في 20 آذار الماضي خاضت الولايات المتحدة الأميركية مع حلفائها البريطانيين, حربا دامية ضد الشعب العراقي, ومن اجل نيل رضا الرأي العام الدولي , ادعت الولايات المتحدة الأميركية بأن الهدف من وراء هذه الحرب هو ” تحرير الشعب العراقي من النظام الظالم الذي يحكمه.
كما طمأنت المجتمع الدولي بوصفها بأنها ستكون حربا” نظيفة ” بحيث تستعمل فيها أسلحة وتقنيات جد متطورة لن تخرج عن هدفها , متناسية القول بأن من بين أهدافها ” ترعيب وصدم المدنيين “.
لقد وضعت اتفاقيات جنيف الأربع , مجموعة من القواعد الدولية الإنسانية التي لا يمكن الخروج عنها عند اندلاع النزاعات المسلحة , وأوصت بحماية بعض الفئات لاسيما المدنيين وأسرى الحرب.
قبل بداية العدوان الأميركي ضد العراق , ذكّرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر كل من حكومة الولايات المتحدة الأميركية , بريطانيا , والعراق , بأنه بموجب اتفاقيات جنيف الأربع التي تعتبر هذه الدول الثلاث أطرافا فيها , يستوجب حماية الحياة والكرامة الإنسانية.
نحاول من خلال هذا المقال, إلقاء الضوء على الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في العراق من قبل أميركا وحلفائها لا سيما على المدنيين وأسرى الحرب, لعلنا نحرك مواقف إيجابية تساهم في إخراج الشعب العراقي من أزمته.
1- عدوان متكرر ضد المدنيين :
لقد وضعت اتفاقية جنيف الرابعة , الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب , مجموعة من القواعد لحماية هذه الفئة لكونها لا تشارك في النزاع.
فالمادة 16 منها تقضي بأنه يحظر قصف المدنيين وأنه يستوجب منح احتراما” خاصا” لجرحى الحرب وكذلك العجزة والنساء الحوامل.
أما المادة 18, فإنها تحظر قصف المستشفيات وتلّزم أطراف النزاع على احترامها وحمايتها وتضيف المادة 19 من هذه الاتفاقية بأنه لا يجوز إزالة الحماية عن المستشفيات إلا في حالة ما إذا تبين بأنها تستعمل لأغراض عسكرية, وفي هذه الحالة فقط يمكن وقف الحماية عنها, لكن ليس بعد أن تمنح أجلا “ملائما”.
وحسب المادة 23 من هذه الاتفاقية, فإنه يمنع حجز المواد الضرورية للعيش والأدوية والأجهزة الصحية, بل يستوجب إيصالها للمدنيين بأسرع وقت ممكن .
أما البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف , المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة لسنة 1977 فإن المادة 54 منه تمنع مهاجمة ,هدم, نهب أو تحطيم ممتلكات ضرورية لمعيشة المدنيين مثل منشاءات تخزين مياه الشرب ومحطات الصرف الصحي .
تطالب المادة 57 منه أطراف النزاعات المسلحة أخذ الحيطة عند القيام بمهاجمة الطرف الآخر كما تدعوهم إلى اختيار وسائل للهجوم تسقط أقل عدد ممكن من الضحايا والجرحى وتسبب أقل ضرر للممتلكات المدنية.
أبعد من ذلك, يحمي هذا البروتوكول الصحفيين الذين يغطون النزاعات المسلحة, ويضمهم لفئة المدنيين ( المادة 79).
لقد اعتدت أميركا وحليفتها على المدنيين العراقيين يوميا, كما قصفت مستشفى عراقي وفندق فلسطين الذي يقيم فيه الصحفيين الذين جاؤا لتغطية هذه الحرب.
من جهة أخرى منشاءات ذات طابع مدني تعرضت للقصف, لاسيما منشاءات تنقية مياه الشرب ووحدات معالجة المياه الآسنة مما حرم المدنيين من الحصول على مياه الشرب وكان السبب في ظهور الأمراض المعدية مثل الكوليرا والإسهال الحاد.
لقد حطمت أميركا وحليفتها كذلك مستودعات الأغذية الأساسية وقام بعض الجنود بتحويل أغذية ذات مصدر إنساني لاحتياجاتهم الشخصية, حارمين بذلك المدنيين من الانتفاع بها.
الأخطر من ذلك الاستعمال للأسلحة المحظورة دوليا” مثل القنابل العنقودية والقنابل الانشطارية التي لها نفس مفعول الألغام بوصفها لا تنفجر بمجرد إطلاقها وإنما قد يأخذ ذلك بضع ساعات بل حتى اشهر وسنوات ممّا سيسبب حتما في تضاعف عدد الضحايا من المدنيين.
يتضح مما تقدم بان أميركا وحليفتها قد انتهكا كل قواعد القانون الدولي فيما يخص حماية المدنيين. وحسب المادة 50 من اتفاقية جنيف الأولى فان انتهاك واحد من هذه الانتهاكات الكثيرة يكفي لمتابعة فاعليه قضائيا.
2- معاملة أسرى الحرب بطريقة غير إنسانية
لقد جاءت اتفاقية جنيف الثالثة لحماية أسرى الحرب, فالمادة الثالثة منها نلّزم الدول الأطراف على معاملتهم بإنسانية وبطريقة تحفظ لهم كرامتهم, وتضيف المادة 14 بان لأسرى الحرب الحق في احترام شخصيتهم وشرفهم, كما يستدعي حمايتهم من كل أعمال العنف ( المادة 13).
إن جنود الاحتلال لم يحترموا كل هذه المواد, بحيث مارسوا على الأشخاص الذين يقعون تحت قبضتهم سواء كانوا مدنيين أو غير مدنيين كل أنواع المس بالكرامة الإنسانية.
بالفعل لقد شاهد العالم بأسره عبر مختلف المحطات التلفزيونية كيف كان هؤلاء الجنود يعاملون الأسرى أو من يقع في قبضتهم سواء بالشتم أو بإهانتهم بالطلب منهم الركوع تحت أقدامهم, مشاهد أثارت مشاعر الذين لا يزالون يعرفون معنى الإنسانية والذين ينتسبون للعروبة.
ابعد من ذلك , نجد جنود الاحتلال قد أفرطوا في إذلال الأسرى العراقيين وذلك بوضع أكياسا سوداء على روؤسهم, ممارسة منقولة من الجيش الإسرائيلي في معاملته للأسرى الفلسطينيين.
ولقد وضع الأسرى العراقيين في الصحراء تحت أشعة الشمس من دون أي حماية ولا حتى ابسط شروط المعيشة فحين تحظر اتفاقية جنيف الثالثة تعريض صحة وحياة أسرى الحرب إلى الخطر (المادة 13 والمادة 19) وتلّزم الجهة الآسرة على توفير لهم نفس شروط الإقامة التي تتمتع بها.
كما تدعو اتفاقيات جنيف الأربع , أطراف النزاع إلى السماح للمنظمات الإنسانية مثل لجنة الصليب الأحمر بالتواجد على ارض النزاع لتقديم مساعداتها للجرحى والمرضى. وانه لمن الغريب أن غادرت المنظمات الإنسانية الأراضي العراقية أيام قليلة قبل اندلاع العدوان على العراق ممّا يدفعنا إلى التسول عن السبب الذي دفعها للقيام بذلك ؟
ونود أخيرا أن نذكّر بان الشعب العراقي عانا الأمرين وذاق المآسي على يد النظام العراقي أليس من العدل والإنسانية إن ير نور العدالة من جديد فإذا بأميركا وحليفتها بدلا” من إن تمسح عنه أحزانه
وتمنحه الحرية رادته بؤسا” ودمارا” وأحزانا” .
وما أميركا إلا ” علوج ” فانشغالها الوحيد هو مص الثروات النفطية لهذا البلد وغرس قواعد عسكرية تقوي وجودها في منطقة الشرق الأوسط .
كما نأمل أن تتحرك أنظمة الدول العربية لتقف وقفة موحدة من اجل نصرة هذا الشعب وإبعاد شبح أمريكا وإسرائيل عنه .
مقال نشر في جريدة الأديب، لبنان 2004