
“المفارقة” المصطلح والمفاهيم
د. شريف عبيدي/ جامعة العربي التبسي، تبسة، الجزائر
The Paradox” Term and Concepts/ Dr.Cherif Abidi / Tebessa University, Algeria
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 53 الصفحة 97.
ملخص :
إن المفارقة مصطلح يؤدّي عدة مدلولات في النصوص الإبداعية، وقد يختلف توظيفها من مبدع لآخر من حيث الأهداف المرجوّة منها، ولم يعرف هذا المصطلح استقرارا مفاهيميا فكان موازيا للتغيرات الحاصلة حوله من حوادث وأحداث، فهو ليس بمنأى وبمعزل عمّا يحيط به من عوامل مؤثرة في المبدع وبيئته، وتهدف هذه الدراسة إلى تتبع تطور مفهوم المصطلح وأهمية اعتماده كآلية من آليات النصوص الإبداعية.
Abstract;
The paradox is a term that leads to several meanings in the creative texts, and may vary from the creative to the other in terms of the desired objectives, and did not know the concept of stability conceptually was parallel to the changes that took place around it from accidents and events, it is not immune to the surrounding factors affecting the creator and his environment . This study aims to trace the evolution of the concept of the term and its importance as a mechanism of creative texts.
Double meaning –Tension – Contradiction The paradox- :Keywords
تمهيد:إن الأصول التي أوجدت المفارقة هي فلسفية بالأساس، حيث اعتبرت نشأتها مع سقراط أو ما اشتهر “بالمفارقة السقراطية”، ثم بدأت تتطور وتَنتقل شيئا فشيئا إلى بقيّة الفنون والأعمال الإبداعية الأخرى، إلى أن دخلت الحيّز الأدبي: «لا تظهر كلمة المفارقة في الإنجليزية حتى عام 1502، ولم تدخل في الاستعمال الأدبي العام حتى بداية القرن الثامن عشر، فمثلًا نجد “درايدن” يستعملها مرّة واحدة فقط، لكن اللغة الانجليزية كانت غنيّة بعبارات سائرة في الاستعمال اللفظي، يمكن أن نُعدّها مفارقة في طور التكوين»([1])، ونلمس المفارقة في عدّة فنون مختلفة، لكن الأدب يمكنه أن يُحاكي الأعمال الفنيّة بطريقة ساخرة لأن لغته تساعد على ذلك: «إن مجال المفارقة في الأدب أكثر اتّساعًا من ذلك، فالأدب مثل جميع الفنون يستطيع أن يُحاكي بأسلوب ساخر أسلوب فن آخـر، أو حِقبة أخرى ويستطيع مثل الفنون التّخطيطيّة أن يُصوّر مواقف ساخرة، لكن لغة الأدب أكثر قُدرة على التّعامل مع ما يقول الناس أو يُفكّرون، أو يشعرون أو يعتقدون ومن ثمّ على تناول الفرق بين ما يقول الناس وما يفكرون، وبين ما يُعتقد وما هو واقع الحال وهـذا بالضبط هو المجال الذي تنـشط فيه المفارقة»([2]).
تعريف المفارقة:
المفارقة لغة: في التعريف المعجمي لا نجد المفارقة كمصطلح، لكن التعريف نستمده من الجذر الثلاثي: (ف، ر، ق) بفتح الفاء والراء والقاف، ومصدرها (فَرْق) والفرق في اللغة خلاف الجمع. و”الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه” سُمي كذلـك لتفريقه بيـن الحق والباطـل ([3]). وجاء فـي أساس البلاغة “للزمخشري”: «وفرق لي الطريق فروقا وانفرق انفراقا، إذا اتجه لك طريقان فاسْتبان ما يجب سلوكه منهما، وطريق أفرق بيّن، وضم تفاريق متاعه أي ما تفرّق منه»([4]).
وفي القاموس المحيط: « فرق بينهما فرقًا وفُرقانا بالضّم: فصل: )فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(([5])؛ أي : يقضى )وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ(([6])، فصّلناه وأحكمناه: )وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ(([7])، أي فلقناه )فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا(([8])، الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل»([9]).
المفارقة اصطلاحا: إن مفهوم المفارقة مفهوم يتطوّر ويتغيّر من عصر إلى آخر، لذلك لا يُمكن الإمساك بمفهوم نهائي لها: «فكلمة مفارقة لا تعني اليوم ما كانت تعنيه في عصور سابقة، ولا تعني في قُطر بعينه كل ما يمكن أن تعنيه في قطر آخر، ولا في الشارع ما يمكن أن تعنيه في المكتب، ولا عند باحث ما يمكن أن تعنيه عند باحث آخر، فالظّواهر المختلفة التي تُطلق عليها المفارقة قد تبدو ضعيفة الارتباط ببعضها جدًّا»([10]).
لذلك فإن تعريفها مُرتبط بتاريخ استعمالها: «وتاريخ استعمال المفارقة هو تاريخ طويل، فهـو مفهوم مُتحرك غير ثابت، ومن هنا فإن أي تعريف لها على وجه المطلق يُعد جهلا والأخذ به سخف، فلا بدّ أن يكون تعريفها تعريفًا دقيقًا من حيث ارتباطها بزمن محدّد واستعمال محدّد أيضا، ويستدعي ذلك بالطّبع خلفيّة تاريخيّة عامة لنشأتها ولأهمّ التنقّلات الفكرية النوعيّة في تاريخها»([11])، وقد شبّهها: “دي.سي. ميويك” (D C Muecke) بالسفينة من حيث المفهوم المتحرّك والمتنقّل، حسب خصائص وسِمات الحقب التاريخيّة المؤثّرة فيها: «ويمكن تَشبيه مفهوم المفارقة في وقت من الأوقات بسفينة ألقت مراسيها، لكن الرّياح والتيّارات وهي قوى متغيّرة ودائمة تسحبها رويدًا عن مراسيها»([12]).
ومن بين التعريفات المتعلقة بالمفارقة: «أصلها لاتيني إيرونيئيا، وتعني التّحدث بسخرية أو ضد ما ننتظر سماعه»([13]).
تعرّفها “نبيلة إبراهيم” بقولها: «إنهـا لُعبة لُغوية ماهرة وذكيّة بين طرفين: صانع المفارقة وقارئها، على نحو يقدّم فيه صانع المفارقة النّص بطريقة تَستثير القارئ وتدعوه إلى رفض معناه الحرفي وذلك لصالح المعنى الخفيّ الذي غالبًا ما يكون المعنى الضّد وهو في أثناء ذلك يجعل اللّغة ترتطم بعضها ببعض، بحيث لا يهدأ للقارئ بال، إلا بعد أن يصل إلى المعنى الذي يرتضيه ليستقرّ عنده»([14])، فالنص يعمد إلى إثارة القارئ ويستفزّه لرفض المعنى الحرفي في انتظار المعنى الذي يريده، وهنا تكمن قدرة صانع المفارقة على جذب انتباه القارئ نحو النص.
وفي تعريف آخر إن المفارقة: «ما تقوله ظاهريًّا ليس ما يعنيه الباطن»([15]).
والمفارقة عند “علي عشري زايد“: «تكنيك فني يستخدمه الشاعر المعاصر لإبراز التناقض بين طرفين بينهما نوع من التناقض»([16]).
والمفارقة تبلّغ الحقيقة بطريقة ناعمة: «المفارقة تبلّغ الحقيقة بالتهكم أو السخرية أو المداعـبة، عكس ما نَتصوّره أو ما نستطيع قوله»([17]).
يقول “ناصر شبانة“: «إن المفارقة انحراف لغوي يؤدّي بالبنية إلى أن تكون مراوغة وغير مستقرة ومتعددة الدلالات، وهي بهذا المعنى تمنح القارئ صلاحيات أوسع للتّصرف وفق وعيه بحجم المفارقة»([18]).
ويعرّفها “محمد العبد” بقوله: «المنطوق يرمي إلى معنى آخر، يحدّد الموقف التّبليغي. وهو معنى مناقض عادة لهذا المعنى العرفي الحرفي»([19])، والمنطوق أو الكلام المتلّفظ لا يؤدّي المعنى المباشر، بل إلى معنى أو معاني أخرى إذ: «لا يوجد شيء مفارقي يقـرّر وجهة نظر مطلقة»(20).
وتجدر الإشارة إلى الخلط الذي وقع في التّرجمة العربية: «ولا شكّ أن الصّراع الدّائر في الترجمة بين ثلاثة ألفاظ في الإنجليزية هي: Sarcasm,Paradox,Irony، ففي الوقت الذي تُرجمت فيه Irony إلى السخرية أو التهكم أو حتى الخيال، ترجمت أيضا Paradox إلى التناقض أو المفارقة الضدية، أو جدل الأضداد»([20])، وهذا الخلط في الترجمات يعود: «إلى أن Irony تحتوي في بِنياتها بل في أكبر البنى على Paradox، ممّا يـمكن لها أن تتّسم به أو حتى تعرف به، أقصد الـ Paradox، ومن ثمة يمكن القول أنه في كلّ Irony يمكن أن تجد Paradox وليس العكس، أيضا الخلط نفسه بين Irony وSarcasm يرجع أيضا إلى أنه في كل Irony يمكن أن تجد Sarcasm وليس العكس»([21]).
عناصر المفارقة: ترتبط المفارقة بعدّة عناصر لتحقيق اِكتمالها وهذه العناصر تختلف من حيث النّوع والشكل، فكل عنصر له أهميّته وميزاته التي تفرّقه عن غيره من بقية العـناصر، وبما أن المفارقة هي في أصل توجيهها، توجّه إلى قارئ ليتمعّن فيها ويُعيد إنتاجـها؛ بالتالي فإن الأعمال الإبداعية تختلف من حيث الجودة. والمبدعون دائما ما وضعوا هذا الجانب في حُسبانهم خلال قيامهم بهاته الإبداعات، كذلك المفارقة تختلف في بنائها ودقّتها وقوة جذبها للمتلقّين، وكبقية الأعمال الأدبية الأخرى تحتاج المفارقة إلى عناصر عامة تقوم عليها:«ويمكن ترجمة هذه العناصر العامة إلى عناصر مفارقة كما يلي:
المرسـل صانع المفارقة
المستقبل متلق واع حذر يعيد إنتاج الرسالة
الرسالة البنية المفارقة / تخضع لإعادة تفسير»([22])، فهذه العناصر العامة تُؤطّر المفارقة وتُبيّن لمن تقال ومن يتلقّاها.
فالمبدع أو المرسل الذي يمثّل الآن صانع المفارقة حينما يُنجز مفارقته فإنه يضع في ذهنه متلقّي معيّن سيطّلع على عمله أو بالأحرى مفارقته محاولا تفكيك نسقها، وتَبيين المعنى المتضمّن في طيّاتها من خلال ما استنتجه من قراءته، التي توصـله في غـالب الأحيان إلى التّشكيك في المعنى الأوّلي الظـاهر، وتدفعه إلى البحث عن المعنى المقصود المخفي: «فالمفارقة تفرض على المخاطب تفسيرها السّليم، إنها تقوم بتبليغ Communication رسالـة تشمل على إشارة توضّح طبيعة هذه الرسالة Meta-Communication، وعندئذ توازي الرسالة الأصلية رسالة أخرى توضّح الطّبيعة الصّحيحة لمغزى المفارقة، ولذلك فإن حَل شفرة المفارقة يستلزم مهارة خاصة لفهم العلامة Marker، وهي مهارة ثقافيّة وإيديولوجيّة، يُشارك فيها المتكلم والمخاطب»([23])، فرسالة المفارقة في حقيقة الأمر تحمل رسالة أخرى تدل على المفارقة ومغزاها وتوضّح مقصودها، وتختلف مقصدية كل مبدع في وضع المعنى الذي يريد إيصاله أو تبليغه. والرسالة في نفس الوقت تتطلّب من المتلقي أن يمتلك مهارة وقدرة على إعادة التفسير.
ازدواج المعنى: إن هذا العنصر مهم في المفارقة وتحقيق اكتمالها، فقد ركّز أغلب الدارسين على أهميّته في البناء المفارقي، وإن نجد عدة اختلافات في تسميته من باحث إلى آخر إلا أن معناه ظل متقارب، أو مُطابق تقريبًا عند كل الدارسين “فنبيلة إبراهيم” تُسمّيه: «بوجود مستويين للمعنى في التعبير الواحد وهما: المستوى السّطحي والمستوى العميق»([24])؛ وهذا يعني أن النص سيكون تكوينه من مستوى أوّل ظاهري ومستوى ثان باطني: «المستوى السطحي للكلام على نحو ما نعبّر به والمستوى الكامن الذي لم يعبّر عنه، والذي يُلحّ القارئ على اكتشافه إثر إحساسه بتضارب الكلام»([25])، وفي النص أو الكلام هناك سِمة معـيّنة تُساعد القارئ على الوصول إلى المعــنى الباطن، الذي لم يصرّح به مباشرة: «ومعنى هذا أنه إذا لم يمُد المستوى السطحي للكلام، القارئ بالخيط الذي يعينه على اكتشاف المستوى الكامن للكلام الذي يقف على بُعد من المستوى الأول، فإنه لن تكون هناك مفارقة ولا نعني بذلك قارئًا محدّدًا، بل القارئ القادر على قراءة النّص بصفة عامة. وهذا يعني من ناحية أخرى أن القارئ شريك أساسي في صنع المفارقة»([26])، فالمفارقة تتطلّب مستويين في التعبير أو المعنى للمساعدة في نُضجها وتُمكن المتلقّي من فكّ معناها.
وتُسمي “سيزا قاسم” هذا العنصر بـ: “ثنائية الدلالة”؛ أي أن الدّال الواحد في التعبير يشتمل على مدلولين؛ المدلول الأول ظاهر، والثاني خفيّ: «وينشأ تعقيد المفارقة نتيجة لعملية شكلها encoding وحلّها decoding، ذلك أنها تشتمل على دال واحد ومدلولين اثنين؛ الأول حرفي ظاهر وجلي، والثاني متعلق بالمغزى، موحى به، خفي»([27])، وللوصول للمعنى الخفي هناك إشارة يتركها صاحب المفارقة تُسهّل العملية.
أما “سعيد شوقي” فيسمّي هذا العنصر بـ: “ازدواج المعنى”: «ولا شك أن وجود مستويين للمعنى في التعبير الواحد لا ينهض فقط على المستوى اللفظي من الأداء. ولكنه يشتمل أيضا أشياء أخرى غير لفظية مثل: الأفكار المجرّدة، المواقف والأزمنة، الأمكنة، الأشكال»([28])، فعلى مستوى المنطوق أو التعبير الواحد نجد معنيين في نفس الوقت.
ويضع “ناصر شبانة” لهذا العنصر تسمية “وحدة البناء وتعدّد الدلالة”، حيث تكون البنية اللغوية خزّانا لمعنى أو معاني مخالفة لما نلاحظه: «إذ لا بدّ من خلق بنية لغوية تشعّ بدلالات مُتعددة، أو في الأقل بدلالتين، ترتبطان غالبا بعلاقة الضد، ليتسنّى للقارئ أن يقوم بِدوره الاستثنائي في إدراك النص بعد تنحِية النص الحاضر والمباشر»([29])، وبهذا المفهوم لا يشترط “ناصر شبانة” معنى واحدا، بل نستطيع أن نجد عدة دلالات في النص لكن هناك ارتباط بين المعاني بعنصر الضدية، المعنى الحاضر يناقض المعنى أو المعاني الغائبة.
أما “دي. سي. ميويك“؛ فيُسميه السطح والعمق، الغشاوة والصّفاء، ففي تفريقه بين الأدب والفن الذي يشتمل على المفارقة يرى: «نحن الآن في وضع نستطيع معه أن نحدّد بعض أنواع الفن والأدب مما لا يتّصف بالمفارقة، بوصفها موضوع رؤية أحاديّة بالفعل، يمكن إدراكها مباشرة لأن الخصائص الشكلية، إما أن تُشكّل فوقها غشاوة كما قد يقال، وهو ما يستحوذ على اهتمامنا جميعا، أو أنها تغيب أمام المحتوى الذي تكشف عنه بصفاء وهو ما لا يقتصر عن الشكل في استحواذه على انتباهنا»([30])، فالأدب والفن المشتملان على مفارقة، يمكن تمييزهما من خلال الغشاوة والصفاء الموجودة فيهما وهو ما يسترعي اهتمامنا: «لذلك يجب أن يكون الفن والأدب المتميّز بالمفارقة مشتملًا على السّطح والعُمق. الغشاوة والصفاء، كما يجب أن يستحوذ على انتباهنا على مستوى الشكل إذ يوجّهنا على مستوى المحتوى »([31]). المفارقة تكون مشترطة السطح والعمق، الغشاوة والصفاء في الفن والأدب المشتملان عليها.
وتجدر الإشارة إلى أن “سعيد شوقي” خالف في التسمية كل من “سيزا قاسم“، و”خالد سليمان”، اللّذان وضعا لهذا العنصر تسمية “ثنائية الدلالة”: « ولقد اتفق جميع باحثي المفارقة على أهمية هذا العنصر في بناء المفارقة، وإن اختلفوا في تسميته، فتسميه “د.سيزا قاسم” ثنائية الدلالة، ويـتبعها في ذلك “د. خالد سليمان”، وأخالفهما في التسمية» ([32])، ويضيف “سعيد شوقي“: «فلا شك أن هناك فرقًا بين المعنى والدلالة فالمعنى يظهر في إشراك القارئ في فعل تكوينه (أي تكوين الفعل)، أمّا الدلالة فترتبط بالمعنى في اللحظة التي نهمّ فيها بترجمته إلى معرفة، وهذا السعي المحتوم وراء الدلالة يبيّن أننا باستجماعنا للمعنى ندرك نحن أنفسنا أن شيئا قد حدث لنا. ومن ثم فنحن نحاول العثور على دلالة، فالمعنى والدلالة ليس شيئا واحد، ولا يمكن أن تتأكّد دلالة المعنى إلا عندما يربط المعنى بإشارة خاصة، تجعله قابلا للترجمة في العبارات المألوفة»([33]).
التناقض: ويعني التضاد بين المستويين: المستوى السطحي والمستوى العميق، وهو شرط تقام عليه المفارقة وبرغم اختلاف تسمية المصطلح إلا أننا نجد على المستوى المفاهيمي ثباتًا يدُل على الاتّفاق في الرؤية، ففي المفارقة نجد أن العلاقة بين المعنى الأول الظاهر والمعنى الثاني المخبوء الباطن هي علاقة تناقض؛ أي التصريح بشيء والمراد نقيضه، وهذا العنصر ذا أهمية بالغة في بناء المفارقة: «وقد نقول بعبارة أخرى إن الكشف عن المعنى الحقيقي الذي يسوقه الكاتب لا ينتج عنه إلغاء قوة المعنى الظاهر، وقد يعني هذا أيضا أن المفارقة لا تتميّز بالغموض فحسب الذي يكتنف القول، بل الإحساس الغريب كذلك الذي يولّده اشتمالها على عناصر متعارضة، وتكمن الطبيعة الإشكالية في حَل دلالة المفارقة في هذا النوع من الغموض، ومن ثمّ فإن فنّ المفارقة يتحقّق حين يُقال الشيء دون أن يُقال. وحين يكون القصد مفهومًا دون أن يكون جلـيًّا»([34])، فحسب “سيزا قاسم” فإن المعنى الحقيقي لا يُلغي المعـنى الظـاهر والمفارقة تتحقّق حين نكتشف قصدية المعنى الذي هو ظاهر وغير ظاهر في نفس الوقت، فهي تشتمل على عناصر متعارضة يُطلب منّا تفكيكها.
والتناقض يكون موجودا في ثنايا النص، وهو عنصر أساسي لتحقّق المفارقة، ودور القارئ الكشف عنه: «لا يتمّ الوصول إلى إدراك المفارقة إلا من خلال إدراك التـّـعارض أو التناقض بين الحقائق على المستوى الشكلي للنص، وقد يُحدث هذا الإدراك لدى القارئ حالة من البَلْبلة بخاصة إذا كانت صنعة المفارقة قد قامت على تَعمّد الغموض، الأمر الذي يصل بالقارئ إلى حدّ أن يقف متردّدا في قبول بعض الحقائق دون بعض»([35])، فإذا كانت المفارقة قريبة إلى الغموض أو تتعمّده، يقع القارئ في لُبس يصعب معه الوصول إلى المعنى المراد تبليغه فتكثر في ذهنه المعاني وتختلط عليه. لذلك فإنه مُطالب بالخروج من حالة البلبلة لفهم مقصدية المفارقة: «ويتحقّق هذا التناقض على مستوى النص، بعرض مستويين من التماسك النصي يحتويان على توتّر بينهما، بحيث يؤسّس المستوى الأول شيئا ما ربما يكون فكرًا شائعًا أو اعتقادًا راسخًا، وربما تعتقده أنت المخاطب أنه اليقين الوحيد، أما المستوى الثاني فإنه يؤسّس إلى تأويل جديد، أو إمكانية أخرى محتملة تكون مختلفة عن ما هو سائد أو ما هو معقد»([36])، والنص المفارق يزرع الشك وحالة من اللّايقين في نفسية المتلقي، فتجعله يريد الخروج منها إلى أفق جديد، وهو كسْر للنّمطية السائدة فصاحب المفارقة هو من يقوم بتدوير الموقف وإخراجه: «ويبدو أن صاحب المفارقة يقول شيئا لكنه في الحقيقة يقول شيئا آخرا مختلفًا تمامًا، وضحية المفارقة مُطمئن أن الأمور هي على ما تبدو عليه، ولا يحسّ أنها في الحقيقة مختلفة تماما»([37])، والتناقض هنا يفعل فعلته في ذهن المتلقي فيقع ضحية لتصوّره لحقيقة المعنى من القراءة الأولى.
ويضع “سعيد شوقي” مصطلح “تنافر الإدراك” بدل مصطلح التناقض أو التضاد ويبرّر ذلك بقوله: «ولقد اخترنا لفظة التنافر دون غيرها عنوانا للعنصر الثاني، لأننا شعرنا أن كل الألفاظ المترادفة مع التضاد وإن كانت تُصور حالة من المواجهة بين مستويين، لا تُبين الأثر النفـسي لكل مستوى على الآخر بقـدر ما تُبّينه لفظة التنافر»([38])، فسعيد شوقي يُركز على الجانب النفسي الذي يخلّفه النص من خلال القراءة فيبرُز هذا الجانب مع لفظة التنافر أكثر منه في لفظة التضاد.
التظاهر: يرتبط التظاهر ارتباطًا شديدًا بالمفارقة؛ حيث أن المفارقة في النصوص والتعابير لا تخلو منه، وكما سبق وأشرنا أن سقراط اعتمد على التظاهر في محاورة خصومه للوصول إلى كسْر هيْمنة المسلّمات المتواضع عليـها، والتي أصبحت محل شك في مصداقيتها، والمفارقة في النصوص تعتمد سِمة التّظاهر وحين كَشف هاته المفارقة نَلمس تلك السّمة في طيّات هاته النصوص.
ويتوجّـب التّـفريق بين النص المتظاهر والنص المخادع، كما يُورد “حسن حماد“: «غير أننا في هذا السّياق لا بد أن نُفرّق بين النص المتظاهر والنص المخادع صحيح أن كِليْهما يحمل مُراوغة ما، غير أن هناك اختلافا جوهريًّا وأساسيًّا بينهما، فالنـص المخادع يظهر في مظهر يُخفي وراءه حقيقة محجوبة لا يُراد لها أن تَنكشف، أمّا النص صاحب المفارقة فيَحمل معنى داخليًّا يُقصد له أن يُستنبط، وأن يظـهر لا أن يختفي، ولعل ذلك ما سيجعله حريصًا على أن يحمل داخله دائما علامات تدلّ على أنه نص مفارقة وليس نصا مخادعا»([39])، فالنص المتظاهر يتميّز بوجود إشارات لفك المعاني، أو المعنى المخبوء فيه، عكس النص المخادع الذي لا يريد للمعنى، أو المعاني داخله أن تُكشف وتظهر. ولنجاح المفارقة يجب أن تقوم بوظيفتين:
أ- المراوغة: وهي تكون أقرب إلى المفارقة اللغوية، وصانع المفارقة هنا يعتمد على اللغة في صنع مفارقته، مُستندا إلى مهارته في التّلاعب بها حيث يستخدم الحِيل اللغوية قَدر الإمكان: «والمفارقة في أخصّ خصائصها صنعة لغوية، فهي عندما تتعمّد أن تقول شيئا وتعني شيئا آخر كلية، وعندما تُثبت حقيقة ثم لا تلبث أن تلغيها»([40])، فالمفارقة تُعطي لنفسها حيّزا بالمراوغة كي لا تكون ثابتة بشكل مباشر.
ب- المغافلة: ترتبط بمفارقة الموقف، حيث يكون الأشخاص في حالة من الغفلة التي يقدّمهم بها صانع المفارقة:«ومجال عمل هذه الوظيفة، هو ذلك الجانب من المفارقة الذي اصطلح النقاد على تسميته بمفارقة الموقف، ويتمثّل عملها في إضفاء صفة الغفلة على الشّخوص التي تَنخرط في أدائها»([41])، فالتظاهر من سِمات المفارقة وفـي حـالات كثيرة نجدها قريبة من السذاجة في تظاهرها: «غالبًا ما ترتبط المفارقـة بالتظاهر بالبراءة وقد تصـل إلى حدّ التظاهـر بالسّذاجة أو الغفلة»([42]).
القرينة أو المفتاح: تمثل القرينة أو المفتاح الإشارات، التي يتركها المؤلف “صاحب المفارقة” لمتلقي المفارقة لحلّ الـمُبهم فيها للوصول للمعاني الـمُضمرة في نصّه، وهي في الغالب تكون قرائن سياقية: «إن صانع المفارقة الذي يقوم بإغلاق البنية، أو بالأحرى فتحها على أكثر من احتمال، لا بد أن يقدم لقارئه المفترض مفتاحا، ليتمكن من العثور على المعنى المخبأ في ثنايا البناء، وهذه المـفاتيح عادة ما تكون قرائن سياقية لا قرائن لفظية، فليس من مهام صانع المفارقة أن يقدّمها لجمهوره على طبق من فضّة، بل عليه أن يـترك له حرية الاختيار ومن يدري؟ فلربما يقع هذا القارئ ضحية إضافيـــة من ضحايا المفارقة، أمام قـارئ أشدّ ذكاء وأكثر خُـبـثًا»([43])، فالمفتاح هو واسطة القارئ لِكشف المعنى الباطن الذي لا يظهر من الوهلة الأولى.
التّعدد أو عدم الإجماع: هذا العنصر يُشير إلى أن النص مُتعدّد الدلالات وهو لا يخطئ اعتقاد القارئ بشكل مباشر؛ وإنما يمنحه دلالات جديد ومتعددة تخالف اعتقاده:«أما التّعددية بالنسبة للنص المفارق فهي بانورامية الرؤية، وهي أيضا شكل من أشكال التّذكير بالموضوعية ولكن عن طريق طرح الرّؤى المتعددة، لا يقول لك النص مباشرة بأنه يخطئ ما تعتقده أنت القارئ، بل يحاول إمّا على استحياء أو جهارًا طبقًا لِنبرته في القول، أن يطرح عليك طرقًا مُتعددة تخالف ما تعتقده أنت، إنه يحاول أن يجد لك بدائل فيأخذ بيدك من ضيق الكائن إلى رحابة الممكن»([44])، فالنص المفارق يحاول خَلْخلة يقين القارئ وتَغيير تصوّره حِيال بعض المواقف: «إن النص المفارق يؤسّس في هذه الحالة، حالة التعدد لمستويات محتملة من التّماسك النصي دون أن يتحيّز لأي منها، إنه يُخلْخل فحسب فكرة القارئ وموقفه من اعتقاد مُعين، بطرحه بدائل ممكنة أو تصوّرات مغايرة لتصوّره وهو ما يتّضح في أعلى صوره في مفارقة “اللّبس” أو “اللاجزم” التي تتبنّاها بعض النصوص الأدبية الحديثة»([45])، النص لا يقودنا إلى حقائق مباشرة، وهذه مِيزة النص المفارق الذي لا يميل إلى أيّ احتمال من الاحتمالات الواردة، بل يترك القارئ لحريته التي تَقوده إلى ما يريده، مُقترحا بدائل معيّنة مع ترك الأبـواب مفتوحة علـى كل الاحتمالات والاعتقادات: «وهذا يقتضي أن تُفسر رسالة المفارقة تفسيرات متفاوتة ومتباينة وهذا التفاوت هو ما يولّد أشكالا مختلفة من التلقي ويتفاوت أصحابها ما بين قارئ متميز وغافل غرير»([46])، وهنا يقع التفاوت بين القُراء في تفسير النص المفارق؛ فنجد الفروقات بين التفسيرات حسب درجة وعي كل قارئ فتختلف القراءات.
التّعدد أو عدم الإجماع ضـروري للمفارقة: «ويـبدو أن عدم الإجماع ضــروري كذلك ليمكن تمييز المفارقة عن سواها من الأجناس البلاغية»([47]). فقد يقع تشابك بين المفارقة وبقيّة الأجناس البلاغــية، في حالة وجود عدم تعدّد أو عدم إجماع، لذلك فوجوده مهم في النصوص المفارقية.
الضحية: وهذا العنصر ذو أهمية بالغة في عملية المفارقة، لأن النصوص أُلّفت وأُبدعت ليستقبلها المتلقّون والقُراء، وهذا القارئ، أو المتلقي (الضحية)، لا بدّ من وجوده ليكون فريسة للمفارقة؛ وتعتبر الضحية: «مُتـهمة وبريئة ولكنها في الوقت نفسه تدعي لنفسها ما هو مبالغ فيه على سبيل الافتراض فحسب، وهو ما يجعلها هشّة وغير محصّنة ومُعرضة للهجوم ممن هو أعلى منها »([48]).
وهناك قارئ يتمكّن بِوعيه من كَشف المفارقة، وقارئ آخر يقع ضحية المفارقة حين لا يتمكن من فكّ رموزها:«فمقابل ذلك المتلقي شديد الوعي بالمفارقة ثـمّة من تَنْطلي عليه لعبة المفارقة فلا يفلح في فك الشفرة الخاصة بها، فيقع ضحية لها والذي يحدّد دور الضحية هو زاوية نظر الكاتب الذي يكتشف أن صنارته غمزت والقارئ مُكتشف المفارقة الذي قد ينظر إلى الضحية نظرة المتعاطف أو الساخر أو كليهما»([49])، وبالتالي فمكتشف المفارقة يتحول إلى ساخر أو متعاطف من الضحية الذي لم يدرك مغزى المفارقة:«وثمّة سؤال يُطرح هنا، فهل يُدرك الضحية أنه كذلك؟ والواقع أنه لا يُدرك حقيقته، بل يُدركه المراقب أو صانع المفارقة ومتى أدرك ضحية المفارقة أنه كذلك كفّ عن التصرف بوصفه ضحية. وبالرغم من أنه يتحوّل إلى ضحية أمام نفسه فقط ولفترة وجيزة»([50])، ومراقب المفارقة يتعرف على الضحية ويُدرك وقوعها فريسة للمفارقة: «وهذا ما يجعل المفارقة مُنطوية على المضحك والمبكي في آن واحد، ولهذا فهي قد تدفع القارئ إلى البسمة التي تختفي بمجرد أن ترتسم على، الشفاه وهذا مَلْمح مُهمّ في المفارقة يحُول بينها وبين أن تختلط بفنّ النكتة»([51])، فالمفارقة تترك الضحية في حيرة من أمره لفترة وجيزة، ثم يستفيق من حيرته على وقع ابتسامة مما حدث له.
أنواع المفارقة: ليس من السهل حصر كل أنواع المفارقة فهي كثيرة وتختلف من دارس إلى آخر، فنجد عناصر ذكرها باحث ولم يذكرها آخر، فهو موضوع متّسع ومُتشعّب: «قسّمت المفارقة في الدراسات الحديثة إلى أنواع عديدة، مما أصبح يصعب على الدارس حصر كل الأنواع أو الأنماط، وبعض هذه الدراسات انطلقت في تقسيمها للمفارقة من ناحية درجاتها، وبعضها انطلق من ناحية طرائقها وأساليبها، وبعضها من ناحية تأثيرها، وبعضها من ناحية موضوعها»([52])، فقد كان التقسيم مفتوحًا على أنماط متعددة حيث كثرت الأنواع واقتربت مفاهيمها في كثير من الأحيان.
المفارقة اللفظية: والمقصود بها أن المعنى الظاهر للفظ يُغاير ويُناقض المعنى العميق: «والمفارقة اللفظية في أبسط تعريف لها هي شكل من أشكال القول يُساق فيه معنى ما في حين يُقصد منه معنى آخر، غالبًا ما يكون مخالفًا للمعنى السطحي الظاهر»([53])، وهي في هذه الحالة تخالف في المعنيَيْن السطحي والظاهر، وقد اعتبر ناصر شبانة هذا النوع من المفارقة أكثر الأنواع التي درست ونالت اهتمام الباحثين: «ويبدو أن المفارقة اللفظية Verbal Irony تحظى بنصيب الأسد من تعريف المفارقة بشكل عام، ولذلك ليس من الغريب أن تبدو كالقاسم المشترك بين جميع من كتبوا عـن المفارقة وأشكالها، فهي الشكل الأبرز والأشهر من أشكـال المفارقة واحتلّت مـساحة لا بأس بهـا في دراسات المفارقة وأبحاثها»([54])، كانت المفارقة اللفظية من أهمّ المفارقات التي بحث فيها الدارسون، حيث يكون التناقض في المدلول هو ما يدفع القارئ للبحث عن المعنى المراد: « وتكون المفارقة اللفظية حين يؤدّي الدّال مدلولين نقيضين: أحدهما قريب نتيجة تفسير البنية اللغوية حرفيّـًا، والآخر سياقـي خفي يجتهد القارئ في البحث عنه واكتشافه »([55]). يعرفها “محمد العبد” بقوله: «والمفارقة اللفظية في أبسط تعريف لها، هي شكل من أشكال القول، يُساق فيها معنى ما، في حين يقصد فيه معنى آخر، يخالف غالبا المعنى السطحي الظاهر»([56]) .
وفي تصور آخر لمفهوم المفارقة اللفظـية ما يورده نعمان “عبد السميـع متولي”: «فالمفارقة اللفظية هي التي يكون بها المعنى الظاهري واضحًا ولا يتّسم بالغموض وله قوّة دلالية مُؤثرة، وكثيرا ما يكون المعنى فيها هجوميا وخاصة في شعر الهجاء، وهذه المفارقة يتعمّدها الشاعر ويخطّط لها، عبر التضاد بين المظهر والمخبر»([57])، وفي رأيه المعنى الظاهري يكون واضحا ومُبتعدا عن الغموض وغالبًا ما يكون المعنى المقصود لمهاجمة خصم أو ذكر عيوبه: «فالمفارقة اللفظية هي تغيّر في المعنى، أو تغيّر للكلمة من المعنى المباشر إلى المعنى غير مباشر ولا بد من حدوث انقلاب في الدلالة»([58]).
ويضع: “دي.سي. ميويك“: نوعين من المفارقة اللفظية:
أ-المفارقة الهادفة: وهي أن صاحب المفارقة يقدّم نصّه مُنتظرا أن يُفهم المعنى النقيض للمعنى الحرفي:«إن المفارقة الهادفة لعبة يقوم بها اثنان (رغم أنها أكثر من ذلك)، فصاحب المفارقة الذي يقوم بدور الغرير، يَعرض نصًّا ولكن بطريقة أو سياق يدفع القارئ إلى أن يرفض ما يعبّر عنه من معنى حرفي، مُفضّلا ما لا يعبّر عنه النص من معنى مَنقول ذي مَغزى ونقيض»([59])، حيث أن المعبّر عنه يتمّ رفضه بِدافع يدفع القارئ إلى ذلك: «ففي المفارقة الهادفة يقول صاحب المفارقة شيئا مـن أجل أن يُرفض على أنه زائف، مُساء استعماله، من جانب واحد»([60]).
ب- المفارقة الملحوظة: هي أقرب للمسرح: «جميع المفارقات الملحوظة “مسرحية” بحكم التعريف، من حيث أن وجود مراقب ضروري لاستكمال الـمفارقة»([61])، ووجود المراقب ضروريًّا في المفارقة الملحوظة، كي يلاحظ سَير الأحداث:«إنها شيء يمكن في الأقل تَصوّر حدوثه. قد نقول إنه من باب المفارقة أن يَنخدع شخص على يد شخص أراد الأول أن يخدعه، ولكن لأجل أن نستطيع قول ذلك، يجب أن نكون قد أقَمنا مسرحًا ذهنيًّا نقوم فيه نحن بدور المراقِب غير المراقَب، نرى الموقف بوضوح كما هو عليه ونشعر بعض الشّيء بقوة اللّاوعي المطمئن لدى الضحية»([62]).
المفارقة الدرامية: ترجع جذور المفارقة الدرامية وارتباطها إلى المسرحي اليوناني سوفوكليس، وفي بعض الأحيان تسمّى مفارقة سوفوكليس([63]). حيث الشّخصية المسرحية تقول أقوالًا ولا تعرف المصير الحقيقي لواقع الحال فَوعْيها يكون منصبًّا على حوادث معيّنة فإذا بها النهاية تكون عكس ما كانت تَعِيه: «وأكثر ما نجد المفارقة الدرامية في الفنون الدرامية التي ترتفع فيها وتيرة الحدث وترتبط أكثر ما ترتبط بالفنون النثرية، ونادرًا ما نجد المفارقة الدرامية في الشعر، إلّا إذا كان ذا بناء درامي، وهذا يعني أن الشعر الغنائي أكثر اِلْتصاقا بالمفارقات اللفظية» ([64])، حيث نجدها تكثر في المسرحيات والفنون النثرية التي تُبنى على المفارقة الدرامية، وتَقِل في الشعر لأن دور المفارقة الدرامية أساسا يكون في الفنون النثرية بأكثر دقّة ووضوح وفاعلية: «عند دراسة المفارقة الدرامية Dramatic Irony نجد أنفسنا مباشرة أمام دراسة المفارقة في الحبكة الروائية، وعندئذ يجب أن نُفرق بين المادة الخام القصصية الأساسية Fabula، أي مجموع الأحداث المروية في السرد، والحبكة syuzhet التامّة أي القصة كما تحكى بالفعل عن طريق ربط الأحداث معا بالتقديم والتأخير، فإذا كانت المادة القصصية هي ماذا حدث، فالحبكة هي كيف أصبح القارئ واعيا بما حدث أي أن الحبكة نظام ظهور الأحداث في العمل الأدبي نفسه، سواء على النحو التقليدي من حيث الترتيب الزمني أو على نحو استرجاعي أو على نحو آخر»([65])، فالمفارقة الدرامية قريبة من الحبكة في العمل الروائي حيث يصبح القارئ أكثر وعيًا بمجرى الأحداث وسَيرها: «ومما لا جدال فيه أن الكاتب الذي تكمن موهبته في الصياغة اللفظية فإن أنماط المفارقة عنده ستكون في غالبيّتها من أنماط المفارقة اللفظية المجرّدة، أمّا الكاتب الذي وُهب خيالًا دراميًّا فإن المفارقة عنده ستكون مفارقة درامية»([66])، فهي تعتمد على اتّساع الخيال والقدرة على تحويره دراميا.
المفارقة البنائية: تُعتبر نوعًا مُهمًّا من أنواع المفارقة، وتتمثّل في قُدرة القارئ على تخيّل ما يريد الكاتب أو المؤلف الوصول إليه من معنى، وفي الوقت نفسه يكون البطــل أو الرّاوي فيها غير مُدرك للمعنى: «فالمفارقة البنائية هي التي تَتولّد منها المـعاني المتعددة للنص، وتختلف حَسب فكر القارئ وثقافته ويتخيّل ما يقصده ويَرمي إليه الكاتب، وفي هذا النوع من المفارقـات الأداة الشائعة هي اختلاق البطل الساذج أو على الأقـل، الرّاوي أو المتحدّث الساذج الذي يتخفّى وراءه المؤلف بوجهة نظره، والمفارقة البنائية تعتمد على معرفة مقصد المؤلف الساخر الذي هو من نصيب المستمع، ولكنه مجهول عند المتكلم»([67])، حيث يكون المتلقي على علم بالأحداث عكس الشخصية (المتكلم) التي تكون غير مُدركة لمجرى الأحداث، وهي قريبة الشّبه بالمفارقة اللفظية، كما يرى “ناصر شبانة”: «وهي كالمفارقة اللفظية وسيلة من وسائل تَوكيد وظهور دلالتين ضديّتين إحداهما ظاهرة والأخرى باطنة. غير أن المفارقة البنائية تحتّم جهل المتكلم بما ينبغي على القارئ معرفته، من معنى خفي»([68])، والاختلاف بينهما هو أن المتكلم في المفارقة اللفظية يكون على علم بالمعنى في النص، أما في المفارقة البنائية يكون المتكلم جاهلًا بمقصدية النص والمعنى المراد إيصاله وتبليغه للقارئ.
وبحسب “محمد العبد” فإن هذا النوع موجود في القرآن الكريم: «وفي الخطاب القرآني يمكننا أن نرى شكلا للمفارقة هو أقرب شيء إلى المفارقة البنائية، وذلك حتى يجعل النص القرآني المحكم متكلّما آخر ينزل بغيره تهكما، فيصير هذا التهكم ذاته وقد انقلب إلى تهكم بالمتكلم الأول نفسه، والتهكم الذي يحمله المنطوق بصياغته وبنيته الخاصة، يخفى على ذلك المتكلم بالطبع، أو هو يجهله، ولكنه مفهوم ومدرك لدى المستمع أو قارئ النص»([69])، ومن أمثلة هذه المفارقة ما يورده “محمد العبد“: «ولعل من هذا النوع من المفارقات ما نجده في قوله تعالى: )قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ(([70]). والمفارقة هنا في التضاد الظاهر بين المنطوق الأخير: )إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ( والمنطوقات السابقة عليها في الآية»([71]).
مفارقة السلوك الحركي: هذه المفارقة لا تحتاج للّغة في وقوع مُكوّناتها على الضحية؛ بل تظهر كسُلوك وحركات تُبين كيفية تعامل من وقعت عليه (الضحية): «ترسم هذه المفارقة صورًا للسلوك الحركي، لمن تَقع منه أو عليه عناصرها ومُكوناتها، وهي حركة عضـويّة أو حركة جسميّة عامّة، تبرز فيها عناصر خاصة مثيرة للغرابة والسخرية»([72])، فالضحية هنا تقوم بعدّة حركات جِسمية عامة مُثيرة للسخرية نتيجة وقوعها فريسة لهاته المفارقة.
مفارقة السلوك الحركي تكون قنوات الاتصال فيها جسميّة حركيّة، وهذا الجانب له أهميّته في سيـاق المنظومة الاجتماعية: «إذا كان الاتصال اللفظي يؤدّي دورًا مُهمًّا في مواقف اجتماعية مُتعددة، فإن نمط الاتصال غير اللفظي، يؤدّي هو الآخر دورًا مهمًّا، سواء أكان مُصاحبًا ومُكملًا للنمط الأول، أم مستقلا»([73])، ومن الأمثلة التي تدُل على ذلك من القرآن الكريم ما يورده محمد العبد: «في ضوء ما تقدّم يمكنـنا أن نرى من هذا الـنوع من المفارقات القرآنـية، فـي قوله تعالى: )يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ(([74])، في هذه المفارقة نلحظ أن “من” تفيد التقليل»([75])، وهذه الآية تُبيّن لنا صورة المنافقين وهو يجعلون الأصابع في الآذان في مفارقة يوضّحها سلوكهم.
وهذا النوع من المفارقات يلعب فيه المراقب دورًا مهمًّا، شريطة عدم علم الضحية بوجوده ليكون ردّ فعله وسلوكه عفويًّا، وغير مُتكلّف أثناء وقوع المفارقة عليه: «هذا الضرب من المفارقات يحتاج إلى مراقب خفي لا يَنتبه إلى وجوده الشخص ضحية المفارقة، الذي لن يقوم بمثل هذه الحركات لو علم بمن يراقبه»([76]) .
مفـارقة النغـمة: هـي ما يظـهر في المنطوق من تضاد وجب تفسيره: «ومفارقة النغمة Irony of tone تعني أداء المنطوق – على الكلية- بنغمة تهكمية يُعوّل عليها في إظهار التعارض أو التضاد، بين ظاهر المنطوق وباطنه، بين سطحه وعُمقه، بحيث تَقتلع هذه النغمة التّهكمية محتوى ذلك الظاهر لمصلحة الباطن المضاد»([77])، حيث تكون النغمة التهكمية مفتاح المتلقي في إدراك المعنى المقصود، والتي تُحيل دائمًا أو في غالب الأحيان إلى المعنى المتناقض والمضاد للمنطوق.
ولا تختلف مفارقة النغمة عن المفارقة اللفظية كثيرًا، إذ تجمعهما خصائص عديدة: «ويبدو أن المفارقة النغمية تقترب إلى حدّ كبير من المفارقة اللفظية، فلا تختلف عنها إلا في أمرين؛ الأول: أن القرينة في المفارقة اللفظية سياقية، أما في مفارقة النغمة فهي نبرة المتكلم وطريقة تعبيره التي تَشي بعدم جدية المتكلم فيما يقول، مما يؤدّي إلى إعادة تفسير كلامه من جديد: والثاني هو أن المفارقة اللفظية تنحصر في بنية محدودة، تبدأ بالكلمة الواحدة وتنتهي بعدة كلمات، في حين تبدو مفارقة النغمة ناتجة عن الكلام المنطوق بأجمعه، مَهما بلغ عدد الكلمات فيه»([78])، ومكمن الاختلاف بينهما هو في القرنية التي تكون سياقية في المفارقة اللفظية، أما في مفارقة النغمة فنبرة المتكلمة وتهكمه، هي القرينة التي تَدفع المستمع إلى كَشف المعنى المضاد.
وظيفة المفارقة: لقد ارتبطت المفارقة بلغة الإنسان منذ القديم، هذه اللغة التي تُعتبر من أهم العناصر التي تميّز الإنسان عن بقية الكائنات: «عرف المجتمع الإنساني اللغة في أقدم صوره، فاللغة ظاهرة تميّز الإنسان عن الكائنات الأخرى. واختصّ بها فأتَاحت له أن يُكون المجتمع وأن يُقيم الحضارة»([79])، وبهذه اللغة استطاع الإنسان أن يُعبر عن أمانيه، وما يريده وما لا يريده، بطرق مختلفة، حيث نجدُ في التّعابير القديمة ما يُوحي بأن الإنسان أبدع في إنتاج الفنون الكثيرة، حول العديد من القضايا التي عاشها، والتي عاصرها، والتي لا تزال إلى اليوم مَحل دراسات ومَحل نظر، وهذا ما نجده بخاصة في الفن والأدب: «فعندما يظهر الفن والأدب نجدهما يتوهّجان بِنور الإبداع الحقيقي، إذ ليس من باب المصادفة أن معالم ثقافة ما قبل التاريخ كلها تقريبًا تُلاقي فهمًا لَدى الإنسان المعاصر، ومن الوجهة الجماليّة في المــقام الأول، إن العلم، أي الفكر المنطقي لا يستطيع أن يَستوعب التّخيلات الخارقة واختلاقات الإنسان القديم اللامعقولة وخرافاته، في حين يفتح الفن صَدره لاستيعاب الأساطير والخرافات والافتراضات الساذجة حَول الكون»([80])، فالإنسان بطبيعته يـَمرّ بعدة ظروف صعبة وقاهرة ومُتغيرات في غير ما يَرُومه تجعله بحاجة ماسة إلى ما يُعينه على تجاوز هذا الظروف النّفسية، فتصبح الذات في حاجة إلى التجديد: «ولا سبيل إلى تجديد الذات الفردية والجماعية على السواء والارتفاع بمعنوياتها وتخليصها من عوامل القهر والإحباط غير العودة إلى الفطرة الإنسانية، هذه الفطرة التي ترشدنا إلى أن الإنسان لا يبكي فقط، ولكنه يضحك أيضا»([81])، فالإنسان بفطرته ميّال إلى الترفيه والضحك والابتسام ولا يَكتفي فقط بالبكاء والحزن.
ونجد المفارقة في الفن والأدب يكون دافعها جماليًّا: «ولذلك فإن الدّافع الفني والجمالي هو الذي يمارس الدور الأكبر من ضغوط صنع المفارقة، فكل ممنوع عـند القارئ مرغوب، والأبعد هو الأجمل. والغامض هو ما يَسعى القارئ إلى اكتشافه، من هنا يعمل القارئ مِعوله في جدار البنية اللغوية بحثًا عن كنز المعنى ولا شكّ في أن فَرحته لا توصف حينما يَعثر على المعنى المفقود»([82])، فالسبب الذي يجعل المبدع لا يبوح مباشرة بالمعنى، بل يَترك القارئ يبحث عنه هو سبب فني جمالي: «دَور الكلمة في القصيدة هو البوح والإيحاء الكُلي الإجمالي، وغير المحدّد. وأنها أي الكلمة ليست مُطالبة دائمًا بالدّلالة الواضحة المحدّدة الأحادية الاتجاه فاللغة الشّعرية، ذات طبيعة خاصة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الألوان والظّلال المختلفة، التي تُثيرها الكلمات»([83])، فبالضّرورة لا يكون المعنى والدّلالة واضحة؛ بل هناك احتمالات تُقرب لذهن القارئ المعنى المقصود، لأن هناك دافعًا يجعل المبدع يَبتعد بنصوصه عن التّصريح المباشر، فتكون كتابته تحمل غموضًا يَتعين على المتلقي فكّه للوصول للمقصود، وتَكثر هذه النصوص بشكل خاص في ظِل اشتداد القهر السّياسي. وفرض السّلطة قَوانينها الغاشمة على الشعوب: «عندما يشتدّ الطغيان والقهر السياسي والاجتماعي في أمّة من الأمم في عصر من العصور، فيُكبل حريّات الشعب ويفرض على أصحاب الكلمة، من شعراء وكتّاب ومُفكرين ستارًا رهيبًا من الصمت بقوة الحديد والنار، أو بقوة النّبذ الاجتماعـي – إذا كانت القوى المسيـطرة قوى اجتماعية وليست سياسية»([84])، وبسبب الضغط وتَقييد الحريّات، يلجأ المبدعون إلى أساليبهم الفنية الخاصة التي تساعدهم على التعبير عن آرائهم، ونقد واقعهم، ومن بين هذه الأساليب “المفارقة” التي تُنتج معاني مضادّة للمعاني الظاهرة: «فإن أصحاب الكلمة يلجؤون إلى رسائلهم وأدواتهم الفنية الخاصة، التي يستطيعون بواسطتها أن يُعبّروا عن آرائهم وأفكارهم بطريقة فنية غير مباشرة، لا تُعرّضهم لبطش السلطة الغاشمة التي غالبًا ما تكون آراء هؤلاء وأفكارهم مقاومة لها، وانتقادًا لطغيانها»([85]).
والمفارقة وسيلة من وسائل المقاومة حيث تولّدها أحيانًا البيئة المتسلّطة: «إن المفارقة هي إستراتيجية الإحباط واللامبالاة وخيبة الأمل، ولكنها في الوقت نفسه تَنطوي على جانب إيجابي، فقد نَنظر إليها على أنها سِلاح هجومي فعّال، وهذا السلاح هو الضـحك، لكنه ليس الضحك الذي يتولّد عن الكوميديا بـل الضـحك الذي يتولّد عن التوتـر الحاد الذي لا بدّ أن ينفـجر»([86])، ففي جوّ من الإحباط وخيبات الأمل تُنتج المفارقة الضحك، وهذا الضحك لا يؤدّي إلى التّرفيه؛ بل وظيفته إبلاغ وتوعية قبل الانفجار.
ومن أهمّ وظائف المفارقة كَسر المسلّمات والثوابت وتِبيان زَيفها: «فالمفارقة في الشعر مفارقة لغوية، تعتمد على تشكيل خاص يُفجر في اللغة الشعرية طاقاتها الكامنة، من أجل التّوصل إلى تشكيل يواجه الضرورة في الواقع، ويكشف عن زيف كثير من مسلّمات هذا الواقع»([87])، فهذا الواقع مليء بحقائق ومسلّمات زائفة تقوم المفارقة بكشفها وفضح خداعها: «والمفارقة تهدف إلى هَدم الثوابت والاشتغال على اللّامتوقع واختراق العادي وتجاوزه، والجمع بين المتناقضات والمتضادّات وفي أحيان أخرى بين المتشابهات في فضاء قد لا يصلح لذلك مما يعمل على توليد المفارقة»([88]).
فلا بدّ لِكل عمل أو صَنعة من هدف أو غاية تَصبو إليها، وكذلك المفارقة فهي تهدف إلى كشف المتناقضات وتعرية الواقع الإنساني لتَغوص في أعماقه: «فقد تكون سلاحًا للهجوم الساخر، وقد تكون أشبه بستار رقيق يشفّ عما وراءه من هزيمة الإنسان، وربما أدارت المفارقة ظهورها لعالمنا الواقعي وقَلبته رأسًا على عقب، وربما كانت تهدف المفارقة إلى إخراج أحشاء قلب الإنسان الضـحية، لـترى ما فـيه مـن متناقضات وتضاربات تثير الضحك»([89])، فهذا العالم الواقعي المتناقض والمهزوز، يفرض على المبدع وفقًا لرؤيته، نمطًا من الإبداع تكون اللغة فيه مُعبرة عنه: «وينبغي النظر إلى لغة المفارقة على أنها صورة من إيمان العصر المهزوز بكل القيم والحقائق، فالحقيقة النسبيّة تُولّد لغة نسبيّة والمعادلة التي تحتمِل وجهات نظر عدّة، ينبغي أن يُعبر عنها بلغة مراوغة تَقبل وجهات النظر المختلفة وتَـتداخل فيـها الأضداد، وتتّسع فيها مساحة الاجتهاد للقارئ»([90]).
وللمفارقة وظيفة إصلاحية تَتمّ من خلال معالجة الظواهر السلبية في المجتمع بطريقة فنية، ففي المفارقة السقراطية نَلمس كيفيّة محاورة سقراط لخصومه، محاولًا تَعديل الانحرافات في سلوكهم: «وهَداه تَفكيره إلى أن الانحراف السّلوكي، إنما هو نتيجة لازمة عن الانحراف الفكري: غموض، سوء الفهم، زيف في الوعي….إلى غير هذا أو ذاك من مظاهر المرض الفكري، بدءًا من أبسطها وأقلّها خطرًا، صعوداً إلى درجاتها العُليا الأشدّ خطورة، وبالتـّالي فلا بدّ من تصحيح المفاهيم، لِنصل إلى تلك الـرّكــائز الفكرية المكوّنة للحقّ والمتّفق عليها، فهذا هو الطريق إلى الاستقامة الخُلقية»([91])، فيجب مُعالجة الأمراض الفكرية عن طريق الوعي بها وتَفعيل الأسُس الفكرية المؤدّية إلى القِيم الأخلاقيّة، ويمكن أن تكون المفارقة أداة للتوازن: «وإذا كان من سـِمات العصر الأساسية أنه يَذر الإنسان في فوضى الاحتمالات، فلا أرض صَلبة يقف عليها، فإن المفارقة مَعنية هي الأخرى بإحداث التوازن من خلال السّمة نفسها، إذ لا تهدف المفارقة إلى جعل النّاس يصدّقون، بِقدر ما تجعلهم يعرفون»([92])، وهذه المعرفة التي تُعطيها المفارقة للناس، هل هي معرفة مؤكدة؟، ففي ظِل سِيادة عنصر الاحتماليّة والنسبيّة تَغيب الحقائق المطلقة، وتُصبح حقائق احتمالية: «وهم لا يعرفون حقائق بقدر ما يعرفون احتمالات لحقائق، ومن شأن الاحتمالات أنها لا تدع للإنسان أرضًا صلبةً يقف عليها، وهي سِمـة أساسيّة كذلك من سِمات المفارقة»([93]).
وتُساهم المفارقة في بناء وتماسُك النصوص، من خلال قدرة المبدع على توظيف الألفاظ والمعاني المتضادّة، توظيفًا يُدخل القارئ في النّسيج النصي: «وللمفارقة وظيفة مُهمة في الأدب بشكل عام والشّعر بشكل خاص، فهي في الشعر تَتجاوز حُدود الفِطنة وشدّ الانتباه، إلى إيجاد التّوتر الدّلالي في القصيدة عبر التضاد في الأشياء، الذي قد لا يتولّد فقط من خلال الكلمات المثيرة والمروعة في السياق بل عبر إمكانات الشاعر أو الأديب البارعة في توظيف مفردات اللغة العادية واليومية، وكلما اشتدّ التضاد، ازدادت حدّة المفارقة في النص»([94])، فحُسن توظيف المبدع للتضاد ودقّته يزيد من دقّة المفارقة، ويُنمّقها ويُسهل عملية البناء والتّماسك النصي: «فالمعنى يظل ناقصًا ما لم يكتمل بنظيره ولا يتحقّق المعنى إلا بنقيـضه، وهكذا يتحوّل مبدأ التضاد من مبدأ وجودي إلى مبدأ فكري مارّ من خـلال اللّغة، ليدخل في حركة جدليّة تحقّق الوحدة والتماسك»([95])، وقيمة المعنى الـمُنتج في المفارقة قيمة إقناعيّة، إذ تُساهم المفارقة بالمعاني المتناقضة فيها إلى إقناع المتلقي أكثر من المعاني الأخرى الجاهزة: «ويلاحظ أن المعنى الذي أعاد القارئ إنتاجه في المفارقة، سيُمسي أكثر إقناعًا وتأثيرًا مـمّا لو قدّمه الكاتب لقارئه على طَبق من لغة، فالإنسان يـُحبّ ما يكتشفه ويؤثره ويَقتنع به، بل يسعى لإقناع الآخرين به»([96])، ولذلك تُعتبر المفارقة أحد الأساليب الاجتماعية الفعّالة إذا لم تنجح الوسائل الإبداعية الأخرى في الإقناع: «وتُستخدم المفارقة في نهاية المطاف عندما تفشل كل وسائل الإقناع. وتُستهلك كُل الحُجج. ويـُخفق النقد الموضوعي، فعندئذ تَظل المفارقة هي الطريق الوحيد المفتوح أمام الاختيار»([97])، ففي المفارقة يـُمسي القارئ شريكًا في عملية إنتاج المعنى فهي لا تُفصح عن المعنى المقصود مباشرة، بل يقوم المتلقي حسب قراءته في اسْتحضار المعاني والتّفسيرات: «وتَكمن قيمة المفارقة في سَعيها الدّؤوب إلى تأجيل المغزى مما يُتيح للمعنى الحرفي البقاء، وهذا بدَوره يُفضي إلى مُتوالية لا نهائيّة من التفسيرات للمفارقة»([98]) .
إن تجديد الذات يُوصلها إلى مراحل افتِقادها للحقيقة، وهنا تكون المفارقة ملاذًا لها: «بُنيت نظرية المفارقة من حيث أنها تمثّل منطقة العبور من المحدود إلى اللّامحدود، ولا تصل الذات إلى هذه الحالة إلا بعد أن تمرّ بمراحل من الوعي الذي تُراجع فيه نفسها حتى إذا ما افتقدت الحقيقة، إذا بها تسعى إلى ذات تجريبيّة أخرى في عالم أكثر جدّة وأكثر إشراقًا، لأنه عالم لا يقيّده قَيد السببيّة ولا يقيّده زمان أو مكان »([99]).
ويرى نعمان “عبد السميع متولي” أن: «المفارقة جوهر في الأدب لأنها تقوم على الصّراع بين الأشياء: الحياة والموت، التصور والمألوف، الفاني والأزلي، ولأنها تَعكس الرّؤية المزدوجة في الحياة، فهي نظرة فلسفيّة لِلوجود من حَولنا، قبل أن تكون أسلوبًا بلاغيًّا»([100]).
فالمفارقة ليست: «مجرّد شكل جميل ذي نُكهة معيّنة»([101])؛ بـل هـي: «نظرة إلى العالم وموقف من حقيقة الأشياء»([102])، لذلك فإنها رؤية لِلعالم الغامض الـمُبهم والمتناقض، الذي لا يمكن فيه الاطمئنان للحقيقة ومَهما تأخّر استيعاب المتلقي للمعنى فيها، فإن وظيفتها لا بد وأن تتحقّق: «ومن غير الحكمة الغضّ من شأن هذه الأهداف التي تحقّقها المفارقة أثناء تحقّقها في العمل الأدبي، وقد تكون من تحصيل الحاصل، غير أن المفارقة لم توجد فجأة في ساح الأدب بقدر ما كانت صدى لوقْعها في الحياة، فإذا وقفنا على أهداف وجودها في الحياة كانت أهدافها في الأدب مُتحقّقة تلقائيا»([103]).
فالمفارقة في النصوص الإبداعية تساهم في جذب الانتباه، وجعل المتلقين يستسلمون تلقائيا وينشغلون بما تريد هذه النصوص إيصاله من معنى في ظل احتوائها على التوتر الدلالي والتضاد في المعاني، وتمثل المفارقة رؤية للعالم من خلال تضاد وتناقض ما يأمله الإنسان مع الراهن الحالي.
قائمة المصادر والمراجع:
قائمة المصادر:
القرآن الكريم
- الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن أحمد، أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ج2، ط1، 1997.
- حسن حماد: المفارقة في النص الروائي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، ط1، 2005.
- حسني عبد الجليل: المفارقة في شعر عدي بن زيد، الموقف والأداة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، مصر، ط1، 2009.
- دي. سي. ميويك: موسوعة المصطلح النقدي، تر: عبد الواحد لؤلؤة، المؤسسة العربية للدراسات العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، مج: 4، ط1، 1993.
- سعيد شوقي: بناء المفارقة في الدراما الشعرية، ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2001.
- عاصم محمد أمين بني عامر: لغة التضاد في شعر أمل دنقل، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2005.
- عبد العزيز شرف: الأدب الفكاهي، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، مصر، ط 3، 1992.
- علي عشري زايد: استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، (د.ط)، 1997.
- علي عشري زايد: عن بناء القصيدة العربية الحديثة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط5، 2008.
- محمد العبد: المفارقة القرآنية، دراسة في بنية الدلالة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط2، 2006.
- محمد عبدو فلفل: في التشكيل اللغوي للشعر، مقاربات في النظرية والتطبيق، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، ط1، 2013.
- محمود فهمي حجازي: مدخل إلى علم اللغة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، (د.ط)، (د.ت).
- ميادة كامل إسبر: شعرية أبي تمام، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، ط1، 2011.
- ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، أمل دنقل، سعدي يوسف، ومحمود درويش نموذجا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2002.
- نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق، مكتبة غريب، (د.ط)، (د.ت).
- نجلاء علي حسين الوقاد: بناء المفارقة في فن المقامات عند بديع الزمان الهمذاني والحريري، دراسة أسلوبية، دار الآداب، القاهرة، مصر، (د.ط)، 2006.
- نعمان عبد السميع متولي: المفارقة اللغوية في الدراسات الغربية والتراث العربي القديم، دراسة تطبيقية، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، مصر، (د.ط)،
- ابن منظور: جمال الدين مكرم بن مكرم: لسان العرب، دار صادر، بيروت، لبنان، ط 6، 1997.
- الفيروز أبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط3، 2005.
- أمينة رشيد: “المفارقة الروائية والزمن التاريخي”، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، مج: 11، ع: 4، 1993.
- خالد سليمان: “نظرية المفارقة”، مجلة أبحاث اليرموك،جامعة اليرموك، الأردن، مج: 13 ع: 2، 1995.
- سعيد إسماعيل علي: “فلسفات تربوية معاصرة”، مجلة عالم الفكر،الكويت، ع198، 1995.
- سيزا قاسم: “المفارقة في القص العربي المعاصر”، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، مج: 2، ع:2، 1982.
- غيورغي غاتشف: الوعي والفن، تر: نوفل نيوف، عالم المعرفة، الكويت،ع146، 1990.
- فيصل غازي محمد النعيمي: “رائحة السينما، دراسة في أنماط المفارقة ودلالاتها”، مجلة التربية والعلم، جامعة الموصل، العراق، مج:13، العدد 4، سنة 2006.
- Berrendonner-A: Eléments de pragmatique linguistique, Minuit, 1981.
- Fantanier –C: les figure des discours, Paris. Flammarion, 1997.
- A. Mazure: Dictionnaire étymologique de la langue Française, Usulle et littéraire, Paris, 1863, (Google Books).
- D et Wilson. D: les Ironées comme mentions, Poétique, 1978.
([1]) دي. سي. ميويك: موسوعة المصطلح النقدي، تر: عبد الواحد لؤلؤة، المؤسسة العربية للدراسات العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، مج: 4، ط1، 1993، ص141.
([3]) ابن منظور: جمال الدين مكرم بن مكرم: لسان العرب، دار صادر بيروت، لبنان، ط 6، 1997، مج: 10، مادة فرق، ص 299.
([4]) الزمخشري: أبو القاسم جار الله محمود بن عمر بن أحمد، أساس البلاغة، تح: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ج2، ط1، 1997، ص 20.
([9]) الفيروز أبادي: مجد الدين محمد بن يعقوب: القاموس المحيط، تح: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط3، 2005، ص 916.
([10]) دي. سي. ميويك: موسوعة المصطلح النقدي، ص129.
([11]) حسن حماد: المفارقة في النص الروائي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، ط1، 2005، ص21.
([12]) دي. سي. ميويك: موسوعة المصطلح النقدي، ص129.
(13) M.A –Mazure: Dictionnaire étymologique de la langue Franç aise, Usuelle et littéraire , Paris,1863(Google Books). p 482.
([14]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق، مكتبة غريب، (د.ط)، (د.ت)، ص 198.
(15)Berrendonner , A: Eléments de pragmatique linguistique, Minuit,1981 ,P220. (15)
([16])علي عشري زايد: عن بناء القصيدة العربية الحديثة، مكتبة الآداب، القاهرة، مصر، ط5، 2008، ص130.
(17)Fontanier-C-: Les figures du discours ; paris, Flammarion,1977 ,P145,146.
([18]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 42.
([19]) محمد العبد: المفارقة القرآنية، ص 15.
(20) Sperber. D- et Wilson –D: Les Ironies comme mentions, Poétique ,1978, P210
([20]) سعيد شوقي: بناء المفارقة في الدراما الشعرية، ايتراك للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 2001، ص 31، 32.
([22]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، أمل دنقل، سعدي يوسف، ومحمود درويش نموذجا، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط1، 2002، ص 52.
([23]) سيزا قاسم: “المفارقة في القص العربي المعاصر”، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، مج: 2، ع:2، 1982، ص 144.
([24]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق، ص 201.
([27]) سيزا قاسم: “المفارقة في القص العربي المعاصر”، ص 144.
([28]) سعيد شوقي: بناء المفارقة في الدراما الشعرية، ص 39.
([29]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث ، ص 52 ،53.
([30]) دي.سي.ميويك: موسوعة المصطلح النقدي، ص 14.
([32]) سعيد شوقي: بناء المفارقة في الدراما الشعرية، ص 39.
([34]) سيزا قاسم: “المفارقة في القص العربي المعاصر”، ص 144.
([35]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق، ص 201.
([36]) حسن حماد: حسن حماد: المفارقة في النص الروائي، ص 70، 71.
([37]) دي.سي.ميويك: موسوعة المصطلح النقدي، ص 46.
([38]) سعيد شوقي: بناء المفارقة في الدراما الشعرية، ص 51.
([39]) حسن حماد: المفارقة في النص الروائي، ص 62.
([40]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق، ص 214.
([41]) نجلاء علي حسين الوقاد: بناء المفارقة في فن المقامات عند بديع الزمان الهمذاني والحريري، دراسة أسلوبية، دار الآداب، القاهرة، مصر، (د.ط)، 2006، ص 23.
([42]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 53.
([44]) حسن حماد: المفارقة في النص الروائي، ص 71.
([46]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 54.
([48]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق ، ص 201، 202.
([49]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 53
([51]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق ، ص 202.
([52]) خالد سليمان: المفارقة والأدب، ص 24.
([53]) سيزا قاسم : “المفارقة في القص العربي المعاصر”، ص 144.
([54]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 64.
([56]) محمد العبد : المفارقة القرآنية ، ص 54.
([57]) نعمان عبد السميع متولي: المفارقة اللغوية في الدراسات الغربية والتراث العربي القديم، دراسة تطبيقية، دار العلم والإيمان للنشر والتوزيع، مصر، (د.ط)، 2014، ص 18.
([58]) نجلاء علي حسين الوقاد: بناء المفارقة في فن المقامات عند بديع الزمان الهمذاني والحريري، ص 32.
([59]) دي.سي.ميويك : موسوعة المصطلح النقدي، ص 171
([63]) خالد سليمان: المفارقة والأدب، ص 23.
([64]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 69.
([65]) حسن حماد: المفارقة في النص الروائي، نجيب محفوظ نموذجا ، ص 194.
([66]) خالد سليمان: المفارقة والأدب، ص 31.
([67]) نجلاء علي حسين الوقاد: بناء المفارقة في فن المقامات عند بديع الزمان الهمذاني والحريري، ص 220.
([68]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 71.
([69]) محمد العبد: المفارقة القرآنية، ص 103
([71]) محمد العبد: المفارقة القرآنية، ص 104.
([75]) محمد العبد: المفارقة القرآنية، ص 148
([76]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 71
([77]) محمد العبد: المفارقة القرآنية، ص 42
([78]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 72.
([79]) محمود فهمي حجازي: مدخل إلى علم اللغة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، (د.ط)، (د.ت)، ص 9.
([80]) غيورغي غاتشف: الوعي والفن، تر: نوفل نيوف، عالم المعرفة، الكويت،ع146، 1990، ص 11، 12.
([81]) عبد العزيز شرف: الأدب الفكاهي، الشركة المصرية العالمية للنشر لونجمان، مصر، ط 3، 1992، ص 4.
([82]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 73.
([83]) محمد عبدو فلفل: في التشكيل اللغوي للشعر، مقاربات في النظرية والتطبيق، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، ط1، 2013، ص22.
([84]) علي عشري زايد: استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر، دار الفكر العربي، القاهرة، مصر، (د.ط)، 1997، ص 32،33.
([86]) سيزا قاسم: “المفارقة في القص العربي المعاصر”، ص 144.
([87]) حسني عبد الجليل: المفارقة في شعر عدي بن زيد، الموقف والأداة، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر، مصر، ط1، 2009، ص 144.
([88]) فيصل غازي محمد النعيمي: “رائحة السينما، دراسة في أنماط المفارقة ودلالاتها”، مجلة التربية والعلم، جامعة الموصل، العراق، مج:13، العدد 4، سنة 2006، ص 193.
([89]) نبيلة ابراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق، ص 198.
([90]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 61.
([91]) سعيد إسماعيل علي: “فلسفات تربوية معاصرة”، مجلة عالم الفكر،الكويت، ع198، 1995، ص 11.
([92]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث، ص 75.
([93]) نبيلة ابراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق ، ص 202.
([94]) نعمان عبد السميع متولي: المفارقة اللغوية في الدراسات الغربية والتراث العربي القديم ، ص 14.
([95]) ميادة كامل إسبر: شعرية أبي تمام، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، سوريا، ط1، 2011، ص106،107.
([96]) ناصر شبانة: المفارقة في الشعر العربي الحديث ، ص 76.
([97]) سيزا قاسم: “القص العربي المعاصر”، ص 143، 144.
( [98]) عاصم محمد أمين بني عامر: لغة التضاد في شعر أمل دنقل، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، ط1، 2005، ص 48.
([99]) نبيلة إبراهيم: فنّ القصّ في النظرية والتطبيق ، ص 207.
([100]) نعمان عبد السميع متولي: المرجع السابق، ص 77.
([101]) خالد سليمان: “نظرية المفارقة”، مجلة أبحاث اليرموك،جامعة اليرموك، الأردن، مج: 13 ع: 2، 1995، ص 76.
([102]) أمينة رشيد: “المفارقة الروائية والزمن التاريخي”، مجلة فصول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، مج: 11، ع: 4، 1993، ص 157.