التواصل الاحتجاجي: الفضاء والخطاب
Protest Communication : Space and Discourse
منير الجوري، مركز دراسات الدكتوراه ـ كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية ـ القنيطرة ـ المغرب
Mounir Jouri – College of Social Sciences and Humanities , Kenitra – Morocco
مقال منشور في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 31 الصفحة 69.
Abstract
Being a moment of political protest and struggle, the February 20 Movement in Morocco raisedmany communication questions. In this sense, the protesters in this movement demonstrated a communicative strategy based mainly on the employment and exploitation of public space, throught woman ifestations: public crowds, public street marches, added to that the use of virtual public spaceoffered by the modern media technology. These are the possible means of conveying the protest voice and taking part in the public space, whether in terms of its engineering, organizing the crowds flowing to it, choosing its paths, or defending its peacefulness. All of this was done with a lot of awareness, planning and care based on a clear political rationality, reflected their commitment to specific principles guiding their protest such as peace, pluralism, and inclusiveness of demands. Theyalsoworked hard to buildspaces for free discussion and deliberation on various issues related to the subjectmatter of theirmovement, whichcontributed to the unfolding of events, highlightingideas and achieving a kind of imbalance of power, prompting the rulingauthority to intervenewithitsownmeasure in order to maintain the privilege of excellence in communicative resources in itsfavour, and to fortifyits gains through communication strategiesthatwere not gainedwithoutrationality and reasoning.
keywords: Protest movements; public space; protest discourse; political communication; social media; the Arab Spring.
ملخص:
أثارت حركة 20 فبراير في المغرب، باعتبارها لحظة احتجاج وصراع سياسيين، أسئلة تواصلية عديدة. حيث أظهر المحتجون في هذه الحركة استراتيجية تواصلية قائمة أساسا على توظيف واستغلال الفضاء العمومي، وذلك من خلال مظهرين؛ هما الجموع العامة، والمسيرات في الشوارع العامة، فضلا عن توظيف الفضاء العام الافتراضي من خلال ما أتاحته تكنولوجيا الإعلام الحديث. وهي الوسائل الممكنة لإيصال الصوت الاحتجاجي وغشيان الفضاء العام، سواء من حيث هندسته أو تنظيم الجموع المتدفقة إليه أو اختيار مساراته أو الدفاع عن سلميته.
كل ذلك كان يتم بكثير من الوعي والتخطيط والحرص القائم على عقلانية سياسية واضحة، عكست التزامهم بمبادئ محددة لاحتجاجهم مثل السلمية، والتعددية، وشمولية المطالب. كما عملوا على بناء فضاءات للنقاش الحر والتداول في مختلف القضايا المرتبطة بموضوع حركتهم، مما ساهم في صناعة الأحداث وإبراز الأفكار وتحقيق نوع من خلخلة توازن القوة، ما دفع السلطة الحاكمة إلى التدخل بتدبيرها الخاص لأجل الحفاظ على امتياز التفوق في الموارد التواصلية لصالحها، وتحصين مكتسباتها من خلال استراتيجيات تواصلية لم تخل من عقلانية وتفكير.
الكلمات المفتاح:الحركات الاحتجاجية ـ الفضاء العمومي ـ الخطاب الاحتجاجي ـ التواصل السياسي ـ الإعلام الاجتماعي ـ الربيع العربي.
المقدمة:
إن التأسيس العقلاني للديمقراطية الذي ركز عليه يورغان هابرماس Jürgen Habermas، وإن اتهمه فيه الكثيرون بالمثالية، يُبرز الارتباطَ العضوي بين التواصل والديمقراطية، كونها تنبع من بنية قاعدية تتمثل في الإرادة الشعبية، أي الرأي العام الذي يتبلور داخل الفضاء العام. ذلك أنّ الاعتماد فقط على البنيات الفوقية كالمال والسلطة السياسية يؤسس لديمقراطية مشوّهة. ففي المغرب مثلا، ظلت الديمقراطية تطرح من خلال سؤال الخلاص من الاستبداد السياسي وفتح الطريق لفضاء عام للتداول حيث يقدم فيه الأفراد وجهات نظرهم والحلول الممكنة للتحرر. وهو ما بلغ أشده خلال ما عرف ‘بالربيع العربي’ أو الحراك المغربي خلال سنة 2011، حيث شكل الزمن الاحتجاجي مناسبة لإعمال جدي لأبعاد الفعل التواصلي السياسي بخطابه وفضاءاته وإمكاناته في سياق يعرف بخصوصياته واستثناءاته. خاصة أن مطالب حراك 2011 كانت سياسية تدعو لتثبيت قواعد للتداول الديمقراطي والـتأسيس لممارسات دولة الحق والقانون.
وقد اضطر الفاعلون برهاناتهم المتعارضة إلى تحري العقلانية بالقدر الذي تتحقق لهم الفعالية والسيطرة في لعبة المواقع المتغيرة بينهم، بما يعطيهم مبرر وجودهم في المشهد العام. ذلك أن الاستراتيجية التواصلية للفاعل السياسي تتحدد بموقعه داخل النسق، وبحجم ما يمتلكه من موارد مادية ورمزية، ومدى قدرته على توظيفها وتوجيهها من أجل خلق حالة من التوازن والتناظر اتجاه القوى المتصارعة والمتنافسة سياسيا داخل المجتمع. فيأخذ الصراع قالبا تواصليا يختزل قدرات الفاعلين، ويمتحن حنكتهم الحجاجية في عالم مفتوح على الأفراد والجماعات. ما يجعل التواصل هنا يحتوي الإخبار ويتجاوزه ليشمل أساسا مقاصد الـتأثير والإيهام والإغراء. فعمليات التواصل الاحتجاجي إذن تتصف بالتعقيد وتثير السؤال وتتطلب التحليل والدراسة والبحث.
لذلك فإن دراسة التمظهرات التواصلية التي عاشها المغرب خلال حراك 20 فبراير، وهي ظرفية دقيقة ونادرة شكلا ومضمونا، من شأنه أن يجلي صورة ومستوى الممارسة والمنافسة التواصلية في بعدها الاحتجاجي. وهو ما أثار فضول الباحث خاصة بعد اطلاعه على كتابات سابقة حول التواصل السياسي بالمغرب فتولدت رغبة في تعقب تطوراته، والوقوف على معيقاته.
بيئة الاحتجاج:
إن ربط ظهور حركة 20 فبراير في المغرب بشكل حصري بالثورتين التونسية والمصرية اللتين انطلقتا نهاية 2010 وبداية 2011، وبالنشاط المتزايد للشباب المغربي على شبكات التواصل الاجتماعي، فيه الكثير من المجازفة. فإن كنا لا ننفي تأثير هذين العاملين على تبلور الحركة وخروجها للعلن، فإننا نعتقد أن الدور الحاسم في ذلك هو وجود بيئة سياسية واجتماعية مهيأة لاستنبات حركة احتجاجية، وشروط موضوعية مساعدة على تقويتها وتنميتها. “فالصراع السياسي بين المخزن والقوى الديمقراطية لم يهدأ منذ الاستقلال(…) وقد أنتج منذ أوائل التسعينات من القرن الماضي، تشكيلة سياسية هجينة تحتوي في طياتها على بنيات مخزنية قديمة وآليات ديمقراطية حديثة، ما يدل على صعوبات الانتقال الديمقراطي بالمغرب”[1]. كل ذلك أفرز بيئة احتجاجية انتعشت انطلاقا مما يتيحه النسق السياسي من إمكانيات للاختراق والتأثير، فضلا عما حرره الفاعلون من مساحات للفعل والتنظيم، وما راكموه من مواقف واتجاهات. كل ذلك سيطبع طبيعة التواصل الاحتجاجي بما تم تراكمه من ثقافة احتجاجية طيلة قرن من الزمان.
فالفعل الاحتجاجي في المغرب يعود إلى زمن “السيبة”، ذلك أن “مجال السيبة يحتضن الرفض والاحتجاج، ويبدي الكثير من المقاومة في وجه عمليات الاحتواء التي يتوجه إليه بها المخزن، وذلك في شكل وساطات زاوياتية أو حركات عسكرية أو غيرها من الأساليب”[2]. وطيلة القرن العشرين ستعرف الحركات الاجتماعية والاحتجاجات الشعبية انتشارا على مستوى المواقع الجغرافية، كما تطورت الأساليب والموضوعات فعرف تعاطي السلطة معها تطورا موازيا. وقد كانت آخر انتفاضات القرن العشرين هي انتفاضة 14 دجنبر 1990 التي وقّعت على انتقال في مواقع انطلاق الاحتجاجات وأكدت على الملمح الشبابي للفعل الاحتجاجي بالمغرب، وهو ما دفع الدولة أنذاك إلى قرار تأسيس “المجلس الوطني للشباب والمستقبل” واعتبار التشغيل أولوية وطنية.
مع مطلع الألفية الثالثة سيعرف السلوك الاحتجاجي تناميا نوعيا ليصل إلى مناطق كانت تبدو بعيدة عن فكرة الرفض والاحتجاج، حيث أصبحت الاحتجاجات تغطي المدن الكبيرة كما الصغيرة بل حتى القرى والمداشر. بل انتشرت ثقافة اتخاذ الاحتجاج كوسيلة ناجعة للتعبير عن المطالب وتحقيقها، وعمت الاحتجاجات بأشكال ومضامين متنوعة عددا مهما من المناطق المغربية، شكلت بؤر توتر في أكثر من مناسبة ولأكثر من قضية.
وقد ساهم تجذر الفعل الاحتجاجي في بنية المجتمع المغربي على مدى سنوات عديدة، في إفراز حركة 20 فبراير سنة 2011، حيث تم استدعاء كل ثقافة الاحتجاج وتراكماتها التصورية والواقعية ودروسها، فضلا عن الاستفادة من واقع التطور التكنولوجي على مستوى التواصل الاجتماعي والرقمي الإلكتروني، فنتج عن ذلك حراك احتجاجي طبع تاريخ المغرب المعاصر وميز سيرورته السياسية والحقوقية والاجتماعية. “فحسب المرنيسي، تجسد حركة 20 فبراير بعثا لمشروع سياسي سابق لم يتسن له أن يرى النور، ولا يزال يحتفظ براهنيته ويتمثل في مشروع إحقاق الكرامة ورد الاعتبار للمغاربة”[3].
مشكلة الدراسة:
السؤال الإشكالي الذي تطرحه هذه الدراسة هو:كيف يتم استغلال الطابع الملموس للتواصل الاحتجاجي كمجال لظهور الأحداث والأفكار والفاعلين خلال احتجاجات حركة 20 فبراير بالمغرب؟
ويتفرع عن السؤال المركزي سؤالان فرعيان:
ما هي أنماط وآليات التواصل الاحتجاجي في الفضاء العمومي المغربي خلال احتجاجات حركة 20 فبراير؟
وما هي خصائص الخطاب التواصلي في المجال العام في زمن الاحتجاج؟وكيف يكتسب الاحتجاج رهان القوة الشعبية في مواجهة عنف السلطة؟
طرائق البحث ومواده:
لعل الدراسة الأمبريقية تساعد على وضع البديهيات موضع تساؤل، خاصة تلك المتعلقة بأشكال وأساليب ممارسة الفعل التواصلي داخل الفضاءات العمومية للاحتجاج، وهو ما يجعلنا نركز أساسا على “سؤال: ماذا يصنع الناس بالوسائط؟ بدل سؤال: ماذا تصنع الوسائط بالناس؟”، خاصة أن ذلك يسمح بالوقوف على حدود العقلانية في الفعل التواصلي للفاعلين السياسيين، وشروط الفضاء العمومي في بعده الهابرماسي. وهذا سيستدعي من الباحث اعتماد تقنيتي تحليل المضمون ووصف مختلف أنواع الاتصال المبثوث عبر أشكال مختلفة من الخطاب، وهذا ما سيتيح لنا مقاربة بعض الخطابات الصادرة عن مختلف الفاعلين إبان الاحتجاج، بالاعتماد على النصوص والشعارات والرموز المتداولة في تلك الفترة، ثم تفكيك كلماتها المفاتيح إلى وحدات بما يساعد على الوصول إلى مجموع العناصر الدالة والمعاني والأفكار ظاهريا أو باطنيا.
وسنتناول الدارسة من خلال مبحثين؛ في الأول سنركز على الفضاء العمومي باعتباره مجالا للتواصل والنقاش وتبادل الآراء وتدافعها، ثم باعتباره عاملا يحمل دلالات رمزية ورسائل تواصلية في ذاته وفي توظيفاته التداولية. وفي المبحث الثاني سندرس الخطاب الاحتجاجي في مضمونه ثم خطاب السلطة كوسيلة تواصلية تسعى للحفاظ على توازنات الفعل السياسي وتأثيراته.
المبحث الأول: التواصل الاحتجاجي وتوظيف الفضاء العمومي:
لقد كان للتطور الذي عرفه الإعلام الحديث أثر على توفير إمكانيات أوسع لصناعة استراتيجيات تواصلية من خارج آليات الضبط والتوجيه الرسميين، وهو ما ساهم في تكافؤ نسبي في الفرص المتاحة بين مختلف الفاعلين من حيث امتلاك آليات التواصل دون أن يعني ذلك التحرر الكلي من منطق السلطة الحاكمة وسعيها إلى خلق التوازنات.وقد عملت حركة 20 فبراير على تنزيل استراتيجيتها التواصلية من خلال شكلين هامين لتوظيف الفضاء العمومي الواقعي وهما: الجموع العامة التي تنظم داخل مقرات التنظيمات الداعمة وتفتح في وجه العموم للحضور وتبادل النقاش، ثم المسيرات والوقفات التي تنظم في الشارع العام بمشاركة عموم المواطنين. فضلا عن توظيف الفضاء العمومي الافتراضي، ونقصد به مختلف الوسائط الإعلامية خاصة الإعلام الحديث.
- الاحتجاج الافتراضي:
مع مطلع الألفية الثالثة وانتشار وسائط الإعلام الجديد وشبكات التواصل الاجتماعي، سيصبح بإمكان الأفراد والجماعات أن يمتلكوا جزءا من الآلة الإعلامية الضخمة، بما يسمح بممارسة حق التعبير والتعليق والتأثير والاعتراض. وهو ما قلل نسبيا من سيطرة الإعلام الجماهيري التقليدي المتمثل أساسا في الإعلام السمعي البصري والورقي. “إن شبكات التواصل الاجتماعي قد أضحت وسيطًا لا مندوحة عنه حقًّا، ليس فقط كونها خلَّصت الفرد من تراتبية وهرمية وأَبَوِيَّة أدوات التواصل التقليدية، ولكن أيضًا لأنها ثوت خلف انبعاث عالم افتراضي، بات الأفراد والجماعات والتنظيمات من بين ظهرانيه فاعلين مباشرين، بمستطاعهم إبداء آرائهم وتصوراتهم عن وفي القضايا الإشكالية الكبرى”[4].
إن حركة 20 فبراير لم يخطط لها في الخلايا السرية ولا المقرات الحزبية بل في الفضاءات العامة الافتراضية على المواقع الاجتماعية، فالتكنولوجيا أتاحت لفئة من الشباب نوافذ أمل للفكاك من التسلط والهيمنة الإعلامية الرسمية. وذلك “بفضل انتشار وسائط الاتصال التفاعلية مثل الصحف الإلكترونية التي تتيح تعليقات الجمهور، وبرامج التلفزيون التي تتيح التعليق الآني على بثها إما على مواقعها الإلكترونية أو عبر رسائل إلكترونية تظهر على الأشرطة التفاعلية أسفل الشاشة، ومواقع البث الشخصي للمقاطع المرئية والمصورة مثل يوتيوب والإذاعات الشخصية التي تبث مباشرة على الأنترنيت، وصفحات الأنترنيت الشخصية، سواء أكانت في شكل مدونات أم مواقع شخصية، والحسابات الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي على الفيسبوك أو تويتر”[5].
كانت مواقع التواصل الاجتماعي منفذ الشباب وعينهم على تطورات الثورات في كل من تونس ومصر، كما كانت فضاء لجس نبض الشارع المغربي واستعداده للتفاعل مع تلك الأحداث. حيث قام أحد الشباب بتأسيس مجموعة فيسبوكية تحت اسم ‘من المحيط إلى الخليج: كلشي معفن’[6]، ثم ظهرت بعدها مجموعات وصفحات أخرى تحمل عناوين من قبيل ‘حوار صريح مع الملك’، ثم توالت الدعوات والتعليقات وتصاعدت وثيرتها بشكل متسارع حيث بدأ نشطاء الفيسبوك يلتحقون بالنقاش السياسي الدائر حول التغيير والديمقراطية والحرية وغيرها. وصدرت أول أرضية باسم ‘حركة حرية وديمقراطية الآن’، بعدها تم بث أول فيديو على اليوتوب، ظهر فيه أحد النشطاء يدعو للتظاهر يوم 27 فبراير. ثم نشر فيديو ثاني يدعو للتظاهر يوم 20 فبراير تحدث من خلاله عدد أكبر من الشباب. تقول إحدى النشيطات في الحركة “أتذكر جيدا لحظات التحضير لفيديو النداء الأول لحركة 20 فبراير، كان يتملكني الخوف والتوجس أثناء تسجيل الفيديو، لكن هذا الخوف كان مصحوبا بالتفاؤل والحماس. كنا حينها بمقر فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، ولم يكن الجميع متحمسا للظهور في الفيديو. كنت مكلفة بتجميع وصياغة المطالب التي سنرددها في الفيديو، على اعتبار أنني كنت طالبة صحفية، وقد تم اختيار هؤلاء الشباب بناء على عدة محددات، أهمها تمثيل مختلف اللهجات الوطنية (الوجدية، المراكشية، الأمازيغية، والريفية …) وذلك لضمان التعددية والتمثيلية”[7].
بعد هذه البدايات التي اعتمدت بشكل كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، أساسا موقعي الفيسبوك واليوتوب، فقد أصبح هذان الموقعان فضاء عاما مفتوحا للنقاش والحوار والتواعد وتناقل المعلومات والأخبار بين نشطاء الحركة، وتناسلت الصفحات والحسابات الشخصية بشكل كبير، حيث ارتفع عدد مستخدمي الفيسبوك في الفترة ما بين 5 يناير و5 أبريل 2011 إلى 360 590 مشترك جديد، ليصل مجموع المستخدمين إلى 440 203 3[8]. هذه الموارد التواصلية الهامة مكنت المحتجين من نقل تحركاتهم ومطالبهم بالسرعة والآنية المطلوبة. مستغلين خصائصها المتميزة، حيث أصبحت استجابات الجمهور توزع وتستهلك في نفس الآن، كما أن ضعف الخضوع للرقابة وإعادة المعالجة، وسع من مساحة الحرية والاستقلالية خاصة مع إمكانيات تجهيل المصدر واستعمال الأسماء المستعارة والرموز واستخدام الحواسب العامة. فكانت الفيديوهات تشاهد بعشرات الآلاف بغض النظر عن جودة الصورة أو الصوت، أو احترامها للمعايير المهنية والاحترافية. فضلا عن إمكانية إعادة الإرسال والتوزيع، فكان الفرد الواحد مرسلا ومتلقيا ووسيطا في الوقت ذاته. وفضلا عن النقاش والإخبار والتعبئة فقد استعملت هذه الفضاءات لإنجاز أعمال تنظيمية من خلال الصفحات؛ الحشد، تحديد المكان والزمان، نشر الشعارات المتفق عليها، رصد تطور الرأي العام اتجاه الاحتجاجات…
ولم تترك السلطة الحاكمة المجال مفتوحا للمحتجين، حيث ظهرت صفحات أخرى وفيديوهات باسم مجموعات أطلقت على نفسها ‘الشباب الملكي’. قصد التعبئة المضادة، ونشر صور وأخبار عن المحتجين تتضمن تخوينا مباشرا لهم وتشكيكا في دوافعهم وحوافزهم وتفنيدا لدعواهم. مع توسيع منافذ نشاطها، وتوظيف تقنيات ثرية للتعبير والتواصل.
إن الإعلام الجديد أعطى دينامية خاصة للاستراتيجيات التواصلية ولولوج مختلف الفاعلين للفضاء العمومي، فهو لم “يُسهم فقط في بروز ‘فرع’ في الإعلام إحدى خواصه الكبرى، التفاعلية والآنية وتقاسم المعلومة على نطاق واسع، بل أسهم أيضًا في ظهور أشكال في التنظيم جديدة، لم تعد ترتكن إلى مفهوم البنية؛ باعتبارها مستوى تأطيريًّا ثابتًا، بقدر ما باتت ترتكز على مفهوم البيئة؛ باعتبارها فضاء افتراضيًّا تعتمل بداخله كل أنماط العلاقات والتمثُّلات والسلوكات والتفاعلات والتعبيرات، دونما قدرة كبيرة من لدن السلطات العمومية على كبحها أو إعاقتها، فما بالك بإعمال القوانين واللوائح والتشريعات للحد من مداها، أو تحجيم التجاوزات التي قد تبدو لها كذلك من منظورها”[9]. وهو ما يجعلنا نعتبر أن هذا الفضاء هو بمثابة امتداد للفضاء العمومي الهابرمارسي. حيث أنهما يشتركان في كونهما يربطان بين السلطة الحاكمة وعموم المواطنين عبر النقاشات والحوارات والتدافعات المرتبطة بقضايا الشأن العام بين طرفي المعادلة. إلا أن هذا التوظيف العمومي لوسائل الإعلام يستوجب جملة من الملاحظات:
“أولًا: ليس ثمة من شك في أن هذه الشبكات قد أسهمت في الترتيب للحراك الواسع الذي عرفه الشارع المغربي أواخر شهر فبراير من العام 2011؛ إذ كانت ‘اللقاءات الافتراضية’ للتنسيقيات المحلية تقتني ناصيتها، لا بل وتتم من خلالها، على الأقل في البدايات الأولى، عندما كانت الحركة تصوغ مطالبها الأساس، وتهيئ الشعارات التي كانت تعتزم رفعها.نستطيع الجزم، بخصوص هذه النقطة، بأن هذه الشبكات كانت وسيطًا ناجعًا في بلورة المطالب والشعارات إياها، لا بل كانت الوسيلة الأقوى في ترتيب اللقاءات، وتحديد أماكن ومواعيد الوجود والاحتجاج، وتنسيق التحركات الموالية.
ثانيًا: أسهمت هذه الشبكات، وإلى حدٍّ ما، في رفع منسوب الوعي لدى أعضائها، إذا لم يكن بكل القضايا المجتمعاتية الكبرى، فعلى الأقل فيما يرتبط بقضايا الفساد والاستبداد، التي أَسَّسَت شعارات الحركات الاحتجاجية قبل 20 فبراير وخلاله وفيما بعده. لم تكن تلك الشبكات خلف بناء هذا الوعي أو تشكيله؛ إنها أذكته وأجَّجته ووجَّهته ليتحوَّل من وعي فردي خاص، إلى وعي جمعي مشترك، يكون مدخلًا لبناء رأي عام يُعْتَدُّ به ‘عند المنازلات’ الكبرى مع السلطات العمومية.
ثالثًا: لو سلَّمنا جدلًا بأن شبكات التواصل الاجتماعي قد استطاعت حقًّا الترويج لمطالب وشعارات حركة 20 فبراير، على الأقل في مراحل الاحتجاج الأولى، واستطاعت ‘تبليغ’ ندائها بضرورة التظاهر بالشارع والاحتجاج لتحقيق مطالبها، فإنها مع ذلك لم تنجح في إقناع الجماهير بالنزول إلى الشارع في حينه. وظيفة الإخبار، بهذه الجزئية، تم إدراكها تمامًا كوظيفة الإقناع، لكن الوظيفتين معًا لم تتجاوزا هذا الحد، ولم تذهبا لدرجة تجنيد ذات الجماهير ودفعها للالتحاق ‘جسديًّا’ بالمتظاهرين. لقد أشرنا من قبل إلى أن نسبة كبيرة من مرتادي الشبكات الاجتماعية في المغرب لا تتجاوب كثيرًا مع القضايا ذات الطبيعة السياسية، ليس بسبب تذمر المغاربة من السياسة ومن السياسيين، ولكن بسبب استمرار تعامل بعضهم مع السياسة من منظور المتابع، لا من منظور الفاعل، وهو ما تَسْهُل ملاحظته في الحملات الانتخابية مثلًا، أو أثناء فترة الاستحقاقات الكبرى.
رابعًا: لو تأتَّى لنا أن نجزم بأن هذه الشبكات قد أسهمت حقًّا في إفراز مجال عام افتراضي، بمقياس ما حدَّده هابرماس تجاوزًا، فإنه من غير المؤكد الجزم بأن تلك الشبكات قد نجحت في ترجمة ذلك إلى مجال عام ‘مادي’، يكون بمقدوره الفعل المباشر على الأرض. ومن ثم، فإننا بهذه الشبكات إنما بإزاء عمليات تجنيد محدودة ومحصورة، ولا ترقى إلى مواصفات المجال العام المتعارف عليه، اللهم إلا إذا اعتبرناها امتدادًا (بالعالم الافتراضي) للمجال العام، أو رافدًا له بالشبكات الرقمية”[10].
- أكورا الاحتجاج:
تمكن المحتجون في حركة 20 فبراير من اعتماد أسلوب مفتوح وبسيط في الانتماء للحركة، حيث أنه يكفي الشاب/المواطن التعبير عن انخراطه في الحركة من خلالحضور جموعها العامة والمشاركة في فعالياتها ومسيراتها ليصبح عضوا فيها. والجموع العامة للحركة هي لقاءات منتظمة مفتوحة للعموم، تعقد في مقرات تنظيمات سياسية أو نقابية أو حقوقية من داعمي الحركة وفق مواعيد محددة ومعلنة. وتمثل فضاء للنقاش العمومي في القضايا التي تهم الحركة سواء ما يتعلق بمواقفها واتجاهاتها أو ما يرتبط بالتدبير التنظيمي لأنشطتها وفعالياتها.
“فالانخراط في الحركة يتم بكيفية فردية بغض النظر عن أي انتماء حزبي أو جمعوي أو نقابي. والنشطاء ينتظمون ويناضلون كمواطنين بعيدا عن أية هيكلة تراتبية ومن دون زعامات. كما أن القرارات تتخذ غالبا بالتراضي في خضم النقاشات المحتدة التي تحتضنها الجموع العامة للحركة”[11]. إلا أن التنظيمات السياسية والحقوقية والنقابية الداعمة للحركة كانت حريصة على وجود أشخاص يمثلونها ويتحدثون برأيها من داخل هذه الجموع. فضلا عن أن هذه التنظيمات أسست مجلسا وطنيا للدعم السياسي للحركة، وتنسيقيات محلية لتقديم الدعم اللوجستيكي والمادي في مختلف مناطق نشاطها. وكان الاتفاق ألا يتدخل المجلس الوطني للدعم وتنسيقياته المحلية في قرارات الحركة التي يتم اتخاذها من داخل الجموع العامة، على أن يستمر التنسيق وسريان المعلومة.
وخوفا من أن تسلب الحركة من شبابها، فقد تقرر على مستوى سقف المطالب والأشكال الاحتجاجية والمطالب والشعارات أن يبقى القرار بيد شباب الحركة، وأن الهيئة التقريرية الوحيدة هي الجموع العامة. وأن كل مدينة مستقلة بذاتها عن باقي المدن الأخرى حيث لا تمارس أي تنسيقية وصايتها المباشرة على التنسيقيات الأخرى. إلا أنه من الناحية العملية فقد كانت قرارات تنسيقية الحركة بالرباط مؤثرة وموجهة بشكل كبير لما يصدر من قرارات في مختلف المناطق، كما أن تنسيقيتي الدار البيضاء وطنجة اكتسبتا مصداقية، واتخذتا نموذجا للاتباع بحكم الزخم الجماهيري وقوة التنظيم الذي ميزهما.
وقد عقد أول جمع عام في مختلف المدن بناء على دعوة على مواقع التواصل الاجتماعي حدد فيها المكان والزمان، بعدها أصبح الاتفاق على موعد الجمع القابل يتم خلال الجمع العام باتفاق بين الحاضرين. كما تم اعتماد صفحة فيسبوكية لتبادل المعلومات. وقد تميزت مدينة الرباط في البداية بوجود جمعين عامين؛ الأول داعم لمطلب ‘الملكية البرلمانية’ ويعقد بمقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والثاني داعم لمطلب ‘دستور ديمقراطي شعبي’ ويعقد بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. وقد تمت تسوية الخلاف بينهما ليتوحد الجمعان فيما بعد.
وكانت هناك أعراف أعطت الجمع العام قوة؛ حيث يكون النقاش مفتوحا، يتم تسييره من طرف أحد النشطاء الذي يتم الاتفاق عليه في بداية كل جمع، وغالبا ما يتم اختيار أحد الوجوه البارزة في الحراك، ثم تطرح فقرات جدول الأعمال على شكل مقترحات، قبل أن تتم المصادقة عليها واعتمادها. ومن النقط الثابتة في جدول الأعمال؛ التعرف على مستجدات الساحة المحلية والوطنية، وتقويم الأنشطة السابقة والتخطيط للبرنامج النضالي المقبل. وإن كان النقاش يغلب عليه الطابع التقني أكثر منه السياسي.
توزع المداخلات على كل الراغبين، ويدلون برأيهم في القضية المطروحة ثم تتخذ القرارات التي يصوغها مقرر أو مقررين لتقرأ في نهاية الجمع. ويتم اتخاذ القرارات إما عبر آلية التصويت كما كان معتمدا في الدار البيضاء مثلا، أو على آلية ‘التوجه العام’ حيث يتم اعتماد عدد المداخلات المؤيدة لهذا الرأي أو ذاك، وهو ما كان معمولا به في الرباط.
وقد ظهر خلال النقاش، التباين الحاصل في القدرة على الإقناع بين الشباب المنتمين لتنظيمات سياسية وبين المستقلين، حيث صرح أغلب المستقلين المستجوبين أنهم وجدوا عناء في بداية التحاقهم بالجموع العامة، حيث لم تكن مداخلاتهم تلقى الاهتمام الكافي، فتم اعتبارهم مجرد ملتحقين جاؤوا للاكتشاف والتعلم، وبالتالي فقد مر وقت مهم قبل أن يصنعوا لأنفسهم مكانة داخل الجموع العامة. ذلك أن المنتمين سياسيا كانت لهم خبرة، وكانوا يتقنون تمرير مواقفهم خاصة أنهم يوزعون المداخلات فيما بينهم، ويجيدون “الكولسة”.
وفي الدار البيضاء، بعد الخطاب الملكي لـ 9 مارس، تغيرت تركيبة الجمع العام بشكل كبير، حيث ارتفع عدد الحاضرين إلى 200، وهذا صعّب بشكل ما اتخاذ القرارات، خاصة مع تعدد التوجهات السياسية ووجود مشوشين على النقاش الجدي الذين صنفهم نشطاء الحركة ضمن مبعوثي السلطة الحاكمة من أجل إرباك عمل الجموع العامة.
فأصبح عدد المداخلات يصل إلى 120 مداخلة، وامتدت مدة الجمع العام إلى 6 أو 7 ساعات. فاتفق عدد من نشطاء الحركة المنتمون لتنظيمات سياسية على تأسيس لجنة عمل سميت ‘النواة الصلبة’، تضم 12 فردا يمثلون 6 تنظيمات، يجتمعون قبل الجمع العام في بيت خاص، ويتفقون على الخطوط العامة بالتوافق بين جميع الأطراف، ثم يعبئون باقي المحتجين المنتمين لتنظيماتهم السياسية. ونظرا لانضباط جميع المناضلين مع هيئاتهم وقدرتهم على الإقناع، ثم التزام التنظيمات حول المتفق عليه، فإن الجمع العام لا يذهب بعيدا عن القرارات القبلية للنواة الصلبة. وهذا ما أدى إلى إقصاء واضح لعدد من المستقلين من أبناء الحركة، فتم على مستوى الدار البيضاء التفكير في عقد لقاء للمناضلين سمي ‘مجلس المناضلين’ يضم 68 شخصا. لكن التجربة لم تلق النجاح فتم توقيفها.
نفس الأمر يتكرر بالرباط وطنجة، حيث كانت هناك ترتيبات مسبقة وتنسيق بين عدة أطراف، خاصة اليسارية، من أجل توجيه النقاش وصناعة قرارات معينة. ويرى أحد المستجوبين أن الأمر يدخل فقط في إطار الإعداد للجمع العام، وليس كولسة، يقول: “نعم كانت لقاءات تواصلية قبلية، لكنها لم تكن تصل إلى الكولسة بقدر ما كانت تعنى بتوحيد المواقف تجاه مختلف المستجدات المتلاحقة. لذلك كان اجتماع الهيئة سيد نفسه”.
ومن أهم القرارات التي صدرت عن الجموع العامة، من غير القضايا التقنية المرتبطة بالشعارات ومسار المسيرات وأماكن الوقفات واللافتات وغيرها، نجد قرار مقاطعة اللجنة الملكية لتعديل الدستور، وإصدار موقف من تفجير مقهى أركانة، وموقف من التعديلات الدستورية التي تم حولها الاستفتاء في يوليوز 2011.
وقد برزت من داخل الجموع العامة اختلافات بينة حول مفاهيم وقيم ترفع في الشعارات من قبيل الديمقراطية والمساواة والحرية. لذلك لم يستطع المحتجون تحديد وتدقيق المشروع الديمقراطي الموحد الذي يدافعون عنه، نظرا لاختلاف التوجهات السياسية التي كانت حاضرة في الاحتجاج. وقد هجم النقاش السياسي داخل الجموع العامة بعد التطورات التي عرفتها الثورات العربية وصعود الإسلاميين في عدد من الدول، فصار اليساريون يتخوفون من أن يربح الإسلاميون في المغرب من نتائج حراك ساهموا في صناعته وإنجاحه. فأصبحت الصراعات السياسية تطغى على نقاشات الجموع العامة، وصارت الأجواء متوترة لا تسمح بالنقاش والتواصل والبناء المشترك. وزاد من ذلك انحصار في نقاشات الجموع العامة، حيث أصبح نفس جدول الأعمال الذي يركز على مسارات المسيرات وقضايا تقنية بسيطة يفرض نفسه على المداخلات.
- احتجاج الشوارع:
عرفت الاحتجاجات على نطاق واسع ظاهرة المسيرات الحاشدة، التي يسير فيها المتظاهرون في الطرقات يحملون اللافتات ويهتفون بحماسة وغضب. كانت المسيرات حاضرة منذ أول أيام الحراك، وخضعت لهندسة تنظيمية دقيقة، تحدد أماكن انطلاقها ونقاط تجمعها والتقائها وموعد تحركها ووصولها لمقاصدها، وتصوغ مهام القوى الفاعلة فيها، التي ستتحمل عبء الحشد والتنظيم وتجهيز اللافتات وقيادة الهتافات. لقد أدرك المتظاهرون أن قوة المسيرات تكمن في دقة تنظيمها، وكثافة حشدها، وتوحد خطابها، وقدرتها على خلق كينونة مستقلة.
وقد شكل الشارع بالنسبة لحركة 20 فبراير موقع ولادة ووجود، حيث استمدت قوتها منه، واتخذته وسيطا بينها وبين السلطة بعد أن قررت تجاوز كل مؤسسات ومنظمات الوساطة، فكان امتحانا حقيقيا لمقاومة وتدافع المحتجين مع السلطة الحاكمة مباشرة، حيث ظلت “عملية تحول الفضاء الحضري إلى فضاء عام حقيقي جزءا رئيسيا ليس من استراتيجية هذا النوع من المقاومة فقط، بل – أيضا – من مضمونها. لذا كانت هناك معارك شرسة للسيطرة عليه. فيستخدمه طرف لإظهار وجوده كجمهور حاشد يستحق الاعتراف والاحترام والاعتراف. وفي المقابل يقف من يريدون المحافظة عليه بوصفه ساحة استعراض السيطرة الاجتماعية، وبوصفه ملحقا ملائما لحالة ثكنات قوات الأمن التي تحولت إليه مباني مؤسسات الدولة بفعالية”[12].
واعتمدت الحركة في اليوم الأول على شوارع لم تخل من رمزية، ففي الرباط مثلا، اختار المحتجون شارع محمد الخامس بعد الانطلاق من ساحة باب الأحد وختمت المسيرة أمام مؤسسة البرلمان. ومعلوم أن هذا المسار له تاريخ مع مسيرات ومظاهرات سياسية ونقابية واجتماعية وحقوقية. فأصبح رمزا للاحتجاج وملجأ لكل ذي حق أو مطلب، أولا لأنه يمثل قلب المدينة النابض لما يحيط به من أسواق ومقاهي وإدارات ومحطة قطار نشطة. وثانيا لمساحته التي تسمح باستيعاب عدد مهم من المحتجين. وثالثا لوجود مؤسسات رسمية في هذا الشارع لها حساسيتها مثل البرلمان وبنك المغرب، ثم لأن نهايته قريبة من القصر الملكي ومن عدد هام من الوزارات. فضلا عن أنه محاط بفنادق وقنوات للبث الفضائي ومقرات منابر إعلامية بما يتيح حضورا وازنا وقويا للصحافة الدولية والوطنية. كل ذلك أكسب هذا المسار رمزيته وأهميته فراكم تاريخا أعطى لمسيرات الحركة دينامية دلالية في استراتيجيتها التواصلية.
أما في الدار البيضاء، فقد سار المحتجون على نفس المنوال، ونظموا أولى مسيراتهم في مسار سياسي تاريخي؛ حيث كانت الانطلاقة من ساحة النصر بدرب عمر وختمت بساحة الحمام الواقعة قرب مركز المدينة. وهو مسار معروف لدى النقابات والسياسيين حيث تنظم فيه مسيرات فاتح ماي سنويا. لذلك فقد ظل هذا المسار موقعا لبعث الرسائل السياسية القوية، حيث أن المحتجين عادوا إليه بعد مقتل شهيد الحركة كمال عماري.
وبعد مدة من انطلاق الحركة قررت أن تغير خيارها، خاصة بعد الخطاب الملكي لـ 9 مارس، حيث توجهت إلى الأحياء الشعبية، يقول أحد المستجوبين “لقد ظل الناس يسمعون عنا في الإعلام وعبر الإشاعات والروايات الشفهية التي يتناقلونها بينهم، وكان لا بد من أن نذهب إليهم في أحيائهم ليتعرفوا علينا وليشاهدوننا بالمباشر وليس عبر الجرائد وما يروجه الإعلام”. وهكذا غطت مسيرات الحركة بالدار البيضاء أحياء الحي المحمدي، عين الشق، سباتة، البرنوصي… وهي أحياء تضم كثافة سكانية وتاريخا نضاليا معروفا. فيما غطت مسيرات الرباط أحياء العكاري ويعقوب المنصور واليوسفية/ حي دوار الحاجة، فكان رد فعل كبير من خلال التحاق عدد هام من المواطنين بالمسيرات.
أما في طنجة، فقد بدأت حركة 20 فبراير بمسار بموقع شعبي حافظت عليه طيلة مدة حراكها مع تغييرات طفيفة حسب الظروف الأمنية. وهو مسار يخترق أسواق المدينة وأهم أحيائها ليختم بساحة أطلق عليها المحتجون ‘ساحة التحرير’. وكانت مسيرات طنجة هي الأطول على امتداد خارطة الوطن، حيث كانت تصل إلى ما يقارب ثماني كلمترات. وتحملت الحركة تحدي المرور بأحياء شعبية تنعتها السلطة بالنقط السوداء مع الحفاظ على سلميتها، ثم اختراق الشوارع الكبرى بالمدينة. لقد كان تحديا توفقت فيه الحركة بامتياز. وبتحقيقه ربحت الحركة مساحات جديدة من المدينة بالمرور عبرها في كل مسيرة من مسيراتها، ليشاهد الناس الحركة التي تخوفهم السلطة منها. يقول أحد المستجوبين: “أتذكر أنه مع المسيرات التي كانت تقوم بها الحركة كانت تحضر مخططات عدة، من السيناريو (أ) إلى السيناريو (ب) و(ج). فقد كنا لا نعلم ردة فعل السلطة على كل مسيرة، وكنا نعلم أننا لا نخرج في نزهة، وأن كل الاحتمالات واردة. لذلك كان من المخططات في كثير من الأحيان أن نحدد ثلاثة أشخاص يتكفلون بالمسيرة، ولا تعرف حتى الهيئة الداعمة أين نهايتها حتى لا تعرف السلطة مساراتها، وفي أحيان أخرى كنا نحدد نقطة البداية ونقطة النهاية، وفي أحايين أخرى كنا نرسم جدولا مسبقا لمسيرات الحركة تتوزع في أحياء المدينة. وعندما يشتد القمع كانت الحركة توزع في الأحياء لتقوم بمسيرات عدة عوض مسيرة مركزية. لقد تحكم في كل اختيار تحديات معينة، والحركة كان عليها أن تحافظ على زخمها، ووحدتها، وسلميتها في ظروف متباينة”.
وكان الشارع يعبئ الشعب ويحقق إرسال رسائل للسلطة. ليس فقط خلال المسيرات التي كانت تنظم تقريبا بدورية أسبوعية، بل أيضا خلال التعبئة التي يعتمد فيها على نشطاء الحركة الموزعين داخل أحياء إقامتهم حيث يطلب منهم تعبئة أبناء حيهم، فضلا عن التعبئة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعبر التنظيمات السياسية والنقابية والحقوقية الداعمة للحركة طيلة أيام الأسبوع.
ويشرف على تدبير المسيرة وهندستها وتسييرها عدة لجن؛ هناك اللجنة المركزية التي تعمل على التنسيق وتدبير الإشكالات الميدانية خلال المسيرة. ثم لجنة الشعارات وهي التي تتكلف باقتراح الشعارات وترديد المتفق عليها عبر مكبر صوتي ليرددها المحتجون بعدها، واللجنة الإعلامية المكلفة بالتوثيق والنشر الإعلامي، ولجنة اللوجستيك المكلفة بتوفير التجهيزات الضرورية، واللجنة التنظيمية مهمتها حماية المسيرة من أي هجومات أو شغب من خارجها، وتوجيه مسارها عبر سلاسل بشرية، فضلا عن حماية الممتلكات العمومية وعلى رأسها المؤسسات الحكومية التي تمر المسيرة من قربها مثل الأبناك والمقاهي وغيرها. ونظرا لأهمية هذه اللجنة في الحفاظ على سلمية المسيرة فإن عدد أعضائها هو الأكبر حيث يصل بالدار البيضاء أحيانا إلى 500 فرد. وبعدما أصبحت المسيرات تستقطب آلاف المشاركين، تعذرت عملية الضبط، وبالتالي اهتمت اللجنة التنظيمية أكثر بتأمين المقدمة أساسا والمنصة الرسمية.
ولقد كان رد السلطة على هذا التوظيف الاحتجاجي للفضاء العمومي من خلال مستويين؛ الأول هو المنع والتضييق والاعتقال الذي ميز بعض المسيرات خاصة بعد الخطاب الملكي لـ 9 مارس، حيث عرفت مسيرات 13 مارس تدخلا أمنيا عنيفا في كل من البيضاء وطنجة ومدن أخرى، وعرفت وقفة الرباط أمام مقر المخابرات بمنطقة تمارة تدخلا عنيفا أيضا، واستمر ذلك بتناوب بين عدة مدن وفي تواريخ مختلفة، وهو ما أدى إلى استشهاد أحد نشطاء الحركة بمدينة آسفي على يد قوات الأمن. وقد جرت هجمات متكررة من السلطة على مسيرات الحركة من أجل منعها، فكانت تتحول إلى ساحة كر وفر. كما اتبعت السلطة استراتيجية تطويق ساحات الانطلاق وسد جميع الممرات ومنع المحتجين من الالتحاق بها قبل انطلاق المسيرات. كما حولت السلطة ‘ساحة التحرير’ بطنجة في مرات عدة إلى محج لكل أنواع الفرجة بموسيقى صاخبة لحرمان المحتجين من فضاء عمومي يمارسون فيه ضغطهم السياسي. لقد شكلت الجغرافيا موقع النزاع التواصلي الأول والأهم بين الحركة والسلطة، من أجل خلق توازن للقوة بينهما.
المبحث الثاني: معارك الخطاب الاحتجاجي:
- خطاب الاحتجاج:
برزت في الواجهة خطابات احتجاجية تجلت أساسا في عشرات الهتافات والشعارات واللافتات والأيقونات والأغاني والخطب والكلمات التي أنتجها المحتجون في مسيراتهم وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تميزت بمستوى من التثوير الذي يوازي تثوير المجتمع.
وتعد الشعارات من أبرز تجليات خطاب الاحتجاج وأهمها، إذ تقوم بوظائف بالغة الأهمية أهمها صياغة مطالب المحتجين في شكل بلاغي موجز، “ويصبح ترديدها بشكل جماعي علامة على حصولها على قبول عام. كما تخلق الهتافات هوية جماعية بين الأفراد المتباينين في هوياتهم الفردية، وذلك من خلال توحدهم حول هتافات مطلبية أو مبدئية واحدة. كذلك تقوم الهتافات بوظيفة نفسية هي التفريغ الإيجابي لشحنات الغضب والرفض من خلال الانخراط في الهتاف المتواصل؛ إذ يقوم الهتاف، عادة، بتقليل مخاطر مشاعر القلق والتوتر التي قد تصاحب أفعال الاحتجاج”[13].
وقد عكست الشعارات المرفوعة في مسيرات حركة 20 فبراير تنوعا في المطالب التي كانت تشمل ما هو اجتماعي وما هو سياسي. ومن الشعارات الجامعة التي تتردد أصداؤها باستمرار في مسيرات الحركة نجد الشعار/اللازمة “حرية… كرامة … عدالة اجتماعية”. وهو شعار يدرج الأبعاد السياسية والحقوقية والاجتماعية، ويعبر عن قيم أرادها المحتجون بوصلة للتغيير الذي ينشدون. وعملت لجان الشعارات التي أحدثتها مختلف تنسيقيات الحركة في إبداع العديد من الشعارات الجديدة أو تحيين أخرى قديمة. وإن أول ما يطبع الحركة هو غياب الشعار الذي ساد في دول أخرى عرفت ثورات الربيع العربي، وهو شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، وتم تعويضه بشعار الحركة المركزي الذي يختزل هدفها وسبب وجودها؛ “الشعب يريد إسقاط الاستبداد، الشعب يريد إسقاط الفساد” أو “الشعب يريد إسقاط المخزن”.
إن الحركة كانت تعي دلالات شعاراتها من خلال ترجمتها بمواقف لم تخضع لمعسول القول من خطابات وما شابه. لقد كان مطلب إسقاط الاستبداد دليلا على المطالب السياسية للحركة، أما إسقاط الفساد فدلالة على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا تعبير عن الاختلاف الذي طبع المكونات السياسية والاجتماعية الداعمة للحركة والتي لم تكن مجمعة على مطلب موحد، ما يدفعها إلى اعتماد عبارات عامة وفضفاضة يستطيع الجميع أن يجد ذاته تحتها. ويمكن تصنيف شعارات الحركة ضمن أربعة أصناف هي: شعارات سياسية، شعارات اجتماعية، شعارات هوياتية، شعارات تنظيمية.
تحدد الشعارات السياسية مطالب الحركة ومواقفها السياسية. ويعد الشعار الذي تفتتح به الحركة مسيراتها ووقفاتها أهم هذه الشعارات، جاء فيه: ‘الجماهير تقول .. والحل الوحيد .. من كل الحلول .. إسقاط الحكومة .. وحل البرلمان .. وتغيير الدستور .. وتحرير القضاء .. وتحرير الإعلام .. واسمع صوت الشعب.. واسمع ولاد الشعب .. واسمع بنات الشعب .. والمخزن يطلع برا .. والمغرب أرضي حرة’.
ويتضمن هذا الشعار دلالات تواصلية تختزل في كلمتي “تقول” و”اسمع”. بمعنى أن هناك رسالة من الجماهير ينبغي أن تسمع وأن تؤخذ بعين الاعتبار، رسالة من المحتجين إلى السلطة الحاكمة مضمونها جملة من الإجراءات ذات طابع سياسي هي بمثابة مطالب وخطوات للتعاقد بين الطرفين، يمس تغييرات تهم السلط الأربعة (التنفيذية، التشريعية، القضائية والإعلامية)، ثم إعادة ترتيب العلاقة بينها من خلال تغيير الوثيقة الدستورية. كما يتضمن الشعار نوعا من الخطاب القطعي، حيث لا يترك مجالا للنقاش، لأن ما يطرحه من مطالب هي “الحل الوحيد من كل الحلول” التي يحتمل أن تقترحها السلطة الحاكمة. ثم هناك تعال احتجاجي يعطي للمحتجين الحق في استعمال فعل الأمر، أمر بالاستماع للجماهير المحتجة التي تمثل صوت الشعب. وأمر للمخزن ليغادر “يطلع برا”.
ويبرز هذا المعنى أيضا في شعار “الشعب يريد إسقاط الفساد، الشعب يريد إسقاط الاستبداد”، وذلك من خلال فعل الإرادة، وهي ليست إرادة عاجزة أو مستكينة، بل هي إرادة دينامية متحركة تبرز من خلال الخروج من واقع الانتظار إلى فعل الاحتجاج وغشيان الفضاء العمومي ومنازعة السلطة الحاكمة تحكمها فيه كبداية ورمز لمنازعتها القرارات والاختصاصات. بذلك يردد المحتجون “إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر”، فعندما يريد الشعب تكون الاستجابة تحصيل حاصل.
وقد تركز في الشعارات ذات الأبعاد السياسية مفهومان أساسيان، الأول هو “الشعب” الذي يمثله المحتجون، والثاني هو “المخزن” الذي تمثله السلطة الحاكمة، مع تغييب للمؤسسات التي تحضر فيها منظمات الوساطة من شعارات الحركة، وهو ما يعبر عنه الشعار: “عليك الامان عليك الامان… لا حكومة لا برلمان”. فهذه المؤسسات لا أمل في توجيه الخطاب إليها، لأنها تفتقد للمصداقية وللسلطة والصلاحيات، لأن السلطة الحاكمة تمرر قراراتها من خارج هذه المؤسسات الدستورية. لذلك لم يتعب المحتجون أنفسهم في توجيه رسائلهم لمؤسسات ومنظمات الوساطة، وفي ذلك تبخيس وتشكيك في الجدوى من العملية الانتخابية برمتها.
ويحضر مفهوم الشعب من حيث أن المتظاهرين هم الممثلون الرسميون له الناطقون باسمه. وقد تعددت الشعارات التي تحيل إلى هذا المعنى، نورد هنا أمثلة من قبيل؛ (هذا المغرب وحنا ناسو… ولي حاكم يفهم راسو). المحتجون إذن رشحوا أنفسهم متحدثين باسم الشعب في مواجهة سلطة انتزعت حقوقه وحريته. وهو شعب يتحدى، ويتجدد، ولا خيار إلا تمكينه من حقوقه والاستجابة إلى مطالبه. كما يلعب المحتجون دور التنبيه وتحريض الشعب ليهب دفاعا عن حقوقه من خلال شعار: “شعبي شعبي يا شعبي … عَلِّي الصوت لاش مخبي، ياك نهبوك يا شعبي … عَلّي الصوت لاش مخبي، ياك ظلموك يا شعبي … علي الصوت لاش مخبي، ياك قمعوك يا شعبي … علي الصوت لاش مخبي”. أو شعار يحمل معاني فداء المحتجين الشعب، وتحملهم للمشقة دفاعا عنه؛ “الله يبليك بحب الشعب … حتى تلبس الدربلة … ودربلة ولاد الشعب مايلبسها من ولا”.
بالإضافة إلى الشعب هناك ترميزات عديدة تحيل إلى السلطة الحاكمة من قبيل: المخزن، لي يحكم، يا حكام… وغيرها. وكلها تدل على راديكالية محتشمة تحاشت الذكر المباشر والواضح لمن يحكم بالصفة أو الاسم، عكس ما كان في دول الربيع العربي. وهكذا كانت شعارات من قبيل؛ “يا مخزن يا جبان… شعب المغرب لا يهان” و”المخزن يطلع برا” و”الشعب يريد إسقاط المخزن” و”هذا المغرب وحنا ناسو… ولي حاكم يفهم راسو” و”صاحب الجلالة هو الله تعالى” و”من الرياض للرباط … والحكام تحت السباط”. و”غالبا ما يحمل مصطلح المخزن دلالة فيها غضاضة، لأنه يرتبط بأسلوب الإدارة العتيقة المُحكم الذي يقاوم الحريات الواسعة. بينما ملامح المخزن غامضة، حيث أن الحكومة نفسها لا تعدّ جزءا منه”[14].
والصنف الثاني من الشعارات هي شعارات ذات أبعاد اجتماعية؛ ظهرت بكثافة بعد التحاق مجموعات بمطالبها الفئوية الخاصة بالحراك، مثل مجموعات سكان أحياء الصفيح، ومجموعات المعطلين، ومجموعات عمال المصانع المتضررين من طرد تعسفي. كما كانت هناك شعارات ضد شركات التدبير المفوض الخاصة بالماء والكهرباء في كل من طنجة والدار البيضاء والرباط، وأخرى تطالب بتوفير شروط العيش الكريم، وضمان الإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية بمباريات نزيهة وشفافة، وضمان حياة كريمة وذلك بالحد من غلاء المعيشة والرفع من الحد الأدنى للأجور وتمكين عموم المواطنين من ولوج الخدمات الاجتماعية وتحسين مردوديتها. ومن بين تلك الشعارات نجد “بلادنا ساحلية … والسردين غالي علينا … بلادنا فلاحية … والخضرة غالية علينا … جوج بحورا جوج بحورا … وبلادنا عايشة مقهورة”. و”الله عليك يا مغرب.. والحالة ماهي حالة … السكنى في المراحيض … والموتى في القوارب … ولادكم قريتهوم… ولاد الشعب كلختهم … ولادكم لبستهم … ولاد الشعب عريتوهوم … ولادكمم سكنتهم … ولاد الشعب شردتهم”، وشعار “هذا مغرب الله كريم … لا صحة لا تعليم”.
أما الصنف الثالث فيهم المطالب الثقافية والهوياتية، من قبيل شعار “انا مغربي انا … بالهوية والسلالة … واستحالة استحالة … نقبل انا بالمهزلة”. وقد كان على “رأس مطالب الهوية ضرورة الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية والاهتمام بخصوصيات الهوية المغربية لغة وثقافة وتاريخا”[15]. وقد اتخذ هذا الصنف أسلوبين، الأول هو رفع شعار يطالب بترسيم الأمازيغية من خلال اللافتات التي تصاحب المسيرات، والكتابة على بعضها بالحرف الأمازيغي تيفيناغ. والثاني هو ترديد شعارات سياسية بمفردات أمازيغية من قبيل: “سوا غاساد … سوا اسكا … تيليلا ولا بدا” أو “تكراولا افوس غفوس … ادورنموت زند افلوس”.
فيما يتحدد الصنف الرابع من الشعارات في تلك التي تأخذ أبعادا تنظيمية تهم الحركة من حيث بث روح تماسكها، وتذويب الاختلاف بين مكوناتها، من قبيل “بالوحدة والتضامن… لي بغيناه يكون يكون، بالوحدة و التضامن … ليبغيناه يزول يزول”. وتلك التي تذكر بخيار السلمية التي تنهجها الحركة في احتجاجها مثل شعار “سلمية سلمية سلمية” أو “واك واك على شوهة… سلمية وقمعتوها”، وهو شعار غالبا ما يرفع عندما تهم القوى الأمنية بقمع المحتجين وتفريق المسيرة عبر استعمال العنف. مما يعطي المحتجين صفة المتعقل والمتحضر الذي يمارس حق الاحتجاج بكل سلمية ونضج مقابل تخلف واستبداد السلطة الحاكمة التي تتجاوز كل الخطوط لتعتدي على حقوق المحتجين عبر القمع والمنع. وهم بذلك يقدمون للرأي العام مبررا ودليلا مرئيا وملموسا على استبداد السلطة وظلمها للناس، وبالتالي تبرير وجود الحركة وعدالة القضية التي تدافع عنها. لقد استطاعت الاحتجاجات الاحتفاظ بالطابع السلمي ولم تنزلق باتجاه العنف في أي مرحلة من مراحلها.
كان لشعار سلمية مهمة إنجاز الحفاظ على سلمية التعبير الاحتجاجي وهو بحد ذاته يحمل من الدلالات التواصلية مع الرأي العام الكثير من معاني الطمأنة وتبديد التخوفات التي انتشرت مع بداية الحراك، وانبنت في معظمها على إشاعات من السلطة الحاكمة تتهم المحتجين بالفوضويين والراغبين في نشر الفتنة داخل البلاد وضرب استقراره الذي تضمنه السلطة نفسها.
كما عرف الخطاب السياسي في عمومه نوع من التثوير اللغوي، حيث تم التخلص في أحايين كثيرة من المراوغة اللغوية التي ألفها المواطنين خوفا من بطش السلطة الحاكمة، من ذلك عبارة “لي حاكم يفهم راسو”، كما أتاحت المباشرة اللغوية التعرض لبعض المسائل التي كانت من المسكوت عنها في الماضي مثل ثروة الملك واختصاصاته الواسعة. لكن الخطاب السياسي لم يخل من الكناية والرمز والمجاز والتمثيل. إلا أن ذلك لم يمنع من خلق بلاغة جديدة أقل نفاقا ومراوغة، فالاحتجاج يقتلع كل ما هو مزيف.
- بلاغة السلطة:
يحتل الحاكم موقعا مركزيا في عملية التواصل السياسي واستغلال الفضاء العام خاصة في زمنية الاحتجاج، وترتفع درجة ذلك عندما يتمتع بصلاحيات احتكارية وتدبير منفرد لموارد التواصل المادية والرمزية. حيث “يمكنه موقعه المركزي في الشفرة الثقافية ‘الناتج أساسا عن استثمار طويل الأمد في الحقل الديني’ من تحديد المعنى ودلالة الأشياء التي تسكن العالم السياسي، ويمكن اعتباره بشكل ما سيد لعبة العلامات ولعبة المعنى”[16]، وبناء عليه فالحاكم يضبط “إيقاع الزمن السياسي عبر حيازته للعرض السياسي مما يتيح له تحديد تراتبية الأولويات”[17].
ومن خلال الاختصاصات الموكولة دستوريا للملك يمكن أن نسجل أن السلطة الحاكمة هنا تزاوج في تواصلها السياسي بين ما هو طقوسي يضفي الطابع الديني على السلطة ويكسبها الامتداد بين الأرضي والسماوي (إمارة المؤمنين، حامي حمى الدين). ثم هناك استراتيجية تواصلية ذات طابع حديث ترسخ في الأذهان صورة الحاكم المدبر لقضايا العصرنة والحداثة (والساهر على احترام الدستور، رئاسة مجالس تنفيذية وعسكرية). والخطاب الملكي هو خطاب عابر للتخصصات ولا يمكن أن يخضع لأي اختبار للصلاحية ولا لأي نقاش لا من طرف الخبراء ولا من طرف أي فاعل في علاقة حوارية ما. وهو ما يعطيه سلطة تواصلية تخول له نوع من التعالي عن وضعيات الصراع والمصالح، والاستخدام الواسع للمعنى في إطار توازن القوة بين باقي الفاعلين. وقد اعتمدت السلطة الحاكمة ومؤسساتها في تواصلها السياسي خلال احتجاجات 20 فبراير على الكثير من الأشكال المباشرة وغير المباشرة، إلا أن الخطاب الملكي المؤرخ في 09 مارس 2011 يبقى الأبرز والأكثر تعبيرا عن بلاغة السلطة وتوجهاتها خلال تلك الفترة، ويتضح ذلك من خلال:
- اختيار السياق: في أول جملة يضع الملك الخطاب بعيدا عن سياق الاحتجاجات الجارية في الفضاء العام، حيث قال متوجها إلى الشعب: “أخاطبك اليوم بشأن الشروع في المرحلة الموالية من مسار الجهوية المتقدمة”، بهذه الجملة أُخرج الخطاب عن سياق الاحتجاج ووضع في سياق ‘الإصلاحات الملكية’ التي انطلقت قبل بداية الحراك بسنوات عديدة، حسب الخطاب. إن هذه البداية أرادت سحب البساط من تحت أقدام المحتجين، وإسقاط الجدوى والشرعية الاحتجاجية لصالح مسار “الإصلاح المؤسسي الشامل الذي عملنا على توفير مقوماته منذ اعتلائنا العرش” يقول الملك.
- نمط الاستدلال: يمكن أن نقف في الخطاب الملكي لـ 09 مارس على نمط الاستدلال التداولي، وهو نمط يقوم على طرح “مقدمة تقتضي نتيجة لا محيد عنها، إن قليلا أو كثيرا، إنه يسعى إلى جعل الأفراد يعتقدون بألا وجود لنتيجة أخرى إلا تلك المصرح بها، أو بألا وجود لهدف آخر مطلوب إلا ذلك الملفوظ. هناك إذن انزلاق منطقي من سببية ممكنة إلى سببية لا محيد عنها”[18].
ويعد إنجاز مشروع الجهوية المتقدمة بمثابة سببية ممكنة تنزلق إلى سببية لا محيد عنها وهي مراجعة دستورية عميقة. يقول الخطاب في مقدمته: “ونود في البداية، الإشادة بالمضامين الوجيهة لتقرير اللجنة الاستشارية للجهوية، التي كلفناها، منذ ثالث يناير من السنة الماضية، بإعداد تصور عام لنموذج مغربي للجهوية المتقدمة؛ منوهين بالعمل الجاد، الذي قامت به، رئاسة وأعضاء، وبالمساهمة البناءة، للهيآت الحزبية والنقابية والجمعوية، في هذا الورش المؤسس”.فنجاح هذا التدبير يحيل على نجاح حتمي لما يعتزم القيام به من خلال ورش “مراجعة دستورية عميقة، نعتبرها عمادا لما نعتزم إطلاقه من إصلاحات جديدة شاملة، في تجاوب دائم مع كل مكونات الأمة”. وهذا الارتباط السببي ينعكس من خلال جملة من التقاطعات الواردة في الخطاب الملكي والتي يحيل بعضها على البعض الآخر.
ج. استيلاب القيم: يتم ذلك من “خلال التماهي بين خطاب المحتجين وخطاب السلطة التي يحتجون عليها”[19] أي “استحواذ الخطاب السياسي لسلطة قائمة ما على المقولات الأكثر قبولا وشعبية وجاذبية في الخطاب المناهض لها”1. لا يخلو أي خطاب سياسي من قيم تؤطر مضمونه وتحيل على مرجعية صاحبه، إلا أن في زمن الاحتجاج حيث يكون للخطاب السياسي للسلطة الحاكمة أدوار أكبر من عرض قيمها والإقناع بها، فإنه يتوجب عليها مراعاة التعدد الحاصل بين المستهدفين بالخطاب خاصة المحتجين والمتعاطفين معهم.
فالقيمة المهيمنة على زمنية الاحتجاج والتي ركز عليها خطاب 9 مارس واتخذها مطلبا هي قيم الديمقراطية والإشراك والإصلاح. حيث ذكرت بصيغ مختلفة وفي أكثر من موقع، مثل عبارات “ما حققه المغرب من تطور ديمقراطي، التدبير الديمقراطي لشؤونها، جوهرها منظومة دستورية ديمقراطية، الخيار الديمقراطي…”. وبالنظر إلى التوزيع العام للكلمة على طول امتداد الخطاب نكاد نقول أنها شكلت عموده الفقري، فهي القيمة المتحققة تارة، وهي القيمة المرجوة تارة أخرى، وهي القيمة التي تحتاج إلى مزيد من الترسيخ والتعميق. وفي جميع حالاتها فهي لا تشبه أي ديمقراطية أخرى لأنها تمثل ‘نموذجنا الديمقراطي’، وهنا تحولت مطالب من آمال للمستقبل يسعى المحتجون إلى تحقيقها، إلى منجزات للماضي تفخر السلطة الحاكمة بإنجازها. وتعد بمواصلة العمل لترسيخها.
د. صورة الذات والآخر: يعمد السياسي إلى بناء صورة معينة عن ذاته وعن مخاطبيه تساعده على الوصول إلى إقناع الجمهور بطروحاته. وفي تحديد المواقع هذا بينه وبين الناس لا بد من حبك صورة جديرة بنيل رضاهم وقبولهم. وقد رأينا أنه خلال حراك 20 فبراير رفعت عدة شعارات موجهة للسلطة الحاكمة، ولم توجه للملك إلا تلميحا. وبالتالي لم يأخذ الخطاب الملكي أيضا صيغة الرد المباشر. فبنى صورة لذاته على أساس أنها جزء من فكرة الإصلاح والتغيير، وأن خيارها هذا قديم. هذا الانتماء تعكسه الأفعال المرتبطة بنون المتكلم؛ “ما نعتزم إطلاقه من إصلاحات، عملنا، نريد، حرصا منا، ما أقدمنا عليه، رسخنا…”. كما كان هناك استعراض لبعض المنجزات الإصلاحية؛ “الإصلاح المؤسسي الشامل الذي عملنا على توفير مقوماته، بفضل ما أقدمنا عليه من إرساء مفهوم متجدد للسلطة، ومن إصلاحات وأوراش سياسية وتنموية عميقة…”
كما ظلت ذات الملك مالكة لسلطة القرار، متسامية عن باقي الذوات الأخرى؛ “كلفنا، ارتأينا الأخذ بهذا الخيار، لقد قررنا، ارتأينا إدراجها، على أن ترفع إلى نظرنا السامي نتائج أعمالها”. فيما غابت صورة واضحة عن الآخر إلا بصفته شريكا بناء على دعوة من الذات؛ “ندعو الجميع للانخراط، ندعو إلى التعبئة الجماعية”. فالذات إذن هي ذات مصلحة تواقة للتغيير عاملة من أجله. لكنها تمتلك سلطة تتجاوز الجميع، ذلك أن تسامي الذات يضع الآخر حتما في مستويات أدنى وأقل.
خلاصات:
تهدف الاستراتيجية الاحتجاجية بخلفياتها التواصلية إلى إقناع المتلقين من الرأي العام بعدالة ومشروعية مطالبها، ومن جهة أخرى ممارسة الضغط على السلطة من أجل الاستجابة لتلك المطالب. حيث صاغ المحتجون ذلك في شعارات وأيقونات حملت الكثير من الدلالات التواصلية. وهو ما يجعلنا نخلص إلى أننا إزاء سياق سياسي مغربي يعرف حضورا لفعل تواصلي عقلاني، إلا أنه غير مكتمل نظرا لإكراهات وحدود.
وقد عملت السلطة الحاكمة على إعادة توزيع الفضاء العمومي، بين المحتجين والمؤيدين، ذلك أن تعاطيها الحذر مع المحتجين دفعها لفتح مجال عمومي للنقاش وتطارح الأفكار، لكنها ظلت تتحكم في رسم حدوده وقواعده، وهكذا فقد كانت مظاهر التدخل الأمني وقمع المظاهرات ومنعها تختفي بشكل كلي أحيانا، ثم تظهر بشكل عنيف وقوي تارة أخرى. وفي نفس الوقت كانت تجد لنفسها مكانا مؤثرا فيه من خلال امتداداتها وسط السياسيين والمثقفين والنخب المدافعة عن خياراتها. أو من خلال “محتجين” ضد نشطاء حركة 20 فبراير. وهي تسعى بذلك إلى ضبط إيقاع الاحتجاج داخل الفضاء العام والحفاظ على توازن للقوة بين مختف الفاعلين.
إن منطق الحركة بإسقاط مؤسسات الوساطة والحكومة والبرلمان أعاد إلى الواجهة مسؤولية المجتمع في تمثيل ذاته واسترجاع الثقة، وهذا ما مثلته الجماهير الشعبية التي خرجت يوم 20 فبراير محاولة خلق صورة تواصلية أعادت ترتيب المشهد السياسي بشكل مختلف عن المعتاد. لكن حجم التعاطي الشعبي مع مسيرات الحركة يعيد سؤال السياسي والمجتمعي إلى مربعه الأول، ويترك سؤال؛ هل فعلا استطاعت حركة 20 فبراير أن تصالح المجتمع مع السياسة؟ وما هي تجليات وحدود هذه المصالحة؟ فعلية، تصورية أم انتظارية. وهل كانت بلاغة السلطة وخطاب الاحتجاج وتواصل منظمات الوساطة في مستوى بناء خيار ديمقراطي للتواصل السياسي في نسق مكتمل للفضاء العمومي؟ بأي محددات أخلاقية؟
المراجع:
- تشارلز تريب، السلطة والشعب: مسارات المقاومة في الشرق الأوسط، ترجمة: ربيع وهبه، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2016.
- عبد الرحيم العطري، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، منشورات وجهة نظر، ع14،ط1، الرباط، 2008.
- عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية: معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة، دار التنوير، القاهرة، 2012.
- مجلة البلاغة وتحليل الخطاب،باتريك شارودو، حول الإقناع في الخطاب السياسي، ترجمة: محمد الولي، ع6، بني ملال، 2015.
- المومني ندير، فضاء التواصل السياسي بالمغرب المعاصر، (رسالة دكتوراه، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، 2002.
- سهيل الحبيب، المفاهيم الأيديولوجية في مجرى حراك الثورات العربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بيروت، 2014.
- مجلة أبحاث، محمد نعيمي، الربيع العربي في المغرب: الإرهاصات والتفاعلات- حركة 20 فبراير نموذجا، ع61-62، الرباط، 2015.
- محمد يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب: مظاهر التَّحكُّم والدَّمَقْرَطَة،مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2014.
- محمد يحيى اليحياوي، في تجاذبات العلاقة بين الإعلام والاتصال والسياسة، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 2013.
- محمد باسك منار، المشاركة السياسية والانخراط المدني للشباب المغربي بعد تحولات الربيع العربي، أوراق أبحاث مؤسسة قرطبة، 2015.
- حركة 20 فبراير محاولة في التوثيق، منشورات الوسيط من أجل الديمقراطية و حقوق الإنسان، مطبعة البيضاوي، سلا، 2015.
- كلية دبي للإدارة الحكومية، واقع الإعلام الاجتماعي في العالم العربي: عامان على الحراك، 2014).
1-مجلة أبحاث، نعيمي محمد، الربيع العربي في المغرب: الإرهاصات والتفاعلات- حركة 20 فبراير نموذجا،ع61-62، الرباط، 2015، ص25.
[2]– العطريعبد الرحيم، الحركات الاحتجاجية بالمغرب، منشورات وجهة نظر،الرباط، 2008، ط1،ص96.
[3]– محمد نعيمي، الربيع العربي: الإرهاصات والتفاعلات –حركة 20 فبرايرنموذجا، مرجع سابق، ص26.
[4]– يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب: مظاهر التَّحكُّم والدَّمَقْرَطَة، مركز الجزيرة للدراسات،http://rawabetcenter.com/archives/14667، تاريخ الزيارة 15/112020/.
[5]– عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية: معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة، دار التنوير، القاهرة، 2012، ص57.
[6]– حركة 20 فبراير محاولة في التوثيق، منشورات الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان، مطبعة البيضاوي، سلا، 2015، ص78.
[7]– المرجع السابق، ص85.
[8]– كلية دبي للإدارة الحكومية، واقع الإعلام الاجتماعي في العالم العربي: عامان على الحراك، 2014.
[9]– يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب: مظاهر التَّحكُّم والدَّمَقْرَطَة، مرجع سابق.
[10]– يحيى اليحياوي، الشبكات الاجتماعية والمجال العام بالمغرب: مظاهر التَّحكُّم والدَّمَقْرَطَة، مرجع سابق.
[11]– محمد نعيمي، الربيع العربي في المغرب: الإرهاصات والتفاعلات/ حركة 20 فبراير نموذجا، مرجع سابق، ص27.
[12]– تشارلز تريب، السلطة والشعب: مسارات المقاومة في الشرق الأوسط، ترجمة: ربيع وهبه، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2016، ص193.
[13]– عماد عبد اللطيف، بلاغة الحرية: معارك الخطاب السياسي في زمن الثورة، مرجع سابق، ص34-35.
[14]– ويكيبيديا: الموسوعة الحرة، المخزن_(المغرب)/https://ar.wikipedia.org/wiki، تاريخ الزيارة 08/01/9201.
[15]– محمد نعيمي، الربيع العربي: الإرهاصات والتفاعلات- حركة 20 فبراير نموذجا، مرجع سابق، ص31.
16- المومني ندير، فضاء التواصل السياسي بالمغرب المعاصر، رسالة دكتوراه، جامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، مراكش، 2002، صXVII.
[17]– المرجع السابق، ص XVII.
[18]ـ مجلة البلاغة وتحليل الخطاب، باتريك شارودو، حول الإقناع في الخطاب السياسي، ع6، بني ملال، 2015، ص91.
[19]– عماد عبد اللطيف، حروب بلاغية: معارك الخطاب السياسي في زمنا الثورة، مرجع سابق، ص291.