] – حميد لحمداني: الفكر النقدي المعاصر، مناهج ونظريات ومواقف، منشورات البحث النقدي ونظرية الترجمة، كلية الآداب ظهر المهراز-فاس، الطبعة الأولى، 2009،ص:204.
[15]– ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي إضاءة لأكثر من سبعين تيارا ومصطلحا نقديا معاصرا، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الثالثة، 2002، ص:108.
[16] – عريعر عطية هيام عبد زيد: الخطاب النقدي العربي المعاصر وعلاقته بمناهج النقد الغربي، تموز للطباعة والنشر-دمشق،ط1، 2012،ص:220.
[17] – عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:51-52-53.
[18] – سامية، راجح بشير تاوريرت: فلسفة النقد التفكيكي في الكتابات النقدية المعاصرة، عالم الكتب الجديدة للنشر والتوزيع، ط1،2009،ص:64.
[19] – نفسه،ص:64.
[20] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، ص: 380.
[21] – ميجان الرويلي وسعد البازعي: دليل الناقد الأدبي،ص:219-220.
[22] – عبد الغني بارة: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر: مقاربة حوارية في الأصول المعرفية، الهيئة المصرية العامة للكتاب،2005،ص:53.
[23] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، ص:379.
[24]– عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:60.
[25] – محمد عناني: معجم المصطلحات الأدبية الحديثة، الشركة المصرية العالمية للنشر، القاهرة، الطبعة الثالثة،2003،ص:51.
[26] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك، ص:379.
[27] – عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:63.
[28] – رومان سلدن: النظرية الأدبية المعاصرة، تر،جابر عصفور، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع-القاهرة-1997،ص:139.
[29] – وليد قصاب، مناهج النقد الأدبي الحديث رؤية إسلامية، دار الفكر آفاق معرفة متجددة، دمشق، ط2، 2009،ص:197.
[30] – جاك دريدا: الكتابة والاختلاف، ص:49.
[31] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:95.
[32] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ،ص:299.
[33] – نفسه، ص:300.
[34] – بشير تاوريرت: التفكيكية في الخطاب النقدي المعاصر، دراسة في الأصول والإشكالات النظرية والتطبيقية، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، دمشق،2010،ص:19.
[35] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:341.
[36] – كريستوفر نورس: التفكيكية النظرية والتطبيق، تر، رعد عبد الجليل جواد، دار الحوار للنشر والتوزيع، اللاذقية، سورية، ط2 ،1996،ص:65.
[37] – عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية مقدمة نظرية دراسة تطبيقية، دار سعاد الصباح، الطبعة الثالثة،1993،ص: 55.
[38] – عبد الله إبراهيم وآخرون: معرفة الآخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الأولى،حزيران،1990ص:123.
[39] – روبيرت جليولا:التناول الظاهري للأدب نظريته ومناهجه، تر،عبد الفتاح الديدي، مجلة فصول،المجلد الأول،العدد،3،أبريل، 1981،ص:183.
[40] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:309.
[41] – عزيز عدمان: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك، عالم الفكر، ع،2، م،33،أكتوبر –ديسمبر،2004،ص:88.
[42] – الشهرزوري يادكار لطيف: الظاهراتية والنقد الأدبي الأصول الفكرية للمناهج النقدية قصيدة(جذر السوسن) لأدونيس ميدانا تطبيقيا، دار الزمان للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، الطبعة الأولى،2015،ص: 88.
[43] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:171.
[44] – الشهرزوري يادكار لطيف:الظاهراتية والنقد الأدبي الأصول الفكرية للمناهج النقدية،ص:89.
[45] – نفسه، ص:88.
[46] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:308.
[47] عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ، ص:304.
[48]– عبد الغني بارة: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر،ص:108.
[49] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:362.
[50] – نفسه، ص:301-302
[51]– عبد الله إبراهيم: التفكيك: الأصول والمقولات، ص:37.
[52] – سامية راجح: التنقيب عن الأصول الفلسفية واللسانية للنقد التفكيكي، مجلة المعرفة السورية،ع558 ،1مارس،2010،ص:91.
[53] – نفسه، ص:91.
[54] – عبد الغني بارة: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر،ص:49.
[55]– عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية،ص:29-30.
[56] – بشير تاوريرت: التفكيكية في الخطاب النقدي المعاصر، دراسة في الأصول والإشكالات النظرية والتطبيقية،ص:27.
[57] – عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية،ص:46.
[58] – عبد الله الغذامي: الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية ،ص:52.
[59]– نفسه،ص:30.
[60]– بشير تاوريرت: التفكيكية في الخطاب النقدي المعاصر، دراسة في الأصول والإشكالات النظرية والتطبيقية، ص:28/29.
[61] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:377.
[62] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك ،ص:389.
[63] – ميجان الرويلي وسعد البازعي، دليل الناقد الأدبي،ص:54.
[64] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:308.
[65] – عزيز عدمان: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك، ص:54.
[66] – عبد العزيز حمودة: المرايا المحدبة من البنيوية إلى التفكيك،ص:386.
[67] – سمير حجازي: مناهج النقد الأدبي المعاصر بين النظرية والتطبيق، دار الآفاق العربية، نشر- توزيع – طباعة، القاهرة، الطبعة الأولى،2007،ص:86.
[68] – نفسه،ص:86.
[69] – سمير حجازي: مناهج النقد الأدبي المعاصر بين النظرية والتطبيق ،ص:87.
[70] – نفسه،ص:90-91.
[71] – سمير حجازي: مناهج النقد الأدبي المعاصر بين النظرية والتطبيق،ص:96.
[72] – جاك دريدا:الكتابة والاختلاف،ص:30.
[73] – عزيز عدمان: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك،ص:60.
[74] -جاك دريدا: أحادية لغة الآخر، تر،عثمان الجبالي المثلوثي، كتاب فضاءات،ط1،2009،ص:12.
[75] – عزيز عدمان: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك،ص:54.
[76] – نفسه، ص:58.
[77] – جاك دريدا: صيدلية أفلاطون، ترجمة، كاظم جهاد، دار الجنوب للنشر –تونس-1991، ص:13.
[78] – عزيز عدمان: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك،ص:58.
[79] – نفسه،ص:67.
[80] – نفسه،ص:57.
[81] – عبد الغني بارة: إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر،ص:49.