
الوقف والابتداء و أثرهما على معاني القرآن الكريم دراسة نظرية تطبيقية
د.إبري أمينة ـ كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة جيلالي ليابس بسيدي بلعباس-الجزائر-
Waqf and the beginning and their impact on the meanings of the Koran
applied theoretical study
Dr.ibri Amina ـ Faculty of Arts and Humanities at the
University of Jillali Laybes in Sidi Bel Abbes – Algeria –
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 50 الصفحة 25.
ملخص:
يهدف هذا البحث المتواضع لدراسة علم مهم من علوم القرآن التي تفرض على قارئ القرآن أن يكون على أتم الدراية به وهو علم الوقف والابتداء،تطرقت في هذا المقال إلى التعريف بهذا العلم وأنواعه لكي تتضح الصورة أكثر،بالرغم من أنه هناك كتب كثيرة ودراسات تطرقت لمفهوم الوقف والابتداء ولكن طبيعة فرضت ذلك،ثم تطرقت لنماذج تطبيقية للوقف والابتداء في القرآن الكريم،وفي الأخير تطرقت لخاتمة عرضت فيها أهم نتائج الدراسة.
Abstract:
This humble research aims at studying the important science of Quranic sciences that compel the reader of the Qur’an to be fully aware of it, namely, the science of endowment and beginning. This article deals with the definition of this science and its types in order to make the picture clearer. Although there are many books and studies And the beginning, but nature imposed it, and then applied to the models of application of the moratorium and start in the Koran, and finally touched on the conclusion presented the most important results of the study.
مقدمة:
حبا الله الأمة العربية عندما أنزل القرآن الكريم بلسانها فزاد لغتها تشريف وتعظيما ،واللغة العربية من اللغات السامية التي عرفت بزخمها اللفظي والمعنوي على غرار نظيراتها .
والقرآن الكريم منهل لاينضب، يغذي بروحه علوم متعددة ومتنوعة من المستحيل حصرها مادام هو مصدرها الأول ،ومن بين هذه العلوم التي كان شرفها وعظمتها من عظمة مشرفها علم الوقف والإبتداء -هذا الأخير- الذي ألفت
فيه كتب عديدة منها:علل الوقوف للساجوندي،والوقف اللازم لأبي عبد الرحمان جمال ابن ابراهيم القرش،وكتاب إيضاح الوقف والابتداء للأنباري ،ويعدهذا العلم من أكثر علوم القرآن خطورة لأهمية البالغة ودروه العظيم في تغيير المعاني،وهنا تكمن إشكالية الموضوع :فهل يحدث حقا الوقف والابتداء أثرا على معاني القرآن الكريم؟ولهذا السبب أردت أن يكون موضوع بحثي أثر الوقف والابتداء على معاني القرآن الكريم دراسة نظرية تطبيقية،والإجابة على هذا السؤال فرضت علي اتباع خطة محددة،تمثلت في تعريف بعلم الوقف والابتداء،وأنواعه،ثم تطرقت إلى نماذج من القرآن الكريم في الوقف والابتداء،متبعة المنهج الوصفي التحليلي،لأني تطرقت لمجموعة بسيطة من الآيات وما وقع فيها من وقف وابتداء.
*الوقف وأنواعه:
1-تعريف الوقف:
الوقف ظاهرة من الظواهر الصوتية التي لها أثر عظيم في إبراز المعنى، و هو عملية تلقائية يتطلبها النطق السليم للغة من أجل إيصال المعنى و تبليغه، و لهذا لا يمكننا مطلقا أن نتصور كلاما متلاحقا و ممتدا في موضوع ما، دون أي وقوف في الكلام فهذا أمر يتسبب في وقوع لبس في المعنى([1]
سمي هذا النوع بهذا الاسم لأنه يعرض للقارئ أثناء قراءته فيضطر إليه،وقد يكون سبب ذلك انقطاع نفس أو ضيقه أو عجز عن القراءة أو نسيان لها، أو أي عذر يحيل على القارئ مواصلة القراءة([2]) ،و لهذا السبب يجوز للقارئ إذا تعرض لمثل هذه الأشياء الوقف على أي كلمة و إن لم يتم المعنى.
2-أنواع الوقف:
الوقف الاختباري :
و هو أن يأمر الأستاذ تلميذه بالوقف على كلمة ليختبره في حكمها من قطع أو وصل، أو إثبات أو حذف، أو وقف عليها بالتاء أو بالهاء. لا يكون هذا النوع من الوقف إلا بالرسم لبيان المقطوع و الموصول من الكلمات و الثابت و المحذوف، و المرسوم بالتاء و الهاء([3]).
و الهدف من هذا الوقف هو سؤال ممتحن أو تعليم القارئ كيف يقف إذا اضطر إلى الوقف، لأنه قد يضطر إلى ذلك فلا يدري كيف يقف.
2-الوقف الانتظاري :
و هو الوقف على الكلمة القرآنية التي بها خلاف ليستوعب ما فيها من قراءات وأوجه و طرق([4])، و ذلك بجمع القراءات المختلفة في الآية الواحدة، و عرضها على الشيخ و لهذا “يُغتفر في حالة جمع القراءات ما لا يُغفر في غير ذلك”([5]).
3-الوقف الاختياري :
و هو أن يقف القارئ على الكلمة القرآنية بمحض إرادته دون أي سبب أو ضرورة تلجئه إلى ذلك، لملاحظته معنى الآيات، و ارتباط الجمل، و موقع الكلمات، و ينقسم هذا النوع إلى أنواع و هي:
أ-الوقف اللازم : هو الذي يلزم الوقف عليه و الابتداء بما بعده ،و لو وصل بما بعده ليدل على معنى آخر غير المعنى المقصود، مثل الوقف على “قوْلُهُمْ” في قوله تعالى :”وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ” ([6]) فالوقف على “قَوْلُهُمْ” لازم، لأنه لو وصل بقوله تعالى”إِنَّ الْعِزَّة لِلَّهِ جَمِيعًا” لأوهم هذا الوصل جملة”إِنَّ الْعِزَّة لِلَّهِ جَمِيعًا” من مقول الكافرين و هي ليست كذلك، بل هي من مقول الله عزّ وجل. .
ولهذا السبب حكم هذا النوع من الوقف : اللزوم، و منهم من يسميه الوقف الواجب بدلا من اللازم، و ليس المراد بوجوبه الوجوب الشرعي الذي يُثاب الإنسان على فعله و يعاقب على تركه، بل المراد به هو الوجوب الصناعي الذي يترتب عليه جودة القراءة و حسن الأداء والحفاظ على المعنى.
ب-الوقف التام المطلق : هو الوقف الذي يحسن الوقف عليه و يحسن الابتداء بما بعده، و يجوز وصله بما بعده لأنه لا يحدث تغييرا في المعنى، و لكن الوقف أولى. و أكثر ما يكون في أواخر السّور، وأواخر الآي و عند انتهاء القصص كقوله تعالى”فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ” ([7])، و قوله”وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا” ([8]) فالوقف على”مُؤْمِنِينَ” وقف تام لانتهاء القصة.و يكون على رأس الآية كما في قوله تعالى “مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ” ([9]) الوقف هنا وقف تام.
وقد يكون قبل نهاية الآية : مثل قوله تعالى” يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ” ([10])، في الآية الكريمة ثناء على الأنبياء و الرسل ثم يقول عزّ وجل “وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا”.
و يكون في وسط الآية : في قوله تعالى”لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي” ([11]) هنا ينتهي كلام الظالم ثم يقول عزّ و جل”وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا”.
و قد يكون بعد انقضاء الآية بكلمة : نحو قوله تعالى”وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ” ([12])“وَبِاللَّيْلِ”، الوقف هنا تام لتمام الكلام.
العلامات الدالة على الوقف التام :
الابتداء بعد بالاستفهام نحو”اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ* أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ”([13]).
الابتداء بعد بـ “يا” النداء نحو”إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ ([14]).
الابتداء بعده بالشرط نحو”لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً” ([15]).
4-الابتداء بعده بفعل الأمر مثل”ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ*وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ” ([16]).
5-الفصل بين آية عذاب بآية رحمة مثل”فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ* وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ” ([17]).
6-العدول عن الإخبار إلى الحكاية نحو”وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً” ([18]).
ج-الوقف الكافي : هو الوقف على كلام تم معناه و “وهو منقطع في اللفظ، متعلق في المعنى فيحسن الوقف عليه و الابتداء بما بعده أيضا”([19])، أي أن هذا النوع من الوقف لا علاقة له بما بعده في اللفظ و إنما له علاقة بما بعده في المعنى.و لهذا سمي كافيا لاستغنائه عما بعده في الإعراب دون المعنى.
و من أمثلته في حديث الله عزّ و جل عن الكافرين في قوله”إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ” ([20]) ثم الابتداء بقوله تعالى”خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِم”فالآية الأولى ليست لها أي علاقة بالآية الثانية من جهة الإعراب ولكن لهما علاقة في المعنى لأنه عزّ و جل يتحدث عن الكافرين.
غالبا ما يكون بعد الوقف الكافي مبتدأ، أو فعل مستأنف، أو لفعل محذوف أو نفي أو استفهام، أو “إن” المكسورة الهمزة المشددة أو المخففة.
و يتفاضل الوقف الكافي في كفايته([21])، كقوله تعالى “فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” ([22])، فالوقف على كلمة (مرض) كاف، و الوقف على كلمة (مرضا) أكفى منه و الوقف على (يكذبون) أكفى منهما.
د-الوقف الحسن : الوقف الحسن هو الوقف على كلام تام المعنى تعلق ما بعده لفظا و معنى.و المراد بالتعلق اللفظي هو التعلق من جهة الإعراب، كأن يكون ما بعد اللفظ الذي يوقف عليه شديد التعلق باللفظ، أو بما قبله أو صفة له أو حالا منه أو معطوفا عليه، أو مستثنى منه([23]).
و من أمثلة قوله عزّ وجل “يَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ” ([24]) فالوقف على (الْمُؤْمِنُونَ) شديد التعلق بقوله تعالى “بِنَصْرِ اللَّهِ” فالآيتان مرتبطتان ببعضهما معنى و لفظا.سمي هذا النوع من الوقف حسنا لإفادته معنى يحسن السكوت عليه و هذه الألفاظ و ما شابهها في القرآن الكريم يحسن الوقف عليها، و لكن لا يحسن الابتداء بما يسبب التعلق اللفظي الإعرابي.
4-الوقف القبيح :
هو الوقف على لفظ لا يفهم منه السامع معنى، و لا يفيده بمعنى يحسن السكوت عليه لشدة تعلقه بما بعده و تعلق ما بعده به من جهتي اللفظ و المعنى معا.
و من أمثلته الوقف على المبتدأ و الابتداء بالخبر، و الوقف على الجار و الابتداء بالمجرور، و الوقف على فعل الشرط و البدء بجوابه. و الوقف على الاسم الموصول والابتداء بالموصول، و غيرها من الأوقاف التي لا تتم بسببها الجملة و لا يفهم منها المعنى، فلا يكون الوقف في هذه الحالة إلا للضرورة ثم يوصل بما بعده([25]).
و من الوقف القبيح الوقف على ما يوحي و يوهم بخلاف المعنى المراد مثل الوقف في قوله تعالى “لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ” ([26]) فلا يجوز الوقف هنا لإفساده المعنى و إيهامه بمعنى آخر.على القارئ في هذه الحالة أن يرجع إلى استئناف الكلام بما يفيد معنى تام
*الابتداء و أنواعه :
1-تعريف الابتداء :
هو الشروع في القراءة سواء كان بعد قطع و انصراف عنها أو بعد وقف والابتداء لا يكون إلا اختياريا لأنه ليس كالوقف تدعوا إليه ضرورة، فلا يجوز إلا بكلام مستقل في المعنى موف بالقصود([27]).
2-أنواع الابتداء :
الابتداء نوعان : ابتداء حسن و ابتداء قبيح.
1-الابتداء الحسن : هو الابتداء بكلام مستقل في المعنى بحيث لا يغير ما أراده الله تعالى.
2-الابتداء القبيح : هو الابتداء بكلام يفسد المعنى أو يغيره، و هذا النوع من الابتداء يتفاوت في القبح، فإذا تم الابتداء بكلمة متعلقة بما قبلها لفظا و معنى في مثل قوله تعالى “أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ” ([28]) فهو ابتداء قبيح لأنه يجعل المعنى مقطوعا و فاسدا و لهذا يجب الابتداء بما قبله([29]).
أما إذا تم الابتداء بكلمة تغير المعنى تماما و تفسده عكس ما أراده الله مثل في قوله عزّ وجل “يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ” ([30])،”عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ” ([31]) ، “إِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ” ([32])، فهذا النوع أشد قبحا لأنه يغير المعنى تماما و لهذا يجب على القارئ أن يتجنبه.
نماذج تطبيقية على الوقف والابتداء في القرآن الكريم
إن علم الوقف و الابتداء علم بالغ الأهمية فيه تعرف معاني القرآن الكريم، و ذلك من خلال معرفة مواضع الوقف و الابتداء بما يتفق مع وجوه التفسير و القراءة و استقامة المعنى، فحينئذ يتحقق لطالب العلم فهم كتاب الله و التعرف على مقاصده و يتجلى إعجازه([33]). و أمثلة ذلك كثير في القرآن الكريم منها:
1- قوله عزّ و جل “قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ”[34]) إذا تم الوقف على “فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً” يفهم أنها حُرِمت عليهم هذه المدة فقط فيكون لفظ أربعين سنة ظرفا للتحريم.
أما إذا أوقف على “فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ “يُفهم أنها محرمة عليهم دائما و أبدا، وأنهم يتيهون أربعين سنة. فيصبح لفظ أربعين سنة ظرف زمان للتيه.
هذه الآية الكريمة و غيرها كثر في القرآن الكريم دليل على أن في معرفة الوقف والابتداء تفريقا للمعاني، ولهذا وجب على القارئ القرآن إذا قرأه أن يفهم ما يقرؤه، ويحرص دائما أن يفهم المستمعين ما يقرؤه، إذ يكون وقفه على كلام مستغن عما بعده ولا يرتبط به، ويكون ابتداؤه صحيحا حسنا([35] قارئ القرآن يجب عليه العناية بالوقف، يعرف متى يقطع و يقف و كيف يستأنف القراءة لكي لا يحرف المعنى المراد، و لهذا وجب عليه الحذر في هذا الشأن، أما من لم يهتم بذلك فقد يصل بين المعنيين المختلفين، و قد يقف قبل تمام المعنى، و إن اضطر إلى ذلك يجب عليه أن يصل ما وقف عليه بما بعده،حتى ينتهي إلى ما يصح أن يقف عنده لأنه قد يفهم غيره خلاف المعنى المراد من كلام الله تعالى([36])، و هذا خطأ كبير و لا تصح به القراءة .
2-فمثلا في قوله تعالى “إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ” ([37]) فمن قرأ “إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَىٰ” ثم وقف فقد وصل بين معنيين مختلفين، حيث أشرك بين المستمعين من المؤمنين و الموتى في الاستجابة، و لكن ليس هذا هو المقصود من الآية بل المعنى المراد هو أن الموتى لا يستجيبون لدعوة الرسل، و إنما يبعثون للحساب.
3-و الأقبح من هذا ما يسوء به معنى الآية، و سوء الأدب مع الله تعالى عزّ و جل نحو الوقف عند قوله تعالى “إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي” في قوله عزّ و جل “إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا” ([38]).
ففي هذا الموضع لا يجوز الوقف أبدا لأنه مخل و مفسد تماما لمعنى الآية. وعلى القارئ أيضا أن يراعي حسن الابتداء، لأنه لا يكون إلا اختياريا فهو ليس كالوقف تدعوا إليه الضرورة.
و يجب على القارئ أن يجتهد كي يكون ابتداؤه حسنا، فلا يبدأ إلا بكلام مستقل بالمعنى متجنبا – في هذا الصدد – ما يقبح الابتداء به. فلا يبدأ مثلا بالمعمول دون عامله لأن في ذلك فساد في المعنى مثل :
1-” إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ”في قوله تعالى”لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ” ([39])
إذا وقف القارئ على كلمة “قالوا”وبدأ بقوله “إن الله فقير”ارتكب خطئا عظيما جدا لأنه بقراءته هاته وصف الله عز وجل بالفقر
2-و“الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ” في قوله تعالى عزّ وجل “وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ” ([40]).المسيح ليس ابن الله كما يدعي هؤلاء ولكن الابتداء في هذا الموضع يؤكد قولهم[41]،وهذا أمر خطير جدا ينافي معنى الآية الكريمة.لأن القارئ إذا وقف على كلمة “النصارى” في الآية الكريمة ،وبدأ بقوله المسيح ابن الله أكد بقراءته قولهم
3-وفي قوله عز وجل: “َوأَمَا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بهَذَا مثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ويَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ومَا يُضِلُ بِهِ إِلَّا الفَاسِقِينَ”[42] يجب الوقف عند كلمة مثلا والابتداء بكلمة”يضل” وألا يصلها بالجملة التي تليها لأنه سيحدث غلط كبير في الفهم وهو أن الكفار هم من قالوا الجملة ولكنها في الحقيقة ابتداء إخبار من الله عز وجل عنهم[43].
4-وفي قوله:“ وَلَقَدْ عَلِمُوا لمَنِ اشْتَراهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ” [44] يستلزم في هذه الآية الوقوف عند كلمة أنفسهم ،لأن وصلها بما يليها يوهم بأن الذم مرتبط بعلمهم، أما المعنى المقصود من الآية هي أنهم لو كانوا يعلمون ما ينتظرهم من عذابِ ما تعلموه-أي السحر-[45]
5-وفي قوله:” وَمَا يَعْلمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ والرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُوْنَ آَمَنَّا بِهِ “ [46] استوجب الوقف في هذه الآية عند الكلمة “الله” وبدء الحديث من جديد من كلمة “والراسخون” لأنه لوقرأ القارئ بالوصل هنا يعطي مفهوما آخر للآية وهو مشاركة الراسخون في العلم مع الله في معرفة التأويل الذي هو علم الغيب[47].والله عز وجل لايشاركه في علمه بالغيب أحد
6-وفي قوله:“لَعَنَهُ اللهُ وقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا “[48] يستوجب في هذه الآية الوقف على كلمة الله،والبدء من جديد بقوله”وقال” لأنه لو تم وصلها بما بعدها سيتم عطف جمل قال التي هي من قول الشيطان على جملة لعنه التي هي من قول الله عز وجل فيُفْهم من ذلك أن جملة “لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ “من قول الله وهذا المعنى خطأ،لأنها من قول الشيطان[49]،فهذا دليل قطعي على أنه يجب على القارئ أن يحسن الإبتداء وأن يكون متيقنا من المواضع التي يمتنع الإبتداء فيها،والمواضع التي يجب الإبتداءفيها لأن في ذلك توجيه للمعاني.وهذا ما يؤكده المثال التالي
7-وفي قوله:”وَقَوْلهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَهِ ومَا قَتلُوهُ ومَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ”[50] يجب الوقف عند كلمة مريم لأن القارئ في هذه الحالة لو وصلها بكلمة رسول سيعني بذلك أن اليهود كانوا معترفين
بأنه رسول الله ،فلمذا يقتلونه؟،فالصواب هو أن نقف عند كلمة” مريم” ثم نبدأ الحديث من كلمة “رسول”،أي أعني رسول الله[51].
8-وفي قوله:“وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الِإثْمِ وَالعُدْوَانِ “[52]
يجب الوقف عند كلمة” تعتدوا” لأن وصلها بما يليها يوحي بالعطف، أي عطف التعاون على الإعتداء وهذا ما لم يكن مقصودا من الآية الكريمة، فالمقصود هو استئناف الحديث من جديد وهو أمره عز وجل بالتعاون على البر والتقوى[53]
9-وفي قوله:”اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ….”[54] يقبح الوقف على كلمة “لا إله” [55] لأنه بذل يوحي بمعنى خطير جدا وهو نفي الألوهية عن الله عز وجل ولهذا سبب وجب عليه الوصل بقوله”إلا هو”وبذلك يكون القارئ تجنب الوقوع في الخطأ،بل أكد على أن لا إلاه آخر يشارك المولى عز وجل مصداقا لقوله عز وجل:”ولم يكن له كفؤا أحد”
10-وفي قوله:”وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا” [56] الوقف عند كلمة “قالوا” قبيح”[57]،لأن في هذه الحالة سيبدأ القارئ الآية بقوله”اتخذ الرحمن ولدا”،وبهذا أضاف للآية الكريمة معنى فاسدا وهو أن لله عز وجل ولد ،وهذا غير صحيح مصداقا لقوله عز وجل:”لم يَلِد ولم يُولَد”
فهذه الآيات تدل كلها على أهمية علم الوقف والإبتداء في توجيه والمعنى وتغييره،ونماذج أخرى من القرآن الكريم لايسع المقام لذكرها كلها تؤكد على عظمة وشرف هذا العلم لشرف وعظمة مصدره ألا وهو القرآن الكريم ولهذا وجب على قارئ القرآن أن يكون حذرا قدر الإمكان لكي لا يقع في الخطأ.
الخاتمة:
توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:
1-علم الوقف بكل أنواعه له أهمية عظيمة،فمثلا الوقف الإظطراري يقف عنده القارئ إذا لم يستط إكمال القراءة أو لأي غرض آخر شريطة إعادة القراءة من الكلمة التي توقف عندها كي يستقيم المعنى.
2-الوقف الإختياري يقف عنده المعلم لتعليم هذا العلم الجليل لمتعلميه
3-يجب أن يتقن قارئ القرآن الوقف ،خاصة الوقف اللازم لأن فيه دقة في تحديد المعنى المقصود من الآي القرآنية
4-الوقف القبيح هو أخطر الوقوف لما فيه من تغيير جذري في المعنى وهذا أمر محظور على قارئ القرآن أن يتجنبه إلا ما وقع اظطرارا فهذا أمر بديهي ومعروف لايحاسب صاحبه
*ما لفت انتباهي أن القراء اختلفوا في عدة ظواهر صوتية في القرآن الكريم التي كانت لها آثار طفيفة في المعنى في مواضع مختلفة من القرآن الكريم،ولكنهم لم يختلفوا مطلقا في الوقف ،لأنه آثره ليس بسيطا وإنما جذريا.ولهذا لم يذكر أي خلاف فيه.
*القرآن الكريم
*قائمة المصادر والمراجع:
1-المصادر:
1-الأشموني أحمد بن محمد بن عبد الكريم،منار الهدى في بيان الوقف والابتداء،شركةمكتبة و مطنعة مصطفى الحلبي البابي وأولاده،مصر،ط2،1973.
2-الأنباري أبو بكر محمد بن القاسم،تح:محي الدين عبد الرحمان رمضان،دمشق،د ط،1971.
3-ابن الجزري،النشر في القراءات العشر،تح:محمد تميم الزعبي،دار الهدى،المدينة المنورة،ط2،1994
4-السجاوندي،علل الوقوف،تح: محمد ابن عبد الله ابن محمد العبدي ،مكتبة الرشد،الرياض،ط2،2006
5-السخاوي،جمال القراء وكمال القراء،تح: علي حسين البواب،مكتية التراث،مكة،ط1،1987.
6-السيوطي،الإتقان في علوم القرآن،دار الفكر،بيروت،د ط،1368ه
2-المراجع:
1-أبو علد الرحمان جمال القرش،الوقف اللازم،الدمام المنطقة الشرقية،ط1426ه
2-أبو عبد الرحمان حمدان بدر،عون المجيد في علم التجويد،مر:ياسين ابراهيم ياسين،تق:محمد جبريل،مكتبة السنة،القاهرة،ط1،2000
3-عبد الفتاح السيد عجمي،هداية القارئ إلى تجويد كلام البارئ،تق:حسين محمد مخلوف،المملكة العربية السعودية،ط1،د ت.
4-المبروك زيد الخير،ظاهرة الوقف القرآني و أثرها في تغيير المعاني النحوية،دار الوعي،الجزائر،ط2،2012.
5-محمود خليل الحصري،أحكام قراءة القرآن الكريم،تح:محمد طلحة بلال،المكتبة المكية،ط1،1995
[1]– ينظر، المبروك زيد الخير، ظاهرة الوقف القرآني و أثرها في تغير المعاني النحوية، دار الوعي الجزائر، ط2، 2012، ص219.
[2]– ينظر، محمود خليل الحصري، أحكام قراءة القرآن الكريم، ص 251.
[3]– ينظر، المرجع نفسه، ص 251.
[4]– الحصري، أحكام قراءة القرآن الكريم، ص 254.
[5]– ابن الجزري، النشر في القراءات العشر، (م.س)، ص 236.
[6]– سورة يونس، الآية 65.
[7]– سورة الأعراف، الآية 72.
[8]– سورة الأعراف، الآية 73.
[9]– سورة الفاتحة، الآية 04.
[10]– سورة الأحزاب، الآية 39.
[11]– سورة الفرقان، الآية 29.
[12]– سورة الصافات، الآية 137 – 138.
[13]– سورة الحج، الآية 69.
[14]– سورة البقرة، الآية 20.
[15]– سورة النساء، الآية 123.
[16]– سورة هود، الآية 114-115.
[17]– سورة البقرة، الآية 24-25.
[18]– سورة الأعراف، الآية 159-160.
[19]– السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ج1، (م.س)، ص 233.
[20]– سورة البقرة، الآية 06.
[21]– ينظر، ابن الجزري، النشر، ج1، ص 228.
[22]– سورة البقرة، الآية 10.
[23]– ينظر، الحصري، أحكام قراءة القرآن، (م.س)، ص 258.
[24]– سورة الروم، الآية 04.
[25]– ينظر، الحصري، أحكام قراءة القرآن، تح:محمد طلحة بلال،المكتبة المكية،ط1،1995ص 259.
[26]– سورة النساء، الآية 43.
[27]– ينظر، أبو عبد الرحمن حمدان بدر، عون المجيد في علم التجويد، مر : ياسين إبراهيم ياسين، تق : محمد جبريل، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 2000، ص 106.
[28]– سورة المسد، الآية 01.
[29]– ينظر، المرجع السابق، ص 106.
[30]– سورة المائدة، الآية 64.
[31]– سورة التوبة، الآية 30.
[32]– سورة الممتحنة، الآية 01.
[33]– ينظر، السخاوي، جمال القراء و كمال الإقراء، ج2، تح : علي حسين البواب، مكتبة التراث، مكة، ط1، 1987، ص 553.
[34]– سورة المائدة، الآية 26.
[35]– ينظر، السجاوندي، علل الوقوف، ج1، تح : محمد بن عبد الله بن محمد العبدي، مكتبة الرشد، الرياض، ط2، 2006، ص 13.
[36]– ينظر، عبد الفتاح السيد عجمي، هداية القارئ إلى تجويد كلام البارئ، تق : حسين محمد مخلوف، المملكة العربية السعودية، ط1، دت، ص 367.
[37]– سورة الأنعام، الآية 36.
[38]– سورة البقرة، الآية 26.
[39]– سورة آل عمران، الآية 181.
[40]– سورة التوبة، الآية 30.
[41] -ينظر،الأنباري،إيضاح الوقف والإبتداء،تح:محي الدين عبد الرحمان رمضان،دمشق،دط،1971
[42] -سورة البقرة ،الآية26
[43] -ينظر،الساجوندي،علل الوقوف،(م،س،د)،ص193
[44] سورة القرة،الآية 102
[45] -ينظر،الساجوندي،علل الوقوف(م،س،ذ)،ص225
[46] -سورة آل عمران، الآية07
[47] -ينظر،أبو عبد الرحمان جمال بن ابراهيم القرش،الوقف اللازم،الدمام المتطقة الشرقية،ط1426ه،ص79
[48] سورة النساء،الآية118
[49] ينظر،الوقف اللازم،الآية84
[50] النساء،الآية157
[51] ينظر،الوقف اللازم،ص86
[52] سورة المائدة،الآية2
[53] ينظر،الوقف اللازم ،ص91
[54] -سورة البقرة،الآية255
[55] -الأنباري،إيضاح الوقف والإبتداء،(م،س،ذ)،ج1،ص450
[56] -سورة مريم،الآية88
[57] -ينظر،الأشموني،منار الهدى في بيان الوقف والإبتداء،شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي البابي وأولاده،مصر،ط2،1973.ص123