
التّسامح : المصطلح، المبدأ في الإسلام و الديانات الأخرى
د. وريدة دالي خيلية/جامعة الجزائر3
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد 44 الصفحة 89.
ملخّص:
التسامح، من الكلمات الجميلة الراقية، تذكر في كل المنتديات المحلية والعالمية، ويدعى للتسامح في كل المنابر والمساجد ماضياً وحاضرا، وتقام له الملتقيات والبرامج، وتتناقل موضوعه وسائل الإعلام السمعية البصرية.
والتسامح هو رغبة كل إنسان في وقتنا الحالي، من أجل الارتقاء بقيمه الإنسانية التي تتراجع لتقترب من السلوكات البربرية في أعلى مستوياتها.
التسامح يحظى باهتمام كل المنظمات الدولية من خلال المواثيق والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتدعوا إلى تشجيع التبادل الثقافات بين الشعوب والتسامح بينها.
كما أن المنظمات الدولية تركز على التعصب أكثر من التسامح، وتعتبره سببا رئيسيا في نشوب الحروب، وسببا في الاضطهاد الديني وسببا في المواجهات الأيديولوجية العنيفة. التّسامح هو أحد المبادئ الإنسانية والدينية، كما يمثل فضـيلة مدنيـة وضـرورة سياسـية وأخلاقيـة واجتماعيـة، خاصـة في المجتمعـات ذات التنـوع السياسـي، الـديني، الطائفي القـومي. ولا يعد وجود التسامح ضرورة لازمة للمجتمعات التي تعـاني من نزاعات أو صراعات فحسب، بل أن وجوده ضرورة لازمـة لكل المجتمعات حتى في أوقات السلم. فخلـو المجتمـع مـن التسـامح، يعـني معاناتـه مـن حالـة دائمـة مـن العنـف والحـروب الأهليـة والخارجيـة، بمـا لا يـدع هذا المجتمـع وحضـارته يستقران ويزدهران ويستمران لولا إتباعهما التسامح بأنواعه المختلفة، طالما أن تلك المجتمعات والحضارات، لا تخلو من التنوعات المختلفة، ولا تعيش في عالم من لون واحد ولا شكل واحد.
الكلمات المفتاحية : التسامح ، المصطلح، السلام.
مقدمة :
التّسامح هو أحد المبادئ الإنسانية والدينية، كما يمثل فضـيلة مدنيـة وضـرورة سياسـية وأخلاقيـة واجتماعيـة، خاصـة في المجتمعـات ذات التنـوع السياسـي، الـديني، الطائفي القـومي. ولا يعد وجود التسامح ضرورة لازمة للمجتمعات التي تعـاني من نزاعات أو صراعات فحسب، بل أن وجوده ضرورة لازمـة لكل المجتمعات حتى في أوقات السلم. فخلـو المجتمـع مـن التسـامح، يعـني معاناتـه مـن حالـة دائمـة مـن العنـف والحـروب الأهليـة والخارجيـة، بمـا لا يـدع هذا المجتمـع وحضـارته يستقران ويزدهران ويستمران، لولا إتباعهما التسامح بأنواعه المختلفة، طالما أن تلك المجتمعات والحضارات، لا تخلو من التنوعات المختلفة، ولا تعيش في عالم من لون واحد ولا شكل واحد.
تبلور مفهوم التسامح ومضـمونا وتطبيقا في عصرنا، بشكل أكثر وضوحا ونضجا في الفكر الإنساني الحديث والمعاصر.
إشكالية الدراسة: تطرح إشكالية الدراسة مدى الاختلاف والتوافق في تحديد التسامح كمصطلح و كمبدأ في الإسلام و في بعض الحضارات و الديانات.
ماهيـة التسـامح:
المعنى اللغوي والاصطلاحي للتسامح:
المعنى الغربي للتسامح:
تشتق كلمة التسامح Tolérance في الانكليزية من الكلمتين اللاتينيتين Tolere أي يعاني ويقاسي، و Tolerantia وتعني لغوياً التساهل. [1]
وتستخدم Tolérance في اللغة الانكليزية بمعنى استعداد المرء لتحمل معتقدات وممارساتK وعادات تختلف عما يعتقد به، وتعني أيضا فعل التسامح نفسه، وتشير Tolérassions بدرجة أكبر إلى التسامح الديني، أي السماح بوجود الآراء الدينية وأشكال العبادة المتناقضة أو المختلفة مـع المعتقـد السـائد.[2]و كلمةTolérableصفة تعني: محتمل أو ممكن احتماله.
ويشير قاموس أكسفورد إلى أن: [3]
- Tolerance تعني الاستجابة أو الموافقة على الآراء أو السلوك الذي لا توافقه أو تحبه.
- Tolerant تعني إمكانية قبول آراء وسلوك الأفراد غير المتوافقين معهم.
- Tolerable تعني الموافقة وتحمل الأفكار والمعتقدات البغيضة أو غير المستحبة لنا المكروهة.
- Tolerate تعني السماح للأفعال التي لا نوافقها، بالتعايش معها لكن لا نشجعها.
- Toleration تعني السماح للآراء والأفعال غير المرغوبة بالحدوث والاستمرار.
ويرى “بيتر.ب. نيكولسون” أن اللغة الانكليزية تحوي على المفردة Toleration التي تستخدم فيها لوصف المبدأ المعلن القائل: بأن علـى المـرء أن يكـون متسـامحاً وتعـني في الاسـتعمال العـادي فعـل ممارسـة التسـامح بالضـبط، أو الميـل إلى أن يكـون المرء متسامحاً وتسـتخدم كلمـة Tolerance لوصـف فعـل التسـامح أو ممارسـته، ووجـدت قبـل أن توجـد كلمة Toleration، وكـل هذه المفردات مشتقة من الفعل Tolerateونعت Tolerant والفاعل Tolerato.[4]
فكلمة Tolerationمشتقة من الجذر اللاتيني tolérer الذي يعني التحمل أو المعاناة أو محاولة التعايش مع ما هو غير محبوب، أو غير مرغوب فيه، و نضطر على التعامل معه بإيجابية مجيرين على ذلك.
ويفرق “محمد أركون” بين مفردة إباحـة التسامح Tolerationالتي تعني طبقاً لقاموس “ويبستر” إبداء تفهم أو تساهل إزاء معتقدات أو ممارسات، تختلف أو تتعارض مع معتقـدات الـذات أو ممارستها، والقبول بالحياد عن معـايير معينة.
وتعني كلمة Tolérance السياسة التي تنتهجها حكومة ما، وتبيح بموجبها ممارسة معتقدات دينية، وعبادات غير معتمدة رسمي.
ويشير قاموس “ليتره” الفرنسي في القرن التاسـع عشـر إلى الأصـل الفلسـفي لهـذه التعبير في تعـارض آراء معينـة مـع آرائنـا.[5]
وعلـى الرغم مـن اخـتلاف المفـردتين، مـن حيث أصلهما اللاتيني أو الانجليـزي إلا إنهما تحملان نفس المعنى، أي (التحمل والتعايش) مع أشياء غير محببة لنا أو غير مقبولة ، وتحملنا نتيجة لذلك، شيئاً سلبياً لا نتوافق معه،[6]وأن تحملنا هذا وصبرنا علـى الآخـرين مـن أجـل التعـايش معهـم.[7]
وفي ضـوء ما تقدم فـإن كلمة التسامح، تعني في اللغات الغربية القبول والتساهل وتحمّل الآراء والأفكار والمعتقدات المختلفة عن آرائنا وأفكارنا ومعتقداتنا.
المعنى العربي للتسامح:
أما الجذر العربي لمعنى كلمة التسامح في اللغة العربية، فيحتوي على فكرة المرونة، وفكرة التساهل في خلاف من الخلافات، بل والتنازل لشخص من الأشخاص، عن رأي أو أحقية أو شيء كتعبير عن التهذيب، والأخلاقية الايجابية في التعامل معه.
ويقـول قـاموس “المـورد” أن هـذه الكلمة تعني:[8]
- تشتق كلمة التسامح Toleranceفي الانجليزية من الكلمتين اللاتينيتين Tolere أي يعاني ويقاسي.
- Tolerantia وتعني لغوياً التساهل..
وتستخدم Tolerance في اللغة الانجليزية بمعنى استعداد المرء لتحمل معتقدات وممارسات وعادات تختلف عما يعتقد به، وتعني أيضا فعل التسامح نفسه، وتشير Toleration بدرجة أكبر إلى التسامح الديني أي السماح بوجود الآراء الدينية وأشكال العبادة المتناقضة أو المختلفة مـع المعتقـد السـائد.[9]
يختلف معنى التسامح في اللغة العربية عن معناه في اللغات الأجنبية، فقد جاء في قاموس لسان العرب أن السماح والسماحة: الجود، سمح سماحة وسموحة وسماحاً.[10]
والمسـامحة: المسـاهلة، وتسـامحوا: تسـاهلوا، وفي الحـديث الشـريف: يقـول اﷲ عز وجل: اسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبادي، والإسماح لغة في السماح بمعنى جاد وأعطى من كرم وسخاء.[11]
ثانيا. المعنى الاصطلاحي للتسامح:
رغم اخـتلاف الذي لمسناه بين المفهـوم اللغـوي للتسـامح عربيـا وغربيـاً، لكن أغلب البـاحثين والكتـاب العـرب المعاصـرين، لا يأخذون بمعاني التسامح ودلالاتـه اللغويـة العربيـة مفضلين العمل بالرؤيـة الغربيـة الـتي تتجـاوز المعـنى اللغـوي الأصلي للكلمة.
تطور مفهوم التسامح إلى أن أصـبح يتضـمن -اصـطلاحياً- عنصـرين أساسـيين:
أ-الحـق أيحـق الفـرد أو الجماعة في الاختلاف
ب-الواجـب: واجب الفرد أو الجماعـة في احـترام حـق الغـير في الاخـتلاف
وقـد جـاء في قـاموس لتسـدلر 1745م أن: التسـامح “لـيس شـيئاً آخـر غـير أن يحـاول المـرء التعامـل مـع الآخـر بـروح سـلمية، وأن لا يمنـع أحداً غيره من حقوقه الطبيعية، وأن يتولى المرء بكل لطف دحض الآراء الخاطئة التي تقـال على منابر الوعظ، والتي يكتبها القائمون على هذه المنابر، وأن يجتهد المرء بكـل تواضـع، ويحتمـل لتعلـيم غـيره مـا هـو أفضـل.[12]
وعرفت الموسوعة البريطانية التسامح بأنه: السماح بحرية العقل أو عدم الحكم على الآخرين[13]. ويكشف هـذا التعريـف عـن إحدى السمات العامة للتسامح وهي الحرية ولكن ليس المطلقة التي تولد التعصب..
ويُعرف التسامح اصطلاحاً كذلك على أنه: “رؤية متفهمة أو متحررة فكرياً، حيال العقائد والممارسات المغايرة أو المضادة، لعقائد الشخص المتسامح وممارساته، ويأخذ مصطلح التسامح عند الصليبيين معانيٍ عدة منها:
الأول: تحمل المرء بلا اعتراض، كل اعتداء على حقوقه الدقيقة، بالرغم من قدرته على دفعه.
الثاني: احترام حرية الإنسان في التعبير عن آرائه ولو كانت مضادة لأرائك.
الثالث: هو أن يحترم المرء آراء غيره، لاعتقاده إنها محاولة للتعبير عن جانب من جوانب الحقيقة الرابع: التسامح هو قبول طرق تفكير الآخر، وطرق حياته مختلفة عما لديه هو من طرق تفكير وحياة.
لو تحققت هذه المعاني، لأصبح مبدأ التسامح مبدأً توافقيا،ً الغرض منه ليس الأخذ بالممنوعات ولكن الوصول إلى التوافقات.
كما يقدم “ اندريه لالاند“[14] André Lalandeعدة تعريفات لمفهوم التسامح منها:
- التسامح هو”استعداد عقلي أو قاعدة سلوكية قوامها ترك حرية التعبير عن الرأي لكل فرد حتى ولو كنا لا نشاطره الرأي”.
- التسامح هو “احترام ودي لآراء الآخر، وذلك باعتبارها مساهمة في الحقيقة الشاملة ويأتي هذا المعنى، مع الاعتراف بأن أي طرف من أطراف التعامل(الفردي أو الجمعي) لا يمتلك الحقيقة المطلقة، وإنما يمكن أن يكون جزءاً منها، وهو مع الآخر يعد تكميلي أو يمتلك جزءاً آخر منها”.
عموما، التسامح هو الموقف الايجابيالمتفهم للعقائد والأفكار، يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة على أساس شرعية الآخر سياسيا ودينياً، وعليه فـالتسامح هو امتزاج بين الفكر والأخلاق، وتعبير عن موقف فكري من جهة، وموقف أخلاقي من جهة أخرى.
أ-الموقف الأخلاقي: يحدد طريقة التعامل، مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى العمل.
ب-والموقف فكري: يحدد طريقة التعامل مع المفاهيم والأفكار المغايرة على مستوى النظر
عندما يصبح للتسامح كل القوة والفاعلية والتجلي، يتحول إلى موقف إنساني ثابت، والتزام أخلاقي راسخ، ومصدرا للاستلهام.
فالحكمة تتغلب على التعصب والتسامح هو حكمة
ولمنطق يتغلب على العنف والتسامح هو منطق
والشجاعة تتغلب على التهور والتسامح هو شجاعة
والحرية تتغلب على التكفير والتسامح هو حرية.
بهذا الإدراك ينبغي أن نتعامل مع التسامح ومنه، أي من فكرة الترابط بين الفكر والسلوك كمنظومة تكاملية لمعنى التسامح، ليتبين ان التسامح هو” استعداد نفسي وسلوك ناتج عن هذا الاستعداد، لتفهم آراء ومواقف الآخرين المغايرين لنا في الاعتقاد والتصرف.
من خلال البحث في مفهوم التسامح ومعانيه، توصلنا إلى ملاحظات مهمة ينبغي عرضها: أولا: التساهل -في رأينا- لا يراد معنى التسامح، لأن التساهل يعني: أن تترك الآخر لشأنهم دون الاكتراث له، أو الاهتمام به، ألا يعني هذا تخليا وتملصا؟
ثانياً:التحمل لا يتوافق مع التسامح أيضا، لأنه يقيم حدود بين الطرفين: الذات والآخر والتسامح تعامل على أساس أن الإنسان يجب أن يمارس علاقته بالآخر، من خلال عدم زعمه أنه يمتلك كل الحقيقة المطلقة، أو أن يتفرد بامتلاكها.
فالتحمل يرادف امتلاكية الحق بالنسبة للذات، والتعامل مع الآخر على انه لا يمتلكه، ولكنه يتحمله بالرغم من ذلك، أما مع التسامح فأمر مختلف، إذ انه يقوم على افتراض تعددية امتلاك الحقيقة أو عدم الجزم بامتلاكها بالنسبة لطرف على حساب الآخر
ثالثاً: هنالك تقاطع واشتراك بين التسامح والاعتراف بحقوق الآخرين، والاعتراف بهم أولا وما يفهم من معنى التسامح هو اللين في تقبل الآخر على جميع مستوياته الوجودية والفكرية والسلوكية، وأسوأ ما يمكن أن يتصور هو أن لا نتسامح في وجود الآخر = الإنسان، وذلك عادة ما يتم عبر الانتماء لدائرة دينية ضيقة الفهم، تتخذ من ترسانة التعصب درعاً لها، ومن التخلف منهجاً داعما لها، التي ترى نفسها هي من يستحق الوجود، ومن يحمل الفكر السليم فالتسامح يبنى على فكرة (تقبل الاختلاف) و(التعددية)
التسامح ليس منة أو هبة يتفضل بها أحد على غيره، أنه حق تنتزعه المجتمعات، حينما تنخرط بفعالية الاختلاف متعدد المستويات والمعاني، وعلى الأساس نفسه من الاختلاف والتنوع، فـإننا كبشر لا نمتلك الحقيقة المطلقة، وإنما هي موزعة بين البشر، وتحتاج إلى إنصات وتواصل مستمر بينهم.
وتكمن فكرة التسامح في قبول اعتبار الآخر صاحب حق كامل في أن يكون مختلفاً و كل عملية تسامح تقود إلى الاعتراف بحق الآخر أن يعتقد، وان يقول، وان يفعل، ما يوازي أو يلائم هذا الاعتراف.
ويرى “جون لوك” أن عدم التسامح ورفض الآخر المختلف والمغاير، يؤدي الحروب والنزاعات. فـــ” الاختلاف من طبيعة البشر، ومن مقتضيات العقل، ومن ضروراته الاجتماع. قال الله تعالى: “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ“(118/ سورة هود)، وقوله تعالى: “وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ“(99/ سورة يونس).
الاختلاف هو مشهد من مشاهد الحياة اليومية، لذلك نحتاج إلى التسامح، لكي لا يتحول الاختلاف إلى تباعد بين النفوس، وزرع الأحقاد، والنزاعات، لابد من التسامح حتى يصبح الاختلاف رحمة بين الناس، ويضفي على حياة الناس متعة العيش.
إذ إن إشاعة أجواء السلم والتسامح، والقبول بالآخر وجوداً ورأياً، هي السلاح الفعال في القضاء على ظاهرة العنف البشري. وعليه يجب الانتقال من فكرة الاختلاف الذي يقتضي العنف من خلال تفعيل مفهوم التسامح بشكل عملي إلى جعله مشروعا للتعارف والاعتراف الاختلاف ليس سبباً للجفاء والتباعد والتباين في وجهات النظر، لا يلغي الجوامع المشتركة بين بني الإنسان، وتعدد الاجتهادات ليس مدعاة للنبذ والنفي، وإنما كل هذا يؤسس للانخراط في مشروع التعارف والفهم المتبادل.
التّسامح مفهوم يعني العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر والسُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية، والتّسامح كمفهوم أخلاقيّ اجتماعيّ دعا إليه كافّة الرّسل والأنبياء والمصلحين؛ لما له من دور وأهميّة كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن، وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصّراعات بين الأفراد والجماعات، والتّسامح يعني احترام ثقافة وعقيدة وقيم الآخرين، وهو ركيزة أساسيّة لحقوق الإنسان، والديمقراطية والعدل، والحريات الإنسانيّة العامة.
المفهوم الاصطلاحي الحديث:
التسامح لا يعني اللامبـالاة وعـدم الاكـتراث، الـدالين على تجاهـل الآخر وإهماله، واتخاذ موقف سلبي منه، بل يعني موقفا ذا طابع إيجابي,[15]
اعتمد المؤتمر العام لمنظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) في دورته الثامنة والعشرون في باريس سنة 1995 تعريفاً شاملاً للتسامح، تضمنه الإعلان الذي أصدرته المنظمة ووضحته ضمن عدة مواد:
المادة الأولى:
- احترام وقبول التنوع والاختلاف عبر الانفتاح والمعرفة وحرية الفكر والضمير والمعتقدات، والتسامح ليس أخلاقيا فقط بل سياسي وقانوني، وهو فضيلة تسهم في إحلال ثقافة السلم محل ثقافة الحرب.
- التسـامح لا يعـني التسـاهل والتنـازل، بـل هـو اتخـاذ موقـف ايجـابي يُقـر بحـق الآخـر في التمتـع بحقوقـه، وهـو ممارسـة يجـب على الدول والجماعات والأفراد الأخذ به.
- التسامح مسؤولية تشـكل عمـاد حقـوق الإنسـان والتعدديـة بمـا فيهـا التعدديـة الثقافيـة والديمقراطيـة وحكـم القـانون، وينطـوي التسامح على نبذ الاستبداد والدوغماتية، ويثبت المعايير التي تنصب عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.
- التسامح لا يعني قبول الظلم الاجتماعي أو تخلي الفرد عن معتقداته والتهاون بها، بـل يعـني تمسـكه بمعتقداتـه وقبولـه تمسـك الآخرين بمعتقداتهم وهو إقرار بحق الفرد في العيش بسلام.
المادة الثانية: تحث على دور الدولة في نشر التسامح عبر الأخذ بالمواثيق والتشريعات الدولية، وتشـريع القـوانين الداخليـة بموجـب مبـادئ العدل والمساواة، وعدم تهميش كافة الفئات المستضعفة.
المادة الثالثة: توضح الأبعاد الاجتماعية للتسامح والتي تؤكد على البحوث والدراسات العلميـة ودور الـتعلم والصـحافة والإعـلام في نشـر التسـامح، وضـرورته للعـالم، بعـد أن أصـبح أكثـر انـدماجاً بفعل العولمة.
المادة الرابعة: أكدت على أهمية التعليم، وتشجيع المناهج الدراسية على تعليم حقـوق الإنسـان ومعرفـة أسـباب العنـف والخوف من الآخر و اللاتسامح.
المـادة الخامسة: نصت على الالتزام بالعمل عبر مجـالات التربية والتعليم والثقافة والاتصال المادة السادسة: حددت يوم السادس عشر من تشرين الثاني من كل عام للاحتفال به كيوم عالمي للتسامح، واتخاذ الترتيبات اللازمة لنشره بكل اللغات,
ويحدد محمد عابد الجابري المعنى الاصطلاحي الحديث للتسامح، بأنه لا يعني أن يتخلى المرء عن قناعته، ولا أن يكـف عن إظهارها والدفاع عنها والدعوة لها، بل يعني الامتناع عن استعمال أية وسيلة من وسائل العنف والتجريح، أي التسامح هو احـترام الآراء وليس فرضها.[16]
أي أن التسامح يعني: احترام الحق في الاختلاف، والحق في التعبير الديمقراطي، والقدرة على تحمل الرأي الآخر، والصبر على أشياء لا يحبها الإنسان ولا يرغب فيها، و أبعد من ذلك قد يصبر على ما يعتبره مناقضة لمنظومته الفكرية والأخلاقية.
أي أن نعيش نحن والآخرون في عـالم واحـد يضمنا رغم اختلافاتنـا، ويتجلى ذلك في الاستعداد لتقبل وجهات النظر المختلفة، في السـلوك والـرأي رغم عدم موافقـتنا عليهـا.
ويعرف محمد أركون التسامح بأنه: الاعتراف للفرد المـواطن بحقـه في أن يعبر داخل الفضاء المدني عن كل الأفكار السياسية والدينية الفلسفية التي يريدها ولا أحد يستطيع أن يعاقبه علـى آرائـه إلا إذا حاول فرضها بالقوة والعنف علـى الآخـرين[17]
ويعـرف ماجـد الغرباوي التسـامح بأنه: موقـف ايجـابي متفهم مـن العقائد والأفكـار، يسـمح بتعايش الـرؤى والاتجاهات المختلفة بعيداً عن الاحتراب والإقصاء على أساس شرعية الآخر المختلف سياسياً، دينياً،….وحرية التعبير عن آرائه وعقيدته[18]
وعليه فإن التسامح يعني قبول واحترام وتقدير التنوع الثري لثقافات عالمنا، وأنماطه التعبيرية المختلفة، وطرق تحقيق كينونتنـا الإنسـانية، فهـو تناسق في الاخـتلاف، وهـو ليس واجـب أخلاقـي فقـط، بل وواجـب سياسـي وحقوقي أيضـا، وهـو فضيلة تعمـل على إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب، وهو ليس مجرد إقرار، ولا مجرد تنازل أو
تجاوز، بل هو موقف فعال مدعوم بالاعتراف بـالحقوق العالميـة للإنسـان، والحريـات الأساسـية للآخـرين.[19]
لـذلك لا يتحقـق التسـامح إلا بـاحترام حريـة الآخـر، وطـرق تفكـيره وسلوكه، وآرائه السياسية والدينية. لأن الفكر نفسه يتم التعبير عنه في الواقع، عبر ممارسات وسلوكيات تتعلق بإقرار حرية المعتقد للإنسان الفرد والآخرين، وتفعيل التباين في الرأي والثقافـة والفكـر والمعرفة
خلاصة القول، أن التسامح يعني:
- الاعتراف بالآخر واحترام حقوقه ومصالحه.
- تكريس مبدأ الحوار مع الآخر بدلا من العنف والإكراه.
- تحريـر الإنسان من دوافع الثأر والشر، ومنحـه الحريـة والقدرة على الإصلاح في الحاضر، والتطلع المتفائل إلى المستقبل.
- تجسيد قيم المواطنة وتعزيز للهوية الوطنية.
أنواع التسامح:
يمكن تصنيف التسامح من حيث أنواعه إلى:
1-أنواع التسامح من حيث طبيعته:
ميز “جون لوك” بين نوعين من التسامح:
أ-تسامح شكلي (مظهري) : التسـامح الشـكلي، هـو أن تـترك المعتقـدات والشعائر الدينية أو المذهبية الأخرى وشأنها، ونقيضـه هـو إرغـام أصـحاب تلـك المعتقـدات الأخـرى (غـير الـدين أو المـذهب الرسمـي أو السائد) على الخضوع لهيئـة دينية في الدولة أو الكنيسة. ويكون التسامح شكليا (مظهريـاً ) حين يعتقد رجال السلطة والسياسة، ويتصرفون على أساس امتلاكهم الحقيقة لوحدهم ، والآخرين أتباع باطل لكـنهم يصـبرون علـيهم اضـطرارا.[20]
ب-تسامح موضـوعي (جـوهري): أما التسامح الموضوعي، فلا يقتصر على مجرد ترك الأديان والمذاهب الأخـرى، وعقائـدها وشـعائرها وشـأنها، بـل هـو أساسـاً اعـتراف ايجـابي بأنها عقائـد دينيـة أو مذهبيـة ممكنـة لعبـادة ﷲ[21].
ويتحقق التسامح الموضوعي (الجوهري) بالاعتراف بحقوق الإنسان عن اقتناع، وإيمان حقيقيين، وتأكيد النصوص الدستورية أو ما هو بمسـتواها، علـى ايجابيـة الاخـتلاف في الأمـور السياسـية، الثقافيـة.. والاحترام الحقيقـي ولـيس المؤقـت المصـلحي الـذي يـرتبط بمصلحة سياسية معينة ويزول بزوالها.[22]
ويقدم “محمود حمدي زقزوق” تصنيفا ممـاثلا لأنـواع التسـامح مـن حيـث طبيعتـه لكنـه يطلق عليها:
- التسـامح الايجابي: التسامح الايجابي هو التسامح الذي لا يشعر صاحبه بأنـه يتفضـل به على أحد، وإنما هـو حق لجميع الأشخاص دون استثناء بغض النظر عن أديانهم وأحوالهم ومعتقداتهم ومذاهبهم.[23]
ولا يقف التسامح الايجـابي عند حد الكف عن إتيان ما فيه تشدد أو تضيق على الآخـر أو انتهاك لحقوقه، بل ويزيد عليه إتيان سلوك فكري/قولي/عملي فيه إكرام للآخر واحترام حقوقه والتعاون معه أو العفو عنه والتنازل لـه وحـب الخـير لـه والـدفاع عنـه وعـن حقوقه.[24]
ويمكن أن نستنتج من ذلك التسامح الشكلي السلبي هو تسامح اضطراري، أو إجبـاري، لأنـه لا يتأسـس علـى قناعـة المتسامح إن التسامح وقبوله به إراديا واختياريا ولا عن قناعة حقيقية لذلك فإنه يعده من المندوبات ويقبل به اضطرارا لا اختيارا لأسباب تفرضها عليه البيئة المحيطة به، ومن ثم فإنه لا يتمسك بـه ويمكـن أن يتخلـى عنـه حالمـا أمكنـه ذلـك، وأن التسـامح الموضوعي الايجابي هو تسامح اختياري لأنه يتأسس على قناعة وقبول إراديين اختياريين وإيمان حقيقي من المتسامح بتسامحه ،ومن ثم تمسكه به ورفضه التخلي عنه.
- التسـامح السـلبي: يبدو أن التسامح السلبي، متطابقا مع التسامح الشكلي (المظهري) إذ لا ينشأ عن عقيدة حقيقيـة بـل تمليه، أو تفرضه الظروف السياسية والاجتماعية التي توضح أن عدم التسامح سيؤدي إلى شرور كبيرة.
وبـذلك يكـون الكـف عـن فرض كل مـا فيـه تشـدد أو تضـييق علـى الآخـر، أو انتهـاك لحقوقـه في أدنى مستوياته، وبمجرد اللامبالاة به والانعزال عنه أو الامتناع عن التفاعل معه إلا للضرورة القاهرة وفي أضيق الحـدود، بتحمـل الإنسـان اضطرارًاً لما هو مختلف عما يرضاه
ويوافق عليه، مما ليس فيه مساس مباشر بشخصه، أو حرمانه من سلوك أو سمات أو ثقافة الآخر الذي يتفاعل معه.
ولا يقوم هذا التسامح على اقتناع وإيمان حقيقيين بمبـدأ وقيمة التسامح مع الآخر، بل يقوم على الضعف والعجز عن اللاتسامح مع الآخر، أو الخـوف مـن عاقبـة أو تكلفـة اللاتسـامح معـه.[25]
وينشـأ مثـل هـذا التسـامح السـلبي، عن تصور يفيد بأن من يجري التسامح معهـم، لا يستحقون بالفعل أن يُمنحوا تلك الحقوق الأساسية التي يلتزم المجتمع المدني بتقديمها لكل مواطنيـه ويعني ذلك، أنهم لا يتمتعون بنفس الحقوق الممنوحة للأعضاء الآخرين في المجتمع.[26]
وبخلاف ذلك ، يبـدو الثاني (التسـامح الايجابي) متطابقـا مع التسامح الموضـوعي (الجوهري) إذ ينشـأ عن عقيدة حقيقيـة، ويكون أكثـر من مجرد قبول بالتعايش مع المعتقدات و الحضـارات
الأخرى، بل واحترامها والتعاون معها أيضا بكل ما يترتب على ذلك من الحفاظ الناجح على حقوق الإنسان العامة وبخاصة الحرية الدينية.[27]
أنواع التسامح من حيث استمراريته:
يكون التسامح من حيث استمراريته على نوعين:
1-التسامح الدائم: أي استمرار الطرف المتسامح في تسامحها مع الآخر المختلف ولو تغـيرت الظـروف، ويتطـابق هذا النوع مع التسامح الموضوعي الجوهري الايجابي الاختياري.
2-التسامح المؤقت: أي تخلـى الطرف المتسامح عـن تسـامحه في ظـروف معينـة.
ويتطـابق هـذا النـوع مـع التسـامح الشـكلي المظهـري السـلبي الاضـطراري.
وقـد طرح “إراسم” في عام 1526م وللمرة الأولى، فكرة اعتماد تسامح مؤقت ولكن شرعي فقد اتسم منهجه بالتسامح وحرية الضمير، ولكن بشكل مؤقت من أجل السلام الأهلي والسلام العالمي، وردع الحركات الثوريـة، بـالرغم مـن أن الفكـرة قد وجدت تطبيقها العملي قبل ذلك. [28]
أنواع التسامح من حيث أبعاده:
يمكن أن يصنف التسامح من حيث نطاقه إلى نوعين أساسيين:
1-التسامح الداخلي: يتم تبنيه وتطبيقه داخليا في نطاق دولة واحدة أو مجتمع واحد.
2-التسامح الخارجي: يتم تبنيه وتطبيقه خارجيا في نطاق دول أو مجتمعات متعددة.
وغالبا ما يكون التسامح الخارجي انعكاسا للتسامح الداخلي وتجسيدا له على الصعيد الخارجي.
أنواع التسامح من حيث نطاقه:
يُمكن أن يصّنف التسامح من حيث نطاقه، أو درجة اتساعه وشموله، إلى نوعين أساسيين:
1-التسامح العام: يتسع وتمتد حدوده ليشمل كل المكونات المجتمعية في مجتمع واحد أو دولة واحدة أو إقليم واحد، أو يشمل كل العالم ودوله ومجتمعاته.
2-التسامح الخاص: يضيق التسامح وتقتصر حدوده، مجتمع واحد أو دولة واحدة أو إقليم واحد أو يقتصر في المجتمع الواحد أو الدولة الواحدة، أو الإقليم الواحد أو العالم على جماعة أو طائفة أو قومية أو حزب أو مكون دون آخر.
ويتحقق التسامح في الدولة الواحدة ذات الطبيعة التعددية السياسية والاجتماعية والاقتصـادية والدينيـة والعرقيـة، إذا اسـتطاع المجتمـع التعايش مع تعدديته إيجابياً وسلمياً، عبر تبنيه قيم الحوار الوطني الـداخلي القـائم علـى الاحـترام المتبـادل، والأنصـاف والعـدل، ونبـذ التعصب والكراهيـة[29] وأن يشمل هـذا الحوار، كل موضوع يقسم الفرد والمجتمع سواء كان سياسياً ثقافياً أو فكرياً ، لأن نجاح الحوار وفعاليته يكمنـان في شموليتـه واستيعابه الحاجة العامة[30]
وكلما ساد الحوار والتسامح الداخلي، كلما أمكن أن يتحقق الحـوار والتسـامح العـالمي لأنـه يقوي النسـيج الـداخلي في كـل بلد، وهـو السـبيل الاسمـي والأرقى، لضـبط الاخـتلاف
المـذموم، وتفعيل قيم التعاون والتآلف والتكاتف، وبخلاف ذلك، فإن غلق باب الحوار يعني غياب المشاركة والتعددية والتسامح.[31]
وقد بات المجتمع العالمي اليوم يضع قيوداً على غياب التسامح على المستوى الوطني، بعد أن بات مدركاً لحقيقة أنه الأساس الذي يقوم عليه التسامح، ومن ثم التعايش الفعـال على المستوى العالمي.[32]
حيث يعد تحقيق التسامح الداخلي والانفتاح على الثقافات المحلية، شرطا لتحقيق التسامح على المستوى العالمي وبين الثقافات الأخرى، وعلى العكس فإن الاعتقاد بامتلاك ثقافة معينة للحقيقة يؤدي بها إلى رفض الثقافات الأخرى والانغلاق عنها.[33]
أنواع التسامح من حيث موضوعه:
وتشمل المواضيع التي يتناولها التسامح:
1-التسامح الفكري:
يقصد بالتسامح الفكري احـترام الآراء والأفكـار المخالفـة وفقـاً لآداب الحـوار وعـدم التعصـب، فالاجتهـاد والإبـداع حـق لكل إنسان بغض النظر عن لونه، جنسه، دينه.[34]
ونقيض التسامح الفكري هو اللاتسامح الفكري الذي يعـني حجـب وتحـريم حق التفكير والاعتقاد والتعبير بفـرض قيود وضوابط تمنع ممارسة هذا الحق، بـل وتنزل عقوبات بالذين يتجرؤون على التفكير خارج ما هو سائد سواء أكان ذلك بقوانين مقّيدة أو عبر ممارسات قمعية. [35]
2-التسامح الثقافي:
يقصد بالتسامح الثقافي قبول واحترام القيم، والتقاليد والتوجهات الثقافيـة المختلفة، وعدم التمسك بالقيم والتقاليد والتوجهـات الثقافية الخاصـة، وتأييد كل رغبة في التجديد أو أي شكل أو نمط للتغيير.[36]
ويعبر التسامح الثقافي عن قبول واحترام الخصائص المختلفة لثقافات الأخرى في العالم ولأشكال التعبير المختلفة الخاصة بكـل منها، أو لأساليبها المختلفة في الحياة.
إذ يعني التسامح التجانس مع الاختلاف، وهو يـزداد مـع المعرفـة وانفتـاح العقـل علـى العـالم وزيـادة الاتصـالات والتفـاعلات مع الثقافـات الأخـرى، فضـلا عـن حريـة التفكـير والمعتقـدات والممارسـات، ومـن ثم فـإن التسـامح يعـبر عـن اتجـاه نشـط ينشـأ ويـزداد بالاعتراف بالحقوق الإنسانية الكلية والحريات الأساسية للآخرين. [37]
ويكمن المنطلق الأساس للتسامح الثقافي في القـدرة علـى احتواء التباين بروح نقدية، ورفض مختلف أشكال التعصب، لأن التباينات في المجتمع المتعدد ليست تباينـات في الآراء بـل تباينـات ثقافية، والتباينات في الآراء متحركة بحيث إن معارض اليوم قد يكون حليف الغد في حين إن التباينات الثقافية لهـا حـدود مرسـومة تتميز بالصلابة والاستمرار والدوام دون أن تكون حتماً نزاعية.[38]
3-التسامح الاجتماعي:
يقصد بالتسامح اجتماعياً الاستعداد لتقبل وجهات النظر المختلفة، فيما يتعلق باختلافات السلوك والـرأي، ولكـن دون الموافقة عليها بالضرورة، ويرتبط التسامح الاجتماعي بسياسات الحرية في ميدان الرقابة الاجتماعية.[39] وهو اعتراف بالآخر على أسـاس إنسـاني بعيـداً عـن التفاضـل العنصـري. لأن العنصـرية والعرقيـة والعـدوان تتنـافى مـع مبـدأ التسـامح. [40]
ويرجع تعرض المرأة لممارسـات الإقصـاء والتهمـيش، إلى مجموعـة مـن القيـود الـتي تفرضـها الظـروف السياسـية والاجتماعيـة والاقتصادية التي تجـذرت بسـبب التخلـف الثقـافي الـذي ينتمـي لتلـك الظـروف ويعـبر عنهـا، ويطمـح التسـامح هنـا إلى انتشـال المـرأة من قيود العادات والتقاليد اللاشرعية واللاإنسانية خاصة في المجتمعات الذكورية التي تحكمها السلطة الأبوية.
4-التسامح الديني:
يقصد بالتسامح الديني، قبول واحترام المعتقدات الدينيـة والمذهبيـة الأخـرى المختلفـة والمخالفـة، والتسـامح تجـاه معتنقيهـا ، والاعتراف بحق المرء في تبني أية ديانة أو مذهب وتظهر ضرورة هـذا النـوع مـن التسـامح، في الظـروف الـتي تسـيطر فيهـا حركـة دينيـة معينة علـى المجتمـع، وتضـطهد أصـحاب المعتقـدات الدينيـة أو المذهبيـة الأخـرى. [41]
وبـذلك فـإن التسـامح الـديني، هـو التسـامح بـين الـرؤى الدينيـة للأديان المختلفـة، أو مـع الرؤى المذهبيـة الأخرى داخـل الـدين الواحد، وأن يفهـم الفـرد أو يتفهم أو حـتى أن يطبق وجهات نظر فرد آخر على نفسه، لكنه مطالب بأن لا يتـدخل في الشـعائر الدينيـة للآخـر ويكفـل التسـامح الـديني للجميـع، حـق ممارسة معتقداتهم الدينية والمذهبيـة.[42]
ويـرى جـون رولـز أن التسـامح الـديني لـيس فكـرة سياسـية، لكـن التعبـير عنهـا يمكـن أن يـتم من داخل عقيدة دينية أو غير دينية (سياسـية).[43]
ووفقـا لـذلك، فـإن جميـع الاختلافـات الدينيـة بـين الشـعوب هـي إرادة ﷲ، سـواء أكان الاختلاف في العقائد الدينية بـين الأفـراد في نفـس المجتمـع، أو بيـنهم وبـين أفـراد المجتمعـات الأخـرى، وعليـه فـإن العقـاب علـى الاعتقاد الخطأ، أمر مرجعه إلى ﷲ وعلى المجتمعـات ذات الأديـان المختلفـة ، أن تحـترم بعضـها الـبعض، فالإيمـان بالـدين أمـر فطـري في كل البشر كما يعتقد رولز. [44]ولكل الأديـان والمـذاهب مـن منظـور التسـامح الـديني، حـق ممارسـة شـعائرها وطقوسـها أي التعـايش بحرية ودون تعصب.
وإذ تحفظ ممارسة التسامح ثبـات التـوازن الاجتمـاعي داخـل الجماعـة، فإنهـا تعطـي للدولـة شـرعيتها كدولـة، أي كإدارة للشـؤون العامة للجماعة/ بما في ذلك العلاقات بين الأديان والمذاهب الدينية. [45]
التسامح في بعـض الحضارات والديانات:
يؤكد كلود ليفي شتراوس، عدم وجود حضارة عالمية بالمعنى المطلق، لأن مثـل هـذه الحضـارة في الحقيقـة، هي ائـتلاف ثقافـات ذات أبعاد عالمية، فكل ثقافة لها هويتها الأصلية[46]
والحضارات لا تتصـادم أو تتصـارع، مـا دامـت تسـعى إلى منهـاج سـلمي آمـن.
فالحوار هو طريق مناسب لكل حضـارة فلا بد من أن تركز على الأسلوب الإنساني في المواجهة أي أسلوب الاعتراف بالآخر واحترامه.[47]
ويسعى حـوار الحضارات إلى إيجاد بيئة دولية سلمية ومسـتقرة، تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمساواة بين الثقافـات والحضارات المختلفـة، وعدم ازدراء الآخر والحط من شأنه والاعتراف بوجود تباينات واختلافات بين الحضارات والثقافـات بما يعكس حقيقة خصوصية ظروف نشأة وتطور كل حضارة.
ارتبطت مسألة التسامح بالقضية الدينية، وأول من كتب في هذا المجال هو الفيلسوف “جون لوك”، فقد ربط مقولة التسامح بالمسألة الدينية بوصفها الحل العقلاني الوحيد، لمشكلة الخلافات التي نشأت داخل الديانة المسيحية التي تمثل الدين الرئيسي في الثقافة الغربية.
والتسامح في الدين، هو احترام حرية التعبير، والانفتاح الفكري تجاه الذين يمارسون ديانات وعقائد دينية مختلفة عمّا نمارس.
وقد تعرض “عبد الرحمن بدوي” لفكرة التسامح الديني بالتفصيل في مقدمته لرسالة “جون لوك” في موضوع التسامح، إذ قدم عرضا وتحليلا لأهم الأفكار في التسامح الديني.
هنالك نوعان من الرؤى الدينية:
الرؤية الأول: يرى أن الأديان متساوية، وإنها ممتلكة للحق على التساوي والمماثلة، فهؤلاء يؤكدون على التسامح لان كل دين من الأديان يمثل الحق.
الرؤية الثانية: تعتقد هذه الرؤية، بنسبية الدين أو النسبية الدينية، التي تعتقد بأن كل دين يكشف عن جزء أو جانب من الحق، يؤمن أصحابها بفكرة التكامل الديني، إذ أن الأديان كلها ضرورية من أجل تحصيل الحق بأكمله.[48]
إلا أن مسألة التسامح فيها قدر كبير من المحذور في حالة قربها أو بعدها عن الدين، فبمستوى ما للمتطرفين الدينيين من أثر في العنف و اللاتسامح، ورفض الآخر وعدم الاعتراف به
وعارض البعض من رجال الدين في العصر الوسيط وخاصة مع الفكر الكنسي المسيحي بالذات فكرة التسامح، فقد كان هنالك رجال دين كبار يحاربون التسامح الديني وأي تساهل معه، ليس فقط الأديان الأخرى، بل مع المذاهب الدينية المسيحية الأخرى، ومنهم من دعا إلى عدم التسامح مع البروتستانت(لأنهم يمثلون الإصلاح أو التغيير) لأنه يجد أن الكاثوليك هم الحقيقة المطلقة التي لا يساورها أو يجاورها باطل، وأنهم الوحيدون الذين يستحقون الاحترام، وعلى العكس.
ومما يستهجن على(لوك) هو استثناء الكاثوليك من التسامح في رسالته حول التسامح، لأنهم يدينون بالولاء للبابا ولملك فرنسا حينها، وكأنها جاءت بالضد من فكرة الاستهجان المقابلة للبروتستانت من الكاثوليك.
وهذه الفكرة(أي مسألة الوقوف بالضد من مبدأ التسامح) لم تقتصر على الفكر الكنسي، بل تجد كثيرا من الرموز الدينية الإسلامية هي الأخرى، لا ترى الحق إلا فيها ومنها ومعها، أما الباقي فهم في ضلال، لا بل يجب – عند البعض – قتلهم وإلغاءهم على مستوى الفكر والسلوك والوجود أيضا.
أولا: التسامح في الحضارة الهندية(البوذية).
ساد الحضارة الهندية، دستور عـرفي سمـح بتعـايش الاختلافـات، واجتمـاع التناقضـات في فضـاء حضـاري تميـزه وحـدة روحـه الثقافيـة-الحضارية.[49]
وأفسـح التسامح حيال الثقافـات الأخرى ومدركاتها، المجـال أمام تبلور روح الاحـترام للاختلافات الفردية في مجالات الحياة المتنوعة، والاسـتعداد للقبول بتعايشها في فضاء ثقافي واحد/ ممـا انعكس في صورة فكر سياسي، غابت عنه روح التعصب، ونزعة اتهام الآخر بالعصيان وشق عصا الطاعة، وأنظمة سياسية كان للمجالس الاستشارية فيها دور في إدارة شؤون السلطة، والمجتمع وصنع قراراتها. [50]
وتميزت الفلسفة الهندية لاسيما البوذية منها بالتسامح والمحبة وعدم الأذية و اللاعنـف والشـفقة وعدم التعصب والانفتـاح العـالمي الإنسـاني الشـامل،فالبوذيـة نظـام وأسـلوب حيـاة قـائم علـى المحبـة والتطهـير والتسـامح والمحبـة وهي عقيدة حيـة وليسـت فلسـفة أو ديـن بـالمعنى الخـاص للكلمـة بـل طريقـة خاصـة في العبـادة فهـي قـوة للترفـع عـن الشـكليات ومـا جمد في طقوس ميتة وحركات رتيبة تبعد عن الجوهر كلما سما الدين وتعمق إيمـان المتـدين وسـلم سـلوكه وأصـبح اقـرب إلى التصـوف والروحانيات.[51]
ويتجلى تميز البوذية بالتسامح في تحذير بوذا من التعصب لأنـهُ يُعمـى عـن الحـق.
لـذلك فقـد عـدّ التعصـب أعـدى أعداء الدين، فدعا أتباعه إلى المحبة الشاملة لسائر الخلق فهي أهـم وأفضـل الأعمـال الحسـنة لـدى الجماعـة البوذيـة.
وكـان بـوذا يدعو إلى السلام و الخـير والوئـام، والإعـراض عـن الاحتقـار والتعصـب وسـوء النيـة وعـدم الإسـاءة للآخـر، ويوصـي بالتسـامح والحلـم الصبر والعدل والعفـو، ويرى بأن مقابلة الإساءة بالإساءة خطأ، فإصلاح الخاطئ هي بعدم العنف والإساءة بل بالصبر والحلم.[52]
وتنص الوصية البوذيـة الأولى علـى الرأفـة بالكائنـات الحيـة حـتى الحيوانـات منهـا، فمـن حيـث المبـدأ، يجـب أن ينسـحب حب القريب حتى على الحيوانات أيضا، ونص المرسوم الثاني عشر الصادر عن (اتوكي) على احترام خصوصيات الآخـرين، ومراعـاة التنوع خاصة الـديني، وأن علـى المـرء أن لا يظهـر محاسـن دينـه، لأن في ذلـك ضـررا بالـديانات الأخـرى بـل أنـه يفعـل شـرا فيهـا فهـو أذى كبير.[53]
ونصت التعاليم البوذية، على تفادي عشرة عيوب منهـا تنقيـة القلـب مـن الحقـد والكـره حـتى نحـو الأعـداء، والتعامـل بطيب مع الكائنات الحية.[54]
وكان من نصائح بوذا: “لا تدع كلمة الشر تخرج من بين شفتيك، ابـق محبـا للخير، ودوداً مليئ ا بالحب، لا تغمـر الحقد بل أحِط من لا يحب الخير بالنوايا الطيبة وسعة الصدر النقيـة من غضب وكره…فكونوا رؤوفين…فالكره لن يقطع دابر الكره أو العنف…إن التسامح وقبول الآخر هما التنسك الأعظم…فالإنسان الرحيم القلب محبوب من الجميع”.[55]
أما الغضب والتعنت والتعصب والكذب ومديح الذات واحتقار الآخر والغطرسـة والنوايـا الشريرة فهي التي تدنس الإنسان.
ويكمن وراء موقـف البوذيـة هـذا، احترامهـا للخلافـات في المجـالات المختلفـة في الحيـاة وهـي الخلافـات الـتي تميـز الثقافـات البوذيـة، والبوذية متسامحة حيال كـل الديانات، فعلى الرغم مـن اختلاف البوذيين فيما بيـنهم، إلا إنهم
يعترفون ببعضهم ، ويعترفون حتى بغير البوذيين، ولا ينظرون إليهم على أنهم أدنى منهم. [56]
وكان تسـامح بـوذا مـع المـرأة في البدايـة، بـالنظر إليهـا نظـرة شـك بقـدرتها ونواياها حـتى تردد كثـيرًاً في قبولهـا ضمن أتباعـه وجماعته، لكنـه قبلهـا فيما بعـد بإلحاح مـن ابـن عمه وأحـد من الحواريين المفضلين لديه (انتدا)، ومن خالته ماهابراجاباتي..[57]
وتعامل مع الرقيق بشكل حسن، إذ يوصي قانون (مانو) بمعاملة العبد معاملة حسنة، ويعد الإسـاءة إلـيهم ظلمـاً مـن قبـل السـيد، فالعبـد ضـل سـيده، وعلـى السـيد أن يصـبر عليـه ولـو أصـابه منـه مكـروه.
ثانيا: التسامح في الحضارة الصينية (الكونفوشيوسية):
تؤمن الفلسفة الصـينية الكونفوشيوسـية ومنذ القدم، بفكرة التجانس بين المختلفين، حيث ترى أن الأشياء المختلفة تكمـل بعضها البعض، مما يخلـق وضعا متجانساً، وهي لا تستبعد قدرة الآراء المختلفة على الوصول إلى الحقيقة، لأن من خصائص الفلسفة الصينية التأكيد علـى التكامـل لا التنـاقض. حيـث تنظـر إلى الخلافـات علـى أنهـا تكامليـة وليسـت تناقضـية، ومـن ثم فإنها تشكل كُلاً واحداً.
وتعد فكرة الاعتدال والمحبة واحترام القـيم، مـن صـميم الفلسـفة الكونفوشيوسـية ممـا يسـاعدها علـى تحقيق التعايش السلمي بين الحضارات، وهي تدعو إلى أن تكون (الدنيا أسرة) أي الوحدة على أسـاس التعـايش السـلمي والاحـترام المتبادل.
ويعتقد كونفوشـيوس أن مـا يجعـل البشـر إنسـانيين علـى نحـو فريـد هـو أل (جـين) أي حـب البشـر وطيبـة القلـب، فالقدرة على الحب تشكل جوهر الإنسانية، وقد فهم أتباع كونفوشيوس أن العيش وفقا لجين يقتضي تطوير طيبة قلب المرء الإنسانية ويقظة الضـمير.[58]
وكانت قاعدة كونفوشيوس الشهيرة: “عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به” أو”الا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعلـوه بـك” وهـي تنطـوي علـى الـدعوة للابتعـاد عـن الأنانيـة ومعاملـة الآخـرين بمعاملـة متبادلـة علـى أسـاس المحبة والاحترام.[59]
لذلك اعتقد كونفوشيوس أن الحكومة الصالحة هـي الـتي تحقـق السـعادة للشـعب، وهـي الخـير وليسـت المنفعـة أو المصلحة، وأن معاملات الناس لا بد أن تسير على مبدأ تبادل المعاملات أو المعاملة بالمثل. فيجب أن يمتنع الفرد أن يفعل للآخرين ما لا يريد للآخرين أن يفعلوه به، ولا بد من تربية الناس تربية جيدة، وتثقيفهم على روح التضامن.
ثالثا- التسامح في الحضارة اليونانية:
يُعتقد أن الحضارة اليونانية لم تعرف التسامح في وجهته الدينية، فتعددية الآلهة لديهم لم تمنعهم من التعامل مع من ينكـر وجودها بأقصـى درجات اللاتسامح، بـالحكم عليه الموت بشـرب السم. [60] ولكـن فولتير يعتقد، أن الإغريـق كانوا يحترمون الديانات والاختلافات الأخـرى وإن تعرضوا للانتقاد لإعدامهم سقراط بسبب آرائه، إلا أنه كان ضحية أعدائه من الشعراء والخطباء السفسـطائيين ولـيس ضـحية للتعصـب، وقـد نـدم أهـل أثينـا علـى عملهـم ذلـك،حـتى أن مـاليطس المسـئول الأول عـن هـذا الحكم، حُكـم عليه بالموت بسـبب تلك المظلمة وأن معبداً قد شُيد تمجيداً لسقراط. [61]
رابعا: التسامح في الحضارة الرومانية:
تبيّنُ دراسة الفكر السياسي الروماني، أنه مر بمرحلتين مختلفتين أثمرتا فكرًاً سياسياً مختلفاً ، وهاتان المرحلتان هما:
المرحلة الأولى: الفكر السياسي في مرحلة الجمهورية: شهدت هذه المرحلة ظهور أفكار سياسية متغايرة ونابعة من مؤثرات وتيارات معينة هي:
- تيـار التعصـب القـومي الأعمـى للجـنس الرومـاني والانغـلاق علـى الـذات القوميـة ومثـل هـذا التيـار (كـاتون) الـذي قضـى بترمـيم جميع المدارس الإغريقية الفلسفية التي كانت منتشرة في روما، وشدد في الوقت نفسه علـى احـترام الشـعوب الأخـرى، وعـدم التـدخل في شؤونها، ومعاملتها جميعاً بالعدل، ما عدا قرطاجة التي كان يرى فيها خطرًاً كبيرًاً على الدولة الرومانية، لذلك دعا الرومان إلى معاملتها بقسوة وحذر.
- تيار الفكر الإنساني المنفتح علـى الشعوب كافة، مثلـه القائد سكيبيون والمفكران الإغريقيين الأصل “بانتيوس” و “بوليـب“، حيث عمل سكيبيون على تهدئة نزعة التعصب الروماني بدعوته إلى المساواة، ومعاملة الشعوب الأخرى بالطيبة والاحترام.
وأكدت كتابات سكيبيون على:
- لإنسان كائن بشري طبيعي دون تمييز عن الآخرين بسبب اللون، الجنس، والتأكيد على أخوة البشر.
- المبادئ الأخلاقية البسـيطة كالمحبة والتـآخي، والتخلص من شرور العصبية العنصرية المنافية للأخلاق الفاضلة والمساواة بين البشر. [62]
- التيار العملي: ومثلـه شيشـرون الـذي عمـل علـى التوفيـق بـين واقعيـة بوليـب ومثاليـة بـانتيوس، كـان مـن أنصـار المسـاواة بـين الشعوب، ولا يرى من تضاد بين المصالح الخاصة والعامة، ولا يمكن أن تعمل إحداهما ضـد الأخـرى، إلا إذا دمـرت نفسـها، فـالمجتمع لديه نوعان:
الأول: يجمع ويوحد الأشخاص الخيرين الذين تجمعهم الصداقة.
الثاني: الوطن الأكثر قدسية الذي يريده أن يكون وطنا عادلاً .
وتأثر شيشرون بفكرة القانون الطبيعي التي جاءت بها الرواقية، والتي تؤسس للقول بوحدة الجنس البشري، وتسـاوى جميـع الأفراد بغض النظر عن جنسهم وعن دينهم.[63]
ورأى شيشرون أن القانون الطبيعي، هو القانون الذي يحقق المساواة للناس، ويجب على القوانين الوضعية أن تستخدمه عن الحديث عن أهمية المحبـة، كـرابط اجتمـاعي وسياسـي في تفكير آباء الكنيسة. [64]
وأبدى سنيكا نوعاً من التسامح تجاه المساواة الروحية, لاعتقاده بالمساواة بين العبد والسيد فبالـروح الـتي تمتـزج فيها الطبيعـة الإلهيـة والروح الإنسـانية، وأن أهـم ما يملكـه الإنسـان هو القـدرة علـى التغلب علـى الخـوف والموت ، وتميزه بالصبر والشفقة…لكنه اعتقد في الوقت نفسه، بوجود فروق طبيعية في المكانة الاجتماعية للأفراد، وهذا يدل على سعيه للتوفيق بين موقفه، وبين الممارسات السائدة في عصره.[65]
ويعـني هـذا أن تسـامح سـنيكا كـان تسـامحا جزئيـا ولـيس شـاملا، لإيمانـه بالتمييز الاجتماعي بما يـدفع باتجـاه اللاتسـامح الاجتمـاعي، وهـو مـا يعـود إلى تـأثره بواقـع رومـا الـذي عاشـه فـالفكر لا ينفصـل عـن الواقع بل يؤثر فيه ويتأثر به.
وإذا كانـت الحضـارة الرومانيـة قـد بـدأت بالتسامح علـى المسـتوى العملـي، فإنهـا لم تنته بـه فقـد صـدر مرسـوم التسامح مع المسيحيين (33-313 م) أولاً، ثم بين المسيحيين ثانياً، ويمكن تلمس التسـامح عنـد الرومـان في نصـوص القـانون الـذي تميـزوا بـه، وعـرف بعدله.[66] ولكن بعـض القوانين، عرف بقسـوته في معاملة الأجانب أو العبيد، إلا أن الرومان كانوا يدعون إلى السلم العالمي، وتنظيم علاقتهم العالمية مع الشعوب الأخرى.
وكانت القوانين الداخليـة الخاصـة بـالمواطنين، لا تميـز بـين الفقـراء والأغنيـاء/ بـل تحترمهم لكونهم مواطنين.
ولكن الواقـع يشـير إلى التمييـز الطبقـي في الحضـارة الرومانيـة، الـتي لم تعـترف للعمـال بحقـوق المواطنـة، وحتى المسـاواة أمـام القضـاء. فطبقـت علـيهم قـوانين خاصـة.[67]
إلا أن فـولتير يـرى أن الحضـارة الرومانيـة، عرفـت التسـامح إلى ابعـد الحدود خاصة مع الديانات الأخرى (اليهود، المصريين القدماء..)، فكانوا يعدون التسـامح البنـد الأكثـر قدسـية في القـانون المنـظم لشـؤون الأمـم.
وعرف الرومان بتسامحهم مع المسيحيين واليهود، قبل أن يتخـذوا المسـيحية ديانـة رسميـة لهـم، بـل أن اليهود هم اللذين تآمروا على القديس بولس وبـأمر مـن يهـودي صـدوقي.
وحـتى عنـدما قمـع الرومـان اليهـود، سـرعان مـا عـاد هؤلاء إلى مناصبهم العليا في الدولة.
لكن هذا التسامح، كان في عهد الجمهورية الرومانية القديمة، والإمبراطوريـة الرومانيـة الأولى، إذ انقلبـت السياسـة الرومانيـة فيمـا بعد إلى سياسة غير متسـامحة سياسياً، ولكن ليس دينياً. فكان الرومان ينظرون إلى اليهود على إنهم مجرد طائفة، أما المسيحيين فتعرضوا للاضطهاد لسبب سياسي وليس ديني، حيث كانت معتقداتهم تمنعهم من المشاركة في الاحتفال الشكلي البحت، لعبادة الإمبراطور، وهو ما نظر إليه الرومان كعصيان مدن.[68]
ولكن الإمبراطـور “كسـميانوسغـاليريوس” أصـدر في عـام 371م مرسوم التسامح مع المسيحيين، والذي عرف باسم (مرسوم نيقوميديا).[69]
خامسا: التسامح في الدين الإسلامية :
الآخر في القرآن ليس مشروع حرب، بل هو مشروع تعارف وفكر، ودعوة وسلام وأخوّة وتعاون وحسن ظن ودعاء بالخير. وعليه فلا يجوز أن يفهم التسامح الذي جعل له الإسلام أساساً راسخا لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم أو بينهم، على أنه نوع من الانفلات و اللامسؤولية، بل هو التسامح الذي لا يلغي الفوارق والاختلافات والخصوصيات.
إن الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم وقدمه ذلك التقدم الملحوظ حمل بين طياته قوانين عدة مهمة عملت على نشره في شتى أرجاء العالم الأكبر.فمن أشهر هذه القوانين المهمة التي كان لها الدور الأكبر، والطائل في تقدم المسلمين في مختلف الميادين هو قانون: اللين واللاعنف والتسامح الذي أكدت عليه الآيات المباركة فضلاً عن الأحاديث الشريفة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام.
ففي القرآن الكريم هناك أكثر من آية، تدعو إلى اللين والسلم ونبذ العنف والبطش
يقول سبحانه وتعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). ويقول: “وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا“.ويقول: (وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” ويقول: “خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِنَ“.
أما التسامح من وجهة نظر السنة النبوية، فإنه يتشارك مع ما جاءت وحملته هذه اللفظة لغوياً فأن معنى التسامح هو التساهل والمساهلة في كل جوانب الحياة، لذلك جاء قول الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم:” رحم الله امرئ سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى “إن سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وعلى اله وسلم وأهل بيته عليهم كانوا أبرز تجلٍّ ومصداق لسلوك منهجية السلام والتسامح في الأمة؛ فالرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى اله وسلم قائد الحركة السلمية اللاعنفية الأولى في تاريخ العالم.
إن ديننا الإسلامي هو دين التسامح والمحبة والسلام. وهو عقيدة قوية تضم جميع الفضائل الاجتماعية والمحاسن الإنسانية، والسلام مبدأ من المبادئ التي عمق الإسلام جذورها في نفوس المسلمين، وأصبحت جزءاً من كيانهم، وهو غاية الإسلام في الأرض.
الإسلام والسلام يجتمعان في توفير السكينة والطمأنينة، ولا غرابة في أن كلمة الإسلام تجمع نفس حروف السلم والسلام، وذلك يعكس تناسب المبدأ والمنهج والحكم والموضوع، وقد جعل الله السلام تحية المسلم، بحيث لا ينبغي أن يتكلم الإنسان المسلم مع آخر قبل أن يبدأ بكلمة السلام، حيث قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “السلام قبل الكلام” وسبب ذلك أن السلام أمان، ولا كلام إلا بعد الأمان: وهو اسم من أسماء الله الحسنى.
ومما لا شك فيه، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء سلاماً ورحمةً للبشرية ولإنقاذها وإخراجها من الظلمات الى النور، حتى يصل الناس جميعاً إلى أعلى مراتب الأخلاق الإنسانية في كل تعاملاتهم في الحياة.
ومن المعروف أن العالم بأسره وخاصة العرب قد شهد حروبا كثيرة في زمن نشأة الرسول وقبل بعثته، فكانت القبائل العربية تتقاتل فيما بينها أو مع القبائل الأخرى بسبب أو بدون سبب، وقد جاء الإسلام الحنيف ليخرج الناس من هذه الحياة السيئة والصعبة، وينقلهم إلى حيث الأمن والأمان والسكينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حريصا على إبعاد الناس تماما عن الحروب وعن كل ما يؤدي إليها، وكان صلى الله عليه وسلم أيضا يبحث دائما عن الطرق السلمية والهادئة للتعامل مع المخالفين له.
إقرار السلام لا يعني انتفاء الحرب تماماً، بل إن الحرب وضعت في الشريعة لإقرار السلام وحمايته من المعتدين عليه، وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين المؤمنين بأن يقاتلوا في سبيله، والله هو السلام، وأمرهم بأن يقاتلوا المعتدين وينصروا المعتدى عليهم الآمنين المسالمين.
إن السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الأرض، فالسلام يشمل أمور المسلمين في جميع مناحي الحياة ويشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن وجد السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب.
وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، عدة قواعد وأحكام ينبني عليها مفهوم السلام، مما يشكل للمسلمين قانوناً دولياً يسيرون عليه، وهذه القوانين والشروط الواجب توفرها حتى يتحقق السلام تظهر في المساواة بين الشعوب بعضها البعض، فالإسلام يُقرِّر أنَّ الناسَ، بغض النظر عن اختلاف معتقداتهم وألوانهم وألسنتهم، ينتمون إلى أصلٍ واحدٍ، فهم إخوة في الإنسانية ومنه قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: “كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى”
كما أن الوفاء بالعهود، ومنع العدوان، وإيثار السلم على الحرب إلا للضرورة وإقامة العدل والإنصاف، ودفع الظلم، من القواعد الأساسية لتحقيق السلام بين الشعوب والمجتمعات، فلا يعتدي أحدٌ على حق أحدٍ، ولا يظلم أحدٌ أحدًا، فالإسلام يسعى دائما إلى استقرار الأمة الإسلامية، كما يسعى إلى استقرار علاقات المسلمين بالأمم الأخرى.
إن أثر الإسلام في تحقيق السلام العالمي يتجلى في تعزيز التعايش السلمي وإشاعة التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات لمواجهة المشكلات وتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية في ذلك.
إن للسلام العالمي شأناً عظيماً في الإسلام، فما كان أمراً شخصياً ولا هدفاً قومياً او وطنياً بل كان عالميا وشموليا، فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً فالمولى عز وجل، عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضا، فالإسلام يدعو الى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم ممن يعيشون على هذه الأرض.
ويكشف لنا التاريخ أن جميع الحضارات كانت تواقة من أجل تحقيق السلام العالمي.
السلام ضرورة حضارية، طرحها الإسلام منذ قرون عديدة من الزمن، باعتباره ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية، ابتداء من الفرد وانتهاءً بالعالم أجمع، فيه يتأسس ويتطور المجتمع.
وقد حان الوقت لنقف على عتبات المجتمع الدولي ونقود أجيالنا إلى لغة الحوار ونصرخ بصوت عال لا للحروب لا للإرهاب لا للقتل لا للدمار ولا للعنف.
قائمة المراجــــع:
- محمد أركون، في التسامح: مقارنة بين الأديان والعقل الحديث، مجلة: قضايا إسلامية معاصرة، العدد 37-28، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2008.
- عصام عبد ﷲ، المقومات الفلسفية للتسامح الثقافي، الإمارات العربية المتحدة، 2005.
- محمد مجتهد شبستری، إشكالية التسامح، عن: (مجموعة باحثين): التسامح وجذور اللاتسامح.
- بيتر. ب. نيكولسون، التسامح: كمثال أخلاقي، ع ن: (مجموعة باحثين): التسامح بين شرق وغ رب، ط١ ترجمة: إبراھيم العريس، دار الساقي للطباعة والنشر، بيروت، 1992.
- سمير الخليل، التسامح في اللغات الغربية، عن: (مجموعة باحثين): التسامح بين شرق وغرب.
- منير البعلبكي، قاموس المورد، دار العلم للملايين، بيروت ،2005.
- حميد نفل النداوي، ثقافة التسامح وجدلية العلاقة بين ألانا والآخر، المجلة السياسية والدولية، العدد ٨، كلية العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية ،2008.
- محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت1997.
- ناجي البكوش وآخرون، دراسات في التسامح. المعھد العربي لحقوق الإنسان، تونس،1999.
- ثائر عباس النصراوي، التسامح الديني في مدرسة النجف الأشرف، عن: (مجموعة باحثين): التسامح في الديانات السماوية ،بيت الحكمة، بغداد،2010.
- ثائر عباس النصراوي، التسامح الديني في مدرسة النجف الأشرف، عن: (مجموعة باحثين): التسامح في الديانات السماوية ،بيت الحكمة، بغداد،2010.
- شوقي أبو خليل، تسامح الإسلام وتعصب خصومه، ط3، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، 1428ھـ.
- محمد أركون، في التسامح: مقارنة بين الأديان والعقل الحديث، مجلة: قضايا إسلامية معاصرة، العدد 37-28، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2008.
[1]عصام عبد ﷲ، المقومات الفلسفية للتسامح الثقافي، الإمارات العربية المتحدة، 2005، ص17.
[2]المصدر نفسه، ص17.
[3]المصدر نفسه، ص17.
[4]بيتر. ب. نيكولسون، التسامح: كمثال أخلاقي، ع ن: (مجموعة باحثين): التسامح بين شرق وغ رب، ط١، ترجمة: إبراھيم العريس، دار الساقي للطباعة والنشر، بيروت، ١٩٩٢، ص٢٩.
[5]محمد أركون، في التسامح: مقارنة بين الأديان والعقل الحديث، مجلة: قضايا إسلامية معاصرة، العدد 37-28، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2008، ص 56.
[6]سمير الخليل، التسامح في اللغات الغربية، عن: (مجموعة باحثين): التسامح بين شرق وغرب، مصدر سبق ذكره، ص6 – ص7.
[7]محمد مجتهد شبستری، إشكالية التسامح، عن: (مجموعة باحثين): التسامح وجذور اللاتسامح، مصدر سبق ذكره، ص81.
[8]منير البعلبكي، قاموس المورد، دار العلم للملايين، بيروت ،2005، ص 975.
[9]المصدر نفسه، ص17.
[10]شوقي أبو خليل، تسامح الإسلام وتعصب خصومه، ط3، منشورات كلية الدعوة الإسلامية، طرابلس، 1428ھـ ،ص41.
[11]المصدر نفسه، ص42.
[12]ثائر عباس النصراوي، التسامح الديني في مدرسة النجف الأشرف، عن: (مجموعة باحثين): التسامح في الديانات السماوية ،بيت الحكمة، بغداد،2010 ص 116.
[13]حميد نفل النداوي، ثقافة التسامح وجدلية العلاقة بين ألانا والآخر، المجلة السياسية والدولية، العدد ٨، كلية العلوم السياسية، الجامعة المستنصرية ،2008، ص144.
[14]اندريه لالاند بالفرنسية: André Lalande) فيلسوف فرنسي (1876-1963) ولد في ديجون، ودرس في عدة مدارس ريفية، إلى أن انتقل إلى مدرسة أنري الرابع، فدار المعلمين العليا ما بين 1883 و 1888. نال شهادة في الفلسفة عام ١٨٨٨، وشهادة الدكتوراه في الآداب عام 1899. وفي سنة 1909 صار أستاذاً مساعداً في الفلسفة بالسوربون، وأستاذ كرسي عام ١٩١٨، ثم عمل أستاذاً بالجامعة المصرية. تخرج على يديه الفوج الأول من طلاب قسم الفلسفة. أَلف “المعجم الفلسفي” المعروف بمعجم لالاند.
[15]ناجي البكوش وآخرون، دراسات في التسامح. المعھد العربي لحقوق الإنسان، تونس، 1999، ص12.
[16]محمد عابد الجابري، قضايا في الفكر المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997، ص28.
[17]محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني (كيف نفھم الإسلام اليوم)، ط٢، ترجمة وتعليق: ھاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 2000، ص243.
[18]ماجد الغرباوي، التسامح ومنابع اللاتسامح (فرص التعايش بين الأديان والثقافات)، ط1، مؤسسة عارف للطباعة، بغداد ـ النجف، 2008، ص20.
[19]ياسين بن علي، مفهوم التسامح بين الإسلام والغرب، ط1، دار الدعوة الإسلامية للنشر، طرابلس ،2006، ص13.
[20]حسن السيد عز الدين ،بحر العلوم، المجتمع المدني في الفكر الإسلامي، ط١، مركز النجف للثقافة والبحوث ،2008، ص130.
[21]جون لوك، رسالة في التسامح، ترجمة وتعليق: عبد الرحمن بدوي، مركز دراسات فلسفة الدين، بغداد، 2006، ص8.
[22]المصدر نفسه، ص84.
[23]محمد أركون، قضايا في نقد العقل الديني (كيف نفھم الإسلام اليوم) مصدر سبق ذكره، ص201.
[24]مؤسسة المنصور الثقافية، في مفهوم التسامح أفكار أولية، www.ALmansur.com
[25]في مفھوم التسامح أفكار أولية، مصدر سبق ذكره، ص1.
[26]ستيفن م. ديلو ، مصدر سبق ذكره ، ص56
[27]محمود حمدي زقزوق، مصدر سبق ذكره، ص198.
[28]جوزيف لوكلير، مصدر سبق ذكره،ص163.
[29] أشرف عبد الوھاب، مصدر سبق ذكره، ص20.
[30]عبد الستار الهيتي، الحوار (الذات مع الآخر)، ط١، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2004، ص109-112.
[31]عبد ﷲ علي العليان، حوار الحضارات في القرن الحادي والعشرين..رؤية إسلامية للحوار، ط١، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت ،2004، ص193.
[32] أشرف عبد الوھاب، مصدر سبق ذكره، ص20.
[33]عبد الستار الهيتي، الحوار (الذات مع الآخر)، ط1، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، 2004، ص109-112.
[34]ھناء محمد حسن، مصدر سبق ذكره، ص96.
[35]عبد الحسين شعبان، مصدر سبق ذكره، ص57.
[36]المصدر نفسه، ص60.
[37]المعجم العلمي للمعتقدات الدينية، ترجمة وتعريب: سعد الفيشاوي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاھرة، 2007، ص236.
[38]المعجم العلمي للمعتقدات الدينية، ترجمة وتعريب: سعد الفيشاوي، الھيئة المصرية العامة للكتاب، القاھرة، 2007، ص236.
[39]ناھدة عبد الكريم، مصدر سبق ذكره، ص260.
[40]ماجد الغرباوي، مصدر سبق ذكره، ص250.
[41]المعجم العلمي للمعتقدات الدينية، ترجمة وتعريب: سعد الفيشاوي،الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاھرة، 2007، ص236.
[42]حسن عجيل حسن، أھمية التسامح والاحترام المتبادل في المجتمع في إشاعة ثقافة اللاعنف، عن: (مجموعة باحثين): ثقافة اللا عنف في التعامل مع الآخر، مصدر سبق ذكره، ص393.
[43]جون رولز، مصدر سبق ذكره، ص202.
[44]المصدر نفسه، ص124.
[45]برھان غليون، نظام الطائفية من الدولة إلى القبيلة، ط1، المركز الثقافي العربي، بيروت، 1990، ص84.
[46]مايكل أنجلو، مصدر سبق ذكره، ص394.
[47]محمود عكام، الحوار الثقافي والحضاري في خدمة السّلام، ع ن: (مجموعة باحثين): الحوار الحضاري والثقافي أھدافه ومجالاته، مكة المكرمة، 2005، ص311.
[48]عامر الوائلي، مصدر سبق ذكره، ص289.
[49]عبد الرضا الطعان وآخرون، موسوعة الفكر السياسي القديم، ج1، ط1، دار الجنان للطباعة والنشر،عمان، 2009– 2010، ص88.
[50]المصدر نفسه، ص98.
[51]المصدر نفسه، ص180– 181، ص244.
[52]المصدر نفسه، ص168.
[53]أ. س. ميغوليفس كي، أسرار الآلھة والديانات، ط١ ، ترجمة: إحسان ميخائيل اسمق، دار علاء الدين للنشر والطباعة دمشق، 2009، ص183.
[54]المصدر نفسه، ص99.
[55]المصدر نفسه، ص194.
[56]جون كولر، الفكر الشرقي القديم، ترجمة: كامل يوسف حسين، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1990، ص309.
[57]جون كولر نفس المرجع.1990 ،ص 309.
[58]جون كولر مرجع سابق، ص334
[59]جون كولر مرجع سابق، ص226.
[60]عبد السلام الترمانيني، مصدر سبق ذكره، ص55.
[61]جون كولر، مصدر سابق ، ص369– 370.
[62]المصدر نفسه، ص326– 338
[63]عمر الحي، مصدر سبق ذكره ص347.
[64]علي عبد المعطي محمد، مصدر سبق ذكره، ص113.
[65]المعجم العلمي للمعتقدات الدينية، مصدر سبق ذكره، ص572.
[66]علاء كاظم مس عود، مفهوم التسامح في الفلسفة الحديثة، رسالة ماجستير (غي ر منشورة)، كلية الآداب، جامعة بغداد، 2008، ص 22.
[67]عماد خليل إبراھيم، مصدر سبق ذكره، ص22.
[68]علاء كاظم سعود، مصدر سبق ذكره ،ص22.
[69]ولتر، مصدر سبق ذكره، ص74.