التسامح الغربي وانعكاساته على الآخر: الإسلاموفوبيا بفرنسا أنموذجا
Western tolerance and its repercussions on the other – Islamophobia in France as a model –
ط. سليماني عبد الجليل/جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب
Slimani Abdel Jalil/University Mohammed I -Oujda Morocco.ET
مقال منشور مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 95 الصفحة 87.
Abstract:
The concept of tolerance is one of the concepts that have varied and varied trends and opinions, because it is an important human value, and for this reason tolerance can be seen as a step towards restoring fractured relations and mutual trust, as it contributes to solving many existing problems between others, and prevents many future problems. The concept of Islamophobia is the opposite because it is based on hatred and grumbling about the other, and accusations of terrorism, all of which are considered to be of great problems for the establishment of satisfactory and meaningful social relations, especially in light of the conditions and conditions experienced by immigrants in France (poverty, deprivation, lack of social recognition, feelings of inferiority and worthlessness). It makes Islamophobia and tolerance real problems faced by both these migrants and receiving communities.
Keywords: tolerance, other, Islamophobia.
ملخص:
يعتبر مفهوم التسامح من المفاهيم التي تعددت بشأنه وتنوعت الاتجاهات والآراء، ذلك لأنه يعد قيمة إنسانية مهمة، لهذا يمكن النظر للتسامح على أنه خطوة مهمة نحو استعادة العلاقات المتصدعة والثقة المتبادلة، كما يسهم في حل الكثير من المشكلات القائمة بين الآخرين، ويمنع حدوث الكثير من المشكلات المستقبلية. كما يسير مفهوم الإسلاموفوبيا نقيض ذلك لأنه مبني على كراهية الآخر والتذمر منه، واتهامه بالإرهاب والتي تعد جميعا ذات إشكاليات كبيرة لإقامة علاقات اجتماعية مرضية وهادفة، خاصة في ظل الظروف والأوضاع التي يعيشها المهاجرون في فرنسا (الفقر والحرمان وعدم الاعتراف الاجتماعي، الشعور بالدونية وعدم القيمة). حيث يجعل من قضية الإسلاموفوبيا ومبدأ التسامح مشكلات حقيقية يواجهها هؤلاء المهاجرين والمجتمعات المستقبلة على السواء.
الكلمات المفتاحية: التسامح ، الآخر، الإسلاموفوبيا.
مقدمة:
تتصاعد أعمال العنف والإرهاب يوميا على المستوى العالمي، لكن الدعوة إلى قيم التسامح تزداد وترتفع في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت لازمة في الخطاب السياسي الرسمي للكثير من الأنظمة، وفي خطاب معارضيها، على حد سواء. ويرتبط «التسامح»، بمعناه السائد حالياً، بقيم وممارسات إيجابية تهدف إلى إرساء السلم المجتمعي، والسلام العالمي، والتعايش مع الآخرين، وبالتالي ليست المفردة ولا الخطاب الذي تحيل إليه حديثين بالطبع.
فمنذ بروز ما يسمى “بالحرب على الإرهاب”، الذي أعقب الحادي عشر من شتنبر، وانهيار برج التجارة العالمية نتج عنه انهيار لمجموعة من المفاهيم والتصورات الفكرية والثقافية ،ومن بينها مفهوم التسامح.[1]
فبالرّغم من كونه موضوعاً شائكا، لارتباطه بقضايا معقّدة كالإرهاب، إلّا أنّ الكثير من المسلمين في البُلدان الغربية يشتكون من الإسلاموفوبيا، و من العنصرية، ومن الأفكار النمطية والأحكام المسبقة المُعادية للإسلام. مردُّ ذلكَ، بالنّسبة إليهم، التصوّرُ الخاطئ الذي يحمله الغربُ عن الإسلام والمسلمين.
وبنفس المنطق سبق للغرب أن تعامل مع الآخر في أمريكا اللاتينية وفي جنوب شرق آسيا وفي شمال وشرق أوروبا، ولكن للعربي المسلم نكهة خاصة في التعامل معه بهذا المنطق الانعكاسي. فالناظر في المسلم: لفظا، وفردا، وفكرا، يتبين له بكل يسر أن هذا المصطلح يكاد يترادف مع مصطلح الإنكليزي، والفرنسي، والألماني: وجميعا تعني “الآخر”، وإن كانت صورة هذا المسلم- الآخر”صورة تمثلية تصنع صناعة، وليست مطابقة وجوبا للمعطيات الموضوعية المكونة “للمسلم”في حد ذاته :لفظا وفردا وفكرا. وحيثما قلبنا تلك الصورة فإننا سنجد أنفسنا في مجال “الأخرية” في أبهى تجلياتها.[2]
ليأتي الإسلام كذلك، في كل الدراسات التي تم اختيارها، يمثل مركز الأخرية الدينية والحضارية والثقافية بامتياز. وتوظف لتدعيم هذه الأخرية جملة من الآليات العاضدة التي تسعى إلى إخراج الدين في هيئة تلائم ما يرغب الغربي في سماعه. وتتفاعل الدروس الأكاديمية مع مراكز البحث الاستراتيجية والبرامج الإعلامية حتى تكون هذه الصناعة دقيقة فاعلة ومؤثرة.[3]
هل الإسلاموفوبيا سببٌ للإرهاب أم نتيجةٌ له؟ سؤالٌ جوابُه معقّدٌ كذلك. لكنّ ما هو مؤكّد، بالنّسبة للمسلمين في الغرب، هو أنّها موجودة، وجعلتهم يعيشون ظروفاً صعبة وإقصاءً اجتماعياً كبيراً، بل إنّها أدّت إلى ضرب الكثير من المكتسبات الحقوقية للبلدان الغربية أيضاً.
أولا:تحديد مفهوم التسامح والإسلاموفوبيا.
لقد أصبحت المصطلحات أدوات في الصراع الحضاري والفكري بين الأمم، وفي داخل الأمة الواحدة، إذ يهتم أعداء أي مبدأ أو فكر في صراعهم مع المبادئ الأخرى بالألفاظ والمصطلحات، وحين يكون القوم معاديين للحق، فإنهم يحرفون الألفاظ والمعاني، ويغيبون القول الحق فيها، وإنما كان المصطلح أداة في الصراع، لأنه الوعاء المعبر عن العقيدة، أو الفكر، أو الرأي ولذلك فان كسر ذلك الوعاء غرض رئيس للمعاديين، كما أن إفساد المصطلح، أو تغييره يمثل خطورة كبرى على العقائد، أو الآراء أو الأفكار لأي أمة.[4]
ومن أظهر الأمثلة على ذلك في العصر الحديث «مفهوم التسامح ومفهوم الإسلاموفوبيا” اللذان نشأ في الغرب، حيث يجمع أغلب دراسي المفهومين على صعوبة ضبط معانيهما ودلالتهما، ولا يتعلق بالدلالات الفلسفية الاصطلاحية، التي ارتبطت بهما خلال مراحل تشكلهما وتطورهما سواء في المجال الاجتماعي أو في الفلسفات التي حاولت وضع حدود لمعانيهما، بل أن الأمر يتجاوز الدلالية المصطلحية نحو الدلالات اللغوية العامة التي تحملها كل مفردة.
1-1: التسامح: مفهوم محير وملتبس
فقد بين المفكر الفرنسي “بول ريكور” في المقاربة التي ركبها لمفردة التسامح اعتمادا على بعض معاجم اللغة الفرنسية، أن الطابع المبسط للدلالة كما تقدمها بعض هذه المعاجم، يساهم في مزيد من غموض المفهوم وصعوبته.[5]
وهذا ما حدا “بلالاند” عند مناقشته لمفهوم التسامح والذي لم يقبله إلا بتحفظ، إلى القول: ” كلمة التسامح تتضمن في لساننا فكرة اللياقة، وأحيانا الشفقة، اللامبالاة أحيانا أخرى، فهي تتضمن أكثر معان من قبيل: الازدراء، التعالي، الطغيان، ويبدو في الأمر شيء من الازدراء عندما نقول لشخص أننا (نتسامح) فيما يفكر فيه، فهذا معناه ” أن ما تفكر فيه لا قيمة له لكني أوافق على إغماض عيني”، وأما الفيلسوف الكانطي الجديد (أميل بوترو) فيقول: ” لا أحب كلمة تسامح هذه، فلنتحدث عن الاحترام والتواد والحب، أما التسامح فهي مهينة للإنسانية، فلذلك يعني أني أمنحك الحرية في الوقت الذي تعبر فيه الحرية حقا للأنا، والأخر لا يحب المساس بها.” [6]
بل إن ظهور الفكرة نفسها في الغرب أو في الحضارة الغربية الحديثة العلمانية على الأقل، جاءت وليدة حاجة، ولم تكن وليدة ثقافة تتجسد عبر الممارسات السلوكية لمكونات المجتمع الغربي دولا وجماعات وأفرادا، وهذه الحاجة المتولدة جاءت بعد معاناة من قضية اللاتسامح الديني، والصراع الاجتماعي، والتكالب على السلطة والاستغلال الاقتصادي، واضطهاد الأطفال، والأقليات، والأجناس.
ويخلص سمير الخليل إلى أن كلمة التسامح ” ليست واحدة من تلك الكلمات التي تم النضال بشأنها خلال القرن التاسع عشر أو حتى في القرن العشرين”، فلسبب من الأسباب تم تجاهل هذه الكلمة، وتم تجاوزها، أو بالأحرى اكتفى بمجرد النظر إليها على أنها من نافل القول، كما أنها لا تعبر في حقيقة أمرها عن شيء…فلم يكن للتسامح من يفكر به أو ينطق باسمه.” [7]
فنحلل مثلا كلمة التسامح في اللغة العربية ونقارنها بمفهوم « tolérance »، بالفرنسية والانجليزية، فالتسامح في العربية يجمع بين مادة الكلمة من سمح ، وصيغة الاشتراك ،فيفيد إذن علاقة متبادلة بين الأفراد والفئات تتعلق بمضمون التسامح، في هذا المضمون لا بد أن نجد إشارة إلى بعد سلبي، يتمثل في أن العلاقة الأولى في العلاقات البشرية مستندة إلى عنف، فالتسامح هو تحرر من العلاقة الطبيعية بين البشر.
إذن فأول معنى للتسامح، هو الانتقال من الوازع الخارجي، الذي تمثله السلطة المادية للدولة ، إلى الوازع الباطني ،الذي يمثله الاعتراف بحقوق الآخر، والتعامل على أساس هذه الحقوق من الآخر، تأسيسا للعلاقة السلمية به ،وتأسيسا للإمكانية الحوار معه، في حين أن كلمة « tolérance »، تعني نوع من قبول الآخر على مضض ،لأن فيها شيء من أن أعطي لنفسي سلطة تجعلني أقبلك على صفاتك التي عندك، رغم أني الذي أملك الحقيقة ولكني أحتملك، « tolérance » يعني احتمال الآخر، وليس التسامح معه.[8]
وسواء أخذنا التسامح على معنى التحمل اللاتيني أو على المعنى العربي، يظل التسامح فضيلة إما مستحيلة التحقق رغم ضرورتها مثلما ذهب إلى ذلك الفيلسوف برنارد ويليمز، (أستاذ الفلسفة العملية بجامعة كمبريدج)، في نص بعنوان «هل التسامح فضيلة؟ » أو أنها صعبة لكنها ضرورية كما ذهب إلى ذلك الفيلسوف “طوماس سكولن“،(أستاذ الفلسفة في جامعة هارفارد) في كتاب بعنوان «صعوبة التسامح« ، وتتمثل مفارقة التسامح في نظر وليمز في أنه ضروري كلما كانت هناك مجموعات اجتماعية لها قيم أخلاقية وسياسية ودينية متعارضة في حين أنها تدرك أن استمرارها في العيش سويّة وتجنبّ الصدام والحرب يقتضي التسامح مع بعضها.[9]
فلنأخذ مثلا المجال السياسي الذي يهمنا، نجد المفهوم أضحى مشكلة عويصة، فان كان مفهوم التسامح يمثل لبعضهم مفهوما سحريا، يكمن سحره في كونه يفضي إلى تعايش مشترك سلمي، قائم على اعتراف متبادل ومساواة سياسية بين المعنيين به، نجده يمثل بالنسبة للآخرين مقابلا للسلطة والهيمنة والإقصاء، والملاحظ أن هذا الغموض الذي يحيط بمفهوم التسامح ليس بظاهرة جديدة ومعاصرة، يكفي أن نعود ونستحضر النقاشات الكلاسيكية التي دارت حول المفهوم في عصر التنوير، لنجد أن النقد الذي وجهه غوته لمفهوم التسامح يعكس هذا الالتباس،” فالتسامح ينبغي أن يكون مؤقتا فقط، يجب عليه أن يقود إلى الاعتراف، إنه إهانة “، وهو ما كان يقصده “كانط” في الوقت الذي انتقد ” الطابع المتغطرس ” والمتعجرف للتسامح، كما أن هذا الشكل من التسامح الذي كان سائدا هو الذي دفع بالكاتب” ميرابو” للقول بأن التسامح هو علامة على الاستبداد والطغيان.[10]
ففي عام 1965، صدر كتاب بعنوان “نقد التسامح الخالص” يحتوي على مقالات ثلاث حررها ثلاثة فلاسفة، هم: روبرت بول فولف و بارنجتون مور وهربرت ماركيوز، ومع تباين آرائهم إلا أنهم متفقون على أن التسامح، نظرياً وعملياً، ما هو إلا قناع يخفى حقائق سياسية تتسم بالرعب والفزع، وخلاصة رأيهم أن التسامح ينطوي على نقيضه وهو عدم التسامح وهذه هي إشكالية التسامح، التي تحلق بقوة كالروح المستحضرة في سماء النقاش الأكاديمي الدائر في أوروبا اليوم.
يرى دارس مثل “هايد” أن التسامح فضيلة متملصة عصية على التحديد رغم أنها تحتل مركزا أساسيا في الفكر السياسي والأخلاقي الحديث والمعاصر، فإيماننا الجازم بقيمة التسامح على الصعيد العملي سواء في الحياة الأخلاقية الفردية أو على الصعيد السياسي في تدبير الحكم وفي إدارة الخلاف على نحو حكيم لا يقابله يقين مماثل على الصعيد النظري سواء تعلق الأمر بالتحديد المفهومي أو بالحجاج لصالحه.
فعلى خلاف ما هو الأمر في مجالات مثل الحقوق والواجبات التي يختلف الناس فيها وفي تحليل مفاهيمها وتسويغها لكنهم يسترشدون بجملة من الأمثلة والحالات المتفق حولها، في مجال التسامح يصعب العثور على حالة واحدة يُتفق عامة على أنها تشكل نموذجا يُسترشد به لحل الخلافات في حالات مثيلة، فالاتفاق حول الحالات النموذجية للحقوق والواجبات يستند عموما إلى إعلانات حقوق الإنسان العالمية أو الإقليمية أو الوطنية والى ما كرسته التجارب الدستورية لعديد الأمم في باب الحريات والحقوق.
من هنا يتضح لنا أن فلاسفة السياسة قد انقسموا إلى اتجاهين لا ثالث لهما اتجاه التسامح السياسي، هما: الاتجاه المؤيد للتسامح السياسي، والاتجاه الرافض له، نظرا لصعوبة تحقيقه على أرض الواقع. ومن أبرز ممثلي الاتجاه المؤيد للتسامح السياسي -على سبيل المثال لا الحصر- نجد” رولز ” الذي أكد على أهمية التسامح السياسي، إذ يرى أنه من غير المعقول أن نستخدم القوة السياسية إذا أتيحت لنا الفرصة، أو أن نمنع وجهات النظر الشمولية التي تتمتع بالمعقولية، لذا وجد أن ما ينبغي علينا هو التسامح السياسي فحسب.
أما الاتجاه الثاني، والذي يجد صعوبة في تحقيق التسامح السياسي على أرض الواقع، أو على الأحرى الرافض للتسامح السياسي، فنجد أن من أبرز ممثلي هذا الاتجاه – على سبيل المثال لا الحصر – هو “وليامز” الذي ينظر إلى التسامح السياسي على أنه قيمة مؤقتة تؤدي دورا مهما بين ماض لم يسمع الناس عنه، ومستقبل لن يحتاج إليه من هم على قيد الحياة الآن، الأمر الذي جعله يؤكد على أن القول بأن اللاتسامح السياسي سوف ينتهي من هذا العالم، وهو أمر لا يصدق على الإطلاق.
ومن جهة أخرى يتعارض مفهوم التسامح مع مواقف تبدو أحيانا متداخلة معها مثل القبول والاحترام، فقد أقبل بعادات أحد الجيران في العيش أو الطقوس والشعائر الدينية التي يتعاطاها غير أن ذلك لا يندرج ضمن خانة التسامح وإنما ضمن خانة احترام الآخر وحقه في الاختلاف، فالأقليات المسلمة في فرنسا مثلا تجد نفسها في وضع دوني حينما تدرج في خانة الأقليات المتسامح معها لذلك ترفض التسامح وتطالب لنفسها اليوم بالحق في الاحترام والتقدير المتساوي مع الأغلبية المسيطرة وكذلك الاعتراف لها بالحق في أن تكون مختلفة.
ومهما يكن من أمر، فان مناهضي التسامح الغربي كثر، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على رفضهم واعتراضهم على طريقة استعماله، هذا لا يعني أننا رفضنا التسامح الأخلاقي والحقوقي التي تبنته الأمم المتحدة، بل أن هناك ميل إلى قبوله لدى الكثير من البشر، فقد حدد إعلان مبادئ التسامح الصادر عن اليونسكو في سنة 1995، التسامح، بأنه:” ليس فقط مجرد التزام أخلاقي وإنما أيضاً ضرورة سياسية “[11]، إلا أن تلاعب الغرب بمفهوم التسامح واستغلاله من أجل السيطرة والنفوذ والظلم والاستبداد جعلنا نرفضه.
1-2: مفهوم الإسلاموفوبيا وأشكاله.
1-2-1: مفهوم الإسلاموفوبيا.
أصبح استعمال الإسلاموفوبيا بعد 11 سبتمبر دارجا على لسان الجميع في الدول الغربية ،وفي هذا السياق، يرى المفكّر المغربي حسن أوريد أنّه “لا يمكن الحديث عن إسلاموفوبيا قبل أحداث11 سبتمبر، إذ بعدها مباشرةً صدرت كتاباتٌ تتهجّم مباشرةً على الإسلام، وتعتبر أنّ الإسلام هو العدو، وخصوصا في أوروبا.
ففي أوروبا مثلا ، ظهر في أكتوبر 2001 مفهوم “الإسلاموفوبيا” على الموقع الإلكتروني لكل من المرصد الأوروبي لظواهر العنصرية ومعاداة الأجانب بفيينا “EUMC ، والشبكة الأوروبية ضد العنصريةENAR، أما في فرنسا ففي سنة 2003 عرفت تنظيم يوم دراسي في موضوع :
“du Racisme anti-arabe à l’islamophobie “من قبل منظمة الحركة ضد العنصرية ومن أجل الصداقة بين الشعوب MRAP. كما سيتشكل التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا CCIF الذي أصدر أول تقاريره في 21 أكتوبر 2004، كما كان الوزير الأول الفرنسي السابق “j.pierre.rafarin ” قد استخدم المفهوم في كلمة له بمناسبة افتتاح المسجد الكبير بباريس في 17 أكتوبر من السنة نفسها، أما أكثر التعاريف شيوعا وتبنيا من قبل الباحثين فيعود للمركز من أجل تكافؤ الفرص ومواجهة العنصرية والذي جاء فيه :” الإسلاموفوبيا كراهية ورفض لإسلام مختزل في كيان شرير بينما الإسلام هو متعدد عل المستوى الاجتماعي، الجغرافي، التاريخي والثقافي. هذه الكراهية تتغذى على أحكام مسبقة وقوالب جاهزة سلبية تمارس غالبا خلطا بين مفاهيم متعددة: إسلام، عرب، مسلم، إسلاموي، إرهابي، أصولي…من جهة وبين ثقافة ودين من جهة أخرى.
والجدير بالذكر ،أن “الإسلاموفوبيا” لا تمثل تهديدا للمسلمين فحسب ،وإنما تهديدا لمبادئ العدالة والمساواة والحرية نفسها، تماما بقدر ما تمثل تهديدا للأمن والوئام الاجتماعي، إنها تدوس على إنجازات احتاجت البشرية لتحقيقها قرونا عدة، فضلا على أنها تضرب عرض الحائط المساعي البشرية والتضحية التي أنشئت على أساسها مؤسسات دولية لضمان الحفاظ على إنجازات البشرية.[12]
وتجلى ذلك بوضوح في خضم الأزمة الاقتصادية التي أرخت بظلالها على القارة الأوروبية عام 2008،وأدت هذه الظرفية الصعبة بدورها إلى احتدام النقاش الداخلي حول قضايا ساخنة مثل المهاجرين وغير الأوروبيين والإدماج والاندماج، والهوية الوطنية وما إلى ذلك، التي تفاقمت بسبب زيادة عدد اللاجئين الذين فروا من ويلات الحروب الأهلية في بعض البلدان الإسلامية، والوتيرة الدورية للهجمات الإرهابية التي ضربت القارة، وهيأ كل هذا وذاك المناخ المناسب لازدهار الأحزاب اليمينية وظهور شخصيات ذات الأفكار المتطرفة، وازدياد زحمها في ظل سياسات الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالاندماج التي تعرضت لانتقاد واسع واعتبرت سببا في تأزيم الأوضاع، كل ذلك شكل أرضية خصبة للحركات المناهضة للاتحاد الأوروبي والمناهضة للهجرة والمعادية للمسلمين، مما أدى إلى انتشار الإسلاموفوبيا في جميع أنحاء أوروبا.[13]
وإذا كانت حملة مناهضة الإسلام التي قادتها شخصيات اليمين المتطرف في أوروبا شرسة إلى حد بعيد، فإن ما يستدعي القلق بالفعل هو أن الإسلاموفوبيا أصبحت مقبولة سياسيا وشعبيا سواء بالنسبة للرأي العام أو الإعلام.[14]
وهذا ما أكده التقرير الأوروبي عن الإسلاموفوبيا لعام 2020 ،حيث اعتبر ظاهرة الإسلاموفوبيا آخذة في الارتفاع في أوروبا. جاء في التقرير: “بالنظر إلى السنوات الست الماضية نرى أن العديد من المراقبين يتفقون بالإجماع على أن حالة الإسلاموفوبيا في أوروبا لم تتحسن بل تفاقمت، هذا إن لم تصل إلى نقطة تحول”، ويفصل التقرير عدد الجرائم التي وقعت ضد المسلمين في عام 2020، من الاعتداءات اللفظية والجسدية إلى الشروع في القتل، ومن بين البلدان المدرجة في التقرير، أبلغت ألمانيا عن 908 جرائم، وهي بولندا (664)، وهولندا (364)، والنمسا (256)، وفرنسا (121)، والدانمرك (56)، وبلجيكا 36، بما فيها فرنسا التي سجلت 235 جريمة معاداة للإسلام في عام 2020، مقارنة بتسجيل 154 حالة في عام 2019، أي بزيادة بلغت نحو% 14، هذه الأرقام وإن كانت لا تعكس بالضرورة حيثيات الوضع بالنظر إلى صعوبة رصد كل هده الأفعال خصوصا تلك الموجهة ضد الأفراد يصرح التقرير المذكور، فإن من شأنها أن تقدم رصدا موثقا لظاهرة الإسلاموفوبيا التي أصبح يحذر منها مجموعة من الخبراء والحقوقيين بأوروبا.
1-2-2: أشكال الإسلاموفوبيا
سأقتصر على ذكر نموذج واحد: فرنسا ،وذلك لعدة اعتبارات:
- تعتبر فرنسا أكثر الدول جدلا فيما يتعلق بدراسة الظاهرة لعدة أسباب، أهمها أن بها أكبر جالية للمسلمين، حيث يقدر عدد المسلمين في فرنسا مثلا بنحو: 6 بالمائة من السكان ما يعني نحو 4.5 مليون شخص بالغ في فرنسا يعتنقون الإسلام، وفق لتصريحات مستشار الرئيس الفرنسي حكيم القروي.
- أشارت تقارير وأخبار إلى زيادة مثيرة للقلق لجرائم الكراهية ضد أفراد ينظر إليهم على أنهم مسلمين، فضلا عن ارتفاع عدد الهجمات على المساجد والمراكز المجتمعية، لاسيما في فرنسا، وما انفك التمييز والتعصب ضد المسلمين يتزايدان منذ يونيو 2018 إلى يومنا هذا.[15]
- ظاهرة الهجرة أدت بدورها إلى تنامي الخوف من الآخر وتشويه صورته لدى غالبية السكان في أوروبا.
ثانيا: الإسلاموفوبيا بين الواقع الاجتماعي والهاجس السياسي الفرنسي
2-1: رصد واقع الإسلاموفوبيا في المجتمع الفرنسي:
تحظى ظاهرة الإسلاموفوبيا باهتمام كبير لدى الباحثين على مستوى أوروبا ولكن نجد أن فرنسا أكثر الدول جدلا فيما يتعلق بدراسة الظاهرة لعدة أسباب، أهمها أن بها أكبر جالية للمسلمين في القارة، وبحسب ياسر اللواتي وهو رئيس “لجنة العدالة والحريات للجميع”، وتعنى بالدفاع عن حقوق المسلمين، ونشر التوعية حول الإسلاموفوبيا في فرنسا،[16] فإنّ حدّة الانقسام بدأت تظهر مع صعود خطاب اليمين المتطرّف في فرنسا قبل سنوات، كردّ فعل على “اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي، وبروزهم للحديث علناً، من دون الفصل بين إسلامهم وجنسيّتهم الفرنسية”.
فبحسب ما أوردته (BBC) في موقعها بتاريخ 29 نوفمبر 2020 تحت عنوان ” المسلمون في فرنسا: كراهية ممنهجة أم سوء فهم؟” جاء فيها: “وجد المسلمون الفرنسيون أنفسهم، خلال الأسابيع الماضية، أسرى لنقاش سياسي وعقائدي مُستعر، حول حقوقهم، وحرياتهم، وقبل كلّ شيء، حول حياتهم اليومية كأفراد، في خضم معارك بين خطابين: فمن جهة، يخشى البعض من سعي الدولة الفرنسية لإيجاد حلول جذرية للهجمات المتطرّفة المتتالية، عبر وضع المسلمين كافة على أراضيها، في سلّة واحدة، مع جماعات تستخدم العنف.
وقد تعزّز هذا الخوف بعد تعاطي الشرطة الفرنسية العنيف مع متظاهرين كانوا يحتجّون على قانون “الأمن الشامل” الذي تثير بعض بنوده القلق، لناحية تقييد الحريّات، في المقابل يرى البعض أنّ ردّ المسلمين الغاضب في أنحاء العالم بإعلان مقاطعة المنتجات الفرنسية، احتجاجاً على معالجة الدولة الفرنسية لإعادة نشر مجلّة “شارلي ايبدو” لرسومات ساخرة من النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، قد يُسهم في استخدام حقوق المسلمين في فرنسا كأداة في صراع سياسي، ففي فرنسا ازدادت الأعمال العدائية ضد المسلمين، بما في ذلك إطلاق النار والاعتداءات الجنسية والإحراق المتعمد لأماكن العبادة وتدنيسها خلال شهر رمضان المبارك.[17]
وفي تقريره الصادر العام الحالي سجّل “التجمع ضدّ الإسلاموفوبيا” في فرنسا، ارتفاعاً بنسبة 77 بالمئة في الاعتداءات على خلفية كراهية دينية، على مسلمين، بين عامي 2017 و2020، ورصد التجمّع سنة 2019، نحو 789 فعلاً يندرج تحت مظلّة كراهية المسلمين، يقول إنّ 59 بالمئة منها صدر عن مؤسسات حكومية، وهذا التجمّع أعلن عن حلّ نفسه، ونقل أنشطته إلى خارج فرنسا، بعد أن اتهمه وزير الداخلية جيرار دارمانان بأنّه “بؤرة إسلاميّة”.[18]
كما أصدرت منظمة “كيج” Cage الحقوقية البريطانية تقريراً جديداً اتهمت فيه فرنسا باستهداف سكانها المسلمين استهدافاً منهجياً بمجموعة من السياسات التي استحدثتها إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتصدي لما يُسمى “الانفصالية والإسلاموية”، وما قضية الرسوم الكاركاريتية إلا جزء من هذه السياسة الممنهجة التي جاءت في سياق حملة ضد كثير من الممارسات والطقوس والعادات ذات الصلة المباشرة بالإسلام، وما قضية الحجاب كذلك إلا حلقة أخرى في سلسلة التصعيد تلك، ولذا ينبغي إدراج كثير من الأحداث المسيئة للإسلام في فرنسا ضمن توجه عام يكشف عن مرحلة جديدة في التعامل مع الإسلام وقضاياه بشكل صريح ومباشر.
فقد ذكر موقع Middle East Eye [19]البريطاني إن استخدام ماكرون سلطاته التنفيذية لإقرار ما يسميه التقرير سياسات “تعويق منهجية” فُرضت على الجماعات والمؤسسات الإسلامية في فرنسا على مدى السنوات الأربع الماضية.
إذ كان الهدف المعلن في البداية لتلك السياسات التي صيغت في عام 2017 هو معالجة الأسباب التي تدفع بعض الفرنسيين المسلمين من مناطق معينة في فرنسا إلى ترك البلاد والالتحاق بالتنظيمات المسلحة في سوريا والعراق، ثم تحوَّل الأمر بعد ذلك إلى مشروع وطني يرمي إلى التصدي لـ «الإسلاموية” ومكافحة ما سمّاه نزعة “الانسحاب من المجتمع والانعزال عنه” في جميع أنحاء البلاد.[20]
منذ ذلك الحين، أقرَّت فرنسا مجموعةً من القوانين المثيرة للجدل التي وصفتها منظمات حقوقية كثيرة بأنها معادية للإسلام، ومن أبرزها قانون مكافحة النزعة الانفصالية وما يُعرف بوثيقة “ميثاق الإمام” التي يُفرض على المساجد والمؤسسات الإسلامية اعتمادها.
ومع تغير المشهد السياسي في أوروبا خلال العقدين الماضين نتيجة المد الشعبوي الذي اجتاح أوروبا بشكل عام وفرنسا على وجه خاص، والصعود غير المسبوق للأحزاب اليمينية المتطرفة أدى الأمر إلى تأزيم الوضع وجعل المسلمين يعيشون الرعب، ففي لقاء تلفزيوني مع قناة[21][22] BFMTVقال المرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية، اليميني المتطرف إيريك زمور، إنه “يرحب بالمهاجرين البيض المسيحيين القادمين من أوكرانيا، على عكس المهاجرين العرب والمسلمين البعيدون عنا كثيراً”، حسب تعبيره.
وعندما سألته المذيعة: “هل تقول نعم للمهاجرين البيض المسيحيين، ولا للمهاجرين العرب المسلمين؟”، ليجيب: “بالتأكيد نعم، وبكل وضوح”.
وحينما واجهته المذيعة قائلة إن “المعاناة واحدة”، رد قائلاً: “نعم، والإنسانية واحدة وكل شي واحد، كلنا بشر، لكن ما أقوله هو أن أناساً قريبون منا وآخرين بعيدون عنا”، وتابع: “ما نشهده اليوم، والجميع صار يفهم، أن المهاجرين العرب والمسلمين بعيدون عنا كثيراً، وهو ما يؤدي إلى صعوبة اندماجهم وتثقيفهم في مجتمعاتنا، أي إننا أقرب إلى الأوروبيين المسيحيين”، ويذهب زمور بخطاباته بعيدا إلى مسألة “الهوية” ومحاربة الإسلام، وأُدين مرتين بالتحريض على الكراهية.
وكشف عن سياسته المرتقبة تجاه المسلمين، في حال فوزه بالرئاسة، قائلا في تصريحات متكررة: “سأمنع الحجاب وأوقف الأذان وأغلق المساجد الكبرى، فهي تعني غزو فرنسا”، كما توعد زمور المسلمين بأنه سيمنعهم من تسمية أبنائهم باسم “محمد”، بقوله في سبتمبر/ أيلول 2021: “إذا أصبحت رئيسا لفرنسا سيُحظر اسم محمد على الفرنسيين”، وتابع أنه سيُفعل “القانون 1803 في فرنسا”، الذي يحظر على الفرنسيين تسمية أسماء غير فرنسية، كما ألمح، في تصريحات صحافية، إلى اعتزامه منع متاجر “الجزارة الحلال” التي تخدم المسلمين.
وفي فبراير/ شباط الماضي، قال زمور إن فرنسا “ستستغني عن الأطباء الجزائريين” في حال فوزه بالرئاسة، وجاء هذا التصريح بعد نجاح 1200 طبيب جزائري من أصل 2000 مرشح في مسابقة تمكنهم من ممارسة مهنتهم في فرنسا.[23]
2-2: حضور هاجس الإسلاموفوبيا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية.
والغريب في الأمر إن الحزب السياسي الحاكم في البلاد رغم انه لا ينتمي إلى تيار اليمين المتطرف، إلا أنه في ظل احتجاجات “السترات الصفراء” التي اجتاحت البلاد، قال الرئيس ماكرون في احد تصريحاته انه من الضروري الانخراط في نقاش وطني موسع لمعالجة قضية الهجرة، غير المواطنين الفرنسيين لم يسقطوا في هذا الفخ وشددوا على أن قضايا الهجرة لم تكن على الإطلاق مدرجة ضمن مطالب حركة السترات الصفراء.[24]
ووفق متابعين للحملات الانتخابية، يتنافس زعماء التيار اليميني، وهم إريك زمور ومارين لوبان وفاليري بيكرس، على مَن منهم سيكون“الأكثر عداءً وتطرفا ضد المسلمين والمهاجرين”، ولم يكن ماكرون بأقل منهم وقاحة اتجاه المسلمين.
جاء في افتتاحية صحيفة (رأي اليوم) اللندنية تعليقا على حملة ماكرون على الإسلام والمسلمين بفرنسا قول كاتبها: منذ أن جاء الرئيس الفرنسي ماكرون إلى قصر الإليزيه وشغله الشاغل هو التطاول على الدين الإسلامي بطريقة استفزازية غير مسبوقة، وتضيف الصحيفة أن ماكرون يدعي أنه يفرق بين الإسلام المعتدل والإسلام المتطرف ولكنه في واقع الأمر يعادي الاثنين ويتبنى تصنيع الخوف والاستثمار في (الإسلاموفوبيا).
في الثاني من شهر أكتوبر 2020 ألقى ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية خطابا شن فيه حملة شعواء على الإسلام قائلا: (إن الإسلام ديانة تعيش اليوم أزمة في كل مكان في العالم)، وأعلن في هذا الخطاب عن خطته التي جرى الحديث عنها مرارا لمحاربة (النزعات الانفصالية) في المجتمع الفرنسي وتتضمن هذه الخطة سن قوانين أكثر صرامة للتصدي لما سماه(الإسلام الانعزالي) وهذا القانون استغرق تحضيره أشهرا ويهدف حسب واضعيه إلى مواجهة التطرف الديني وفرض رقابة مشددة على الجمعيات الإسلامية والمساجد وحماية قيم الجمهورية الفرنسية وقد أطلق عليه مشروع قانون (الانفصال الشعوري).
ثم تعاقبت تصريحات المسؤولين الفرنسيين كوزير التعليم (Jean Michel Blanquer) والداخلية (Gerald Darmanin) وهما من أشد المناصرين لمشروع ماكرون- وكانت جميعها لا تخلو من مفردات مشحونة بالكراهية ضد المسلمين في فرنسا كإطلاق مصطلح (اليسار الإسلامي) و(الإسلام الراديكالي) و(العدو في الداخل) وأن الإسلام يريد الاستحواذ على مستقبلنا و(إقامة نظام مواز) و(إنكار قيم الجمهورية) إلى غير ذلك من الشعارات المثيرة لنزعة الكراهية والإسلاموفوبيا.
ويبدو أن ماكرون أراد من حملته هذه أن يشعر الفرنسيين أنه أكثر جرأة وحزما من الرؤساء السابقين الذين حاولوا وضع طابع فرنسي على الإسلام، ولكنهم فشلوا في ذلك وأنه هو وحده القادر على إصلاح الإسلام وإدماج المسلمين في المجتمع الفرنسي فهو ينظر إلى الإسلام باعتباره دينا عنيفا وعدوانيا يشجع على الإرهاب وأنه إيديولوجيا سياسية لها أهداف محددة ثم إنه دين منفصل لا يحتوي على قيم يشترك فيها مع الثقافة والحضارة الغربيتين ومعنى ذلك أن الإسلام في نظره أحط منزلة من الغرب، ولكنه يمثل خطرا عليه.[25]
وغرائب ماكرون لا تنتهي، بل الحق نقول نفاقه السياسي ولهفه نحو السلطة، حيث اعتاد التركيز على التخويف من المهاجرين لكسب أصوات أقصى اليمين على عتبة الانتخابات المقبلة، خصوصا بعد تلقيه «صفعة” جديدة في انتخابات الأقاليم إلقاء الضوء على استراتيجيته الهادفة إلى السيطرة المطلقة على المساجد في فرنسا وإخضاعها لسلطة الحكومة، فإلى أين وصلت حملة ماكرون؟
كان العديد من أبناء الجالية العربية والإسلامية في فرنسا، قد منحوا أصواتهم لإيمانويل ماكرون، في الانتخابات التي أوصلته إلى الإليزيه عام 2017، ويذكر أنه كان قد قال أمام حشد من المؤيدين المتحمسين له في باريس، بعد وقت قصير من فوزه في الجولة الأولى من التصويت في الانتخابات الرئاسية 2017: “أريد أن أكون رئيساً لكل شعب فرنسا، رئيساً لجميع الناس الذين يتعاملون مع تهديد القومية”.
غير أنه وبعد أن فاز وأصبح أصغر رئيس في تاريخ فرنسا، فإنه انتهج نهجا مختلفا على مدار العامين الماضيين، إذ طور برنامجا حمله رؤيته لاقتلاع ما أسامه بجذور”النزعة الانفصالية الإسلامية”، وغرس القيم الجمهورية، مما أثار غضب الجالية المسلمة في فرنسا، التي اتهمته بانتهاج نهج إقصائي للمسلمين، والسعي لترسيخ “إسلام على طريقته الخاصة”.
ويرى كثيرون أن ماكرون وهو سياسي وسطي، قد نحا باتجاه اليمين بصورة كبيرة خلال العامين الماضيين، متبنيا بعض الخطاب اليميني، من أجل الحصول على حصة أكبر من الأصوات، وكان كثير من مسلمي فرنسا قد رأوا في وصفه للإسلام بأنه “دين في أزمة” سعيا للحصول على مكاسب سياسية على حسابهم.[26]
ولا أدل على ذلك أنه في الأشهر الأخيرة، واجه نحو 12 مسجداً أوامر بالإغلاق المؤقت لانتهاكها قواعد السلامة أو الحريق، كما استفز ماكرون المسلمين بتصريحاته المعادية للإسلام، على غرار قوله إن “الإسلام في أزمة“، وكذا دعمه للصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، وحل جمعيات المسلمين من بينها “التجمع ضد الإسلاموفوبيا بفرنسا”، المناهض للعنصرية ضد المسلمين.[27]
وكان تقرير لصحيفة “The Wall Street Journal ” الأمريكية قد رصد تركيز الرئيس الفرنسي على ما يسميها معركة “رسم الخط الفاصل بين الدين والدولة” لإجبار “المنظمات الإسلامية على الدخول في قالب العلمانية الفرنسية، وهي الاستراتيجية التي يصفها منتقدو ماكرون بأنه يسعى لفرض “نسخة من الإسلام على الطريقة الفرنسية.[28]
علاوة على ذلك، مما یؤسف له حقا، أن مشروع القانون سيسمح بالإغلاق المؤقت لأي مجموعة دينية تنشر أفكاراً تحرض على الكراهية أو العنف، وبذلك سيتعين على المنظمات الدينية الحصول على تراخيص حكومية كل خمس سنوات لمواصلة العمل، والحصول على مصادقة سنوياً على حساباتها إذا تلقت تمويلاً أجنبياً، وينطبق مشروع القانون على كل دور العبادة، بما في ذلك الكنائس المسيحية والكُنُس اليهودية، لكنَّ تحركات الحكومة مُوجَّهة للمساجد والمنظمات الإسلامية، بحسب الصحيفة الأمريكية.
لذا يحق لنا أن نتساءل عن علمانية الدولة التي تتبجح بها فرنسا، رغم أن العلمانية الفرنسية اعتبرت نفسها محايدة تجاه كل المظاهر الدينية، وميزت نفسها عن الدول الاشتراكية السابقة التي اتخذت موقفا إلحاديا من الدين، أو دول أخرى انحازت فيها إلى الدين الغالب داخل المجتمع إلا أن هذا لم يمنع أنها كثيرا ما تخلت عن حيادها ودخلت في معارك حول كتاب أو فيلم أو حجاب ومن ثم انغمست في الجدل حول قضايا استثمرت إعلاميا ووضعت مفهوم العلمانية في تحد ، فمعركة الحجاب في فرنسا تمثل هزيمة كبيرة لكل الأفكار التي حاولت أن تجدد في العلمانية الفرنسية وتقدم علمانية إنسانية متصالحة مع المجتمع والدين ومع التنوعات الثقافية المختلفة .[29]
والجدير بالذكر هنا ،أن صورة الإسلام والمسلمين في فرنسا، تختلف عن صورة أتباع غيرهم من الديانات وخاصة اليهود ،مع التأكيد على وجوب التمييز المفهومي بين المسلمين الفرنسيين Musulmans de France والمسلمون في فرنسا Musulmans en France، حيث قامت كثير من الدراسات بالمقارنة بين وضع اليهود والمسلمين المغاربة في فرنسا خاصة وإنهم هاجروا في الفترة التاريخية نفسها تقريبا، وإن كان ذلك لدوافع وغايات مختلفة،وتبين أن وضع المسلمين يختلف اختلافا جذريا عن وضع اليهود سواء الاقتصادي منه أو العلمي أو الثقافي أو الاجتماعي أو حتى السياسي، وتبين أيضا أن قضايا الهوية والخصوصية والاندماج الاجتماعي والسياسي والفكري في الأنظمة المسيرة للواقع الفرنسي تختلف اختلافا جذريا بين اليهود والمسلمين في فرنسا.[30]
وختاما نقول لا ينبغي الاستخفاف بهذه الظاهرة ذات الآثار الخطيرة، ليس على الجاليات الإسلامية في فرنسا وحسب؛ بل وعلى النظرة إلى الإسلام والعرب بشكل عام، فمما له دلالته أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في تزايد واستهداف المسلمين والتشجيع على الإقصاء والتمييز أخدت أشكالا عدة، وهذا ما أكده الدكتور حسن أوريد في مقابلة مع “trtعربي” من أنّ “الإسلاموفوبيا تتخذ أشكالاً عدّة، من أهمّها التمايز الاجتماعي، أي غياب علاقات اجتماعية بين المسلمين وغير المسلمين في أوروبا، فالمسلمون يعيشون في أحياء هامشية، ويعانون من إجراءاتٍ صارمة من حيث الإدارة أو الحصول على الشغل أو غيرها…مما قد ينتج عنه تطرف قسم من الشباب واعتناقهم للأفكار المتشددة.
كما أن صعود الإسلاموفوبيا يساهم بشكل كبير في صعود التيارات الشعبوية وسياسات مناهضة السياسة في القارة الأوروبية، وخير دليل على ذلك النجاحات الانتخابية المبهرة للأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة التي قد تجبر العديد من الأحزاب السياسية الرئيسية على تبني ذلك الخطاب المعادي للمسلمين، زد على هذا أن الإسلاموفوبيا لا تمثل تهديدا للمسلمين فحسب، بل تشكل تهديدا لمبادئ العدالة والمساواة والحرية نفسها، تماما بقدر ما تمثل تهديدا للأمن والوئام الاجتماعي.
بل أكثر من ذلك أنها تدوس على إنجازات احتاجت البشرية لتحقيقها قرونا عدة، فضلا على أنها تضرب عرض الحائط المساعي البشرية والتضحية التي نشئت على أساسها مؤسسات دولية لضمان الحفاظ على الإنجازات البشرية، ليبقى تحدى السيطرة على إشكالية الإسلاموفوبيا في العالم، قائماً من خلال سن تشريعات وقوانين واضحة تدعم مكافحة التمييز بحق المسلمين وتجرم خطاب اليمين المتطرف العدائي ضدهم.
قائمة المراجع:
- عبد الحسين شعبان، فقه التسامح في الفكر العربي- الإسلامي، الثقافة والدولة، الطبعة الثانية،2011، دار أراس للطباعة والنشر، أربيل ،كردستان العراق.
- عماري مصطفى، إشكالية التسامح في الفكر الغربي والفكر العربي: محاولة في التركيب، مجلة البدر المجلد 10، سنة 2018، جامعة بشار.
- عبد الله محمد علي الفلاحي، التسامح وأبعاده الحضارية في الفلسفة الغربية، قراءة نقدية لإشكالية العلاقة بين النظرية والممارسة، مجلة الاستغراب، العدد22، 2021.
- مجموعة من المؤلفين، التسامح ليس منة أو هبة، ط: الأولى، دار الهادي، لبنان، 2006.
- منير الكشو، مفهوم التسامح: صعوبة التعريف وتحولات الواقع، قسم الدراسات الدينية ،21 يناير 2019، مجلة مؤمنون بلا حدود.
- عبد الله بن صالح القحطاني، التسامح كمتغير بالإقبال على الحياة والاندماج الاجتماعي لدي عينتين من المراهقين المعاقين بصريا والمعاقين سمعيا، جامعة شقراء، العدد 24، سبتمبر 2017، مجلة علوم الانسان والمجتمع.
- عاطف علبي، إشكالية التسامح، مجلة التسامح، العدد الثامن عشر، (2007م).
- ريا قحطان الحمدان، الإسلاموفوبيا جماعات الضغط الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، طبعة الأولى 2011، دار الكتب المصرية، القاهرة.
- الدراجي زروخي، خرافة الإسلاموفوبيا، طبعة الأولى مارس 2021، منشورات مخبر الدراسات الأنثروبولوجية والمشكلات الاجتماعية، جامعة محمد بوضياف – المسيلة.
- مؤلف جماعي، الإسلاموفوبيا في أوروبا: الخطاب والممارسة، الإصدار الأول (2019)، الطبعة الأولى، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الاستراتيجية، برلين-ألمانيا.
- نعيمة كروالي ، فرنسا من ثورة الجياع إلى لعبة الأمم، الطبعة الأولى أكتوبر 2020، المركز الديموقراطي العربي، برلين – ألمانيا.
- مارلين نصر، صورة العرب و الإسلام في الكتب المدرسية الفرنسية، الطبعة الأولى يناير 1995،مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت – لبنان.
- عبد الكريم بوفرة، من قضايا الإسلام والإعلام في الغرب، طبعة الأولى يناير 2008، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت.
- بومدين طاشمة ،ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا: دراسة لخصوصية وضع المسلمين في فرنسا جامعة تلمسان – الجزائر.
- عبد الرحمان بن معلا اللويحن، توظيف المصطلح في الصراع الحضاري (مصطلح الإرهاب أنموذجا (مجلة جامعة الإمام) (العدد 44)شوال 1424.
- التقرير الثاني عشر لمرصد منظمة التعاون الإسلامي حول الإسلاموفوبيا، يونيو2018-فبراير 2019، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة مارس ،2019.
- المواقع الالكترونية:
- –https://www.trtarabi.com/explainers/
- https://www.aa.com.tr/ar/، أطلع عليه يوم :11-03-2022-
- سناء الخوري، المسلمون في فرنسا: كراهية ممنهجة أم سوء فهم؟ – BBC News عربي،https://www.bbc.com/arabi.أطلع عليه يوم: 11-03-2022
- -https://www.middleeasteye.net/news/france-macron-accused-powers-systematically-persecute-muslims
رئاسيات فرنسا.. تنافس على “الأكثر عداء” للمسلمين والمهاجرين، أطلع عليه يوم :11/05/2022. https://www.aa.com.tr/ar
- حملة ماكرون على الإسلام والمسلمين في فرنسا حقيقتها، أسبابها، آثارها، الدكتور سليمان الشواشي، https://www.kurdiu.org/ar/b/502160 .أطلع عليه يوم :15/05/2022.
- فرنسا: لمن سيصوت المهاجرون من العرب والمسلمين في الانتخابات الرئاسية؟
أطلع عليه:22/05/2022.https://www.bbc.com/arabic/interactivity
- لماذا أثارت تصريحات ماكرون بشأن “الإسلام” هذا القدر من الغضب بين المسلمين؟ عربي بوست، أطلع عليه يوم:30/05/2022،https://arabicpost.me.
- https://www.wsj.com/articles/frances-macron-pushes-controls-on-religion-to-pressure-mosquées-
[1]ينظر:https://www.trtarabi.com/explainers/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7
[2] -المبروك الشيباني المنصوري ، صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراف إلى الإسلاموفوبيا . مركز نماء للبحوث والدراسات – القاهرة – مصر، طبعة: 2021، ص12.
[3] – المبروك الشيباني المنصوري، صناعة الآخر المسلم في الفكر الغربي المعاصر من الاستشراف إلى الإسلاموفوبيا. مركز نماء للبحوث والدراسات – القاهرة – مصر. طبعة: 2021، ص206-234 .
[4][4]- عبد الرحمان بن معلا اللويحن ، توظيف المصطلح في الصراع الحضاري (مصطلح الإرهاب أنموذجا )، -مجلة جامعة الإمام (العدد 44)شوال 1424، ص309.
[5] – عماري مصطفى، إشكالية التسامح في الفكر الغربي والفكر العربي : محاولة في التركيب. مجلة البدر المجلد 10، سنة 2018، ، جامعة بشار. ص: 117.
[6] – ينظر: عبد الله محمد علي الفلاحي ، التسامح وأبعاده الحضارية في الفلسفة الغربية ،قراءة نقدية لإشكالية العلاقة بين النظرية والممارسة، مجلة العالم الاستغراب العدد22، 2021، ص :301.
[7] – ينظر : عبد الله محمد علي الفلاحي، التسامح وأبعاده الحضارية في الفلسفة الغربية. قراءة نقدية لإشكالية العلاقة بين النظرية والممارسة، ص 286، مجلة الاستغراب ،2021.
[8] -ينظر: مجموعة مؤلفين، التسامح ليس منة أو هبة، دار الهادي.لبنان،2006، ص 221.
[9] – منير الكشو. مفهوم التسامح: صعوبة التعريف وتحولات الواقع. قسم الدراسات الدينية، مجلة مؤمنون بلا حدود. 21 يناير 2019، ص: 10.
[10] – عاطف علبي، إشكالية التسامح، مجلة التسامح، العدد: الثامن عشر، (2007م)، ص:8.
[11] – حسني إبراهيم ،التسامح: الدلالات اللّغوية والجذور التاريخيّة والمضامين المعاصرة – أطلع عليه يوم:16/11/2022،
التسامح: الدلالات اللّغوية والجذور التاريخيّة والمضامين المعاصرة – حسني إبراهيم
[12]– التقرير الثاني عشر لمرصد منظمة التعاون الإسلامي حول الإسلاموفوبيا، يونيو2018-فبراير 2019، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة مارس ،2019.ص:5.
[13] – التقرير الثاني عشر لمرصد منظمة التعاون الإسلامي حول الإسلاموفوبيا، يونيو2018-فبراير 2019، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة مارس ،2019.ص:5.
[14] – مثل إعادة نشر مجلّة “شارلي ايبدو” لرسومات ساخرة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم .
[15] – التقرير الثاني عشر لمرصد منظمة التعاون الإسلامي حول الإسلاموفوبيا، يونيو2018-فبراير 2019، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة مارس ،2019.ص10.
[16]– شيماء عز العرب . فرنسا.. “الإسلاموفوبيا” وتمدد اليمين المتطرف، اطلع عليه يوم :12/03/2020، المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات فرنسا.. “الإسلاموفوبيا” وتمدد اليمين المتطرف (europarabct.com)
[17] – تقرير مرصد فرنسا الوطني ضد الاسلاموفوبيا.أطلع عليه يوم: :13/03/2020،https://www.bbc.com/arabic/world-55102301
[18] –https://arabic.rt.com/world/1175427%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1
[19] – France: Macron accused of using powers to ‘systematically’ persecute Muslims
[20] -https://www.middleeasteye.net/news/france-macron-accused-powers-systematically-persecute-muslims
[21] _ مرشح لرئاسة فرنسا: نعم للمهاجرين البيض المسيحيين ولا للعرب والمسلمين.أطلع عليه يوم:12/12/2022. https://nabd.com/
[23] –https://www.alquds.co.uk/%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D9%
[24] – التقرير الثاني عشر لمرصد منظمة التعاون الإسلامي حول الإسلاموفوبيا، يونيو2018-فبراير 2019، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة مارس ،2019. ص20-21.
[25] – سليمان الشواشي.حملة ماكرون على الإسلام والمسلمين في فرنسا حقيقتها، أسبابها، آثارها.أطلع عليه يوم:13/4/2020. https://www.kurdiu.org/ar/b/502160
[26] – فرنسا: لمن سيصوت المهاجرون من العرب والمسلمين في الانتخابات الرئاسية؟ أطلع عليه يوم:12/3/2020. https://www.bbc.com/arabic/interactivity-61000186
[27] – لماذا أثارت تصريحات ماكرون بشأن “الإسلام” هذا القدر من الغضب بين المسلمين؟ https://arabicpost.me
[28]–https://www.wsj.com/articles/frances-macron-pushes-controls-on-religion-to-pressure-mosques-11624385471?mod=hp_lead_pos
[29] – بومدين طاشمة ، ظاهرة الإسلاموفوبيا في أوروبا: دراسة لخصوصية وضع المسلمين في فرنسا جامعة تلمسان – الجزائر،ص:160. https://arabicpost.me
[30] – نقلا عن صورة الآخر، مرجع سابق، ص261،وينظر مثلا مقال مارتين كوهين اليهود والمسلمين في فرنسا :المنوال الجمهوري والاندماج ص89-120.