حلول مصطلح (المثاقفة) على الثقافة العربية الرّاهنة
ــ إشكالية التأصيل ــ
The advent of the terme « Acculturation » in the current Arab Culture
– Etymological Problematic –
د. نصيرة علاك، المركز الجامعي مرسلي عبد الله ، تيبازة، الجزائر
Allek– Nacira – University Center of Morsli Abdalleh – TIPAZA
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات الادبية والفكرية العدد 55 الصفحة 33.
ملخَّص
عرضنا في هذا المقال هموم المثاقفة ضمن انشغالات الثقافة العربية الرّاهنة، حيث تعرَّضنا فيه لميهاد الإشكالية أو ما دعوناه بــ ” حلول مصطلح (المثاقفة) على هذه الثقافة “، أين وقفنا تسميةً وتأثيلاً عند قضايا تخصّ هذا المصطلح المهيمِن والمطاطي في الوقت ذاته؛ وكذلك عرَّجنا على (مفارقة) ” المصطلح الطّارِئ “، حينئذٍ قمنا بتحليله انطلاقاً من المفهوم إلى التسمية باعتماد المقاربة المفهومية، حيث واجهتنا معضِلة تضخّم المفهوم في مقابل أحادية التسمية. ثم بحثنا الإشكالية المثارة أيضاً بالتركيز على تأصيل مصطلح (المثاقفة) بالتعويل على التأثيل المفهومي في ضوء التحليل الصّرفي التركيبي. وهو ما أفرغ بنا إلى تأصيل المصطلح في بعض اللّغات الغربية، وصولاً إلى تأصيله في اللّغة العربية.
الكلمات المفاتيح / المثقافة ــ الثقافة العربية الراهنة ــ المقاربة المفهومية ــ التأصيل التأثيلي والابستمولوجيAbstract
This article describes the manifestations of acculturation in the context of the concerns of the cultural aspect currently known in the Arab world. In this writing, we discuss the genesis of the problem briefly named a « the apparition of the term (acculturation) within the culture noted above ». This emphatic term is etymologically exposed, where the paradox of its sudden advent has been raised. This sudden occurrence has attracted so much interest that everyone is talking about it. This led us to adopt the onomasiological approach that starts from the concept to the denomination. Our approach has experienced a reversal on the side of the morphological analysis of the term to shed light on its originality and justify its greatness.
Keywords / Acculturation – Current Arab Culture – Onomasiological Approach – Etymological Research
مقدِّمة
إنّ المثاقفة في الثقافة العربية الرّاهنة قد حلّت مصطلحاً طارئاً مفارِقاً وغريباً، ولكنّ يبدو أنّ هذا المصطلح يشير ــ في الوقت نفسِه ــ إلى نوعٍ من راهنية في الاستعمال واسِع النِّطاق وبعيد المدى وممعناً في الانفرادية، انتهت به إلى الفوضى، ودفعت به إلى أن يلتبس ويتّسم بالبداهة المغالِطة والتي أشبه ما تكون بالميوعة المبتذلة والاعتقاد المسبق. وهذا شيء يضرّ ــ لا محالةَ ــ بتلك الثقافة أكثر مما ينفعها.
ولكن يمكن استمداد بعض عناصر هذه الراهنية المتفشية من وثوق التسميةً في حدِّ ذاتها ورسوخها في الممارسات النقدية التي أسست لتلكم المثاقفة وأمكنت لها بالتواجد التأثيلي والتاريخي، قبل الحضور الفعلي لولا ما عثرنا عليه من مظاهر استعمال المفهوم ضمن تسميات تكاد تتطور إلى عبارات مسكوكة على غرار: العلاقة الطوعية أو الإجبارية، ومفهوم التغريب والتشريق، ومفهوم ” الوعي بالتغيّر الثقافي / أو الحساسية الجديدة “، والإحساس بالعالم والتلذّذ بالتبعية، وأخيراً تأسيس قضايا الفكر العربي وتصوراته ضمن رؤى نقدية جديدة. وإن دلّ هذا على شيء، فإنّه يدلّ على عدم فراغ الثقافة العربية من هذا المفهوم الطريف، كما سيتّضح ضمن ما نتعرّض إليه في هذا المقال.
1 مصطلح (المثاقفة) تسميةً وتأثيلاً
1.1 مقاربة (مفارقة) ” المصطلح الطّارِئ “
إنّ طريقة إدخال مصطلح ” المثاقفة ” في نسيج الثقافة العربية ومحافل النِّقاشات النقدية تنطوي على مفارقة محفوفة بمزالق ومخاطر تتربّص بشرعيّته ومآله كلَّ متربَّص. وهي مفارقة حلوله على هذه الثّقافة ــ من باب الهواية[1] ــ كالطارئ الذي يدّعي فيه كلّ طرفٍ ما يحلو له مِن المذاهب الحافلة بالتناقضات حتى أضحى المفهوم جامعاً في تلقِّيه وتقبُّله بين التّداول الواسِع والتجاهل الكاسِح، وآخِذاً أثناء التعاطي معه نحو التلوّن بالنوازع الفردية، ومتّخِذاً سبل التوفيق والتلفيق: ما جعله يتعرّض أيضاً لمواجهة وضعيّة التذبذب والالتباس والغموض التي حالَت دون تَجَوْهره وتدقيقه وبلوغ قراره. وهي وضعيّةٌ لا تزال تضعه تحت تصرّف الشّكوك حولَ جدواه؛ نظراً لبعض الأحكام المسبقة والتأويلات والأضواء المجتاحة التي رافقت إقحامه والتي سنحاوِل مناقشتها أدناه.
وأيّ مقاربة لهذا المصطلح بدون فحص هذا الوهَن ومن غير التأكّد من حجمه تنبئ بسوء العاقبة. وهو ما يتطلّب توخّي المحاذير مِن حيث يستحقّ الرهان أن نتريَّث عند طريقة اقتباسه تلك ولو بتشخيصٍ تمهيديٍّ.
ويكمن الطّابع المفارِق لهذا الحلول المسفِر عن اندفاعٍ غير طبيعي، في ” قدرة “ تلك الثقافة على استدراج المفهوم وإدماجه في أنساقها وتطويراتها الجديدة، وجعله نقطة بؤرية في تماهيها مع روح العصر؛ وذلك علاوةً على تواجده فكرةً جنينيّةً في بعض الكتابات (العربية) المبكّرة التي تناولته بسطحية ــ للأسف ــ بعدما استردّت أحد معانيه البائدة عبر اشتقاقه المتصل عربيّاً بجذر (ثقف). وعليه « لم ينفكّ النقاد اللاحقون يأخذون مثل هذه الكتابات بالقدح لما طال تلك الفكرة من الركود وعدم توسيعها تجربةً كاملةً إلى وعيٍ صافٍ »[2]. هذا، مع تأخّر ــ أو تأجيل ــ تشكيل التّسمية التي لم تتمكّن ــ هي الأخرى ــ مِن تصفية سديم الوعي التراكِم والمضطرِب والمحِيط بهذا المفهوم الوافِد (المستجلَب أو المستعَار).
مع العِلم أنّ مثل هذه المفارقة المحرِجة لم تكن بدعةً في هذه الثّقافة، إذ سبق لزكي نجيب محمود أن صرّح ــ مثلا ــ في تقديمه لمصطلح (الأيديولوجيا) في منتصَف الثمانينيات، واصفاً حيرته مِن قصور الثقافة العربية إزاءَه لكونها لا تمتلكه مفهوماً ناجزاً ومتواطِئاً، على الرغم مما ناله من اختبار بعض المثقَّفين العرب وشيوعه النافذ في غيرها من الثقافات ــ ولاسيما الغربية، متسائِلاً في ورطة حلوله بهذا السؤال التبسيطي:
« الأيديولوجيا مصطلحٌ طارئٌ على الثقافة العربيّة، بمَ نحلِّله، وكيف نعرِّبه ؟ »[3]. ومع ذلك فقد سعى إلى وصف المفهوم نشأةً وتطوّراً، معرِّضاً إيّاه لحسِّه النّقدي ومعرِّجاً على التسمية التي اهتمّ بتأصيلها لإخراجها من دائرة التجاهل والتماطل.
يمكن لنا إذن إسقاط على غرضنا ما يشبه هذا المخرَج الذي اختاره مفكِّرنا إزاء الصعوبة التي رسم معالمها مسبقاً؛ فنتبنّى مقاربته الحكيمة بحيث نبدأ بإثارة شكوك حول التسمية في حقلها العربي؛ وننتهي بعد ذلك إلى عقد قرانٍ اصطلاحيٍّ بينها وبين المفهوم السّابق عليها من حيث الوجود، وذلك على الرّغم من كونه لا يزال معرَّضاً لأن ” يحمل مؤثِّرات الثقافة المستعار منها “؛ ثم نعمد إلى تأهيل المفهوم الذي يعنينا هنا، مع كونه مفهوماً هلاميّاً ــ من جهة، وبوصفه آخذاً طريقَه نحو التمكّن في الثقافة العربية ــ من جهة أخرى ــ مهما تكن جسامة التحديات المتوقَّعة، فضلاً عن تصوّر جملة الاعتراضات الممكنة على ذلك. ونعرض ذلك في شبكة من الاختلافات والهويات باتّباع الخطوات الدقيقة الآتية:
نستهلّ تحليلَنا باستئناس التسمية في عدد محدود من اللّغات الغربية، وكذا في اللّغة العربية؛ وذلك من أجل تأصيلها. ويليه النّظر في السياقات التي تزعّمت قيام المفهوم من باب جسّ النبض، فالتأريخ للمفهوم (المفترَض) في الغرب لغرض التأصيل دائما، ثمّ الخروج بالرجوع إلى المفهوم (المبلوَر والمقترَض) كرّةً ثانية. ونكون حينئذٍ قد استوضحنا معالمه بوصفه موضوع بحثنا الرّئيسي؛ ليتسنّى ــ بعدَه ــ ولوج عتبة البحث في تجلّيه ضمن الخطاب النّقدي لكلٍّ من الناقديْن المعنيَّيْن بالدراسة.
ولكن قبل ذلك كلِّه يجب توجيه السّؤال الاستفهامي الذي يضع كلمة (المثاقفة) موضِع التحقُّق: ألاَ تعدو هذه الكلمة الفضفاضة أن تكون ــ في اللّسان العربي الحديث ــ تكييفاً اصطلاحيّاً لكلمة غربية (فرنسية أو إنجليزية)، بحيث استعار ذلك اللِّسان من هذه الأخيرة دلالاتها العصرية الدّخيلة كلَّها وتَمَظْهُراتها الطّريفة والغريبة، بعدما يكون قد جسّ مختبر جميع جوانبها الأجنبية، ورفع تحدّي الاستفزاز الذي يرافق دائماً تعايُش الثقافات والحضارات ــ أو صراعها، « بدون أدنى ارتباط بجذر الكلمة العربية ولا أبسط إيحاء بالممارسات الثقافية الأصيلة »[4] أم أن المصطلح حديث بينما المشكلة ليست جديدة حتى بالنسبة للثقافة العربية ؟
إن الإجابة بالسّلب أو الإيجاب لا يهمّ كثيرا في هذه الوهلة. غير أن الموقف الإيجابي المنصِف هو القول ـــ بناءً على الرّصد التّاريخي المزمَع عقده أدناه ــ « إن المفهوم ليس منبثِقاً ذاتيّاً في الثقافة العربية بل وافد ومستورَد من الغرب بحمولاته الثقافية وحساسياته المتجذِّرة فيه. ولكن بقدر ما لا يمكن اعتبار الكلمة بريئة نهائيا، لأنّها تُخفي في طياتها ما تُوحي به حقولها الدلالية من أسرارا تستمد منها أحقيتها في أداء المفهوم؛ فمِن الخطأ الزَّعم أنّ المفهوم لا يقابَل في اللغة العربية بدلالة واضحة ــ على عكس ما هو الشأن ــ مثلا ــ « بالنسبة لمصطلح Deconstruction / Destruktion المصوغ ــ أولا ــ بالألمانية من قبل مارتن هايدغر (Martin Heidegger)، ثم بالإنجليزية عن طريق التكريس الجسيم الذي عرفه على يد جاك دريدا (Jacques Derrida)، والذي لا يقابَل مفهومه في أية لغة بما فيها الفرنسية التي طالما طوَّعها هذا الأخير وسخَّرها للغرض ذاته »[5]. وهذا ليس حال مفهوم المثاقفة الذي على الرغم من كونه دخيلاً على الثقافة العربية بحيث تمّ توليده بالضرورة »[6] أو تحصيله من باب الموضة ــ أو بوصفه طارئا كما جاء أعلاه، فهو جارٍ استعماله في الأوساط الفكرية العربية بما لا يتفاوت كثيرا عن بيئات تلك اللّغات التي سبقتها إلى الاحتفال به مثلما سنبيِّن مساراته الغربية بالموازاة مع تقلّباته العربية في المبحث الآتي.
2.1 من المفهوم إلى التسمية
لقد آثرنا صياغة عنوان هذا المطلب على هذه الشاكِلة (من المفهوم إلى التسمية ــ وليس العكس) إنباءً بالمقاربة التي طغت في تسجيل حضور هذا المصطلح في الثقافة العربية؛ وهي ما يدعى المقاربة المفهوميّة (Approche onomasiologique) التي في استطاعتنا أن نقول ــ دون كبير مبالغة ــ أنها لا تزال تحتفظ على راهنيّتها وجدواها، بل غالباً ما تُفعَّل في سياقات الافتقار إلى التسمية المستقرّة.
1.2.1 المقاربة المفهومية
تقوم المقاربة المفهومية على « تحديد المفهوم فتمييزه تمييزاً اختصاصيّاً، ثمّ تعريفه مقارنةً مع غيره مِن المفاهيم فتصنيفه وفق المجال الذي ينتمي إليه »[7]. تقبع هذه المقاربة في أقصى طرف ثنائيةٍ تدعى قرينتها النقيضة ﺑ (المقاربة التسمويّة) (Approche sémasiologique). وهي صنو ما أسماه النّاقِد خلدون الشمعة (الإسمانية) بناءً على « الفلاسفة الإسمانيين Nominalists الذين رأوا أنّ العامِل المشترك الرابط بين مجموعة من الأشياء والذي يُسوِّغ إطلاق اسمٍ أو مصطلحٍ جامع مانع عليها، إنّما يقتصر على هذا الاسم أو المصطلح نفسه »[8]. وهي تُعدّ بمثابة المدخل إلى عوالم المفاهيم الّتي يدور حولها أي موضوع يخوض فيه الخطاب النقدي (علمًا أنّ ” الموضوع “ تسمية مختزلة).
في حين نعني بالمقاربة الأولى ــ التي تهمّنا في هذا السياق ــ تلك التي تنطلق لتعريف أيّ مصطلح من المفهوم نحو التسمية. تتطلّب الطّريقة ــ في المقاربة (المفهوميّة) ـ « الانطلاقَ من المفاهيم وصولاً إلى التّسميّات (Approche onomasiologique) »[9]، فلتحليل المفاهيم في ضوء هذه المُقاربة « ينبغي الانطلاق من وضع جذاذات سيَّاقيَّة احتوائية تختص عادة ببنى أنموذجيّة (طِرازيّة) (Structures prototypiques) متداخِلة فيما بينها »[10]؛ ومِن غير إهمال، رغْمَ ذلِك، المَفاهيم الّتي « تَدلُّ عليها المُصطلحاتُ الجاهِزة الخاصّة بالفرع المعرفيّ أو الفنيّ الّذي هو (النقد). فنحن هنا في صلب المقاربة المفهوميّة التي وإن لا تتجاهل المصطلح (التسمية) فهي تجعل مِن المدخل في المعجميات المصطلحيّة وكذا المصطلحيات (النظريّة) لا يتشكّل من ذلك المصطلح بل مِن الموضوع (الواقِع) الذي يتمّ وصفه أو بالأحرى مِن تمثّل الأفراد لمفهومه الرّاسِخ في الأذهان. ويتمّ تنظيم ذلك كلّه وفق تعريفات مصطلحيّة تعدّ بنىً مفاهيميّة يمكن صَوْرَنَتُها ثمّ حفظها في بنوك المعطيات والرجوع إليها كلّما اقتضت الحاجة »[11]. بينما يراد بالمقاربة التسموية تلك التي يُنطلق فيها من التسمية وصولاً إلى المفهوم؛ أي تسير في الاتجاه المعاكس.
2.2.1 معضِلة تضخّم المفهوم في مقابل أحادية التسمية
إن المفهوم الذي تحيل عليه تسمية (المثاقفة) واسع ومترامي الأطراف حتى لا يكاد بعض المتداولين على مجاله يستقرون على حال، إذ ما انفكّوا ــ كلّ مرّة ــ يغيِّرون فيه جوانب تكون قد اقتضتها مراجعات معينة، لأنه ليس قابلاً تماماً للضبط والنقل. وهو ما أسفر عن قيام سمات دلالية مشوهة في أذهانٍ تفسِّر بعض أسرار تراكم الكتابات التي تُعتبَر تسمية (المثاقفة) بريئة من بعضها. ولأجل استيعاب المفهوم نتعرّف على أهمّ المحأولات التي استقطبت هذا المصطلح فدارت في فلكه من دون تسميّته تسميةً صريحة في البداية.
وأهمّ هذه المحأولات نُلفيها لدى المشتغلين في مجال الأنثروبولوجيا والنقد الثقافي أو الدراسات الثقافية أو ما يسمّى الدراسات عبر الحضارية وعلم الاجتماع والترجميات وتعليمية اللغات والنقد الأدبي.
2 تأصيل مصطلح (المثاقفة)
1.2 التأثيل المفهومي في ضوء التحليل الصّرفي التركيبي[12]
إنّ لفظ ” المثاقفة “[13] يوفِّر لنا من الآليات ما يُسعِفنا على تصفّح التسمية والمفهوم ضمن علاقة تعليلية عجيبة المسارات. وهو ما يفسِّر الإطلالة عليهما عبر الدرس المعجمي والصرفي والتركيبي في المقام الأوّل نظراً لوجاهته واستجابةً لهمّ التأصيل والتحصيل الذي يحدونا؛ إذ من المعروف أن المفهوم يفتقر خصوصاً إلى ضبط خليق بأن يصل بين أطراف الاهتمامات سالفة الذكر[14].
2.2 تأصيل المصطلح في بعض اللّغات الغربية
تدلّ كلمة (acculturation) ــ معجميّاً وتأثيليّاً ــ في اللّغة الإنجليزية، وكذا اللّغة الفرنسية على معنى “ الحركة نحو الثقافة ”. وهو المعنى الأساس ــCore meaningــ الذي يكفله التّركيب الإلصاقي بمعيّة السّابقة الصرفيّة (ac). لذلك كان العهد الأوّل من استعمال الكلمة في الكتابات الغربية ــ ولاسيما باللغة الفرنسية ــ شاهِداً على الطّبعة الأولى للكلمة التي نُسخت بالإملاء الكتابي الآتي (ac-culturation) بتحرّي عزل العنصر الزّائد. ومِن طرائف هذا التزاوج أنّ السّابقة تدلّ في اللّغة اللاّتينية التي اشتُقّت منها على معانٍ تدور كلّها في فلك “ الحركة ”: (accumuler, accommoder, approprier). « والرأي الراجح في مسألة هذه السّابقة هو أنها ليست السابقة الإغريقية البائدة(a) »[15].
انطلاقاً مِن هذه الجولة الصرفية المختصرة ننزع نحو التأصيل والتحصيل المفهومي الأوّل: إذ نستفيد من التّضام السّابق أنّ الحركة « لا تعني الإلغاء (Suppression) ولا الاجتثاث (Arrachement) بأيِّ حالٍ؛ أي لا يحدث جراء المثاقفة إلغاء ثقافةٍ ما أو اجتثاثها. وهو التأويل الذي اختاره ميشال غرينو وانحاز إليه »[16]. ومن جهة أخرى يُلاحِظ الباحث ــ مبسِّطاً لهذا المفهوم ــ قائلاً بوضوح:
« إنّ فكرة حركة ثقافة ما تجاه أخرى تجرّ معها الكثير من الإبهام الذي سرعان ما أفضى إلى تواجد ما لا يُحصى من التعريفات التي تكوّنت وتسلسلت حول المفهوم بمضي قرنٍ من عمره »[17].
ويدعِّم هذا الرّأي العديد من التّعاريف التي ضبطناها. فالمثاقفة ــ يكتب ألفونس ديبرو[18] (Alphonse Dupront) في 1965 مثلا ــ « يمكن تعريفها على أنّها حركة فردٍ، أو جماعة، أو حتى مجتمع من ثقافة نحو ثقافة أخرى حتى يتأسّس حوارٌ بين الثقافتين وتتمّ إفادة الدروس المتبادلة، ويحدث احتكاك واختلاط، وينتُج عن ذلك ــ في غالب الأحيان ــ نوعٌ من الميل نحو تحقيق التوازن ولو بمنطق المواجهة»[19].
وإلى هذا المفهوم تعود موسوعة ويكيبيديا عن المثاقفة، وتنطلق منه رابطةً إياه بمصطلح (الثقافة)، معلِنةً أنّه « يمثّل اكتساب الثقافة أو التثاقف كما تميِّزه »[20]. ويعني ذلك أنه عند انتقال أعـضاء جماعة ما للعيش في جمـاعة أو مـجتمع آخر، فإنهم يواجهون عـملية تغيُّر ثقافي (Cultural Change)، لأنّهم يواجهون ثقافة تختلف عن ثقافتهم. ومن خلال الاحتكاك والاتصال المباشر يكتسب الأعضاء الجدد في هذا المجتمع ثقافته، وتُسمى هذه العملية اكتساب الثقافة. وهي عملية دينامية مستمرة قد تتم بوعي الأفراد بها أو من دون وعيهم. فنجدهم يكتسبون أنماطاً سلوكية مغايِرة للأنماط السلوكية الخاصة بجماعتهم، وقد يشعرون بذلك عند عودتهم إلى جماعتهم الأصلية.
وكذلك عرَّف روجيه باستيد (Roger Bastide) المثاقفة بأنها دراسة لمعظم الإجراءات التي تحدث عندما تتصل ثقافتان فيما بينهما، فتؤثِّر الواحدة في الأخرى[21].وبالتالي يوضِّح ما سبق أنّ المثاقفة بوصفها تمثِّل تبادل تأثير الثقافة أو الفعل الثقافي بين طرفين على الأقل، فإنّ أحد ملامحها الهامّة يكمن في أنّها ليست موروثة بقدر ما هي مكتسبة، وأن الإنسان يكتسبها في كلِّ حينٍ من تفاعلات حياته؛ وذلك ما دامت تعكِس ــ أيضاً ــ العملية التي يكتسب الفرد أو الجماعة عن طريقها خصائص ثقافةٍ أخرى، من خلال التفاعل والاتصال المباشر؛ أو هي ” اكتساب الثقافة بالمشاركة والاتصال “؛ أو هي عملية ” التغيّر الثقافي ” الذي ينجم عن الاتّصال المستمرّ بين جماعتين متمايزتين ثقافياً. كما ينطبق مفهوم ” المثاقفة ” على نطاق أوسع حيث يدلّ على فعل احتكاك مجتمع أو مجموعات اجتماعيّة ما بملامح أو سمات ثقافيّة وافدة من مجتمعات أخرى تفرض عليها أو تقوم بتمثّلها والتفاعل معها واستيعابها وتقبّلها. وبمثل هذا الفعل « تنمو المعارف والخبرات وتتطوّر العلوم والفنون والمهارات. لهذا رغب مُترجِما قاموس الإنثنولوجيا والفلكلور في تسمية (Acculturation) عربيّاً ﺑ (التثقف من الخارج) »[22]. ذلك أنّ المثاقفة تتيح للفرد كما للجماعات فرصة اكتساب قيم وعادات وتقاليد جديدة وفق درجة الانفتاح على الآخر والاستعداد للتفاعل معه؛ بل لا تدلّ على ظاهرة محدّدة، إنما يجري استخدامه العام على اتّجاه عادي تقوم عليه كلّ المجتمعات، ألا وهو التغيّر الاجتماعي”. فما من مجموعة بإمكانها العيش بمعزل عن المؤثّرات الخارجيّة[23].
وقد شاع استخدام هذا المصطلح في الأنتروبولوجية في أواخر القرن التاسع عشر، خصوصاً في الولايات المتّحدة الأمريكية. وقد كان هذا الفرع من العلوم الإنسانية سبّاقاً إلى الاهتمام بالدراسات الثقافية؛ فضلاً عن الاهتمام بدراسة انتقال التراث الثقافي زمنياً داخل الثقافة الواحدة، أو عبر ثقافات متعدّدة. وكذلك تشبه حركة من وجهة نظر الفرد التعلم الاجتماعي وهو ما يدعى (التّنشِئة الاجتماعية) التي يؤدي فيها التواصل اللفظي دوراً أساسياً. وتدلّ المثاقفة من المنظور الاجتماعي على انتشار القيّم والأساليب والنّظم، وما يطرأ عليها من تعديلات في ضوء ظروف معيّنة، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى ظهور ما يُسمى (الصراع الثقافي).
كما نُلفي هذا المفهوم في كثيرٍ من أسماء الأعلام التي صاغتها اللّغة الفرنسيّة وهي تحاول أن تستنسِخ صوت الأهالي في نطقها بتلك الأسماء، أصبحت مقترضات لغويّة أدمجتها اللّغة الفرنسيّة واحتفظت بها، « ولا يمكن الحديث [ حينئذٍ ] عن الكلمة العربيّة أو كلمة كانت تنطَق بأيِّ لغة إفريقيّة استعمِر أهلُها من قبل الاستعمال الفرنسي »[24].
وكذلك يطفو مصطلح (المثاقفة) ضمن الحقل المفهومي الذي سجّل حضور جماعي لكثير من المصطلحات التي نتوقَّف منها عند مصطلح الحواريّة (Dialogisme) عند ميخائيل باختين الذي أخذ عدة تسميات في النقد العربي المعاصر كالتناص والتعددية الصوتية والتفاعلات النصية وتداخل المعارف والحضارات؛ وإن كان في كل لفظ من هذه الألفاظ صلة قريبة أو بعيدة من المفهوم الأصلي. وهو ما حرص خلدون الشمعة على التنويه به في أكثر من مناسبة. بل غالباً ما يُدرَج في هذا الحقل المفهومي حتى مصطلح (السرقة الأدبية ــ الشعرية خصوصاً) كما نلفي ذلك عند محمد مفتاح[25].
3.2 تأصيل المصطلح في اللّغة العربية
مع وضوح علاقة ” المثاقفة ” بمفهوم ” الثقافة “، نصدِّر هذه المحاولة التأصيلية بما نبّه إليه خلدون الشمعة ملاحِظاً أنّ « معظم المثقفين العرب يلجأون في تعريفهم للثقافة إلى المعجم اللغوي وذلك جرياً على عادتنا في العودة إلى الجذر اللغوي للكلمة بهدف تفسيرها. وهكذا يهمل المعنى التاريخي الذي اكتسبته كلمة ثقافة، يهمل المعنى الشامل الذي تقدمه الأنثروبولوجيا، وينتصر للمعنى اللغوي المحدود بالاشتقاق»[26].
وعلى الرغم من وجاهة هذا التنبيه ومن أجل الإلمام بدقائق المفهوم فمِن الأفضل الرجوع إلى الأصول العربية (ثـ/قـ/ف)، إذ للوهلة الأولى ليس من العسير لصق هذه الأصول على المبنى الصرفي (مفاعلة). ولكن هذا اللّصق يفترض وجود فعل مزيد على وزن (فاعَل) مَصوغاً انطلاقاً من الفعل الثلاثي المجرَّد (ثقَف) الأصيل في العربية والمستعمَل في التراث اللغوي والفكري والأدبي العربي. وإلاّ فما الطريقة التي اعتمدت في صياغة المصطلح (مثاقفة) ؟
وبناءً على شرعيّة التحفّظ في احتمال تحصيله من ذي قبل ــ آنيّاً ــ في الاستعمال الجاري على الألسنة، أو تعاقبيّاً عبر أحقاب تطوّر العربيّة بشهادة التّسجيل الكتابي، وبدافع التّشكيك؛ ليس أمامنا سوى أن نتحقّق من ذلك بالرّجوع إلى معاجم اللغة العربية. ولكن مع البحث سرعان ما نكتشف أنّ الوزن (ثاقف = فاعل) مِن (ثقَف) متوفِّر حقّاً، وقد سجّلته المعاجم القديمة التي تصفّحنا بعضها. بيد إنّ ما عثرنا عليه لا ينساق والمفهوم الذي نزل لاحقاً ضمن الثقافة العربية والذي أخذ يشهد حراكاً جليا. وذلك كما يشهد المقتبَس الآتي:
« ثَاقَفَهُ مُثَاقَفَةً وثِقَافاً: فَثَقِفَهُ كنَصَرَهُ: غَالَبَهُ فَغَلَبَهُ في الحِذْقِ والفَطَانةِ وإِدْرَاكِ الشَّيْءِ وفِعْلهِ. قال الرَّاغِبُ: وهو مُسْتَعَارٌ. وممّا يُسْتَدْرَكُ عليه: الثِّقَافُ بالكَسْرِ والثُّقُوفَةُ بِالضَّمِّ والحِذْقُ والفَطانَةُ. ويقال ثَقِفَ الشَّيْء وهو سُرعةُ التَّعَلُّمِ، يُقال: ثَقِفْتُ العِلْمَ والصِّناعَةَ في أَوْحَي مُدَّةٍ: أَسْرَعَتُ أَخْذَهُ. وثَاقَفَهُ مثاقَفَةً: لاَعَبَهُ بالسِّلاحِ وهو مُحاوَلَةُ إِصَابَةِ الغِزَّةِ في نَحْوِ مُسَابَقَةٍ. والثِّقَافُ والثِّقَافَةُ بكَسْرِهما: العَمَلُ بالسَّيْفِ يقال: فُلانٌ مِن أَهْلِ المُثَاقَفَةِ وهو مُثَاقِفٌ حَسَنُ الثِّقَافَةِ بالسَّيْفِ قال: وكَأَنَّ لَمْعَ بُرُوقِهَا … في الْجَوِّ أَسْيَافُ [..] وتَثاقَفُوا فكان فُلانٌ أَثْقَفَهُمْ »[27].
ومهما يدلّ ما سبق عرضُه على قِدم كلِمة (مثاقفة) وأصالتها الاشتقاقيّة، وأيّاً تكن صحّة غياب المفهوم المقصود في الوقت الراهن؛ فمِن الواضِح أن كلمة (الثقافة) المصوغة من الأصول (ثـ/قـ/ف) والمحصَّلة دلاليّاً في جِذر (ثقف) الماثِل في وزْنَيْ فَعَل /ثَقَف/ وفَاعَل /ثَاقَفَ/، هي ما تمتدّ إليها كلمة (المثاقفة) تسميّةً ومفهوماً. وهو ما يؤكِّد ــ من جهة ــ صحة قولنا: إنّ مفهوم ” الثقافة ” ــ كتوطِئة لمفهوم ” المثاقفة ” الذي يعنينا ــ قد تحسّسه القدماء ــ كما يظهر من المقتبَس السابِق. وكذلك هو ما يشكِّل ــ من جهة ثانية ــ محورَ ما ورد عند ابن منظور في قاموسه (لسان العرب):
« ثقف: ثقف الشيء ثقفا وثقافا وثقوفة: حذقه. ورجل ثقِف: حاذق فَهِم، وأتبعوه فقالوا: ثقف لقف »[28]. وننقل عن الزبيدي ــ أيضاً ــ ضبطه الآتي: « وثَقْفَهُ تَثْقِيفاً: سَوَّاهُ وقَوَّمَهُ ومنه: رُمْحٌ مُثَقَّفٌ أَي مُقَوَّمٌ مُسَوّىً »[29].
وكذلك يورِد صاحب ” أساس البلاغة ” ما من شأنه أن يلفت الانتباه إلى تكريس تسمية (مثاقفة) في علاقتها بالمعاني المحسوسة لمادة (ثقف):
« ثقف: ثقَّف القناةَ، وعضَّ بها الثّقاف. وطلبناه فثقفناه في مكان كذا أي أدركناه. وثقِفْتُ العِلمَ أو الصناعة في أَوْحَى مدّة: إذا أسرعت أخذه. وغلامٌ ثقف لقف، وثَقْفٌ لَقْفٌ، وقد ثقُف ثقافةً. وثاقفه مُثاقَفَة لا عبه بالسلاح وهي محاولة إصابة الغرّة في المسايفة ونحوها. وفلانٌ من أهل المثاقفة، وهو مُثاقِفٌ: حسن الثقافة بالسف بالكسر. ولقد تثاقفوا فكان فلان أثقفَهم. وخلّ ثقف وثِقِّيف »[30].
نلاحظ في هذا المقتبَس اقتران اسم الثقافة بالعلم والصناعة. وفي جميع الأحوال، فإنّ علاقة الثقافة بالمثاقفة ــ بما فيها إطلاق الصيغة الدالة على معنى الخصام، كانت واضحة انطلاقاً من القداماء. وهو ما ذكره مصنِّف لسان العرب:
« وفي الحديث: إذا ملك اثنا عشر من بني عمرو بن كعب كان الثقف والثقاف إلى أن تقوم الساعة، يعني الخصام والجلاد. والثقاف: حديدة تكون مع القواس والرماح يقوم بها الشيء المعوج…وتثقيفها: تسويتها »[31].
هكذا فإنّ المفهوم سرعان ما يكتمل كما اكتمل في اللغات الغربية، على أنه يوحي بعلاقة التضاد، أي مشترك لفظي يدل على معنى وضده (التعايش والتصارع) ــ كما سيأتي إيضاحه.
أما الطريقة المعتمَدة في تكريس الكلمة مصطلحاً وتبعاً لشفافيّتها المعجميّة، فهي ما يسمّى آلية التوليد المصطلحي[32] في مظهره الموسوم ﺑ التوليد الصوري الدلالي (Néologie morphosémantique)، أي توليد صيغة جديدة قياساً على الوزن الصرفي (مصدر / مُفَاعَلَة) تُكرَّس في موقع المفهوم الطارئ على الثقافة العربيّة. مع جواز غياب الفعل المشتق منه غياباً آنياً ريثما تشيع الكلمة على الألسنة وتتناولها الأقلام ويُبحث بها في المفهوم الوافد. وهي الآلية التي تسنّتها المقاربة المفهوميّة ــ أي توفّر المفهوم في الوقت الذي انعدمت فيه التسمية. وكذلك يسوَّغ هذا الأمر من لدن ما يدعى النُّقلة المعرفيّة أو الاستجلاب المعرفي (Transposition des paradigmes) الذي سيكشف لنا لاحقاً أن كلمة (مثاقفة) مع أنها تفرّعت بالضرب السابق من الاشتقاق عن جذر (ثقف) وبدعامة التوليد الصوري الدلالي فهي مدينة لكلمة (الثقافة) المشتقة ــ من جهتها من فعل /ثقف/ والمحصَّلة مفهوميا في سياقات استعمالاتها ضمن الثقافات التي احتفت بمفهومها الذي سنحصي أدناه مجمل أوجه تطوّراته، ولاسيما على مستوى الثقافات الغربية. ونكتفي في هذا السياق بالإشارة إلى أن فعل /ثقف/ يحوم حول معان عدة، مثل: الحذق، والذكاء، والفطنة، والفهم، وسرعة التعلم، والحفظ والحفاظ على المعرفة وامتلاكها، وضبط الأشياء والتدقيق في المحتويات، وفهمها بشكل محكم، وتسوية المعوج وتقويمه .. الخ. ويعني هذا أن المثقف هو المتقن، والذكي، والفاهم الكيس، والفطن الواعي الذي يدرك الموضوعات بشكل جيد، والمتأني في معرفة الأشياء وتعلمها إلى درجة الحذق والإتقان والذكاء.
مِن هنا نعي ــ على الأقل ــ سبباً واحداً من أسباب ندرة هذه الكلمة في المعاجم اللّغوية العربية القديمة بل حتى الحديثة منها إلى حدٍّ ما. مع العلم أنها كانت مغيَّبة في بعض المعاجم المصطلحية الأدبية والنقدية إلى غاية التسعينيات[33]. ذلك أنها ــ وعلى الرغم من مظهرها الاشتقاقي الذي يصلها بمادة (ثقف) الأصيلة ــ هي كلمة مولَّدة طرأت في الثقافة العربية واقترضت مفهوميّاً من اللغات الغربية (الإنجليزية والفرنسية خصوصا) مع حلول الظاهرة ” استعماريا ” فإيديولوجيا ثم فكريا، إلى أن عرفت تكريساً في المجال النّقدي أين تداولها رهط من الباحثين مزدوجي اللغة عموما ــ بلا حرج ــ بالموازاة مع التسخير الذي منيت به قرينتها الأصلية أي كلمة (ثقافة) ضمن الدراسات الثقافية وفي كنف علم الاجتماع (الثقافي خاصة). ولكن ــ على الرغم من نزول كلمة (المثاقفة) مولَّدة، فقد خصّص لها معجم اللغة العربية المعاصر حيِّزاً من العناية كما يشهد المقتبَس الآتي:
« 1. (مُثَاقَفَة): اسم. 2. مُثَاقَفَة: مصدر: ثاقَفَ. 3. (مُثاقفة): اسم: اقتباس جماعة من ثقافة واحدة أو فرد ثقافة جماعة أخرى أو فرد آخر، أو قيام فرد أو جماعة بمواءمة نفسه أو نفسها مع الأنماط الاجتماعيَّة أو السلوكيَّة والقيم والتقاليد السائدة في مجتمع آخر تساعد الترجمة والمثاقفة على معرفة الآخر. (ثاقَفَ: فعل. ثَاقَفْتُ، أُثَاقِفُ، ثَاقِفْ، مصدر مُثَاقَفَةٌ، ثِقَافٌ، ثَاقَفَ جَارَهُ: خَاصَمَهُ ثَاقَفَ غَرِيمَهُ: لاَعَبَهُ بِالسِّلاَحِ ، إِظْهَاراً لِلْمَهَارَةِ ثَاقَفَ زَمِيلَهُ: بَارَاهُ فِي الثَّقَافَةِ وَالْمَهَارَةِ »[34].
وفيما يتعلّق بالمعاجم مزدوجة اللغة، فعلى ندرتها أمكن العثور على قيدٍ لكلمة (المثاقفة) في قاموس المورد مزدوج اللغة الذي عرّفها بأنّها تبادل ثقافي بين الشعوب المختلفة، على كافة مستويات التّأثر والاستيعاب والتمثل والتعديل والرفض من وجهة النظر النفسية الاجتماعية، أو الانثربولوجية، أو التاريخية[35]. لكن التعمق قليلا بهذا المصطلح يؤدي الى هيمنة ثقافية على أخرى بطريقة التبادل أو الاستيراد أو الاستعمار، وهذا يتضح كليا في ورقة قدمها (ريدفيلد لينتون) للمؤتمر الدولي الثقافي عام 1938 – ليأتي بعده الباحث ( ميشيل دوكوستر ) الذي أكد بدوره على أن المثاقفة هي صبغ العالم بتأثيرات القوى الكبرى على الشعوب.
ويلاحَظ في هذا التعريف اهتمامه بالإحالة على المعطيات التاريخية التي سنعود إليها أدناه. وتعقّباً لتجليات التسمية نشير في هذا السياق إلى صيغة (التثاقف) التي استعملت تخصيصا للمفهوم الذي يعنينا هنا. غير أن المحمل الذي اهتمّ المعجميون بتسجيله يكاد يبعد المرء من صلب المفهوم إلى شيء آخر مخالف تماما. إذ ورد ــ مثلا ــ في معجم اللغة العربية المعاصر: « تثاقف، يتثاقف، تثاقٌفا، فهو متثاقِف: تثاقف الشّخصُ: ادّعى الثقافة ” إنه يتعالى ويتثاقف على الجماهير ” »[36].
وبالتالي فقد لا يشفع لمن اختار هذه التسمية في هذا الصدد ــ فضلاً عن شيوعها النسبي ــ إلا ما تقوم عليه صيغتها (التفاعل) من معنى ” الحركة ” المشار إليه أعلاه كمثيلتها (المفاعلة)، مع خصوصيات دقيقة ترجع إلى القالب وحروف الزيادة. وهو المعنى الذي ينبثق عن دلالات المشاركة والتبادل والتأثير والتأثر المنقوشة في الوزنين اللذين يُقصَدان لأدائها بصورة مطّردة.
من هنا فلا نستغرب أن نلفي الصيغتين تتعايشان على مستوى مختلَف المؤلِّفين، بل تتواردان لدى المؤلِّف الواحد؛ سواء في مناسبات الترجمة أو في سياقات تداول المفهوم ضمن البحوث النقدية ” الثقافية ” (العربية)، كما تدل المقتبسات الآتية:
أ/ في ترجمة نص نيكولاس جورنيه (Nicolas Journet) يورد إياس حسن مصطلح (تثاقف) بمفهوم المثاقفة مطبقة على الثقافات بمختلف أنواعها وبصورة شمولية،.
«إذا ما قبلنا بأنّ كافّة الثقافات تتواصل وتتداخل، فهذا يقودنا، كما يفترض روجر باستيد، إلى إعادة التفكير بمسألة التثاقف. التثاقف ــ تبنّي زمرة ما لعناصر من ثقافة مختلفة ــ ليس ظاهرة طرفية، ثانوية، ولا حديثة في تاريخ المجتمعات البشرية. إنّه ظاهرة كونية ومكوّنة للثقافات. وعليه، لا توجد من جهة ثقافات “ نقيّة ” مقابل أخرى هجينة. كلّها على درجات من “ الاختلاط ”. هناك غالباً اتصالية بين ثقافتين على تماس مديد أكثر مما توجد بين حالات مختلفة لنظام ثقافي بعينه إذا أُخذ بفترات متفاوتة من تطوّره التاريخي. ينجم عن ذلك أنّ الانفصالية الثقافية دون شكّ أكثر وضوحا في الزمان منها في المكان»[37].
ب/ أما الباحث بوعلام إقلولي فنادراً ما يبحث ويكتب في الموضوع من دون أن يجمع بين التسميّتيْن، كما نلمس تزامنهما في المقتطف الآتي:
« فرضت عملية المثاقفة النقدية تطوراً ملحوظاً في المناهج والمفاهيم وطرائق التحليل بشكلٍ قد يراه البعض خضوعاً للهيمنة الغربية، وقد يحكم عليه آخرون بأنّه عملية تثاقف ضرورية تهدف إلى التحاور والاستفادة التقدمية »[38].
كأن بالباحث يفضل التخصيص الأفقي الذي حصّله بقيد (النقدية) ــ كما سنرجع إليه أدناه، على تميّز المفهوم بانتقاء صيغة على أخرى.
جـ / وكذلك يعمد الباحث جمال نجيب التلاوي إلى التنويع ذاته كما نتبيّن من هذا المقتبَس:
« وقد أثار المصطلح ــ ولا يزال ــ جدلاً واسعاً في العالم العربي، فالبعض يرى أنه غزو ثقافي، وأنه نتاج تأثير ثقافة غازية قاهرة في ثقافة مستقبِلة مقهورة، والبعض الآخر يرى أن التثاقف عبارة عن لقاح وتلاقح. وربما تعني المثاقفة كلّ ذلك »[39].
وعلى ما يمكن أن يفهم من هذا التنويع القائم على تخصيص صيغة (تفاعل) للتبادل المشترك، والإبقاء على صيغة (مفاعلة) للسكوت عن هذا التبادل؛ فلا تزال الأمور حين تداول المصطلح في اللغة العربية غير دقيقة وهو ما ينمّ عن التماطل في ترسيخ المفهوم في الثقافة العربية، وذلك فضلاً عن الخطأ الذي يحتمله الترجيح السابق بين الصيغتين لأن حتى صيغة (المفاعلة) تدل على المشاركة المتبادلة.
د / كما ذيّل محمّد مفتاح أحد مؤلّفاته بعنوانٍ فرعيٍّ (النَّقد المعرفي والمثاقفة) حيث يظهر أنّه مكرِّسٌ لمصطلح (المثاقفة)، غير أنّه سرعان ما تبنّى في متن نصِّه مصطلح (التثاقف) باحِثاً إياه في نقد علال الفاسي[40]، ودون التوقّف عند شرح خياره هذا. ويجدر التذكير أنّ نصّه التّطبيقي هذا يعدّ مرجعاً أساسيّا بما يفيد مِن كيفيّة إصدار الأحكام على مثاقفة أيّ ناقدٍ أو مبدِعٍ مِن عدمها. حيث بلوَر مفاهيم مِن قبيل الإواليات التي اعتمدها في ذلك التحليل والتي من أهمّها: (إواليّة التمثّل) [41]، و(إواليّة التكيّف)[42]، و(إواليّة التحصُّن)[43]، و(إواليّة الرّفض)[44]. علاوةً على ما أصبح معروفاً من المفاهيم النقدية والثقافية من الآليات الخاصة التي هي من قبيل آلية التناص[45] التي فرّعها ونوّعها إلى: آلية التطابق[46] وآلية التفاعل[47] وآلية التحرُّز[48] وآلية القلب[49]؛ وهي آليات اقترحها « كتنويعٍ مفهوميٍّ خضوعاً لنظريّة النّسق وما تقتضيه مِن استقلالٍ للعناصر »[50] ــ هذا من جهة؛ وكذلك لما تنبّه إليه المفكِّر علال الفاسي في كتاب النّقد الذاتي من مبدأ أسماه (مبدأ الاستقلاليّة). هذا، وبينما يعود إلى اعتناق تسمية (مثاقفة) في مرجع آخر ضمن محور أسماه (التحقيق والتأريخ والمثاقفة)[51].
هـ / ونشهد المسلك نفسه عند الباحث إبراهيم أولحيان الذي عنون مقاله المشار إليه أدناه (الترجمة: المثقافة وسؤال الهوية الثقافية) ناشداً تسمية (مثاقفة)، ولكن سرعان ما لا يلتزم بها إذ نُلفيه يستعمل إلى جانبها تسمية (التثاقف) في سياقات كثيرة من نصه كما الآتي:
« وقد أنتج لنا [ هذا ] التحدّي الذي خبرناه عبر الاحتكاك بالآخر، والدخول في عملية التثاقف موقفين: ــ الأول يرى أنه ينبغي المحافظة على الهوية، وتقويتها من الداخل، باستثمار الماضي العربي المجيد. ــ والثاني يرى أن الهوية متجددة، وينبغي اختراقها دائما، وتوسيعها بالانفتاح على ما يملكه الآخر من المعرفة »[52].
خاتمة
لقد أمكن تحقيق اتجاهات المسار الذي عرفه مصطلح ” المثاقفة ” بتفعيلنا لما يدعى (المقاربة المفهومية) حيث أصبح معها من الممكن تناول معضِلة تضخّم المفهوم في مقابل أحادية التسمية التي أسفرت عنها قضية شيوع كلمة (المثاقفة) التي، على الرغم من ذلك، فهي لا تزال في حاجة إلى المزيد من الحركة التأصيلية التي تستدعيها معظم دلالات ” المثاقفة “، وذلك ضمن شبكة من علاقات تستقطب فيها اللّغات الغربية اللّغة العربية حيث شاهدنا قيام مفهوم ” المثاقفة ” في الثقافة الغربية عبر هذه اللغة وبعبور الثقافة العربية.
يتيقّن المرء من حقيقة المفهوم كلما تعقّب علاقاته الأساسية الرابطة بينه وبين كلٍّ من الهوية ــ من جهة، والثقافة ــ من جهة ثانية. وهو ما يدلّ عليه ارتباط المفهوم بالاستعمار والاستشراق بعد بزوغه في حقل الأتروبولوجيا. وهو ما تشهد عليه الصفحات التاريخية المضطلعة به.
إنّ رصد المثاقفة لا يعني شيئاً مِن غير تحديد المجال الذي تتجلّى فيه. من هنا ضرورة تخصيص مجال معيّن يفيد أكثر في تخليص مفهومها من الشوائب التي لا تزال عالِقة به. بيد أن المجالات ليست ما يعوِز أيّ باحث، لذلك يهم تركيز البحث في انتقاء خِطاب حامل لمظاهرها.
[1] نظراً لامتناعه عن التخصص الدقيق، وهو ما أكسبه الشيوع المتّسع ــ من جهة، والغموض المكتسِح ــ من جهة ثانية.
[2] وذلك في إطار ” نقد النقد “. ينظر: إبراهيم خليل، المثاقفة والمنهج في النقد الأدبي مساهمة في نقد النقد، دار مجدلاوي للنشر والتوزيع، عمان (الأردن)، 2010.
[3] زكي نجيب محمود، الإيديولوجيا ومكانها من الحياة الثقافية، فصول، م.5/ ع.4 (الأدب والأيديولوجيا /ج.2)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، يوليو 1985، (ص.27 ــ 31)، ص.27. بل إن عبد الله العروي يعتبر أن « كلمة إيديولوجية دخيلة على جميع اللغات الحية ». ينظر: عبد الله العروي، مفهوم الإيديولوجية، ط.5، المركز الثقافي العربي، بيروت ــ الدار البيضاء، 1993، ص.09. وكذلك، فخري صالح، مقدمة ضمن النقد والأيديولوجية (تيري إيجلتون،)، ترجمة فخري صالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1992، (ص.05 ــ 17). وذلك على الرغم من اعتقاد طه عبد الرحمن أن طريقة إدخال مصطلح (الإيديولوجيا) إلى الثقافة العربية أصيلة تقوم على « انتحاء منحى القدماء »؛ ينظر: طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة: ج.1/ الفلسفة والترجمة، المركز الثقافي العربي، بيروت ــ الدار البيضاء، 1995، ص.339. وكذلك ذكر المفكِّر الفرنسي ريمون آرون Raymond Aron (1905 ــ 1983) أنّ لفظة ” الأيديولوجيا ” أضحت لفظة سجاليّةً، بحيث صارت تعني « المذهب الذي يؤمن به خصمي ». نقلاً عن: محمد الشّيخ، بناء المفاهيم وإعادة بنائها: مفهوم ” الميتافيزيقا ” نموذجاً (مِن أرسطو إلى هايدجر)، عالم الفكر، م.42/ع.2، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2012، (ص.07 ـ 55)، ص.11.
[4] وذلك نظرا لاتصالنا بالحضارة الغربية، بل حتى « تصورنا للإيمان والإلحاد، يخضع لما يفد علينا من تصورات المجتمع الرأسمالي للدين ». ينظر: حسن حنفي، التراث والتجديد، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1987، ص.54.
[5] ينظر: عمر كوش، أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء ــ بيروت، 2002، ص.178.
[6] كما هو الشأن بالنسبة لمفهوم ” المثقف ” كما يورد محمد عابد الجابري قائلا: « لابدَّ من الإشارة إلى أن لفظ ” المثقف ” في اللغة العربية المعاصرة، وهو مولد كما قلنا، لا نكاد نعثر له على أثر في الخطاب العربي القديم ». ينظر: محمد عابد الجابري، مفهوم المثقف، ضمن المثقفون في الحضارة العربية، ط.2، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2000، (ص.19 ــ 23)، ص.22.
[7] ينظر تعريف هذه المقاربة: Maria Teresa Cabré, La terminologie : théorie, méthode et application, Trad. du catalan par Monique C. Cormier et John Humbley, P. U. Ottawa / Armand Colin, Paris, 1998, p.80.
[8] خلدون الشمعة، الصيرورة الثقافية العربيّة: الإشكالية المراوِغة، نصوص، ع.2، لندن، أكتوبر 1995، (ص.45 ــ 52)، ص.46.
[9] ينظر: Maria-Teresa Cabrè, La terminologie : théorie, méthode et application.., p.80.
[10] يُنظَر: Rita Temmerman, Une théorie réaliste de la terminologie : Le sociocognitivisme, terminologies nouvelles (terminologie et diversité culturelle), Rifal, N° 21, Bruxelles, Juin 2000, p.59. وَرد المُصطلحُ الثّاني في تَرجمةٍ ﻟ صابر الحباشة. يُنظَر: جون ميشال آدام، أصنافية بيْن أصنافيّاتٍ أخرى: التّرسيمات الطِّرازيّة (باختين، دايك، جاكوبسون)، كِتاباتٌ مُعاصِرة، م.10، ع.38، أوت ـ سبتمبر 1999، بيروت، ص.117.
[11] ينظر: B. de Bessé, Le contexte terminographique, Meta, vol.36, n°1 (La terminologie dans le monde : orientations et recherches), Département de linguistique et de traduction, Université de Montréal, Ed. Les Presses de l’Université de Montréal, Québec, mars 1991, (p.111-120), p.111. التحليل يتمّ بعد اقتناص ذلك المفهوم واقتباسه ضمن النصوص المتخصِّصة بالاستناد دائماً إلى المقاربة المفهوميّة التي تولي اهتماماً كبيراً للتوصيف بناءً على شبكاتٍ موضوعة مسبقاً بمراعاة الموجودات الذي يهمّ جردُها وتصنيفُها تصنيفاً مَوجوديّاً (Classification ontologique). وقد جاءت هذه التسمية عند الناقد محمد حافظ دياب في صيغة (المقاربة المفاهيمية). ينظر: محمد حافظ دياب، الجيل الأدبي: مقاربة مفاهيمية، نزوى، ع.59، مسقط (سلطنة عمان)، يوليو 2009، (ص.27 ــ 42).
[12] ينظر حول التأثيل المفهومي (تعريفه وأركانه وآلياته ونماذج منه): طه عبد الرحمن، فقه الفلسفة: ج.2/ القول الفلسفي (كتاب المفهوم والتأثيل)، ط.2، المركز الثقافي العربي، بيروت ــ الدار البيضاء، 2005، ص.61 ــ 428.
[13] هو المصطلح الأكثر استعمالاً مقارنةً بمصطلح (التثاقف) كما سنرى.
[14] وحاجتنا إلى الصرف متأتية من كونه ميزان العربيّة وحيلة للتأصيل مرنة وموثوق فيها. ثم « ألا ترى أنّه قد يؤخذ جزءٌ كبيرٌ مِن اللّغة بالقياس، ولا يوصَل إلى ذلك إلاّ مِن طريق التّصريف ؟ »، ــ أو كما يسلِّم صاحب هذا القول. يُنظَر: أبو الحسن بن عصفور الإشبيليّ، المُمتِع الكبير في التّصريف، تحقيق فخر الدّين قباوة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1996، ص.31.
[15] ينظر: Jacques Cellard, Les racines latines du vocabulaire français, Ed. Duculot, Paris, 1986, p.09.
[16] يُنظَر: Michel Grenon, La notion d’acculturation entre l’anthropologie et l’historiographie, LEKTON, vol. 2, no 2, (L’ac-culturation), Département de philosophie, UQÀM, Montréal, Automne 1992, (p.13-42), p.13.
[17] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.13.
[18] هو Alphonse Alfred François Dupront المولود في 26 ديسمبر 1905 والمتوفى في 16 جوان 1990 بباريس، وهو مؤرِّخ وفيلسوف فرنسي.
[19] Alphonse Dupront, De l’acculturation, in XIIe congrès international des sciences historiques, vol. I (Rapports), Vienne, 1965, (p.07-36), p.07.
[20] ينظر الرابط: موسوعة ويكيبيديا (الموسوعة الحرة)/التثاقف/
[21] ينظر: Roger Bastide, Acculturation, in Encyclopaedia Universalis, 1-114c et suivant, 1998.
[22] ينظر: إيكه هولتكرانس، قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفولكلور، ترجمة محمد الجوهري وحسن الشامي، ط.2، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، 1999، ص.407.
[23] ج. ف. باري، معجم الأثنولوجيا والأنثروبولوجيا، ترجمة مصباح الصمد، المؤسّسة الجامعيّة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 2006، ص.351.
[24] يُنظَر: Nazam Halawi, Acculturation et dénomination des langues africaines, Meta, vol. 54, n° 3, Département de linguistique et de traduction, Université de Montréal, Ed. Les Presses de l’Université de Montréal, Québec, Septembre 2009, (p.566-574), p.571.
[25] يُنظَر: محمد مفتاح، تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص، ط.3، المركز الثقافي العربين بيروت، 1992، ص.122.
[26] خلدون الشمعة، كيف يفكِّر الكاتب العربي المعاصِر باللغة: دراسة تقويمية لاستفتاء المعرفة، الثقافة، ع.178، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1976، (ص.262 ــ 274)، ص.268.
[27] تاج العروس، مادة (ثقف). التسطير من وضعنا، مع حصول تكييف في إيراد فقرات النص نظراً لطوله.
[28] ابن منظور، لسان العرب، قدم له الشيخ عبد الله العلالي، أعاد بناءه على الحرف الأول من الكلمة يوسف خياط، دار لسان العرب، بيروت، (د.ت)، حرف الثاء، مادة (ثقف).
[29] تاج العروس، مادة (ثقف).
[30] أبو القاسم الزمخشري، أساس البلاغة، دار الهدى، عين مليلة (الجزائر)، مادة (ثقف)، (د.ت)، ص.70.
[31] ابن منظور، المرجع السابق، حرف الثاء، مادة ثقف.
[32] يقول محمد غاليم في تعريف التَّوليد الدلالي: « هو إبداعُ دلالاتٍ معجمية وتراكيبَ دلالية جديدة، أي أنَّه يرتبط بظهور معنى جديد أو قيمة دلاليَّة جديدة بالنسبة لوحدة معجمية موجودة أصلاً في معجم اللغة، فيَسمح لها ذلك بالظهور في سياقات جديدة لم تتحقَّق فيها من قبل ». ينظر: التّوليد الدّلاليّ: في البلاغة والمعجم، دار توبقال للنّشر، ط1، الدّار البيضاء، المغرب، 1987، ص.05. أما التوليد المصطلحيّ يشمل أيضًا إعادة استعمال الكلِمات بمفاهيم جديدة. وهو ما يدعى إعادة التعريف (Redéfinition) الذي يعدّ إجراءَ سليماً ما دام يُشترَط فيه أن يلتزم الباحِث بإيراد تعريفه تصريحًا أو تلميحًا في السياق (في المتن أو على الهامش). وقد أشار إليه ابن حزم الأندلسي، ينظر: ابن حزم، الأحكام في أصول الأحكام، ج4، تقديم عباس، منشورات دار الأفاق الجديدة، بيروت، 1980، ص.29. ينظر كذلك: عبد السلام المسدّي، قاموس اللِّسانيّات (مقدِّمة في عِلم المُصطلح)..، ص.33.
[33] يُنظَر على سبيل المثال: ناصر الحاني، من مصطلحات الأدب الغربي: إنجليزي-عربي، دار المعارف، القاهرة، 1959. ومجدي وهبه: معجم مصطلحات الأدب: إنجليزي ــ عربي، مكتبة لبنان. بيروت. 1974. وحمادي صمود، معجم مصطلحات النقد الحديث، نشِر في حوليات الجامعة التونسية، ع.15، 1977. وعبد الواحد لؤلؤة، موسوعة المصطلح النقدي: إنجليزي ــ عربي (عن مجموعة مؤلفين بالإنجليزية)، أربعة مجلدات، ط.2، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1983 [ 1969 ]. وجبور عبد النور، المعجم الأدبي: عربي فرنسي، دار العلم للملايين. بيروت، 1979. مجدي وهبة وكامل المهندس: معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مكتبة لبنان، بيروت، 1979. وحمد التونجي، المعجم المفصل في الأدب، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993. وسعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، دار الكتاب اللبناني (بيروت) ــ سوشبريس (الدار البيضاء)، 1985. وإبراهيم فتحي، معجم المصطلحات الأدبية، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين، صفاقس (تونس)، 1986. وأحمد مطلوب، معجم مصطلحات النقد العربي القديم، ط.2 (منقَّحة)، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، 1991 / ط.1 بعنوان معجم النقد العربي القديم، جزأين، وزارة الثقافة والإعلام العراقية، بغداد، 1989. وناصر الحاني، المصطلح في الأدب الغربي، منشورات المكتبة العصرية، صَيدا ــ بيروت، (د.ت). ونبيل راغب، موسوعة الفكر الأدبي، دار غريب، القاهرة، 2002. وسبق للمؤلِّف أن أعدّ دليلاً أسماه: دليل الناقد الأدبي، مكتبة غريب، القاهرة، 1981. ولم ترد فيه أي إشارة إلى مصطلح (مثاقفة / تثاقف). ومحمد عناني، المصطلحات الأدبية الحديثة: دراسة ومعجم إنجليزي ــ عربي، ط.3، الشركة المصرية العالمية للنشر ــ لونجمان (سلسلة أدبيات)، القاهرة، 2003؛ إذ لم يتم ذكر مصطلح (المثاقفة / تثاقف) حتى في مادة ” الأدب والثقافة ، ص.108 ــ 111.
[34] أحمد مختار عمر وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصر، عالم الكتب، القاهرة، 2008، (مادة ثقف / ص.318 ــ 319)، ص.319.
[35] ينظر: رمزي منير البعلبكي، قاموس المورد الحديث: إنجليزي ــ عربي، دار الملايين للعلوم، بيروت، 2009، ص.82.
[36] أحمد مختار عمر وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصر، عالم الكتب، القاهرة، 2008، (مادة ثقف / ص.318 ــ 319)، ص.318.
[37] نيكولاس جورنيه، الثقافة بين الكوني والخصوصي: البحث عن البدايات وطبيعة الثقافة وتشييد الهويات، ترجمة إياس حسن ومراجعة وتقديم يوسف سلامة، دار الفرقد، دمشق، 2008، ص.244. التسطير من وضعنا.
[38] بوعلام إقلولي، المثاقفة والمنهج في النَّقد العربي الحديث، مجلة الممارسات اللغوية، مخبر الممارسات اللغوية، جامعة مولود معمري، (ص.133 ــ 152)، ص.136. التسطير من وضعنا.
[39] جمال نجيب التلاوي، المثاقفة: عبد الصبور وإليوت (دراسة عبر حضارية)، ترجمة من اللغة الإنجليزية ماهر مهدي وحنان الشريف، دار الهدى للنشر والتوزيع، المنيا (مصر)، 2005، ص.07. التسطير من وضعنا.
[40] محمّد مفتاح، مشكاة المفاهيم: النَّقد المعرفي والمثاقفة، المركز الثقافي العربي، بيروت ـ الدار البيضاء، 2000، ص.164 ــ 188.
[41] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.167 ــ 168.
[42] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.168.
[43] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.169.
[44] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.169 ــ 170.
[45] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.170 ــ 171.
[46] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.171 ــ 172.
[47] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.172.
[48] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.172 ــ 173.
[49] يُنظَر: المرجع نفسه، ص.173.
[50] المرجع نفسه، ص.170.
[51] محمّد مفتاح، النصّ: مِن القِراءة إلى التنظير، سِلسلة المكتبة الأدبيّة، شركة النشر والتوزيع المدارس، الدار البيضاء (المغرب)، 2000، ص.130 ــ 140.
[52] إبراهيم أولحيان، الترجمة: المثقافة وسؤال الهوية الثقافية، ضمن الترجمة وإشكالات المثاقفة (إعداد وتقديم مجاب إمام ومحمد عبد العزيز)، منتدى العلاقات العربية والدولية، الدوحة (قطر)، (ص.245 ـــ 266)، ص.255.