
القدس في مفاوضات الحل النهائي من الانتداب البريطاني إلى قرار إدارة الرئيس ترامب نقل السفارة الأمريكية وتداعياته المحتملة
د. محمد أمير الشب، باحث في العلاقات الدولية وأستاذ جامعي، سورية.
مقال نشر في مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية العدد 21 الصفحة 85.
Abstract:
This study deals in analyzing and searching with the Jerusalem issue in the final status negotiations,this term is the result of Oslo agreement that signed between the Palestinians and the Israelis in 1993, after peace negotiations in Madrid in 1991.
The study begins since Jerusalem became part of the British Mandate authorities in wake of the First World War, especially in 1917, because it is very important to know the legal and political foundations of the status of Jerusalem in several stations, such as the British Mandate that conformed to the content of the famous Balfour Declaration, and in period of League of Nations and the United Nations.
The study then moves to several important stations in the final status negotiations, such as the second Camp David Summit, the Arab Peace Initiative, the Roadmap,and the Annapolis meeting, till to the efforts of the US President Barack Obama administration, then moves to the decision of the US President Donald Trump Administration transferring his country’s embassy to Jerusalem and its consequences, and declaration law of “Jewish state of Israel”.Finally, the leaks about the deal century, which constitutes the initiative of the US President Trump administration to reach a final peace agreement between the two parties of the conflict.
Noting that this study also deals with Israel’s actions to Judaize the city of Jerusalem, which is the real essence of the Palestinian issue.
Key Words: Jerusalem, final status negotiations, deal century, Jewish state law.
ملخص:تتناول هذه الدراسة بالبحث والتحليل قضية القدس في مفاوضات الحل النهائي، هذا المصطلح الذي جاء نتاجاً لاتفاق أوسلو الموقع بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1993 أي بعد مفاوضات السلام في مدريد عام 1991.
وتنطلق الدراسة منذ أن أصبحت القدس تحت سيادة سلطات الانتداب البريطانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وتحديداً في عام 1917، لأنه من الضروري جداً معرفة الأسس القانونية والسياسية لوضع القدس في عدة محطات مثل صك الانتداب البريطاني الذي جاء مطابقاً لمضمون وعد “بلفور” الشهير، وفي ظل عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة.
ثمَّ تنتقل الدراسة إلى عدة محطات هامة في مسيرة مفاوضات الحل النهائي مثل قمة كامب ديفيد الثانية ومبادرة السلام العربية وخارطة الطريق ولقاء أنابوليس، وصولاً إلى الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق “باراك أوباما”، ثمَّ قرار إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” نقل سفارة بلاده إلى القدس وما لهذا القرار من تداعيات وإعلان قانون “يهودية الدولة الإسرائيلية”، وأخيراً ما يتم تداوله من تسريبات عن صفقة القرن التي تُشكل مبادرة إدارة الرئيس الأمريكي “ترامب” للوصول لاتفاق سلام نهائي بين طرفي النزاع.
مع الإشارة إلى أنَّ هذه الدراسة تتناول أيضاً إجراءات إسرائيل لتهويد مدينة القدس التي تُعتبر حقيقيةً جوهر القضية الفلسطينية.
كلمات مفتاحية: القدس، مفاوضات الحل النهائي، صفقة القرن، قانون يهودية الدولة.
مقدمة:
تنطلق أهمية هذه الدراسة من أهمية قضية القدس في الأدبيات السياسية فهي تشكل مفتاح السلم والحرب معاً، وهي جوهر القضية الفلسطينية وحجر الأساس في أي حل مستقبلي يمكن أن يُشكل منطلقاً لنجاح عملية السلام المتعثرة في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد فترات الجمود في المفاوضات خلال مدة حكم إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وفترات الترقب لمبادرة إدارة الرئيس ترامب لحل الصراع أو ما أصبح يُعرف “بصفقة القرن”.
وتهدف الدراسة إلى البحث في وضع القدس في مفاوضات الحل النهائي التي انطلقت مع اتفاق أوسلو عام 1993، مع دراسة الوضع القانوني في زمن الانتداب البريطاني وخصوصاً عند صدور صك الانتداب البريطاني الذي صادقت عليه عصبة الأمم وجاء مطابقاً لمضمون وعد بلفور، ثمَّ دراسة أهم قرارات منظمة الأمم المتحدة التي شكلت الأساس القانوني الذي يمكن الانطلاق منه والبناء عليه في تطور المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كما تهدف الدراسة إلى تسليط الضوء على أهم الإجراءات الإسرائيلية لتهويد مدينة القدس وفرض أمر واقع لإخراجها من مفاوضات الحل النهائي، مع البحث في آخر التطورات التي طرأت على الساحة الدولية مثل إعلان إدارة الرئيس ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وتصديق الكنسيت الإسرائيلي على قانون “يهودية الدولة الإسرائيلية”، وما يخرج للعلن من تسريبات عن “صفقة القرن” أو مبادرة الرئيس ترامب للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وتتحدد مشكلة الدراسة بأنَّ موضوع القدس يتصدر لائحة القضايا الخلافية بين الفلسطينيين والإسرائيليين أو ما أصبح يُعرف بقضايا الحل النهائي، إذ تسعى إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية لتحجيم هذه القضايا أو الملفات بحيث تتناسب مع الرؤية أو وجهة النظر الإسرائيلية، أي أنَّ الجدلية تكمن في التناقض بين الالتزام والممارسة، إذ ما زالت إسرائيل تفرض سيطرتها بالقوة على المدينة على نحو مخالف للقانون الدولي وللتعهدات التي التزمت بها في الاتفاقيات المتوالية وعلى نحو يتوافق مع الإيديولوجيا التي يقوم عليها النظام الإسرائيلي، أي وجود هدف إسرائيلي أساسي يتمثل بالسيطرة التامة على القدس وبالتالي إفراغ القضية من مضمونها.
وتقوم هذه الدراسة على فرضيتين أساسيتين هما:
- تسعى إسرائيل من خلال سياستها التفاوضية مع الجانب الفلسطيني وعن طريق التأجيل المستمر في البحث بقضايا الحل النهائي إلى، إخراج قضية القدس من هذه المفاوضات عن طريق إعادة تنظيم المدينة جغرافياً لتهويدها وإزالة أي صفة عربية عنها وسلخ هويتها الفلسطينية، أو أنها في النهاية ستلتزم بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية تنسحب فيها إسرائيل إلى حدود عام 1967 وستقبل بنظام خاص لإدارة الأماكن المقدسة.
- إنَّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومن خلال قرارها نقل سفارة بلادها إلى القدس، فهي تعترف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل وتتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بهذا الخصوص، أو أنها لا تزال غير منحازة لأي طرف مع إمكانية تراجعها عن القرار أو اعترافها رسمياً بالدولة الفلسطينية وإقامة سفارة في عاصمتها القدس الشرقية.
وتعتمد هذه الدراسة على منهجين هما المنهج التاريخي من أجل دراسة المحطات التاريخية المتعلقة بمسيرة المفاوضات وما نتج عنها للوصول للرؤية الأفضل لما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلاً، والمنهج الوصفي لدراسة تلك الأحداث والتطورات وتفسيرها تفسيراً ملائماً.كما تستند الدراسة في إطارها النظري إلى مستويين للتحليل هما نظرية النظم كإطار تحليلي بما تتضمنه من علاقات ومفاهيم إذ تتدفق مخرجات النظام وفقاً لمدخلاته الإيديولوجية والسياسية، ونظرية القوة أو الواقعية السياسية التي تُفسر السلوك الإسرائيليالذي تسعى من خلاله لضمان وجودها وحمايته واستمراره وتوسعه عنطريق اكتساب المزيد من عناصر القوة.
أولاً: تمهيد:
تعددت الدراسات والمؤلفات والأبحاث التي تناولت بالتوثيق والتحليل والاستنتاج قضية القدس مباشرة، أو تلك التي تناولتها في إطار القضية الفلسطينية الأم، الأمر الذي يُظهر ما لهاتين القضيتين من أهمية ليس على طرفي النزاع المباشرين فحسب، بل لامتداداتهما الإقليمية والدولية أيضاً، وبحكم ارتباط هاتين القضيتين بالمعتقدات الدينية والمصالح الإقليمية والدولية والحيوية لأطراف الصراع غير المباشرين وبخاصة العالمين الإسلامي والغربي.
وقد يرى الدارس للتاريخ والعلوم السياسية أن هنالك مدناً وحضارات تزدهر وتنمو بفعل تطوراته وأحداثه المتعاقبة، ولكنه قد يرى أيضاً أنَّ ثمة مدناً تطبع التاريخ بمنحاها المزدهر وتجذب إليها مواكب من الأفراد والجماعات وحتى الأمم لتصبح جزءاً من مسيرتها.وتُعتبر مدينة القدس إحدى أهم هذه المدن، فهي صانعة للتاريخ وجامعة لكثير من السير المقدسة والحضارات المتنوعة، فمن اليبوسيين إلى الكنعانيين والعموريين والهكسوس والآشوريين والبابليينوالفرس واليونانيين والرومان والبيزنطيين.
إذ تُعتبر البلدة القديمة مركز مدينة القدس وهي المكان الموجود داخل سور سليمان القانوني، أما مساحتها فأقل من كيلو متر مربع واحد ويعيش فيها أكثر من “31000” نسمة أما ارتفاعها عن سطح البحر فهو 750 متر وتشكل الأوقاف الإسلامية 43.7% من مساحتها فيما تُشكل الأوقاف المسيحية 46.3% منها[1].
وعلى الرغم من أنَّ القدس أو مدينة السلام شملها الدمار والبناء مراراً، إلا أنها بقيت متسامحة مع عقائد بقية الأديان وأنتجت نموذجاً فريداً يحاكي قدسيتها ويجسد تعاقب الأمم والشعوب على أراضيها[2]، وقد دخلت منذ أمد بعيد في التاريخ الروحي والزماني للوجدان العربي بطريقة لا فكاك عنها، فهي ليست ملكاً لشعب فلسطين وحده وإنَّ أي تنازل عنها أو عن مسمياتها ليس له أي شرعية في الوجدان الشعبي العربي، فالقدس هي وعاء فلسطين وحاملتها وهي من أعطاها الغالب الأعم من صبغتها وأهميتها، حتى إنه أصبح يقال إنَّ القدس ليست مدينة في وطنٍ هو فلسطين، بل إنَّ فلسطين وطنٌ في مدينةٍ هي القدس.
وتشكل شعوب منطقة الجزيرة العربية وبلاد الشام ووادي الرافدين وحدة قومية وجغرافية واحدة تصدر في تعدديتها القبلية عن أصل واحد، وتقع القدس في قلب هذه الوحدة الجغرافية البشرية، وجاء اسم مدينة السلام من “أور-سالم” حيث “أور” تعني مدينة باللغة السومرية، أما “سالم” فهو اسم إله السلام الكنعاني وهكذا ذُكرت في التوراة باسم “أورشليم” وعند اليونانيين والأوروبيين المعاصرين “Jerusalem”[3].
لقد أنشأ قادة الاحتلال الإسرائيلي كيانهم تحت عناوين مشبعة بالخيال انتزعوها من وحي أساطيرهم ومدوناتهم، فأطلقوها وروجوا لها بكل الوسائل وفي كل المناسبات مثل “أرض الميعاد” و “أرض الآباء” و “ميراث الأنبياء” و”العرق السامي” وغيرها، ثمَّ أخرجوها على هيئة أساطير ذات تعابير رنانة ومؤثرة وقادرة على الوصول إلى وجدان أتباعهم عن طريق عواطفهم ومشاعرهم، وزرعهم تلك الأساطير على أنها مبادئ يجب السعي والتفاني من أجل تحقيقها، وقد تمكنوا بالفعل من أن يجدوا محل قبول ورضا لدى جمهورهم، ونتيجة لهذه الأساطير فقد اتخذ الصراع العربي الإسرائيلي شكلاً سياسياً ذا طابعٍ أو بُعدٍ ديني، فالقدس في الوجدان الشعبي العربي هي عاصمة الدولة الفلسطينية التي لا يمكن أن تحل محلها مدينة أخرى[4].
ثانياً: إجراءات الاحتلال الإسرائيلي لتهويد القدس:
أعلن قادة الحركة الصهيونية إعلان إنشاء دولة “إسرائيل” في مساء الرابع عشر من أيار من عام 1948 وذلك مع إتمام احتلالهم لغربي مدينة القدس، وكان الفلسطينيون آنذاك لا يزالون يمتلكون 88.7% من مساحة القدس الغربية، ثمَّ ومن عام 1948 إلى عام 1967 وسعت سلطات الاحتلال سيطرتها من 16.3 كم2 إلى 38.1 كم2 تقريباً، واستقدمت ما يقارب 54 ألف مستوطن واستوعبتهم في بيوت المقدسيين العرب التي هُجروا منها حتى وصل عددهم إلى ما يقارب 197 ألفاً في عام 1967، وفي ذات العام أقدمت إسرائيل على احتلالها لشرقي القدس، ثمَّ أعلنت رسمياً في 30 تموز من عام 1980 أن القدس عاصمة أبدية موحدة للكيان الإسرائيلي[5].
وعندما احتلت إسرائيل القدس الشرقية في عام 1967 عمدت حينها إلى توسيع مساحتها إلى 104 كم2عن طريق اقتطاعها لمجوعة من الأراضي التابعة لـ28 قرية يقع معظمها شرقي مدينة القدس، ثمَّ تابعت عملية التوسع في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين حتى وصلت مساحة القدس إلى 126 كم2يقع 72 كم2منها شرقي المدينة[6].
ويعتبر الجدار العازل جزءاً من برنامج تهويد القدس ومدخلاً لمصادرة المزيد من أراضي شرقي المدينة وإحاطتها بالمستوطنات لعزلها عن محيطها العربي، وفعلياً فإنَّ الجدار قد عزل 18 قرية فلسطينية عن القدس كانت تشكل امتداداً طبيعياً وتتبع إدارياً واقتصادياً واجتماعياً لمدينة القدس.
والحقيقة أنَّ القدس هي مدينة عربية عريقة النشأة بناها اليبوسيون العرب وهم فخذ من كنعان وذلك في الفترة الممتدة ما بين “3000-997ق.م” وهو ما يعترف به الإسرائيليون الذين يؤكدون أنهم نزلوا بها في الألف الأول قبل الميلاد[7]، وقد تعددت محاولات إسرائيل لتهويد القدس من خلال العديد من الوسائل:
1-إحداث تغيير ديموغرافي حقيقي في القدس:
عملت إسرائيل منذ البداية على تنفيذ توصية اللجنة الوزارية لشؤون القدس برئاسة رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة “جولدا مائير” عام 1973 بألا تزيد نسبة الفلسطينيين على 22% من إجمالي عدد سكان القدس، الأمر الذي تطلب مضاعفة عدد المستوطنين وتقليل السكان العرب الأصليين في المدينة، وذلك عن طريق سحب بطاقات الهوية من كل مقدسي يثبت لها أنه يعيش خارج المدينة لأكثر من سبع سنوات أو حصل على جنسية دولة أخرى أو يقيم في دولة أخرى، بالإضافة لاتباعها سياسة التهجير من خلال تضييق الخناق على المقدسيين تمهيداً لتهجيرهم من المدينة وتعويضهم بالمستوطنين،وهذا الأمر يُعتبر من أهم وسائل التهويد وأخطرها، حيث تساوى عدد المستوطنين في القدس الشرقية مع عددهم في الضفة الغربية وبلغ عدد المستوطنات في القدس كاملة نحو 29 مستوطنة تتخذ شكلاً دائرياً حول المدينة بهدف عزلها عن محيطيها الفلسطيني وقطع تواصلها مع الضفة الغربية.
2-اتباع إسرائيل لسياسة الهدم والإحلال:
إذ دأبت إسرائيل على منح الفلسطينيين من سكان القدس حوالي 200 تصريح سنوياً بحد أعظمي من أجل تنفيذ أعمال البناء، وكذلك الأمر فهي خصصت للمقدسيين فقط ما نسبته 12% من الأراضي السكينة، وعملت على وضع الكثير من التعقيدات الإدارية في مجالات الحصول على التراخيص الخاصة بالبناء وفرضت الضرائب الباهظة على تلك التراخيص، وحاولت وبشكل مستمر إغلاق المؤسسات الفلسطينية الموجودة في القدس، ويكفي القول إنَّ بلدية القدس تنفق فقط ما بين 5 إلى 10% من ميزانيتها على القدس الشرقية، كذلك واصلت إسرائيل مصادرة الأراضي في محيط القدس وضمها إدارياً للمدينة من أجل توسيع حدودها مع بناء المستوطنات على هذه الأراضي المصادرة والمضمومة للمدينة طبعاً، والهدف هو زيادة نسبة سيطرة إسرائيل على القدس[8].
3-طمس المعالم التاريخية والدينية للمدينة:
لقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بحملة محمومة لتهويد الأرض والإنسان في القدس وسعت إلى طمس هويتها العربية فصادرت الأراضي والممتلكات، وقامت بأعمال الحفر حول الحرم القدسي وسعت فقط للكشف عن التاريخ اليهودي وتعمدت طمس معالم العصور التاريخية الأخرى، حيث قامت بأعمال الحفر أسفل وحول المسجد الأقصى، فبين عامي 2006-2008 توزعت عدة حفريات بالمسجد الأقصى هدفت لإنشاء مدينة تحت الأرض، وأخطر هذه الحفريات تلك التي استهدفت “الطريق الهيرودياني” الذي يمتد طوله لأكثر من “600” متر ويربط ساحة البراق بالمدخل الجنوبي للمسجد، مما أدى لتفتت أحجار حائط البراق مما مهد لإغلاق مسجد البراق وتحويله لكنيس يهودي أو موقع أثري،أو من أجل استنبات أبنية يهودية في هذه الأنفاق، كما هدمت سلطات الاحتلال بعض المقابر التاريخية الخاصة بالعرب التي تشكل جزءاً من تاريخ المدينة[9].
ويجهد دعاة الصهيونية أنفسهم بالتنقيب في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد للحصول على ما يبرر ادعاءاتهم بأحقية الصهيونية بأرض فلسطين، ولا يقتصر هذا البحث على رجال الدين والفكر فحسب، بل يتعداهم إلى علماء الآثار المعروفين “بعلماء آثار الكتاب المقدس، الذين نبشوا التراب الفلسطيني حفراً لعلهم يجدون من الآثار ما يبرر احتلالهم للأرض الفلسطينية وطرد أبنائها منها، وتوطين اليهود من شتى أنحاء العالم، وقد تركز هذا التنقيب إلى حد كبير تحت المسجد الأقصى، والمفارقة أنَّ ما نسف صحة الرواية الصهيونية التاريخية هو عالم الآثار الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية “زئيف هرتسوغ” حينما ذكر في مقال له بصحيفة هآرتس الإسرائيلية في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 1999 وبعد الحفريات المكثفة التي شهدتها القدس “أنَّ أعمال الآباء عبارة عن قصص أسطورية”. هذا وقد سبقه إلى ذلك في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مُدَرِّسة عالم الكتاب المقدس والشرقيات “يوليوس فيلهاوزن” الألمانية، التي قالت “إنَّ الرواية التوراتية التي بين أيدينا اخترعت في زمن السبي البابلي”[10].
4-العمل على ترسيخ فكرة أنَّ القدس عاصمة تاريخية لإسرائيل:
إنَّ إسرائيل بالأساس متوجسة من أنَّ يهودية الدولة مهددة بالتراجع بسبب انخفاض موجات هجرة اليهود من العالم وهذا عائد إلى اندماج اليهود في عدد من المجتمعات الغربية أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، بالإضافة لما قد يترتب عن عملية التسوية السياسية من عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم مقابل طموح إسرائيلي بنقل كتلة كبيرة من الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية إلى الدولة الفلسطينية الوليدة في صفقة للتبادل السكاني في إطار ما يعرف بمفاوضات الحل النهائي التي حددتها اتفاقية أوسلو لعام 1993.
وعلى هذا الأساس عملت إسرائيل على تنفيذ تعليمات مؤسس الحركة الصهيونية “ثيودور هرتزل” حينما قال في مؤتمر الحركة الصهيونية الأول المنعقد في مدينة “بازل” السويسرية عام 1897 “إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بشيء فسوف أزيل كل ما هو غير مقدس لدى اليهود وأدمر كل الآثار التي مرت عليها القرون” ومن هنا يتضح أنَّ الاستيلاء على القدس وتهويدها ما هو إلا اعتقاد راسخ عند كل الذين حكموا إسرائيل باعتبارها العاصمة الأبدية لدولتهم، وهرتزل نفسه يرى بأنَّ اليهود هم شعب مقدس حي مركزه مدينة القدس.
والحركة الصهيونية من حيث المبدأ هي حركة أيدلوجية سياسية نشأت في القرن التاسع عشر بهدف توطين اليهود في فلسطين باعتبارها أرض الميعاد كوسيلة لحل المسألة اليهودية، واستغلت في ذلك كل إمكاناتها المادية والسياسية والاجتماعية والإعلامية للجاليات اليهودية المنتشرة في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية أي في مركز صنع القرار الدولي[11].
وقد استندت الحركة الصهيونية على فكرة أبدية معاداة السامية، أي أنَّ مادام هنالك يهود وغير يهود فسوف يتعرض اليهود للاضطهاد والظلم لمجرد كونهم يهوداً، وعلى فكرة أنَّ كراهية اليهود هي شعور أصيل في النفس البشرية وبالتالي فإنَّ معاداة السامية لا يمكن أن تزول مادام اليهود لا يملكون وطناً قومياً خاصاً بهم، ومن هنا انطلقت عبر العالم حملات سياسية أيديولوجية إعلامية بضغط من اللوبي الصهيوني في مختلف مراكز صنع القرار الدولي لتبرير احتلال فلسطين والسيطرة على القدس وجعلها عاصمة لدولتهم المزعومة[12].
ثالثاً: عصبة الأمم والقدس:
بالنسبة للدور الذي قامت به عصبة الأمم في إبراز قضية القدس كمشكلة دولية يتوجب حلها، تمثل بموافقتها على مضمون صك الانتداب البريطاني المعلن عنه في السادس من حزيران/يونيو عام 1921،المتضمن وضع فلسطين تحت انتداب بريطانيا التي قدمت أساساً وعد بلفور بمباركة من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب العالمية الأولى، صك الانتداب هذا صادقت عليه عصبة الأمم في الرابع والعشرين من تموز/يوليو 1922 ودخل حيز التنفيذ في التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر من عام 1923، وكان أهم ما تضمنه صك الانتداب هو أمرين:
- موافقة دول الحلفاء على تحمل الدولة المنتدبة مسؤولية تنفيذ تصريح حكومة صاحب الجلالة البريطانية في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1917، والمعروف في الأوساط السياسية والإعلامية وحتى تاريخياً بوعد بلفور، وهو الذي يقضي بإنشاء وطن “قومي” لليهود في فلسطين دون الإضرار بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية في فلسطين أو الإخلال بالحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في الدول الأخرى، أي احتفاظهم بجنسيات البلاد التي قدموا منها.
- الاعتراف بالروابط التاريخية لليهود في فلسطين، وهي من أهم الأسباب الموجبة التي دعت لإعادتهم إليها.
ومن هنا نستنتج مدى تماثل النصوص التي تضمنها صك الانتداب بشأن إنشاء وطن “قومي” لليهود في فلسطين مع مضمون وعد بلفور، كذلك فقد تضمن آلية للعمل على إنشاء هذا الوطن “القومي” اليهودي في فلسطين، أما بالنسبة للمقدسات والأماكن الدينية فقد كان ضمانها من مسؤوليات دولة الانتداب بما في ذلك حرية الوصول إلى الأماكن المقدسة وحرية أداء الشعائر مع عدم التمييز بين سكان فلسطين، بشرط المحافظة على النظام العام والآداب العامة، مع التأكيد على أن تكون دولة الانتداب مسؤولة أمام عصبة الأمم بذلك[13].
وبمجرد أن باشرت دولة الانتداب “بريطانيا” ممارسة صلاحياتها بدأت العمل على تنفيذ بنود صك الانتداب وخاصة تلك المتعلقة بتطبيق آلية إنشاء وطن “قومي” لليهود في فلسطين من خلال:
- تسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين لإحداث تغيير ديموغرافي فيها.
- تسهيل استملاك المهاجرين اليهود للأراضي الزراعية واستيطانهم فيها، وتسهيل سيطرتهم على المرافق الاقتصادية والخدماتية.
- تمكين المهاجرين اليهود من ممارسة دور سياسي وعسكري وإضفاء الشرعية على نشاطاتهم.
- تمكين المهاجرين اليهود من الوصول إلى الأماكن المقدسة لاتخاذ موطئ قدم لهم فيها بداية ثمَّ السيطرة على أجزاء منها في مراحل لاحقة وأخيراً الاستحواذ عليها بشكل كامل.
- تشكيل بعض لجان التحقيق، القانونية من حيث الشكل، والسياسية من حيث المضمون والأهداف، وذلك من أجل تمهيد الساحة الفلسطينية لقرار دولي يضمن إقامة الكيان الصهيوني، ومن أمثلة هذه اللجان لجنة “شو” ذات الطبيعة الانفرادية أي أنها جاءت بقرار من دولة الانتداب، وهذه اللجنة شُكلت في أعقاب أحداث ثورة البراق عام 1929، وقد أوصت هذه اللجنة بأن يتم إرسال لجنة تحقيق دولية للبحث في المزاعم اليهودية وملكية المسلمين لحائط البراق، وقد أخذت عصبة الأمم بهذه التوصية وقرر مجلسها تشكيل لجنة ثلاثية لإجراء التحقيقات اللازمة[14].
وكذلك لجنة “بيل” ذات الطبيعة الانفرادية أيضاً، والمشكّلةفي أعقاب ثورة عام 1936،والتي أوصت بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية بشرط المحافظة على قداسة مدينتي القدس وبيت لحم وتأمين الوصول إليهما لمن يريد من جميع أنحاء العالم، ولكنَّ توصيات لجنة بيل لم تأخذ طريقها للتنفيذ بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية، إذ أنَّ إعلان التقسيم سيؤدي إلى تحول الثورة في فلسطين إلى ثورة عربية وهذا لا يتناسب مع ظروف الحرب العالمية الثانية المندلعة حديثاً حينها، ولكنَّ ذلك لا يعني انتهاء مشروع لجنة “بيل” بل شكل أساساً لتقارير ومشاريع اللجان الدولية وأهمها اللجنة الأنجلو- الأمريكية التي رأسها اللورد موريسون وأصدرت تقريرها في الثلاثين من تموز/ يوليو عام 1946، وتضمن تقسيم فلسطين إلى أربع مناطق هي العربية واليهودية والقدس والنقب وتركت إدارة الأماكن المقدسة لدولة الانتداب[15].
رابعاً: منظمة الأمم المتحدة والقدس:
إنَّ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181/1947 المتضمن تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية و”يهودية” وتدويل القدس قد فجَّر صراعاً تاريخياً مضى على اندلاعه بأشكاله المختلفة ما يقارب الواحد والسبعين عاماً، هذا القرار الذي جاء بناء على التوصية التي تقدمت بها اللجنة التي شكلتها منظمة الأمم المتحدة في عام 1947، والتي زارت فلسطين وقدمت في نهاية زيارتها مشروعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، تضمن الأول تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية و”يهودية” وتدويل القدس وعُرف بمشروع الأكثرية، في حين تضمن الثاني فكرة إقامة دولة اتحادية من حكومتين مستقلتين عربية و”يهودية” أيضاً وتدويل القدس، وقد تبنت الجمعية العامة بالأكثرية المشروع الأول.
وكان صدور قرار التقسيم بترتيب أمريكي بريطاني، بدأبقرار بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين ونقلها القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة لتقرر مستقبلها، استناداً إلى رؤية اللجنة الدولية التي شكلتها الأمم المتحدة في العام 1947، وصدر على إثرها مشروع التقسيم إلى دولتين مع فكرة تدويل القدس، لأنها تحوي أماكن مقدسة للديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلامية على امتداد العالم[16].
وحقيقة الأمر أنَّ موافقة الحركة الصهيونية على قرار التقسيم كان ذو طبيعة تكتيكية مكنتها من الإعلان عن ولادة دولة إسرائيل في الرابع عشر من أيار/مايو 1948، وهو اليوم التالي لانسحاب بريطانيا من فلسطين، وانتزاع اعتراف دولي بشرعيتها وقبولها عضواً في منظمة الأمم المتحدة بموجب قرار الجمعية العامة الصادر بتاريخ الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر من عام 1948.
وقد عجزت منظمة الأمم المتحدة عن تطبيق قرارتها المتعلقة بالقضية الفلسطينية وبقيت حبراً على ورق، ذلك لأنَّ إسرائيل ومن خلال أذرعها المختلفة الممتدة عبر العالم وبخاصة اللوبي الصهيوني الضاغط على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، قد نجحت في كف يد الأمم المتحدة عن القضية الفلسطينية حيث استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض الفيتو لحماية إسرائيل ستون مرة حتى نهاية الحرب الباردة فقط.
وللالتفاف على قضية تدويل القدسفقد قامت إسرائيل بتجميد الجانب الذي يخص هذه القضية في القرار رقم 181/1947، وتحولت للحديث عن “القدس المحتلة” أي الشطر الشرقي من المدينة، وهذا ضمنياً يعني التسليم عملياً بضم الشطر الغربي من القدس لإسرائيل والمطالبة فقط بانسحابها من الشطر الشرقي على أساس أنه جزء من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب حزيران/يونيو من عام 1967، وهذا ما ورد في قراري مجلس الأمن رقمي 242/1967 و338/1973، وهكذا تحولت الأمم المتحدة من الفعل إلى ردة الفعل ودخلت في سبات عميق،والدليل أنها انتظرت حتى العام 1967 لتصدر القرار 242 الذي جاء رداً على حرب إسرائيل في نفس العام على الدول العربية، ثمَّ القرار 338 الذي جاء أيضاً في أعقاب حرب عام 1973[17].
ولا بُدَّ من الإشارة إلى الجدلية التي أثارها القرار 242، إذ تباينت الآراء والاجتهادات بين قائل إنه نص على “انسحاب إسرائيل من أراضٍ محتلة” كما تراه إسرائيل وحلفاؤها معتمدين في ذلك على النص الإنكليزي للقرار، وبين قائل “الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة” كما يراه الطرف العربي وحلفاؤه استناداً إلى النص الفرنسي، وهذا هو التفسير السائد للقرار. بالإضافة للجدلية حول مدى إلزامية هذا القرار إذ ترى إسرائيل ومعها حلفاؤها أنَّ هذا القرار غير ملزم لأنه لم يستند إلى الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة ولا يتضمن سوى مبادئ عامة غير مرتبطة بآليات تنفيذية، في حين يرى الطرف العربي وحلفاؤه أنه قرار ملزم لأنه لم يتطرق في ديباجته إلى الفصل المتخذ بموجبه بمعنى أنه بحكم ما تضمنه من إشارات إلى ميثاق الأمم المتحدة وبنود ذات طبيعة تنفيذية يوحي بأنه يستند إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة[18].
وقد حسمت محكمة العدل الدولية الجدل حول النقطة الخلافية الأولى من القرار 242 وذلك في معرض الفتوى التي قدمتها حول موضوع الجدار العازل الذي بنته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والذي سمح بوضع قبضتها الفعلية على “90%” من أراضي القدس الشرقية، فقد حددت الفتوى أنَّ الأراضي الفلسطينية المحتلة هي تلك الأراضي الواقعة بين الخط الأخضر الذي رسمته اتفاقية الهدنة الموقعة بين إسرائيل والأردن عام 1949 أي “الضفة الغربية والقدس الشرقية وهي بقيت تحت السيادة الأردنية” وحدود فلسطين الشرقية كما حددها الانتداب البريطاني، وهذا ما أعاد الاعتبار لقرار مجلس الأمن رقم 242 والذي ظلت إسرائيل تصر على تأويله بما يُمكّنها من تكريس احتلالها لأجزاء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، بذريعة أنه لا يتحدث عن الأراضي المحتلة بل عن “أراضٍ محتلة” أي النص الإنكليزي للقرار[19].
وكذلك فعند إقرار محكمة العدل الدولية بأنَّ القدس الشرقية هي جزء من الأراضي المحتلة فهذا يعني أنها خاضعة للقوانين الدولية الخاصة بالاحتلال وبالتالي بطلان كل القوانين الإسرائيلية الخاصة بالقدس، مثل “قانون القدس الأساسي” الذي تضمن ضم القدس وإعلانها عاصمة موحدة لإسرائيل، أي بطلان كل القرارات التي تتخذها الدول بالتناغم مع إسرائيل لنقل سفاراتها إلى القدس بصفتها عاصمة للدولة الإسرائيلية.
وتجدر الإشارةإلى أن عملية اتخاذ قرار طلب رأي استشاري من محكمة العدل بشأن الجدار شهدت تجاذبات سياسية واسعة، وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بعرقلة صدور القرار في مجلس الأمن، فلجأت الدول العربية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ونجحت بصعوبة في اتخاذ قرار طلب الاستشارة من محكمة العدل بموافقة تسعين دولة ومعارضة ثماني دول وامتناع أربع وسبعين دولة عن التصويت وصدر حينها القرار “ES-10/14” تاريخ 8/12/2003، وقاطعت إسرائيل جلسات محكمة العدل الدولية الخاصة بمناقشة مدى قانونية قيامها بإنشاء الجدار العازل، إدراكاً منها بحتمية خسارتها للقضية ولعدم وجود ما تدافع فيه عن هذا الجدار، فالقضية بالنسبة لإسرائيل مرتبطة بفكرة الحل من جانب واحد وباغتصاب الأرض بطريقة منفردة، وبتاريخ 9/7/2004 صدرت فتوى محكمة العدل بعدم شرعية الجدار وطالبت بإزالته بموافقة أربعة عشر قاضياً من أصل خمسة عشر وكان الصوت المعارض للقاضي الأمريكي “توماس بورغنتال”، وقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة فتوى محكمة العدل الدولية بشأن الجدار بموجب القرار “ES-10/15” للعام 2004[20].
خامساً: القدس في مفاوضات الحل النهائي:
منذ توقيع اتفاق أوسلو في الثالث عشر من أيلول/سبتمبر عام 1993 فقد تمَّ إرجاء التباحث في قضايا القدس والمستوطنات واللاجئين والانسحاب إلى حدود الرابع من تموز/يونيو عام 1967، إلى ما بعد قيام الدولة الفلسطينية التي كان مقرراً الإعلان عنها حسب الاتفاق في الرابع من أيار /مايو من عام 1999، ولم يشترط الطرف الفلسطيني في الاتفاق إبقاء بعض الأمور على حالها مثل القدس والمستوطنات مما وفر فرصة ذهبية للمحتل الإسرائيلي كي يتوسع في مصادرة الأراضي والاستيطان “على الرغم من عدم مشروعيته” ويصبح قاب قوسين من إنجاز مشروعه “القدس الكبرى” الذي أعلن عنه فيما بعدوأصبح يُعرف بالقدس “2020”.
وشكلت قضية القدس التي تُعتبر جوهر القضية الفلسطينية العملية الأصعب والأكثر تعقيداً في كل عملية التفاوض بين الجانبين، ومن المعلوم أنَّ نضال السلطة الفلسطينية لبناء الدولة ما قبل أوسلو كان من المنفى أي بين عامي “1969-1993” أما بعد أوسلو فقد انتقلت تلك السلطة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة مع بداية العام 1994وفقاً لمخرجات أوسلو.
إنَّ إعلان مبادئ أوسلو لم يكن إعلاناً لاتفاق نهائي، بل كان مجرد اتفاق بين الطرفين يهدف إلى تأجيل البحث في القضايا السياسية الرئيسية المتمثلة بالقدس واللاجئين والاستيطان والترتيبات الأمنية الخاصة بالحدود والتعاون مع دول الجوار، وقد نص الاتفاق على مرحلة انتقالية تمتد خمس سنوات تتضمن مفاوضات وترتيبات انتقالية للوصول لأسلوب تدريجي يشكل جسراً نحو حل القضايا النهائية[21].
أما أبرز المحطات بعد أوسلو فكانت قمة كامب ديفيد الثانية التي عُقدت في صيف عام 2000، وبعد فشل المحادثات النهائية في هذه القمة، عاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات إلى المقر الرئاسي في رام الله، وعمدت حينها الحكومة الإسرائيلية إلى سجنه أو احتجازه هناك حتى وفاته عام 2004، ولم يتغير أي شيء بالنسبة لقضية القدس.
ثمَّ أُطلقت المبادرة العربية للسلام في قمة بيروت عام 2002 وأُعيد التأكيد عليها في جميع القمم العربية اللاحقة، وهي تقوم على مبدأ الأرض مقابل السلام من أجل إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وفيما يتعلق بفلسطين فقد تضمنت المبادرة حصول الفلسطينيين على حقوقهم بتنازل إسرائيل عن احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967 مع الاعتراف بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وحل عادل لقضية اللاجئين، ولكن إسرائيل طلبت شطب بعض بنود هذه المبادرة مثل عودة اللاجئين وموضوع القدس والحدود وطلبت أيضاً أن يتم التطبيع والمصالحة مع إسرائيل قبل أي شيء آخر وهي بالتالي نسفت هذه المبادرة[22].
ثمَّ في فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن أتت خارطة الطريق التي أعدتها اللجنة الرباعية التي تضم كل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والتي أُطلقت عام 2003، وهذه الخطة لا تضع تفاصيل بشأن تسوية نهائية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ولكنها تقترح الطرق الكفيلة لحل المشكلة عن طريق حل الدولتين وأن تكون القدس عاصمة لكلا الدولتين، وهي تتألف من ثلاث مراحل منفصلة تبدأ بوقف العنف وتنتهي بالتفاوض على قضايا الحل النهائي، وقد قبلت إسرائيل بأن تكون القدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين مقابل التنازل عن حق العودة والقبول بمبدأ التعويض وتبادل الأراضي التي لن تنسحب منها إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولكنَّ إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة نقضت العهود ولم تلتزم بمراحل الخطة.
وفي عهد جورج بوش الابن أيضاً كان لقاء أنابوليس، وقد استبقت إسرائيل هذا اللقاء الذي انعقد في السابع والعشرين والثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2007، بتمرير مشروع قانون جديد في الكنسيت يرفع النسبة المطلوبة لإجراء أي تغيير على وضع القدس من الأغلبية البسيطة إلى أغلبية الثلثين، وذلك لأنَّ قرار ضم القدس الشرقية إلى الغربية واعتبارهما معاً العاصمة الأبدية لإسرائيل ينص على أنَّ أي تعديل في وضع القدس لا بد أن يمر في الكنسيت بالأغلبية البسيطة، وبالتالي فإنَّ هذا التعديل الجديد جاء ليصعب أي تعديل في وضع القدس لأنه وببساطة شديدة من الصعب الوصول لأغلبية الثلثين لدى أي اتجاه سياسي إسرائيلي.
أما بالنسبة لمخرجات لقاء أنابوليس فقد تمَّ الاتفاق بخصوص القدس على ما طُرح في قمة كامب ديفيد الثانية عام 2000 بإعادة تقسيمها وفقاً لفكرة أنَّ كل ما هو يهودي فهو لإسرائيل وما هو غير ذلك للفلسطينيين، مع نظام خاص للأماكن المقدسة، ومع ذلك خرجت إسرائيل بعد اللقاء بلاءاتها الثلاث وهي لا لإعادة تقسيم القدس ولا لعودة اللاجئين ولا للعودة إلى حدود الخامس من حزيران/ يونيو عام 1967، أي تهربت من كل مخرجات اللقاء الذي سعى للعودة إلى مباردة “خارطة الطريق” التي تبنتها اللجنة الرباعية أي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة[23].
أما في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما فيمكن القول إنه أول رئيس أمريكي منذ أربعة عقود لم يقدم أي جديد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولم يخرج عن سياسة الإدارات الأمريكية السابقة بل كان منحازاً بشكل كامل إلى الجانب الإسرائيلي بعكس التوقعات التي كانت تشير إلى أنه سيُحدث تغييراً جوهرياً في السياسة الأمريكية عقب توليه الحكم عام 2009، وخصوصاً بعد الخطاب الشهير الذي ألقاه في القاهرة وتوجه فيه إلى كلا العالمين العربي والإسلامي، إنَّ هامش المناورة أمام أي رئيس أمريكي وليس فقط الرئيس أوباما على العموم دائماً ما يكون محدوداً في تغيير موقف الولايات المتحدة الأمريكية تجاه مفاوضات السلام، بل أكثر من ذلك دائماً ما تحاول الولايات المتحدة تبني وجهة النظر الإسرائيلية وتقديمها للعالم على أنها تنازلات، والسبب كما هو معروف مؤسسات وجماعات الضغط الصهيونية على القرار الأمريكي[24].
سادساً: قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وتداعياته:
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السادس من كانون الأول/ ديسمبر من عام 2017 اعتراف إدارته بالقدس عاصمة لإسرائيل وأعلن عن بدء التحضيرات لنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، أي أنه الرئيس الأمريكي الأول الذي اتخذ هذا القرار بعد أن كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتمهل في اتخاذه حماية للمصالح الأمريكية في المنطقة والعالم، علماً أنَّ الكونغرس الأمريكي وبأغلبية الحزبين الجمهور والديمقراطي كان قد قرر في عام 1995 نقل السفارة إلى القدس ابتداءً من عام 1999 ومنح الرؤساء الأمريكيين إمكانية التمهل لمدة ستة أشهر في توقيع القرار النهائي، وهذا ما كان يتم عملياً حتى صدور القرار عن إدارة الرئيس ترامب.
ومن وجهة نظر الولايات المتحدة فإنَّ اتخاذ قرار النقل يجب ألا يمس بقضايا الحل النهائي، كما أنه سيعطيها هامشاً للمناورة مع الحكومة الإسرائيلية اليمينية “حكومة نتنياهو” في حال تمَّ طرح إطار للحل النهائي مع الفلسطينيين، وقد أكد وزير الخارجية الأسبق “ريكس تيلرسون” على هذا الأمر على اعتبار أنَّ القدس لازالت من قضايا التفاوض وفقاً لأوسلو ويمكن تقسيمها إلى شرقية وغربية، ولكن حقيقة الأمر أنَّ هذا القرار يأتي في سياق تبني الولايات المتحدة لوجهة نظر إسرائيل بأنَّ القدس يجب أن تبقى موحدة وعاصمة أبدية لها مع تأجيل التفاوض حولها في أي جهود قادمة أو إمكانية استبعادها بشكل نهائي من التفاوض.
والقرار عملياً يمكن أن يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة ويضعف الرعاية الأمريكية للمفاوضات وربما يفجرها عبر الانجرار إلى موجة جديدة من العنف وهذا ما سيوتر العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، والحقيقة أنَّ أهم دوافع اتخاذ هذا القرار هو إرضاء اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة الأمريكية، إذ من المعلوم مدى انحياز الملياردير اليهودي “شيلدون أديلسون” إلى جانب الرئيس ترامب في حملته الانتخابية، وخصوصاً بعد وعود الأخير بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس، إذ تبرع “أديلسون” بمبلغ عشرين مليون دولار لصالح الحملة.
كما أنَّ الرئيس الأمريكي ترامب حاول عن طريق رفع شعار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس خلال حملته الانتخابية استمالة الناخبين الإنجيليين الذين يمثلون 25% من الناخبين في الولايات المتحدة الأمريكية وهو حصل فعلاً على أصوات 80% منهم[25].
إنَّ نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس هو اعتراف كامل وصريح من قبل الولايات المتحدة بأنَّ المدينة هي عاصمة للدولة الإسرائيلية بكل ما تحمله من قانونية الاحتلال وفرض السيطرة بشكل كامل، وهذا يعني تغيير وضع قانوني قائم بالقوة من قبل دولة عظمى ليست طرفاً مباشراً بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بل كانت راعية للسلام بين الأطراف المتنازعة، وهذا أيضاً مخالف للقانون الدولي وللعديد من القرارات الدولية التي صدرت على مدار أعوام عديدة بخصوص الوضع داخل المدينة، على اعتبار أنَّ القدس الشرقية هي أرض محتلة وأنَّ التسوية النهائية فيها هي رهن بالمفاوضات بين الجانبين، أي أنه مخالف لإجماع المجتمع الدولي حول بطلان احتلال إسرائيل للقدس الشرقية في حزيران/يونيو عام1967.
وبما أنَّ القدس تعتبر جوهر المفاوضات النهائية فإنَّ من شأن القرار الأمريكي أن يؤدي إلى أن تقوم السلطة الفلسطينية بحل نفسها والعودة إلى الكفاح المسلح، وذلك إذا ما شعرت السلطة أنها وصلت إلى طريق مسدود، والسلطة فعلياً هددت بقطع اتصالاتها مع الإدارة الأمريكية وبأنها لن تعترف بها بعد الآن كوسيط محايد في مفاوضات الحل النهائي.
ومن شأن القرار الأمريكي أيضاً أن يعزز دور إسرائيل في المنطقة ويظهرها كقوة سياسية تحظى بتأييد الولايات المتحدة كما سيُظهر قدرة اللوبي الصهيوني على التأثير في القرار الأمريكي بما يخدم مصالح الاحتلال.
والقرار هو تكثيف إتمام فعاليات مشروع تهويد القدس، والقضية الفلسطينية ستصبح على مفترق طرق بين مجتمع دولي لا يملك القدرة على اتخاذ القرار، وبين تحالف صهيوني أمريكي يمارس إجراءات أحادية في تنفيذ مشاريع التهويد والاستيطان، كما سيُدخل الخيار العربي الاستراتيجي الوحيد المتمثل بالحل السلمي والمبادرة العربية للسلام في حالة فراغ سياسي حاد.
سابعاً: القدس وصفقة القرن:
الحديث عن صفقة القرن بدأ فعلياً منذ حوالي العام، إذ تعتزم الإدارة الأمريكية الإعلان عنها في نهاية العام الحالي أو بداية عام 2019 وفقاً لآخر التصريحات، والسبب في ذلك هو انتظار نتائج انتخابات كل من مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين التي انطلقت في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام، ففي حال خسر الجمهوريون الأغلبية في الانتخابات فسيشكل طرح الصفقة والوصول إلى حل منشود للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ورقة هامة في يد الرئيس ترامب يحملها معه لانتخابات الرئاسة القادمة في عام 2020[26].
والحقيقة أنَّ كل ما يتم طرحه عن هذه الصفقة هي عبارة عن تسريبات حتى الآن، ولكن وبناءً على المعطيات في عهد إدارة الرئيس ترامب فإنَّ روح صفقة القرن يقوم على فرض الإملاءات بدلاً من المفاوضات وهذا ما تبين من خلال قيام الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس ودمجها مع القنصلية، ثمَّ إيقاف الدعم السنوي البالغ حوالي “350” مليون دولار عن منظمة الأونروا.
والصفقة هي مقترح وضعته إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال تبني وجهة النظر الإسرائيلية، عن طريق توطين اللاجئين في وطن بديل خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي عملياً إسقاط حق العودة من مفاوضات الحل النهائي، أما بالنسبة للقدس فيمكن القول إنَّ هذا الملف بالتحديد يمثل حجر الزاوية في التفاهمات التي تتضمنها الصفقة، إذ ستعلن هذه الصفقة مدينة القدس عاصمة لدولتين إسرائيلية وفلسطينية، كما ستقترح إقامة دولة فلسطينية على نحو نصف مساحة الضفة الغربية وكامل قطاع غزة وبعض أحياء القدس مثل “بيت حنينا وشعفاط ومخيمه والعيسوية ورأس خميس وكفر عقب وجبل المكبر” مع احتفاظ إسرائيل بالبلدة القديمة والأحياء المحيطة بها مثل “سلوان والشيخ جراح وجبل الزيتون” وتنص الصفقة على نقل الأحياء والضواحي والقرى العربية إلى الجانب الفلسطيني وإقامة ممر فلسطيني إلى المسجد الأقصى، حيث يعتقد الأمريكيون أنَّ إسرائيل بنت مدينة قدس خاصة بها من خلال تطوير مجموعة من القرى وبناء أحياء جديدة، وأنه يمكن للفلسطينيين فعل الشيء ذاته وبناء القدس الفلسطينية التي سيكون مركزها قرية أبو ديس،وهذا تعبير حقيقي عن وجهة نظر إسرائيل واعتراف لاحتلال القدس الشرقية ونسف لمفاوضات أوسلو وقرارات الشرعية الدولية وإجماع المجتمع الدولي.
وبحسب التسريبات أيضاً فإنَّ الصفقة تتضمن أن يتم تعويض الفلسطينيين عن الأراضي التي لن تنسحب منها إسرائيل في الضفة الغربية من سيناء المصرية مقابل حصول مصر على امتيازات واستثمارات وأراضٍ بنفس المساحة من صحراء النقب في فلسطين المحتلة وتحديداً في منطقة “وادي فيران”[27].
ثامناً: القدس وقانون يهودية الدولة الإسرائيلية:
صادق الكنسيت الإسرائيلي على قانون “يهودية الدولة” بتاريخ التاسع عشر من شهر تموز/يوليو من العام الحالي، وهو عملياً أحد قوانين إسرائيل العنصرية أو ما يُعرف بـ”قانون القومية” وقد أتى بعد قرابة الشهرين من نقل الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها إلى القدس.
وهو محاولة لتشريع وجودها من منطلق ديني ويستهدف بالأساس الوجود الفلسطيني لعرب 1948 البالغ عددهم حوالي “1.5” مليون شخص كما يعرضهم للترحيل، ويكمل القانون سرقة ما تبقى من الأرض بغطاء الدين وادعاءات القومية ويهدف لإلغاء الهوية العربية، وهو يشبه إلى حد كبير نظام الفصل العنصري لأنه يمنح اليهود فقط حق تقرير مصير البلاد.
وفيما يخص القدس في هذا القانون فقد نصت المادة الثالثة منه والتي جاءت بعنوان “عاصمة الدولة” على أنَّ القدس الكاملة والموحدة هي عاصمة إسرائيل، وهذا أيضاًتزوير للتاريخ واستمرار إدارة الظهر لكل الاتفاقيات والقرارات الدولية الخاصة بالقدس[28].
خاتمة:
يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية كبيرة من أجل العمل على الوصول لاتفاق سلام عادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مع الإدراك التامأنَّ إنهاء الاحتلال يسبق بناء الدولة، وأنَّ إسرائيل التي التزمت نظرياًبكل المفرزات التي أنتجتها محطات التفاوض بين الطرفين، لم تنفذ عملياً أي شيء على الأرض بل على العكس استمرت في سياستها العدوانية، وخصوصاً بعد انهيار محادثات أوسلو خلال قمة كامب ديفيد الثانية، فقد سعت إسرائيل إلى تدمير جزء كبير من الجهاز الأمني الفلسطيني والبنى التحتية المدنية وتوسعت في الاستيطان وبنت الجدار العازل واستولت على مساحات واسعة من الأراضيوفصلت بشكل تام القدس الشرقية عن الضفة الغربية، أي أنها جعلت من قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية أمراً صعباً جداً، وبالتالي فإنَّ إسرائيل عملت على إخراج قضية القدس من مفاوضات الحل النهائي باتباعها لسياسة التهويد والاستيطان بهدف إزالة أي صفة عربية عن القدس وسلخ هويتها الفلسطينية.
وربما قد بدا واضحاً أنَّ حل الدولتين الذي جرى صياغته لن تطبقه إسرائيل انطلاقاً من مصلحتها أو على الأقل فإنه لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية بالحد الذي قد ترضى به النخب الفلسطينية التي شاركت في اتفاقية أوسلو وما تلاها، وعلى هذا الأساس فإنَّ على المجتمع الدولي إما أن يكون قادراً على فرض إرادته على إسرائيل لتطبيق الاتفاقيات التي جرت صياغتها، أو أن يطرح المجتمع الدولي بالمقابل أفكاراً جديدة جدية يجري مناقشتها فيما يتعلق بحل الدولتين، وعلى رأس هذه القضايا القدس الشرقية، علماً أنَّ الدور الأمريكي تمثلبتقديم الإملاءات والشروط الإسرائيلية إلى العالم بشكل إيجابي باعتبارها تنازلات وتصرفات عقلانية ومواقف مرنة، فضلاً عن أنها تعترف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية للدولة الإسرائيلية من خلال نقل سفارة بلادها إليها أو من خلال مباركتها لقانون “يهودية الدولة الإسرائيلية”، وبالتالي فإنَّ الفرصة أمام قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتطبيق حل الدولتين وفقاً للقرارات الدولية ومخرجات محطات التفاوض بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أصبحت ضعيفة جداً، وستحاول الولايات المتحدة الالتفاف على تلك القرارات بفكرة إنشاء قدس شرقية تكون عاصمة للدولة الفلسطينية انطلاقاً من قرية أبو ديس المجاورة للقدس، وهذا وفقاً لما يتم تداوله عن مبادرة إدارة الرئيس الأمريكي ترامب المتوقع الإعلان عنها نهاية العام الحالي 2018، أو في مطلع العام القادم 2019، وهذه المبادرة في حال أبصرت النور هي رهن بقبول الطرف الفلسطيني والدول العربية.ويستند التأويل الإسرائيلي الحالي كما هو معلوم بالنسبة لحل الدولتين إلى خضوع جميع أراضي ما كان يُسمى “فلسطين الانتدابية” للنفوذ الإسرائيلي، بما في ذلك المجال الجوي والمياه الإقليمية والحدود البرية، كما أنَّ هذا التأويل يشتمل على منح قدر ضئيل من السيادة الفلسطينية ضمن أجزاء من أراضي فلسطين التي لا تقع ضمن مجال الاهتمام الإسرائيلي أي قطاع غزة وأقل من نصف الضفة الغربية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ هذه السيادة محدودة جداً في مضمونها تشبه إلى حد كبير حكومة منزوعة السلاح ليس لها قول فصل في قضايا الدفاع والسياسات الخارجية والمالية.
قائمة المراجع:
أولاً: المراجع العربية:
- تقرير صادر عن وزارة الإعلام الفلسطينية، معالم مدينة القدس، السلطة الوطنية الفلسطينية، رام الله، 2015.
- مجلة عالم الفكر، د. عمرو عبد العزيز منير، القدس بين كتابات الرحالة والأساطير العربية منذ الفتح الإسلامي حتى العهد العثماني، العدد الرابع المجلد38، أبريل-يونيو2010، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
- مجلة دراسات استراتيجية، عبد الغفار نصر، الحركة الصهيونية عبر التاريخ، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، دمشق، العددان 19-20، 2006.
- مجلة عالم الفكر، د. محسن محمد صالح، القدس تحت الاحتلال الصهيوني تهويد المعالم والسكان، العدد الرابع المجلد38، أبريل-يونيو2010، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
- مجلة السياسة الدولية، عبد القادر ياسين، القدس إلى أين، العدد 178، تشرين الأول/أكتوبر 2009، القاهرة.
- مجلة عالم الفكر، د. فاروق صيتان الشناق، القدس في قرارات الشرعية الدولية، العدد الرابع المجلد38، أبريل-يونيو2010، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت.
- مجلة السياسة الدولية، أبو بكر الدسوقي، تهويد القدس خطر إسرائيلي متصاعد، العدد 176، نيسان/أبريل 2009، القاهرة.
- مجلة السياسة الدولية، إيمان شادي، محاولات تهويد القدس، العدد 178، تشرين الأول/أكتوبر 2009، القاهرة.
- مجلة المستقبل العربي، أحمد عوض الرحمون، دحض مقولة “أرض الميعاد” في اللاهوت اليهودي، العدد 390، آب/أغسطس 2011، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
- مجلة السياسة الدولية، د. عماد جاد، ماذا بقي من الصهيونية، العدد 172، نيسان/أبريل 2008، القاهرة.
- د. فتحي الحوشي، التفرقة بين النزاع السياسي والقانوني في القانون الدولي، دار الكتب القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2009.
- مجلة السياسة الدولية، د. حسن أبو طالب، المبادرة العربية للسلام بين السكون والحركة، العدد 169، تموز/يوليو 2007، القاهرة.
- مجلة السياسة الدولية، د. عماد جاد، إسرائيل ولقاء أنابوليس العودة إلى خارطة الطريق، العدد 171 يناير/كانون الثاني، 2008، القاهرة.
- مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، د. صلاح مصلح أبو ختلة، سياسة الرئيس أوباما تجاه القضية الفلسطينية 2009-2012، العدد السادس والثلاثون”1″، حزيران/يونيو 2015.
- تقرير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تطورات صفقة القرن ومساراتها المحتملة، بيروت، 2018.
- راجع الرابط: https://www.palinfo.com/240902، قانون يهودية الدولة القصة الكاملة، محمود بريص، المركز الفلسطيني للإعلام، تمت الزيارة بتاريخ: 6/11/2018.
ثانياً: المراجع الإنكليزية:
- United Nations Report, The Question of Palestine and the United Nations, New York, 2008.
- Tal Becker, the Claim for Recognition of Israel as a Jewish State, the Washington Institute for Near East Policy, Washington, 2011.
- Eli E.Hertz, Mandate for Palestine, Myths and facts, United State of America, 2008.
- Lian Goldenberg, Lessons from the 2013-2014 Israeli-Palestinian Final Status Negotiations, Center for a New American Security, 2015.
- Middle East Brief, Shai Feldman, Khalil shikaki, Trump’s Jerusalem Declaration and Ultimate Deal, vol.114, January 2018, Crown Center for Middle East Studies, Brandies University, Waltham.
[1]– تقرير صادر عن وزارة الإعلام الفلسطينية، معالم مدينة القدس، السلطة الوطنية الفلسطينية، رام الله، 2015، ص6.
[2]– فيما يتعلق بتسامح الأديان وعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن التوقف عند الرؤية الإسلامية العميقة للقدس بصفتها مدينة مفتوحة للجميع لممارسة الطقوس الدينية والإقامة فيها والحج إليها، فقد خص هارون الرشيد الخليفة العباسي بين عامي “786-809م” نصارى القدس بالتسامح والرعاية وسمح لشارلمان الإمبراطور الروماني بين عامي”768-814م” بترميم كنائس القدس وتبادل البعثات والهدايا معه وتعهد له بحماية الحجاج المسيحين القادمين للقدس وأرسل له مفاتيح كنسية القيامة. وعند التوقيع على معاهدة تسليم القدس للفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي ألح بطريرك القدس آنذاك صفرونيوس على الخليفة عمر بن الخطابأن يمنع اليهود من دخول القدس فأجابه قائلاً إنَّ ديننا لا يسمح بذلك.
[3]– مجلة عالم الفكر، د. عمرو عبد العزيز منير، القدس بين كتابات الرحالة والأساطير العربية منذ الفتح الإسلامي حتى العهد العثماني، العدد الرابع المجلد38، أبريل-يونيو2010، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص54-55.
[4]– مجلة دراسات استراتيجية، عبد الغفار نصر، الحركة الصهيونية عبر التاريخ، مركز الدراسات والبحوث الاستراتيجية، دمشق، العددان 19-20، 2006، ص301.
[5]– مجلة عالم الفكر، د. محسن محمد صالح، القدس تحت الاحتلال الصهيوني تهويد المعالم والسكان، العدد الرابع المجلد38، أبريل-يونيو2010، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص165.
[6]– مجلة السياسة الدولية،عبد القادر ياسين، القدس إلى أين، العدد 178، تشرين الأول/أكتوبر 2009، القاهرة، ص 176. وعلى الرغم من ذلك فقد صدرت عدة قرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ترفض ضم القدس الشرقية للكيان الإسرائيلي، كالقرارين “2253” و”2254″ لعام 1967 والقرارات “27” و”196″ و”207″ لعام 1980، كما صدر عدة قرارات عن مجلس الأمن كالقرارين “476 و 478” لعام 1980، كما أنَّ اتفاقية لاهاي لعام 1907 لا تجيز للدولة المحتلة مصادرة الأملاك الخاصة بحسب نص المادة “56” منها، وكذلك معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب حظرت في المادة “49” منها على نقل سلطات الاحتلال مواطنيها إلى الأراضي التي احتلتها أو القيام بأي إجراء يؤدي إلى تغيير ديموغرافي فيها، كما نصت المادة “53” من ذات المعاهدة على عدم تدمير الملكية الشخصية التابعة لأي سلطة في البلد المحتل، راجع:
United Nations Report, The Question of Palestine and the United Nations, New York, 2008, p.p111-113.
[7]– مجلة عالم الفكر، د. فاروق صيتان الشناق، القدس في قرارات الشرعية الدولية، العدد الرابع المجلد38، أبريل-يونيو2010، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ص240.
[8]– مجلة السياسة الدولية، أبو بكر الدسوقي، تهويد القدس خطر إسرائيلي متصاعد،العدد 176، نيسان/أبريل 2009، القاهرة، ص149.
[9]– مجلة السياسة الدولية، إيمان شادي، محاولات تهويد القدس، العدد 178، تشرين الأول/أكتوبر 2009، القاهرة، ص 181.
[10]– مجلة المستقبل العربي، أحمد عوض الرحمون، دحض مقولة “أرض الميعاد” في اللاهوت اليهودي، العدد 390، آب/أغسطس 2011، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص72-74.
[11]– Tal Becker, The Claim for Recognition of Israel as a Jewish State, The Washington Institute for Near East Policy, Washington, 2011, p.p18-23.
[12]– مجلة السياسة الدولية، د. عماد جاد، ماذا بقي من الصهيونية، العدد 172، نيسان/أبريل 2008، القاهرة، ص95-96.
[13]– Eli E.Hertz, Mandate for Palestine, Myths and facts, United State of America, 2008, p.p9-10.
[14]– مجلة عالم الفكر، د. فاروق صيتان الشناق، القدس في قرارات الشرعية الدولية، مرجع سبق ذكره، ص 246-252.
[15]– United Nations Report, The Question of Palestine and the United Nations, op.cit, p.p7-15.
[16]– Eli E.Hertz, Mandate for Palestine, op.cit, p37.
[17]– United Nations Report, The Question of Palestine and the United Nations, op.cit, p.p22-23.
[18]-مجلة عالم الفكر، د. فاروق صيتان الشناق، القدس في قرارات الشرعية الدولية، مرجع سبق ذكره، ص254-256.
[19]– مجلة السياسة الدولية، عبد القادر ياسين، القدس إلى أين، مرجع سبق ذكره، ص176.
[20]– د. فتحي الحوشي، التفرقة بين النزاع السياسي والقانوني في القانون الدولي، دار الكتب القانونية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2009، ص 301-308.
[21]– Lian Goldenberg, Lessons from the 2013-2014 Israeli-Palestinian Final Status Negotiations, Center for a New American Security, 2015, p.p5-7.
[22]– مجلة السياسة الدولية، د. حسن أبو طالب، المبادرة العربية للسلام بين السكون والحركة، العدد169، تموز/يوليو 2007، القاهرة، ص32.
[23]– مجلة السياسة الدولية، د. عماد جاد، إسرائيل ولقاء أنابوليس العودة إلى خارطة الطريق، العدد 171 يناير/كانون الثاني، 2008، القاهرة، ص104-106.
[24]– مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، د. صلاح مصلح أبو ختلة، سياسة الرئيس أوباما تجاه القضية الفلسطينية 2009-2012، العدد السادس والثلاثون”1″، حزيران/يونيو 2015، ص241.
[25]– Middle East Brief, Shai Feldman, Khalil shikaki, Trump’s Jerusalem Declaration and Ultimate Deal, vol.114, January 2018, Crown Center for Middle East Studies, Brandies University, Waltham, p.p2-6.
[26]– وهذا ما حصل فعلياً وبحسب ما كان متوقعاً فقد أسفرت الانتخابات البرلمانية الأمريكية النصفية عن خسارة الحزب الجمهوري للأغلبية في مجلس النواب لصالح الحزب الديمقراطي، إذ تراجعت مقاعد الجمهوريين من “240” مقعداً إلى “213” فيما ازدادت مقاعد الحزب الديمقراطي من “195” مقعداً إلى “222”، في حين حافظ الحزب الجمهوري على الأغلبية داخل مجلس الشيوخ.
[27]– تقرير مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تطورات صفقة القرن ومساراتها المحتملة، بيروت، 2018، ص2-7.
[28]– راجع الرابط: https://www.palinfo.com/240902، قانون يهودية الدولة القصة الكاملة، محمود بريص، المركز الفلسطيني للإعلام، تمت الزيارة بتاريخ 6/11/2018.